المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حين يتحكم القدر بالحياة


فِريـال
12-10-2020, 05:25 AM
-





https://mrkzgulfup.com/uploads/160756604022991.png

العنوان: حين يتحكم القدر بالحياة

التصنيفات؛ رومانسي، مدرسي، شريحة من الحياة

القصة؛ عن صديقتين مقربتين لاتزيدهن المحن الا قربًا...
وها هو القدر يشبك خيوطه باستمرار...

عدد الفصول: 14 او 15

بداء التأليف مارس 2017

الختم ديسمبر 2020


ملاحظة؛ تم دمج بعض الفصول الاقدم لقصرها، وتعديلات طفيفة
ولمن تابع الرواية في عيون، الفصل التاسع هو اخر تحديث.

كما اعتذر للإطالة، دائمًا الضروف واجهنني في الرواية ذي :'(

الغلاف رسمي، ان شاء الله انشر رسومي للشخصيات مع نهاية الروايةangle1

-


الفهرس:

الفصل الأول (https://woonder-land.com/vb/showpost.php?p=115456&postcount=3)

الفصل الثاني (https://woonder-land.com/vb/showpost.php?p=115457&postcount=4)

الفصل الثالث (https://woonder-land.com/vb/showpost.php?p=115458&postcount=5)

الفصل الرابع (https://woonder-land.com/vb/showpost.php?p=115624&postcount=6)

الفصل الخامس (https://woonder-land.com/vb/showpost.php?p=115625&postcount=7)

الفصل السادس (https://woonder-land.com/vb/showpost.php?p=115626&postcount=8)

الفصل السابع (https://woonder-land.com/vb/showpost.php?p=115627&postcount=9)

الفصل الثامن (https://woonder-land.com/vb/showpost.php?p=115628&postcount=10)

الفصل التاسع (https://woonder-land.com/vb/showpost.php?p=115629&postcount=11)

الفصل العاشر (https://woonder-land.com/vb/showpost.php?p=115894&postcount=12)

فِريـال
12-10-2020, 05:28 AM
-




نجمه7نجمه7نجمه7


لطالما كانتا صديقتين الأقرب لبعضهما، ومهما تحدتهما الحياة تُناضلان لتجاوزها!

الأولى لم تعد الحياة تمنحها السعادة بل وتسلب منها باستمرار، والأخرى منحتها الحياة كل أسباب السعادة وتستمر الحياة بمنحها المزيد!


الإبتسامة الغامضة التي تُزين ثقر الأولى بإستمرار كانت الحبل المنقذ لها إلى أن جاء دورها لتحضى باسباب السعادة... في حين تتجرع الثانية الم الخسارة لأول مرة في حياتها!

لابأس في أن لاتحضى بما تتمنى، لكن ماذا لو فقدت ما حصلت عليه بعد تمنيه؟!

مشاعر متضاربة واحداث مفاجئة تخل بتوازن القدر الذي اعتادتاه ياجيما وناتاليا.

القدر يلف خيوطه حول اعناق الجميع، لكن حياتهما ستتغير عَما عرفتاه مئة وثمانون درجة!

فِريـال
12-10-2020, 05:41 AM
-



"حين يتعلق الأمر بمن نحب، تفيض مشاعرنا، تتعقد تصرفاتنا بحيث لانفهم انفسنا!"

✧✦✧




-1-


*ياجيما*

استيقظتُ هذا الصباح وأنا فى قمّة نشاطي، بدأتُ بتنظيف البيت، حين انتهيت

ذكرتني أمي أن علىّ تنظيف الطابق الثاني ومسح الغبار جيدًا، بعد ساعتين انتهيت من عملي تمامًا،

سنستقبل خمسة فتيات كمستأجرات لغُرف الطابق الثاني، لأكون صادقة، هذه طريقتي لتأمين حياتنا!

