المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أقلام مجتهدة|| رِوٱية رُوجِيناٌ | Ŕŏŏgïnă. بِقلم الآعضٱء


ساي
07-31-2020, 10:59 PM
https://i.top4top.io/p_2301lofu31.png

البارت 1

بقلم الكاتبة : Mon

هدد صوته العالي نسبياً زوايا المكان لكنه لم يأبه أبداً فكل ما كان يريده بتلك اللحظة هو تفجير كل ما بداخله من غضب كان يتملكه طوال مدة عملها عنده " والآن .. كيف ستفسرين لي ما حدث يا آنسه روجينا "

رفعت تلك الأخيرة قرصيّ عينيها الأزرقين له في أنفعال وقالت تبرر له " سيدي المدير صدقني أنا بريئة من ذلك .. " صوبت نظري لذلك الشاب المنتصب أمامي على الطاولة بملامح واثقة دون الشاب الآخر الذي بجانبه وقلت " هذا الرجل هو المخطأ , كنت قادمة لأخذ طلبه لكنه كان يضايقني لهذا أنا دفاعاً عن نفسـ.. "

قاطعني بشراسة " لا يحق لكِ مهما كان السبب الصراخ بوجه الزبائن كيفما تشائين , أنتِ لست سوى مجرد عاملة هنا "

راددت بصوت لم ينافس صوته بالعلو " ماذا كان يجب أن أفعل , أن أسمح له بأزعاجي وأكتفي بالنظر "
رد بثقة " كان عليك أن تأتي إليّ وتقدمي شكوى "

" لم يكن لدي خيار وقتها لأتخلص منه ! لا افهم , لما أنا من يهان هنا! أليس من المفترض أن يطرد هو على قلةِ حيائِه نحن لسنا بنادٍ ليلي "

رد ذلك الشاب والذي لم يكن سوى زائرٍ بذلك المطعم المتواضع بغضب مصطنع " ماذا ! "

فأجابه المدير مهدأً بسرعه " أهدأ من فضلك "

وجه نظره له وقال " المكان هنا لا يطاق بالفعل .." وجه نظره لذلك الشاب الذي بجانبه " لنخرج من هنا "

فقال ذلك الأخير بنبرة أستنكار وتعجب " ما خطب هذه الفتاة ! نحن لم نفعل لها شيء "

رد ذلك الأخير " لا تلقِ لها بالاً إنها مغترةٌ بنفسها فحسب , من سيهتم بفتاةٍ بشعةٍ مثلُك "

أزداد غضب روجينا من وصفها بـ البشعة! " ماذا قلت!!! " لكنها تتردد بتحرير ما بداخلها من غضب كي لا يزداد غضب المدير الذي لحق بذلك الأثنين ليهدأ من روعهما ويقنعهما بالبقاء وهذا أستغرق وقتاً فوجهت روجينا نظرها لهم بنظرة واثقة وهي تقف متكتفة وعندما نجح المدير أخيراً طلب قدوم نادل آخر غيرها وترك الطاولة بأبتسامه مزيفة ومن ثم عبر نحوها وتوقف أمامها يقول " لم أعد أستطيع تحمل مشاكلك روجينا , لا أريد رؤيتك بعد الآن ! أنتِ مفصوله "

تلاشى كل الغضب بداخلها على كلماته , وضعفت ملامحها بشكل سريع .. غادر مكانه تاركاً أياها خلفه دون أن يدرك شيئاً عن ذلك البركان الذي أنفجر بداخلها .. يال حمقها ! أرتجفت أطرافها بخفه لكنها لم ترد أن تفقد قوتها بتلك اللحظة أمامه وأمام أولائك الذين كانوا يراقبونها منذ ثوان فتماسكت بصعوبة وصاحت بغضبٍ مصطنع ونبرٍة مهزوزة " وكأنني أريد البقاء هنا " ثم غادرت مكانها للداخل
داخل غرفة العاملين خلف آخر درج بصف الدروج كانت تقف وهي تخفي وجهها بين كفيها تبكي بصوت مكتوم وخافت .


لم تتوقع قط أن ذلك ما سيكون نهاية ذلك الشجار , لو أنها علمت لما تجرّأت وفعلت ذلك! كيف ستجد لها عملاً الآن .. هل ستعود لحياة التشرد مرة أخرى , اللعنة .. اللعنة على كل شيء ! .

ألتقطت ثيابها من الدرج وحذائها وبدأت تبدل فستان عملها المبهرج الوردي , صفقت باب الدرج بعد أن ألقت ثيابها بالداخل بفوضوية وغادرت , خرجت لتجد نفسها محط نظر العاملين بالمكان لكنها كانت تتجاهل كل ذلك وغادرت المطعم . 


تباً ! بعد أن ظننت أني أستقريت أخيراً وأستطيع العيش بسلام .. يبدو أن كل شيء سيعود لما كان .
ذلك المدير البخيل اللعين .. لن أغفر له أبداً , كيف يجعلني محط سخرية للجميع ويطردني بسبب ذلك الزبون المنحط المنحرف , لم ينتهي الأمر بعد , حتماً سأري ذلك العجوز أنني أنا روجينا التي لا تذلُّ أبداً وسأجعله يعضُّ أصابعه ندماً على ما فعله , سيرى اياماً سوداء .

غادرتُ وأنا أضرب قدميّ بالأرض بعنف وأمشي بخطوات تميل للسرعة في غضب وأستياء شديدين .. كنت أشتُم ذلك المدير بداخلي بأنواع ومختلف الشتائم .. قطعت الرصيف نحو الشارع وأطبقت عيني بقوة , سحقاً .


فجأة!!


قفز قلبي من محله للحظة عند سماعي صوت بوق سيارة كاد يخطف سمعي من علوه ففتحت عيني بسرعة وأنا أوجه بصري ناحية الصوت فصعقت وأنا أرى سيارة سوداء كبيرة تتوجه نحوي مباشرة بسرعة خرافية , خانتني قدماي تماماً وأبت الحركة من هول الصدمة وأنا أوسع عيني لمصارعها .


https://j.top4top.io/p_2301mqewp2.png

سَـديْـم.
07-31-2020, 11:46 PM
https://c.top4top.io/p_1539x1d5v2.gif (https://top4top.io/)



السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته ق1
اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين ق1

كيف حالكم يا أصحاب الأقلام المجتهدة ! ق1
وبالأخص صاحبة البارت الأول "ساي"
تدري إنِّي قبل ما أقرأ البارت كنت شوي تعبانة، وبعد ما قرأته كل التَّعب اختفى هع1
بحق أحببتُ مثابرتكم وجهودكم للكتابة وخاصة بهذه الطريقة الجميلة والممتعة ق2
في البداية عندما قرأتُ اسم الرِّواية "روجينا" ظننتُ أنَّها شيء ما داخل الرِّواية ولكن اتَّضح لي أنَّها البطلة ق2
يبدو أنَّ بطلتنا تعاني جدًا من ناحية العمل سواء بالبحث عنه أو بالمشاكل التي تتعرَّض لها أثناء العمل :(
أنا فضوليَّة جدًا لحياتها أنْ كيف هي من دون العمل ستعود لحياة التشرُّد !

بانتظار القادم دائمًا ق1
دمتم بودٍّ ق1

سبحانكَ اللهمَّ وبحمدكَ، أشهدُ أنْ لا إله إلَّا أنتَ، أستغفركَ وأتوب إليكَ ق1

ساي
08-01-2020, 07:13 AM
https://i.top4top.io/p_2301lofu31.png

البارت 2

بقلم الكاتبة : Freeal

نقلتُ بنظراتي بين السيارة و السائق ... کنت أُحاول تجميع شتات أفکاري و التحرک من مکاني لکن عبثا کنتُ أُحاول ...


أغمضت عيني بعد أن إستسلمتُ للواقع و لا أذکر ما حدث بعد ذلک !!!

فتحت عيني و قد إستعدتُ وعيي بالکامل ، جُلت بنظراتي أستکشف المکان ، غرفه متوسطة الحجم و سرير کبير و خزائن مُزخرفه و سجادة کبيره و مزهوة بالألوان ، مفروشة بجانب السرير لمحتُ شخص يقف بجانب النافذه مُمسکا طرف الستارة العربيه الطويله وينظر إلي الخارج بإهتمام ...

رفعت بجسمي العلوي و بدئت أمسح شعري بتسأل ؛ ماذا حدث ؟؟؟؟


*****


بدأت تحکُ على رأسها بکلتا يديها و بغضبٍ من عدم مقدرتها على تذکر أي شيء !!!

لكن عبثاً كانت تحاول ...

رفعت نظرها تحملق بذلك الواقف بجانب النافذه ...

أرادت النزول من السرير و مغادرة المكان ولكنها تجمدت مكانها !!
لأن ذلک الواقف أمام النافذةِ إلتفت إليها فرفعت ببصرها نحوه بتسائل ، ثم بدء يخطو خطوات ثابته نحوها ، نظرت اليه بتمعن بدي لها في بداية الثلاثينيات و ربما في أواخر العشرينيات ....

إنتصب أمامها قائلاً بإستهتار :

" أيتها المزعجه کدتي تسببي لي مشکلة أنا في غناً عنها !!! "

أدرکت روجينا لحظتها إنها کادت تتعرض لحادث ... ثم تذکرت ملامح السائق ،نهضت من مکانها بسرعه و وقفت على السرير قائلةً بغضبٍ وغباء :

" أيها الأحمق کدت تقتلني !!! "

ضمت نفسها بکلتا يديها و هي تقول بهدوء بعد کل ذلک الإنفعال :

" أنا لا أفهم لما قد يقود شخص لا يجيد القياده " - تنهت بملل لتکمل - " سائقو آخر زمن !! "

کان يقف مکانه ينظر بغباء على تصرفاتها الغبيه ، رفع حاجبه وتنهد بملل ليکمل و هو يقذف بثيابٍ نحوها :
"" أنتي تدينين لي بثمن فاتورة المشفي !!! ""

بدأت تنقل بصرها بين الثياب التي إلتقطتها و بين ملامح الشاب اللامُباليه حتي أدرکت قصده فقالت بغضب وهي تقذف بالثيابِ في وجهه :

" کدت تقتُلني يا هذا و بدل أن تعتذر مني و ترجوني کي لا أشتکي عليک لدي الشرطه تبتزني وتطالب بثمن الفاتوره !!! "

أجابها بعد أن أبعد الثياب من على وجهه ونظرةٌ بلهاء على محياه :

" أنا تعبت لجني تلک الأموال و يحق لي أن أطالب بها ، لمعلوماتک دفعت مثيل أجر خادمتي لثلاثة أشهر !!! "

انفعلت من اجابته المستفزه و قالت بلا تفکير :

" ولما لم تطالبني بثمن الفاتوره بدل ذالک العرض المغري ؟؟؟ "

مد يده و بدأت تنقل بنظراتها بين يده و نظراته البلهاء حتي تذکرت أمراً مهم ، بل أمراً مهماً للغايه !!! - لقد طُردت من العمل- شعرت بالإحراج الشديد لهذا الموقف و أنزلت رأسها و قالت بإحراج :

" لقد ... أقصد ... ليس الآن ... ربما لاحقا ... لكنني حقا ... "

قاطعها قائلاً بإستخفاف :


" مفلسه !!! "

https://j.top4top.io/p_2301mqewp2.png

ساي
08-01-2020, 07:23 AM
https://i.top4top.io/p_2301lofu31.png

البارت 3

بقلم الكاتبة : Ke minako

إبتسم بسخرية وهو ينظر إليها خائبة ، فقد هزمتها الحياة شر هزيمة هذه المرة أيضاً

كما هي حال الهزائم السابقة التي تعرضت لها وهي تحاول مصارعة قسوتها

نطق بتلك الكلمات التي هزت كيانها وشعرت أنها نزلت كالسم على قلبها

" هذا ماظننته ، إذاً أنتي فتاة شوراع....أنتي فتاةٌ رخيصة "

عصرت يداها واستشاطت غضباً ثم نظرت له وعيناها تتجادح ، قامت من على ذلك السرير رغم بلادة جسدها إثر ضربة السيارة ، إلا أن ماسمعته أنساها الألم ومايعنيه

فوقفت أمام ناظريه وزوبعة الحقد داخلها تحاول السيطرة عليها فلم تترك لها فجوة لتبرز وإلا لأصبحت هذه الغرفة مسرح جريمة شنعاء

أجابته بصوت غليض مصحوب بنبرة الغضب العارمة تلك

" إ سمع أيها المتعجرف لقد مللت منكم أيها الحقراء من النظرات الدنيئة التي تنظرونها لي ، أنت ضربتني بسيارتك وفوقها تأتي وتهينني لأجل عدةِ قروش
إذهب إلى الجحيم لن أدفع لك بنسا( سنتاً ) واحدا ..."

ظنت إنها القوية صاحبه الموقف الحازم والعدائي هنا
ولكن..وبحركة خاطفة من يده أمسكها من عنقها وأطبق أصابعه تماما حتى صارت تتقطع أنفاسها شيئا فشيئا وقال بشر مخيف

" كيف تتجرئين ياحثالة الناس؟!...أنتي لاتعرفيني من أنا....أنا هيكتور بلاديمون أملك نصف شركات أمريكا ......أنتم الرعاع القذرون المفلسون العاطلون أكره رؤية وجوهكم المصطنعة للكبرياء والكرامة وأنتم أمام القروش مستعدين تقبلون الأحذية....
لو بيدي لأبدتكم جميعا عن هذه الدنيا فأنتم مشوهيها

وهنا روجينا رغم قوتها التي خارت تماما بعد أن خنقها ، إلا أنها حاولت أن تبعد يده عن عنقها ، وهي تشد بأصابعها لتفتح مجالا

فقط تحاول أخذ ولو رشفة هواء صغيرة ، ولكن دون جدوى فقد قبض على عنقها بالكامل

ثم شعر أنه سيقضي على حياتها تماما فتركها وسقطت خائرة أرضاً وهي تمسك عنقها وتحاول أخذ شهيق و زفير بكل إتساع رئتيها ، ولكنها متسعة العينين ومصدومة مما حصل للتو ، هذا الرجل...كاد أن يقتلني للتو...كاد أن يقتلني ببساطة هكذا!!

ماهذا الشر والحقد الذي يحمله هذا الرجل...هل هو من العصابات ؟!
أخذت هذه الافكار تراود روجينا وهي ملقية على ركبتيها ومازالت تتنفس بقوة وكأنها قطعت ميلاً كاملاً ركضاً دون إنقطاع تواً

وضع يديه في جيوب بنطاله والتكبر والغرور بدا على كلامه

" دعيني أخبركِ أمراً وضعيه في عقلك العديم الجدوى...أنا مليونير معروف لو أرفع عليكي قضية سأزجك في السجن لأنكِ بلهاء ...وببلاهتك كنتِ تقفين بنصف الشارع غافلة عن ماحولكِ ... وأنا أمشي في الشارع كأي إنسان يحترم القانون...وأنتي وقوفكِ خاطئ والقانون لا يحمي المغفلين "

قالت بتوتر وبعض الإرتهاب وهي مازالت على تلك والوضعيه

" وماذا تريد مني الان... "

رفعت رأسها لتنظر له بتلك النظرة الغاضبة نفسها ولكن هذه المرة فيها بعض من الوهن ، فقد حبك على قوتها تماما بوحشيته قبل قليل

" فقط أخبرني ماذا تريد ، أخبرني ودعني أذهب إلى بيتي بسلام "

ضحك ضحكة شريرة مستهزئة وقال

" بسلام ؟ إعتبري نفسك أنحس فتاةٍ في هذا العالم لأن القدر رماكِ في طريقي ... أنا أعشق النقود عشقاً جماً ، ولا أصرف نقود على من هم اقرب الناس لي ، فكيف الأن صرفت نقود على من أكره الناس لي .... أؤلئك الفاشلون المتسمون الفقراء
لقد أدخلتك في أرقى ردهةٍ في هذا المستشفى ، لو كنت أعلم أنكِ من رعاع الناس لكنت تركتي على الطريق فهذا هو مكانك الأصلي وبيتكِ السرمدي "

هنا روجينا بدأت ترتجف بالكامل بسبب غضبها من كثرة إهاناته لها ولكنها لم تنطق حرف لقد طبق الخوف منه على فكيها ولم تستطع أن تدافع عن نفسها كما تفعل عادة ...لقد تلاشت شجاعتها
أكمل الرجل قوله

" الشرطة ستأتي بعد لحضات قلت لكي لو كنتي تودين خوض الامر قانونيا فمصيرك القضبان ، لكن لو كنتي تريدين السلام كما طلبتي قبل وهلةٍ فعليكِ أن تدوّني أقوال تنازل من هذه القضية وننهيها...
يبقى دفع الفاتورة وهو الأهم هنا......ستعملين لدي لمدة شهر واحد وسيكون مرتبك الشهري هو دفع تكلفة المستشفى وينتهي كل شيء "

ثم أردف قائلاً

" والان ماهو ردكي ؟...السجن ام العمل؟
تمتمت بصوت ركيك ممشوج بالكره والحقد "

" العمل ... "

قال لها وهو يتقدم نحو باب الخروج من الغرفة

" سيترك لكِ أحد مساعديني عنوان المنزل ... تعالي غداً مع حزم أغراضك لأنكِ ستسكنين فيه خلال العمل "
أوقفته نبرة صوتها العالية منادية

" إنتظر لحضة "
توقف هو بدوره لكن لم يلتفت تماماً لها
أكملت روجينا قائلة وقد جمعت شتات شجاعتها التي تناثرت قبل لحضات ، مصدرة كلامها بتلك النبرة العالية

" ولكن إعلم أنني لن أعمل عملاً غير أخلاقي أو غير قانوني .... أفضّل أن تقتلني الأن مكان النقود التي تدينني بها بدلاً عن ذلك "

أجابها بجدية وبنبرة حادة

" كل عمل عملته في حياتي قانونياً ...
ثم التفت برأسه نحوها فقط وأكمل

" لست من هؤلاء الذين يسرقون وينهبون بحجة إطعام عوائلهم وأنفسهم الفاسدة .... "

ثم فتح الباب وخرج وهي بقت في تلك الغرفة متعجبه بجوابه فمنظره وتصرفاته توحي على أنه مجرم خطير
أوقفت حبل الأفكار عنه وبادرت بالوقوف لتعود إلى السرير فالخدوش والجروح في يديها وقدميها تزيد غيض من فيض أوجاعها....

وبعد أن أعطت إفادتها للشرطة ووقعت التنازل وبدأت بأرتداء ثيابها للخروج من المشفى وجدت رجل بلباس رسمي أسود ونظارات سوداء

تفاجأت منه قليلاً وبدون أن ينطق حرف أخرج من جيبه بطاقة وأعطاها لها وذهب
كان مدون فيها عنوان المنزل ، أمعنت النظر في البطاقة وقالت وهي تحاول إقناع نفسها

" حسنا للنظر للجانب المشرق من حدث اليوم......على الأقل حصلت على عمل "

وهي عائدة لمنزلها تجر أفكارها معها حول ماحصل وما سيحصل مستقبلاً متمتمة بينها وبين نفسها

" ربما سأكون خادمة عنده ، أطبخ أو أُنظف...لا بأس أنا أُجيد هذه الأُمور ....سأحاول أن أُثبت له جدارتي كي يستمر بأبقائي أعمل عنده .... رغم عجرفته وكرهي له إلا أنني أحتاج بجم العمل وأشعر أن هذه فرصة لي ... "

وطأت قدماها أمام شقتها وشاحت بنظرها للأعلى متمعنة بالمبنى الذي تسكن فيه وأكملت قائلة
" على الأقل سأعيش في مكان مرموق سيحول بيني وبين النحس الذي أتعايشه كل يوم في زوايا هذه الشقة الواهنة "

بتعرقلٍ في القفل فتحت بالكاد ذلك الباب العتيق الذي يدخلها لشقتها البائسة ذات الإنارة خافتة الضوء تكاد لمباته تنطفئ تدريجيا ، مع الأثاث القديم المهترئ والجدار الهش وكأنه سينهار بأي لحضة....كان ذلك المكان هو إنعكاس لبؤس حياة روجينا

لم يهمها ما فعل المدعو هيكتور بها قبل ساعات وطريقته الفظة في التعامل معها ، كانت وبكامل إرادتها الراضية تجمع ملابسها لتخرج من دهاليز هذا المكان بأي طريقة
كل مايجول بخواطرها كان وقتها

" حصلت على عمل تقريبا ، سأنتقل من هذا المسكن الذي أنزلني للحضيض...سأعيش بمكان راقي وسأنال عملاً راقٍ ... ستكون خطوتي الاولى نحو الأفضل .... سأثابر لأكون روجينا مديرة الأعمال .... وليس روجينا العاطلة ... "

ذهبت إلى ذلك المكان بعد إيضاحهة لسائق التكسي..أوصلها حيث المقصود ونزلت بخطواتها المتعثرة تجر حقيبتها المملوءة بالملابس الرثة حتى اصبحت أمام بوابة شاهقة تفصل بينها وبين مبنى وكأنه مدينة مستقلة لا متناهية البنايات

شعرت أن الكاميرا صورتها فأنفتحت تلك البوابة ببطئ حتى أتى واحد من أُؤلئك الذي يرتدون الزي الرسمي الأسود ... قال لها ببرود
" اتبعيني .... "

تبعته دون تردد ساحبة حقيبتها خلفها ...

جذب زرقة عيونها رونق المناظر وتأجج جمالها ... إنها حدائق وكأنها خيالية ، الخضرة والورود والينابيع والتماثيل ... كأنه حلم وردي من أحلام الأطفال البريئة
لم ترفع ناظريها لحضة وهي تلتفت يميناً ويساراً متعجبة بكل قطعة في تلك الحديقة الضخمة الزاهية
وصلوا لأدراج المبنى لتدخلهم فيه بعد أن قطعوا تلك الحديقة بمشوار شبه طويل لسعتها( مساحتها ) الواسعة
دخل ودخلت وراءه وليس لديها تساؤل حول العمل الذي ستعمله هنا ، فقد كانت على يقين بأنه إما خادمة مطبخ أو تنظيف ...

لم تكترث حتى ومشت تتبعه وهو يعبر رواق رواق فيهن عدد من الغرف لا تحصى ولا تعد ، مزخرفة الأبواب والسقوف متدلية منها الثريات الكريستالية ذات الطراز الملوكي القديم .. والسجاد المفروش والأثاث الفخم .... أنزل في قلبها فرحة وهي تردد قائلة في نفسها

" نعم هذا هو مكاني ، هذا هو مسكني من اليوم ... "

وبعد أن وصلوا لباب غرفة كبيرة إلتفت الرجل نحو روجينا وقال لها بنبرة البرود تلك مرةً أُخرى
" أُتركي حقيبتك هنا عندما ندخل "

أجابته فوراً

" حسنا "

تركت من يدها الحقيبة وفتح الباب ودخلت .... دخلت لمكتب ليس بمكتب إنه عرش الملك بذاته
وهي تشيح بنظرها هنا وهناك على جمال وفخامة اثاث ذلك المكتب صدت عينها عن من يجلس هناك على كرسي الملوك ، إنه هيكتور هذا ...

كان ينظر لها وهو مشبك أصابعه ، بعيونه الحادة الخضراء الفاقعة وشعره الأسود الفحمي و بجلسته المتكبرة تلك يبرز منه جمالاً مخيفاً قال وهو يقلب بأوراق أمامه وينظر لهم

" إذاً حضرتي .... أنتي روجينا أندرسون بالإطلاع على سجلك العائلي أنتي يتيمة ليس لديكِ عائلة ..... أمرٌ مثيرٌ للإشمئزاز
إسمعي عملك سيريه لك ذلك الرجل الذي أحضرك ... تعملين دون تذمر أو إنقطاع يوم واحد ... وإن لم يعجبك هاتي ما تدينين لي به وانصرفي ... "

عادت وحرقتها كلماته المهينة خاصة حين تحدث عن يتمها
فرفعت ناظريها نحوه وقالت بحده وغضب

" من سمح لك بالتحدث عن حياتي الخاصة هكذا
ولو كان عندي ذلك المبلغ اللعين هل كنت حضرت من الأصل ؟ "

وقف بغضب فور سماع جوابها الحاد ذاك وصرخ عليها

" أيتها الوقحة أنا رئيسك الأن و يجب أن أعرف من أوظف لربما تكون لكِ سوابق إجرامية ، طالما لاتملكين المال أنا أملكك أنتي تعملين لدي ، إياكي أن تتجرئي وتنظري في وجهي حتى حين تتحدثين ، وإجاباتك على كل ما أقوله تكون حاضر سيدي
هذا هو حال المرء العاطل والمفلس ، بلا كرامة وبلا عزة نفس والإذلال والإستكانه لرب عمله هو اسلوبه في العيش وكسب المال "

انعقد لسانها ، وفاضت العبارات داخلها تتردد في جوفها
" لما....لما اشعر انه محق...لهذا السبب طردت اليوم من عملي ، لأجل تمسكي بكرامتي وعزة نفسي ، لماذا أيتها الحياة ، أهذه طريقتكي في تسيير البشرية بهذا النمط لكسب لقمة العيش ، أهذه عدالتكِ ؟ "
إستسلمت للإستكانه والذل لتقول فوق إرادتها عبارة الـ " حاضر سيدي " تلك له
فهي رغم كل ما مرت به من شقاء إلا أنها لم تجعل من كرامتها تنزل يوم امام أي شخص كان
إستسلمت اليوم قائلةً في نفسها
" نعم هذه هي سياسة الحياة في العدالة بين البشر ، الفقير لا كرامه له ، علي تقبل هذا إن أرددت أن أعيش في ثناياها

ضغط زر الهاتف الذي على مكتبه لينادي الرجل الذي سيرشدها لمكان عملها بعد أن سمع منها عبارة " حاضر سيدي "

فدخل الرجل وارتجلت خارجة من مكتبه لتتبع الرجل دون الاهتمام أين ، فقد كانت وقتها تشعر بالإنهزام
بعد ان تبعته مرة أُخرى مدة شبه طويلة ليمشوا في ذلك الرواق الطويل حتى وصلوا الى باب صغير ، فتحه وأتسعت عيناها قليلا متفاجئة ، إنه يقود للأسفل ، إنه يقود للقبو
هل عملي في الأسفل ؟ هل المطابخ هناك ؟

لم تستطع نطق حرف لذلك الرجل فهو يبدو كالرجل الآلي ، وبعد أن نزلوا بضع من السلالم حتى وصلو إلى قاع القبو وهو مكان منعزل فوضوي بالأغراض القديمة ومليء بالغبار وكأنه لم يدخل له أحد منذ بنائه
لم تستطع كبح سؤالها أكثر فألتفتت عليه قائلة

" ولكن ما نوع عملي بالضبط ؟ "

فتح باب غرفة كبيرة أخرى وكانت مملوءة بالخناجر والسيوف القديمة جداً ، وقال لها
" أترين ماكِنة شحذ السكاكين هذه

ستقومين بشحذ كل يوم مجموعة من السيوف والخناجر تلك حتى تتميها كلها "، والتفت ليتركها ويقول " غير مسموح الصعود للأعلى إلا للضرورة القصوى "

تفاجأت لغرابة العمل وما الجدوى منه فأنفجرت قائلة

" ولكن ماذا يعني هذا إنها سيوف من العصور الوسطى وعددها يكفي لجيوش ، وأنا لا أُجيد الشحذ بهذه الآلة .. تبدو خطرة ... "

أجابها بتلك البرودة

" لا تسألي عن أسباب العمل فهو لا يخصك و الطريقة لتشغيل الماكنة اضغطي زر التشغيل سيدور حجر التشحيذ ضعي السيف عليه من جهة الحافة الحادة واضغطي عليه حتى يشحذ بالكامل "

ثم تركها وصعد ...

بقيت هي محتارة والمخاوف من هذا العمل باتت تروادها ، ماذا لو إنجرحت أو تأذت... ولكن توقفت لحضة لإيقاف جميع الأفكار التي أتتها لتنهيها بقولٍ حازم

" أنا لن أتراجع ، لقد خرجت للتو من بؤرة الجوع والفقر تلك ، سأثابر كما عاهدت نفسي وسأغدوا أفضل من الجميع ..."

لفت شعرها الأصفر الذهبي بربطة وباشرت بتجمع بعض السيوف لتقوم بعملية التشحيذ تلك ...
وعند هيكتور كان مساعده ذاك واقف أمامه ليسأله عنها

" هل أريتها العمل المطلوب منها "

أجابه بأحترام

" نعم سيدي وأفهمتها كل شيء "

إبتسم إبتسامة الخبث خاصتهُ وقال مخاطباً نفسه

" رويداً عليَّ يا أيتها المدعوة روجينا لأُري معنى العمل الحقيقي للفاشلين في الحياة أمثالك ... "

https://j.top4top.io/p_2301mqewp2.png

ساي
08-02-2020, 08:38 AM
https://i.top4top.io/p_2301lofu31.png

البارت 4

بقلم الكاتبة : Yukine

-" اللعنة!.."

إِنها المرةُ الثالِثةُ على التَوالي التي أُجْرحُ بِها..

بدأتُ أعتادُ على طريقة التشحيذ ، لكن غضبي وتوتري يشتتان انتباهي..

-" أشعر بالجوع.."

وكأن أحدًا سيسمعني وسيُحضر لي الغداء ، وعند وضعه على الطاولة المستطيلة يرفع الغطاء عن الطبق ويقول:"غداؤكِ آنسة روجينا.."

آنسة.. ، لا أتعدى كوني خادمة ..

إنتبهت لاحقًا أني أشبِك يداي ببعضهما ، وأن الآلة توقفت عن العمل ، هذا طبيعيّ فأنا كنتُ قد إنتصبتُ من على الكرسيّ حتى ..

أشعر أني أشبه سندريلا لحدٍ ما ، أتشابه معها بأن كلتينا مجبرة على العمل ؛ للنجاة من عواقب الشمطاء العجوز ..

مططت ذراعاي ، وعدت للعمل ..

ذاك الأحمق ، بماذا ستفيده هذه السيوف ؟! ، نحن في القرن الحادي والعشرين لا في العصور الوسطى ..!
تعالى صوت معدتي ، صدقًا ، لم أجد ما أتناوله صباحًا ..

كيف هذا وأنا لا أملك مالًا ، فالمال الذي من المفترض أن أتقاضاه ، عليّ إعطاه للمتكبر ذاك ، أودُّ لو أخنقه ، لكن هذا صعب ، فهو أقوى مني بأضعاف ..

نظرت نحو الغرفة نظرةً خاطفة ، الغبارُ منتشر ، الزوايا فارغة سوى من السيوف القديمة..

أشعر أن مرضًا سيفتك بي بسبب هذه الكآبة والصمت ، أكره السكون حقًا ، أُفضِل الأجواء المرحة ..

مهلًا ، يال المصيبة ! ، عليّ تلبية نداءِ الطبيعة ؛ لعل هذا بسبب الماء الذي أكثرت شُربه ..

تبًا ، أين المرحاض ؟

خرجت من القبو ، وصعدت لأعلى بسرعة ..

ألا يستطيع بناء دورة مياه صغيرة هنا أم هو يهوى تصعيب الأمور عليّ وتعذيبي ..

يا له من بخيل ، لم يهن على نفسه تعيين خادمة واحدةٍ هنا ..

لم يكن الوقت يكفي لأبحث في جميع الغرف والممرات ، لذا صعدت للأعلى آملةً إيجاد ذاك الضخم ؛ لسؤاله عن مكان دورة المياه ، فقد نسيته ..

عادةً تكون دورات المياه في القاعة السفلى بمرر ضيق ، هذا ما شاهدته في الأفلام ، الأفلام التي شاهدتها بتلفاز المطعم الذي كنت أعمل فيه ، صراحةً لا أملك واحدًا ولا أريد إمتلاك واحد..

أين اختفى ذاك الضخم ؟ ، أكاد أقسم أني لمحته قبل قليل ..!

صعود السلالم ليس بالهيّن ، إنها طويلة وعريضة ، سجادٌ أحمر يمتد من أعلاها لأسفلها ، المقابض لامعة ، أشكّ أنها من ذهب ، لكني لا أظن أن ذاك الهيكتور سيبذر أمواله بهذا ..

لم أرى نفسي سوى أمام مكتبه ، حفظته عن ظهر قلب ، إرتدت إليه كثيرًا هذا الأسبوع ..

وجهت نظراتي البلهاء نحو الباب الأبيض ، هل أسأله عن مكان المرحاض ؟ ، قد يتسبب هذا بمقتلي..

أطلقت ضحكة خفيفة قبل سماع صوت الجلبة في الأسفل ..

أووه ، تبًا ، يبدو أنه كان في الأسفل ، وهو الآن بصحبة أحدهم..

أجزم بأني سأطرد وأخرج من الباب ركلًا..

قبضت بيدي على المقبض ، من حسن حظي أن الباب مفتوح..

أغلقته بعد دخولي ، سحقًا ، لا أستطيع الخروج ، ما الذي عليّ فعله ؟

قلبت نظري في أرجاء المكتب ، رفوف تحوي كتبًا على شمالي ، على يميني خزانة ذات زجاج شفاف تحوي ملفات ، الأرضية بيضاء في منتصفها سجادةٌ بنيّة دائرية..

هذه المرة الأولى التي أتعمق بمكتبه ، توجهت نحو الطاولة الخشبية بسرعة ..

رائع طبقٌ مليءٌ بالفاكهة ، تناولت تفاحة حمراء ، وبتُ أبحث عن أي باب هنا..

بعد التفاتي للجهتان ، وجدت بابان على يميني..

وبدون توتر اخترت أحدهما..

شعرت بالباب الرئيس يفتح ، قبضت على التفاحة ونظرت للخلف ، يال الحظ الذي بدأ يلازمني ، هذا مرحاض !
قضيت حاجتي بعد وضع التفاحة على منضدة رخامية كانت موجودة..

وتوجهت للمغسلة ، فتحت الصنبور بهدوء شديد ، وبدأت غسل يداي بالصابون..

لا تبدو كأنها دورة مياه ، الأصح أنه مكان تريد البقاء فيه ، رائحة زكيّة تشبه أريج الزهور..

أمسكت التفاحة ، وعدت للخلف مجددًا ، كنت ألتفت حولي حال وقعت عيناي عليّ !

أرى انعكاسي في المرآة ، شعري المائل للون البرتقاليّ مبعثر ، أما وجهي فيظهر عليه أثر للاتساخ ، إنه أسود ، لا بد أنه بسبب القبو المتسخ..

مسحته بقطةِ قماشٍ كانت موجودة ، كان هذا كفيلًا بمسحه ، من الأفضل أن أتحاشى إصدار أي صوت..
ما الذي عليّ فعله ؟ ، سيُكتَشَفُ اختفائي قريبًا ، وحتمًا سيُعثَر عليّ..

اقتربت من الباب محاولةً الإصغاء لما يتكلم هيكتور بشأنه..

يبدو أنه يكلم شخص واحد ، لم أسمع سوى صوتان أحدهما له..

أمسكت المقبض مجددًا ؛ لأضمن أن الباب سيبقى مقفلًا..

قرّبت أذني أكثر ، بدأ صوتهما ينخفض ، بدأت بالميلان نحو الباب ، ولم أعرف كيف فُتِح الباب ، لم أشعر بكيفية تحرك يدي..

استقام الباب الخشبيّ ، ثم وقعت أنا ، ووقعت التفاحة التي لم أكمل نصفها مني..

نظرا نحوي بتفاجؤ ، قبل أن يرمقني ببؤبؤيه الخضراوان الداكنان بغضب وسخط ، وها قد عاد الحظ السيء..

وقفت بسرعة ، ثم انحنيت لإلتقاط تفاحتي التي سرقتها..

نظرت نحوه ، بصعوبةٍ إزدرأت ريقي ، تكلمت بعد ثوانٍ محاولة الحفاظ على هدوء نبرتي:" أعتذر للمقاطعة سيدي ، كنت أنظف المرحاض "

لم أدرِ من أين إبتكرت كذبتي ، إنحنيت بسرعة وخرجت..

تنفست الصعداء بعد خروجي ، هناك إحتمالان ، إمّا أنه سيطردني ، وإما أنه سيجعلني أنظف جميع دورات المياه الموجودة بمنزله الغير متواضع..

توجهت بسرعةٍ تجابه سرعة البرق للقبو..

" يا إلهي ، أرجو أن يكون العقاب يسيرًا.."

مرَّ قريب النصف ساعة ، قبل مجيء الضخم..

-"السيد هيكتور يريدك.."

بدأ قلبي الخفقان بقوة ، وبدأت أرتعش..

يبدو أنه يثق بهذا الضخم جدًا ، لم أرى خادمًا غيره هنا..

رافقته للأعلى والتوتر يطغى عليّ..

https://j.top4top.io/p_2301mqewp2.png

ساي
08-02-2020, 08:47 AM
https://i.top4top.io/p_2301lofu31.png

البارت 5

بقلم الكاتبة : الوردة البرونزية

تبعته بصمت و أنا أتبعه بين تلك الممرات كنت أتسائل عن مدى غضب ذلك الوحش وأتمنى ألّا يكون كبيرًا لأنني لن أتحمّل مزيدًا من إهاناته

وصلنا لمكتبه ليفتح ذلك الضخم الباب قائلاً : تفضلى

دخلت بخطوات متباطئه حتى وقفت أمام مكتبه مباشرة كانت تلك النظرات تدل على ما بداخل صاحبها وكأنه وحش غاضب ويريد الإنقضاض على من يراه

إبتلعت ريقي ليقول بغضب: ماذا كنت تفعلين في مرحاضي

أعرضت بنظري للناحية الأُخرى بينما قلت بتذمر: وماذا بنظرك يفعل الناس بالمراحيض

حينها صرخ بغضب: فى مرحاضى أيتها القذره

أجبته بسرعة: لقد قلت لك كنتُ أُنظفه

حينها ضحك بسخرية وقال: مرةً تقولين كنتُ أفعل ما يفعله الناس ومرةً تقولين كنتُ أُنظفه أتظنينني ساذجًا أنا لم أوظفك لتنظفى لى المرحاض أظنك تعرفين وظيفتك جيدًا يا غبيه

رددت عليه بثقه: ماذا أفعل إن كان مالك المكان بخيلاً ولم يبنِ مرحاضاً بالقبو وكأنه يريد تعذيبى بالصعود والنزول كل ساعه

حينها ضرب بيده على الطاولة بقوة وقال: لقد تخطيت حدودك أيتها اللعينه من تظنين نفسك أنتِ لست سوى خادمة أم تريدين منى أن أذكرك بهذا كل يوم عليك إلتزام القوانين هنا وإلا فأنك ستندمين أفهمتِ ؟
ومن الأن فصاعدًا لا خروج من القبو إلا بأذنى مفهوم

حينها قلت بسرعه: أنت تريد قتلى من الجوع كما أنني قلت أنه لا يوجد مرحاض هناك فكيف لا أخرج

رد بسرعة: كل شيء سيحل والأن إنصرفى من أمامى بسرعه

ثم نادا على ذلك الحارس وأمره بتوضيح كل شيء لي

ثم خرجنا من هناك كنت أسير والغضب يعتريني كيف سأبقى هناك بدون مرحاض وماذا إذا نسوا أمرى ولم يحضروا لى الطعام أو لن أستسلم وأعدك هكتور سأنتقم منك أيها الغبى

وصلنا للقبو فقال الحارس أُنظري تلك الغرفة الصغيرة ستكون غرفة نومك بها سرير صغير وهذا كل ما ستحاجينه بها أما تلك فهي المرحاض

أجبته بسرعة بأنه مغلق

حينها رد بغلظه: سوف أفتحه وتوجه إليه ثم أخرج كومة مفاتيح من جيبه وبدأ فى البحث بها وما هي إلا لحظات حتى وجد المفتاح وفتحه

نظرت إليه وقلت: إنه قذر
فردّ بسخرية: يمكنك تنظيفه ألا تجيدين تنظيف المراحيض ثم توجه للأعلى وقال أثناء صعوده: أُحذرك من مخالفة القوانين ... سيصلك الطعام مرتين يوميًا أظنكِ لن تحتاجي شيئًا أخر

قلت فى نفسى: إنه أسوء من سيده

جلست فى مكانى وبدأت بالعمل وبعد بعض الوقت رأيت خادمة تدخل وتضع الطعام على الطاوله صدمت وقلت: خادمه خادمه لا أُصدق ظننت أنه لا يوجد أحد هنا

لكنها لم تنطق ولو بكلمه وخرجت بسرعه حينها عرفت أنها ممنوعه من الحديث معى

تناولت طعامى وعدت لمباشرة عملي وبعدها دخلت تلك الغرفة ونمت

وفى الصباح إستيقظت وبدأت بالعمل حتى تعبت لقد أحضرت لى الخادمة الطعام ورحلت تناولته وظللت أجوب بنظري فى ذلك القبو الكبير حتى وقع نظري على تلك النافذة الصغيرة فى أعلى الحائط حينها أصابني الفضول لمعرفة علامَ تطل
دفعت أحد الصناديق الكبيرة ووضعته تحتها مباشرة ثم وقفت عليه وفتحت النافذة بهدوء لقد توقعت أن تكون صعبة الفتح بسبب قلة إستخدامها ولكني وجدت العكس فقد فُتِحت بسهوله
نظرت للخارج محاولةً رؤية شيء ولكن لم تكن سوى أرض منبسطة تمتد على الحديقة التي لايتناهى وسعها

ولكن للأسف لم أستطع أن أرى ولو بقعة من تلك الحديقة التي أسرتني عندما دخلت للبيت الهائل هذا
مازال عندي ذلك الفضول للتمشي فيها ورؤية تلك المناظر الخلابة التي تتزين فيها
فقد كان القبو غاية الإنحدار ولم يسمح لي برؤية ماهو فوق
المكان أبشع من جحور السجون وضيقها

ولكن يا روجينا لاتنسي أنتِ هنا لتبدأي حياة جديدة فأنتِ لم تكونِ في إحدى بقاع الجنة لكي تتذمري الأن من هذا المكان

جمعت مجموعة من السيوف وصرت أشحذها بحذر بتلك الالة الخطرة ولكن من خلال خبرتي في المطاعم واستخدام السكاكين والآلات تقطيع اللحم وجدت نفسي أُجيد هذا العمل شيئًا ما
مرت أيام قليلة والروتين نفسه رغم أنني وعدت نفسي ألا أتذمر
ولكن للصبر حدود فأنا أشعر أني سأصاب بالجنون لو لم أخرج قليلاً
ولو قليلاً فقط

ولكن هل سأعود لإذلال نفسي لذلك الحقير هيكتور وهو يرفض ما أريد وينعتني بالشتائم كالعادة
نعم هذا هو ماكان يمنعني عن طلب الخروج فأنا أجد نفسي البقاء في هذا الجحر ولا مواجهة كلمات ذلك المتبجح

مرت أيام قليلة أخرى ولكن لا أعلم وجدت نفسي أُخاطر بتهور
أنا اخرج خلسة من ذلك القبو ، لما يا روجينا هل تعرضين عملك للخطر لأجل فقط إستنشاق الهواء ورؤية تلك الحديقة

أيستحق الأمر ؟

مع تلك الترددات في داخلي إلا أن قدماي مازالتا تحاولان إبعادي عن ذلك القبو بأي طريقة
فتحت الباب وبت أمشي بتلك الممرات الخالية وأنا اتسائل مرة أخرى عن سبب خلوها من الخدم وكأنه بيت مسكون بالأشباح
ولكن من يهتم

حتى وبدون إرادتي عادت وقادتني قدماي إلى مكتب ذلك السيد الغليظ
ولكن هذه المرة أصبح في واجهتي ذلك الحارس الجامد يقف عند الباب
وكأن المكان الذي يمكله ويعيش فيه هيكتور هو ذلك المكتب فقط فأنا لا أراه بمكان أخر غيره وأيضاً لايوجد حراسه على غير ذلك المكتب

الغرابة تزداد ولكن أعود وأقول : من يهتم

إقتربت منه وقلت : أنا أريد مقابلت السيد هيكتور

أجابني بغلظة بأنه لن يقابل أحدًا

فقلت أنني أريده لأمرٍ مهم

فقال لى بأن أخبره بالأمر وهو سيبلغه

فقلت له : بأن يأخذ لى أذنا بالخروج قليلاً فقط لإستنشاق الهواء ، لا بأس بالحديقة وأؤكد أنني لن أعيد طلبي هذا

حينها دخل وبعد دقائق خرج وقال جملته التى أدهشتني : لقد قال بأنه يمكنك للحديقة ، ولكن الحديقة لا غير
بدايةً لم أصدق ما سمعت وقلت له : أتمزح معي

ولكن جوابه أقنعني فقد قال لي : ومن أنتِ لامزح معكِ

تركته وذهبت بفرح نحو البوابة الرئيسية التي تقودني للحديقة
أركض والإبتسامة مرتسمة على وجهي وكأنني طير قد تم إطلاق سراحة من قفص ضيق وهو يهرع للخرج إلى الحرية
لا أنكر أن فرحتي ليس فقط لأنني سأخرج وانتهى
بل لأنني سأزور تلك الحديقة البهية
لحضات حتى وصلت للباب من سرعة هرولتي ووقفت أمام الباب وأخذت شهيق لإلتقط أنفاسي بسبب الركض ثم مسكت كلتا قبضتا الباب وفتحته على مصرعيه
وخرجت للجنة الارضية
هيكتور أكرهك وأكره قبوك وسيوفك وخادمك ولكن هذه الحديقة أحسدك على إمتلاكها
كيف لك أن تجلس بمكتبك وتترك هذه البقعة

لم أنتبه لنفسي حتى وجدتني أمشي في أرجاء هذه الحديقة هائمة في جمالها لحضة أستنشق الورد ولحضة ألمس الماء البارد في تلك الينابيع النافورية التي تتوسطها تماثيل كأنها ملائكة
ولكن لِمَ أشعر أنني مراقبة ؟

في تلك اللحضات كان هيكتور قد أعطاها إذن الخروج ليس كرمًا منه بل ليراها من كاميراته المخفية في كل مكان ليتأكد إن كانت لصة أو تحاول سرقة شيء فمنزله مليء بالأشياء النفيسة
وهو ينظر لشاشات المراقبة بتلك الجدية وعدم الثقة بها وجد نفسه أحب هذا
لا يعلم كيف ولكن للحضة بات ينظر لها وهي تتنطط هنا وهناك بفرح وتشم الازهار وتلمس الماء وتبتسم كانت قد جذبته حركاتها شيء ما....وبدون ارادته سيطر على عقله حب مشاهدتها وهي مستمتعة هكذا ونسى الامر الرئيسي وهو مراقبتها ان كانت ستسرق شيء...لقد نسي إنه يراقبها بهذا الخصوص تمامًا
وعندما كانت روجينا تتمشى في أرجاء الحديقة لفتت نظرها مجموعة أزهار جمالها لا يمكن وصفه
باتت تنظر لهم والتردد يكاد يقتلها

تمد يدها نحوهم ثم ترجعها وهي تقول:
لو فقط أخذ هذه الزهور معي على الأقل تضيف جمال على المكان البشع الذي أعمل فيه ... على الأقل تحسن هذه الازهار من نفسيتي كلما نظرت لها وأنا أعمل هناك
ولكن ماذا لو قطعتها وأصبحت السبب في طردي
ذلك البغيض يريد أبسط حجة ليطردني
وهي مازالت تمد يدها وتعيدها كان هيكتور متأهب وهو ينظر لها من شاشات المراقبة وكأنه ينتظرها لتقطعهم حتى يطلق جهاز الانذار
هي محقة فهو يريد زلة عليها ليس فقط ليطردها بل ليذلها بالشتم والصراخ
هنا أطفئ هيكتور الشاشة عندما رأى شيء قد خرب عليه تلك اللحضة كلها
وهو بلاخص لا يريد ان يرى شيئا عنه فترك حتى امر روجينا واطفئ الشاشة من فوره حين ظهر
أتعلمون من هو ؟

في تلك الاثناء وعندما كانت روجينا تحاول قطف الورود وتردد لولهة شعرت أن أحدًا أصبح بجانبها ثم مد يده نحو وردة وقطفها وقدمها لها
تفتجئت روجينا وجمدت تماما
خافت كثيرًا وهي تفكر إن كان هيكتور أو حارسه فهم بالنذالة سواء
ولكن لحضة الشخص هذا لم يوجه سلاح او سيف نحو روجينا
لقد قدم لها وردة !!!

التفتت عليه بتوتر وخوف فهي لا تتوقع وجود أحد في هذا القصر إلا وكان أشباه هيكتور وحارسه
ولكن لم يصب توقعها فقد كان شاب في نهاية الثلاثينيات من عمره يشابه هيكتور بعض الشيء ولكن يبدو أنه أكبر منه
مهلا لحضة قلت يشابه هيكتور
انا أسحب كلامي بأبتسامته اللطيفة هذه ونظرته الحنينة ونبالته في تقديم الوردة لي مستحيل أن يمد لهيكتور بصله

قاطع توغُّل أفكاري قوله:
تفضلي أيتها الجميلة إن كنت تودين واحدة

هنا علامات النفي ملأت أفكاري على أنه مستحيل أن يمد لهيكتور بصله
حسنا الحرس أو الحارس الوحيد إن صح القول هو مثله بالنذالة فمن يكون هذا الشخص لا بد من أن هناك تفسير منطقي لوجوده هنا

عاد وقاطع صراع أفكاري التي إمتزجت مع السابقة قائلاً :
ولكن هناك خطب في تقديمي الوردة لكِ أيتها الجميلة حتى تبدي كل هذا الإعجاب والإنصدام

" نعم أنا مندهشة تماما "
وجدت نفسي أُجيبه هكذا بتلكوء

إبتسم وقال:
"وها هو أخي هيكتور يترك إنبطاع سيء في قلوب أشخاص أخرين
أنا متأكد من أنكِ تعملين هنا .. منذ متى تعملين أنا لم أركِ في الأرجاء ..."

قاطعته مذعورة ومصدومة من ما كنت خائفة من سماعه فنعم من حيث الشبه بالشكل هو يشبه هيكتور ولكن ...

" قلت اخي؟!!!!....أنت قلت أخي...هيكتور ذاك الحقير أخاك ؟!!!!! "

ثم وضعت يدي على فمي وأمسكت نفسي كي لا أتمادى أكثر وأكملت
" اعذرني على فظاظتي ولكن فقط لم أصدق إنه أخاك من حيث تناقض الاسلوب بينكما "

أكمل بأبتسامته الساحرة تلك وهو يعود بتقديم الوردة لي
" قبل أن نتحدث عن أخي وعن عملك تقبلي مني هذه الوردة مع التعريف عن نفسي
أنا أدعى ماتيوس بلاديمون أخ هيكتور الكبير "

أخذت الوردة ووجناتي قد إحمرت خجلًا حتى وجدت نفسي أُجيبه بلطف
" وأنا أدعى روجينا تشرفت بمعرفتك "

قال :
" حسنا والأن دعينا نجلس على إحدى المقاعد لنتحدث قليلاً "

هنا هيكتور إشتعلت فيه نار الغضب وهو يعصر بيديه ويقول في نفسه:
"ولكن من طلب منه أن يعود ..كم أكره وجوده حولي .. والان إلتقى بتلك الحمقاء لقد نسيت إنه هنا ماكان علي أن أسمح لها بالخروج .. تبا لهما معا

وفي هذه الاثناء جلس ماتيوس وروجينا على إحدى تلك المقاعد المظللة تحت الخضار والورود
تحدثوا وسألها كيف إنتهى بها المطاف هنا فحكت له عن كل شيء حدث وبعد ان انتهت
ضحك بصوت عالي وقال :
" حقا؟ شحذ السيوف؟! أهذا ماخرج من أخي البائس ؟ "

أجابته روجينا بتساؤل :
" فقط أريد أن أفهم لم يريدني أن أشحذها هل يخطط للهجوم على دولة ما بجيوش من العصور الوسطى؟!! والغريب أيضا كيف أخوك مليونير وليس لديه سوا خادم واحد وطباخة واحدة أو يمكن يكونوا رجال آلين حسب ما أراه في تعاملهم "

عاد ماتيوس وضحك وقال:
"اولا سبب عدم وجود الخدم لانه لا يحب الناس ذوي الطبقات الوسطى ولا يحب وجودهم حوله ولكن لا يعني ان البيت غير مراقب فهو يضع كاميرات في كل مكان من البيت ويراقبهم بشاشات من مكتبه
يعني ماتمر حشرة الا ويراها وعندما يخرج ينغلق البيت بأحكام لانه متطور للغاية بأجهزة الحماية "

اجابته روجينا بأقتناع
" هااا لهذا السبب أشعر أنني مراقبه دائما "

ثم أكمل ماتيوس وقال
"و أخي عنده هوس حب تجميع أسلحة العصور الوسطى ليس إلا ، ولكن جعلكِ تشحذين أنا أعرف السبب "
أجبته بفضول عارم :
" لِمَ لِمَ أخبرني "

أجابني بنبره هادئة تملكها الحزن وقد ظهرت على عينيه:
" عندما كان أخي في السابعة أنا كنت خارج البلاد أدرس ، كنت أعمل وأدرس هناك بكامل جهدي كنت أود أن أعود لهم وأنا ناجح لكِ أعيل عائلتنا فأبي مريض وأمي تعمل لأجل لقمة العيش
كنت على إتصال معهم ولكن في يوم إنقطعت أخبارهم أُراسلهم ولم يجيبوا
كانت قد بقيت أشهر قليلة على انتهاء دراستي ووقتها وجدت أنا وظيفة مرموقة ، تجاهلت أمر مراسلتهم وقلت فلينتظروا بعض أشهر فقط وسأعود لهم وأحسن حياتهم كلها أشتري لأخي هيكتور مايحب وأعفي أمي من العمل تنظيف المراحيض وأدفع تكاليف علاج أبي
ولكن حين عدت

أنزل ماتيوس رأسه وأكمل بحزن أكبر:
" وجدت أن أبي قد مات ووالدتي قد قتلت ...لقد قتلها أحد المتسولون لأ ان يأخذ حقيبتها التي كانت فيها مرتبها الشهري والذي لا يزيد عن 30 دولار
كانت قد تمسكت بها بكل قوتها فطعنها بسكين..
عدت ووجدت هيكتور لا يبكي ...لم يبكي ولا دمعة كان فقط جالس في البيت بكيت عند اقدامه ولاجل ابوينا وقلت له انني لم اعلم ان هذا ماجرى وكنت اود ان اعود لاعينكم اردت ان اعود ناجح بحياتي ولكنه لم يقل شي ولم يذرف دمعة
تركني ورحل...اخذ حقيبته ورحل
توسلت وحاولت منعه وابقاءه معي ولكنه كان يرفضني ويبعدني عنه ....صرت اراقبه ظننت سيصبح مجرما ولكن تبين العكس..،لقد عمل وعمل وعمل ولم يخالف القانون وعمل بأصعب الاعمال حتى تجرح جسده من كل مكان ولكنه لم يتوقف لحضة
كان يقوم بأربع اعمال باليوم ولايترك مجال للراحة ويمرض ويعمل حتى رؤساء عمله يطلبون منه الراحة عندما يصاب ولكنه يرفض وكأنه يعذب نفسه عن قصد
وعندما ينتهي من كل اعماله يذهب ليتدرب على القتال ، تعلم كل اساليب القتال الملاكمة الكانغ فو والمبارزة بالسيف وحمل السلاح
تعلمهم ليحمي نفسه فقط ولا يحتاج ليحميه أحد
ثم كبر واصبح مدير اعمال ومازال للان يعمل بكد ولكنه....ولكنه لم يعد بشر انه آلة للعمل فقط ...يمقت الناس الفقراء يقول انهم مفسدين الارض ليتني استطيع محيهم لا اعلم ربما يكرههم لاننا كنا منهم ولم نستطع الاحتفاظ بوالدينا بسبب وضعنا ذاك او ربما لان احدهم قتل امنا وهو متسول فقير
او ربما بسبب الاثنين معا كره الفقراء
هو جعلكي تشحذين السيوف لكي تصابي بالجروح يريد الفقراء يعانون كما عانى هو "

نظر لها وقال بأبتسامة مصطنعة:
" لو تريه كيف يتكلم مع الناس ذوي الطبقات الراقية لوجدتيه الطف مني اكثر نبل واحترام "
ما هذا ...ما هذا الشعور الذي بداخلي ؟
لم انمحق الكره نحو هيكتور ، لما بت اشعر بالشفقة عليه....هل هذا كل ما مر به؟
هل هذا كل ما مر به هذا الشخص ؟
وانا اقول انني اكثر شخص تعذب بحياته

قاطع تفكيرها كلام ماتيوس حين اكمل وهو يقول :
" رغم انه يسمح لي بالدخول لمنزله كلما آتي لزيارته الا انه لايكلمني ابدا...ولا ينظر في وجهي حتى ...اعلم انه يلومني على ماحصل لانني تركتهم....ولكن لو فقط يسامحني ويعطيني فرصة لأكلمه .. "
هنا فطر قلبي ماتيوس أكثر ايضا، مالذي سأفعله الان ....بت اريد ان انزل البهجة على هذان الاخوان...لقد نسيت امر عملي ومستقبلي ونضالي وبت اريد ان اصالحهم واجعل هيكتور يسعد ويخرج من دهاليز الماضي تلك.....بت افكر هكذا الان.
...

https://j.top4top.io/p_2301mqewp2.png

ساي
08-02-2020, 08:51 AM
https://i.top4top.io/p_2301lofu31.png

البارت 6

بقلم الكاتبة : آميوليت

وفي وسط خوض نقاشنا اتى ذلك الحارس البليد من حيث لا نحتسب وقال بنبرته الباردة

" ايتها الخادمة روجينا الرئيس يريدك فورا "

ايتها الخادمة!!وكأنني حقا كمثل الخدم العاديين ، انا اشحذ السيوف القديمة ، هل سمعتم بخادم يمارس هكذا عمل؟!

ولكن وجدت نفسي اترك ماتيوس بعد ان استأذنت ذهابي منه واذهب بكل رضاء مع ذلك الحارس لمقابلة هيكتور ، يمكننا ان نقول تغير شعوري اتجاهه بت اشفق عليه واشعر بالاسى ، بت اريد التحدث معه شخصيا......لما بدأت تنتابني هكذا مشاعر؟

هاقد وصلنا الى مكتبه ، فتح الباب ودخلت وبقى ذلك الحارس بدوره خارج المكتب واغلق الباب
كان هيكتور بكرسيه الفخم ملتفت فيه الى الجهة الخلفية فلم اكن ارى سوى ظهر الكرسي الذي يجلس عليه هيكتور والذي يغطيه بالكامل بسبب حجمه الكبير الملوكي الطراز

انبعث صوت بنبرة هادئة وجادة من امام ذلك الكرسي قائلا

" مع من كنتي تتحدثين ، الم تقولي انكي ستخرجي فقط لاستنشاق الهواء ، ارى انكي عقدتي جلسات حوارية وتعارف هناك
اجبته بثقة وعدم خوف او تردد وبكل هدوء ايضا

" اظن انك تعرفه فقد رأيتنا من الكاميرات ، انا اسفة ياسيدي هو تحدث معي بالبداية وباشر النقاش وانا اجبته بالمقابل ليس الا ، ارجوك سامحني ان كنت اخطأت "

التفت بكرسيه ليصبح امامي وفي اصبعه سيجارة كبيرة بعض الشيء نعم تلك التي يدخنوها الاثرياء ، ابتسم مستهزئا بكلامي وقال

" اسفة ، سامحني؟..اين ذهب انطباعك الحاد في الرد علي ، اين ذهبت جرئتكي وحقدكي علي ؟...هل حكى كل شيء بهذه السرعة من اول ان يتعرف عليكِ ، ياله من احمق كبير يظن انه يستطيع ان يجعلكِ تؤثرين علي ، وأنتي بكل حماقة جاريتيه بخطته البشعة.. إذهبوا إلى الجحيم كلاكما أنا لن .... "
هنا قاطعته بغضب ، نعم لقد غضبت ، لما هو حاد الطباع الى هذه الدرجة ، حسنا لديه ماضي اليم عانى كثيرا ولكن الحياة مستمرة ولا بد من النسيان ...لا يوجد احد منا في هذه الدنيا لم يعاني
قاطعته هنا انا قائلة

"انه اخوك....كيف لك ان تكون حاقدا هكذا....لا بأس ان تكره الفقراء ولكن ماذنب اخيك انت كل ماتبقى له وهو كل ماتبقى لك....عليك ان تتعلق به لا ان تبعده عنك...
هنا هو يسمع كلامها ويتحمل ويتحمل ويعصر بيده الى ان وقف وضرب الطاولة بقوة وصرخ قائلا
" يكفييييييي.......ايتها الفقيرة المزعجة اياكِ وان تدخلي بحياتي الخاص.....لا شيء من هذا من شأنك افهمتي....ان عدتي وكررتي اقوالك البلهاء هذه والتي عبئها ذلك المدعو ماتيوس بعقلك المتحجر سوف اجعلكِ تندمين طوال حياتك "

لقد ابعدني عن حياتهم تماما ....هو محق انا ليس لي دخل بحياته الخاصة....ولكن كلام ماتيوس غير كياني جعلني افكر في تصليح هذه الامور....وهذا هيكتور هو لايعطي للشخص فرصة كي يدخل الى قلبه......الحقد اعماه بالكامل
لم استطع قول جواب بت اسمع صراخه وكلامه الحاد علي وانا أخفض رأسي للاسفل ولا اقول حرف ، لقد تعقدت الامور كليا الان واختلطت المشاعر

هيكتور هل اساعدك ، ام اتركك بهذه الحال؟

بعد ان انهى خطبة الشتم والصراخ علي وانا للصراحة لم اسمع نصفها فقد كانت افكاري تتوارى حول ماذا سأفعل حيال امر هذان الاخوان؟

طلب مني العودة للقبو ولن يسمح لي بالخروج مجددا ، انا لم اتذمر ولم اطالب بشيء لنفسي وقتها ، سكت وتقبلت الامر وذهبت بصمت لان مايشغلني بات هو كيف سأتعامل مع هذا الامر.....ولكن هناك سؤال حيرني اطرحه لذاتي ولا احصل على جواب ، لما بات امرهم يهمني لهذه الدرجة وحازوا على كل فكري ، كما قلت لا يوجد احد في هذه الدنيا لم يعاني...ولكن لما عندما سمعت قصتهم اثرت بي لهذه الدرجة وبت اريد بجم حل الامور بينهم وإرجاع السعادة لهيكتور ...

لِمَ ؟

عدت للقبو وجلست وأنا مازلت شاردة الذهن والبال
في تلك الاثناء دخل ماتيوس على مكتب اخيه وكان جالس وفي قمة غضبه فقد صب منه شيئا بسيطا على روجينا قبل قليل

نظر نظرة حاده غاضبة على اخيه ثم وقف بغضب اكبر وقال
" انت لا تنفك من ان تتركني اعيش لوحدي ، ماذا تريد مني ياهذا ؟ أتظن بتحريضك للناس علي شاعرياٌ ستقوم بالسيطرة علي؟ هه لقد خسأت "

أجابه ماتيوس بهدوء ولكن الحزن يحرقه من الداخل
" اولا انا لست هذا ياهيكتور انا اخوك الكبير شئت ام ابيت ، وثانيا انا لا اقوم بالتحريض ....انت تنظر للامور دائما من منظور خاطئ مما جعلك تصل الى ما انت عليه الان "

اجابه هيكتور
" وما الذي عليه انا الان ها؟...انا اغنى رجل بالبلاد املك ماتحلم ان تمتلكه انت.. "

قال له ماتيوس وهو يشفق عليه

" ايها الاحمق هيكتور...انا لا اعني النقود بل اعنيك بالذات....انظر الى حالك ...تعيش وكأنك عدو المجتمع وتكره الجميع واكيد هم يبادلوك ذلك الكره وينظرون لك كمجرم رغم انك لست بمجرم "
اجابه هيكتور بنبره الغضب المستمرة تلك
" اتقصد رعاع الناس اؤلئك الفقراء اشباه تلك البائسة روجينا...انا لاتهمني نظراتهم عني فأنا احترم فقط من هم مثل طبقتي ...اما اؤلئك الفاشلون فأنا لا اعتبرهم بشر بالأصل "

ثم ابتعد عن مكتبه وصار يتمشى مقتربا نحو ماتيوس وهو يكمل قائلا

"اسمع ماتيوس اعلم ماهي خططك التي تعيد وتكررها حين تاتي لهنا بين الحين والاخر
تريد الاستيلاء على مشاعري لتسيطر علي ، انا كنت اسمح لك ان تدخل فقط لارى اين تريد ان تصل بأفعالك هذه ، ولكن اليوم تبين لي كل شيء بعد ان تكلمت مع تلك المدعوة روجينا لتجعلها تحرك مشاعري
انت تريد ان تستولي على املاكي ، ربما تريد ان تستغلني لتكون شريك معي او ربما تطمع بكل ثروتي ، هذا جائز لانك سابقا تركت اهلك في اصعب وقت لاجل المال ... "

رفع رأسه هيكتور ونظر بعيون ماتيوس وقال بخبث

" الست محقا يا....اخي "

كان ماتيوس مصدوما وهو يستمع له فلم يكن يعلم بأنه سيصل به الحقد لكل تلك الافكار البشعة عنه ، هو كل مايريده ان يتقرب من اخيه الصغير....ولكن فجأة دب الغضب بعروقه وانزل رأسه وعصر يده بقوة فقد غضب من هيكتور بهذه اللحضة بحق

ثم بلحضة خاطفة امسكه من قميصه ولكمه بقوة حتى رجع للخلف هاويا واصطدم بالمكتب ووقعت الاغراض التي عيه وتبعثرت الاوراق

دخل فجأة ذلك الحارس قائلا

" سيدي هل انت بخير ؟ "

رغم خوره على الارض رفع يده للحارس لينبئه انه لايحتاج مساعدة وان لا يتدخل ، فهم الحارس عليه وخرج واغلق الباب

كان ماتيوس واقف ينظر له وهو ويحاول الوقوف من اثر الضربة التي جعلته ينزف من فمه ، قال له وقد حقد عليه هذه المرة

" لا اريد ان اكرهك هيكتور ....انت اخي رغم كل شيء ، ولكن بعد كلامك هذا من الافضل ان اختفي عن حياتك تماما ولا تراني مجددا لكي لاتسمعني كلام اخر كهذا..لانني لو سمعتكلام مجددا كهذا قد....اكرهك "

ثم التفت ماتيوس ذاهبا وخرج دون اي تردد ليرحل وان لايعود مجددا

بتباطئ وتثاقل جلس هيكتور على كرسي مكتبه وصار يمسح الدم من على شفته ، ثم توقف لحضة وانزل رأسه وقال بصوت شجين حزنه يقطع القلب
" نعم...ارحل...ولا تعود "

https://j.top4top.io/p_2301mqewp2.png

ساي
08-02-2020, 09:00 AM
https://i.top4top.io/p_2301lofu31.png

البارت 7

بقلم الكاتبة : وردة المودة

لا أعرف لم ذلك الهيكتور المتعجرف قد سيطر على جل أفكاري، تحول من شخص بغيض أمقته و أكرهه لشاب جل طموحي أن أخرجه من الظلمة التي سيطرت عليه...

خاصة بعد لقائنا الأخير الذي لم ينتهي على خير بتاتا...

رفعت الغطاء لأغطي وجهي بكفي منزعجة لأقصى حد من هذه الهواجس التي لا أجد لها نهاية...

أطلقت صوتي صارخة بمقت: تبا لك هيكتور و لماضيك، أريد النوم.

أمضيت دقائق في صمت حتى وقعت عيني على تلك السيوف المتراكمة جانب الغرفة، و طبعا أنا،من جمعتها بعدما كانت منتشرة في أرجاء الغرفة ...فكما رأيت، لم يكن الإستقبال مثاليا البتة....!

نهضت أحوم بعيني في الأرجاء حتى توقفت لدى وسيلة عملي الحادة تلك و عدت أشحذ سيفا لم أتممه بعد...

لم يكن هذا وقت شخذ، فنحن بمنتصف الليل...إنما ...

أنا أفكر...
أفكر في سؤال و هدف قد أراد هيكتور المغرور أن أفهمه...

لم...لم يا هيكتور تطلب معاناتي؟... و لم تأنس بها و كأنها المطلوب؟!

و ماتيوس ، هل من الطبيعي أن يفصح بحياة أخيه ذو الصيت و السمعة لأي شخص؟...لست بلهاء، هو يطلب مني العون لأخيه الصغير...

شعرت بدوار كاد يفقدني السيطرة على يدي لوهلة، إلا أني تفاديت خطر غفلتي و استسلمت عائدة لفراشي، تاركة ذاك السؤال يتصفح وريقات أفكاري.


******************


أسبوع ..
أسبوع مضى و،أنا حتى لم ألمح صورة هيكتور!

حتى أنه لم يأتي لإستفزازي أو تحطيم،ما بقي من،كبريائي...

لا أواجه إلا وجه ذاك المطيع لسيده..

تنهدت مطولا عدة مرات و بدأت أضرب خدي بخفة علني أستيقظ من،الخمول الذي داهمني طيلة أسبوع...

ذلك خيالي...!

بل حتى لم يطرق أبواب خيالي الواسع، أن أكون هادئة...

فتحت عيني على،وسعهما ثم قلت بصوت جهوري كما اعتدت: ذلك الوقح، يتجاهلني لأنه رأى عبر كمرات المراقبة لقائي بأخيه...ياله من جبان، يهرب من،مواجهتي لأني أعرف ضعفه و،ماضيه التعس...فاليذهب للجحيم.

نفضت ثيابي لأخرج من،سجني القذر مخالفة أوامره، فشخص جبان مثله يستحق أن أريه وجهي الحقيقي و مدى استطاعتي على كسر أنفه مع قواعده الغبية تلك...

لم أحاول الإختباء و لا تخفيف صوت خطواتي، بل على العكس..

أسدلت شعري ليتساقط على كتفي بعشوائية و صعدت بخطوات واثقة، فأنا أريد مجابهته...
لكن...
لم أكن أظن لقائنا سيكون اللحظة..!

تفاجأت حتى بان ذلك على قسمات ملامحي ، لكني قلت بعد ثوان
"مرحبا، لقد كنت أريد الخروج لإستنشاق الهواء ، هل تأتي معي ؟ "

ملامحه الجامدة التي سافرت بي للقطب الجنوبي لم تتركه و هو يجيبني
"ومن أذن لك؟... لا أذكر أني فعلت."

ابتسمت بنصر لما سمعت و أبديت تحدي الأعين واثقة "ومن طلب إذنك أيها السيد؟... أنا أخبرك فقط."
طرأ بعض التغير الذي أشعرني بنشوة النصر بهزيمته ، آه كم استمتعت بملاحظة تقطيبته تلك و لحنه الذي أبدى الحدة دلالة على غضبه" تجرئين على معارضتي ؟"

تكتفت و قلت بلا اكتراث لمكانتي غير آبهة بردة فعله أو بما سيفعل، فطردي هو جنتي التي أتوق لها لأخرج من سلطته، رغم أني متيقنة أنه لن يتخلى عن فرصة إذلال فقيرة فاقدة للوظيفة: "ماذا؟...ستتخلى عن متعة تعذيبي يا..سيد هيكتور؟"

أظهرت عينيه بريق غضب ...لا، بالأصح حقد، إنه في قمة الغضب لأني تجاسرت عليه..

اضمحلت إبتسامي و اهتز شيئ مجهول بداخلي ينبئني بسوء طالعي للقائه في هذه اللحظات...
أولست أنا من أردت إغضابه؟!

إذا لم هذا الشعور و التردد...

كنت مشوشة و قدمي تراجعت بينما هو يتقدم ببطئ يزيدني رهبة منه ، و من سر إبهام بؤبؤتيه...
سقطت لينحني مبتسما بإستخفاف " أكلت لسانك القطة روجينا؟"

ثم نطق بزئير أسد مبطن في حروفه و هو يرفعني من شعري " تشتاقين للمذلة..سأريك إياها."
بقيت أسمع همهمات حروفه و أنا أومئ نفيا عن تطبيق الجنون الذي يتفوه به...
فحقا هيكتور؟...ما الذي أفقدك انسانيتك، و مالسر..؟!
هل لي أن أعرف؟

بقيت متيبسة الأطراف ثوان أستمد بها قواي، و سرعانما وقفت مشيرة له بسبابتي معترضة بصرخة هزت أطراف المكان " مستحيل...أنا لست عبدة لك و لادميتك أيها المتعجرف المغرور ...لن أشحذ مئة سيف أيها السيد هيكتور الوقح."

سكت بعد أن أفرغت جعبتي المتمادية لأتلقى ردا باردا خلفه بركان ثائر" تعارضين أوامري و تتمردين؟"

أخذت نفسا عميقا و قلت بثقة تغلغلت دواخلي" و ماذا ستفعل بي إذا قلت لك؟.. بالتأكيد لن أفعل"
بانت ابتسامة استخفاف قسماته " يبدوا أنك نسيت أمرا مهما، أنت هنا لتسديد دينك، فإن كانت لك قدرة المعارضة فلا بد أن لك القدرة على سداد دينك أيضا."

أفحمني كلامه الذي تحاشيته بل تناسيته فنطقت بغيظ "حقير."
أدار جسده مبتعدا و هو يقول" الفقراء مثلك ليسوا سوى حثالة لا تستطيع الإعتراض علي ، أتمنى أن عقلك الفارغ استوعب هذا أيتها النكرة."

كدت أجهش بالبكاء لكرامتي التي دهسها بسهولة لكني سيطرت على نفسي حتى يختفي، فما زال الوقت مبكرا على الهزيمة..فأنا لن أدعه يحتفل بنصره علي...أقسم أني سأجعله يعترف بهزيمته بنفسه...


*****************************


ماهذا الإزعاج برب السماء؟!

صوت هذا الباب لا ينفك عن الطرق لحظة...

نهضت و فتحت الباب لأحظ ذاك الحارس البليد الذي يطيع هيكتور فقلت بإمتعاض: ماذا تريد ؟..ألا ترى أننا لازلنا بالفجر .
أجابني بصوته الأجش " لقد قال السيد هيكتور أن تبدئي بشحذ السيوف."

تنهدت و قلت" ما هذا الإستبداد بالرأي لديه؟!...قل له أني سأبدأ بعد قليل."

أوصل رسالة هيكتور بقوله" قال السيد هيكتور لاحق لك في المعارضة."

هم بالذهاب من فوره فأسرعت بمناداته "هيييه..."

اكتفى بتوجيه وجهه مجيبا ندائي الوحيد له مذ رأيته "ماذا؟..كفي عن مناداتي هكذا، لي إسم وهو رالف."
إبتسمت بتوتر لكونه محقا بعد التفكير" أه، كنت أريد أن أطلب إفطاري...فأنا جائعة."

أومأ ايجابا ثم رحل ليتركني أفكر في مبادرته الغريبة، فهل كان لطيفا أم أنا أتوهم؟! ...وهل يمكن أن نكون في وئام يوما؟
لكني سرعان ما رفعت شعري و توجهت للحمام لأغسل وجهي علني أشعر ببعض النشاط لتلبية طلب هيكتور المجنون...

أجل، منذ قراره هذا ...هو ليس إلا مجنون معقد في نظري...


**************************


أشعر أن قواي خارت و مرحي اضمحل فعلا...

يومان لا أهنأ بنوم علني أنهي شحذ مئة سيف و لا أوفق ، و ما أحصل عليه هو تشققات يدي و اسوداد حول عيني...

ألا يشعر هذا الهيكتور و لو بشفقة نحوي ...؟!
ماذا بتسجيل ذلك البليد رالف عن عدد السيوف التي أشحذها ، بالتأكيد هو يفكر بطريقة عقاب لتهاوني ..!

خرجت لأصارح هيكتور عن موقفي، دعه يفعل ما يشاء... سأخبره عن رأيي في قسوته..

وصلت لمكتبه المضاء مصباحه لأطرق الباب، فالمدعوا رالف الضخم ليس هنا و هذا يجر للعجب!
لم أتلقى ردا فعلمت فورا أنه يتجاهلني لأنه يعرف عبر الكامرات من أكون..لذا فتحت الباب لنفسي لأتفاجأ به...


نائما!


اقتربت لأرى خصلات شعره قد تساقطت على وجهه و ملامحه قد تخلت عن تجهمها و أسدلت ستار الهدوء برخاء و رأسه متكئ على طاولة مكتبه، بدى غريبا بسكونه الذي لم أئلفه منه، خاصة بملاحظتي شيئا مريعا...!

إنه وسيم...

تبا لأفكارك هذه روجينا...!

بغض النظر عن كل ذلك، لقد لاحظت قلما أسودا بين أصابعه مع أوراق عمل من الظاهر كونه يعمل لديها..
منظره هذا قادني لأخذ معطفه النيلي من على المقعد لأضعه عليه، أظن...أستطيع فعل هذا له على الأقل...
ابتعدت بخطى صامته حتى وصلت للباب إلا أني تفاجأت به قد استيقظ يعرك عينيه موجها سؤاله لي "ماذا هناك روجينا؟"

أدرت رأسي و أنا أبلع ريقي لما أرى..قد سقط المعطف نصفه بينما بقى الآخر على كتفه و قميصه يحمل تجاعيدات واضحة...منظره كان تمثيلا لطفل بريء لطيف..!

نطقت بدهشة حروفي الغير مفهومه "واااه!.."

الأغرب من كل هذا أنه سألني شيئ بكل براءة..؟

قلت له بعد تفكير " حسنا، كنت أريد الحديث معك عن طلبك، أنا حقا لا أستطيع تنفيذه...بالكاد أكملت الثمانين سيفا..رغم أني بذلت جهدي."

لا أعلم إن كنت محقة، لكني لاحظت بريق حزن ببؤبؤيه "تعبتي إذا..أنت حقا ضعيفة، رغم أني كنت طفلا لم أسرع في الإعتراض .."

خلخل كفه بشعره الفحمي متما حروفه "ما تفعالينه لا يقارن ..."

قاطعته لأنفي فكرة خاطئة قد استحوذت عليه "لست أنت وحدك من عانى، أنا أيضا حظيت بأوقات صعبة..توفي والدي و تركاني وحدي دون أحد يعيلني أو عائلة ترعاني.. بت أعمل شهرا و الآخر هناك و ما أزال، لكني لن أفكر يوما بتقليل شأن من يعانون يومي و لو أصبحت في مستواك...يجب عليك تغيير سلوكك هذا ... أنت تطرد محبة أخيك قبل الآخرين بما تفعل."

بت أنتظر رده بفضول بينما هو ينظر لي بتمعن شعرت به أنه يستهدف إختراق عقلي ليقرأ أفكاري، ثم أشار لي بكفه للجلوس على أريكة رمادية بجانب طاولته وهو يقول بلهجة غامضة " دعينا نقارن."
إمتثلت لأمره بصمت حتى بدأ هو بطرح أسئلته الغريبة " متى توفي والديك ؟"

قلت له "منذ ثلاثة أعوام."

سأل ثانية " أين كنت تسكنين؟"

أجبته " استأجرت شقة لدى عجوز مسنة."

سألني سؤالا جعل الغصة تقف في حلقي " هل تشتتك و معاناتك يوازي معاناة طفل لم يتعدى السابعة؟"
كان سؤالا كفيلا بجعلي أرغب بالبكاء لأجله، فقد جعلني أتخيل...مهما عانيت فلن أفهم عمق معاناته...
قلت بصوت غلبه الحزن " أنا...آسفة حقا."

أتم بحروف غريبة لم أتخيل سماعها منه قد أخرجها بصعوبة ظاهرة تبدي لي شيئا واحدا، أنه لم ينطقها من قبل "عندما كنت أعمل، لم أهنأ بسقف كسقف قبوك بل كنت أنام في الشارع كالكلاب و القطط المتشردة، و عندما لم أكن أستطيع إنهاء عملي كان عقابي منعي من كسرة الخبز التي كنت أبعد ضعفي بها لا غير..."

سكت ليفتح زر كم قميصه لأفجأ بآثار تعذيب واضحة... كانت آثارا تبدوا و كأنها بالأمس لكنه قال مانفى ذلك " هذا غيض من فيض ماعانيته لأصل إلى ما أنا عليه الان ... عملت بأعمال خطرة وتعذبت لدرجة انني لا اصدق للان كيف بقيت على قيد الحياة.. "

انزل رأسه متما بحزن واضح..
"ومن يعلم ربما كنت اعمل بهذا الجهد فوق الطاقة لكي اقتل نفسي ولكني لم أمت، نجوت إنما ....بالجسد نجوت ولكن روحي قد لاقت حتفها و ماتت "

تنهد و هو يفتح زر قميصه العلوي أيضا و أنا أنظر له بعين تأسف لم أنظرها لغيره " هيكتور.."

ضحك ضحكة خفيفة مبديا عجبه من،نفسه "يبدوا أني جننت لأصرح لك عن ماضي التعس هذا."

قمت من مكاني مقتربة منه دون ملاحظة شيئ من تناسي لمستواه كسيد و مستواي كخادمة و أخرجت ما لدي " أنا ..أريد أن أصبح مثلك...لا بأس بكل العقبات، فأنا سئمت وضعيتي المادية هذه، هل لك أن تعطيني فرصة...سأفعل كل ما تأمر و لن أتذمر من أي صعوبة تفرضها علي أو عقبة.."

قرأت في عينيه السخرية و هو يجيب "ماذا..؟ تظنين أنك تستطيعين تحمل المشاق التي تحملتها، ستموتين يافتاة..لا طاقة لك بتحمل شيئ واحد مما عانيت."

شمرت عن ذراعي مبدية تصميمي الجدي له " لا بأس أنا قوية..لا تستهن بي."

كنت أنتظر منه أن يعين قراري لكن عينيه عادت لمنظر حقدها بشزر و هو يقول مستخفا "هه!..حقا بدأت تجيدين التمثيل أيتها النكرة ... رغم تصوراتي الكثيرة عن خطط أخي ماتيوس للإستحواذ على أملاكي..لم يخطر ببالي أنه سيستغل فتاة تخدمني للوصول لذلك...ذلك السافل لم يكفه مقاطعتي...يظنني سأخدع بتظاهره بالذهاب دون عودة..."

كان يتم كلماته بسب و شتم لي و لماتيوس الذي تربطهما علاقة الأخوة بينما كنت مهبطة رأسي مشتتة الذهن ، سمعت شيئا و غفلت عن الآخر مما تفوه به من حماقات... لكن لصبري حدود...

لم أتمالك نفسي...فاليكن من يكون... فاليكن من يكون...كيف له أن يتهم أخيه الأكبر الذي كل همه قلق على وضعه بإتهام كهذا...

لم أع لنفسي و إلا و قد ارتطمت يدي بخده صافعة..أجل، لقد صفعته..صفعت هيكتور بيدي..!
لم أصدق فعلا أن أثر الحمرة تلك أوجدتها كفي أنا...!
هيكتور ليس أقل صدمة مني، فقد توسعت حدقتيه و مازال ينظر للجهة الأخرى يستوعب ببطء ماحدث...

عاد ينظر لي و أنا أوجه،نظراتي له بمقت و حقد حتى دخل رالف فزعا لينبهني من غفلتي بصرخته: أنت...كيف تجرأين...؟!

قاطعه هيكتور برفع كفه مبسوطة أمامه " لا بأس كل شيئ على ما يرام... أخرج."

حدق بي ثوان ثم خرج بصمت ، لكني لم أقل ما أريد بعد لذا ابتعدت عن مصدر غضبي صارخة في وجهه: " أيها الأحمق المتعجرف، كيف تجرأ على التفكير بأخيك هكذا؟!..بينما همه هو أنت تفكر أنه يخطط لسلبك مالك الوسخ هذا؟!..قد صدقت فعلا فأنت عشت بينما ماتت إنسانيتك... قل لي كيف ستواجه والديك بهذا الشكل الذي أنت عليه ، بم ستيجبهما..هل تظن أنك مفخرة لهما؟. بل هما يشعران بالخيبة و هما ينظران لإبنهما تحول لشخص فاقد الإحساس و الضمير."

تركته مبتعدة و عيني تلاحظ كيف بات خائر القوى ..!

ابتعدت لتترك مشدوها بقلب قد اخترقه سهام حروفها الحادة...

و بعين لاحظت آثار عطفها.

بمعطف قد أسدلته عليه

https://j.top4top.io/p_2301mqewp2.png

ساي
08-04-2020, 04:51 PM
https://i.top4top.io/p_2301lofu31.png

البارت 8

بقلم الكاتبة : LAZARY

مشاعر مضطربة...

مواقف متناقضة...

حروب نفسية...

بعد أن خرج بصمت وقلتُ تلك الكلمات له، عدت للقبو بسرعة لأني لا أريد رؤيته مجددا بعد الذي حدث بيننا، وقد تملكني غضب شديد منه ومن نفسي.

رفعت السيف ذي القبضة الذهبية الذي كان فوق آلة الشحذ، وبدأت ألوح به مقلدةً تلك الحركات التي في الأفلام وذهني مشتت لا يقوى على التفكير في شيء، حتى شعرت بألم في يدي أمسكت السيف بيدي اليسرى ووجهت بصري لليمنى كانت حمراء بشدة فنطقت بصوت شبه هامس
" إذا كان كفُّ يدي بهذه الحالة، فكيف حال وجهه؟ "

بقية روجينا تنظر ليدها بحزن ظاهر على وجهها.
وأما هيكتور ذهب لغرفته وأخذ حمام وجلس على الشرفة يشرب القهوة واضعا قدما فوق الأخرى، يقلب أوراق أحد الملفات محاولا تشتيت ذهنه عن الصفعة التي آلمت وجنته.

رمى الأوراق على الطاولة أمامه وتكلم بصوت غاضب
" تلك الفتاة كيف تجرأ "

تذكر كلماتها التي دخلت صميم قلبه
" يبدو أنني أخطئت حين جلبتها إلى هنا، انها خطيرة لقد بُحت لها بقليل من مكنونات صدري. "
واستقام واقفا وبنظرات خبث ومكر
" رويدك عزيزتي...سأريك الجحيم بيدي وستندمين على رفع يدكِ على أسيادك "

فتحَ باب القبو بقوة أجفلتها. وجدها جالسة وراء آلة الشحذ، نهضت وابتلعتْ ريقها بصعوبة لكن كذبتْ كل ذلك بنظرات باردة وصوت هادئ
" ماذا هناك هذه المرة سيد هيكتور؟ أمازال لديك بعض الاهانات التي تريد رميها عليّ، وعلى أخوك الغائب. "

كانت نظراته في البداية حزينة ولكن تغير مزاجه وصر على أسنانه عند ذكرها لأخيه، فنطق بصوت ناريْ
" أصمتي يا حثالة البشر "

آلمها كلامه لكنها لم تستطع الرد عليه، انعقد لسانها وهي تحاول اختراق عقله من خلال عينيه، تتخيل معاناته...نومه في العراء بدون مأوى أو معين...وبقائه بدون طعام لليالٍ طويلة، وتلك النُّدبْ التي احتلت جسمه، والأهم هي تلك الندبة التي تأبى ترك قلبه.

وجدها صامتة بدون أي ردت فعل، ضحك باستهزاء
" وأخيرا عرفتِ مكانتك...سيكون عقابك شديد "

لمّا سمعتُ تلك الكلمات من فم هيكتور لم أصدق، بماذا سيعاقبني الآن
ضحكتُ في سرِّي وهل هذا يهم الآن لطالما تعامل معي المجتمع على أني نكرة..لا شيء..سوى...سوى...لا، لن أسمح بهذا بعد الآن، سأعمل وأعمل حتى أجني ثروة، وسأجعل الجميع يرى تلك الفتاة التي احتقروها وأهانوا كرامتها في الماضي ماذا أصبحتْ.

سأستغل كل الفرص أمامي وسأبدأُ بك أيها المتعجرف هيكتور، سأستغل معرفتك للتجارة، سأعرف كيف تدير الأعمال سأجعل الأموال تنهال علي وستأتي إليَّ طالبا عقد الصفقات وسأجعلك تفلس، سأسرق المعلومات منك ولو إطررني ذلك لتناول دماغك......مهلا جرفني الحماس لابد أن مذاقه سيء بما انه ملك لهيكتور البغيض
" ما الذي يجعلك تبتسمين بثقة كأنك ملكتِ العالم أيتها المتشردة "

كانت هذه كلمات هيكتور لم أشعر بنفسي أبتسم وأنا أحدق فيه وأتخيل نفسي أتناول مخه مع القليل من السلطة...آه مقرف.

نظرتُ له بتصميم بعينين تبرقان بالتحدي
" سأتحداك هيكتور..أرني ماذا ستفعل؟ لن أستسلم سأفعل كل ما تأمر به وسأريك أنني لست سهلة. "
رأيتُ الغضب يلمع من عينيه يبدو انه توقع أن اخضع له وأركع طالبة المغفرة، لست نادمة على شيء.
نطق بكلماته بسرعة ولهيب الغضب يطل من عينيه

" ستعملين في تنظيف القصر بدآ من الآن، ستعملين على التنظيف التلميع، الطهي وحتى الاعتناء بالحديقة، أريد رؤية كل شيء يلمع عند عودتي من عملي. وبدآ من الساعة التاسعة ليلا ستكملين عملك في شحذ السيوف حتى الواحدة ووقت الاستيقاظ من النوم سيكون في السادسة لتعدي لي الفطور يجب أن يكون فطورا فخم و.."

قاطعته
" ألا تخاف أن أضع لك السم في طعامك، وفوق هذا اتعلم من تشبه؟ تشبه زوجة أب سندريلا في إعطاء الأوامر"

ابتسم بسخرية ولم يأبه لتعليقها الأخير
" هذه ليست معضلة، سأجعلكِ تتذوقينه قبلي. وأيضا لا تقاطعي كلامي، كما قلت..ولديكِ نصف ساعة في اليوم لتناول الغداء وعشاءك سيكون قبل أن تبدئي عملك على السيوف. وسنرى إلى متى ستستمرين في هذا التحدي."