فبعد أن توفي أبي فى حادث سيارة وأنا أخذتُ دورهُ ودور أمي أيضًا، فى وقتها كانت أمي معه فى السيارة

لكن الحمد لله فقد حفظها لي، تعاني أمي من قلة انتباه ونوبات فزع منذ يوم الحادث

وأنا أخذتُ على عاتقي العناية بأخي الصغير جوان لأخفف الثقل عنها ولو قليلًا، أما دراستي..

تأقلمتُ مع الوضع وبتُ أحاولُ تدبير أمري، وصديقتي الغالية ناتاليا لا تُقصر فى حقي البتة،

تساعدني دائمًا وتتحملني رغم بطء استيعابي للدروس، خاصة الفيزياء والرياضيات.

جلستُ أحاول إشغال نفسي بالتلفاز، فى النهاية بعد أن غيرتُ القنوات جميعها أطفأتهُ بملل،

التلفاز ممل! لم يسبق أن استقريتُ لمتابعة شيء!

مددتُ جسدي على الأريكة مقابل التلفاز منتظرةً قدوم ناتاليا، ليس من عادات ناتالي أن تتأخر عني!

أين اختفت؟ نهضتُ لأتصل بها، بعد أن رن الهاتف مرتين أجابتني بكُل أشكال عبارات التأسف!

وقالت أنها فى الطريق.

ناتاليا فتاة لطيفه جدًا!، هىّ صديقتي منذ أيام الحضانه! ترعرعنا معًا وكبرنا معًا وتسلينا معًا،

حتى أننا كنا نُقلّدُ ثياب بعضنا ونشتري كل ما يعجب إحدانا! فأصبح لدينا نفس الثياب التى لدى الأخرى!

هذا جنون، أعرف! لكن الجنون أننا نُقلدُ بعضنا حتى بتسريحة شعرنا! حتى أن جميع صديقاتنا يقُلن:

"لولا تناقضُ ملامحِنا لصدقن أننا تؤام!"

لدى ناتاليا شقيق يكبرها أربع سنوات، هو حارسٌ شخصي لابنة رجُل أعمالٍ معروف،

على الرغم من أنه يستطيعُ تدبر عملٍ أفضل! أنا وناتالي ندعي عدم معرفة الأمر، ونزعجهُ دائمًا

بترهات لا معنى لها بُغية أزعاجه فقد كان يعملُ كحارس لتلك الأجنبية لأنهُ مغرمٌ بها!

هيروشي هو الأخ الأكبر الذى لم أحظ به، هو دائمًا يُدللني كما يُدلل شقيقته ويأخذنا لحيثُ نشاء

مادمنا لا نخالف بضعة قواعد أخلاقية.

بعد دقائق من الانتظار وصلت ناتاليا وفتحتُ لها الباب، بعد السلام رحبتُ بها فى المجلس وأحضرتُ عُلب العصير لكلينا،

استفسرت عن سبب استيقاظي المبكر على غير العاده فأخبرتها عن استقبال الطالبات مع بداية السنة الدراسية الجديدة. قالت مؤنبة لي:

"ما هذا ياج؟ لمَ لم تُخبريني لأساعدُك؟ أولستُ صديقتك وسندك فى كُل شيء؟

أين ذهب وعدُكِ في أنكِ ستسألين المساعدة فى كُل شيء؟"

كانت تقولُ أول ما يأتي فى بالها!

كُل ما تهتمُ به هو أن تُثبت وجهة نظرها! أوقفتُها عن الحديث مُغيرة الموضوع ببسمة غبية أرسمها دائمًا:

"كيف كانت عطلتُك فى الجبال؟ هل استمتعتِ مع عائلتك؟ هل قابلتِ أوريليا؟

والصور! هل تصورتي هُناك؟ لا تقولي أنكِ لم تُحضري الصور معك! سأقتُلك!"

انهلتُ عليها بكل أسئلتي دُفعةً واحد، كي أغير الموضوع طبعًا! هذه التقنية تنجحُ معها دائمًا! لأنها بدأت تصفُ لي

ما رأتهُ وما فعلته بالتفصيل وهىّ تُجسدُ الحديث بيديها، هذا ما تفعلهُ دائمًا حين تتحدث عن شيء يُعجبُها أو يُحمسها!

بعد ساعة من الحديث بالتفصيل الممل أخرجت الجهاز اللوحي خاصتها، لتُريني الصور التى التقطتها كُلما سنحت لها الفرصة..

فى النهاية قالت بأسف وفى عينيها شيء من التأثر بصدق:

"ليتكِ كُنتِ معي!"

ثم ضمتني مُكملة:

"لقد اشتقتُ لكِ كثيرًا، مؤسف أنكِ لم تستطيعي القدوم معنا هذه السنة، اشتقتُ إليكِ كثيرًا ياجيما."

أقسمُ أني أرى تلك الدموع تتجمعُ فى عينيها السماويتين وهما تحمران بشدة، هذا ما يحدثُ فى كُل مرة تبدأ بالبكاء. قلتُ لأخفف عنها:

"لا عليكِ، أنا استمتعتُ بوقتي! كانت تُقامُ حفلات هنا فى الشاطيء وقد حضرتُ بعضها وكذلك تعرفتُ على أصدقاء جدد وخرجتُ وتسوقت معهم،

وتعلمتُ إعداد بضعة أصناف طعامٍ جديدة... رسمت كثيرًا وجربتُ الكتابة والتأليف! كانت تجربة ممتعة، باختصار حالتي لم تكُن مؤسفة كما تظنين...

القليل من الملل لا يقتُلُ أحدًا!"

أعترف أني بالغتُ بما قُلت! أنا لم أفعل ما ذكرتهُ سوى مرة أو مرتين، لكنني لا أريدُ أن تنزعج ناتاليا أو تلوم نفسها!

لقد تجاوزت الأمر وعادت لمرحها المُعتاد. بعد الكثيرُ من الأحاديث وتناول الغداء مع أمي وأخي جوان...

وثم معاودة الحديث لفترة طويلة وبمواضيع مُختلفة، نهضت لتعود للبيت، طلبتُ منها البقاء لكنها أنهت إصراري بعبارتها المعتاده:

"وعدتُ أمي أن أعود قبل المغرب وأنا لا أخلفُ وعودي."

ثُم أتصلت بشقيقها لتُجرب حظها إذا كان يستطيعُ إعادتها للبيت بدل ركوب سيارة أجري وكان ردهُ كالعاده:

"انتظري سأتي باسرع ما يمكنني!"

لا أذكر أنهُ قال لا ولو لمرة واحدة! أنهُ أخ رائعُ حقًا... إتصل بعد عشرة دقائق لتخرُج! كان هذا سريعًا جدًا،

أتوقعُ أنهُ كان فى مكان قريب من هُنا. عندما خرجنا قالت ناتاليا وهىّ تنظر أمامها بإستغراب:

"ألا يزال هذا الرجُل جالسًا هُناك!"

نظرتُ لحيثُ تنظر بكُل هذه الدهشة، قلتُ لها:

"هذا السيد يأتي لهُنا كثيرًا ويجلسُ مكانه ليتأمل البحر فترات طويلة بشكلٍ يومي،

يبدو أنهُ اُعجبَ بالمنظر فى هذه البقعة من الشاطيء."

نظرت لي مُستغربة، أعرفُ ناتاليا، لا شك أن كلامي قد حرك فضولها، لكنني لم أفتح بنس شفتايّ ولم أعلق على دهشتها البتة.