فرفعتُ يدي إلى خصلة طويلة من شعري لأبعدها عن عيني وتكلمتُ معه بلطف متصنع
" ألا ترى سيد هيكتور أنك رءوف...جعلتْني أوامرك أتحمس لمزاولة العمل الآن فما رأيك أن تتنحى جانبا لأخرج وأبدأ عملي."

ومررت بجانبه وثم عدتُ والتفت إليه وبسبب ذلك ارتد شعري نحو وجهه وتكلمتُ بأدب مصطنع
" ماذا تريد على الغداء سيد هيكتور؟؟ "
لاحظتُ تصلب فكيه وانقباض عروق رقبته ونظراته المشوشة، فعبر بجانبي بسرعة جاء على مسامعي صوته الهامس يشتم

احترتُ في أمر هذا الهيكتور
" هاي..هيكتور قلتُ لك ماذا تريد على الغداء فأنا طباخ ماهرة."

وبعد ثوانٍ سمعتُ صراخه على رالف آمرا إياه بِحَثِّي على العمل على أكمل وجه حتى وقت متأخر، وخلال وقت قياسي ظهر رالف وتعبير غريب على وجهه، تحدثَ معي بصوت خافت
" من فضلك آنسة روجينا تعالي معي "

تبعته بصمت لأعمل على أوامر البغيض، وأنا لازلتُ مصممة على رأيي.

هيكتور

بعد أن أعطيتُ الأوامر لرالف بأن يريها أين جميع الأدوات والأشياء اللازمة ويجعلها تباشر عملها. ذهبتُ لمكتبي وأنا محتار في هذه الفتاة أو الأصح المصيبة التي جلبتها لنفسي شعرت بالغضب يملأ كل خلية من جسدي رفعت كوب العصير ورميته على الحائط بكل قوة علّ ذلك يقلل من غضبي
" تبا لها كيف تتصرف هكذا بكل برود؟ بعد كل ما قلته تقبلتْ كل ذلك برحابة صدر كما لو انها كانت تنتظره."

نهضتُ من على الكرسي واتجهتُ للنافذة وفتحتها لأشعر بالهواء يلفح وجهي أغلقتُ عينيْ حتى شعرتُ بشيء ناعم كالحرير على وجهي انتابني نفس الشعور في تلك اللحظة عندما مست بعض خصلات شعرها وجهي.

شعرتُ في تلك اللحظة بقلبي دق بعنف كأنه يطالب بالحرية على أن يبقى في قفصِ صدري
فتحت عينيْ بانزعاج وأبعدتُ الستائر عن وجهي لألاحظ تلك الجنية تقطف الورود الحمراء، والصفراء وورود أخرى جميلة لم ألاحظ جمالها إلا الآن وهي تُرتبها حتى صارت باقة خلابة..جميلة تسرُّ كل عينٍ تراها.

هذه الجنية أصبحت في كل مكان.....تداركتُ نفسي
" ماذا قلتْ ؟؟ هل قلتُ جنية ؟ هل أصبحتُ الآن شاعرا ؟ يال السخف."

عدت لأنهي عملي بدلا من التفكير في تلك المصيبة وكم كنت مرتاحا ولا أدري لم ؟.
كانت مشاعر هيكتور متضاربة، قد تخللت مشاعر جميلة قلبه.

روجينا

بعد أن أراني رالف المطبخ دخلت إليه وأعددتُ طعاما شهيا أخذ ذلك مني ثلاث ساعات، حضّرتُ طاولة الطعام وخرجتُ لأقطف بعض الورود لأضعها على الطاولة فذلك يعدل المزاج، طبعا ليس هذا لأجل البغيض ولكن حتى يعلم كم أنا مُتقنة لعملي، ثم أخبرتُ رالف بأن الطعام جاهز إن أراد أن يخبر سيده.
ثم اتجهتُ للدور الأعلى وبدأتُ بإزاحة جميع الستائر وتركتها في الماء حتى يسهل عليّ غسلها في ما بعد، ونظفت الأتربة ومسحتُ الزجاج والأثاث الفاخر الذي كم خشيت إن أحطم واحدة ماذا سيفعل بي ذلك الهيكتور وعدت للستائر وأغطية الأسرة غسلتها و علقتها في الحديقة أم أقول في الجنة الدنيوية.
ثم عدت للمطبخ تناولتُ طعامي وغسلتُ أطباق هيكتور ورالف الذي أصبح لطيف معي ولا أدري ماذا ضربه على رأسه حتى صار هكذا. وأكملتُ العمل في الدور الأول من المنزل كما فعلتُ الثاني، ثم خرجتُ للحديقة وأزلت الأعشاب الضارة عن الأحواض وجمعتُ أوراق الأشجار المتساقطة التي بحق بعثت بجو راقٍ على المكان بأكمله كانت نقيضه لخضرة الأرض.
وهكذا انقضى اليوم وأنا من عمل إلى عمل حتى أصبحت التاسعة تناولت عشائي وقصدتُ القبو لأبدأ العمل الذي دون أن أدري أصبحتُ أحبه
أعجبني ذلك السيف ذو القبضة الذهبية أتمنى لو أتخذه لي، لكن حتما المتعجرف هيكتور سيشطرني به إلى نصفين.
لكنه مجرد سيف لا أظن أنه سيغضب لأجله.


****************************


وفي اليوم التالي كنت قد أنهيتُ كل الأعمال وإن كنت أريد جني المال فيجب ألا أستسلم وقد وعدتُ نفسي أن أجعل الجميع يعرفني و يعترفوا بأخطائهم اتجاهي لذا ذهبتُ للقبو بعد إستراحة الغداء وباشرتُ عملي وغِصت فيه حتى أنني لم اشعر بهيكتور عندما دخل وسمعت شهقة غاضبة منه
التفت إليه وجدته يحمل السيف ذي القبضة الذهبية
وتكلم بغضب أكبر
" ماذا فعلتِ به؟ لما نحتي اسمكِ على السيف؟ "

تمالكتُ أعصابي و أجبته بلطف علّ ذلك يقلص المسافة بيننا فإن كنت أريد تعلم الأعمال منه يجب أن أتقرب إليه
" لأنه أعجبني ففكرتُ بامتلاكه "

صدم من هدوءها وكلامها فعادتً لديها أجوبة لاذعة بقي يدقق في ملامحها لعلها ليست روجينا.
ثم تكلم بعد برهة
" ومن سمح لكِ بأن تفكري فأنت هنا للعمل وليس للتفكير فالخدم يطيعون الأوامر فقط، ولا يفكرون..فقط العمل والإخلاص لأسيادهم، وإلا سيكون مصيرهم الشارع."

صررت على أسناني ولم أستطع حتى بلع ريقي فكلامه مهين جدا، رددتُ في داخلي اهدئي روجينا عليك أن تكسبيه. رددت عليه بهدوء وأنا أدقق النظر في وجهه
" لا هيكتور أنت مخطئ، حتى الخدم والفقراء بشر، يفكرون ويحلمون ويطمحون، فأنت مثلا أحلامك وطموحاتك هي من جعلتك تصل إلى ما أنت عليه الآن...أنجح رجل أعمالٍ في البلاد."

انفعل ورد علي بغضب
" اصمتي..لست مثلكم فأنتم مجرد..."

ثم اختفى صوته، لا أدري ماذا حدث له ولكن وجدتُ الفرصة لأتكلم معه نقلتُ نظري للسيوف حتى توقفتْ عيني على ذلك السيف الذي رسخ في ذهني قبل قليل وأنا أشحذه كان سيف قوي ذي قبضة فضيّة،
اقتربتُ من الطاولة ورفعته أمسكته من قبضته ومن نهاية نصله، وحدثته برزانة
" هيكتور..أترى هذا السيف؟ إنه يشبهك، "

ورفعتُ بصري إليه وجدتُ الدهشة قد علة وجهه ثم عدت لأنظر للسيف
قلّبته بين يدي وعينيّ تجول عليه بخبرة قد اكتسبتها هنا

" إنه لمّاع......ذو نصل فتاك...وفولاذي صامد، حتى بعد شحذهِ لا يزال يحتفظ بخدوش دلّت على عدد الحروب التي خاضها، لكنه لم ينكسر..وفوق كل هذا...حتى الآن يبدو جذاب بهذه الزمردة الزرقاء التي تعلو قبضته القويَّة. "

صدمتُ من كلامي هل مدحتُ الآن هيكتور؟ هل وصفته بالجذاب؟ لكن الكلمات خرجت وانتهى الأمر
وضعت السيف بسرعة وإحراج أحاول إخفائه وعدتُ لأجلس وراء الآلة وأنا أدعو الله أن يخرج من هنا بسرعة

هيكتور

لم أشعر يوما بما شعرتُ به الآن بعد كلامها، لقد مدحتني بكلمات لا مثيل لها، سرور دخل قلبي رغم سماعي للمديح طول الوقت من معارفي في المجتمع إلا أن لكلامها وقعٌ آخر حدقّتُ بها وهي جالسة وراء الآلة بثبات،
لم استطع الرد عليها وضعتُ السيف و هممتُ بالمغادرة لأن الحروف قد ضاعت مني.
ابتلع هيكتور ريقه مِنْ هذه الفتاة وأكمل سيره مبتعدا.

https://j.top4top.io/p_2301mqewp2.png

ساي
08-17-2020, 01:17 PM
https://i.top4top.io/p_2301lofu31.png

البارت 9
بقلم الكاتبة : Freeal

تابعت عملها بشحذ بضعة سيوف بينما الصدمة باقية في عقلها فها هي فترة تُحاولُ بها إعادة ما قالتهُ بالضبط ،
وفي أثناء شحذ سيفٌ إيطالي الطراز اقتربت كفها لا شعوريًا من أداة الشحذ وجُرحت بجرحٍ بليغ !
بقيت تنظرُ إليه فترة...

" أهذا جُرح أم أتوهم ؟ إنهُ لا يؤلمُني ! لا يؤلمني البته ! "
لكنهُ جرح ، وهذه هي دمائها تسيلُ بالفعل ...

دخل الحارس الموكل بها رالف، ليُعلمُها بمهماتها ليوم الغد ، بقي هو الآخر ينظرُ مُستغربًا ، إلى أن أدرك الموقف و أسرع نحوها ، لمساعدتها ..!

ضمد رالف جرحها موقفا النزيف بينما الصمت حديثهما ، ثُم غادر القبو بهدوء بعد ما نطقه قبل خروجه من تلبية لأمر سيده:
" السيدُ سيُغادرُ مُبكرًا صباح الغد ، عليكِ تجهيز الفطور قبل الفجر ! هذه أوامرُ سيد هيكتور ! "

مهلًا لحظة ! هل يُنفذ الأوامر وحسب !

نظرت لجرحها و هيّ تجمعُ قواها قائلة لنفسها :
" هيكتور تحمل وصبر على جراحهُ والمتاعب التى صادفت طريقهُ بقوة ، إذا كُنتُ أريد أن أثبت نفسي و أتقدمُ للأمام ، علىّ أن أتحدى جراحي و أتناسى الآلم! "

رفعت رأسها بتحدي و الإبتسامة تُزينُ ثقرها بغرور ثم أومأت موافقة لرالف الذي غادر مبتسمًا هو الآخر، باستهزاءٍ قائلًا لنفسه التي لاحظت عزيمتها :
" ما هذه الفتاة ؟ إنها مُعجزه ! "

وحين استوى أمام السلم الذى يؤدي للطابق العلوي حيثُ غرفةُ هيكتور ، علق نظراتهُ نحو نهاية السلم كما لو كان هيكتور واقفًا على رأسه ، قال كما لو أنهُ يُحادث هيكتور بصوتٍ شبهُ مسموع و قريب من الهمس :
" سيدي ... لقد رأيتُ اليوم شيء لم أتخيل رؤيتهُ في حياتي ، حين دخلت و رأيتُها واقفه هُناك تنظر لجرحها بهدوء وغيرُ فزعة ، رأيتُ فيها صلابة الماس التي تشعُ عزيمه كالشمس في صحراء جردت من كل حياة!..سيدي ... اعذرني .. هذه الفتاة، هي التي ستُحطمُ غطرستك !
ستفعلُ ما عجزتُ أنا عن فعله حين أتيتُ إلى هُنا قبل أربع سنوات !! "

أما روجينا فقد بقيت تعمل لفترة مُتأخرة .. عازمة على إثبات نفسها و بقوة..
تُكررُ في قرارة نفسها مرارًا ..

لن تهُزني جبالُ العالم ، وإن كانت أكبرُها و أكثرها بساله !!!
استيقظت فزعه إثر حُلُمٍ مُربك .. لقد تأخَرت على فطور ذاك السيد المتكبر المبكر ..

وحين استوعبت موقفها كان القبو يعجُ بالظلام ، النافذة الصغيرة لا تحملُ أشعة ضوء الصباح ..
على الأقل ليس بعد !
رفعت نظرها للساعة المُعلقة على الجدار بعد أن أنارت الأضواء .. كانت الساعة الرابعة فجرًا..
أخذت نفسًا عميقا ثم نهضت تاركة المياهُ الباردة تُلامسُ وجهها وشعرها بتعب ..
خرجت من القبو وخطت بهدوء نحو المطبخ ..

وقفت مقابل المطبخ للحظة حين لمحت باب الغرفة في الزاوية المقابلة للمطبخ المفتوح ...
دفعها الفضول و اتجهت نحو الغرفة مستكشفة محتواها ..

لم تسنح لها الفرصة سابقًا لرؤية شيء يتعدى حدود ذلك القبو الذي يضيق أنفاسها !
دخلت بحذر لتقول كلمةً واحدة عبرت عن جل ما تفكر به
" مذهل ! "

لم تتخيل وجود هذه الغرفة هنا ففيها كُل شيء تقريبًا ..

احتوت أنواعا مُختلفه من ثياب العمل ، منها كالذي ترتديه الخادمات و منها كالذي يرتديه رالف ..
لفت نظرها أحد الثياب المعلقة ، تُشبه التي كانت ترتديها عند عملها كنادلة ، لكن أجمل ..

نظرت لنفسها حيث كانت ترتدي قميصا رماديا مع جينز أسود ... بدت لها غير جميلة ، و بسيطة ...
حتى أبسط من ثياب الخادمات المتواجدة هنا...يا للخزي !
أخذت الثياب المُعلقة و ارتدتها بسرعة ..

قميصٌ أسود بلا اكمام ،مع بنطال طويل بنفس اللون ، مع حذاء بسيط بلا كعب ..
أضاف المئزر الأبيض المناقض للون ثيابها جمالًا خاص ...

تمنت أن ترى كيف تبدو لكن لم تجد سوى المرآة الصغيرة على الجدار .. لم يكن لها تحقيق هذه الأمنية...

رفعت شعرها للخلف كما تفعل عادةً قبل الطبخ، وبقيت تلك الخُصلة الطويلة تتدلى على وجهها بتعالٍ عكس جمالها ...

عادت لوجهتها الأولى و دخلت المطبخ ثم همت بتجهيز الفطور بسرعة ..
كان فطورا كالذى يتوقعهُ شخص كهيكتور أن يكون معدل له...
بالمسمى الأتم...


.. فاخر ..


رتبت كُل شيء على الطاولة الكبيرة التي تتربعُ عرش غرفة الطعام ..

ثُم سكبت الشاي و القهوه ! هيّ لا تعرف ما يُفضل بالفعل ...

و أخيرًا ...سُنِحَت لها فرصة التمدد ، بالكاد نامت ساعتين !

في تلك اللحظه بالذات دخل هيكتور متأنقًا بثيابهُ الرسمية ...

يرتدي الأسود الرسمي عدا ربطة عنق ناقضته بكونها رمادية ...

يبدو أن هيكتور كان على موعدٍ مع اجتماع كبير و مهم فهو لا يخرجُ إلا إذا كان السبب مهما له ..

لمح من بعيد فتاة مرتدية السواد واقفة أمام طاولة الطعام ،و ظهرها هو ما استقبله بداية فشعر بالغضب و سؤالان يحومان في أذنه... من هذه ،و أين روجينا ؟
...هذا ما أغضبه !

أراد أن يصرخ مطلقا العنان لغضبه لكنهُ ابتلع ذلك الغضب بصمت حين استدارت قائلة :
" صباح الخير سيدي ! "

هذا مرعب !

ماذا حدث للكنتها المتمردة ؟ سيدي !

هذا ما راوده من خاطر نتيجة صدمة ثلاثية الأبعاد، ليس من المعقول أن تُرى بهدوء الطبع الغريب هذا...
هناك شيئ مبهم ..جداً
و مع ذلك ، لم يخفى عليه كم كانت تبدو متعبة .. حمل بنظرهُ نحو الطاولة ...

هذا ما توقعهُ تماما ، فطورٌ أنيق ! لا أعتقد أن هيكتور بجبروته سوف يعترف بإعجابه بالعشاء الذي طهته بالأمس ..

من يعلم، ربما كان ذلك سبب ذهابِه للقبو ، طبعًا.. قبل أن يغضب من حفر إسمها على ذلك السيف الذهبي ...
جلس بصمت و بدأ ينظر لما صنعته وهي تقف مشتعلة بالغضب الدفين في سرها... لتجاهلها وعدم الرد على أقوالها..!

كررت في ذهنها ما تقوله دوما و هي تدير قرص عينيها بين زوايا المكان تجنبا من أي مشكلة ستفتعلها بصراحة أو هجوم تنقض به على محطم أعضائها..." متعجرف...مغرور..."

تنهدت لتقدم له الشاي ، فاعترض مُحاولًا خلق مشكله :
" أنا أكره الشاي في الصباح ، أريدُ قهوتي الصباحيه "

قالت ببسمة خفيفة و هيّ تُقدم القهوة :
" تفضل سيدي ، أية إضافات ؟ "

لقد نالت منه بكل ما للكلمة من معنى بتصرفها الذكي ، فهي لن تدع له فرصة لإذلالها أو استحقارها بعد الآن!

لم تخفى نظرات الاندهاش من عدم مبالاة روجينا لكنه بدأ بشرب القهوة بهدوء والكلمات تبخرت مع بزوغ أول خيوط أشعة الصباح ..

رفع نظره لها، كانت تلك الخُصلة المزعجة تتأرجح معها، مع كل حركة تقوم بها وخيوط الشمس تشعُ بازدياد خلفها ..

بعد فترة ...لاحظ أنهُ يختلس النظر لها كثيرًا ، و كلماتها المادحة له ترنُ كالجرس في طوفان ..
لحظة خرج عن حدود إدراكه قائلا في نفسه " أنتِ جميلة "

نظرت نحوهُ وملامح بريئة تُزين وجهها المتعب ، لماذا تنظر له بإستغراب ... هل قرأت أفكارهُ لتنظر له هكذا ،و فجأة ؟ سألت روجينا ببراءة:
" هل هنالك خطب ما ؟ هل أخطئتُ فى شيء سيدي ؟
إذا ارتكبت خطأ بأي شيءمهما كان ، فأنا مستعدة للعقاب ! "

ما هذا ، أهذا ما تُفكر به ؟ أهكذا فسرت نظراتَهُ لها ؟

لو تعلم فقط العاصفة التي سببتها له منذ تلك الكلمات التي صرحت بمديح لا تعلم مدى أثره به ...

روجينا تتسائل سر سؤالها المتواضع توا دون تفسير واضح ..

بينما كان الآخر مصدومًا لما قالهُ هو .. هل وصفها بالجميلة؟ هذا مستحيل !

أخذت الفوضى تُثير نفسها في كُلٍ منهما إلى أن نهض هيكتور غاضبًا من نفسه تجاه ما فكر به ، و من ضعفه أمامها..!

بينما روجينا فقد اعتبرت نهوضه بسببها، كانت تقف في فوضى.. تنظر له وهوَ يغادر المكان بصمت مزعج ..
لكنه استدار قبل خروجه بلحظات قائلًا

https://j.top4top.io/p_2301mqewp2.png

ساي
08-18-2020, 10:47 AM
https://i.top4top.io/p_2301lofu31.png

البارت 10

بقلم الكاتبة : " fαɪяy ℓαɒy"

" سأعود غذا صباحا ، لهذا لا تستعملي غيابي كعذر لترتاحي .. قومي بعملك على أحسن وجه ، هل فهمتي ؟"

انتقاما منها على جعله ضعيفا قبل قليل .. لم يتوانى لحظة في شحذها بنظراته الباردة والحادة من فوق كتفه ، ثم مالبث أن أكمل طريقه .
" غذا صباحا...
، هل يعني أنه لن يبيت بالمنزل ؟ ".

تساءلت روجينا مع نفسها بحيرة و عينيها تتبعانه إلى حين اختفائه من أمامها دون أن يودعها حتى .
بينما هو كان يقطع الطريق نحو سيارته الليموزين الرابضة بالقرب من مدخل القصر ، كان يشعر بشيء خاطئ و غامض حيال الأمر .

لقد أصبح بقربها هشا و ضعيفا .. بدأ يشعر أنه مسلوب القوى أمامها و كأنها تصد خطوط دفاعه و تتخطى بسهولة الحصن المنيع الذي تعب في تشييده ..

جلس في مقعده الخلفي و أغلق زر سترته و هو يذَكر نفسه بشيء مهم .
" هكتور ، إنها هنا حتى تستمتع بتعذيبها و تضحك ملأ فمك عليها و أنت تحطم كبريائها و تسحقها كالحشرة ...
لا لكي تعجب بها و تحبها ، فالأمر خاطئ .. خاطئ جدا ".

كانت تنظر عبر النافذة إلى سيارته السوداء الفاخرة و هي تقطع طريقها بهدوء عبر الممرات الحجرية للحديقة ، أحست بالإنزعاج لسبب غير معلوم
حتى أن هناك قبضة غير مفهومة تجعل التنفس صعبا عليها .

تُركت هنا بين كل هذا الكم من الوحدة و الأشغال .. لكن على الأقل هو لن يكون موجودا ليصيح عليها و يوبخها كما اعتاد أن يفعل .

تنهدت عميقا و اتجهت نحو الطاولة حتى تلملم الأطباق و تشرع بالتنظيف و الغسيل .

و بشكل مفاجئ صادفت رالف في الرواق فجفلت لثانية ثم قالت بتساؤل : ألم تذهب معه ؟.

ابتسم بهدوء و أجاب : أنا لا أغادر القصر أبدا يا آنسة .. أنا مكلف بحماية ممتلكات سيدي و خدمته طوال مدة عملي .

تأوهت بتفهم و هزت رأسها قليلا قبل أن تردف باستغراب : لكن ألن يعود إلى المنزل اليوم حقا ؟.

" سيسافر إلى كاليفورنيا " أجاب باقتضاب كأنه لم يشأ أن يجيب منذ البداية .

" كاليفورنيا ... ؟؟
إنه محظوظ بالفعل ".

تركها رالف تقف عند العربة الحديدية التي تحمل عليها الأطباق و ذهب إلى عمله بعد أن ذكرها بالتعاليم التي تركها لها ذلك المتعجرف ـ هيكتور ـ

شرعت تنظف المطبخ ذو الأركان المزدانة بالمزهريات الجميلة و الأضواء المشعة .

كان الجو في الخارج صحوا و مشمسا ، ويبعث بالنشاط على الأنفس .. لا أخفي عليكم كم كانت تريد ترك ما بيديها لتذهب و تآخذ قسطا من الراحة قرب النافورة .

لكن هيهات .. فهي مرغمة على إكمال ما أتت من البداية لفعله .

كان هناك صمت غريب و ثقيل على مسامعها ، لأنها لم تعتد العمل إلا في الأماكن التي تضج بالحركة و الحياة ..

فالمكان هنا أشبه بالمقابر ..


روجينا


انتقلت بعد ساعة و نصف إلى العمل في الطابق العلوي ، كنت أجمع البطانيات المتسخة و شراشف الطاولات من كل الغرف حتى بات حملها شيئا عسيرا ..

وضعتها في غرفة التنظيف بالطابق السفلي ، وعدت حاملة المكنسة الكهربائية و بدأت العمل .

كنت أدندن بخفوت و أمد المكنسة برشاقة في كل الإتجاهات حولي ، لم أتوانى لدقيقة في الرقص ببلاهة .. فلقد ضجرت فجأة .

تنهدت بعمق و قد بدأ الشعور بالنفور من كل شيء يستولي علي ، لقد اشتقت للذهاب إلى الخارج حقا .

تنهدت من جديد و تذكرت هيكتور بغتة :
" كلما حاولت تحسين صورته ولو بالقليل ، يضرب بجهدي عرض الحائط ...
و يثبت لي أنه لا يستحق احترامي و تقديري له ،
أنا أكرهه ... و شعوري بالشفقة عليه سابقا هدر لوقتي و مشاعري فقط .. "

اشتعلت غيضا مع تذكر تجاهله لي هذا الصباح و كيف أنه لم يهتم حتى بإلقاء تحية الوداع لي ، أو يبدي إعجابه بالعمل الذي قمت به ..

إنه غير رحيم البتة ، ولا يملك ذرة تعاطف تجاه الآخرين ...

و فوق ذلك الغرور والتكبر ، هو يمقت الفقراء أمثالي ...

و عازم على فرض جبروته و غضبه على أي فقير محتاج يقع بين يديه ..

فكرت بحيرة
" لما لا ينسى فقط أمر الماضي ويحاول جعل حياته أفضل مما كانت عليه .
ألا يرى أنه ليس سعيدا البتة ، حتى و هو يمتلك ربما كل تلك الأشياء التي تمناها يوما.
و لكن ما يجعلني أحتقره أكثر ، أن أخاه ماتيوس لم يسلم من كل تلك الأفكار الجهنمية التي تملأ عقله.
إنه حقا شيطان حقيقي .. حتى يمنع أخاه من رؤيته بعد كل تلك التضحيات التي فعلها من أجله في الماضي.
ألا يملك بصيرة ليرى بها الأمور على حقيقتها ، ليس كما يفسرها هو "

ـ غريب حقا ..

تمتمت بحيرة و حجزت خصلة شعري خلف أذني ، تأففت بضيق ..
" لماذا فجأة أصبحت أفكر فيه كثيرا
أنا لا أهتم إن كان يكرهني أو يحاول إهانتي طالما لن أسمح له بذلك ... "

نزلت من جديد إلى الدور السفلي فقابلت رالف عند الردهة يحمل كتيبا في يده و متجه إلى الحديقة ، وقف يحدق بي بصمت استغربته قليلا و أنا أنزل السلالم
و دون أن يقول شيئا استأنف الطريق غير مبالي ..

إنه حقا صورة طبق الأصل عن سيده ، و أنا من كنت أتساءل كيف احتمل تصرفه كل تلك المدة ؟.
فهو لا يقل عنه برودة ..

هززت رأسي بلا حيلة و ذهبت يمينا نحو الرواق الذي توجد عند آخره غرفة التنظيف ، وضعت كل ما حملته إلى هنا قبل قليل في آلة الغسيل و تركتها تعمل وحيدة ..

و عادت إلى القبو ..

إلى المكان الذي تتمسك بهذا العمل فقط لأجله ، حتى و إن كان مظلما و باردا ..

فهو يبقى أفضل بكثير من العالم الموحش في الخارج .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ


ـ جون إف كينيدي ـ الدولي الموجود بالقرب من مدينة نيويورك ، إلتقى بموكب من عملاء شركته عند مدرج الطائرة في مطار

كان بهيبته وهالته المحيطة به يجعل الجميع يحنون رأسهم له احتراما لشخصه ، كان بذلك القلب الفولاذي و التقاسيم الحادة يبث الرهبة في كل منافسيه على الساحة.

إنه فقط لم يصبح أحد أشهر المليونيريين في أمريكا ، بل أصبح قدوة كل الشباب الذين لم تعطهم الحياة فرصة لإظهار ما بجعبتهم ...

فخلقوا فرصة من العدم و شقوا طريقهم الطويل لوحدهم كما فعل ـ هيكتور بلاديمون ـ الملقب بـ [ قلب الأسد ] .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ


هيكتور


كان الجو حارا بعض الشيء ، لهذا تماما كنت أرتدي نظاراتي الشمسية .. صعدت سلالم الطائرة الخاصة بي أولا...

و لحقني بعدها طاقم عملي الصغير للذهاب في رحلة عمل إلى كاليفورنيا حتى نهتم ببعض التفاصيل الصغيرة عند الفرع الخاص بشركتي هناك .

لم تخفى علي نظرات الإعجاب و الدهشة التي يرمقني الجميع بها ، و لكنني اعتدت الأمر تقريبا ...
لم أعد أهتم إن كان الجميع يتهامس علي ، أو يحدق بي .. خاصة الشابات اللواتي هن مستعدات لتقبيل التراب الذي أمشي عليه ..

فقط ، للإستولاء على نصف الثورة التي جمعتها بنفسي ..

أجد في ذلك شعورا بإرضاء غروري ، وهو شيء أستمتع به كثيرا ...

على ذكر الفتيات ، لاح خيالها بغتة على عقلي ، إنها لا تنفك تتركني و شأني .. و الآن صارت تتبعني حتى إلى رحلات عملي .

ـ سحقا لها ...

تمتمت من بين أسناني بحقد و سكبت لنفسي بعض النبيذ في الكأس الزجاجية ، قبل أن آخد أول رشفة رن هاتفي .

ـ ماذا هنالك ؟.

استمعت إلى عميلي بانتباه الذي كان يدلي بآخر المعلومات ، وانعقد لساني فجأة و شعرت بالصدمة ..
أغلق الإتصال فأخفضت الهاتف و أنا لا أزال على أثر الصدمة .. عضضت شفتي السفلى بغيض فجأة و رميت الكأس من يدي .

ـ ذلك الحقير ، هل كان يقصد ذلك حقا حين قال أنه سيخرج من حياتي كليا ... ؟

أمسكت رأسي بين يداي و أحسست بانقباض قلبي و استيائي الشديد على ماتيوس .. إنه يجهز نفسه و عائلته للرحيل عن نيويورك قريبا
و هذا كله بسبب غبائي و و حماقتي معه ..

صحيح أنني كنت أمنعه من الحديث معي و رؤيتي ، لكنني لم أتصور يوما أنه سيقدم على فعل مثل هذا .. فماتيوس هو كل ما أملك الآن ، هو الشيء الوحيد الذي بالعائلة
يذكرني يأنني لست وحيدا تماما مثل وحش القصر المهجور الذي يقرأ عنه الأطفال في قصصهم الخيالية .
لقد استمديت تلك القوة و المثابرة منه ، لكنني لا زلت غاضبا عليه .. غاضبا على العالم بأسره .

و لا يسعني مسامحة أحد ، حتى أستطيع تعلم مسامحة نفسي و الغفران لها على كل ما أنا عليه الآن من شخص * حقير* .


روجينا


لم أنتبه لنفسي حين غفوت فوق طاولة العمل ، لقد تعبت كثيرا في التنظيف حتى أنني قد شحذت أربعة سيوف قبل أن أغط في النوم ...

دلكت عيني بتعب و رفعت رأسي نحو الساعة التي تشير إلى الخامسة مساءا .. ووقفت أصيح بذهول فجأة .

ـ مـــــــاذا ؟ هل نمت كل ذلك الوقت ... ؟.

خرجت راكضة من القبو حتى أنني نسيت أن أرتدي مئزر عملي ، وقفت عند الردهة الخالية و تساءلت عن المكان الذي يوجد به رالف .

" سحقا ، إن رآني الآن و أثر النوم على وجهي .. سأقع في ورطة حقا ".

دلفت إلى المطبخ و يا ليتني لم أفعل ، فقد وجدته هناك يقف مع الخادمة التي تبدو في عقدها الثالث بشعرها الأسود و شامتها الموجودة عند طرف وجهها .

همست بتأسف : المعذرة على تأخري ، لقد انشغلت بشحذ السيوف و لم أنتبه للوقت ..

نظر رالف نحوي بشيء من الحدة و قال : لقد قمتي بشحذ أربعة سيوف و استغرقت في النوم كل تلك المدة ، لذا لا تحاولي أن تلفقي الأكاذيب علي .

أحسست كأن صفعة قوية سقطت على وجهي من كثرة الإحراج ،
" تبا ، أنا في ورطة .. " همست مع نفسي بذعر .

تنهد رالف بامتعاض و نظر جهة الخادمة الواقفة إلى جانبه :
ـ هذه السيدة جولي ماكسن ، لقد استقالت عن عملها منذ مدة لكن أتت لتساعدك في معرفة الأمور التي يحبها سيد القصر و ما يكرهه.

انحنى لكلتينا و غادر المكان تاركا إيانا نحدق في بعضنا بصمت ..
كان الجو محرجا لذا استرسلت القول : عذرا يا سيدتي ، أنا روجينا .. أتمنى أن تساعديني بما أنك أكثر خبرة مني .

ابتسمت بشكل مصطنع و قالت : لنبدأ العمل إذا .

كان الوقت يمر ببطء مع هذه المدعوة جولي ، لم تكن ودية تماما معي ولكنها أفضل من كليهما و أفضل من الوحدة التي أحسست بها قبلا .

دونت لائحة لا أعلم حقا إن كان لها نهاية لكل الأشياء التي يحبها هكتور و الأشياء التي يكرهها .

و علقت فجأة مع نفسي أثناء حوارها بسخرية "و أنا من ظننت أنه لا يحب سوى جعل الناس من حوله يتألمون . "

علمت منها أنه يتبع نظاما صحيا و يحب تناول طعامه في أوقات محددة ، فمثلا العشاء ينبغي أن يكون جاهزا فوق طاولة الطعام على الساعة السابعة مساءًا.

أما الفطور فيحبذ تناوله في ساعة مبكرة إن كان لديه رحلة عمل ، و إذا لم يكن مشغولا فهو يحب تناوله على الساعة السابعة والنصف عند النافورة .

هو يكره اللون الأخضر و البني ، و لا يحبذ رؤية غرفته مبعثرة .. حتى أنه جاد حول وضع الزهور بمكتبه و الكثير من الأمور التي لن أستطيع تذكر ربعها.

" إنه حقا مغرور ومتعجرف .." همست بضيق مع نفسي .

في النهاية ، وضعت أمامي طبق الطعام و جلست مع رالف تحت أضواء المطبخ المشعة نتناول الوجبة ثلاثتنا في جو من اللاجدوى و البؤس .

بغتة رن الهاتف الموجود بالردهة ، رفع رالف رأسه و لبث مقطبا حاجبيه بشيء من الحيرة ، اتجه نحو الهاتف المعلق عند حافة الباب و ضغط زر التحويل و رفع السماعة :
ـ قصر السيد هكتور بلاديمون ، كيف أستطيع مساعدتك ؟

تريث قليلا ورد مجددا : السيد غائب حاليا عن المنزل ، سيكون هنا عند التاسعة صباحا .

ابتسم بخفوت و رد : حسنا سيدي الصغير ، سنكون بانتظاركما .

أكثر ما أدهشني من كلامه أن هناك ضيوفا قادمون غذا ، لكن من هم ؟، الأمر حقا غريب .. وأنا من ظننت أن هكتور لا يحب رؤية أحد .

انتبه رالف إلى علامات الإستفهام التي تدور حول رأسي ، فجلس مكانه قائلا بجدية :
عليك أن تباشري العمل عند الصباح الباكر ، سيد القصر سيكون هنا عند التاسعة وهناك زوار قادمون أيضا . لهذا جهزي الغذاء و حضري أشهى الأطباق .

حاولت استيعاب ما يحدث ، لكنني لم أحصل تماما على الإجابة التي أريدها .
قلت باستفسار : هل يمكنني معرفة هوية الزوار ؟.

تنهد عميقا و رد : إنهما السيد الصغير جون بلاديمون و أخته سوزي ، أبناء السيد ماتيوس.

انفرج فمي ذهولا لما سمعته و أنا لا أصدق ما سمعته للتو .. لم أكن أعتقد أن ماتيوس يملك عائلة .
و الأكثر صدمة أن ـ هيكتورـ ذلك الحقير هو عم الأبناء .

استرسل رالف القول : ليسا كثير التردد على القصر ، لكن أعتقد أن شيئا طرأ فجأة حتى يقومان بزيارتنا غذا .

ـ و هيكتور ، ألا يزعجه الأمر ؟. قلت بتعجب .

ـ طالما يبقيان بعيدان عن مكتبه و الأماكن التي يعمل بها ، فهما لا يضرانه أبدا ..

ـ يا إلاهي .. إن هذا حقا شيء غير معقول .

همست بذهول.

https://j.top4top.io/p_2301mqewp2.png

ساي
08-29-2020, 01:38 PM
https://i.top4top.io/p_2301lofu31.png

البارت 11

بقلم الكاتبة : لورين

"أتمنى أن يعدو كل شيئ على خير، لا أشعر بإطمئنان هكذا..."

عدت لغرفتي بعد إتمام وظائفي الامتناهية...
أقصد القبو الذي كان مخصَّصاً لي كسجن من قبل هيكتور , و لحسن طالعي أن هذا السجن توسعت حدوده حتى المنزل ككل بسبب توسع القرارات لإذلالي...
أنا منهكة بالطبع و بشكل كبير حتى بالكاد أقف , و مع هذا أرى أن هذا أفضل من التقوقع تحت آلة الشحذ تلك طيلة الوقت ...

ارتميت بقامتي تحت أثرالتعب و الإرهاق على فراشي بينما حدقتي الزرقاوين مثبتتان على منفذ التنفس الوحيد, النافذة التي تظللني ببعض النور نهارا و ترفه عني ليلاً...

بتُّ أفكر بتريث بكلَّ ما يتعلق بذلك الهيكتور , فبالغد سأرى وجهاً آخر من نمط حياته..حياة عائلية..!
كيف سيتصرف مع أبناء أخيه ماتيوس الذي طرده ..؟
هل يعرف أصلاً كيف يعامل الأطفال؟!

ظهرت لي صورته بين أوهامي الذهنية و هو يحتظنهما بصمت لأحرك رأسي بسرعة نافية ناطقة بجهورية: يستحيل حصول هذا..
أه, ما الذي يفعله الآن..؟

يهين مستضعفاً آخر و يهدده مستغلاً منصبه و أمواله..؟؟
آم أنه مشغول بمجاملة الأغنياء أمثاله؟
يا إلهي.. ما الذي يهمني بذلك المتلبد المتعجرف..
هيكتور اللعين, بالتأكيد هو يستمتع هناك بحجة العمل مطمئناً أنني سأفعل كل ما يطلب بسبب دينه..
فالأنم فقط...

اه, عن النوم..

الليلة سوف أنام براحة بعيداً عن الضغط النفسي و الجسدي الذي يسببه هيكتور بأوامره اللاعقلانية ...
فرالف بغض النظر عن مظهره بتلك العضلات المفتولة و الملامح الصارمة و رأسه الأصلع , إلا أنه ليس بذلك السوء...

بل إنه يدعي تجاهل أوقات راحتي التي أضعها لنفسي , و هذا كفيل بجعلي ممتنة له...
أسدلتُ جفني بعد أن اعتدلت على قفاي و استسلمت لسلطان النوم علَّني أخرج من كوابيس الواقع لأحلامٍ جميلة...
إلّا أني متيقنة أن ما سيراودني لن يكون غير هواجس الغد و ما يتوجب عليَّ فعله...


*****************


أوراق أخرى تظهر أمام عيني تنتظر مني ختماً و توقيعاً ...
و يتوجب على أصابعي الإمتثال بعد التأكد من محتوياتها , فالمحتوى أهم من تناسق الخط أو ترتيب الأوراق..

جرني الإنهاك لإغلاق ناظري لحظة ..ظهرت بها تلك الفتاة المزعجة ثانيةً...أيَّ سحرٍ تود إلقاء تعويذته علي هذه الفتاة بحق..؟!
روجينا, الفتاة الوحيدة التي جرتني للتفكير بها بشكلِ أحمق... تجعلني أودُّ العودة للمنزل بسرعة , و لا أعرف لمَ؟

أظن...لأجل رؤية الخوف بحدقتيها , و الإذلال الطابع على وجهها...
تركتُ على الطاولة الدائرية التي حملت بزاويتها بعض الكعك مع عصير البرتقال الذي أعشقه لأشرب منه شربةً تنهي النصف منه...

إنه يجعلني أشعر بالبرد المنعش ...
وقفت مقترباً من الباب الزجاجي الذي يطلُّ على أسقف المدينة , هذه الأنوار لها جمالها الأخاذ من هنا . على عكس تلك الأحياء القذرة التي حوتني في الطفولة....

آهٍ منك ماتيوس... لمَ لا تفهم أنّني اكتفيتُ من ذلك الذلِّ الذي سرقَ والدي و أدخلني عالمَ البؤس...
الفقر , الكون في الحضيض , لم و لن يكون إلاَّ لأناسٍ حثالةٍ حمقى... و أنا لستُ منهم...

أنا , سأذيقُ تلك الفتاةِ الفضولية ما سيجعلها تندم على التدخل في شؤوني ...
و تحملُّها سيكونُ نتيجة اختبارها...
مرَّرتٌ كفي على وجهي جاهداً إبعاد التضارب داخلي, هناكَ حربٌ حامية ...
أفعلُ أم لا أفعل ...

لمَ أشعر بأني أود العودة لذلك المنزل سريعاً...
سحقاً لهذا التفكير الأخرق ...
كفَّ عن هذا هيكتور و اثبت على قراراتك...

لأترك هذا جانباً و لأفكِّر بما سأفعله عند عودتي لأولئك الأطفال...
أعلم أنني عمٌّ سيء, لكن .. هل هذا يحرمني منهما ...؟!


*****************


أطلَّت شمسُ الغد ...
لتبشِّرَ و تنذر , و تطمئن و تحذِّر....

استفاقت روجينا في الخامسة بمعونةِ رالف الذي أيقضها بلسانٍ جافٍ بارد , و اتجهت نحو المطبخ ....
حضَّرت بعض البيض المخفوق مع وضع الزبدة و اللبن ,العسل و المربى و شراب القهوة.....
لم يكن هذا الإفطارُ هو ما يجب عليه أن يكون, لكن لا وقتَ لديها و تنضيف المنزل كلُّه ينتظرها بحظور الظيوف ...

و جولي لم تحظر طبعاً, فتلك مساعدة ظاهرة من رالف في غياب هكتور و لو علم لأصبحت مصيبة ...
أنهت هذا الإفطارِ المختصر آملةً أن يكون حظور أبناء ماتيوس حجةً وافية لردع تعذيبه النفسي لها و إيقاف توبيخها...

إبتسمت لا إرادياًّ عند وصولها لغرفةٍ كانت الأولى في ضمها...
هذه الستائر العربية ذات النقوشات الخشبية , و هذه السجادة الفارسية المطعمة بتغاير الألوان من أحمرها حتى أسودها و أبيضها ...
و هذا السرير الرفيع ذو الأعمدة الخشبية المطلية باللون القهوائي الباهت...

إنها غرفةٌ تعيدُ الذكريات ..

بغضِّ النظر عن السيئ و الجيِّدِ منها , إلَّا أنها لحظة التعارف بينهما و لحظة اللقاء الأول الذي ختم بقدر جمعهما تحت هذا السقف ...
مرَّت مشاعرها المضطربة مع ذكرى حديثه لها ...و أوَّل إستهزاءٍ منه "مفلسه"..!
تنهدت بأسى على ما آل له الوضع, ها هيَ في فترةٍ بسيطة انقلب رأيها لتريه أنه ليس الوحيد الذي يجدُّ و يسعى و يرتقي ..
سوف تتعدى أي عقبة يضعها لتصل للقمة التي يرتادها ..

أخذها الحماس لتقبض كفها بقوةٍ تملكتها : سنرى من هو المنتصر هيكتور..انتظر فقط كيف سأكسر أنفك المغرور و أعيدك لصوابك.
لم تتوقع أن تسمع ردّاً على جملتها بهذه َالسرعة القياسية ...

" هل أنتِ واثقة أنَّكِ تستطيعين..؟!"
استدارت نحوه و التفاجؤ رافقها , تفاجؤ قد طُعِّم بما لا تألفه إلاَّ القلوب المشتاقة لغائبٍ ما..!
واقف ٌبقامته و الظاهرُ منه على البابِ مستند ..

معطفه النيلي بيده و قميصه مطعج بعد فتحه لياقته الفحمية ..
تملَّكها شعورٌ بالغيظ المعتاد , فحرَّكت سبابتها نحوه: تمام الثقة .

اقترب منها بخطواتٍ متباطئة تكفلت بالتلاعب بأعصابها خفية تحت قناع القوة و الصَّلابة ...
خضرة عدستيه لم تتحرَّكان عن وجهتها التي هيَ هيَ و بعد أن وصل لقرابة المترينِ منها قال بسلاسة : أليس عليكِ أن ترحبي بسيِّدكِ على الأقل أيَّتها الخادمة ؟

جملته.. قلبت الموازين فعلاً..!

ابتسامةٌ قد شقت ثغرها , ولين ملامحٍ أبدى هدوءَ روحها... و انحناءةٌ مصاحبة لجملة " أهلاً بعودتِكَ سيِّدي " بصوتٍ خافت....

رفعت ظهرها ليستقيم و نظرة النصر لازمتها , إنَّ ما تحتاجه لكسر حواجز هيكتور ليس سوى بعض الطاعة له...

هذا ما شغَلَ بالها هي , أمَّا هو...