ودعتها بعد أن تحدثتُ مع هيروشي، وتطمأنتُ على أحواله، لم أرهُ طول عطلة الشتاء، تغيرت ملامحهُ قليلًا،

تبدو عليه الرجولة أكثر من ذي قبل، كيف لم ألاحظ ذلك طوال اليوم؟ وناتاليا أيضًا تغيرت بعض الشيء

فقد قصت شعرها قليلًا!



*ناتاليا*

تبًا! منذ غادرتُ بيت ياجيما ولا يشغلُ بالي سوى ذلك الرجُل! لمَ يجلسُ هناك؟ ألا يمل من الجلوس طوال ذلك الوقت يُناظرُ البحر؟

ما الذى يُفكر به؟ هل هُنالك ما يُحزنه؟ هل يُذكرهُ المكان بأحد مُعين؟ أيُعقل أنهُ انفصل عن حبيبتهُ هناك ويأتي ليتذكرها؟ لا لا لا لمَ أفكر بهذه الطريقة؟

غفوتُ بعد كُل تلك الأسئلة وأكثر، لم يفارقني أمرهُ حتى فى الحُلُم!

استيقظتُ شبهُ غارقة بالعرق، أكادُ أجزم أني محمومه! تلمستُ عنُقي بتعب ثم نهضتُ وفتحتُ ستائر غرفتي ليدخل النور عنوة،

لم أتحمل سطوع الضوء فأغلقتُ الستائر بسرعة، اختلستُ نظرةً على الساعة بعد أن اعتادت عينيّ على الضوء، كان الوقتُ العاشرة والنصف!

غريب لمَ لم يُقِظني أحد؟ خرجتُ من غرفتي بثياب نومي القصيرة، بلوزه بلا أكمام وسروال قصير، بحثتُ فى كُل مكان،

لكن لا أحد سوى الخادمة فى البيت! سألتها أين الجميع فردت:

"السيد غادر للشركة فى الصباح المبكر، والسيدة ذهبت للجامعه لتُمهد الدروس التى ستُدرسُها هذا الفصل

وقد أوصلت اكاني للمدرسه لتُسجل بياناتها وتستلم كُتُبها والسيد هيروشي كالعادة لم يعد البارحة."

غادر الجميعُ وأنا نائمة! لكن لحظه ماذا عن جدتي؟ سألتها، فقالت وهىّ تُشيرُ للخارج:

"فى المجلس التقليدي وتستضيفُ أحد صديقاتها لشُرب الشاي."

تمتمتُ ببضعة كلمات شُكر ثُم عدتُ لغرفتي، أخذتُ حمامًا سريع وارتديتُ فستانًا خفيفًا فالجو جميل.. اتصلتُ بـياجيما لأرى أين هىّ، فأجابتني:

"أنا فى المدرسة جئتُ مع أخي جوان لنُكمل تسجيل بياناته."

طلبتُ منها انتظاري، وغادرتُ البيت بعد أن طلبتُ سيارة أجرة، إتجهتُ للمدرسة ودخلتُ متجه نحو قاعة المدرسين، قابلتُها هُناك،

كان الكثير من الطلاب الجُدد مُلتفين حول أربعه من المعلمين يُسجلون بياناتهم فافترضتُ أنهُ اليوم الأخير لتسجيل الجُدُد..

التففتُ أثر طنين صوت أعرفهُ جيدًا لألتقي بأختي الصغرى آكاني وهىّ تقول باستغراب: "ماذا تفعلين هنا ناتاليا؟"

إستجمعتُ نفسي مُجيبة: "أتيتُ لأرى ياجيما."

تلفتُ حولي وإذا بها تقفُ بجانب شقيقها وتلوح لي ببسمتها المعتادة، هذه البسمة التى تحملُ كُل معاني الصداقة بيننا منذ الأزل،

اقتربتُ نحوها ورافقتني اكاني بخُطايّ، لم أكَد أصلُ إليها حتى ضمتني بقوة كما لو كُنا لم نلتقِ منذ دهور! مع إننا كُنا معًا بالأمس فقط!