فقد عاوده ذلك الإضطراب الصارخ, حركاتِ خصلاتها بعفوية .. امتداد إبتسامتها.. و هذا الهدوء الذي ترسمه لتظهر حقيقة ملامحها دونَ تعبير حدّة...
كلُّها... تبلغه عن صحَّة حدسه...

أنَّهُ بات ضعيفاً أمام مشاعره للمرَّةِ الأولى....
و مخافته تكمن , أن تسمع روجينا دقَّاتَ قلبه المتسارعة دونَ انتظام..!
عندها, سيكونُ الخاسر بكلِّ ما للكلمةِ من معنى...

تجاهل ترحيبها مستديراً مطلقاً حروفه التي ترسم له خطوط الهرب: سأذهب لأستحم و آخذ بعض الراحة..عندما يصلُ الضيوف أخبريني.

تمتمت ب " أمرك " و هي تنظر لخروجه بتعجب, قال لها أن تخبره بوصول أبناءِ أخيه..؟!
لم تتوقَّع أبداً سماعَ هذا ..بكلِّ تأكيد ..!

رفعت كتفيها بلا مبالاةٍ عائدة لعملها منتظرةً ما يشغل فضولها ...فكيفَ سيتعاملُ هيكتور مع الطفلين..؟
ثلاثُ ساعاتٍ مرَّت و هي ما زالت تعمل , و أنَّى للعملِ أن ينتهي في هذا المنزل..
و العمل أغلبه بسببِ غبارٍ قد تكدَّس لعدم تواجد حركةِ بشر بأغلبِ الغرف..!

عادت للمطبخ, لم يكن هناكَ شيئُ قد لُمِس فعرفت أن هيكتور لم يعبر من طريق المطبخ بل وصلَ لتوه يريد بعض الراحةِ من عناءِ ...

أبعدت أحد الكراسي المحيطة بطاولةٍ صغيرة تبدوا مخصصة للخدم الذين لم يتواجد منهم إلاَّ القلة لتجلس هي الأخرى راميةً ما تواجد من حملٍ منهك على عاتق هذا الكرسي الخشبي...

و ما مضَت إلَّا دقائق حتى سمعت أصواتاً تقاربُ الصاعقة من صرير بابٍ و صرخةٍ عالية تنادي ب "عمي"... و خطواتٌ لا تتسم بتوازن تصاعدت أصواتها حتى اقتَربَ من المطبخ...


****************


لاحضتُ رأساً يدخل من طرفِ البابِ الناصع, رأسَ فتاةٍ قد رُفعت لها ظفيرتان مزينتان بكبلتان رماديتان, كانت تبحثُ عن هيكتور و لسانها يكرر بلطافة كلمة "عمي" التي لا تتناسب أبدا مع شخصيته...

نهضتُ متجهةً للخارج نحوها منحنيةً أرسم بذهني شبه ملامحها بعمها و والدها .. ناطقةً لها بلهجةٍ هادئة : هل تبحثينَ عن هكتور؟

أحنت رأسها للجهةِ اليمنى ناظرةً لي بحيرة: و من أنتِ؟

فتحت فمي لأجيب إلّا أنَّ صوتا خلفها أجاب قبلي بلهجةٍ متعنتة: و من قد تكون, خادمة جديدة ؟

حاجبي يختلج و أنا أحاولُ جاهدة أن لا أفقد ابتسامتي البهية , فحقاً ... لهجة هذا الفتى الذي لا يتعدى الحاديةَ عشرة تشابه بحدٍ كبير لهجة هيكتور ..

رغم أنَّنا لو نظرنا للمنظر فهو لا يشبهه حقا... أنفه المنتهي بالوضوح و البروز . شعره القهوائي المموج و عدم وجود حدة في ذقنه ...

قد يكون أخذ شكل والدته التي أشهد بجمالها إن كان يشابهها حقاً...
استقمتُ و أنا أؤيده : أجل, كما قال سيِّدي الصغير.

لحظةُ سكون ... تبعتها شدُ شعري من الخلف لأصرخ!
قلتُ من فوري لتلك الصغيرة الشقية : ماذا تفعلين؟... اتركي شعري .

لم تأبه لتشنج ملامحي بسبب الألم في كلِّ شعرةٍ سيطرت عليها قوةُ ذراعها , بل أطلقت كلماتها المهدِّدة : إن حاولتِ التقرُّبِ من عمي سأقتلك .

" هيييييييييه, أتقرَّبُ مِن مَن....؟! بربِّك من يريد هذا , بالطبع لن أحاولُ التفكير بهذا المتعجرف المغرورِ الإستغلالي حتَّى.."

هذه هيَ الكلماتِ الإنفعالية التي انطلقت مني بالضبط و أنا أبعد شعري عن كفيها الصغيرتين ...
لأسمع ما لا أتعجب منه من الآخر: جميعُ الفتيات ماعدى حمقاءٌ مثلك .
أه, سأفقد صوابي فعلاً ...

ما خطب هذان , إنهما لا يقربانِ من ماتيوس إنشاً واحداً...
كنتُ لا أزالُ أشد ُّ على ما بين حاجبي أهدئُ نفسي لأباغت بألمٍ على قدمي إثرَ قدمٍ مرتدية الحذاء ذو الكعبِ الحاد...!

أطلقتُ تأوهاً عالياً كفيلٌ على إيقاظِ هيكتور ...
لا يطاقان..!
قلتُ بغضبٍ واضح للفتى ذو الشعرِ المموج و أنا أشدُّ أذنه: من يسمح لكما بهذا التصرف الوقح مع من هوَ أكبرُ منكما...؟

صدقت أنا عندما قلتُ أن هيكتور قد استيقظ, ها هوَ يظهر من خلف السور العلوي للدرج منادياً: ما الذي يجري هنا ؟... فوضى في منزلي بسببٍ سخيف من طفلين , ألا تستطيعين تهدئةَ الوضع روجينا؟

نطق المتكتف قائلاً بهدوءٍ كأنهُ لم يقترف أيَّ ذنبٍ تواً: لقد لقنتها درساً لأنَّها أهانتك عمي.
نظر لي بعينيه لبرهة ثم عاود النظر للمتحدِّث: حسناً , هذا لا يسوِّغ لكما إيذاءَ ممتلكاتي, ألم أقل لكم ذلك مسبقاً... ؟

ممتلكات...!!!!

وددتُ الصراخ بوجهه و إستنكار ما قاله عن أني كإحدى سلع منزله الباهضِ الثمن هذا...من يظنُّ نفسه...
إلاَّ أني توقفت , فأنا لا أودُّ أن أستصغر هيكتور أمام هذان الطفلان البريئان ..أقصد , الشقيان ...أقصد, الفضيعان....

لا أعرف, إلا أنَّهما ليسا كما رسمتهما بذهني, أبناءُ ماتيوس..لم يرثا منه شيئاً أبداً أبداً...
امتثلتُ لأمره الذي أصدره بعد دقائق من تبادل النظراتِ الحاقدة : خذيهما للغرفةِ التي تحوي الحاسوب و دعيهما يلتهيان باللعب و ثم تعالي لغرفتي.

بعد إنحناءةٍ مؤدبةٍبالطبع!

أوصلتُ الطفلين للغرفةِ المقصودة , فتحتُ البابَ لهما و تحركت نحو الجهاز الموضوع بالزاوية اليسرى إلّأ أن ركض الفتاة الشقية قد داهمني فبقيتُ أنظر لها بصمت مخافة أن تدخل التطبيقات أو ماشابه فأهلك بعد هلاكه..!

نظرتُ للواقفِ خلفي بعد الإطمئنان أن هذه الفتاة تعرفُ التعامل مع الحاسوب بشكلٍ جيد و قلت له : ألن تلعب؟
اقترب من أخته و هو يرمقني بطرف عينه: هذه الألعاب المجازية لا تتناسب مع ميولي, سأذهب للمكتبة لأقرأ لي شيئاً يبعد الملل.

عاد من حيث دخل و أنا أقارن صورة الطفل به..!
هل هو كذلك؟!
خرجتُ متجهةً لحيث غرفةِ هيكتور, التي لم يسبق لي رؤيتها ..فأنا لم أرى غير مكتبه بصراحة...
طرقتُ الباب ليفتح رالف, دخلتُ و هو خرج...

وقفتُ قبالة الجالس يحرك أصابعه على لوحة مفاتيح حاسوبه المحمول , لأقول: ما هي الأوامر سيدي؟
ظهرت إبتسامة جانبية على شفتيه: حسنا خادمتي المهذبة, لديَّ عرضٌ مغرٍ لك.
كنتُ سأنفجر لكن كلمة عرض هدأتني لأبدي تساؤلي: عرض..؟!

رفع رأسه ليظهر جلياً أنَّه جدي في قراره: تحملي جون و سوزي و ضعي وقتكِ لهما كاملاً طيلة اليوم , و أنا سوف أتنازل عن نصف دينك.

لم أتمالك فرحتي... قفزت قفزةً جعلتني أبدوا كطفلة : رائع.
أطلق هيكتور قهقهة عفوية على تصرفي لأقطب حاجبي أنا: ماذا..؟

صمتَ لحظة ثم عاد لنوبة ضحك لم أر منها شيئاً منذ مواجهتي له , ثم تصلَّب قائلاً بجدية: إن سمعتُ أي شكوى منهما ولو لشيءٍ تافه , سوف أزيد من أعمالك ما لا تتخيلين.

ازدرأت ريقي من تهديده , ثم قلت: و ماذا لو لم أقبل العرض؟
قال ببرود غلف تهديده ذاته: عقاب لعدم طاعة أوامري شهر آخر من العمل.

بدوت تائهة..مجبرة على قبولِ عرض سأبدوا خاسرةً فيه...إنَّهُ يستغل حظورهما لتعذيبي أم ماذا...؟!
أجفلت لحظة ثمَّ قلت: و أي شيءٍ آخر.

ترك حاسوبة على طرف سريره الممزوج بالسواد و البياض: إن دخلا نطاقي الشخصي ستكون نهايتك.
نطاق شخصي...أظنه يرمي لمكتبه الذي يراقب منه كلَّ شيئ يحصل...

بالتفكير بالأمر, لم هو لم يعد لمكتبه الذي يضمه لأربع و عشرين ساعة غالباً..؟
هناكَ خطبٌ بهيكتور ..

مجيئ هاذان الطفلان كان أمراً مفاجئاً لرالف و الآن هذا الطلب الغريب لأجلهما و أيضا غرابة طبعه و ظهور ضحكه أمامي للمرة الأولى...

لم أكبت فكرتي تماماً بل نطقتُ أنا بجديةٍ من طرفي و أنا أتقدَّم نحوه حتى جلستُ على الأرض قبالته: هيكتور ... هل من خطب ؟
كنتُ أبحث في بؤبؤيه عن الإجابةِ قبل لسانه الكاذب فلم أجد إلاَّ الضياع الئي يتجسد في صمته و هربه بجملةٍ حازمة: لا تتدخلي, هذا ليس من شأنِ الخدم .

لكني حاولت الوصول للوتر الحساس علَّه يتكلم عن ما يحاول التأقلم معه: ماتيوس..ما الذي يخطط له , إحظار طفليه فجأة و تغير مزاجك هكذا لا ينذر إلَّا بخطبٍ سيئ هيكتور.

انفعاله جرَّه للنهوض بعينين كالجمر من الغضب الظاهر و لسانه يكرر كلماته ذاتها: قلت لا تتدخلي روجينا, كفاكي أنك تمكثين في منزلي و أنتِ لستِ إلاَ من الطبقة المنحطة..الزمي حدودك.

رفعني من ياقة قميصي قائلاً آخر ما لديه: فهمتي..؟

يا إلهي, من هذا الوحش البشري .. كأسدٍ يود الإنقضاض على فريسته ...
بالكاد ظهر صوتي لأجيب: فهمت.

تركني مرتميةً على الأرض ليخرج ناطقاً: لا تنسي أنِّي أراقبك.


**************


تلك الفتاة تجرني للجنون, للحظة كدتُ أخبرها بكلِّ ما يجول بخاطري .. سحقاً لها...
أخرجتُ تنهيدة إنزعاج و خطواتي تلتف للدرج لأنزل لمكتبي , لكن قاطع مسيري جون ..

بيده إحدى كتب مكتبتي ..تباً لروجينا , ألا تعرف كيف تبعدهم عن وسائلي ..؟
رفعتُ يدي لأسلب ما لديه إلاَّ أن فكرة أنَّ هذا آخر اللقاء جعلني أتوقف ...

أغلق الكتاب موجهاً جملته الصاعقة لي: عمي, من هذه الفتاة..؟
أجبت: خادمتي..هل من ضير؟

تلمستُ خبثا في لحن حديثه: الضير في نطقك لإسمها كما لم تفعل مع خادمةٍ مسبقاً و بإضافة ياء الملكية لخادمة ... لم يسبق لك أن قلت خادمتي أو ممتلكاتي لشخص تراهُ منحطّاً ...

شعرتُ برعشةٍ تسري في عروقي للحظة , و لا أعلم هل نجحتُ في إخفاء تغيرِ حالي أم لا : ماذا تريدُ أن تقول..؟

أشاح بوجهه منهياً هذا الموضوع لآخر: لا شيء... حاول فقط أن تجلس معنا اليوم, تعرف أنَّ هذه فرصتنا الأخيرة.

لم أجب بشيئ , بل أكملت طريقي و أنا أفكر ..بأنَّ هذه هي الفرصةُ الأخيرة....


**************

https://j.top4top.io/p_2301mqewp2.png

ساي
08-29-2020, 01:49 PM
https://i.top4top.io/p_2301lofu31.png

البارت 12

بقلم الكاتبة : Freeal

-روجينا-


تركني وحدي مُرتمية الأرضِ غير مستوعبة سرَّ غضبه فجأة ؟
أكُلِ ذلك لأنّي سألتهُ عنه ؟؟ هيكتور ليس بطبيعتهُ أبدًا !

نهضتُ لأخرُج من غرفة هيكتور بعد تركي فيها لوحدي ،
حينها سمعتُ آخر ماقالهُ جون له قبل أن يهُم ذاهبًا !!

بالكاد فهمتُ شيءٍ !!
مالذي قصدهُ بقوله ؛ " آخر فرصة ! " ؟؟

ولمَ بدى لي هيكتور بذلك التَّيهان ..؟!
رفع خصلات شعره الأمامية و من ثمَّ استادر نحوي لتصتدم نظراتُنا... ذُهِل و توسعت بؤبؤيه على أوجها !!
كما لو كُنتُ آخر من توقع ظهورهُ خلفه !! تجاوزني داخلاً لغرفتهُ و رَدَمَ الباب بقوه !

عدتُ لعملي و أنا لم أفهم شيءٍ من تصرفه ، وبقيتُ أفكر عن سبب تلك النظرة في عينيه ...
كُنتُ أراقب الولدين من بعيد ، حيث أنا أختبئ في الزوايا المختلفه بين حينٍ وحين ...
فعلي أن أحذر من اقترابِ أي واحدٍ منهما لمنطقة هيكتور ...
لاشك أن هيكتور يُراقبهما من عنده لكنه بالتأكيد لن يُخبرني بذلك

قبل وقت الغداء جاء رالف ووقف بجانبي قائلًا :
" مالذي تفعلينهُ هُنا، ألا يجب أن تكوني في المطبخ تُعدين الغداء ؟ "

كُنتُ جالسه أنا أنظرُ له بفزع ، لقد كشف مكاني للولدين !!
" أشششش، أبتعد يارالف ألا ترى ما أفعلهُ هُنا اذهب ! "

إن كان هُنالك جائزة لأسوء مُراقبة سرية فقد حصلتُ عليه الآن !
من المفترض أن أراقبهما و إذا اقتربا من الدرج أعترض طريقهما ! تلك كانت الخطة !

" إذا تأخرتي بتقديم الغداء سيغضب هيكتور ! اذهبي و ابدئي الطبخ، لا تقلقي لن يقترب الولدان من الدرج ! "
نهضتُ بسرعة أنا أمسكُ يديه بأمتنان " حقًا يارالف ؟ "
انتشل يداه مني و هو يعقدُ حاجبيه مُشيرًا للمطبخ " هناك ! "

ذهبتُ وأنا ممتنة لرالف ، بدأت الطبخ بمزاجٍ ممتاز
وخلال ساعتين انتهيتُ من الطبخ و بدأت بتزين الطبق الرئيسي

- شرائح السمك المدخنة بالخُضار ، كزبرة، نعناع مع الليمون و انتهيت ... -
كالعادة لا أشعرُ بنفسي و أنا أطبخ ، يمر الوقتُ بسرعة حقًا !

رفعتُ نظري لتلك اليد الصغيرة التي تُحاول الوصول لقطعة الليمون الزائده بمنتهى السرية !


-هيكتور-


أعمالي باتت تُشكِّلُ ضغطًا كبيراً يومًا بعدَ الآخر ، بالكاد أذكرُ نفسي !
من جهة آخرى أنا عاجز عن تخطي مسألة " فرصتي الأخيره ! "

خلال الأيام الثلاث المُقبلة حيثُ سينتقلُ أخي مع عائلته ، ليس كأنني متعلقٌ بأخي و أعجز عن فراقه لكنني قلقٌ حيال الولدين المتعلقين بي .

أنا أدركُ أني حتى لو حاولت، فلا فكرة لدي بكيف سأعوضُ لهُما المسافة التي ستحلُ بيننا !
كُلُ ذلك بسبب ساندي ! تلك المرأةُ لا تُفكرُ إلا َّ بنفسها ، وأخي المزعوم لا يرفضُ لها طلب في العادة !
وحين أنبِّههُ لا يسمع ، ماذا قال ؟ " أنا أحبها " ياللسخافة !

ماهذه الكلمة التي يستعملها الناس حين يعجزون عن الإجابة
لا يوجدُ شيء اسمهُ حب و إن وُجد فهو مجرد ضعف !

لماذا كُل ما يظهرُ ضعف أحدهم يلوم الحب ؟ على اخي أن يُدرك أن ساندي تستغلُّهُ لا أكثر !
تلك المرأة تزدادُ خطورة مع الايام ...

لفت نظري شاشة مُراقبة المطبخ ! ما الذي يحدثُ هُنالك ؟؟
كُنتُ أحاول استيعاب ما أراه ، مالذي تفعلهُ ؟!

نهضتُ من مكاني مُسرعًا ، و لم أشعر بنفسي إلا وقد بلغتُ المطبخ أنتشلهُ منها بسرعة !


*****


كان هيكتور ينظرُ لعيناها البريئتين مشتعلًا لا يرى بعينيه غير الضباب !
نطق صارخًا في وجهها :
" مالذي فعلته ؟ كيف تجرأتي على هذا التصرف الغبي ؟ "

أطرقت رأسها متأسفه وهي تُحاول أن تمتص غضبه :
" أنا آسفة ! لم أقصد ايذاءها أبدًا يا عمي !! "

نظر للأخرى المرمية على الأرض وهي تمسحُ عينها و اقترب منها قليلًا هو يقول :
" لا تمسحيهما هكذا ! اغسليهما بالماء بسرعة ! "

فتحت روجينا عيناها المحمرتان :
" أنا بخير !! أنه ليس بالكثير ! مجرد ليمون ! "

ثم أمسكت شعرها المقصوص على الأرض لتُتبع وهي تبكي :
" وهذا مجرد شعر ! أنهُ ليس نهاية العالم يا سيدي . "

قالت ذلك وغادرت المطبخ مطرقةً رأسها بألم !
ولم يكُن هوَ إلا َّ لوحة متخشبة لما سمعَهُ من روجينا !


-روجينا-


اغتسلتُ بالماء البارد لأهدء من ألم عيناي ، لم أتوقع أن تتصرف طفلةً مثل ذلك التصرف النابع من الغيرة !
هذا إذا كانت تمدها بالأطفال صلة !

عيونٌ حمراءٌ دامعة لم تزد تلك الدموع إلا حرقة عيناي ..

نظرتُ لطرف شعري الأيمن ، لقد قصت الكثير منه ! لم تعد خصلات شعري الأشقر مرتبه !
فتحتُ الخزنة خلف المرآءة ، أخذتُ مقصًا و حاولتُ مساوات شعري قدر الإمكان
عجزت !

لم أستطع أن أقصه بنفسي ،تساقطت دموعي بلا إدراك و لم يزد ذلك سوى من حرقة عيناي أكثر و أكثر...
دخل رالف عاقدًا يداهُ خلفه : " دعيني أساعدك ! "

نظرت له مطولًا لأمد المقص نحوه بأسى ثمَّ جلستُ فوضع كيس ثلجٍ طبي على عيني ، أمسكتُ به و ضغطتُ به على عيناي
قد خلج شعورًا مريحًا وباردًا ...

بدء رالف بقص أطراف شعري، أنا أسمع صوت القص كأنه يقطعُ جزءٍ من روحي !
لم أقص شعري منذ ستة او سبعة سنوات !
لأشعر بها تُنتزع مني مكرهة الآن...

وضع رالف المقص على المغسلة :
" لقد حاولتُ ترك أكثر ما يُمكنني منه ! أنا أعتذر بالنيابة عن الآنسة الصغيرة ! "

نظرتُ لنفسي، من هذه الفتاة التي في المرآة ؟! تبدو غريبة عني !
لقد أصبح شعري حتى أسفل أكتافي بقليل ! لا أعلم لما أشعرُ بالغربة عن نفسي ....

نهضتُ من مكاني و عدتُ للعمل بعينين محمرتين و شعرٌ مقصوص ...

وضعت الغداء وتركتُ المكان قبل رؤية أحد ، عند الباب اصطدمتُ بهيكتور الغاضب لما هو غاضبُ الآن ؟
أننزلتُ رأسي و تجاوزتهُ بصمت ، قال بشيء من الأسف الممزوج بالغضب :
" أعدُك أن أعوض لك عن فعلة إبنة أخي الطائشه لاحقًا ! "

نظرتُ لهُ بحقد جلي !
أول مرة أشعرُ أني أحقد عليه من أعماقي حقّاً !
لطالما كُنت أشفقُ عليه لكنني الآن أكرههُ حقًا !

أنقطعت حبال أعصابي وانفجرتُ بوجهه غير آبهة به و بنظراته المشفقة علي :
" تعوِّضُ لي ؟ ماذا ستعوضُ لي سبعة سنوات من شعري ؟ كيف ستعوضها لي ؟
أتعلم كيف يكونُ الشعور في أن تنفصل منك جزء من روحك ؟
أتظنُ أن الأمر بتلك البساطة، أتعرف بما شعرتُ حين قصصت ماتبقى من شعري مُكرهَ ؟ "

لم أستطع الإكمال بتسلسل كلماتي تباعاً أكثر بعد أن أمطرت دموعي لا طواعية مني ،
لم أشعر بها تنساب إلا حين بدأت تحرقُ ما حول عينَي . حينَ أدركتُ ذلك واليتهُ ظهري،
لا أريد لهيكتور أن يلمس ضعفي ! لا أريد لأي مخلوقٍ أن يرى ذلك و خاصةً هذا المتغطرس الذي يقف خلفي !

دخل الولدان برفقة رالف لغرفة الطعام ، حين رأيتهم زاد ألمي ، أنا لا أبالغ !
لقد كان شعري جزءٍ مني لسبع سنوات ! لم كبرُ و طال مع طولي أنا !
وسماع صوت انشطاره عني جرح روحي !

بالتزامن مع حزني على ما حدث ، بقيتُ أحاول أن أتم عرض هيكتور، لم أسمح لهما بعبور الدرج أبدًا ...
لقد امتلكتُ الحِيَل لإبعادهم و حين بسط الليلُ فراشَهُ تفاجئنا بضيفةٍ غيرُ متوقعه !
كان هيكتور جالسًا في غرفة الجلوس ، غرفةٍ تميزت بديكورها القديم ، تُشعرُك كما لو أن عصر سيندريلا لن يختفي أبدًا !

دخل رالف معلنًا وصول ضيوف حين وطئت الغرفة شعرتُ كما لو أن الجمال و الكمال فُرس في كائنٍ واحد !
لم يسبق لي أن أقررتُ بجمال أمرأة كما أفعلُ الآن ! عيونُ قهوائية كبيرة شعرُ أنعم من الحرير لامعاً بصبغة الكراميل !

شفاه ناعمه ترتسم أبتسامةً رقيقة ! وترتدي ثوبًا أبيض يصلُ لتحت الركبة مزينُ بالفرو حول العُنق ...
مهما وصفت فلن أصلَ شدة جمالها و رقتها !
قالت بصوتها الناعم :
" كيف حالك هيكتور ؟ "

نظرتُ للمخاطب فإذا به واقفٌ غير مدرك لنفسه !

كان مستغربًا لحظورها على ما أعتقد نهض الولدان مرحبين بها لينطق سيد هيكتور :
" ساندي ياللمفاجئة ، لم أتوقع دخولك لبيتي مجددًا ، ياللوقاحه !! كيف تسمحين لنفسك بإقتحام داري ؟ "
اقتربت و هي ترسم ذات البسمة الزاهية ، طلبت من الولدين الذهاب للسيارة ففعلا وهم غير راضيين تمامًا ...

اقتربت من هيكتور الذي تراجعً للخلف و أدار وجههُ عنها :
" رالف ! قُل للسيدة ساندي أن زيارتها أنتهت ! "

حين رأيتُ ملامحه لمست كمية انزعاجه من هذه الزائرة الغير المرحب بها !
السيدة ساندي زوجة ماتيوس !
إنها أجمل مما تصورت ولكن ما مشكلة هيكتور معها ،لمَ كُلُ هذا النفور منها ؟

اقترب رالف من السيدة قائلًا بأحترام :
"اسمحي لي أن أرافقكِ يا سيدتي ! "

ابتسمت بأشرقةٍ أكثر !

ما هذه المرأة ؟ كيف لها أن تبلع الأهانة و تبتسم بهذه الأشراقة ؟!!
لو كُنتُ مكانها كُنتُ سأغضب وقد أشتمهُ حتى ! السيد هيكتور يتصرف معها بطريقةٍ أسوء مني !

وأنا التي كُنتُ أظنُ طوال الوقت بأنهُ غير قتدر على معاملتي أسوء من هذا !
وهل هُنالك أسوء من أن يحتقر زوجة أخيه لدرجة أن يطردها من بيته !!!

قالت بصوتٍ قرينٍ لنبرتها السابقه ، بنبرةٍ يسودها الخبثُ والدهاء :
" هل تظنُ أنك أسد مغوار فقط لأنك تتنمر على بضعةٍ من حثالة المجتمع ،
تأكد بأنك لن ترى أحد إبنَي أو ماتيوس في حياتك مجددًا !
ستدفع ثمن أهانتك لي و أنا في ضيافتك !! "

غيَّرت نبرة صوتها لتقول بوداعه
" وداعًا عزيزي ! "

لم أستغرب من كلامها بقدر ما استغربتُ صمت هيكتور ! لمَ لم يعطيها ردً حادًا لكلامها ؟
لقد توجهت نحو الباب و هيكتور صامتٌ غير مهتم بما قالته !

" في المرة القادمة ،ضعي نفسك في محل من تُهنيهم قبل أن تفعلي ، أيتها الحثالة العفنة !
كوننا فقراء لايعني أننا لا نملك مشاعر ... "

لم أكد أصدق ماقلته ، لكنني لم أندم ! من تضنُ نفسها لتتهكن تُهينُنا كما يحلو لها ؟
نظرت في عيني نظرة مستفزه و ابتسامة واسعه ، نظرت لهيكتور :
" يبدو أنك أحضرت قطةً جديده تلعب في دارك !
حتى لو أصبح الحُثالة أغنياء فسيبقون حثالةٍ ! وذوقك يُشبهُك ... "

نظر هيكتور نحوي مطولًا ، شعرتُ أنه يُريدُ مني أن أرد عليها مجددًا !

نظرتُ لها لمنظرُها بتمعُن وجهتُ لها كلامًا أعتقدتُ أنهُ كافٍ :
" أحيانًا يكون الفقرُ نعمة ! مادام يُحافظ على شفافية أخلاقك ! لو تجربي ذلك سيكون افضل لمستقبل أولادك !
يؤسفُني أن تكون زوجة ماتيوس اللطيف بقباحة كيانك ! "

لم تقل شيءٍ بل ظهرت تلك الخطوط التي تَدلُ على شدة انزعاجها من كلامي !
نظرت لهيكتور ...لم أصدق ما اراه ، هيكتور يبتسم حقًا !

" روجينا ! "

" سيدي ؟ "

" سأذهب لغرفتي ، أحضري لي شيء على ذوقك لأشربهُ ! "
قال ذلك و من ثمَّ خرج من غرفة الجلوس بهدوء !

و قد خرجت الأخرى وهي تُرسلُ لي نظرات تهديد ...
بقيتُ تائهة في المنتصف أفكر بما قُلت حين أدركت ذلك شعرتُ بالسوء، ماذا لو كان هيكتور غاضبًا من ماقُلت ؟

ماكان يجبُ أن أتفلسف في حظوره ! لا شك بأنه سيزيدُ من ديني ! لن أخرج من هذا البيت أبدًا !
أخرُج...؟!

كيف نسيت ، سبق و قررتُ البقاء في هذا البيت لفترة أطول !! لأنني قد لا أجد مكانًا مُحترم كهذا !
صحيحٌ أن هيكتور لم يتوقف عن اذلالي ولكن الحق كان معه بعض الشيء !

فلساني كان سليط وكلماتي جانحه ، لم أكن أفكرُ بما أقول أو أفعل ،
لم أهتم بتهدئت أعصابه بل وقد كُنت أتعمد أزعاجه طوال الوقت ...
ومن جهة أخرى و بطريقةٍ غريبه أشعرُ بالأمان في محيطه !
كما ولو أن لا أحد في العالم قادرعلى ايذائي ...

من الآن فصاعدًا يجبُ أن أخفف من أعصابي وأكبت غضبي و أن أتصرف برقة و طاعةٍ أكثر ...
انتهيتُ من تجهيز و تزين كوب العصير لهيكتور !

جهزتُ عصيرُ نعناعٍ منعش مع شرائح الليمون و العسل، و أنتهيتُ بتزئين الكوب بشريطة لطيفه !
لم أتوقع أن أستعمل خبراتي في أعمالي السابقة في قصرِ هيكتور !

ضننتُ أني لن أفعل شيء عدى شحذ السيوف لكن هيكتور وسع نطاق عملي أكثر الآن ...
كان الجو في الخارج جوًا خريفيا ينذرُ بإقبال الشتاء ...الرياحُ جامحة والنوافذُ تهتزُ قليلًا والسماء تبرق ...

أظنُ أننا مُقبلون على اول مطرٍ هذه السنة ...
استقمت أمام باب المكتب فطرقتهُ و أنا أمسكُ بالعصير بيدٍ واحده ...

لم تأتني إجابة فطرقتهُ مجددًا لكن بقيتُ أطرقُ الباب عدة مرات قبل أن يفتحَ لي هيكتور ،
كان يبدوا مرعبًا لظهوره فاتحًا الباب بنفسه !

" لما لم تدخلي حتى الآن "
ابتلعتُ ريقي بأزدراء :
" لأنك لم تسمح لي بالدخولِ بعد ياسيدي ! "

الطاعة كامله ! أجل هذا ما يجب أن أتسلحَ به !
لكنهُ تجاهلني عاد أدراجه ، كدتُ أدخل الغرفة قبل أن أنتبه ، يالك من ماكر !

" هل تسمحُ لي بالدخولِ سيدي "

توسعت بؤبؤيه لينتقل بها لضحكةٍ مكتومه :
" أدخلي روجينا ... ماذا أحظرتِ لي "

أيمازحُني أم يختبر صبري لقد تعمد ذلك ! اليس كذلك ؟!
هذا غير مُمكن .. !!!!

" هذا العصيرُ من عرق النعناع مع الليمون والعسل أنه مفيدٌ للظغط ! جربه اذا أحببت سيدي .. "
أشار لي بيديه لأتقدم ، اقتربتُ و أنا أقدم الكأس، بقيتُ منحنيةً نحوه لفتره قبل أن يتناول الكأس من الصينية

بقي ينظرُ نحو الكأس يُحركها كمن يتفحص شيءٍ ، حسنًا أنا لستُ مستغربه !
ارتشف منها القليل لينظر نحوي بنظراتٍ حاده !

" أهنالك مشكلة ؟ سيدي ..... "

" انصرفي حالًا ! "

نظرتُ لهُ بتوترٍ ليقول مجددًا :
" ألن تغادري ؟ "

رفعتُ رأسي لأحدق بعينيه الحادتان :
" سيدي ... لقد أتممتُ الصفقة معك ! فأنا لم أسمح للولدان أن يقتحما مساحتك الشخصية !
لا تقُل لي أنني ارتكبتُ خطاءٍ و لم يعد للصفقة وجود "

" روجينا !! "

قال ذلك ببطء ، مستغربًا بعض الشيء لكنهُ لم يبقى كذلك ! فقد احتدت ملامحهُ مجددًا !
كُنتُ أعرف هذا المتبجح المغرور لن يدعني شأني !!

" حسنًا فعلتي ! لكنكِ لم تقومي بذلك لفتره طويلة فقد غادرَ الولدان باكرًا كما رأيتي ،
تصبحين على خير ! هيا اذهبي للنوم !!!! . "
ماذا !!!

لمَ يطردُني قبل أن يُخبرني بما سددتهُ من ديوني أيضًا ماذا مع هذه " الأذهبي للنوم " ؟؟؟
هل هيكتور محموم ؟؟؟!!!

اقتربتُ منه ووضعتُ يدي على جبينه ،
" لا تبدو بخير سيد هيكتور ! وحرارتُك ليست طبيعية ! "

لقد سمعتها !! سمعتها بوضوح !! دقات قلبه المظطربة !! أم هي دقات قلبي ؟؟
أمسك بيدي و جذبني نحوه ممسكًا بعنُقي بكلتا يديه و.....

https://j.top4top.io/p_2301mqewp2.png

ساي
08-30-2020, 04:36 PM
https://i.top4top.io/p_2301lofu31.png

البارت 13

بقلم الكاتبة : نسمات عطر

جلست على سريري في القبو أتحسس عنقي أسترجع
ما حدث قبل أن أطير إلى هنا ركضاً ..لم أستوعب كيف تغير الحال،، من دقات قلبي المتسارعة لأجل أمر بادر أفهمه إلى خوفٍ يقهرني بسببه!!

حينما شدَّ على عنقي بيديه جعلني أشعر وكأن أنفاسي رهنٌ لديه، رفعت يدي أتمسك بيديه المغلقتان علي أبواب التنفس وكأني أحاول إزاحتها ومنعه من إزهاق روحي مع أنه لم يكن بذلك الضغط الشديد الذي يمنع مرور الدماء عبر الوريد!

نظر بعينيه الخضراء إليَّ مباشرةً بغموض ، في تلك اللحظة لم أرى العجرفة ولا الغرور..

ولا تكبره، بل شيء غريب عن هيكتور تماماً كأنه يقرأ ما بين سطور الأعين
تركت إحدى يديه عنقي مبعداً بها خصلة قصيرة من شعري ليزيحها من أمام عيني، رأيتُ عينيه و قد توترت للحظة وهو ينظر لأطراف شعري على كتفي ثم ترك عنقي كليا،لا أعلم ما يجري له لكنه حقا ليس الأسد المفترس الذي اعتدته ...

أمسك بقليل من خصلاتي ومشى بإصبعيه حتى طرفه فانسلت من بين أصابعه وسقطت وراء كتفي ثم اعاد حدقتيه الخضراوين لمواجة مقلتي المنتظرتان أسوء الاحتمالات..

كلمني بصوت خافت حاد جعلني أتوتر أكثر من مخافتي...
" ألم أقل لكِ اذهبي للنوم، لمَ مازلتُ أرى هراءك القلق هنا"

اه، هذا هو المتصور من هيكتور عديم الضمير،، بقيت صامته لعدم رغبتي سوى بالخلاص من قبضتيه حالياً منتظؤة القادم منه ..

فترك عنقي بسرعة مستديرا ليعطيني ظهره ، بصراحة ظننته سيدفعني لأقع على الأقل كعادته الممقوتة التابعة لقسوته
لكنه لم يفعل !!

مما جعلني أستغل الفرصة لأخرج بسرعة هاربة للقبو المخصص لي وأنا أتحسس عنقي ودقات قلبي تقفز في صدري.

جعلني أتذكر أول مرة تجرأ بخنقي قابضاً على عنقي النحيل، كان غاضباً و مشتعلاً كنار لا تنطفئ وكاد يقتلني أما الآن..كان نوعا ما لطيف..!!

أعلم أنني جننت..لكن هذا هو الواقع..
أشعر بالحرج الشديد رغم أنه هو السبب ..

" ياالهي ،كيف سأقابله غدا؟ "
استسلمت للنوم بعد تفكير قد طال و أجزم أن على وجهي ابتسامة حمقاء ، فكفي لازالت تتحسس عنقي ..حيث مازال دفء يد هيكتور ..و كأني أتحرى سر اختلاف قبضته عن المرة الاولى


هيكتور


حين جلست أمامي.. والأكثر لمست جبيني تتفقد حرارتي بقلق...شعرت بحرارة أكبر اضعافا من الجمى التي أبدت ملامحها للظهور علي ..

لم أتمالك دقات قلبي الصارخة حتى ظننت أنها ستسمعها بكل وضوح، لم يُمس جبيني من قِبلْ فتاة أبدا..
لم ألاحظ جمال شعرها الأشقر من قبل، رغم أنه كان طويلاً لكن الآن أراه فتّان

" فتانّّّ؟؟ "
لقد فقدت عقلي بسببها حقا..

في ذاك الصباح رأيتها جميلة، وقبل قليل أمسكت خصلاتها الشقراء.. لو لم أتمالك نفسي كنت سأقبل خصلاتها أيضا!!..و أقدم اعتذاراً خالصا على ما فعلته إبنة شقيقي ..
" أعتذر ..أنا أعتذر ؟؟ "

ماهذه المزحة السخيفة هيكتور،ما تظن نفسك فاعلاً ..
لن يحدث هذا و لو على جثتي، لن أعتذر لحشرة ..يكفيها أني وعدتها بتعويض!!
" أجل هكذا أفضل"

لكن ما هو التعويض المناسب؟!
أطفات الضوء وتركت العصير الذي أحضرته،حاولت اغماض عيني ليعم الظلام الحالك لأني لا أريد رؤية ما يذكرني بتلك الفت...الحشرة

..............................

في اليوم التالي

فتحت عينيّ على طرق الباب ، فنهضت لفتحه بملامحي الناعسة لأرى رالف واقف ويديه خلف ظهره يناظرني بملل فسألته بغباء ولي رغبة كبيرة في العودة للنوم ..
" ماذا هناك رالف؟ كم الساعة الآن؟"

" هيا بسرعة، السيد ينتظر فطوره انها السابعة وأنتِ..."
ولم يكمل لأني قاطعته بصفع الباب في وجهه متجهةً للحمام مهرولة..
" يا الهي ماذا أنا فاعلة بنفسي؟.. للتو نجوت من بين يديه و الن أتأخر، عملية انتحارية مناسبة روجينا.."

وبعد أن رشقت وجهي بالماء البارد ارتديت ملابس الخدم التي أعجبتني سابقا من تلك الغرفة، وذهبت راكضة ولكن بهدوء للمطبخ، ولصدمتي وجدت هيكتور يتناول إفطاره فأكملت طريقي أحاول ألا ألفت انتباهه..

دخلت المطبخ لأجد رالف يطلُّ على الثلاجة كنت سأسأله ولأنه حتما شعر بدخولي باشرني قائلا بهدوء وهو يحمل دفتراً ما كان على الطاولة مسبقاً وبدأ يدون عليه مجيبا ًً تساؤلي الصامت..
" لقد أعددتُ الفطور للسيد."

أردت سؤاله إن كان هيكتور غاضب لكنه أكمل و هو متجه لفتح الأدراج والأبواب ويقلب داخلها ..
" اليوم يوم عطلة السيد هيكتور وهذا من حسن حظك لأنه يتناول فطوره متأخر."

أطلقت تنهيدة ارتياح وجلست على الكرسي ثم سارعت في سؤاله بفضول
" ماذا تفعل؟ انك تعبث هنا وهناك وأيضا ماذا تكتب في الدفتر؟."

أمسكت الدفتر حيث رماه لي مع القلم قائلا
" كما ترين أدون فيه ما يلزم للمطبخ ... هيا أكتبي....."

ثم شرع يملي علي الكثير من المكونات والأشياء التي تكفي لأسبوع ،وهذا ذكرني بما قالته جولي الخادمة السابقة أنهم يتسوقون أسبوعيا...

أظن،مازلت أجهل الكثير عن أسلوب العمل و هذا سيئ و قد يوقعني بمشكلة مع نظام هيكتور ..
فقط تذكر اسمه يجعل شعر جشمي يقشعر.. ذلك المريض النفسي المتناقض..


هيكتور


استيقظت فجرا وذهبت للركض لمدة عشرين دقيقة ، وهذه عادة أفعلها مرتين في الأسبوع
وأنا أفكر في روجينا،قد غزت تفكيري كثيراً و هذا يزعجني ..

أخبرتها أني سأعوضها لما حلَّ بشعرها و كلمة الرجل من كرامته ، و ما زلت أفكر ماذا سافعل؟؟!!
أظن أننَّي سأسمح لها اليوم بالخروج كتعويض لما فعلته البارحة ، والآخر سوف أفكر به لاحقا..
عندما قام رالف بتحضير الفطور سألته عنها فقال
"الآنسة يبدو أنها مرهقة من الاعتناء بالطفلين بالأمس"

بدا كانه يدافع عنها!! ..
بدأت تأخذ حماية رالف و أخي في وقت قياسي.. يجب أن أتصرف و أوقف تأثيرها الذي يسري للجميع و أولهم أنا.. كأنها ساحرةً ما...

أنهيت فطوري ولم ألحظها، يبدو أنها لم تستيقظ بعد،، أيجب عليّ تأديبها أيضا..؟!
لكم أرغب برؤية عذابها فجأة..
التفكير في هذا جلب ابتسامة شر لطيفة إلى شفتيَ وأنا متجه إليها، حيث تتكاسل نائمة حتى هذه الساعة !!

ولكن عندما دخلت إلى القبو لم أجدها!!؟؟
أين يجب أن تكون إذا.. ؟؟

لا تقل أنها تجرأت و تهربت من العمل لتعارضني كعادتها المتهورة..تظن أنها ستتغلب علي تلك الحثالة !!
وجدت سريرها في حالة يرثى لها مما جلب السخرية إلي..
" تبدو وكأنها تنام مع الثيران"

لأقصد المطبخ بخطوات هادئة فشقراء الشعر تلك بلهاء و لاذعة اللسان، لديها دين عندي وعندما أقضيه ستُفتح لها أبواب الجحيم مجددا..

................................

شعرت روجينا بالقشعريرة لسبب ما ، فنظرت حولها ورجحت ذلك للجو الخريفي....
فتح هيكتور باب المطبخ متزامناً مع إغلاق رالف للباب الخلفي الآخر للمطبخ وهو خارج فلم تلحظ روجينا هيكتور، وكونها جالسة تعطيه ظهرها....

كان شعرها منسدل على ظهرها لأنها طارت إلى المطبخ لخوفها من غضب غروره...
مررت القلم بين أصابعها حتى أحست بشيء عبث بأطراف شعرها حركة خفيفة بالكاد...

أدارت رأسها بتوجس لتطلق صرخة مرعوبة مصحوبة بسقوطها للخلف بالكرسي، فتنحى هيكتور جانباً لتسقط المسكينة وتشعر بألم فضيع من صلابة الخشب تحتها، لتأن وتتدحرج جالسة تدلك ما ا ستطاعت لمسه من ظهرها بالكامل وهي تشتم هيكتور بسرية على عدم وجود الإنسانية بداخله، لتحذف كلمة
"لطيف"

التي دخلت افكارها مؤقتاً نهائيا
وتضع عوضاً عنها
"لئيم"

أما هيكتور مشى قاطعا الخطوات القليلة ليفتح الباب منادياً على رالف
" انتظر رالف اصطحب معك روجينا اليوم "


روجينا


هذا ما تفوه به وعاد و من ثم توقف بمحاذاتي!
ماذا بعد،،،؟؟!!!

هو لن ينوي خيراً بالطبع، هذا ما طرأ ببالي..
فرفعت نظري إليه وجدته يحدق بشعري...!
ثم نظر لعيني مباشرة بهدوء غامض!
انعكس بعينيه لمعة ببريق زاد خضرتيه جاذبية لم أرها من قبل...

" اذهبي مع رالف للسوق، بما أنني لم أسمح لكِ بالخروج، هذا تعويض لما فعلته البارحة."
قالها و أكمل طريقه ...ليتركني حائرة و مبعثرة بين عينيه وما قاله!!

هل هو في وعيه..؟؟!!
أم هل هو صادق..؟؟!!
أليس فخاً؟؟!!

وقفت أجري لرالف في السيارة وقد نسيت الألم ، مهما كان مقصده...
"سأستغل هذ اليوم { يوم حريتي } "


هيكتور


عندما نظرت لشعرها لم أشعر بنفسي إلا وإصبع سبابتي لمس أطراف خصلاتها الشقراء ،ولكنها بصراخها الغبي و سقوطها أخرجتني من تلك الحالة الغريبة من السكون ، ولمعت فكرة في عقلي نبهتني على عدم إمساكها لأن ذلك سيكون خطراً علي وسيضعني في موقف محرج أكثر من البارحة، وسيكون كلانا في وضع ليس بجيد أبداً ..

عندما نظرت لعينيها الزرقاء المشرقة وملامحها التي أبدت تقطيبةً بألم جعلني أندم على إحكام عقلي في موقف كذلك وهي التي البارحة أسمعت ساندي كلمات مريحة لأعصابي بمواجهتها لأجلي ..

ولأني أعرف رالف سوف يذهب لأماكن عديدة بعد التسوق فهذا يوم عطلته أيضا، وعند عودته سيحضر الغداء من أحد المطاعم كما العادة، وبهذا ينقضي الدَّين الصغير وبعدها الدَّين الأول وبعدها ...تفتح أبواب الجحيم على خادمتي ...
ستعرف مقدارها قريباً ... فلا تظن لوهلة أني سأنسى هدفي

https://j.top4top.io/p_2301mqewp2.png

ساي
08-30-2020, 04:48 PM
https://i.top4top.io/p_2301lofu31.png

البارت 14

بقلم الكاتبة : ألكساندرا


روجينا


عبرنا تلك البوابة بعد ركننا للسيارة بأحد الأماكن الشاغرة لأذهل مما تراه عيناي لدرجةٍ منعت مقلتي من الرَّمشِ حتى، بحالى ومكانتى يستحيل على فتاة فقيرة ومشردة مثلى دخول مجمَّعٍ فخمٍ كهذا ... لو لم اكن بصحبة رالف بمظهره الراقى مبديا الثراء لرميت خارجا..
كنت أسير بجوار رالف وعيناى تطوفان بكل الجهات...

مرَّةً على الناس و أعدادها التى لا تُحصى ومرَّةً على المَعْروضَاتِ الفاخِرَة
ملابسَ بأشكال ٍ وألوان ٍ مختلفة ...
احذية و أثاث راقي المنظر..

توقفت لثوانٍ أمام ركن الملابس أتمعن تلك الأثواب الجذابة قبل نداء رالف علي لأتبعه بعجلة و أنا في حسرتي الصامتة لعدم اقتنائى أحد تلك الأثواب و لربما انطبع شىء بداخلى مصمما اقتناء أحدها بعد سداد دينى...

انتبهت لكلام رالف الهادئ عند وصولنا لقسم بضائع الاستهلاك وهو يحرك أحد تلك العربات الحديديه: لا تبتعدى عني، ليس لدي وقت للبحث عنك.

ضحكت بسرى لكلماته فصدقاً لو توارى عن ناظرى سأكون مثل من فقد مرشده ببلد أجنبى ، لحقته ببطىء و أنا مندهشة من تأقلمه مع المكان و تجاهله للناس و كأنه لا أحد حوله ...
يلتقط ما يريد ليضعه بهدوء بعربته ثم يكمل باحثاً عن بقية متطلباته...

ابتسمت لا شعوريا لرؤيتى طفلة أنيقة المظهر لطيفة الملامح تحمل علبة من النوتيلا وتضعها بعربة مشتريات والداتها خلسة أثناء انشغالها بجمع متطلباتهم ، دُهِشَت عندما رأت أنِّى شاهدت فعلتها فرفعت سبابتها بسرعة ووضعتها على فمها تُهَسْهِس بهمس لألَّا أفضح أمرها فأومأتُ لها برأسى و أنا أكتم قهقهةً تطالبُني بالخروج ، فانطلقت متحمسة لأحد الرفوف متظاهرةً بمساعدةِ والدتها...

ألهَمَنِي حماسها أن أساعد رالف عِوَضَ تبلُّدِي الحالي ،لاحظت أنِّي أقف على مقربةٍ من رفِّ التوابل فتقدمت له بتردد ، و بدأت أقرأ أنواعها ، رغم موقفي مع ما مررت بذلك المطعم إلا َّّ أنِّي لا أنكر فضل أيامه.

لقد تعلمت الكثير به وهذا لصالحي ، التقطت عدَّةَ زجاجاتٍ أعلم يقيناً أنَّني لن أستغني عنها بمطبخي ، ثم سرت بها للعربةِ قرب رالف، انحنيت و وضعتها ببطئ فجذب ذلك إنتباه رالف و نظراته التي لم تكن طبيعية أبدا ًً... !!

بدى الانزعاج جلياًّ عليه ، ابتسمت له بخفَّةٍ مفسِّرَة : هذه بعض اللَّمساتِ التي لن أستغني عنها أثناء طبخي..

تناول ما وضعته يستكشف ماهيته ثم وضعه عندما اطمئن لمحتواها، بل هذا ما اعتقدته ولكن كلماته وضحت موقفه من زاويةٍ لم اتصوَّرها حيث قال بنفس هدوءه : لدي قائمة بما نحتاج ، لا أريد اقتناء غرضين من نفس النوع.
ابتسمت له : لأساعدك.

نظرت للورقة التي بيده ثم قلت و أنا أشير بسبابتى لأسفلها: سوف أُحضر أنا المجمدات.. إتَّفقنا ..؟
نطق بتبلد
"حسنا"

ثم سار متابعاً ما يفعل ، إنطلقت أنا بذلك الممر الطويل أبحث عن مكان ما اخترت، متحمسة لفعل شىء لم أعتد عليه قبلاً ..


هيكتوور

واااه ...

و أخيراً ذهبا، هكذا ستُنَفِّس عن نفسها تعويضاً عن ما فعلته " ساندي" الحمقاء ، لا أعلم لم مسألة الشعر هامَّة و حساسة للفتيات ..لكن أنا واثق أن روجينا كانَ شعرها لها بمثابة قطعة من روحها و صعبٌ عليها فراقه ، ردَّة فعلها تنبئ عن هذا فعلاً !
لا بأس لدي بما حصل و لا أبالي، بل بصراحة أرى شعرها هكذا أفضل حالاً و أجمل... ولكنى لا أراها ترى هذا الرأي بتاتاً .. و ربما لو قلت هذا أمامها واجهتني بهمجيتها المعتادة ...

حقاً لا تتسم بالأنوثة بالتفكيرِ بالأمر ..
أظن أن ََّّّ هذه النزهة ستنسيها أمره قليلاً بكلِّ حال ..
لحظة ... لم أضيِّع وقتي بالتفكير بها ..؟!

أشعر أنها مشعوذة ما ألقت عليَّ تعويذة تحبس أفكاري بها..!!
عليَّ إنجاز هذه الأعمال بسرعة .. مادمت خارج تغطية أفعالها التي تسبب تشتت تركيزي ..، تبا لكِ روجينا أصبحتِ تعطلين أعمالي حتى بغيابِك ..

عدَلْتُ الورقةِ التي بين يدي أتأمل محتوياتها ، موهماً نفسي أنِّي منشغلٌ بها ولكن الحقيقة غير ذلك ، وقفت متأفِّفًا أمدِّد جسدى من خموله، ثم تحركتُ مقرِّراً الخروج لتفقد أمر ٍ ما ...

تبعتُ خطواتي التي توجَهَت مباشرة لذلك القبو ، أنرت مصباحه ثم أخذت أجول بعينى بأركانه ، إبتسمت عند رؤية سيوفي الغاليه التي أوشكت على أن تكون كلَّها لامعة و حادة بالشكل المطلوبِ منها ، تلك الفتاة تعمل بجد عليها ، سِرْتُ لحيث علَّقت ذلك السيف الذهبى تلك المرة ، و أمسكته أتأمل لمعانه المثير و أتلمس حوافَّه بحماس يتلاعب بحقائق أفكاري ..

قَبْضَتُه المزخرفة ورسوماتها الهادئه كما و حُلَّتُه البرَّاقة يريحان نفس كلَّ من ينظر له ، تأمَّلْتُ حروف إسمها المحفورةِ على نصله و تحرَّكَت أناملي بلا وعي تتلمسها بمتعة ، صدقاً لا أدري ما يحصل معي و لكن شيء بداخلي يقول أنَّ هذا السيف صُنِعَ خِصِّيصاً لها ، صنِعَ لتَحْفُر هيَ حروف إسمها المميز عليه...

تنهدت براحة ثم علقته بمكانه ، وأنا عازمٌ على ما واتتني من فكرة مجنونة لنفسي المتضاربة ، متمنياً وقوفَ الحظ معي و إيجاد لحظةٍ مناسبة لإهدائه لها دون أن اقلل من مكانتي ... و مع ذلك ، أشعر أن مكانتي تزلزلت لهذه الفكرة السخيفة ..!!

لفت انتباهي باب تلك الغرفة الصغيرة الغير موصد فتقدمت ناحيته وفتحته ببطىء وكما المرة السابقة كان سريرها غير مرتب وفوضوي ، وزجاجة الماء ملقاة أرضًا بكل إهمال ، هززت رأسي ساخرًا وهممت بالخروج ولكن شيئًا إستوقفني ، هناك شىء أسفل تلك الوساده ، إنحنيت بحذر ورفعت طرف الوسادة لأُصدم بما أرى.

إنها خصلات شعرها جمعتها معا بشريطة حمراء أنيقة مربوطة بالمنتصف على شكل وردة ، ولكن لِمَ تحتفظ بها حتى وإن كانت ثمينة ما الفائدة من إبقائها..!

مددت يدى وتناولتها برفق أتلمس نعومتها ولونها الذهبى البراق ، لا اعرف ما السر بهذه الخصلات ولكني كلما رأيتها إطربت مشاعرى وافكارى، هممت بإعادتها لمكانها ولكن فكرة خاطفة اوقفتنى فابتسمت برضا قبل تنفيذ ذلك.


روجينا


كنت اقف ورالف بذلك الصف ننتظر دورنا لحساب المشتريات وذلك الموقف بين رالف والطفلة يتردد بذهنى ، ظننت انه سيصرخ بها عندما اخذت بعض الاغراض من عربتا ولكنه ابتسم لها وانخفض لمستواها قائلاً لها انه لا يمانع ذلك ، وبالنهاية لعب بخصلات شعرها المنسابة قبل ان يبتعد ليجلب نفس الاغراض التى أُخذت.

بينما كنت اتأمل ملامحه الهادئة ، بشرته الحنطية وعيونه السوداء ، كما وانفه المعقوف بنهاية متوسطه ، لاحظ ذلك فنظر لى قائلاً : أهناك شىء ؟
كان واضح انه انزعج لنظراتي ولكنى كنت انتظر تلك الكلمات منه فقلت بحماس" أجل" لعبت باصابعي ثم تشجعت قائلة بسبب الفرصة التى واتتنى: امم ألديك عائلة ؟

سؤالى ادهشه اظنه لم يتوقعه فقد اتسعت عيونه وحدق بالفراغ بصمت ، شعرت بخطأى وبأنه ما كان على ان اسأل عندما رايت ذلك اللمعان الحزين بعينيه ، اخفضت راسى بندم قائلة: آسفه
تفهم موقفى وقال موضحا " لايهم" لبث هنية ثم اضاف: لدى والدة وشقيق بعائلة كما واخت متزوجة ببلد اخر.

رمشت غير مصدقة لما قال فلم اتصور انه يملك، كما ولم اعِ نفسى الا عندما نطقت تلقائيا: ألديك زوجة واطفال؟
تنهد بحزن ثم اجاب بهدوء" كان" شعرت حينها ان سكينا غرز بقلبي يبدو باننى تماديت وفتحت عليه صفحات حاول نسيانها.

ظللت احدق به بصدمة فأكمل وكانه يود ازاحة الاهات عن قلبه: كان لدى زوجة وابنة جميلة بثلاث اعوام ماتتا بحادث سيارة اثناء انتقالنا الى هنا.

رمشت استسيغ ما قال فرفع احد حاجبيه وهو ينظر لتبلدى ونظراتى ليعقب قائلا: انت فضوليه .. والدتى واخى بعائلته يعيشان هنا لذا اذهب لزيارتهم من وقت لاخر.

علمت انه قال ذلك محاولا جعلى لا اتأثر لاجله ، فتنهدت بحزن وافصحت له عن اعتذارى الشديد.
بقيتُ صامتة بعدها حزناً عليه و خجلاً من نفسي إلى أن أنهينا المحاسبة و عندما خرجنا من المجمَّع استوقفني بينما نسير لمكان السيارة : أنا لديَّ بعض الأمور التي عليَّ إنجازها، بإمكانك الذهاب حيثما تريدين لحين ذلك...

شهقت بصدمة معربة عمَّا خالجني من فرحٍ غامر : أأنت جادٌّ بهذا ...أأ..أتعني أنَّهُ بإمكاني الذَّهاب لوحدي ؟!
توقف أمام السيارة وفتح باب صندوقها يضع ما اقتنيناه مجيباً استفساراتي : يمكنك بشرط أن تحرصي على العودة عند الثانية عشر لأنها نهاية جولتنا.

سايرته بعجلة من ثم ارتميت بداخل السيارة بحماسٍ دون أن أفكر في أيٍّ منَ الأماكن التي سوف أزورها.
بعد انطلاقنا بثوان صرح متعجبا: ها, إلى أين أوصلك؟

بقيت فترة صامتة لحيرتي ، إلى أين ساذهب، أنا انسانة بائسة بحق.. لا أصدقاء لي حتى جودي التي رافقتها فترة متأكدة أنها نسيت أمرى الآن و لربما قد انتقلت أو تزوجت ، رغم ذلك لن أفوت هذه الفرصة من بين يدي.
نبهنى بحروفه المنزعجة : قرري، ليس لديَّ الكثير من الوقت.

نطقت بقهر و أنا أتفادى النظر له : أنزلنى ببداية المجتمع السكني الذي كنت أسكنه
نطق وهو يذيد من سرعة قيادته: تلك خاصة الفقراء؟

أومات له برأسى من ثم وجهت نفسي لزجاج السيارة أزفر بضيق...حتى هنا ألتقط غرور هيكتور..
نطقت بعد دقائق ببؤسٍ و هدوء : أكانت حياتك مرفَّهة أم عادية بصِغَرِك؟

ظلَّ على صمته لثوان قبل نطقة بسخرية : لو كانت مرفهة لما كنت على ما أنا عليه الآن أيتها الصغيرة.
ضربت الزجاج برأسي بأسىً على الوضع المزري ، الجميع يعانون بهذه الحياة ، لمَ لا تكوني لطيفة معنا...
فحتى حين تلين قليلاً يظهر بها أشخاص يكدِّرون لينها

قلت بسخط: ظننت عملي سيكون سهلاً ولكن ذلك اللعين هيكتور يصر على تعذيبي ، متأكدة أنه يخطط لأمر ٍ ما بفعلته هذه.

أرعبتنى كلماته الغاضبة مدافعاً عن سيده: هاي ،التزمي حدودك و إياك وإهانته أمامي مجدداً.
وااااو .. على الأقل أحب هذا الغبي احد لدرجة الدفاع عنه، البعض لهم حظ استثنائي و لو كانوا بمستوى تفكيره الحقير ...

لا ، لحظة..ربما يخاف أن يعلم هيكتور بحديثنا عنه..
رمقت إنعكاسه بزجاج السيارة الأمامى بحنق وقلت بإنزعاج : لست مضطراً للدفاع عنه فهو ليس موجوداً هنا .
قال وعيناه لا تبشران بخير : ليس من الضروري تواجده لأدافع عنه ، إنه سيدي ويستحيل على أحد إهانته بوجودي لذا احترمي ألفاظك.

إنه غريب ، ألا يود شتمَه و لو مرة ؟!
ماذا فعل له كي يخلص له لهذه الدرجة..؟!
كنت أودُّ سؤاله بشدة و لكني فضَّلتُ الصَّمْت ، فمن سرعته الجنونية استنتجت أنِّ أزعجته بما فيه الكفاية اليوم..

فتحت عيناي لتوقف السيارة أخيرا ًً فقد زال خوفي ، فتحت الباب ونزلت بعد أن شكرته بسرعة لعجلته.....
وقفت أتمعن نافذة شقتي البائسة التي كنت أعيش بها سابقاً ، مؤكَّد أن أحد الفقراء قد استأجرها الان ، سرت متجاهلةً لها و للجميع

بالتفكير بما كنت عليه قبل فترة ،فقد كان كل وقتي بالمطعم ومن ثم أعود لشقتى و أنام لبداية الدوام الجديد ، لذا لم أستطع الإختلاط بأحد ، لقد أرغمتني الحياة على الوحدة ، الآن أسوء من السابق أيضا... يجب عليَّ ألَّا أسمح لأحد بإشغالي عن أعمالي،سأغدوا الأفضل على الإطلاق و سوف أسبق ذلك الهيكتور بشهرته... سيركع أمامي بالنهاية ..
بدأت أضحك لتخيلي الموقف فقط،فكم ستكون سعادتي كبيرة لو تحقق هذا الحلم...

لم أعِ نفسى بسيرى سوى عندما ابتعدت عن المجتمع السكني ، فقررت متابعة سيري إلى حين مجيئ رالف بعد ساعة عند ذلك المصرف الآلي الذي اتفقنا عنده ، و حقاًّ لقد كنت هناك عند الموعد المحدد... لكن ، رالف لم يصل بموعدنا..!
لقد تأخر بضع دقائق لوصوله بالثانية عشر وخمس دقائق.

توقف أمامي بالسيارة وقد بدى الإرتياح على وجهه ، يبدوا أنَّه لم يتوقع وجودي أو وصولي بالموعد ...
أقلَّنى و انطلق مبتعداً ، لم أسأله عن وجهتنا و لا موعد عودتنا ، بل بقيت صامتة أفكر في ما عاينته حياتي من تغيُّرِ الفترة الماضيه... إلى منحنىً لم أتوقعه و لو بواحدٍ بالمئة...

توقف فجأة فنظرت لمكان وصولنا بتشتت ، سحقا ماذا أرى... ألم يكن من المفترض أن نعود لمنزل هيكتور..؟!!!

"لم توقفت هنا"

قلتها له بعجلة و هو يغلق الباب بعد خروجه ، وقف بجوار نافذتي مضيِّقاً عينيه مخرجاً ما بجعبته : بإمكانك تفسيره على أنَّه عرض قدم لك على طبق من ذهب، فلولاه لما دخلتُ أبدا ً لمطعمٍ راقٍ كهذا.
أجبته بإنزعاج دون الإكتراث لكلامه المنمق
"إنه قذر"

أعرضت عنه و أنا منزعجة من موقفي لأنطق بحنق: ألم تجد مطعما أرقى من هذا..؟
رفع أحد حاجبيه يرمقني بشك فلويت فمي محاولةً إبداء عدم رضاي أكثر بينما قال بإستفزاز: تحاولين استغلال موقفك ، لكني لست ممن ينصاعون لغير سيدى.

ما بهذا التفكير الأهوج بالله..؟!
بهذا المكان قد أهِنت و لم يُسمح لي بالدفاع عن نفسي لحظة ..!
بهذا المطعم الراقي بحد زعمه سُلِب حقي ..!!
و الأسوء.. بسبب طردهم لي التقيت بهيكتور و بت عبدته..

تشبثتُ بحافةِ زجاج السيارة وأنا أنظر له من فوقه أحاول تغيير رأيه : أعرف مطعما راقياً جدا سيعجبك كثيرا.

نفض ثيابه وهو يرمقني بجانبية : ماذا معك ضد هذا المطعم ، إنَّه مميز.. لقد ارتَدْتُه أكثر من مره وهو مناسب جدا كما أنَّ وجباتُه فاخرة.

عدَلْتُ جلستي و كتَّفتُ يداي معرضةً عنه و أنا أزفر بشدة : إنَّه رخيص .. أنا أمقته ، جميعهم بائسون.
لم أرَ تعبيره تجاه ما قلت و لكنِّى لمست تعجُّبَه من صوته : ماذا جرى لك ؟! ..ضننتك ستتحمسين كثيرا.

صمتَ قليلاً ثم أضاف عندما لم يجد إجابة منِّي فقد قررت الصمت لأدفعه لتغيير اختياره ، فيستحيل أن اجعله يعلم أني طردت من هذا المكان .. لو علم هيكتور سيكون المنتصر ..!!
لا ..
محال..

" أهذا يعنى انك لن تدخليه ؟"

التزمت صمتي فاستدار هوَ قائلاً : حسناً ،سأشتري وجباتنا من طعامهم الفاخر ثم نغادر.

ماذا..؟!

بهذه السهوله يضيع حظى..؟!!

كنت سأتناول الطعام بمكان فاخر ، كلُّ هذا بسبب هذا المطعم البائس ... سحقاً له و لمالكه ..
لو لم يطردني لما حقدتُ عليه هكذا انه جشع ، لأجل بعض السنتات ضحَّى بى بكل سهولة ، لكن مهلاً لربما أستطيع استعطاف رالف ببعض الكلمات الرقيقة...
استدركته قبل ابتعاده : مهلاً ....أليس بإمكانك تغييره ساقبل بأيِّ مطعم غيره.

نظر للبؤس الذى اظهرته على وجهى ويبدوا انه تأثر فقال بتفهم: ماذا بينك وبينهم لم هذا الموقف؟
تلون وجهى فيستحيل على ان اخبره انى طردت منه قبل فترة قصير بسبب موقف منحرف من شابين فاسدين ، أعدت راسى انظر لمقود السيارة، لألا يلمح توترى بينما اجبت بتلبك: اكرهه..فحسب.

نظر لساعته التي تزيِّن معصمه ثم أجاب بإختصار : للأسف ..الوقت لا يسمح،، لربما في وقتٍ آخر.

تابع طريقة فزفرت بغضب ،،بئساً لهم لقد ضيَّعتُ فرصتى،، مهلاً مهلاً .. كان من الممكن أن أستغل الموقف و أنتقم من ذلك المتبجح ، كم أنا غبية لمَ لمْ أفكر بهذا الخيار


هيكتور


خرجتُ من غرفتي بعد أن خبأت بداخلها تلك الخصلة الشقراء التي اقتبستها مما وجدت بوَكْرِ تلك العنيدة،، توجهت للحديقة وجلست بها بعدما أنهيت أعمالي التي استغرقت بها وقتاً أكثر من المعتاد...
المكان ممل من دون رالف وتلك المزعجة ، إنهما يضفيان على وحدتى طعماً ، لا أنكر علاقاتى السيئة ولكن المكان ألِف أصواتهما.

تأملت الحديقة و كيف أنها تفتقر لبعض اللمسات الفنية مأخراً ، فمنذ ذلك الموقف و طرد كل العمال هنا لم تنل أكثر من الرى والنظرات، أظن أنَّنى سأوكل لروجينا مهمةً أخرى ، هي ستجعلها أكثر و أكثر نضارة بالتأكيد.

لفت انتباها صوت توقف تلك السيارة فعلمت بوصولهما ، دائما ما يصل رالف بالموعد المحدد إنه حارس مثالى ، منذ توظيفي له لم يقصر بأي شيء... لا بحماية ولا خدمات.

رأيتهما يجتازان تلك البوابة قدوماً ناحيتي حاملان أكياس البضاعة وقد بدا على وجه روجينا عدم الرضا،،ماذا جرى...؟ ظننت أنها ستكون في قمَّة فرحها أوَ ليس قد خرجت كما أرادت!

توقفا أمامي فانحنى رالف وهو يلقى علي التحية ففعلت هيَ مثله تماماً يبدوا أنهما انسجما معاً بتلك الجولة.
قلت ببرود: علَّ جولتكما كانت جيدة؟

أومأ رالف برأسه مؤيدا ما قلت بينما لوت روجينا فمها و أعرضت بعيداً ، حينها تأكدت أن أمرا ً ما قد حصل.

رفعت حاجبى لراف و أنا أقصدها بنظراتي ،ففهم سؤالى و أجاب باقتضاب : إنها مزاجية، يتغير مزاجها تلقائيا.

أومات برأسي و أنا أتفحصها جيدا بزيها الرث الذي ترتديه ،لا أنكر أن أغلب الفتيات يرتدين مثله ولكنى لا أراه شىء مقارنة بما أرى يوميا ،لاحظت نظراتى فأعادت اعراضها عني بسرعة ولكن ما الذى لمحته للتو..أتوردت وجنتاها؟

استأذن رالف ليدخلا ما يحملان بعد ان طلبت منهما تغيرا فى الروتين واحضار طعامى لهنا.
لم أعلم لم رقص قلبي وتسارعت نبضاته عندما لمحت تلك الحمرة تزين وجنتيها ،أمري صار غريبا هذه الفترة ،عليَّ السيطرة على مشاعري.
عاد رالف بعد دقائق حاملا طعامى ،وضعه على الطاولة الصغيرة امامى ثم قال بهدوء: كيف كان يومك سيدى؟

اجبته بانه عادى وطلبت منه تناول وجبته الصغيرة بجوارى فقد وددت الحديث معه قليلا.
عاد بعد ثوان وجلس مقابلاً لي لاحظت أنه هذه المرة اشترى لي وجبتين وذلك ليس من عادته فهو يعرف أنّي لا أكثر في الطعام ، سألته عن ذلك فأجاب بأنها كانت لروجينا و بأنها رفضتها كما و حكى لي عما حصل هناك.

أمرها محير لم رفضت دخول ذلك المطعم و طعامه ، هناك سر في الأمر و علي اكتشافه....انتظريني روجينا سأنتزع منك ما لم يستطع رالف انتزاعه ، فأنا هيكتور بلاديمون ...وعندما أصمم فعل شيء أفعله ....
ما الذي ترغب بإخفاءه عني بذلك المطعم ... و ما لديها هذه المرة ؟؟!

https://j.top4top.io/p_2301mqewp2.png

ساي
08-31-2020, 04:14 PM
https://i.top4top.io/p_2301lofu31.png

البارت 15

بقلم الكاتبة : لورين

" إدراك ألم،،"

*روجينا*

تبا لك أيتها المعدة الخرقاء ، ألا تستطيعين التحمل ليلة!!
زمجري كما تريدين ،فأنا لم أكن لأدخل ذلك المكان المشين لي و لن آكل طعام من قلت سأربه سودَ الأيام.. مازلت لدى كلمتي ، فقط لأربح التحدي مع هيكتور و أصلح أموري سأتفرغ لذلك العجوز الخرف الذي طردني أمام الجميع،،،

نهضتُ من سريري لأخرج من زوايا غرفتي و القبو صاعدة لحيث تطالب هذه المعدة قليلة الصبر ، الأجواء صامتة حقاًّ بما أننا بمنتصف الليل ...
دخلتُ المطبخ و فتحتُ الأضواء متجهةً للثلاجة الفضية، وقعت عيني على سلَّة من الفواكة المختلفة فأخذت أجاصاً و برتقالة ..

خطواتٌ بطيئة ، استشعرتُ بها فاختبئتُ دون شعور خلف الثلاجة من ناحية الزاوية الصادة لقربها من الجدار..

رأيت ُُ هيكتور !
مرتدياً ملابس نومٍ بسيطة بلون ٍٍ مزرق باهت ..و شعره مبعثرٌ بفوضوية..
ما الذي جعله يستيقظ بهذه الساعة المتأخرة ؟!..
تسائلت مع نفسي لم اختبئت ، دون إجابة مقنعة فحاولت الخروج .. ليس لدي ما أخفيه ..
لكن..

ضربَتُهُ العنيفة للطاولة أوقفتني تماماً، هذا المزاجي سيتسبب بموتي حتى و هو لا يعلم..سحقا له..
لكن لفتني كلماته الساخطة على زوجة أخيه التي لقيها البارحة : ما الذي تخطط له تلك الأفعى ساندي، بكل سهولة ستتجاهل كل هذه الثروة لتسافر مع أخي و ابنيه..تحرمني منه!!...علَّها اقنعته بهذه المسرحية الهزلية لاستعطافي...؟؟

تنهدت بيأس منه ، هذا التشاؤم متى سينتهي ... و مع ذلك أؤيده فتلك المرأة لا تبدوا لي كمن سيبعد نفسه عن طريق أحد لخير...
لحظة...هل قال*تحرمني منه* للتو؟!؟!
لماذا..!!!..فضول يقتلني حقا..

لكن...

هذا يبشرني أن لي باب قد أطرقه حتى يفتح بقلبه المتجمد...
فتح هيكتور صنبور المياه على آخره و بدأ برمي الماء على وجهه حتى لطَّخ قميصه و شعره ،و ثم خرج تاركاً لي مجال الراحة و الخروج بأمان ،،،


***************


أصبحنا و للتو يظهر أثر ما حصل بيوم مجيئ عائلة ماتيوس ، فبالأمس قضيتُ الوقت ساهيةً عن كل شيئ رغبةً ببعضِ الحريَّة...
و لم تنته إلا بما يحطم الأعصاب لحسن طالعي الإستثنائي ...
أتممت ُُ عمل الإفطار و انتظرتُ مجيئ هيكتور ... أتى بهدوءٍ هو الآخر ليأكل بصمت...
لم يحاول إزعاجي بحرف حتى ..!!!

لكن هذا يخيفني أكثر مما يسرني ، قد يخطط لإذلالي بطرقه الخارجة عن نطاق الإنسانية تعويضاً عن راحةِ الأمس ...
كنت أنظر له بين فينةٍ و أخرى ، و شعورُ انقباضٍ ينتابني .. يبدوا مهزوزاً بداخله و عدم تركيزٍ قد محى مظهر الثقة و الكبرياءِ بناظره...
كأنَّه أضاع عرش ملكه!!

لكني لن أسئَلَ ما به، رقبتي قد تنكسر هذه المرَّة و ينتهي أمري .. لا زلتُ شابة على الموت..
لكن..
منظره هذا .. لا أحبذه بتاتا..
أنهى إفطاره بين شروده الغريب و نهض ليبتعد ، فقلت لألفته : هل ترغب بشيئٍ آخر سيدي ؟

صافحت بؤبؤي خضرة حدقتيه التائهتين حتى قال : قومي بتنظيف غرفتي و مكتبي .. و جهزي لجلسَةِ ضيافة جيِّدة ..سيأتيني بعض الضيوف .

انحنيتُ بطاعة ، طاعَةٍ هي الأمثل للفوز على تجبُّره الذي تحداني به و لبَّيته ب "حسنًا سيِّدي"


*****************


*هيكتور*

أشعر بصداعٍ يلتهمُ رأسي، ما أفعل لمنع ماتيوس من الرحيل ...؟!
إنَّه قد اتخذ قراراً جدّي بالإبتعاد عني ..!!
كلُّ هذا بسبب تلاعب ساندي بعقله.. تلك الخبيثة..
مازالت رسالةُ ماتيوس التي وصلتني البارحَة تؤرقني وتظهر نفسها أمام عيني..

*سترتاح مني ..ستقلع طائرتنا إلى فرنسا بظهيرة الغد و بعدها سيحصل ما أردته دوماً.. أخيك ماتيوس..*
يسمي نفسه أخا ًً..!!

لأجل كلمتين يسافر و يتركني خلفه..
قاطع تفكيري صوت رالف حيث نبهني بوصولنا للشركة ، إلى حيث يجب أن يظهَر *قلب الأسد*
ترجَّلتُ و أنا أنفض ما شتت تركيزي و سلبني النوم ...
لم يكن مجيئي إلا لأجل أخذ ملفاتٍ سرية ستكون صفقَتُها في منزلي ، لذا أمرت رالف بالانتظار حتى أعود..

بدى أنَّ رالف ليس على ما يرام أيضا ًً و أعلم لمَ ، فسنوية موت عائلته بنهايَةِ هذا الأسبوع..
أخذت نفساً عميقاً و أنا أضغط زر المصعد منتظراً وصوله ..
أفكر.. هل يمكنني منع ماتيوس من الرحيل؟؟..أم لا حقَّ لي ..؟!


***************


*روجينا*

إنَّها غير مهذَّبة فعلاً ، كيف لها أن تقتحم غرفة نومِ هيكتور هكذا ... !!!!
تجعلني أندم على إدخالها للمنزل ..رغم أن عدم إدخالها تحت ظلِّ هذه الظروف التي أراها كان سيكون لي عقابا لا اتخيله من هيكتور ، فهو كما بدى يرغب بإيقافها عن ما تخطط و هذه فرصته...

يا إلهي، لم أفكر به و أجعل نفسي بواجهة المدفع..؟!
زجرتها بكلماتي الناهية : سيدتي، لا أظن أنه من المسموح و اللائق الدخول لغرفة شخصٍ غريب .

واجهتني بنظرةٍ حادة تظهر الوداعة مع إبتسامة ممتزجة بالخبث و النعومة : قلتِ غريب؟!..الغريب هنا هو أنتِ أيها النمر البري ..أنا، زوجةُ أخيه كما تعلمين..

رصصتُ على أسناني أحثُّ أعصابي على الصبر على أسلوبها المستفز جداً و قلت : أنا هنا بأمرٍ منه سيدة ساندي ، انتظري بغرفة الجلوس حتى يأتي و يدخلك هنا بنفسه و بغير هذا الحال لَـ....
قاطعتني ..
قاطعتني بصمت و فعلٍ لم أتصَّوره، لقد بدأت بتفتيشِ الغرفَةِ أمام عيني..!!
إنَّها تجسيد ٌٌ للوقاحة حقاً رغم منظرها البديع ..

اقتربتُ ممسكةً برسغها و أنا أقول بإندفاع : توقفي..

لكنها دفعتني بقوَّةٍ لأسقط و يصطدم رأسي بزاوية سرير هيكتور المدبب ..
شعرتُ بدفءٍ علمت أن مصدره بعض الدماء ، لكنَّه جرحٌ بسيط...

و مع ذلك ..توقعت ردَّة فعل مختلفة و لو بهروب من الواقفة مرتدية الفستان الزهري أمامي.. ليسَ أن تتم عملها و كأنني شبحٌ ما ...
أمسكتُ برأسي الذي آلمني بشدة و وقفتُ و بعيني أثر الغضب الجمِّ منها .. للتو أنهيت ترتيبها و ها هيَ ترمي بكل شيئٍ على الأرض تبحث عن شيئ ٍٍ لا أعرفه...

طفح الكيل حقاً ، أسرعتُ نحوها و أمسكتها بكلتا يدي أجرها للخارج و هي تقاومني صارخة بكلماتها المندهشة مني: أنتِ... كيف تجرؤين..؟؟!!..نفاية مثلك كيف تجرؤ على لمسي هكذا!!!....

كانت لا تتوقف عن كلامها المنفعل و أنا لا آبه بها، سأرميها خارج اليوابة التي أتت منها و لا شيئ سيوقفني ...

هذا ما تمنيته، إلا أن ظهور هيكتور قرب باب غرفته قد تكفل بإيقافي ..
واضحٌ منه الذهول و هو يصوب ناظريه المثبتتان نحونا..
"ما هذه المهزلة..؟!"

فتحت فمي لأجيبه ،لكنه لم يسمح لي أو لساندي بذلك بل اقترب بخطواتٍ باردة ينظر لي و قد اضطررت لتركها ..
لم أفهم ما يفكر به لكن .. إنه ينظر للجرح الذي ظهر بجبيني و قرب شعري ..
لا يبدوا سعيداً بما حصل ، لكنه اكتفي بقول ..
"أخرجي "

ظللتُ انظر له بغير استيعاب... هل أنا من يتوجب عليها الخروج؟!
هناك شيئ بعقله خاطئ حقاً...
أعادها بحدة نوعاً ما
"قلت أخرجي.."

فخرجت أصفق الباب علَّ هذا يبدي مدى غضبي مما يجري ...
عائلة مجنونة بالكامل ..


**************


*هيكتور*

عدتُ لآخذ لي غفوة راحة لأتجاهل الصداع الذي يلازمني ، صعدت الدرج و أنا آمل أن تكون روجينا أنهت غرفتي .. لا شيئ آخر...
لكني صادفت مفاجأة ، بل صدمة وقعت على رأسي كمصيبة ..
ما هذا ..؟؟!!

شعرتُ بتيبس أطرافي و أنا أرى ذلك المنظر ..
وجه روجينا به خيط من الدماء ، و هي تجر ساندي و ساندي تجر شعر روجينا بيد و بيدها الأخرى تحاول صدَّها و إبعادها ...

كدتُ أسرع نحو روجينا، أمسح ذلك الدم و أستفسر سبب ظهوره تحت صفرة شعرها ، لو لم أتمالك نفسي .. و لا أعلم كيف استطعت التوازن لألا أضعف أمامهما..
كلُّ ما استطعت فعله هو نطق ..
"ما هذه المهزلة"

مبدياً صدمتي ...ذهولي.. رغبَة رمي ساندي من النافذة التي تتواجد بيسار سريري ..
خطوت مقترباً من روجينا ، لا أستطيع رفع ناظري عن جرحها ، قد يبدوا صغيراً لكن الدماء منن سالت حتى أسفل وجنتها ..!!

أمرتها بالخروج ، لتذهب تنضف هذا الجرح و تعقمه ، و أنا سأرى ما بهذه المختلة ..
وجدت روجينا لم تستوعب ما قلت فأعدت حروفي لتخرج ..
كانت إبتسامة الشر تطغى وجه ساندي و هي تنهض ترتب فستانها و شعرها ، و لكن.. ما زالت قطرات حمراء على ملابسها من جرح الأخرى..

خلعت معطفي و رميته على السرير ، لأجلس بجانبه أنظر لها بشزر و استهجان من حظورها: ما سر تواجدك الآن؟..أليس موعد طائرتك قد اقترب ؟..
اقتربت من أدراج مكتبي تفتحها و لسانها يتحدث معي بنبرتها الكريه: أنت تعلم من هو وريثك الوحيد حالياً..أليس كذلك؟

"و ماذا؟"

نظرت لي بعدستيها القهوائتين بثقة غير مهزوزة و لو قليلا: الورقة التي تثبت هذا..أين هي ؟
لم تفاجئني أبدا ًً، فتفكيرها القذر واضح منذ عرفتها ...
اكتفيت بإبتسامة سخرية على حالها المزري و هي تسعى جاهدة لإيجاد تلك الورقة التي يستحيل معرفة موقعها...

لكن تغيرت ابتسامتي بعدما أخذت بيدها تلك التحفة الخشبية..
كيف تجرأ..؟؟!!
رغبت حقا بقتلها و هي تنظر بعينها لتلك التحفة بإستصغار .. كلَّ شيئ إلا هذه..

عضضتً على شفتي قائلاً لها : لا تلميسها بيدك القذرة ساندي .
التمعت عينها لتهددني بها قرب النافذة ، الجو ممطر و الغيوم لا تتزحزح و هذا ما أرعبني ..قد تتلف تحفتي ..

" الورقة أو أنِّي سأرميها.."
نهضتُ أحاول عدم إظهار انفعالي و غضبي، رغم تصارع دقات قلبي المطالبة برؤيتها جثة هامدة قد حاربت عقلي بشدَّة : الورقة ..لا ورقة كهذه لدي ..فما زلت شاباً كما تعرفين ، لم قد أكتب شيئا هو بمثابة الوصية أيتها المجنونة ..؟!

لم تفقد ثقتها بما تجزم به و قالت: لكنك لست متزوجاً حتى الآن ، و ثروتك الهائلة لابد من تثبيت اسمٍ و لو مستعار لها لإغلاق أعين الطامعين بها، و لا أحد غير ماتيوس لديك تستطيع أن تستفيد من إسمه..
ابتسمت بهزل و انا أجوب الغرفة بحذر لكي لا أقترب منها فتنفذ تهديدها لي : اسمعي، من قال أني لم أنو الزواج حتى الآن .. قريباً سيكون لهذا الإرث الهائل خير وريث لا تقلقي زوجة أخي..

تكتفت بغنجٍ تقابلني به لإستفزازي : أنت حقا تظنني بلهاء هيكتور ، لا تقل أنها النمر اللابث لديك.. فتلك الخادمة التي أخذتها من نفايةٍ ما تناسبك حقاً..كليكما حثالة .

تغاضيت عن إهانتها مؤقتاً و قلت و أنا أرفع كتفي بلا مبالاة مجارياً خيالها الواسع: و ما بها؟؟.. أستسيغها، أتزوجها .. هذا شأني على ما أظن..
غضبت و رمت ما بيدها .. فعلتها حقا..!!!!

ظللتُ أنظر لها بصدمة و هيَ تخرج بوجهٍ قد علته حمرة الغضب الشديد و تقطيبة واضحة على جبينها...
لقد رمتها... !

هرولتُ مسرعاً لحيث الحديقة... يجب أن أجدها بسرعة ، قبل أن أفقدها ...ليس مرَّةً أخرى..


*****************


*روجينا*

تجاهلت ما حصل مع تلك الغبية و أتممت عملي الذي أوجبني به هيكتور ، و ها أنا في المطبع أعد الضيافة اللازمة ..
شعرتُ بألمٍ طفيفٍ برأسي لأضع إبهامي عليه لاعنةً حظي الذي قادني للقاء هيكتور و عائلته جميعاً.. إنهم يحتاجون مصحةً عائلية خاصة ...
بالبداية هيكتور و ثم سوزي الشقية و جون و الآن المختلة ساندي...
تاريخٌ مبهر حقاً ..

سمعت ُُ ضوضاءً عرفتُ مصدرها لأخرج .. هاهي المختلة تنزل ساخطة لتخرج، لا حظتني واقفة أنظر لها فغيرت اتجاه خطواتها نحوي ..
لم اتزحزح من مكاني ، بل انتظرتها... أود أن أعمل عرض فلم أكشن ضحيتها هي ..
وقفت قبالتي ...لـ...لتصفعني!!

حسناً، هي البادئة .. كلَّ شيئ إلا كرامتي و هي أدنى من هيكتور بكثير..
بادلتها بالمثل لتشتعل عينيها الحقودتين نحوي : هل تظنين أنك بإغوائك هيكتور ستأخذين أمواله ببساطة..؟!

اه، لقد جنَّت بالكامل هذه المرأة ..
أعتذر، لا أجد ثروته المقيتة أو حياته مثيرةٌ للإهتمام فعلاً ...

لكني رغبت حقاً بجعلها تحترق من الداخل فأجبتها بإبتسامة باردة: حقاً.. ألا تعرفين طبع هيكتور، هو ليس لعبة لأغويه..لديه عقل ،و إن أصبحت زوجته..فأنا سيدة المنزل و لست بسارقة ثروة .. فكري جيدا قبل التحدث هكذا معي... أسكت عنكي فتطاولين، من الأفضل لك الخروج الآن و إلا سترين مخالب النمر الحقيقة بحد زعمك...

لاحظت بعينيها الكثير من الحروف التي ترغب بمهاجمتي لكنها ضربت الأرض بقدمها و خرجت لآخذ نفساً عميقاً من تعب الأعصاب الذي عانيته منذ الصباح..
أردت العودة للمطبخ ،لكن لاحظتُ هيكتور من نافذة طويلة بالصالة المطلة على الحديقة ..
ماذا يفعل تحت هذا الجو الماطر..؟؟!!

يبدوا أنه يبحث عن أمر مهم بهذا المنظر الجنوني ...!!!!
لا أعلم لم أسرعت راكضةً للخارج، لحيث مكانه..بين تلك الزهور التي تقاوم غوارة المطر الهاطل عليها و العشب المنحدر و بين الرمال التي غطت ملابسه و وجهه الوقور ...
و أي وقارٍ أرى..
إنه يقاوم جنوناً زاهرا عليه و هو يبعد كل ما هو أمامه ...
على ما أذكر،فقد كانت حرارته مرتفعة قبل يومين.. فكيف يكون هنا الآن..؟؟!!!

انحنيتُ أمامه أسئله: عن ماذا تبحث هيكتور ؟
نظر لي لحظة سريعة ليجيب و يعاود البحث : لا شأن لك ، اتركيني الآن..
حتى الآن لا يكف عن أسلوبه العفن ... لكن لا أستطيع تركه هكذا ..

أوقفته ممسكة بوجهه بين يدي لأواجه عينيه: قل ما الذي تبحث عنه هيكتور؟..سأساعدك على البحث عنه..
فاجئني تلألؤ عدستيه.. حتى انهمرت دموعه جارية كسيلٍ لم يشأ التوقف ..
هو يبكي .. بحرارة ..

ناطقاً لي حروفاً تحرقه : أبحث عن أمي.. جديها لي..
بلعتُ ريقي و هو يكرر لي : جدي لي أمي روجينا..

أمه!!!..

إنه حقاًّ كطفلٍ أضاع أمه بالضبط.. ما أفعل برجل قد قارب الثلاثين و بدا لي كطفلٍ بالخامسة ..
تحيَّرت..حيرةً لا أفهمها بنفسي..

مسحت تلك الدموع التي مازالت تنسكب عليها قطرات المطر مواسية له...
و طمأنته قائلة بإبتسامة باهتة : لا تقلق .. أعدك أني سأجدها..

ظللنا نبحث يمنة و يسرة بكلِّ زاوية حتى وجدت مجسَّمٌ خشبي بين كومةٍ من الوحل .. أخرجته فوجدته مجسمَّةٌ لإمرأة واقفة.. لا يبدوا أن صانعها بتلك المهارة ..

لكنها بسيطة بساطةَ محب صانعه .. فحتى خطوط الوجه و تعبير العين الحنونة قد أتقنه ، عرفتُ ما حصل فور رؤيتها.. هو لن يجرؤ على رميها هنا و بهذا الطقس ..إنها تلك الساندي ..لقد نجحت بأذيته حقاً...