على من أكذب، أنا نفسي يتملكُني هذا الشعور!

اقتربت أختي تُحيي ياجيما وعلى وجهها ابتسامه خفيفة، لحظة! هذه أول احتكاك بين آكاني وجوان!

تعاملهما مه بعض كان هادئًا، بارد ومُريب، أنهينا تسجيل الاثنين بسلاسة...

ووعدتُ الأستاذة هانا بأني سأتي لتأكيد التسجيل غدًا وياجيما دافعت عني قائلة وهىّ تنحني قليلًا بأحترام:

" أعدُك أني لن أدعها وشأنها، سأتي بها بنفسي فى الغد لتُكمل تسجيلها يا أستاذتي."

خرجنا بعد ذلك وبدأنا بالمشي ثُم حين اقتربنا من المقهى سحبتُهُم جميعًا لتناول الفطور، أنا جائعة وأكادُ أموت من الجوع...

توجهنا بعد ذلك لبيت ياجيما، الغريب كان ذلك السيد يجلسُ هناك فى نفس المكان، ألا يشعُر بالملل؟

يستحيلُ على أحد أن يكون مثله، مِمَ هو مخلوق؟

دخلنا البيت ونحنُ نُطلق العنان لأصوات الراحة، البيتُ كان دافئاً ومريحًا جدًا، أما السيدة "جيمين" كانت كالعادة نائمة وهادئة،

أعتدتُ على ذلك، هذا حالُها منذ يوم الحادثة قبل سنتين، كانت الضربة التى تلقتها على رأسها قويةً جدًا،

وياجيما لم تُقصر معها، تعتني بها وبشقيقها، ما أروعكِ يا صديقتي!

وقفتُ أنظر لها كيف تُعد الغداء وهىّ تشرحُ لي كما لو كُنتُ أفهم بالطبخ، عندما انتهت رتبنا طاولة الغداء وباشرنا تناول الطعام،

ما أن تذوقتهُ آكاني حتى فتحت عينيها على وسعيهما مُستغربة.. أنا أفهمُ سبب دهشتها تمامًا، طبخُ ياجيما لا يُعلى عليه...

بعد أن تناولنا الغداء ساعدَت آكاني بجمع الأطباق على غير عادتها، هيّ لا تفعلُ شيءٍ فى العادة! وقد فاجئني جوان أكثر

إذ بدأ بغسل الأطباق! لم يطلب منه أحدٌ ذلك! وقد بدى لي ذلك غريبًا وغيرُ مألوف بالنسبة لي!

نظرتُ نحو ياجيما استفسر، لم أقُل شيء مع ذلك أجابتني وهيّ تهمسُ فى أذني:

" يغسلُ جوان أطباقهُ مؤخرًا وفى بعض الأحيان يغسلُ كُل الأطباق!"

نظرت نحوهُ وهىّ تبتسمُ بحزن :

" يُحاولُ مساعدتي ولا يدعني أشعر بالثقل منه، الأحمق يظنُ أني أتعب أو أنزعج من دوري الكبير فى البيت، فيُحاول القيام بأي شيء يستطيع القيام به!"

مددتُ يدايّ ووضعتُهما على كتفيها، التفتت إلىّ بصدمة والدموع بدأت بالهطول رغمًا عنها، ما أن أدركت نفسها بدأت تمسح دموعها بسرعة!

توجهَت نحو غُرفتها بسرعة قبل أن يُلاحظ أحدٌ ذلك، بالأخص جوان. وددتُ أن ألحق بها لكنني خفت لا أعلمُ لماذا!

توجهتُ نحو غرفتها بتردد ونظرتُ عبر فُتحة الباب، أتاني صوتُ ياجيما:" ادخلي نونو!"

ابتسمتُ رُغمًا عني! لم يُنادني أحد باسم الدلع منذ أيام الأبتدائيه! جلستُ بجانبها على سريرها الوردي، هذه الفتاة لاتزالُ تُحبُ الوردي إلى الآن!