أوقفت بحث هيكتور بقولي بصوتٍ عال له : لقد وجدتها ..
رفعت ما بيدي ليراها و يأتي بسرعة نحوي ، أخذ ما يخصه ينظر له بتأكد..
تفحصَّها ، شمَّها.. و من ثمَّ قبلها و هو يبكي متأسفاً..!!

و أنا أنظر له.. هل هذا هو الأسد المفترس الذي يحادثني دوماً..
لقد جرني للبكاء .. لقد تذكرت يتمي ..تذكرت أن أمي بمقبرةٍ ما تحت التراب بعيدة عني ..
رفعت كفي بتردد لاضعها فوق رأسه.. لا أعلم ما هو الصواب و ما هو الخطأ.. ما هو الذي سيجعلني أخسر التحدي و ما هو الذي سيربحني ...ما هو الذي سيستغله تاليا و ما سيكون بصالحي...

أعلم أنني في موقف إنسان.. يرى شخصاً حطمه الدهر .. يرى ضعيفاً ينادي والدته في مجسمة صنعها بكفيه..
رأيت طيبةً بعدستيه الخضراوان حتى غرقت بها .. و نبرةٌ من الصدق قد بدت تسمعني
"شكراً لك روجينا"

سقط بعدها.. مغماً عليه...!!
ملامحه الهادئة.. عينيه الباكية.. تجعلني أرغب أن أمضي ساعات بمواساته..
لقد انهك جسده و أعصابه بما يكفي حقا...

لكني لم أشأ لمسه أو ايقاضه...
هو الآن يجعلني أخشى الاستيقاظ من هذا الحلم الغريب ...


*****************

https://j.top4top.io/p_2301mqewp2.png

ساي
09-02-2020, 03:22 PM
https://i.top4top.io/p_2301lofu31.png

البارت 16

بقلم الكاتبة : منار تشان


استيقظ هيكتور على نور أشعة الشمس بتكاسل وجلس على سريره، نظر عن يمينه وشماله فلم يجد أحداً بالغرفة معه...

فقد كانت روجينا بالمطبخ تعد الإفطار ككل صباح...
انتبه للساعة الجدارية التي تواجهه ليرى أنها السابعة والنصف، جلس في سريره الذي فرشته روجينا بلحاف أزرق محاولاً تذكر ما قد حدث لكن ذاكرته قد خانته فعلاً ،أمسك برأسه يتحسس جبينه فقد كان لديه صداع غير محتمل.....

أدار وجهه إلى أن ارتمت عيناه على كنزه الخشبي الذي شكَّله بكيفيه الصغيرتان بالماضي، مجسَّمٌ لإمرأة في الأربعين من عمرها ...
أمسك به و بسمَةٌ حنونة قد غزت وجهه الحنطي الباهت وقد احتظن المجسَّم بحنانٍ كالطفل الذي يحتضن لعبته...

جيِّد أن روجينا وهبته فرصة خلوة الضعف هذه ، فلو تواجد أحد ما كان إلا ليصمت مطيعاً كبريائه ..
لم يدم هذا طويلاً فقد ففوجئ بدخول رالف بعد سماع طرق على الباب يدل على دخول أحدهم ، ظن هيكتور أنها روجينا لوهلة ، لكن حدسه قد أخطأ هذه المرة ،،
علائم الخوف و القلق كانت باديةً على وجه رالف فقرر أن يسأل سيده ليطمئن عليه ...

-صباح الخير سيدي ،كيف حالك الآن؟

تساءل هيكتور" الآن" لما؟ مالذي حصل له ؟لا يتذكر شيئا أبداً على نحو الجزم..فقط لقطات مشوشة ،أجابه بعد دقيقتين من التحديق في الصورة محاولاً تذكر شيئ مهم ..

-رالف، أين هي روجينا ؟

-الآنسة روجينا في المطبخ سيدي

آنسة قال ، ليست سوى خادمة فقيرة ...
امثالها لا يستحقون هذا اللقب حتى..
لكن، بصراحة هذا يناسبها..
مالذي افكر به أنا ثانيةً بحق الله ؟!

لقد بدأت تسيطر على عقلي كثيراً،بل الأسوء أني أصبحت أفكر بها بشكل هستيري ..يوماً فيوم تزداد خشيتي من أن أضعف أمامها يوما ما ، إنتهيت لرالف الذي كان ينتظر مني أن أعطيه أمرا باحضارها ربما وكأنه يشك في شيئ ما ...

أمرته بذلك حقاً، فبذلك سأستفسر منها كل شيئ قد حصل لينمحي هذا التشوش الغير محتمل ...
فروجينا مهما حاولت لن تستطيع الكذب لأني سأكشف كذبها بسهولة ..
خرج رالف مومِئاً بالإيجاب لسيده و اتجه للقبو ظنًا منه أن الكسل قد غلب روجينا و لا زالت نائمة كما تفعل أحياناً...

بالحقيقة هي ليست كسولة ، بل إنها تنسى أن لديها عمل أحيانا ًً ، لا يجب أن تُلام... فهي تتعب كثيراً بالأعمال التي يعطيها لها ذلك المتعجرف..

و فوق ذلك سهرت مدة يومين على راحته لارتفاع درجة حرارته بشكلٍ سيئ جداً ....
نزل الدرج داخلاً القبو المظلم نسبياً، لم يكن هناك حركة بالمكان أو بالاحرى كان المكان كمقبرة يسكنها الأشباح..

كل شيئ كان مبعثراً ، لم يهتم لهذا الأمر بل دخل لغرفة نومها فهي الأكثر أهمية الآن...
فلم يجدها !!

نظر لسريرها خائباً ليهمس لنفسه بعد تنهدٍ ظجِر :حتى غرفتها لم ترتبها ،لابد أنها تاخرت كعادتها .
عرف أنها ستتوجه للمطبخ لإعداد الإفطار للسيد.. فتوجه هناك مباشرة

دخل المطبخ بعد طرق في الباب كي لا يخيفها ، استدارت هيَ الأخرى بعد سماع صوت طرقات الباب..
كانت بأملٍ واهٍ بأن هيكتور قد استيقظ آتياً ليتناول إفطاره،ليزعجها ... و يوبخها .. و قد يذكرها أنها ما زالت تحت سيطرته ...

لكنها تعجبت من رالف...
ظنت أنه سيعطيها لائحةَ الأعمال لليوم لكنه فاجأها بطلبه الذي بشرها بتحقق أمنيتها الخافية بلطف : السيد يريدك بغرفته .

السيد؟!
حقا..؟!!
هل استيقظ؟... وكيف حاله الآن ؟...هل هو بخير؟
هذا ما تبادر بذهن روجينا حينها، لم تحاول سؤاله عن شيئ ، فهي تعرف الإجابة مسبقاً...

رالف شخص منضبط في العمل، ليس مثلها كسولة وتحشر أنفها في ما لا يعنيها بفضولٍ زائد عن حده.. و ما هب إلا لحظات و جميع الإجابات لديها بكل حال..

أومأت برأسها و اتجهت مباشرة لهيكتور ،طرقت الباب وفتحته قبل أن تسمع أي رد من ذلك المتسلط...
فإذا بها تصتدم به وتقع أرضا..!!!

كان خلف الباب مباشرة،
روجينا الغبية ...

كيف لا ترى أمامها وكيف لا تنتظر سماع الإذن منه، لشدة حماسها لرؤيته قد ارتكبت ما قد يكون ضدها ثانيةً..

تحدثت هي قبل سماع كلمات سيدها غير مستوعبة ما جرى قبل دقيقة:يا إلهي متى وضع هيكتور جدارا خلف باب غرفته ؟

انحنى هيكتور دون شعور منه نحوها، فقد كان قلقاً من كونها قد آذت جرحها الماثل بجبينها مما حصل مسبقاً ، نطق بهدوء غير معتادٍ منه : هل أنتي بخير روجينا ؟
تفاجأت منه كما فعل هو...!!

لم يتوقع يوما أن يصل للسؤال عنها عوض صرخة اشمئزاز لكونها لامسته...!
ما هذا الإنقلاب بالحال..؟!؟!

كان هيكتور يفكر ، كيف له أن يصلح الوضع المخزي ... و كيف لا يسأل عن حالها و قد تضررت ضررا أكبر من سابقه بسبب ساندي ...

و مع هذا التضارب ، أسعدته وقفة روجينا بعد هذا متلعثمة :
-أ..أ..أنا بخير الآن..

تنحنح مستعيداً رباطة جأشه :ماذا تفعلين هنا ؟


*روجينا*


مهلاً...
لمَ هذا السؤال ...؟؟!!!
أليس هو من طلبني للمجيئ ..؟!
لا تقل أن رالف اختلق هذا فهذا مستحيل..
رالف لن يختلق أمراً بخصوص هذا الوحش البشري ... ينظر لي ببرود و كأنه نسي فضلي عليه بمساعدتي له و هو في قمة جنونه..

تشجعت وقلت له : ألم تطلبني عندك هنا سيدي؟!


*هيكتور*


سحقاً، لقد أرسلت رالف لإحظارها...
نسيت هذا تماماً..يا للغباء

أجبتها قبل أن تلاحظ شرودي في وجهها البريئ و زرقة البحر بمحجريها الجميلاتان : نعم طلبتك، نظفي غرفتي ورتبي سريري.. وبعد ذلك أحظري إفطاري لمكتبي،أريدك في أمر مهم .


***************


مكتبه!!

" هل سيباشر العمل الآن ؟!
ألا يعي ما حصل له؟؟
و ما هو الأمر المهم ..؟!
هل معقول أن ََّّّ مدة عملي عنده انتهت عنده ؟
لا لا لا لا .... مهما وصل من الجنون لن يكافئني بهذا ...هذا غير ممكن"

بقيت روجينا ، شاردة حتى أفاقها هيكتور منه بذكر إسمها : روجينا، قومي بعملك .

لم تجد ما تقوله فانحنت قائلة بإحترام: حاضر سيدي .

نظرت روجينا لغرفته بتمعن، لم تكن المرة الأولى التي تدخلها و أيضا ليست المرة الأولى التي تُبهر بجمالها وتنسيقها لكنها هذه المرة تشعر أنها ترى هذه الزوايا لأول مرة...
فصاحب الغرفة ليس المعهود.. هي كانت تدخل غرفة من...؟!
هيكتور المتعجرف .. القاسي .. المغرور ... و الآن تقف بغرفة بها قد انحنى يسألها عن إن كانت على ما يرام ..؟!!!!

تود حقاً أن تضرب رأسها تستوعب ما يجري ...
ابتسمت بعد لحظاتٍ من التفكير ببلاهة ، هي حقاً قد استطاعت فعل الكثير... و سوف يرى كم سيتغير حتى لن يعرف ذاته القذرة هذه...
انهت عملها بعد ساعة ٍٍ تقريباً و لم يبق لها سوى ترتيب السرير بعدما نفضت الغبار الذي يتراكم بشكل جنوني بين ساعاتٍ معدودةٍ فقط...

توجهت للسرير و نظرت له نظرة عميقة،،،
فقد تذكرت عندما هيكتور كان مريضاً، و كانت هي تسهر بجانبه
كان يهذي وينادي والدته بين حينٍ و آخر ، إنه حقاً طفل..

هذا ما خطر على بالها قبل انشغالها بآخر ما بقي أمامها من ترتيب تجعدات لحاف السرير الممتثل أمامها...
توقفت يديها..!
بل عقلها عن التفكير أيضا ًً بعدما رأته..!!!
خصلات ذهبية خلف وسادته...!

أحقاًّ هذه خصلاتها أم أنها تتوهم فقط ؟!
أمسكت بها وهي تعرف بحق أنها لها، و بدأت أسئلة أخرى تتقاطر لذهنها كقطرات المطر الذي يأبى التوقف...
توجهت لمكتبه كما طلب منها و الصدمة و الحيرة يعلوان وجهها ...
و عينيها تكاد تدمع..!

لقد اصبحت عيناها كالسماء الزرقاء وهي تمطر لكنها لم تبك ...
فلا يوجد سبب لذلك من الأساس...
وصلت لباب مكتبه وأخذت نفساً عميقاً قبل أن تطرق الباب ، فإذا به يقاطع حركتها و كأنه يعلم أنها من تقف خلف الباب : ادخلي روجينا .

لقد أصبح الأمر محيِّراً ..
لم تعد تتحمل هذا التشوش الذي ينبع من عدم منطقية المجريات التي تعيشها..
سمعت صوت هيكتور يقول : روجينا أين ذهبتي بشرودك ؟! اجلسي..

انحنت معتذرة عن شرودها الوقح هذا ، وجلست بدون أن تعارض حتى ، لاحظ هيكتور شرودها وعدم تركيزها و هو يتكلم فبالأغلب لم تسمع كلمة مما قاله والدليل على ذلك هو استجابتها البطئية لسماع اسمها المتكرر منه...!
"روجينا..روجينا ...روجينا"

قبل أن ينطق إسمها لآخر مرة ضرب المكتب بقبضته دالاًّ على نفاذ صبره ، بدى في تلك اللحظة الخوف على وجه روجينا... اختلطت المشاعر كلِّها ،،،
حتى أنها لا تعرف كيف تخرج نفسها من هذا الموقف الذي أقحمت نفسها به ، وقفت معتذرة منه وقد جرت و الدموع تنزل من عينيها كاللؤلؤ المتساقط ..!!
لقد بكت و هي من كانت تمتنع عن اظهار الضعف لحظةً أمامه... رغم أن حروفه لم تكن تستدعي رد الفعل هذا ..!!

تفاجأ من ردة فعلها ، أهي حساسة لهذه الدرجة؟!؟!
ما الذي يحدث معها ؟!
ولما تتصرف هكذا..؟!

لم تكن كذلك في الصباح ..
هل معقول أنها...!


https://j.top4top.io/p_2301mqewp2.png

ساي
09-02-2020, 03:57 PM
https://i.top4top.io/p_2301lofu31.png

البارت 17

بقلم الكاتبة : Freeal


أيُعقلُ أنهُ جرح مشاعرها بطريقةٍ ما ؟ لكن لما هو يهتم اذا جرح مشاعرها ، لقد سبق و فعل الأسوء و هذا لاشيء ، قال بنبرةٍ ساخطة :

" روجينا ! أنا أتحدث اليكِ ، كيف تجرأتي على تجاهلي وأنا .... ؟
أوقفت كلماتهُ حين بدأت تشهق و تمسح دموعها بكم قميصها الأبيض محاولة التوقف عن البكاء : " أنا أعتذر سيدي ! "

حدق بها بحدة وهو يُحاول صياغة تسائلاته في سؤالٍ مفيد ، أرادها أن تتوقف عن ذرف المزيد من الدموع و التي بدت له كشظايا ثلجية متكسرة !

تاهت خضراوتاه في مراقبة تلك الخطوط الزرقاء المتوسطة في عينيها البحريتين ، يكاد يقسم انه رأى الامواج تسحبه لمحيطٍ هادئ ! :
" هذا يكفي ...... لقد بدأتُ اضجر منك ! "

رفعت حدقتيها المتوسعتين تحاولُ انتشال استفسار لتفهم ما يعنيه ، هيكتور يتصرف بغرابة ! اخذ نفسًا عميقا وهو يقول :
" روجينا ، ما الذي حدث خلال اليومين السابقين ؟ "

أنزلت رأسها لتستعيد سلسلة الأحداث التي حدثت معها ، ثم مسحت ما تبقى من دموع وهي تجمع شتات نفسها :
" لقد كنت محموما ! "

لقد اثبتت له أنها غبية ! هذا أول ما طرأ في خاطره لينظر لها مطولا ماذا ستضيف ، أكملت حين شعرت بموقفها الغبي :

" لقد غادرت ساندي حين هرعت للحديقة ... و ارتفعت حرارك مجددا ، لقد بقينا أنا و رالف نراقب حمتك نحاول اخفاضها ، جاء طبيبك الخاص مرتين
و طلب نقلك للمشفى لكن رالف رفض ذلك ، قال أن ذلك سيغضبك .... و أيضا جائت ساندي مجددا لكننا لم نسمح لها بالدخول ، و ....
و أعتقد أن هذا كل شيء ! "

لقد كان ذلك سريعًا جدًا ! لم يتوقع أن تتكلم كل هذا دفعة واحدة ! و بدت صادقَة له فطريقة سردها البلهاء وذلك القلق المرسوم على وجهها اثبتا ذلك !

رغم انه لايزال يشعر بدفء لمساتها على يديه لكنه لم يستطع الاقرار بذلك .... و تلك المشاهد التي بدت له كحلمٍ او هلوسة بقيت تزلزل تفكيره ......
" أهذا كل شيء ؟ " قال وهو يضيقُ عينيه الخضراوتان ....

لقد ظنت أنهُ يختبرها بطريقةٍ ما ، أومئت برأسها لتضيف بعدها " اجل سيدي ! "

أمسك بذقنه و هو يفكر بعمق ، رفع نظره لتتلاقى عينيهما فجأة ، : " هذا يستدعي مكافئة ! "

توسعت حدقتاها على اوسعهما ولكنها لم تستطع ايقاف دموعها المنهمرة ، لم يغب عن بالها أمر الخصلات التي وجدتها تحت وسادة هيكتور ،
مع أنها كانت واثقة أنها تنتمي اليها ، الى أنها لم تستطع صياغة أسألتها له ! فقررت ترك الأمر لوقتٍ آخر ، لتقول بصوتٍ متقطع و هي تعض على شفتها السفلى :
"م...ك...افئـ..ة ؟ "

استغرب هيكتور من نفسه ، لم يكن هذا ما يبغي قوله ..... انما لم يستطع ان يسأل عن تفاصيل ادق ! أعجبته الفكرة حين طرأت في باله
فكرة شيطانية فأسفر ثغرهُ عن ابتسامةٍ متمردة : " روجينا ! هل تقبلين دعوتي للعشاء ؟ "

كسى الصمتُ جو المكتب لحظات قبل أن يُدركَ هيكتور نفسه فوالاها ظهره ! ففتحت روجينا فاهها مُعبرة عن عدم تصديق ما سمِعتهُ من الجبل الجليدي ،
السيدُ المُتجبّر صاحب العقدة الدونية لأمثالها ! لم تفتح بنس شفتيها ، كانت تنظرُ لينفي ماقاله وهي تنظر لأكتافه العريضة مطولًا .....

" سيد هيكتور ؟ ما هذه الدعوة المفاجئة ؟! هل ضربت رأسك هنا أو هناك ؟!!!!! "

التفت نحوها وضرب الطاولة بقوة : " أيتها الغبية ! كيف تجرئين على قول ذلك ؟ "

تراجعت بحذر " لايمكنك أن تلومني ، فلطفك مفاجئ جدًا ! اعتدت السب و الشتم و الرفس ، لكن لطفك مرعب ! "

صك على اسنانه قائلا بغضب : " من اللطيف ؟! اتعلمين انسي المكافئة ! "

" أنا أعتذر ، لم أقصد ذلك سيدي ! هات مكافئتي لكن لاترعبني بلطفك !... "

والاها ظهره ليخفي ابتسامتهُ عنها ..... نوعا ما هذه المشاحنات الصغير ممتعة له ! هو كطفلٍ مشاغب يحلو له اللعب بالعابه المفضلة

وقد أصبحت هذه اللعبة -روجينا- ، لعبته المفضلة .... :
" اعتذار مقبول ، لكن لا تظني أني نسيت ما بقي عليك من دين ! "

بقيَّ يواليها ظهره ليخفي ملامحهُ عنها ، فقد كان عاجزًا على مواجهة نفسه ، لم يشأ أن تهتز صورة كبريائهُ أمامها .....

حتى ان كانت آخر انسانة على وجه الأرض ! قال و هو ينظر لخارج النافذةَ أمامه : " روجينا ، شكرا لما فعلته ، سأقدرهُ لك ! "

تشبثت بقميصها كأنها تحاولُ انتشال قلبها من محله لتوقفهُ عن الخفقان ! كيف يُمكن لاحدٍ أن يرفض دعوةٍ مُرفقة مع ابتسامةٍ صادقة ؟

بطريقةٍ ما ترائت لها ابتسامتهُ حتى وهو يواليها ظهره !
مَدَت يُسراها نحوه كما لو كانت ستتجاوز كُل تلك المسافة بينهما ، ارادت أن ترى تلك الإبتسامة مجددًا ، مرةً واحدَة فقط ستكفي !

قالت بصوتٍ مخفض و بتردد:
" اذا كُنت جادًا .... أقصِد ... أمممم .... أنا موافقة ! "

أدار بجسدهُ نحوها محاولًا استيعاب كلماتها ، لقد كان مستغربًا و سعيدًا لكن لم يظهر لها أيهُما ، .....
انتظري يا روجينا سأجعلك تعترفين بنفسك !


*******


بقيت روجينا تنظرُ لإنعكاسها في الصحن المُلمعِ بين يديها ، لقد لمعتهُ جيدًا ! اخفت وجهها به وهي تقول لنفسها :

" تبًا ! ماذا دهاك يا روجينا ؟! ماذا لو كانت خدعةً منه ؟ ماذا لو كان يحاولُ اذلالي بمكانته و تعييري بمستواي المتدني مقارنُة به !!

لن استغرب اذا جعلني اعدُ العشاء لنا ، فقط لإذلالي ! اتوقع اي شيء من السيد مُتكبر ! "
أخفضت الصحن تنظرُ لإنعكاسها مجددًا ، وهي تستعيدُ ذكريات الليلة المسبقة .....


******


كان هيكتور محمومًا للغاية و لليلة الثانية على التوالي و .... بقيت تبذلُ جهدها لإخفاض حرارة جسدهُ بالمناشف المُبللة ....

تحرك هيكتور وهو يُزيلُ المنشفة عن جبينه والأخرى عن صدره ، لينهض .... حاولت ايقافه عن التحرك متحججة - بأنهُ لا يفيدُ صحته - ....

شعر بالضيق لأنها تعترضُ طريقه ، فأبعدها بدفعها بكفهُ الواسع لتقع على الأرض بجانب السرير ونهض عن سريره بصعوبة وكاد أن يقع
فوقها لصعوبة المشي .... لكن روجينا نهضت بسرعة مستعملة كل طاقتها لتمسكهُ و تُسندهُ على كتفها !! سألتهُ بملامح قلقة :
" هيكتور أأنتَ بخير ؟ تماسك ! " لم تستطع إلا أن تقلق عليه !

أسند برأسه على كتفها الأيسر ليهمس بصعوبة بالغة وعينيه الخضراوتان شبه مغلقتين : " الى الحمام ! "
لم تستطع مناقشتهُ فحاولت حمل جسدهُ الثقيل بأكتافها الهزيلة و بصعوبة أدخلتهُ الحمام وفتحت الدُش لتمتص المياه الباردة حرارتهُ ....

تبللت كثيرًا جراء ذلك لكنها لم تهتم فقد كانت تُركز كل طاقتها في حمل ثقل جسده .... أغلقت مجرى المياه الباردة فاتكأ على كتفها الأيسر
مقتربًا من اذنها ليهمس بصعوبة : " شكرًا لكِ روجينا !! "

لم يتسن لها الإستغراب كما يجب فقد دخل رالف مستغربًا من منظرهُما الغريب ، لم يكن ليتخيل من فتاةٍ هزيلة أن تحمل رجلًا بوزنِ هيكتور !

حملَ جسدهُ من الجانب الآخر و وجه كلامًا صارمًا لها : " مالذي تظنين نفسكِ فاعلة ؟! لما لم تُناديني لمساعدتكِ ؟! "

تنفست الصعداء بعد أن شعرت بحملِ وزنِ هيكتور يخف من على كتفيها و قالت مُدافعة عن نفسها : " ما ذنبي ان كان هيكتور عنيدًا ؟ "

قطب حاجبيه بلا حيلة هو يعرف سيده ، وجه نظرهُ بعيدًا عنها : " جففي نفسك و غيري ثيابك قبل أن تُصابي بالبرد ! "


*******


كانت صدى جملة هيكتور تتردد في عقلها ، " شكرًا لكِ روجينا !! " كانت تلك ثاني مرة يشكُرُها هيكتور في يومين و اليوم شكرها للمرة الثالثة !

ظنت أن ذلك بسبب الحمّى و لكن ..... قبل قليل وفي مكتبه ..... لقد كان صاحيًا بكل وضوح ! التفكيرُ بذلك رسم ابتسامة بريئة على شفتيها !!

لكنها لم تدرك ذلك ...

اقترب رالف من خلفها ، فأفزعها بمناداة اسمها .... كاد الصحن أن يقع من بين يديها لكنهُ أمسك به بسرعة ، ليقول بلكنةٍ مُعاتبة :
" روجيينااا !! ، أين عقلكِ ؟ أتودين أن تعاتبي بدل المكافئة ؟! "

نظرت لهُ ببلاهة و هي تُخاطبهُ في سرها " ألا يكفيني سيدُكَ المجنون ؟! أتيت تُكملها علي ؟! " وحين ادركت ما قالهُ لها اجابتهُ مستغربة و بصوٍتٍ حاد :
" المكافئة ؟! "

ابتسم رالف وهو يقول : " قال السيد انهُ يريدُ أن يُكافئكِ للوقوف معه اثناء مرضِه في اليومين الماضيين فقرر أن يدعوكِ للعشاء خارجًا ، فوافقت !
الم توافقي على دعوتهُ لكِ ؟! "

أجابتهُ ببلاهة تامة : " و ليكُن ؟ "

استفزتهُ ردة فعلها فانفعل قليلُا على غير العادة : " ولما تظنين اني أحملُ هذا ؟ "

مدهُ أمام وجهه ليترائى لها ثوبٍ لازوردي بلا أكمام ذا تنورةً واسعة يتدرج لونهُ عند حوافها الى الأبيض ، مع زينة فراشة عند حمالات الفستان ،
بدى لها جميلًا للغاية !

اخذت الفستان منه لتُقربهُ من جسدها غير مصدقة وهي تتصورُ نفسها ترتديه ، كان قصيرًا لكنها لم تهتم ، فقد كانت سعيدةً به !
وقد رأى هيكتور سعادتها من خلف شاشة المراقبة على مكتبهُ ... ابتسم غير مدركً لنفسه و أطفئ الشاشة حين لاحظ أنهُ اطال النظر لها !

خرجت روجينا وهي ترتدي الثوب بعد أن اعتنت بنفسها جيدًا و ساعدها رالف لتتزين ! هذا الرالف ماهرٌ في كُلِ شيء وهذا يفسر تمسك هيكتور به !!

جلست في الخلف بجانب هيكتور والذي بدى انيقًا أكثر من العادة ! فالبذلة الارماني* السوداء تليق به و تجعلهُ يبدو مُهيبًا ......

بقيت صامتة تُحاولُ تصديق أن هذه ليس نوعًا من الخطط الشيطانية لإذلال الخادمة من حثالة المجتمع كما يعتبرُها هيكتور .

تذكرت حين قال لها رالف عن ما يجب أن تفعلهُ في المطعم لكي لا تُحرج السيد هيكتور ، هي ليست غبية لهذه الدرجة سبق و راقبت الكثير
من الآنسات وهن يتصرفن برُقي في المطاعم التي عملت فيهم .... هي ستفاجئ هيكتور لن تسمح بأن يستصغرها بمكانتها !

توقفت السيارة و نزلت روجينا بكعبها العالي مستندة على يدُ رالف ، كان المشي بالكعب تحديٍ اعظم من ما تعتقد ان هيكتور يخططهُ من أجلها ....

همس رالف في اذنها سرًا : " السيد هيكتور يعتز بمن يعتز به ! فلتعتزي به ولن يتخل عنكِ أبدًا "

قال ذلك و عاد ادراجهُ ليستوي هيكتور بجانبها ، رفعت رأسها لتجد نفسها أمام المطعم خمسة نجوم الذي طردت منه قبل لقاء هيكتور !

تراجعت لتعود للسيارة رافضة دخول المطعم ، لكن رالف كان قد أخذ السيارة وتركها مع هيكتور ! تجمدت غير قادرة على التقدم او العودة
كأنها التصقت بالأرض ، تتمنى أن تنشق الارض و تبتلعها الآن ..... في المرة السابقة كان رالف هو من جاء بها الى هنا ، لكن الأمر مختلف الآن !

فقد أحضرها هيكتور بنفسه ولمكافئتها ! بقيت متسمرة بمكانها وهي تُمسك طرفي فستانها بحسرة ! ماذا مع هؤلاء و هذا المطعم بالذات ؟
بين ملايين المطاعم في هذه المدينة الكبيرة ، لما تجد نفسها في الموقف نفسه ؟ دائمًا تعود لنقطة البداية ، كأنها تائهة في دوامةٍ زمنية ....

بقي هيكتور ينظر اليها مٌتجمدة ، ظن أنها غير قادرة على المشي بسبب حذائها ابتسم بشقاوة على موقفها بفعل العادة ، ولكن تمسكها
بفستانها بتلك الطريقة اثار ريبته فمد يدهُ بعد نفاذ صبره و جرها من يديها بهدوء : " لم نأتي لمشاهدة المكان ! أعرف أنه جميلٌ جدًا ....
لكننا هنا لنحضى بعشاء راقي ! "

تقدمت معهُ ويدُها محبوسة يده الواسعة ، فاقدة القدرة على الرفض او التراجع .

تقدم مدير المطعم ، ذلك العجوز الجشع وهو يُسلكُ ابتسامات مزيفة لهيكتور قائلًا : " يا أهلا بالسيد بلاديمون ..... يالهُ من شرفٍ عظيم ان تزورنا !
تفضل فأفضل موقع في المكان شاغر ! يا مرحبًا ، يامرحبًا بكَ سيدي .... "

تقدم هيكتور بكل ثقة نحو افضل مكانٍ في المطعم بلا حجز ! و نظرة القوي المنتصر تعلو محياه ، كان الزبائن ينظرون له باعجاب و يخطفون
نظرات له وهو يسير ممسكا بيد الفتاة التي بدت آية في الجمال برفقته !

بقيت روجينا تُطئطئ رأسها حسرةً على موقفها الذي حسدها الآخرون عليه ، سخرية القدر ! سحب المدير الكرسي لها و ساعدها على خلع
المعطف الأبيض الذي يصل لفوقِ ركبتيها حيث تتجلى نهاية الفستان ، ووضعهُ على الكرسي المجاور لها ..... لم يتعرف عليها ابدًا ، بالتاكيد
هو لن يفكر أن الآنسة الواقفة امامهُ قد تكون نفس التي اهينت وطردت ظلمًا من المطعم !

كان هيكتور يجلس وهو يضع رجلًا فوق الأخرى و ينظرُ لروجينا مظلمة الملامح ، نظر بشكوكية نحوها ، بدت له تمامًا كما وصفها رالف !

هي رفضت دخول الطعام و كانت تبدو منزعجة جدًا ، كان ذلك أهم اسباب اختياره للمكان ، لكشف سر هذا الإنزعاج المرسوم على وجهها ! طبعا
الى جانب شكرها على الأعتناء به ! وبعد ذلك يحل العذاب على خادمتهُ الفقيرة !

" روجينا ! هذا العشاء على شرفكِ ! انها طريقة تعبيري عن الإمتنان الشديد لما فعلته من أجلي في الأيام الثلاث الماضية ! "

استعادت روجينا ما همس به رالف قبل قليل " السيد هيكتور يعتز بمن يعتز به ! فلتعتزي به ولن يتخلى عنكِ أبدًا " ابتسمت له ابتسامة باهتة

وهي تقول " وهو أكثر من ما اتمنى ! "

استغرب كلامها ، ولم يفهم كيف تفكر هذه الفتاة ! - تناول العشاء مع سيد غني في مطعم خمسة نجوم – الا يفترض ان تلك قد تكون امنية أي فتاةٍ عادية ؟!
لكن روجينا ليست فتاة عادية ، فقد قاست ما يكفي لكي لا تفكر بمثل هذه الأماني الجميلة !

" الم يعجبكِ المكان ؟ أنهُ أفضل المطاعم و المفضل لدي ! "

نظرت حولها تجول بذكرياتها و تعلقت نظرها بتلك الطاولة اللعينة و كست ملامحها غيم حزنٍ كثيفة لتجيب ببحةٍ خانقة :
" نحنُ نُولد في عالم لا نختار نوعه ليكون عالمنا* ولا نحلمُ سوى بسقفٍ يأوينا من برد الشتاء وخبز يُشبعنا ! هيكتور ؟! أخبرني من الأسوء
الفقراء أم الفقر ؟ ماذنب الفقراء و وحش الفقر يدقُ أعناقهم !؟ ربما بعض الفقراء يدفعهم بؤسهم للخطأ ولكن ما ذنب الطيبين منهم ؟ لا
اخفي عنكَ حتى أنا أتمنى أن اتجرد من بؤسِ حياتي ولذلك اكد بدمي يوميًا للتخلص منه ... ! "
كانت كلماتها تصفعهُ كلمةً كلمة .... انعقد لسانهُ من اجابة تسائلاتها ، وبقيت تصدعُ في رأسه غير قادر على تجاهلها - من الأسوء الفقراء أم
الفقر ؟ - لم يسبق له أن فكر بتلك الطريقة ! كل ما كان يعرفهُ ، هو انهُ يحتقر الفقراء لأن أحدهم قتل والديه !

بقيت عيناهما متشابكة ، غير قادرين على انتشال انفسهم ، لتتصارع باحثة عن جواب يشفي غليل تسائلاتهم ! نهضت روجينا بهدوء لتقول له بثقة:
" اتعلم لم احلم بارتداء ثوبٍ جميل او أن اتأنق كآنسة جميلة عديمة الهموم ، في حياتي كلها ! شكرًا لمنحي الفرصة لتجربة هذا الشعور الجميل !
لكن .... كرامتي لاتسمح لي بأكل لقمةٍ واحدة في المطعم الذي ظلمني و أهينت فيه انوثتي . من أجل بضع سنتات "

نهض هيكتور مصدومًا لما سمعه ولفت انتباه الجميع ، صر على اسنانه غاضبًا لما سمع و بدأت شياطين الغضب تعبث بافكاره !

تقدم نحوها و اخذ معطفها وهو في قمة الغضب غير قادر على اتخاذ قرارٍ سليم أمسكها من يدها و سحبها مغادرًا المطعم الذي كان يومًا ما جميلٌ في عينيه ....

ما ان خرج من المطعم حتى وقف مقابلها ليغطي اكتافها بالمعطف بين يديه وكان الصمت سيد الموقف . .

https://j.top4top.io/p_2301mqewp2.png

ساي
09-02-2020, 04:03 PM
https://i.top4top.io/p_2301lofu31.png

البارت 18

بقلم الكاتبة : وردة المودة.

لم يستوعب هيكتور بدايةً سر كلماتها المفاجأة رغم أثرها القوي به ، إلا بعد آخر ما كشفته بين شفتيها الكرزيتين...

لقد اكتشف ما كان يبتغي بمجيئه هنا ، لكنه لم يتوقع أن يكون ما يسمع سيغضبه إلى هذه الدرجة !!
قال لها أن تتبعه بهدوء و قد فعلت ذلك بعد إيماءةٍ راضية بما وصل له الحال بخروجها ، و لو كان موقفاً غير محبذ .. إلا أنه افضل من تجاهل كرامتها ، فها هي تعمل بذل لحفظ هذه الكرامة و رفعة شأنها بعد تحطيم كبرياء هيكتور...

استقل هيكتور مقعد القيادة لكونه أمر رالف بالرحيل لأمور ٍٍ أخرى، و بدأ يبحث عن مقر راحةٍ آخر، فاستغلال حيلة الهديةهذه ، تحتاج اعتذاراً فعليا و تعويضا عن تحطيمِ أعصابها...
كانَ ينظر لها بين لحظاتٍ متقاطعة ، ملاحظاً بقاء أثر الإنزعاج عليها و قد أسندت رأسها على الزجاجة يمينها تنظر للخارجِ بشرود ...

المعطف الناصع قد زادها إشراقاً وملامحها الهادئة جعلت السكينة تعكس نفسها بداخله لينسى ثوانٍ عمق المصائب التي حلَّت و تحلُّ عليه...
لم يتصور أن تلك الثواني القليلة ستقوده إلى نتيجة غير متوقعة ، بعدما تفاجأ بشاحنة قد ظهرت أمامه ..!

بدت روجينا بقمة انفعالها و هي تشير له بالابتعاد و لسانها يتحرك بسرعته القصوى منتهياً بصرخة : هل أنت أعمى؟؟..ابتعد عنه ، سوف نهلك...
اكتفى بإدارة المقبض بكلِّ قوته شمالاً ليكون بالطريق الصحيح : اصمتي ..

انتهت ثواني القلق تلك لتبدأ دقائق الغضب ، و كلاهما يقفان بجانب سيارته المرفهة التي تلقت ضربةً جانبية أودت بجانبها الأيمن بخسائر فادحة .. و حتى الباب ...

قد سقط بعد مقاومته ذلك الاصطدام ليضرب هيكتور وجهه بكفه لهيبة الأمل التي تواجهه و هو يشتم نفسه و روجينا سراً...

لم تكن بعيدة عن أجوائه ، فها هي تضربه على رأسه لينتبه لها و تخرج غيضها به : أنت أحمق ، لكن لم أكن أعلم أن بنظرك خطب أيضا ًً... كدنا نودع هذه الحياة بغبائك..

ردَّ عليها بدوره منفعلاً : لو لم تكوني بجانبي لما حصل لعيني خطب ما بزعمك روجينا.
أطلقت عنان قدميها لتضرب الأرض ساخطة : و ما علاقتي بعينيك؟..لو كنت أعلم أنك كنت تصوبها نحوي لاقتلعتهما..

تأفَّف معلنا لنفسه الاستسلام حالياً و هناك سائق ذو لحية كثيفة يقف على بعد أمتار ينتظر وصول شرطة المرور لأخذ حقه، فترك روجينا خلفه ليذهب نحو ذلك الرجل الكهل... و ما أن اثترب حتى نطق الآخر : لا تظن أنك ببعض التوسلات ستفلت بجلدك، قف بصبر كفتىً جيد .

" خمس مائة دولار ، أظنها ستعوِّض الخسائر و سوف تزيد..ما رأيك"
هذا ما قاله هيكتور ببرود لتتسع إبتسامة شقاءِ و رضا من صاحب الشاحنة التي لم تتلقى ضرر جدي بالواقع : تعرف كيف تسعدني .. يعجبني هذا .


***************
***************


خرج الإثنان من مركز اصلاح السيارات ، كانت الجدية هي مرافقهما الثالث حيث سألت روجينا : و ماذا ستفعل الآن؟
اجابها و هو يتقدم قدماً بخطواته الكويلة نسبة لها لتركض هي خلفه : سوف نستقل سيارة أجرة و نكمل ما بدأناه، إن عدنا للمنزل فانسي المكافئة..

صرخت خلفه و عينيها تجيب بأكثر من لسانها السليط : و كأن المكافئة هذه بقي منها ما يسر ..
وقف مكانه ينظر خلفه : ألا تجدين نفسَك قد تماديت بحديثك كثيراً اليوم آنستي الصغيرة.. لا تنسي أنك لست سوى قمامة التقطها لتكون خادمتي .

عضَّت شفتيها و قد بلغ ما نطق عمق مشاعرها لتجرح مرَّةً أخرى ، لها فرصة أن تهينه كما تشاء وتهرب في هذا المكان ..ليس بالعسير عليها..

لكنها أتعبت نفسها بتحديه كل تلك الفترة لتظهر له خطأ أفكاره المشينة هذه.. و هذا ما جعلها تتنفس الصعداء لتدخل الأكسجين رئتيها و هي تنحني له : أعتذر عن وقاحتي سيدي الشاب ، أعدك أن لا تتكرَّر هذه الحماقة .

ابتسم لما يرى، توقع ردة فعل مختلفة بالواقع،، و هذا ما كان يستهدف حيث أنه يرغب بأن يريها كم من المذلة رأى.. وكم من إهانة قد تلقى...

في الحقيقة هو كان سيقول لها أن هذه الجملة إحدى ما كان يتردد على مسامعه الصغيرة يوماً ، لكنه صمت مكتفياً بتبجيل احترامها له ليمضي بصمت ...
و هي تتبعه بسرعة لكي لا تفترق عنه لسرعة مشيه...


****************
****************


أخيراً بعض الراحة التي امتزجت مع الموسيقى الكلاسيكية الهادئة ، و لا صوت ينغص عليهم هناء أكلهم بعد كل الجوع الذي ازداد مع الفترة الماضية ...

حتى أصوات بعضهم البعض ، و هذا ما كان حتى سألت روجينا سؤالاً حساساً لجليسها...
" هل ستترك أخاك هكذا ؟..الأطفال لا ذنب لهم بما بينكم من حرب صامتة.."
بالكاد استطاع أن يبلع اللقمة التي بفمه ، فقد كان سؤالاً في الصميم و هو للآن لم يجد الإجابة المناسبة ..!!

أخذ كأس الماء الذي ملئته روجينا و قدمته له ، و بعد أن هدأ أجابها بما توقعت : هو من رحل و لم أجبره على ذلك ... هو فقط يستمع لكلام تلك الأفعى.

لم تكترث لمراوغة كلماته التي تود إلقاء كلِّ الذنب على غيره ، لإراحة ضميره المتقوقع بسباتِ الغفلة و وجهت بؤبؤيها البحريان نحو عدستيه مباشره : أنت تعلم أن أقوالك هذه لن تفيد بشيئ ، حتى و إن كان الجميع مخطئ و أنت المصيب .. فهذا الوضع الذي خلقتموه غير صائب ... أنتما إخوة، هل تفهم هذا ؟؟
أغلق عينيه ليبتعد عن تأثير نظرتها التي تكاد تسحره ..بل سحرته، و نطق ممتعضا من جانب شفتيه بخفوت: ستقتلينني قريباً يا فتاة ..

أعاد فتح محجريه الحائرين ليجيبها بثقة: هو من تخلَّى عني ، عندما رحل عنا .. عندما عاد لطفل مكتئب يحتاج بعض الصبر .. و الآن أيضا.
كلماته واقع ، لكنها خاطئة ،فالتعبير خاطئ جداً...
و الفهم غير صائب بتاتاً...

فبدأت بمحاولة إقناع شبه يائسةٍ منها له : تخلى عنك ... !! ، أعد ذاكرتك للوراء... ألم يذهب للعمل في ديار غربة لجمع ثمن يساعدكم على الحياة السهلة ... ؟! ...ألم يأتيك بعد فقد والديك ليكن كل عائلتك و أنت دفعته للوراء خلفك ... و الآن ألا تحتفظ بذاكرتك الصَّدِئَة أي ذكرى عن أسلوب تعاملك السيئ لأخيك و ظنونك الواهمة به..؟؟؟!!!

أنهت كل حروفها التي صاغتها بشكلٍ مؤثرٍ حقا لينطق ببضع كلمات ألجمتها : هل أراني بعض العزة..ام سبب لي العزة ...
تبًّا لعقدة المعزة تلك ... لقد سبب له ماضيه الأسود عقدَةً يصعب تعديها..
فكبرياءه المتعالي الذي تراه روجينا ليس إلا سلاح كونه هيكتور الغني ذو الجاه و المكانة ،فكيف سيجده خطأ؟؟!!

تذكرت ما قاله لها رالف عند وصولهم ...
أنه يعز من يعزه و لا يتركه ، و هذا بالضبط ما يفتقر إليه...
لم تتحدَّث بعد ما سمعته و بقيت تفكر مليًّا كيف تجعله يرى العزة في غير الكبرياء .. فعندها ستحل كل مشاكله...


*************
*************


السوق ..


دواء لا منازع له لروجينا كأغلب النساء ، فرغم أنها تعرف ان كلَّ فضلٍ من هيكتور ليس بالمجان حتماً
إلا أنها لم تستطع بتاتاً أن تردع نفسها عن هذا الدلال الذي لن يحصل بيومٍ آخر...

و لهيكتور ذوقٌ جيد بكل شيئ ، الملابس.. المجوهرات ..النظارات الشمسية ...

و بالنهاية بعد كل ذلك المشي ، أجبرته على أخذ صورة فورية ..التي بدى بها كالأحمق غير المتزن لمعارضته..!!

كان يوماً شبه مثالي رغم مشاكله و معاركه
لكن...
دوام الحال من المحال
فبعد ساعاتٍ من المرح لروجينا الذي جر هيكتور لتجاهل الوقت لأجله
عادا ليستقبلهما رالف لدى الباب منحنيا لهيكتور مبدياً خبره : سيدي ، السيد جينيفر ينتظرك بغرفة الضيوف يرغب بالحديث معك.


**************
**************



*روجينا*


شعرتُ بشحوب وجه هيكتور بعد سماع اسم الضيف ، بدى لي غير مرغوب ٍٍ به في الواقع...
لكنه اعطاني معطفه و اللحن الجدي منه طاغٍ عليه : جهزي له بعض القهوة الداكنة ..

أكمل بعد نظرة جدية حادة لي و كأنه سيلتهمني : فقط.. لا تزيدي أي شيئ .
"فهمت"

قلتها و توجهت للمطبخ فوراً لتحضير تلك القهوة ، و لا أعرف لم قد اعتراني الخوف من نظرة هيكتور أكثر من كلِّ مرة ..
فعينه لم تحمل غضبا أو انزعاجا أو حتى حقداً ..
لقد حوت إبهاماً شرساً ،و كأنه أسد مهاجم بعد حكمة ..

آه... بالضبط كأسدٍ بعرينه..
ربما هو هكذا في أعماله التجارية لعدم ثقته بأحد...
أنهيت ُُ القهوة و وضعتها بفنجانٍ حلبي اللون ، و بعد تجهيزي للذهاب نحو مقصدي ..
سمعتُ صوتَ الهاتف...
كان هذا قابضاً لقلبي دونَ إنذار، فمن يتصل بهيكتور المنعزل ..؟؟؟

توجهتُ حيث وضعت السماعة اللاسلكية الرمادية و رفعتها : منزل السيد هيكتور بلاديمون، هل أخدمك بشيئ ؟؟
لم أشعر بشيئ إلا و قد سقط الفنجان من يدي ... !!

ما الذي يقوله هذا الشقي ؟؟!!..
هل يود قتل عمه بما يقول ..؟؟!!

ألم يكفه ما فعلته أمه...!!
لا ، طفلٌ مثله لن يكون بهذا المكر و الخبث .. بكاؤه صادق أيضا ًً...

لكن....

أنا كيف لي أن أخبر هيكتور بانتكاسة أخيه هذه..؟!

https://j.top4top.io/p_2301mqewp2.png

ساي
09-02-2020, 04:17 PM
الفصول قد تم تحريرها من قبلي ..
إذا كنت تريد الإكمال تفضل هناhttps://woonder-land.com/vb/showthread.php?t=2211
لتضع ردك حول التتمة
.

lazary
12-12-2020, 11:05 PM
https://i.top4top.io/p_2301lofu31.png

إعادة تنزيل للفصل 19



استدرت لرالف الذي نهرني بصوتٍ خافت لا يخلوا من عتاب غضب ،،
" ماذا يحدث معك؟!..
لماذا تصدرين الضجيج الآن ؟؟..و كأنك لا تعرفين أن السيد يحب الهدوء، خاصة أن لديه الآن ضيف مهم، كيف تكونين بهذا الإهمال؟."

تجاهلت كلماته الغير منطقية لي ، وكأنني اتقبل ضيوفه يوميا و هذا الأول منذ قدومي ،،
ما يشغل بالي حاليا هو كيف أخبرهم بالذي سمعته من الفتى؟ كيف سأخبر هيكتور... لحظتها ظهر هيكتور خلف رالف بعينيه الساخطة لتأخري على تقديم الضيافة ، تقدم و وكزني من كتفي لأتألم وأتراجع للخلف وزمجر علي كالأسد قاتلاً ذلك الهدوء الذي أراده رالف ،،:لماذا دوما تكونين بهذا الغباء؟ ما الشيء التافه الذي جعلتِ الضيف ينتظر قهوته بسببه حتى الآن؟؟
حاولت لملمة كلماتي متشجعة لإخباره : سيدي لقد اتصل ابن أخيك يقول....

رأيت ظلاماً اكتسح ملامحه وجموداً بوجهه زاد ترددي و سألني ببطء حذراً مما سيسمع : ماذا قال؟
أكملت بتردد وشفقة عليه لعلمي بكذبه على نفسه بعدم أهمية أخيه و ما يجري له :قال أن أخيك في المستشفى..و حالـ..

فاجأني عودة ملامحه لطبيعتها مديراً رأسه غير مكترث لما قلت و قاطعني مستنكراً و هو يشير لما سقط من يدي منكسراً ببرود جليدي : و ماذا لو كان في المشفى ؟.. لا تقولي أنك حطمتِ الأواني لهذا السبب فقط..؟

استدار عني وأنا مصدومة من رده : حضري القهوة مرة أخرى غضون خمس دقائق ولا أريد سماع هذا الكذب مجددا.

مددت يدي نحوه و هو يرحل أحاول ردعه ، كيف له أن يظن أننا نكذب عليه بشأن أمر كهذا ...!! : هيكتور انتظر، لقد كان الفتى يبكي، لابد أنه مريض حقا ، بجدية كيف لك أن تكون بهذا البرود؟!

توقف ملتفتا لي بحدة ، و قال كلماته الثابتة و الواثقة التي انتهت بتهديد واضحٍ لي : انها تلك الأفعى زوجته تريد المال، ولا أستغرب ان تستخدم الطفل في هذا.. عودي للعمل ولا أريد تدخلا و لا فوضى .
كان مخيفاً بحيث لا كلمات بقيت تذالب الخروج، لم أستطيع مقاطعة ذهابه بالطبع وعدت لأعد القهوة لضيفه المجهول ،،
عندما خرجت من المطبخ لأذهب بالقهوة اعترضني رالف قائلا أنه سيأخذها متعللا أني ربما سوف أسقطها ثانيَةً، ولكن لسبب ما شعرت أنه لا يريدني ان أقابل الضيف...

لم أطل التفكير بهذا و توجهت لتنظيف المطبخ حيث أعددت القهوة وذهبت لغرفتي ، تلك التي لم يقم بتغييرها ذلك المتعجرف حتى الآن ، الكثير من الغرف متواجدة في هذا القصر ولكنه بخيل، دخلت السرير أطلب الراحة وصوت الفتى الباكي لم يغادرني كيف لهيكتور أن يكون بهذه القسوة؟ ولكن عذره هي تلك الساندي...تلك المرأة العفريتة ..ما زلت أشعر بغضب جامح عند تذكري ما فعلته بنا ...


*هيكتور*


في اليوم التالي
استيقظت على رنين هاتفي، لم أعرف الرقم حيث لم يكن مسجلاً بإسم أحد و لكني رفعته على أي حال: من معي؟

فكان ابن أخي جون الذي يعاتبني بكلمات استفهامية :عمي لقد اتصلت بك البارحة لماذا لم تأتي؟ ..
انتظري أمي أريد...

علمت أن صياغة الحديث تحثني على الصبر فهي من سأتناقل معها الكلمات،،
ابتعد صوت الصغير ليأتي صوت تلك الأفعى : هيكتور هل تعتبر نفسك أخا حقا؟... لقد أخبرناك بسوء حالةِ أخيك ولكن لا فائدة، لا عجب.. أنا أخبرته دوما أنك لا تحب غير نفسك ولكنه يدافع عنك كلما أردته أن..."

تتجرأ دوماً بالحديث بما تريد و تهدف ، لاحد لوقاحتها حقاً ..لم أستطع تمالك نفسي عن الرد عليها بينما ترمي حروفاً كاذبة لأجل مطامعها الشخصية : ألا تظنين انك تواقحتي في ما فيه الكفاية؟ هل حقا صدقت أنه ستنطلي علي كذبة كهذه؟

سمعتها تضحك بانطلاقة وقحة ثم قالت: عندما يأتيك خبره في التابوت لا تعظ أصابعك ندما.

أغلقتُ الهاتف في وجهها ، تضع أخي و حياته مزحة كواجهة مصرف... عكرت لي مزاجي حتى صرخت و أنا أرمي الهاتف عله يمحوا ما سمعت
" أيُّ صباح هذا؟."

نظرت للساعة، لقد تجاوزت الثامنة!!
لقد تأخرت في الاستيقاظ أيضا لأنني سهرت كثيرا مع ضيفي ، ما بال رالف لم يوقظني ؟
أو روجينا ؟
بدت كمشعوذة ما بحضورها الفوري فور ذكرها بذهني !!

حيث فُتِح الباب لتطل هي من خلفه بعد طرقه بالطبع ، و بملامح هادئة تقدمت لتقول
" صباح الخير سيدي"

رفعت رأسي لها ،و ما زلت مقتنعا بشؤم يومي ..فأي خير يأتي من صوت تلك الأفعى ..؟!
تجاهلتها و دخلت الحمام و عندما اغتسلت وخرجت لم أجدها!
لِمَ أتت إن كانت ستغادر؟؟
نزلت لأجدها تضع أطباق إفطاري ، يبدو أنها كانت ستوقظني عند مجيئها و قد تحقق ما أرادت ، نظرت للطعام الذي من الواضح كونه حسن الطعم ، ولكن لا رغبة لي و لا شهية تعينني فاكتفيت بالقهوة ...

وقفت للمغادرة إلى عملي لأسمع صوتها ينادي من خلفي
" انتظر سيدي."

أجبتها بحدة و تقطيب يبدي انوعاجي لمقاطعتها حركتي:ماذا تريدين؟؟

بدت متلبكة و هي تحرك أصابعها المتشابكة و لسانها يرتعش غير واثق من صحة ما ينطق لي
: ألن تذهب لأخيك ماتيوس؟؟

مرَّةً أخرى هذه السيرة ،، لم أخف اعتقادي أو اخفيه ، بل صارحتها بما يجب أن يسكتها : لن أذهب إنها تلك الأفعى لن أسمح لها بالاقتراب مني مجددا.

تركتها مغادراً بما أن رالف كان قد جهز السيارة،، هارباً من تدخلها الذي قد يؤثر بي واقعاً بفخ تلك الماكرة ،،

روجينا


أنظر إلى هذا البائس الميؤوس من قلبه الجامد، تبا له و لأخلاقه المتدنية ،،،
تنهدت بقلة حيلة ثم عدت للمطبخ لأكمل أعمالي و بعد مدة عاد رالف لأتوجه اليه مسرعة ، هو الوحيد الذي قد يفيد تدخله في هذا الوضع .. لن أقف مكتوفة الأيدي بينما يحتاج ماتيوس أخاه ،،
بدأت محاورتي معه بأملٍ يخالط أفكاري من اصلاح الأمر: اسمع رالف.. أنا متيقنة بأن ابن ماتيوس كان صادق في بكاءه ...ماذا لو كان في حالة خطرة، حاول إقناع هيكتور للذهاب لماتيوس أرجوك.

تنهد هو الآخر وجلس على طاولة الطعام الصغيرة التي تتوسط المطبخ طالباً بهدوء. :هلاَّ سكبت لي فنجان قهوة؟

لبيت طلبه وجلست مقابله أنتظر رده و هو بدأ يتكلَّم كما انتظرت :إن سيدي عنيد، و سبق أن وقع في فخ كهذا، بذلك الوقت اتصلت السيدة ساندي وقالت أن ابنها مريض جداً.. وظهر لاحقاً أنَّ السيدة ساندي كانت تريد المال من أجل رحلة استجمام..
" ماذا؟؟! "

هذا ما خرج من فمي بشكل عفوي لشدَّة ذهولي من مكر المرأة و جرأتها على الكذب،، على الأقل ليس على صحة الآخرين!!!

علامات التعجب ملأت رأسي بجنون ،فقلت مستغربة ومنزعجة: كيف تفكر هذه المرأة؟؟

ركز بصره على الفنجان وقال بنبرة حيادية: إن السيدة ساندي روحها متعلقة المال.

يزيد حنقي هذا الأصلع عندما يتحدث بوقار عن مثل هذه الأشخاص ، أخرجني من صوابي لأقول: لماذا تناديها بالسيدة وكأنها شخص محترم؟!..إنها المقياس الأمثل للنذالة و الخداع .

رد بجفاف ساخطاً من انفعالي ، و أجاب بلحنٍ ثابت لجوابٍ ثابتٍ لديه
" إنها من أقرباء السيد هيكتور "

أجل أجل ، نسيت هذا الشخص يحترم سيده كثيرا... أكثر من اللازم ،،
قلت بعد تنهيدة يأس : حسنا وماذا بعد؟.

حرك كتفاه بلا مبالاة: تعرفين؟..دعي السيد يفعل ما يراه مناسباً، قد يكون ذلك أفضل.
صرخت بوجهه ما أن سمعت التفاهة التي يهذي بها :وماذا لو كان مخطئ ؟ هل ستدعه يلوم نفسه لاحقا؟؟... لقد خسر هيكتور ما يكفي ، الآن فرصته ليستعيد أخوته على الأقل.

رأيت انتباهه اشتد نحوي فاستغليت ذلك ، رغم عجرفة و صلافة هيكتور لا أستطيع ترك ماتيوس وحيد في المستشفى مع تلك الساندي و إن كانت زوجته، فمن يعلم ما قد تفعله للحصول على دولارات تملأ جشعها..

" اذا كان هيكتور لا يصدق ، دعنا نحن نكتشف إن كان جون صادقاً أم أن والدته تكيد شيء للأخوين...من أجل رحلة استجمام أخرى."

ابتسم رالف على سخريتي، وتركته يفكر وبدأت أعد طعام الغداء...


هيكتور


عدت عند الظهيرة للمنزل، استحممت وغيرت ملابس العمل بعد أن قررت عدم العودة للشركة اليوم،،
نزلت لأجد روجينا أعدت الطاولة و حيتني بأدب ثمَّ خرجت للحديقة، لم تفتح موضوع ماتيوس مجدداً و هذا مريح، رغم أن مكالمة الأفعى صباحا جعلت كل يومي سيء...

أكملت غدائي وذهبت للمكتب ، لا أدري كم من الوقت مر فنظرت لساعة الحائط ،،
إنها الرابعة، لماذا لم أرى رالف في الأرجاء إذا؟؟..
ركَّزت على كاميرات المراقبة فلم أجد أحدا ًً،،
سحقاً..

" روجيناااا "

صرخت بإسمها و اندفعت خارجاً من المكتب ،،
لم أجدها أيضاً، أنا على ثقة تامة أنَّ لها يداً في اختفاء رالف بلا إذنٍ مني، هذه الفتاة تتمرد على قوانيني دوماً وقد حصلت على تأييد ماتيوس والآن حتى رالف؟!...غيابه الذي لم يحصل مسبقاً يبيِّن هذا ،، وكأنها حشرة تحمل عدوى عدم الانصياع للأوامر...

وقفت على باب الخروج لأنقل نظري بين أرجاء للحديقة ..
رصصتُ على شفتي و قلتُ بإمتعاض
" لا أثر..لهما !! لأذهب وأنظر في المرآب لعل رالف هناك."

وعند اقترابي سمعت أصوات خافتة فاقتربت بهدوء ليتضح لي صوت رالف القلق :روجينا أنت تعلمين أنه سوف يكون غاضبا.

ابتسمتُ بسخرية من هذه الطفلة طويلة القامة ، لا تتسم بالنضج و لو قليلاً.. يبدوا أن علي وضع كاميرا للمراقبة هنا أيضا فقد أصبحت النقطة العمياء هنا،،

كنتُ أعلم أن لها يد في شيء ما و لم يخب ظني...
سمعتُ صوتها هيَ الأخرى و بدى أنها تسعى لإقناعه بشيئ ما في حينَ وصلُ وتوقفتُ عند باب المرآب : ولكن رالف، عند معرفته بالحقيقة سوف يسامحنا.

" نحنُ نعلمُ حقاًّ أن حالة السيد ماتيوس سيئة...لكن من يستطيع جعل السيد هيكتور يصدق يا فتاة .."
هل رالف قال أن ماتيوس بحالة سيئة بالفعل؟!!
إنها ليست خدعة من ساندي!!
أسرعت داخلاً عليهما ليجفل كليهما ناظران لي بتعجب ،،،

قلتُ بلسانٍ سريع متوتر :كيف عرفت أن ماتيوس مريض حقا؟؟
أشاح رالف عيناه عني و هو يجيبني : لقد أوكلت أحد رجالنا هناك من فرع الشركة بإستطلاع الأمر و قد قال أن السيد الكبير مريضٌ حقاًّ ،وهو في المستشفى من صباح أمس."


روجينا


كنت خائفة ومتوترة من ردة فعله وكذلك خائفة عليه ، لمعت خضراوتاه بحدة خطرة لكنها لم تكن موجّهة لنا ،
استدار و غادر عائداً لغرفته فلحقته بدون تفكير...
عندما دخلت خلفه وجدته يوضِّبُ ملابسه في الحقيبة بهدوءٍ ساكنٍ ومريب حينها أدركت فورا أنه ذاهب الى أخيه، اقتربتُ واقفةً بجانبه والتوتر لم يغادرني ثم تمالكت نفسي وقلت له: هيكتور دعني أذهب معك.
* * *
هيكتور
رفعت عينيَّ من على الأوراق حيث كانت تجلس مقابلي
و هي تصدر أصوات الإعجاب و الإندهاش بأعينٍ تلمع تدور بها على كل أنحاء المكان
أشحتُ بصري عنها عندما أتت مضيفة المكلفة بالعمل في طائرتي الخاصة ووقفت بجانب الطاولة قريبة مني قائلة برزانة
سيدي هل ترغب بشيء؟.
" لا "
أجبتها ببرود وأنا أراها تحدق بي بجرأة وقحة... أعرف هذا النوع البذيئ جيِّداً ، ما يعجبها هي محفظتي وليس شخصي ...
انحنت نحوي أكثر وكأنها ستهمس لي بشيء وقالت مجددا
" سيدي لدينا كل ما تريد أخبرني حتى أحضره"
أردت طردها ولكن ما فاجأتني صوت روجينا تضع يدها على الطاولة التي بيننا وقد تركت تأمل الطائرة تنظر نحوها
متجهمة الملامح ثمَّ قالت لها بلحنٍ غاضب
"لقد أخبرك أنه لا يريد فلماذا ما زلت هنا؟"
أدرت رأسي للمضيفة التي قالت بحقد
"ما دخلكِ، أنا أكلم السيد هنا؟؟"
أدرت رأسي مجددا أمامي حيث روجينا التي وقفت تستند على الطاولة مقتربة منا ووجهها احمر غضبا
" والسيد أخبرك بكل صراحة..لا !!!"
مجدداً نظرتُ للمضيفة التي ازدادت حدة في لكنتها نحو روجينا
" اسمعيني يا آنسة، هذا عملي .. أن أخدم الركاب وأعمل على راحتهم "
زفرت روجينا فشعرت بأنفاسها الرقيقة داعبتني، وتكلمت مرى أخرى كأن صبرها بدأ ينفذ من المضيفة
" لكنه أخبرك لا يريد فلماذا ما زلت تزعجينه؟؟"
تجاهلتها المضيفة بفظاظة و التفتت لي مبتسمة لي بزيف وعيناها تبرقان بخبث لي
" سيدي سوف أعمل على راحتك ماذا تطلب؟"
التفتت روجينا ناحيتي مقتربةً أكثر وكأنها ستصعد فوق الطاولة، فأصبحت أقرب دون أن تشعر و تدرك لشدة غضبها و هذا مؤكد...
خاطبتني بنبرة جعلت منها تعرفني وتحتاج إثباتي لذلك فقط
" هيكتور أنت لا تريد شيء أليس كذلك؟؟"
قريبة...قريبة جداً...!!
ابتسمت بخبث و اقتربت أكثر لوجهها فهمستُ لها مشيراً بعينيْ
" روجينا أنت قريبة للغاية"
"هاه؟"
خرجتْ منها لترتد بعدها لمقعدها بسرعة و تدير رأسها للنافذة ووجهها يشتعل احمراراً أكثر من غضبها قبل قليل، ابتسمت أرمقها وقد تجاهلت تلك العلقة التي بجانبي...
" سيدي؟"
أخرجتني صاحبة الصوت من حالة الخدر والمشاعر التي تنتابني عندما تكون روجينا بجانبي فنظرت لها بغضب عارم يأتي بسبب أمثالها
فابتسمتْ بتلاعب وهي مغادرة
"أنت تزمجر كالأسد"
عدت ببصري للتي انكمشت كالكرة ملتفة عني تلصق عينيها في النافذة ولكن جانب وجهها كان أحمرا ظاهراً لي بوضوح، ضحكتُ متسائلاً داخلي في ماذا تفكر؟؟


روجينا


ماذا دهاني لأتصرف هكذا ؟...
آه، هذا محرج كيف سأنظر لوجهه ؟... تبا ماذا سيفكر الآن عني؟!!
سوف يوبخني لأنني أتدخل في شؤونه ؟
أم هل معقول سوف يسخر مني ويقول أني أغار!!!
بعد وقت أخذته في تأمل الطائرة، أردت الإستدارة ورؤية ماذا يفعل؟
لكن...
وبعد دقائق من التردد أدرت رأسي ببطئ أخيراً لأصاب بالإحباط نوعا ما،،،
كان نائم و وجهه للأعلى متكئ للخلف ...
مهلاً مهلاً مهلاً،،،،
لكن لم أشعر بالإحباط..!!
أليس أفضل لي أنه نائم؟!

شعرت بهدوءٍ و سكون لهدوءه و سكونه ، بدى مستقراً بهذه الغفوة ...
تذكرت أنه قال بأنه لا يريد أن تقترب ساندي منه و أعلم كم إنه يكرهها ، و لكن لماذا لا يريد اقترابها بهذا الشكل الإنفعالي ؟ هل فعلت له شيء؟!!
ربما أبالغ بالتفكير حقاً ،، فيكفي أن أبسط شيء فعلته عندما رمت تحفة والدته الغالية أمامه، لابد أنه يفتقدها ، فمع أنه يظهر قوياًّ و صلباً ولكن من المؤكد أن جزءاً منه لا يزال ذلك الصغير الذي افتقد الحنان مبكراً..
أردت مواساته بما أستطيع ، شعرت بعينيّ تحترقان ثم وجنتيّ تبتلاّن بعد دقائق من التفكير بمعاناته التي لا أقارن مصائب أيامي بها،
" هيكتور"
همستُ باسمه ..
لم يُجِبْ...
فهمست مجدداً...
" أعلم بأني لست بنفوذك ، و لكني سوف أحميك من ساندي بأيِّ ثمن"
انفلتت مني شهقة وأنا أرى عينيه التي فُتحت تحدق بي ..!!
وسطوع الشمس من النافذة مشرق على وجهه جعل
اللون العشبيْ فيهما يلمع ببريق خدَّرني لأرمقه بهدوء أستطلع الغموض فيهما.
هيكتور
نومي خفيف جداً لذا عندما نطقت روجينا باسمي استيقظت فوراً، لكن فضلت الصمت عن مواجهتها فتفاجأت بما قالته فجعلني أفتح عيني منذهلاً...
اختلجت صدري أموراً كثيرة، أكثر من استيعابي حتى ..!
كيف تريد حمايتي وأنا قد آذيتها و أتعبتها من قبل
راحة شملتني، فاسترخيتْ من عذاب أعصابي المشدودة، ثم ظهرت لي زرقة عيناها التي لمعت الدموع فيهما!!
أهي تبكي لأجلي؟؟؟؟!!!


https://j.top4top.io/p_2301mqewp2.png

فِريـال
12-13-2020, 03:12 AM
https://i.top4top.io/p_2301lofu31.png

-20-



-أهي تبكي لأجلي؟!

هذا ما فكر هيكتور به وهو يحدق باللآلئ براقة تتشكل في بحرها.... هل توقف الزمن أم الإحساس به؟ ببطء هبطت دموعه على خديها المحمرين، تحديدًا الأيسر لكتمانها الغُصة في حلقها تلك التي تبذل جهدًا لإخفائها.... ولأن الإحراج زاحم شعورها بالشفقة رطبت شفتيها تتنفس بصعوبة... بدت مميزة لزمرديتيه ليمد إبهام يسراه ماسحًا دموعها عن خدها بهدوء وهو يقترب نحو مقعدها قباله...

لحظ لأول مرة ذلك النمش الخفيف على وجنتيها وعظمة أنفها اللطيف المساير لملامحها بجاذبية خاصة... ود لو يدسّ نعومته بين أصابعه.... حرك ابهامه ليمرره على باقية تقاسيم وجهها وخاصة شفتيها الكرزيتين حين انتشلته صوت الكابتن من لحظة تأمله تلك وأدرك الموقف قبل التهور...

"مساء الخير سيد هيكتور... معك الكابتن أنتواني ليس جوفن رحلة نيويوك-باريس... أتمنى لك ولمرافقتك رحلة هادئة. أرجو اتباع إرشادات السلامة، سنقلع خلال دقيقة..."

ارتبكت لتنزل يدها المتمسكة بكم سترى الأرماني السوداء خاصة حين وعت على تمسكها به... لتشيح وجهها تجاه النافذة تحدق بالمدرج مُحرجة... ارتبك الآخر للموقف الغبي الذي وضع نفسه به متراجعًا ليندس في مقعده.... ليفكرا بنفس الأمر

-ياللغباء.. ما الذي كدت أفعله!



للحظة تذكرت وضعها وفاضت مشاعرها... هي بالنسبة له خادمة بائسة تدين له بفاتورة غبية لجناح مشفى لم تطلب المعالجة والاستقرار به.... بائسة، منحوسة تحاول تغيير وضعها الاجتماعي... سبق واختارت البقاء للعمل في خدمته، حتى قبل أن تدرك نوعية العمل... مع أنه فاجئها بعمل شحذ السيوف في ذلك القبو البارد....

هيّ سمحت لنفسها أن تشفق عليه مع أنها من تستحق الشفقة! أكيد لا تريد شفقته.... لكن أن تتحرك مشاعره نحوها ولو شفقة ستشفي قليلها لكل تلك الإهانات والكلام الجارح عن وضعها، نحسها ويٌتمها.... هيًّ تريد أن تصدق أنه ليس بذلك القاسي لكن شبح كلماته في أول لقاء يمنعها عن ذلك...

"دعيني اخبركِ أمرا وضعيه في عقلك عديم الجدوى... أنا مليونير معروف لو أرفع عليكِ قضية سأزجك في السجن لأنكِ بلهاء... وببلاهتك كنتِ تقفين بنصف الشارع غافلة عما حولكِ... وأنا أمشي بالشارع كأي انسان يحترم القانون... أنتِ وقوفك خاطئ والقانون لا يحمي المغفلين"

وحين سألته ماذا يريد ليدعها بسلام....

" بسلام؟ اعتبرِي نفسكِ أنحس فتاة في هذا العالم لأن القدر رماكِ في طريقي... أنا أعشق النقود عشقًا جمًا، ولا أصرف قرش على من هم أقرب الناس لي، فكيف الآن وصرفت نقود على أكره الناس لي... أولئك الفاشلون المتسمون -الفقراء-

لقد أدخلتك في أرقى ردهة في هذه المستشفى... ولو كنت أعلم أنكِ من رعاع الناس لكنتُ تركتِ على الطريق فهذا هو مكانك الاصلي وبيتكِ السرمدي

الشرطة ستأتي بعد لحظات قلتُ لكِ لو كنتِ تودين خوض الأمر قانونيا فمصيرك القضبان، لكن لو كنتِ تريدين السلام كما طلبتِ قبل وهلة فعليكِ أن تدوني أقوال التنازل من هذه القضية ونُنهيها...

يبقى دفع الفاتورة وهو الأهم هنا... ستعملين لدي لمدة شهر واحد وسيكون راتبك الشهري هو دفع تكلفة المستشفى وينتهي كل شيء

والان ما هو ردكِ؟... السجن أم العمل؟"



"روجينا اندرسون... بالاطلاع على سجلك العائلي أنتِ يتيمة وليس لديكِ عائلة... أمر مثير للاشمئزاز"

هو قاسي... مر بالكثير شددت قسوته، لكنه الآن... هو يعاملها بتشتت حتى هو يناقض نفسه بين القسوة عليها والإعتزاز بها....



أما هو... فكان حكاية لا تختلف عنها، يحاول تنسيق طريقة لمعاملتها بلا جدوى... والأسواء هدوء محيطه ساعد مسمعه على التقاط طبول الحرب التي تطن من جوفه... ليس لذلك وحسب... حتى لو كان المكان يعج بصخب نيويورك لسمعها! فقد كانت تدق بجموح...

ناضل للحفاظ على ملامحه ثابتة... لكن شهيقًا زفره هز كيان روجينا وحرك مشاعرها المختلطة... بين السخط لقسوته والحيرة للطفه!



لثوانٍ تلت ما حصل، لم ينطق أحدهما بشيء... بل وحرصا على عدم إلتقاء نظرتهما طويلًا....

ما هيَّ الا ثواني وتُقلع الطائرة لتُعانق السماء، اعتراها توتر شديد حين بدأت المُضيفة بالاعلان عن اجراءات السلامة بعد خطاب كابتن الرحلة.
نهضت من مقعدها تحدق به بتوتر عدة مرات فسحبها لتجلس بجانبه هذه المرة...

حاولت إغلاق حزام الأمان لتفشل حين عجزت عن معرفة كيف يتم ذلك... فسحب طرفي الحزام وهو يحدق بزرقاوتيها بسخرية ليعقده لها بحركة خفيفة وسريعة.
حينها فقط لاحظت ما أقحمت نفسها به، هيّ لم تركب طائرة من قبل وأنها أول مرة لها! كيف لا ووضعها المالي كاد يُقربها من حياة التشرد قبل أن يلتقطها هيكتور!

اصفر وجهها وبدأت تعضُ شفتيها مُمسكة بحزام الأمان بقوة، رمقها بنفس نظرتهُ الساخرة قائلًا بشماته ليستفزها

"لايزال يُمكنك النزول إذا كُنت نادمه..."

ابتلعت ريقها مُتجاهلة حرجها السابق، خوفها ونبرتهُ السابقة
"لست كذلك سيدي... أنا لم أجرب ركوب الطائرة من قبل..."



-يا له من عالمٍ غريب!

هذا ما فكر به... في الوقت الذي يقضيه بعض الناس يُسافرون بتبذير، ما يزال ثمة الكثيرين لم يركبوا طائرة مره في حياتهم! استند برأسه على كرسيه قائلًا

"الانطلاق هو الأصعب ولاسيما الأول... حين نصبح في السماء، ستُدمنين التنقل بالطائرات..."

نظرت نحوه لتجده هادئا ويغمض عينيه مسترخياً... شخص مثله لن يخاف من شيء بسيط كـركوب طائرة فهو يبدو معتادًا، في نهاية الأمر هما الآن في طائرتهُ الخاصة...

أمسكت قميصها تضغط على صدرها مغمضة العينين متكوره على نفسها، وبدئت تتمتم بكلمات غير مفهومة بالنسبة للآخر تدعوا الاله أن يمر كُل شيء بسلاسة.

وبعد لحظات قليلة استقر الطائر المعدني في السماء وهدء الجو... فتحت روجينا عينيها مذهولة وبدئت تنظر لمنظر الغيوم عبر النافذة بأعجاب شديد والشمس بدأت تغرب بالفعل... كانت تبدوا لها كزهور قُطنية آن أوان قطافها!

ابتسم هيكتور لتصرفاتها القريب من الطفولية! عدل وضع مقعده للخلف قائلًا بصوت منخفض

"أيقظيني حين نصل... روجينا."

التفتت لتجده قد اتخذ وضعية النوم السريع... بدى نائمًا حقًا، ابتسمت له بلا وعي فقد بدا منظره الهادئ ملائكيًا!



الوقت يمضي ببطء، نظرت حولها المكان واسع وهما وحدهما في هذه الرحلة... نهضت بهدوء وقبل أن تتجاوزه أمسك يدها وأعادها لمكانها بغير النطق بكلمة! لا يريد أية مفاجئة من البلهاء سيدة المشاكل حسب تفكيره....

"اذا هو ليس نائمًا حتى؟!"
تمتمت روجينا بصوت منخفض لنفسها!

حاولت تعديل المقعد لتنام هيّ أيضًا وبدأت تُصدر بعض الأصوات ففتح عينيه ليجدها في حالة حرب مع المقعد تحاول تعديله، اتكأت مستسلمة

"سحقًا! هذا ليس عدلًـ..."

لم تكمل جملتها حتى لتجد نفسها متمدده على الكرسي... نظرت نحو هيكتور الذي عاد لوضعه السابق باستغراب، لقد عرفت بأنهُ هو من فعل ذلك فليس هنالك غيرهما بالمقصورة... و ما إن وضعت رأسها حتى استغرقت بالنوم.


كانت الرحلة طويلة، قامت المضيفة بإشعال ضوء المقصورة ليستيقظ هيكتور.
مسح وجهه وهو يعتدل بالجلوس ثم حدق بالأخرى يساره...
كانت تتنفس بانتظام أيقن أنها مستغرقة بالنوم حقًا! بقي يُحدق طويلاً غير مدركٍ لنفسه، وحين أدرك أنه حدق بها طويلًا قرر الانتقام منها،
ليس كأنهٌ ذنبها، لكن بالنسبة له هي كذلك!

أدار زر الكرسي ليستقيم وتفزع من نومها الهانئ! كانت تنظر نحوه بفزع شديد في حين كان يُبادلها نظرة بارده! انتظر أن تبدأ برمي كلماتها بسخط لكنها بدئت تنظر من النافذة بجانبها والسماء ما تزال مظلمة...:

"ألم نصل بعد... ظننت أننا هبطنا!"

رفع يديه يتمدد ثم عدل وضع مقعده قائلًا
"ممل..."

نظرت نحوه لتفهم قصده لكنه لم ينطق بالمزيد، عدم تفاعلها معه كما في السابق، كالغضب والكلمات الساخطة، بدأ يبدد مُتعته على ما يبدو...

اقتربت المضيفة تسأل هيكتور وهيَّ تحدق به بلطف

"صباح الخير سيد بلاديمون أتريد أن تأكل شيءٍ قبل الهبوط؟"

قال بلكنه حاده
"شكرًا، لكن لا شيء..."

"متأكد؟" قالت بابتسامة لحوحة...

نظرت لها روجينا بحده... بقيت تبادها نفس النظرة في حين الأخرى تُحافظ على ابتسامتها السابقة

"لا يريد شيء منكِ، احفظي ما تبقى لك من كرامة واغربي عن وجهه"

أغمض هيكتور زمرديته مُبتسمًا في حين الأخرى عقدت حاجبيها لتدخُّل روجينا المستمر... ثم ماذا مع هذه النظرة الحادة التي ترمقها بها؟

"أهي حبيبتك؟"
سألت بوقاحة....

"هذا ليس من شأنك، توقفي عن التدخل بشؤن زبائنك وإلا شكوتك الى شركة الطيران آنسة تالا"

كان حازمًا، زمجر بها بنبرته المرعبة، فانصرفت معتذرة لتعود لمقصورة خدمة الطائرة.
التفت نحو الأخرى يرمقها بتفكير، اذًا الكلمات الحادة واللسان السليط أصبح للآخرين وليس له.
استدارت نحو النافذة قائلة
"سيدي..."
أعادت بوجهها نحوه قائلة بامتنان
"أعلم أنها رحلة من أجل زيارة ماتيوس و الاطمئنان عليه... لكن، شكرًا لك على منحي تجربة لم أحلم بها! ركوب الطائرة والسباحة فوق الغيوم الجميلة هو شيء لم أحلم به لتحققهُ لي... أنا أشكرك من أعماق قلبي سيد هيكتور."



بقي مصدومًا لموقفها... هي صادقة في كلماتها، لا تُحاول تملقه، ولم تفعل منذ البداية، منذ شهر.. لقد مضى الشهر بسرعة وقرب وقت سداد دينها لذا كان يجب أن يورطها للبقاء فترة أطول متذرعا بطلبها للقدوم معه... لو كانت غيرها لكانت تملقته لتتملص من الدفع على حساب احترامها لنفسها مهما كان الأسلوب،
لكنها كانت تواجهه بكلمات حادة، وتتحدث معه بصراحة مهما كانت، رغم أنها الخادمة وهو السيد، مع أنه أذلها لمتعتهُ مرارًا لكنها ماتزال صامدة، صريحة وتبقى مصلحتهُ مهما كان موقفه! امرأة بجمالها، كانت لتنقذ نفسها بطرقٍ أخرى، لكنها هي روجينا...
فضلت قسوته واذلالها وتكبره عليها... إنها انسانة فريدة حقًا!



"روجينا! مهما حدث، أريد منك أن تبقي صريحة معي... هل أنت تكرهينني؟"

-:"هاااه؟! سيد هيكتور، أنا...."

رغم أنه هو من سألها لكنه لم يقوى سماع الإجابة، قاطعها وهو يحدق بملامحها المستغربة قائلًا
"أنسيْ ما قلته... ليس عليك الإجابة حقًا."

"إذا لماذا سألت؟"
قالت بحذر...



رفع الكابتن تقريره معلًا اقترابهم لمطار ليون الدولي، وبدأت المضيفة بإعلان الإجراءات المعتادة للهبوط.

ربطت روجينا حزام الأمان بتوتر تُـتَمتم
"أرجو أن يمر الأمر على خير"

بقيت تفكر بالإجابة التي كانت تنوي اخباره بها لكن الوقت لم يعد مُناسبًا، بعد اقل من خمسة دقائق كانت الطائرة قد هبطت لكن هيكتور ما يزال جالسا مكانه عاقدًا يديه بشرود، ربما هو حتى لم يلاحظ هبوط الطائرة... اقترب كابتن الرحلة ومساعده الشاب ليُحيي هيكتور، فاستعاد الواقع وتدارك نفسه...
نهض ليُعدل وضع قميصه وربطته عنقه قبل أن يصافح الآخر بهدوء
"كالعادة كابتن جوفن.... يُعتمد عليك..."



هم بالخروج بعد الحديث مع الكابتن فلحقت لأخرى به بهدوء بعد أن حدقت بالكابتن وهو يلوح لها مبتسمً بإتساع...

-إذًا هو مِمن يتعامل معهم هيكتور باستمرار، فهيكتور لا يمنح ثقته لأيٍ كان...

فكرت روجينا بذلك وهيَّ تنزل السلم المرفق بالطائرة لتصدم مجددًا..



كان ثمة سيارة فخمة تنتظرهم على مدرج الهبوط وإمرأة ترتدي بذلة رسمية ذات تنورة متوسطة ضيقة وقميص ناصع البياض بشعر أسود تربطه كله نحو الأعلى، تقف وهيَّ تحمل ملفًا بيدها... كانت ملامحها الرزينة عديمة التعبير، ترحب بهيكتور مبتسمة وبكلمات ثابتة تحمل لهجة فرنسية مررت الملف نحوه قائلة

" أهلَا بِك هيكتور... سعيدة بعودتك مجددًا كثيرًا..."

أومأ هيكتور ينظر خلفها وهو يلتقط الملف الكراملي، لتتنحى جانبًا
لقد جهزتُ لك سيارتك والسائق جوي... كما طلبت تمامًا..."

كان السائق العجوز جوي يقف بجانب السيارة ويضع يدُ خلف ظهره والأخرى أمامه، وتعلو ملامحه الكثير من التجاعيد وشعره أبيض كالثلج في أواخر ليالي ديسمبر! تقدم يعدل بذلته يسير بظهر ثابت وهو يحدق أمامه بقوة "شكرًا ناين..."

أخفضت رأسها وهيّ تردف بحذر
"ألن تبقى في مدينة ليون..."

إبتسم بسخرية تحمل شيء من الغرور...
"عزيزتي ناين، أنتِ بين جميع الناس تعرفين أنني لن أبقى في مدينة لا تملك فندقً واحدًا يليق بي"
ابتسمت بسخرية بدورها فهي أكثر من يعرفه، في حين تقدم وهو يكمل مخاطبًا روجينا
"استعدي... سنتوجه لباريس."

بقيت تحدق بنفسها وتقارنها بالفتاة الأخرى المدعوة ناين غير منتبه لما قاله الآخر... كانت ترتدي ملابس بسيطة ولا تُناسب الترف الذي يحيط بهيكتور... فهذا القميص الأبيض عديم الأكمام والبنطال الجينز الفاتح يُعتبر أفضل ثيابها بحيث لا ترتديهم إلا وقت ذهابها لمقابلة عمل.

تقدم هيكتور ليجلس في السيارة السوداء مُنتظرًا، حدق بها فكانت شاردة الذهن وهيَّ تحدق بملابسها
"هل تُخططين للمبيت هُنا آنسة آندرسون؟!"

فزعت بقوة لمناداتها بلقب عائلتها من قِبله، فعادةً يُناديها باسمها الأول! هرعت لتركض الخطوات الخمس مُعتذرة وهي تمسك بحقيبة يدها الذهبية البسيطة...

جلست تحدق بفخامة السيارة العالية والمظللة بإعجاب فاتحةً فمها قليلًا وحاجبها مرتفعان

-لا أصدق أهو يملك سيارة في هذا البلد الأوروبي؟! كيف لا، وهو يملك طائرة خاصة، كدت أنسى أنه بليونير! ظننت أنه بخيل...

إبتسم هيكتور بشيء من الرضا لملامحها التي لا تبذل جهدًا في إخفاء اعجابها لكل ما يحيط بها... تحرك السائق جوي بهدوء يقود بمهارة...





شيء فشيء بدأت ملامح باريس تظهر لها... كانت تلتصق بالنافذة كالأطفال وهي تحدق بكل شيء بإنبهار كان كُلُ شيء جميل ويسر الناظر...

حدق بظهرها من مكانه وهو يقول بسخرية
"لحسن حظي السيارة مظللة... وإلا كنتُ في موقف محرج لمن يرى تصرفك الطفولي!"

التفتت برأسها نحوه وهي تجلس على ركبتيها ملتصقة بالنافذة
"أرجوك، دعنا نفتحها... أريد رؤية كُل شيء بوضوح..."



تنهد ملتصقًا بالمقعد وهو يضع ساقه فوق الأخرى
"أخفضي توقعاتكِ خادمتي المطيعة..."

عبست بخيبة لتذكيرها مجددًا بالوضع هُنا لتعود لمراقبة الجو في الخارج "قاتل المتعة"



جفل للحظة على وقع كلماتها! عقد حاجبيه وهو يقول بنبرة تعالي: "لا تحدثيني عن المتعة وأنت لم تجربيها من قبل، هذا الذي تفعلينه ليس ممتعًا! إنه مستوى الرعاع المتدني لمفهوم المتعة، يحاولون إقناع أنفسهم أن التحديق بالشوارع أمر ممتع"



اعتدلت بجلوسها وهي تقترب نحوه تستند على يديها
"إنها باريس وليست قرية ريفية... إذا كان التحديق بشوارع أجمل مدن العالم ليس كذلك، فما المُمتع!؟"
حدق بزرقاوتيها بشرود يقول
"لا تحاولي إقناعي خادمتي..."

كان شاردًا و لم يلاحظ ما قالته حتى...
غرق بزرقاوتيها القريبة لتنهض ممسكة بوجهه لتضرب جبينها بجبينه بخفة
"لكنها باريس... أتفهم؟ باريس..."

جفل للوضع كما السائق الذي تابع المحادثة بصمت ليبتسم بهدوء،
في حين وضع هيكتور كفه ليخفي وجهها تمامًا مخفيً تأثره لقربها له بمهارة وهو يبعدها عنه قائلا
"اغربي عن وجهي أيتها اللعينة...."

نفخت خدها بغيض لتعود لمراقبة الشوارع مُنزوية... وهي طبعًا لا تدرك ما العاصفة التي الحقها تصرفها السابق بهيكتور الذي لعن نفسه قبل أن يلعنها مُتمتمًا
"كان يجب أن أتي وحدي.."



نزلا أمام فندق برنس دي غالاس ذو خمسة نجوم لتنظر نحو المبنى بذهول لهندسته المميزة، ازدردت ريقها وهيَّ تلحق بهيكتور متوجهً نحو جناحه الذي سبق وحجزته سكرتيرته في فرنسا السيدة ناين.

حدقت به بطرف عينها وهي تفكر بالوضع بِغَيْضْ...
البخيل! أيطيب لهُ أن يبقي فتاةً معه بنفس الجناح بدل حجز آخر لها؟!
أو حتى غرفة صغيرة؟!! لا داعي للجناح،
بخلهُ هو الشيء الوحيد الذي فكرت به، بدل أن تهتم بحقيقة أنها ستُشاركه فترة بقائهم في باريس بنفس الغرفة!
دخلت الجناح برفتهُ منبهرة بمستوى الترف، ألا يفترض بغرف الفندق أن تكون سرير وحمام!

بدت لها كشقة فخمة أكثر من غرفة في فندق، ثمة كُل شيء... صالة بأرائك جميلة، مطبخ مُصغَّر، إطلالة تسر الناظر وغرفة نوم مع حمام كبير... اقتربت نحو النافذة وهي تهتف بحماس طفولي
"يُمكنني رؤية البرج من هنا، ياللهول إنه أكبر مِما توقعت في الواقع..."

حدق بها بسخرية لحماستها
"إنه مجرد قطعة معدن صدئة! ما المبهر به على أي حال!؟"

تجاهلتهُ وهي تُتابع بحماس
"ألهذا يُعتبر من عجائب الدنيا السبعة الجديدة!؟"



خرج من الحمام يرتدي بذلة نظيفة ويرتب نفسه أمام المرآة قبل أن يتوجه نحو صالة الجناح وقد رتب شعره الليلكي للخلف بمثالية...

كانت ترتشف القهوة بهدوء وهي تحدق عبر النافذة لتشهد شروق الشمس أخيرًا... وقد أدركت أخيرًا أنها ستُشاركه فترة بقائهم في باريس بنفس الجناح! ليس كأنه مهتمٌ بهذا الواقع لكنها توترت للفكرة...



حدق نحوها مطولًا قبل أن يهتف بها
"لنذهب للمشفى..."

التفتت له وهي تقول
"ألستَ جائعًا؟! لم تأكل شيءً منذ الأمس، أنت لم تتعشى حتى..."