أمسكتُ دُبها الأبيض وأنا ألعبُ به بغباء! ياجيما تُحبُ الدببة كثيرًا! أذكرُ مزاحنا عن الدببة، كنتُ العب دور الشريرة كارهة الدببة وياجيما تصرخُ وتقول:

"حرروا الدببة! الدببة المسكينة تُعاني بسببكُم أيها البشر الأشرار! سيأتي يوم تحكُمُكُم الدببة! وتملأُ الدُنيا بالعسل المقرف..."

كان ذلك جزء لا يتجزأ من طفولتنا المشتركة، كنتُ أضحك على سزاجة حُبها للدببه وحتى الآن تملأ غرفتها بالدُمى المحشوة!

استفززتُها مردفه بإبتسامة خبيثة مزيفه:
" الدبُ غبي يا دُبْ!"

قلتُ ذلك وأنا أمسكُ بالدُمية باشمئزاز، فهجمت عليَّ بغضب:
" اعيديه أيتها الشريرة!"

فبدأنا باللعب والمزاح!

أعترف قمتُ بتصرف طفولي ومُحرج، لكن كُل شيء يهون لسماع صوت الضحكات السعيدة التي تُطلقُ عنانها لمزحتي السخيفة!

كالعادة أتصلتُ بأخي قبل الغروب وقد تأخر على غير العادة! كان ذلك الرجُل جالسًا مكانه، بصراحه حرك ذلك الفضول لدىّ،

أنتبهتُ لأختي تسحبُ طرف فستاني الأبيض فعدتُ لواقعي، ثُم صعدنا لسيارة أخي البيضاء ونحنُ نودع ياجيما، كاد أخي يُحرك السيارة قبل

أن تقفز ياجيما وهىّ تقول بصوتٍ مرتفع:

" لا تنسي أن تُجهزي أوراقك سنذهبُ لتأكيد التسجيل غدًا، وأنا سأذهبُ لاستلام كُتُبي معكِ، إياكِ ثُم إياكِ أن تنسي!"



*هيروشي*

ياجيما الغبية كاد قلبي يقفزُ من موقعه خوفًا!

كيف ترمي بنفسها بهذه الطريقة؟ ألم تنتبه إلى إني قد حركتُ السيارة بالفعل؟!

لا والسببُ تافه! كانت تستطيعُ أن تتصلَ يناتاليا لاحقًا. نزلتُ غاضبًا لأوبخها!

و قد كانت تبدو خائفة بعض الشيء، لا أستغربُ ذلك لم يسبق لي أن غضبتُ أو انزعجتُ منها!

تراجعت للخلف مُتوترة و قالت معتذره:" أنا آسفه، هيروشي."

انتبهتُ لنفسي فامتصصت غضبي قائلًا:" لا تُعيدي الكرة."

أعترف أني بِتُ سريع الغضب منذ أمس، لو كان غيري لانفجر منذ شهور!

ومن جهة أخرى أدركُ أن الذنب ليس ذنبها.

نادتني آكاني فالتفتتُ نحوها بأجفال، سألت باستفسار:" ماذا بك؟! هل أنت بخير؟"

نظرت لملامحها القلقة، ثم التففتُ نحو ناتالي و لم تكن بأقل من الأخرى!

قمت بتصرفي المعتاد، و وضعتُ يدي على رأسها بملل:" أنا آسف! لا تُكرريها ياجي."

ابتسمت لي تلك الأبتسامة التى تُضيء كالقمر في ليلة بدر!

الشعور بأنها لم تنزعج مُريحٌ للغاية، ركبتُ سيارتي وأنا أبادلها الابتسامة،

سحقًا لي بدأتُ أنفس عن ضغوطاتي بمن حولي، وهذا ليس جيدًا البتة.