لاحظ ذلك ليردف بحذر
"لابد أنكِ جائعة! سأرى إذا كان الفطور جاهزًا"

أنهى كلامه وهو يحمل هاتف الجناح السلكي الأسود والمتصل بخدمة الغرف... _منذ متى يهتم بما تأكل أو لِماَ تفعل؟ أيدرك أنه يتعامل مع من يعتبرها لقيطة وقمامة المجتمع فقط لأنها فقيرة مجهولة الجذور.
أجابته قبل الطرف الآخر للهاتف
"ليس حقًا! أنا معتادة على قلة الأكل على أي حال!"

جفل لتصريحها وهو يراقبها تشرب من كوب قهوة التي اعدتها لنفسها بالمطبخ المصغر للجناح...

"معتادة!؟"
خرجت منه باستفسار في نبرته، أجابه الطرف الآخر فإنتشل نفسه من التي تزيد حيرته بإستمرار.
تقدم نحوها ليهتف بهدوء
الفطور جاهز... يُمكننا أن ننزل لمطعم الفندق...."

حدقت نحوه ببلاهة وحين أطالت تداركت نفسها
"آسفة... أتقصدني!"

أطلق ضحكة ساخرة لبلاهتها وهو يعطيها ظهره مبتعدًا
"لا أرى غيركِ في الغرفة! هلُمي روجينا، قبل أن بفوتكِ النهار... "



خرجا من المطعم بعد تناول الفطور وكانت متوترة لتصرفاتها وبذلت جهدها كي لا تحرج نفسها أمامه... ثم توجها للمشفى وكانت ترتدي نفس ملابسها من الرحلة وقد لاحظ ذلك...

وصلا للمشفى الذي يرقد به ماتيوس، كانت السيدة ساندي تجلسُ بجانب النافذة وتقضم أضافرها بتوتر، في حين يجلس الصغيرين بجانب والدهما النائم وقد أحاطت به الأجهزة الطبية من كل جانب! وأصوات بكائهما مسموع في الغرفة....





دخلت روجينا بهدوء وهيّ تلقي التحية، التفتت ساندي نحو روجينا مستغربة! هيّ بالتأكيد لم تتوقع أن يأتي هيكتور حقًا فما بالك بخادمته؟! ولم تكن ملامح الطفلين اقل غرابة، أن تظهر خادمة هيكتور بلاديمون وحدها في غرفة شقيقه كان بالتأكيد غير متوقع لهم...

ركضت الصغيرة نحو روجينا لتقول مصدومة
"ما الذي تفعلينه هنا؟! أين عمي؟"

ليكمل أخيها بنفس الصدمة الواضحة بملامحه ونبرته
"لا يعقل أنهُ أرسلك وحدك ولم يأتي؟"

انزلت روجينا جسدها العلوي نحو الصغار قائلة بابتسامة:

"لا تقلقا... لقد أحظرتهُ معي! أقصد عمكما."

ابتسمت سوزي في حين حافظ جون على جمود ملامحه لكن عيناه حكت الكثير... توجها نحو الباب لعله يقف عنده لكنها قالت بحذر قبل أن تتوجه نحو ماتيوس لتراه عن قرب
"ذهب السيد هيكتور ليقابل الطبيب المسؤل عن السيد ماتيوس! سيأتي بعد قليل..."

بقيت ساندي تنظر نحوها بدونية و إشمئزاز لفتره قبل أن يتحول لسخط ووعيد... ما الذي يفكر به ليأتي بها لهنا بعد ما دار بينهما من حديث في آخر لقاء وجهًا لوجه...

حين عاد هيكتور من العمل ليأخذ غفوة وهو يأمل أن تكون روجينا قد أنهت تنظيف غرفته، لكن المصادفة قد الجمته... وقف متصلب الأطراف بصدمة وهو يحدق بوجه روجينا وقد رسم خيط دماء من جبهتها ولنهاية خدها وهي تجر ساندي من شعرها كما ساندي بيد وتحاولان صد بعضهما باليد الأخرى ليبعدا بعض...



إبتسمت لها روجينا بشيء من التكلف لتعقد حاجبيها بإشمئزاز... وذلك قبل أن يدخل هيكتور برفقة رجلٍ متوسط العمر بني الشعر وبدئت بعض خصلاته تميل للأبيض لم يكن قصير القامة، لكنه بدى قصيرًا بالمقارنة مع هيكتور...

دخلت ممرضتين خلفهما وبدء الطبيب بفحص ماتيوس والتأكد من بياناته السابقة ليأمر الممرضتين بتجهيزه للعملية! استقرب الجميع وقالت ساندي بانفعال:

"ماذا يعنيه هذا؟ أية عملية هذه التي تحضرون زوجي لها؟"

أجابها هيكتور بنظرة بارده
"ان كان لأخي أن يكمل حياته، فيجب أن يُجرى عملية البنكرياس..."

استقربت بشده، متى قرر ليجهز ماتيوس للعملية؟.... انفعلت ساندي لتنفجر بوجهه

"لا تقرر وحدك، وبدون استشارتي.."

بقيّ يُحافظ على هدوئه... رمقها بنظره جليدية
"أتعنين أن علينا الانتظار لتدهور حاله أكثر؟! ساندي... قبل أن يكون ماتيوس زوجكِ... فهو ما يزال أخي الكبير!"

كان الجو مشحوناً للغاية، التفت نحو روجينا حيث تقف قرب سرير ماتيوس

"خذي الأطفال للكافيتريا، سألحق بك بعد قليل."

تحركت بسرعة رغم توترها وتحرك الأطفال معها بطواعية
"حـ...حاضر سيدي!"



بعد قليل جاء هيكتور وكان يبدوا متعبًا وجلس بجوارها ليقابلهما الصغيرين... اتكأ على كتفها برأسه قائلًا

"أحتاج للقليل من الصبر.... قليلًا فقط!"

"نعم سيدي."
قالت وقد فهمت أنه يقصد ساندي بكلامه، تلك السيده، لا أحد يعلم ماذا قالت لهيكتور ليُرهق الى هذا الحد!.

بدى القلق على الأطفال بشده... تلك المرأة! ماذا تقصد بإحضار الأطفال للمشفى ووالدهما بمثل هذا الوضع الصحي الخطير! أتريد تحطيم قلوبهم أم ماذا؟



تنهد هيكور يفكر بكلمات الأفعى اللاذعة بشرود
_ "أتحفلُ بنفوذٍ تمارسه على خَدمك؟! لستُ أحدهم لتُملي علي أوامرك... إذا لم تُحقق لي طلبي السابق، فستندم صدقني..."

حدق بروجينا وما يزال يتكئ على كتفها الصغير...
_"إحذر فقد تتأذى إحدى ممتلكاتكَ إذا لم تلبي طلبي!"
وختمت كلامها بإبتسامة لاذعة لا تبشر بالخير...

تعمق بالتفكير بكلماتها وحاول فهم مغزاه... أيعقل أن يصل بها الطمع بأذية أحد أطفالها؟ هذه الأفعى باردة المشاعر... هو لن يستغرب إذا وصلت الى ذلك الحد! ففي نهاية الأمر...

-تلك اللعينة هيَّ من تزوجت أخي لأنها عجزت عن الحصول على إسمي وأموالي!



هو لا يريد التصديق بأنها قد تضحي بأطفال يعرف جيدًا أنها جاءت بهم لتربطها صلة به بأي شكلٍ كان! فقبل الزواج بماتيوس ومعرفة وجوده في حياة هيكتور، كانت تطارده طوال الوقت ولأي مكان مدعية الحب في حين أنها ليست سوى صائدة ثروة... لحد هذه اللحظة لم يصدق أنها خدعت شقيقه وتزوجته حقًا!

وحين كانت ماتزال حاملًا بطفلها الأول، دست السم في شرابه لتتخلص منه! فحسب خططها، يموت هيكتور ليرثهُ ماتيوس... ثم يموت ماتيوس ليرثه صغارها، وبالتالي هيَّ، كُل شيء!

طبعًا هيكتور أفسد خططها هذه! لأن رالف شهد فعلتها فأخبر سيده ليأخذ حذره ويتخلص من المشروب المسموم... بعدها كتب وصية قانونية يتهم ساندي بموته إذا كان قتلًا أو حادثة وحرمها من الإرث إذا كان موته صحيًا... وبذلك حصن نفسه من الخطط التي تتضمن موته. ثم حتى لو مات فسيرقد بسلام لأنها لن تهنأ بفلس من ثروته...



تعمق بالنظر نحو الصغار ليتذكر ذكرياته مع والدته، وكيف أنها أغرقتهٌ وأخيه بالحب... إبتسم بمودة وعطف لا إراديً وهو يحدق بالصغار ذوي الملامح الملائكية، قبل أن تتلاشى بسبب تذكر والدتهم الأفعى الطماعة عديمة الحنان والأمومة لإستغلال صغارها بأنانية...

رغم أن الصغيرين لم يفهما أنها إبتسامة حزينة لكنها زادت وسامته... هتفت سوزي تخاطب أخيها بشيء من الشقاوة
"أنظر جون... عمي شارد!"

قطبت حاجبيها وقد لاحظت عمها يتكئ على كتف روجينا لتشعر بالغيض... فبالنسبة لها كل فتيات العالم غبيات ولا يستحققن الاقتراب من عمها العزيز... وخاصة خادمة وضيعة...

رمقه جون بشك وتفحص ليردف بمكر
"عمي... هل أنت تفكر بممتلكاتك!"

رفع حدقتيه ليخرج من شروده لوقع الكلمة.... فقد كانت الكلمة التي وصفها بها للطفلين حين قابلا روجينا أول مرة... توسعت حدقتيه وهو يفكر بكلام سيندي...
"إحذر فقد تتأذى إحدى ممتلكاتكَ..."

حدق بروجينا بتشتت ليجدها تحدق بجون وسوزي أمامها بعدم تصديق مرادفة بشيء من الإشمئزاز... مع أنها لم تفهم أنها المعنية بالجملة المشفرة من قبل هذا الداهية الذي يتقمص جسد طفل الأحد عشر ربيعًا....
رمقه هيكتور بحدة ألزمته الصمت... التفت لروجينا
خذيهما للبيت... لا داعي لتواجدهم، ماتيوس سيكون بخير لن تستغرق العملية وقتًا طويلًا!"

إبتسمت له بغباء تُشير لنفسها، ليجفل مدركًا أنها كحاله، لا تعرف مكان بيت شقيقه الجديد... هتف مدركًا موقفه المحرج
"إنسي..."

نادت ساندي على أبنائها وهي تعقد ذراعيها وترمق روجينا بشيء من الحقد... تزامن ذلك مع نهوض هيكتور يتوجه لخارج المشفى...

لحقت به بفضول حين غادر جون وسوزي مع والدتهما... وجدته يقف جانبًا قرب مدخل المشفى وهو يعبر عن توتره بتحريك قدمه اليمنى بسرعة... إبتسمت وهي تعرف بأنهُ وإن لم يظهر ذلك، يهتم لأخيه أكثر مما يعبر بكلماته أو تصرفاته....

كان يتكئ على عمود كبير وهو يفكر بعمق، اتكأت روجينا بجانبه وهي تردف بشبه همس
"سيكون بخير... ماتيوس قوي..."

إبتسم وهو يحدق للأسف وهي تقف بجانبه ليظهر فرق الطول بينهما
"حين نعود، ستُعاقبين لتدخلاتكِ هذه أيتها المشاكسة!"

جفلت للحظة قبل أن تنفعل هاتفة
"أهذا جزاء اللعينة التي تقلق عليك؟ لا أصدق... ميؤوس منك..."

قهقه بخفة مع أنه جاهد لإخفائها عنها أكثر من أي شخص في الكون... لتكمل بغَيض وهي تكتف ذراعيها بعبوس
"سحقًا... هذا ليس مضحكًا... كن ممتنًا وإن لم تعبر لمن يهتم بك..."

توسعت حدقتاه وهو يسمعها تشكو بغيض غير آبه لرأيه أو ثمن كلماتها "...فهو أكيد يعاني حين تعاني، لذلك تثقل على مشاعره... الناس تتأذى حين يتأذى من يهمهم أمره... يا رجل أنت لا تُصدق..."

كان مصدومًا لسيل شكواها ذات المعاني الخفية، أيجب أن يحتفل؟ ففكرة أنها تهتم لمشاعره تستحق ذلك... ليس طمعًا بمكانته، نفوذه، أو ماله... إنما لذاته.
صمت بغير تعليق فرفعت رأسها لتتمكن من رؤية وجهه، حدق بها بطرف عينه لترفع يمناها تتفحص حرارته واقفة على رؤوس أصابعها تحت استغرابه...
"ماذا الآن؟!"
قطبت حاجبيها بعبوس
"لستَ محموما! إذًا لما لم ترد؟!"

اغمض عينيه بيأس لمفسدة الجو هذه ليمسكها من أذنها وهو يردف
" عقابكِ سيكون عسير... إنسي لطفي خلال الفترة السابقة منذ عرفتني... أبواب الجحيم فتحت عليكِ!"

حدق نحوه بشيء من الغباء تعيد صياغة -لطفي- بعقلها... وبدل الغضب كما توقع إنفجرت بالضحك بهستيرية وهي تضرب على ذراعه مرارًا
"يا رجل... أنت مضحك جدًا... يا الهي... مستحيل... الرحمة..."

إستمرت بالضحك على التهديد الفاشل في حين تاه بصوت ضحكاتها الرنانة، بالكاد يصدق أنها تضحك بهذه الطريقة الجميلة بسببه...





بمجرد خروج الأطباء من العملية توجهت ساندي نحوهم... فبالنسبة لها، ماتيوس هي ورقة لم يحن وقت فقدانها! طمأنهم الطبيب ليرتاح بالها أولًا والأطفال ثانيًا وهيكتور ثالثًا... وقفت روجينا بعيدًا بطلبٍ منه، كانت تلك طريقته، وإن لم يعترف، في حمايتها...

تأخر الوقت وحل الليل على باريس ليعج الصخب شوارعها... خرجا من المشفى وهي مسحوبة من قبله... العناد... هي تريد انتظار استيقاظه والأخير يعرف أن لا طائل من ذلك فهو قد لا يستعيد وعيه بتلك السرعة وساندي تحدق بها كما ولو كانت تنوي قتلها بقهوانيتاها...



وقف بجانب سيارتهُ ينتظرها لتركب فيها في حين جُل إهتمامها ووعيها بالعالم تركتهم في غرفة شقيقه... سحبها من ذراعها ليُدخلها السيارة في حين هتفت بصخب للحدث السريع
"ماذا؟؟؟"

وجدت نفسها تجلس في السيارة لتضرب جبينها على سرحها... جلس بجانبها لتهتف تعاتب نفسها
"غبية... حتى لو أختطفتِ لن تُلاحظِ!"

أردف بسخرية لاذعة
"لمعلوماتكِ غبائك وسرحكِ المُستمر منبع كل مشكلاتك!"
حدق نحوها مكملًا
"كما في ذلك اليوم! ما اللعنة التي كنتِ تفكرين بها حين كنت تقفين بمنتصف الشارع؟!"

عبست بغيض وهي تنفخ خديها تحاول منع نفسها عن الرد أو أسوء ضربه!
ربما لأنه كان محقً...؟!

اتكأت على مسند الكرسي تريح جسدها من الوقوف المطول وهي تستعيد ما حدث يومها...
"لم أكن واقفة، كنت شاردة وحسب لذا لم أنتبه للإشارة حين قطعت الشارع..."

رفع حاجبيه بعجب، فها هيَّ تبرر له لكن بنبره هادئة.... في كلِ مرة كانت نبرتها مرتفعة وتردد لم أكن كذلك بلا تبرير...



بقيت تحدق بالشارع مبتسمة للمارة وكيف يبدون متحمسين ولا يبالون بالآخرين بل يستمتعون وحسب... داهمها النوم فأغلقت عينها ليقع رأسها على زجاج النافذة يسارها...

والآخر لم يلاحظ فقد ظنها تحدق نحو الخارج وحسب كما صباح اليوم... وصلوا للفندق فنزل قبلها وحين طال انتظاره لها توجه نحو بابها ليفتحه بإنزعاج...

تلاشى ذلك حين إنزلقت نحوه وبحركة سريعة أمسكها كي لا تقع نحو الأرض... حدَّق بملامحها الهادئة طويلًا رغم الموقف
"نائمة بعمق..."

إبتسم بخبث ليحملها وهو يسير نحو الفندق بعد أن ودع السائق جوي... سار وهو يحملها كأميرة مُستقلًا هدوئها النادر...

أدخلها غرفة النوم وتركها على السرير بهدوء... ضحك بخفة لملامحها البريئة ليذكر نفسه بملامحها الحادة كنمرة تنقض على فريستها، وشتان ما بينهما... خلع عنها حذائها عديم الكعب بالون الوردي الخافت والواضح بأنها تمتلكه منذ فتره طويلة، ثم تركها لتنعم بالراحة...







خرج من الحمام ليصله صوت طرقات الباب فتوجه نحوه متواجهًا مع سكرتيرته الفرنسية
" ما الذي جاء بكِ ناين؟"

إبتسمت بهدوء وهي تجيب وزمرديتيها تبرق بلطف
"لم أرد أن تشعر بالوحدة!"

أغمض عينيه بهدوء قبل أن يجيب
"ناين.... لست وحدي وهذا واضح!"

إقتربت منه لتحاول معانقته
"أأنت كذلك؟ تعرفني لا ارى غيرك حين تكون متواجدًا!"

بالكاد إقتربت له أبعدها بحدة
"قلت لكِ ألف مرة عـ.."
قاطعته ترتب رداء حمامه
" علاقتنا لا يجب أن تتجاوز العمل لإخفاء السر... اعرف...."

قطب حاجبيه ليمرر يده نحو عنقها وزمرديتيه محمران
"قومي بعملكِ كما ينبغي ولا تتجاوزي الخطوط التي ارسمها كي لا تتحطمِ معها!"

قهقهت بخفة
"لهذا أنا احبك... حاد الرد، عدائي، لا رحمة..."
ارتدت قناع السكرتيرة الجادة وهي تكمل
"الملف الذي تركته لك... هل اطلعت عليه؟!"

ابتسم للتغير السريع وهو يجيب مبتعدًا
" لم أجد الوقت... ماذا يحوِي؟"

تقدمت لتجلس على الأريكة الثنائية
" المعزوفة التي حدثتك عنه... مدير الفرع..."

غادر ليعود مرتديًا قميص أبيض وبنطال فضي وهو يحمل الملف
"أهذه هيَّ الأدلة التي قلتِ لي عنها؟"

أومأت وهيَّ تتكئ على الأريكة بغير تكلف واضعة القدم فوق الأخرى على الطاولة الزجاجية أمامها
" أجل... لقد تأكدت من الوضح بنفسي، وليس وحده هو والمحاسب ومدير المشروع يختلسون مبالغ طائلة..."

حدق بالملف وهو يشير لها بالمتابعة
"انهم يستقلون مشروع الفندق خاصتك ليملئوا جيوبهم سنويًا من مشاريعكَ في فرع باريس..."

قهقهت بخفة
"الأغبياء حتى حاولوا رشوتي بمال لا يملكونه لأخفي ما قد ألاحظه اثناء تدقيق بعض الملفات وصفقات الإجتماعات حسب عملي..."

فتحت حقيبتها وأخرجت علبة حمراء مربعة الشكل بعد فتحها ورمتها على الطاولة بلا مبالاة
"مدير الفرع السيد ليوناردو أهداني عقد الألماس الباهض هذا كهدية عابرة لخدماتي... أتساءل، كم يربحون ليهديني شيء كهذا بلا مناسبة متذرعًا بوقوفي بجانبه؟!"

رفع حاجبيه بإعجاب على العقد منتصف الطاولة
"لابأس بذوقه... سآتي للشركة صباح الغد، لا تدعي احد يفهم لنفاجئهم! الحثالة التي تمد يدها على الطعام قبل سادتها لا يستحقون كرمهم!"

إبتسمت بإتساع مستمتعة وهي *ماتزال تجلس بنفس الوضعية السابقة
"ليكن الحدث الكبير دراماتيكي ومأساة محطمة يا عازف الأركيسترا، ليبكي الجمهور والعازفون جميعًا، ملطخين بجبروتك الدامي!"

إذا كنت ستصف ناين بكلمة، فهي مازوشية بالتأكيد! لا يهمها سوى أن تستمتع بما يحدث من ألم لها ولمن حولها...



جلس يقرأ الملف بتمعن ليحدق بقرص ليزري أحمر اللون وهو يرفعه
"ماذا فيه؟!"

حدقت به بطرف زمرديتيها
"الحسابات... قبل وبعد التلاعب بها، سندات الصفقات على المصالح رديئة الجودة وبخسة الثمن... بإختصار الألحان!"

قطب حاجبيه يمرر عينيه عشوائيًا على الأرقام والمستندات في الملف... أخذته من يده بحركة سريعة تحت صدمته
"يمكنك رؤيته لاحقًا..."
ثم سمحت لنفسها بالجلوس على ساقه وعانقه
"إشتقت إليك أ..."

تنهد هيكتور بيأس ليقاطعها بتعب
"عودي لمنزلكِ ناين... لدينا يوم حافل غدًا!"

قطبت حاجبيها ترفض بعبوس
"هذا ليس عدلًا... قاسي كالعادة..."
دوت شهقة قوية تلاها إرطام أقوى، نظر خلفه كما فعلت ناين بإستغراب، كانت روجينا تلمس جبينها وهي تواجه الباب وتشتم نفسها بهمس...

توقفت فجأة لتحدق نحوهما بحذر
"تجاهلاني.... لم أرى شيءً!"

ضيق زمرديتيه لروجينا قبل أن يربت على ظهر ناين مشيرًا برأسه أن تغادر... نهضت الأخرى تشكو بملل
"تحطمتْ ناين مجددًا!"
حدقت نحوه لتردف بملل
"العِقد من نقودك تقنيًا لذلك اعتبرني أعدته لك! ضعه مع الأدلة...."

تحت نظرات روجينا المُستفهمة بوضوح ترك هيكتور الملف ليلتقط العلبة ويغلقها قبل رميها على ناين
"إحتفظي بها!"

إلتقطتها لتتركها على الطاولة قرب الباب بإشمئزاز
"لو كنت أريد الألماس لما تركت ثروة جدي للكلاب!"
خرجت تحت صدمة روجينا لتحدق نحو الآخر بحذر وهي ترطب كرزيتيه: "آسفة إذا كنت ازعجتكما!"

حدق نحوه ببرود ليشير لها نحو الطاولة قرب الباب
"أحضري العلبة..."
تقدمت لتجلس بجانبه بعد أن أتت بها كما طلب ليكمل بمجرد استقرارها بجواره
"لم تقاطعي شيءً أيتها المنحرفة!"

أجفلت مُحرجة ليوضح أكثر وهو يبتسم بشرود
"ناين... من القلائل الذين أثق بهم!"
مد يده لتمرر العلبة ففتحها
"من الذين لا يسيل لعابهم وإن قدمت لهم ألذ المأكولات!"

حدقت بمحتوى العلبة بعدم تصديق وهي تسأل بفضول
"أهو حقيقي؟!"
قطبت حاجبيها تدقق ببريقه ليكمل هيكتور
"إنه كذلك.... مع ذلك، فهي فضلت إخباري بما يحدث خلف ظهري على السكوت والربح به..."

إبتسمت بهدوء
" لذلك تثق بها؟!"

حدق بها بطرف عينه والعقد بيديه
"تقنيًا الوحيدة في العالم حتى لآن... كان جدها أحد أشهر مصممي المجوهرات في سبعينيات القرن الماضي... وهيَّ تركت كل إرثها لأبناء اعمامها لتعمل مُستقلة بنفسها... وصفها الصحافيون أنها مجنونة لترك ثروة خيالية جاءت سهلة في حين هي تستمتع بإنجاز الأمور بنفسها... "



إبتسمت روجينا بذهول
"مذهلة... أنا معجبة بها من الآن!" صمتت بحذر قبل أن تكمل
"أهيَّ... سيدة بلاديمون مستقبلًا؟!"

توسعت زمرديتيه بشدة وهو يحدق بها مصدومًا... أتدرك ما تقوله؟ فرت منه ضحكة ساخرة وهو ينفي بهدوء
"مستحيل!"
"لما لا؟!"
خرج سؤالًا حائرًا منها ليجيب بشرود
"لأنها... أختي!"



توسعت زرقاوتاها وتقلص بؤبؤيها لترفع نظرها نحوه بصدمة
"أختك؟!"
حدقت بزمرديتاه بعدم تصديق... لتردف بعدم إقتناع
"لم يخبرني ماتيوس بذلك... أقصد لقد تحدثت معه مرة واحدة وهكذا..."

تمدد وهو ينهض ليجيب بتهديد
"إياك، ثم إياك وأن يعرف ماتيوس..."

توجه نحو غرفة النوم لتهتف روجينا
"كيف لا يعرف؟!"



عاد من غرفة النوم ثم يحدق بها وهو يحمل ستره بنفس لون البنطال الفضي... لقد سمح لنفسه ولأول مرة في حياته، أن يعترف بهذا السر لأحد! تنهد وهو يردف بتوضيح
"إنها أختي من والدي... إكتشفت ذلك صدفة وذلك حين رأيتها مع أبي وكانت تتحدث معه تلك المراءة وهيَّ تحمل ناين الصغيرة... كنت حينها في السادسه ولم أهتم كثيرًا... وأمي كانت أشبه بالملاك، لم أرد كسر أجنحتها!"

قالت بذهول
"مستحيل... أأخفيت ذلك طوال ذلك الوقت، لا شك أنه كان صعبًا، مروعًا ومؤلمًا!"

إبتسم بإستخفاف
" لن يفهم عقلكِ الذي يرى كل شيء زهري بشاعة اسرار التي تتعلق بخيانة الأب أو الأم... أنا لم أشعر بأيٍ مما قلتٍ... بإختصار، إعتدت رؤية ذلك... ليس كأنها كانت المراءة الوحيدة في حياة والدي... الإختلاف الوحيد، أنها الوحيدة التي تركت له إبنة!"



سألت بفضول حين وجدته يجيب مفرقًا ما في خلده...
"وماتيوس لايعرف مع أنه الأكبر...؟"

أشار لها أن تقترب له ففعلت ليمسك تحت ذقنها مبتسمًا بتحدي
"ألا نهاية لفضولكِ خادمتي؟!"

عبست لوقع الكلمة لتهتف بملل
"تتحدث عني كما لو كنتُ خادمتك للأبد!"

مد يده نحو عنقها ببطء لتتذكر آخر مرة فعلها فجفلت بخوف... هتف بحدة ممسكًا بعنقها بكلتا يديه
"روجينا... إفهمي، أنتِ ملكي! لن يغير أي شيء في العالم هذه الحقيقة!"

قطبت حاجبيها منفعلة لتنهال دموعها
"لست ملكًا لأي أحد... لست شيءً لتتملكه... أنا روجينا أندرسون، كوني اعمل لديك لايعني أنك تملكت هويتي! لا امانع العمل لديك، لكنك تبالغ..."

حاولت إبعاد يديه في حين يضغط بإبهاميه على عنقها... شعرت للحظة بأن كل شيء أصبح ضبابي لتجد نفسها تنهار على الأرض وهو يحدق نحوها بحدة: "هيكتور.... أنا أختنق!" قالت بكلمات متقطعة وبصعوبة ليستعيد نفسه فهتف قرب وجهها وهي تتمدد على الأرض
"شئت أم أبيتِ... أنتِ ملكي!"

أومأت عله يتركها ليهتف قرب شفتيها
"قريبًا... سأجعلكِ كذلك!"
إبتسم إبتسامة مختلة وهو يتزيل احد يديه ليرتببها شعرها بلطف...

دفعته ليبتعد لكنه لم يتزحزح فهتف بحذر
"لاتحاولي التملص من سلطتي عليكِ... لأنه ومهما فعلتِ ستعودين لي جاثية..."







إستفاقت صباحً لتجد نفسها وحدها على اريكة الصالة... فجئة تذكرت ماحدث، تلمست عنقها مدركة أنها فقدت وعيها... نهضت بفزع تبحث عنه لتجد نفسها وحدها في الجناح... عادت لغرفة الجلوس لتلاحض ورقة بيضاء على الطاولة الصغيرة قرب الهاتف الداخلي... *

"إشتري لنفسك فستانً راقي، سنذهب لحظور حفلة عمل هذا المساء..."

حدقت بالنقود التي كانت تحت الورقة لتصدم بكثرتها... عبست بغيض
"ماذا يظنني؟ يهينني، يخنقني ويفقدني وعيي ليتصرف كما لو لم يحدث شيء؟!"

صمتت طويلًا قبل أن تصرخ مفرقة كل سخطها
"اللعنة!"



حدقت بنفسها ماتزال ترتدي نفس الملابس التي جائت بهم من نيويورك... أخذت حمامًا قبل أن تغادر الجناح... كانت ترتدي قميص بأكمام طويلة بالون العاجي مع جينز وسترة سوداء وحذائها الرياضي الأبيض... في البداية قررت تجاهله وأنها لن تنفذ ماقالته وذلك قبل صعود المصعد قاصده المشفى... حدقت بإنعكاسها في مرآة الجانبية لتلاحظ الأثر المحمر على عنقها رقم أنه خف بعد الإستحمام... إزدرقت ريقها تحدث نفسها
"اشعر أنني سأموت إذا جادلته!"



تنهدت بتعب لتصدم به حين فتح باب المصعد، يبدوا أنه كان عائدً لتوه... خرجت لتقف أمامه فقال بشيء من الراحة
"عدت في وقتي... لنذهب معًا!"

حدقت به وهي ترفع حاجبها الأيسر
"أتمزح؟!"

سحبها من ذراعها وهو يجيب بشكوى
"لا أثق بك! ستتوهين، تقفين بمنتصف الطريق شاردة، أو أسواء تختارين فستانً بشع لايناسب المكان الي سنقصده!"



تابع سحبها وهي مجفلة وتقنع نفسها أنها إحتمالات قوية... عدى الأخيرة!
"لمعلوماتك... ذوقي بالثياب جميلٌ جدًا!" قالت ذلك وهي تقف بمجرد خروجهما من مدخل الفندق الزجاجي...

التفت نحوها بسخرية وهو يحدق بملابسها البسيطة، القديمة والبشعة برأيه... أطلق ههء ساخرة ليسير مبتعدًا
"أيًا كان..."



دخلا محلًا فاخرًا ليسير هيكتور بين الملابس بتدقيق... كأنهُ يتسوق لنفسه! قدم لها فستانً وردي خافت لتجربه فرفضت قطعًا
"أنظر إليه... إنه... إنه..." حدقت جانبًا وهي تكمل بشبه همس: "يكشف الكثير!"

حدق به بعدم فهم، ليرميه عليها ويتابع البحث
"مازلتِ ستجربيته مع هذا..." مرر آخر بالون الأبيض لايختلف عن سابقه بكثير...

رفعت الفستان الأبيض تحدق به بملل
"أليس مبالغً به؟! أنظر لتنورته إنها واسعة... لايحتاج سوى القليل ليبدوا كثوب زفاف!"

تجاهلها وهو يرمي فستان موزي على وجهها
"توقفي عن الشكوى وجربي الثلاثة..."

نظرت له بتحدي
"أتيت معك لأجل ماتيوس وليس لحظور أية لعنة... ثم مادخلي بإجتماعك هذه؟!"

تجاهلها مجددًا وهو يشير للمؤظفة ويتحدث معها بالفرنسية بطلاقة
"دليها على غرفة القياس..."

إبتسمت المعنية وهي تشير لروجينا جانبًا لتلحق الأخرى بها بيأس... بعد أن هتف بها
"هذا أمر!"



خرجت بالفستان ذي التدرجات بين الأبيض الى الموزي نهاية التنورة وكان حريري وطويل عديم الأكتاف مزين بكريستالات ناعمة على الصدر والخصر... كان يناسب جسدها بشدة... خرجت وعلى وجهها تكشيرة صغيرة وهيَّ تقول
"الجو بارد..."

أشار لها أن تدور حول نفسها ففعلت بملل... لم يعد يجادلها بل يفرض طلباته وحسب...

عادت لتجربة الأبيض وكان ذو طبقات عديدة وتنورة واسعة وأيضًا عديم الأكتاف أيضًا... بمجرد خروجها كانت ترفع التنورة من الأمام لتسير نحو المرآة... جفل للحظة لمظهرها الخلاب... العقل يقول له مزقه وقلبه يقول فاتنة!

أشار لها لتعود لغرفة التبديل وهو يحافظ على ملامحه جامدة وبصعوبة... إزدرق ريقه بمجرد دخولها وقد فهم قصدها حين رفضت تجربة الفساتين... الزهري كان أكثرها إعتراضًا وكانت محقة... خرجت تضع يديها أماهما وقبل المثول أمام المرآة قالت بحدة
"مستحيل..."

اغمض عينيه بيأس منها ومن نفسه... مالذي ورط نفسه به؟ جائت المؤظفة التي كانت تساعدها في التبديل وحثتها للسير نحو المرآءة مجددًا لترتب لها الفستان بحركة ناعمة وسريعة وأخفضت يديها وهيَّ تقول: "كل شيء يليق بكِ... تبدين ساحرة الجمال!"

حدق بها من مكانه بتردد فقال بحذر
"أيهما إرتحتِ به اكثر روجينا؟"

تنهدت بيأس لكونها بين الثلاثة فقالت بهدوء
"الموزي... لكن لونه...."

تمتم لنفسه "موزي؟!" وقالت المؤظفة تقف خلفها وتمسك كتفيها
" ذلك التصميم متوفر بالون الزهري، السماوي والأخضر... أوه وكذلك الأبيض... فكرة التصميم أن تكون الألوان خفيفة..."

قال كليهما في نفس الوقت
"السماوي إذًا!"

التفتت نحوه بعدم تصديق لتجده يبادلها نفس النظرات...



خرجا من المتجر ليتوجها نحو آخر خاص بالأحذية والحقائب... إختار لها حذاء اعجبها ولم تجادله عليه بالون الأبيض ذو كعب متوسط...

بطريقةٍ ما كان يحرص على جعلها تبدوا جميلة ومرتاحة... وضع لها عقد لؤلؤ مزدوج وهو يردف بتحذير: " حين نصل، كل ماعليكِ فعله أن تبقي بجانبي... لاتبتعدي عني ولاتتحدثي مع أيًا كان إن لم أشارككِ الحديث... لاتشربي مالاتعرفين محتواه ولاتقبلي دعوات الرقص... مفهوم!"

أومائت بيأس فهو لايريد إخبارها شيءً... أردفت بسخرية
"كالدُّمية!"

تشابكت زمرديتيه مع زرقاوتاها ليردف بتوضيح
"دميتي!"







دخلا المطعم الذي أبهرها بكثرة الزهور البيضاء والوردية بمبالغة، تقدمت بجواره وهي تنستند على ذراعه كما طلب منها وهي ترسم ملامح هادئة وجامدة لتبدوا حقًا كالدمية... تسرح شعرها بضفائر عديدة تثبتها مشابك بطرف لئالئ تلمع بلون سماوي خفيف كحال العقد والقرطين الصغيرين...

كان يعرفها على الناس المهمين وهي لاتعرف مايقوله لكونهم يتحدثون بالفرنسية وهيَّ لاتفقه شيءً منها وكل ماتفعله هو المصافحة مبتسمة بخفة... الشيء الوحيد الذي كانت تفعله هو الوقوف معه، وجعله يبدوا رائعًا لوقوف فتاة جميلة بجانبه!



همست في أذنه
"سأذهب لدورة المياه..."

حدقت به بملامحها الجامدة والمحرجة ليبتسم وهو يهمس بلطف لم تره من قبل
"لا داعي!"

توسعت حدقتاها لتضغط على ذراعه وهيَّ تقطب حاجبيها بشيء من الإنزعاج فقال مبتسمًا بهمس
"هل أنتِ كطفلة؟!"

تركت ذراعه معتذرة وإبتعدت عن جمعه معه مجموعة الرجال، أغضبه ذلك رغم إخفائه بمهارة أمامهم ليعتذر منصرفًا بعد أن شعر بتأخرها...



كانت تجلس بجانب البار وهي تنحني لتلمس اصابع قدمها وتدلكها لكثرة الوقوف، فتقدم منها شاب بدى راقي الهندام ببذلة سوداء وربطة عنق فضية... إعتدلت بجلوسها لتستقيم بظهرها حين لاحظت جلوسه والتحديق بها بجراءة...

" وحدك! أتشربين شيءً؟"
شعرت بنبرته تأتي متسائلة وقد كانت لهجته الفرنسية واضحة وهو يشير للساقي...

إبتسمت بسخرية لتهتف بلامبالاة
"ربما! وربما لا! لكنها لا بالتأكيد..."

كانت تتحدث معه بلهجة غير مبالية فتحمس للتحدي أمامه ومد يده مصافحًا
"جوناس لورج..."

رفعت حاجبيها لتردف بوقاحة تحت لهجتها الساخرة
"جيد لك!"

توسعت حدقتاه وهو يحدق بيده في الهواء فقطب حاجبيه بإنزعاج إجتهد ليخفيه
"أتعرفين من أكون؟!"

لفت الخصلة المتدلية أمام أذنها وقد قامت بتمويجها مسبقًا حول إشارتها وهي تنظر أمامها بلا مبالاة
"واحد منهم!" حدقت نحوه جانبًا وهي تبتسم بتبرم
"السيد ينتظرني!"

نهضت بعد ذلك مباشرةً لتتوجه نحو هيكتور تبحث عنه بزرقاوتاها فوجدته يحدق نحوها بإنزعاج طفيف... تقدمت نحوه لتتمسك بذراعه متنهدة بشبه همس...
"حثالة!"
خرجت كما فكر بها حين شهد حديثها مع ذلك الشاب... فللحظات ظن أنها ستستغل الفرصة لتجذب شابً غني من الحفلة... لكنها روجينا! شعر بالذنب لإساءة الظن بها مجددًا، فهيَّ دائمًا تخيبها...

التفتت نحوه جانبًا وهيَّ تسأل بشبه همس
"أتعرفه؟!"
حدق بها لتكمل
"الفتى المثير للشفقة الذي جلس بجانبي!"

فرت منه ضحكة ساخرة لوصفها له بالمثير للشفقة وهو يجيب
"جوناس لورج... وريث سلسلة مصانع لمنتجات الغذائية! الفتى على حد وصفك، له ستون بالمئة من سوق الأطعمة المعلبة والفاخرة..."

ضحكت بخفة وهي تردف ساخرة من الموقف
"روجينا اندرسون، فتاة الميتم، النادلة وعاملة المتاجر..."

نظر للأسفل نحوها ليكمل بسخرية لاذعة وجدتها بنبرته
"دمية هيكتور بلاديمون!"

جفلت لتنظر نحوه بإنكسار وقد تلاشت إبتسامتها... تقدم رجلٍ عجوز ببذلة سوداء بنفس الوقت، كحال اغلب رجال الحفلة وهيكتور واحدٌ منهم، ليتحدث معه فصمتت تجتهد الإبتسام بتكلف حين تحدث الرجل معها وهي لاتفهم اللغة...
"من النادر رؤيته مع إمرأة... انا متفاجئ بصراحة..."
كل ماتمكنت فعله هو الإيماء مبتسمة بلطف...

قالت بعد إبتعاد الرجل
"بمجرد الإطمئنان على ماتيوس... هل لي أن أعود لنيويورك..."

إبتسم بعبث وهو يجيب بثقة
"الإتفاق لايسير بهذه الطريقة... طلبتي مني القدوم وأنا طالبتك بشرط... تذكرينه...؟ أنا من يقرر ماذا ومتى تفعلين مايجب أن تفعليه..."

قضمت شفتها السفلى بحسرة لتذكيرها كيف وافق هيكتور على قدومها معه... ليس حبًا بها أكيد، ستنفذ طلباته وتفعل كل مايطلب منها خلال الشهر المقبل... وذلك يتضمن الحفلات والتجمعات الإجتماعية... بإختصار ستكون واجهة لعرض جمالها بجانب سلطته وجبروته!...





تقدت نحوه وهو يجلس على السرير ويبعد الربطة بتعب... حدقت نحوه مدعية القوة
"أعرف أنني وافقت على مرافقتك، لكن هذا لايعني أنني لست إنسانة! لقد كنت أشعر بأنني عديمة الجدوى بجانبك... مالنفع من كـ..."

قاطعها وهو يمسك بيدها ويسحبها قليلًا
"لسانك هذا... سأقصه حقًا يومًا ما! إفعلى ما اطلبه ولاتناقشيني... تعلمي إطاعة الأوامر لتنعمي بحياةٍ هادئة!"

قالت مُعترضة
"من قال لك أنني..."
قاطعها مجددًا
"قلت ذات مرة أنك تجيدين فعل أي شيء!"
أومائت وهي تردف بحذر
"أكيد... لقد عملت بوضائف عديدة..."

إبتسم وهو يحرر يدها
"دلكي كتِفي!"

جفلت للحظة لتردف بتأكد
"تدليك!"
أومأت ثم جلست على ركبتيها خلفه وماتزال بفستانها السماوي وبدأت تضغط على أكتافه وعنقه برؤس أصابعها بقصوة تصاحب نعومة بشرتها رغم عملها الدئوب.... قالت بلطف بعد أن تلاشى إنزعاجها
"لقد عملت في التدليك لشهرين قبل سنة... اكان ذلك مذكور بالبحث الذي أجريته عني قبل توضيفي رسميًا؟!"

أومأ بصمت وقد سرى شعور الراحة في جسده من ضغطها المستمر على كتفيه العريضين...







في الصباح الباكر خرجت قبله مرتدية لقميص أحمر ذو اكمام طويلة مع جينز اسود طويل وحذائها الرياضي الأبيض، لتركض نحو السائق وتلقي التحية مبتسمة
"صباح الخير ياعم...."

بادلها التححية مضيفًا
"تبدين سعيدة يبنتي..."

أوماءت مسرورة وبحماس
"لقد إستعاد السيد ماتيوس وعيه البارحة... وسنذهب لرؤيته..."

إبتسم العجوز جو وهو يفتح الباب
"هذا رائع..."
التفت لهيكتور وقد خرج لتوه وهو يرتب سترته السوداء ويغلق زريها "صباح الخير سيد بلاديمون..."

رفع المعني نظره ليبادله التحية بملامح مهمومة
"صباح الخير..."
ثم تابع بشبه همس لنفسه
"أي خير يأتي من مقابلة الأفعى من بداية النهار..."







دلفت غرفة ماتيوس الخاصة في المشفى لتهرع نحوه بسعادة
"ماتيوس... كيف حالك؟"

رمش بعينيه عدة مرات وهو يتمتم بعدم فهم
"أنتِ؟!"

دلف هيكتور بعدها فقد سبقته ركضًا لحماستها... توسعت حدقتيه لهذا اللقاء غير مصدق... ربما لأنه لم يتوقع أن الشقراء التي بالكاد قابلها مرة في حديقة بيت أخيه ستستمر بالعمل لديه أكثر من اسبوعين! فهو يعرف أن قسوته أبعدت الكثير من العمال سابقًا...

وأخيه الذي ختم آخر لقاء لهما بالكم سيزوره بعد ما قالاه لبعضهما... فأي السيناريوهات سيطبق؟




*يتبع*


https://j.top4top.io/p_2301mqewp2.png

ساي
01-02-2021, 04:35 PM
https://c.top4top.io/p_1539x1d5v2.gif (https://top4top.io/)



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف حالك ؟
إن شاء الله بخير وما تشكين من شئ

إطلاله جديدة مع فصل مبهر منكِ ، توقعت الكثير منك لكنكِ حطمتِ جميع توقعاتي .

مضيفة الطيران لو كنت مكان روجينا كنت قتلتها وأرحت العالم منها ، أعجبتني تصرفاتها الطفوليه ..
إلهٰي ناين السكرتيرة المثالية أحببتها من الآن أراها مثلي الرائع سأقتدي بها > ههههه
ساندي لا تصلح أن تكون أم أو زوجه لم أرى في حياتي أم تستغل أطفالها ولن أرى ، ماتيوس يستحق أفضل منها ..
وعلى ذكر ماتيوس تقطع قلبي عليه ، بس الحمدلله هو بخير .

عليّ أن أقف بجانب روجينا في هذا المقطع [ ثم سمحت لنفسها بالجلوس على ساقه وعانقه
"إشتقت إليك أ..."
تنهد هيكتور بيأس ليقاطعها بتعب
"عودي لمنزلكِ ناين... لدينا يوم حافل غدًا!"
قطبت حاجبيها ترفض بعبوس
"هذا ليس عدلًا... قاسي كالعادة..." ]

لأنني فكرتُ مثلها ، إلهٰي تصرفاتها لا توحي بذلك
وما حدث بعدها جعلني أضحك بشده ..

إنصدمت عندما علمت أنها أخته > يجب أن أُصفع لكي أفتح عيناي جيدًا .
ناين وشخصيتها بالنسبة لي رائعة رؤية غيرك يتعذب ممتعة > لازم أصف معها .

فصل رائع و صادم لم أتوقعه هكذا ..

مهما قلت وتحدثت لن أوفي حقك ..

شكراً لجهودك ..
تقبلي ردي وخالص ودي 💖💖..