ودعنا ياجيما وناتاليا تعدُها بمرافقتها فى الغد، لم أفهم لِمَ هذه الأصرار،

فاستفسرتُ بعد أن حركتُ السيارة نحو البيت:" ناتاليا! لمَ أصرت ياجي على مرافقتكِ لها فى الغد؟"

أجابت وهيّ تنظر للأمام كما لوكانت هي من تقود!:" لأنني تأخرتُ فى التسجيل ووعدتُ الأستاده "هانا" أن أتي فى الغد."

ابتسمتُ رغمًا عني، إضافة لقب الأستاذة بجانب هانا، كيف اقولها... كبرت هانا وأصبحت أستاذة

كما كانت تحلم دائمًا، يالها من حياة، تجري بسرعة! البارحة كُنا ندرس معًا واليوم تُدرس فى المدرسة!

لطالما ساعدتني فى دروسي، لازلتُ مُمتنًا لها.

انتبهتُ لـآكاني وهي تُناديني، التفتتُ لها وإذا بها تكلمني:
" هيروشي أريد أن أسألك، كيف حال أوريليا؟"

لمَ الجميعُ فضوليين نحو هذا الموضوع؟ أعترف أنه من المُحرج أن يعلم الجميع بذلك!

تجاهلتُ سؤالها وتابعت القيادة كما لو لم أسمع شيء، و حين وصلنا للبيت تركتهُم وقُدت عائدًا نحو عملي مُباشرةً!

حسنًا أنه من الطبيعي أن يُثير الأمر فضول الجميع، فقد فضلتُ العمل بجانب اوريليا،

بدل تولي أمور شركة والدي، والتى يُمكنها مُنافسة أعمال السيد جاكسون جوناثن،

إذا بذلتُ فيها القليل من الجهد!

التقيتُ باوريليا فى الجامعة وقد حدثت مواقف كثيرة بيننا حتى الآن!

مع إنها تبذلُ قُصار جُهدها فى إزعاجي وإغاظتي طوال الوقت!

كُنتُ فى السنة الثانية حين أنضمت اوريليا لفرعنا وقد كانت فتاة مزعجة ولم نكُن نلتقي

إلا فى محاضرتين طوال الأسبوع ولكن ذلك لم يمنعها من مُضايقتي طوال الوقت!

فى البداية كُنتُ مجرد الشخص الذى حطم غرورها فى أثناء مُناظرة

عن الأسعار وما شابه، لكن فى ما بعد بتُ أراها طوال الوقت وفى كُل مكان،

و لم تكُن تتركُ فرصةً إلا و استغلتها لإزعاجي، بلا فائدة تُرجى،

فهدوء أعصابي أسعفني للتغلُب عليها دائمًا! أكيد تتسألون الآن لمَ أنا مُعجبٌ بها!

الأمرُ بسيط لكن الحديث عنه سيستغرق وقتًا أنا لا أملكه حاليًا!

لكنني سأكسبُ حُبها عما قريب!.


👑
*ناتاليا*

نائمة على سريري، أُحاولُ عدم التفكير بلا فائدة! كان الأمرُ مُتعلقًا بذلك الرجُل!

لا أعلمُ لمَ لكنني عاجزة عن التفكير سوى به! لقد كانت ملامحهُ تُثيرُ الفوضى بي!

مع إني لم أرى سوى جانبه وذلك حين خرجتُ من بيت ياجيما اليوم،

عيونًا حادة وشاردة، إبتسامة ذابلة وهدوء لا معنى له، أنهُ فقط، فقط وسيمٌ جدًا!

مهلًا، ماذا قُلت؟ لا يا ناتاليا هذا لا يجُوز! هذا التفكيرُ غيرُ صائب،

وعليكِ إيقافهُ حالًا. الوسامة لا تحدد جوهر الرجال!

حاولتُ طوال الوقت إشغال نفسي عن التفكير به، فى أثناء العشاء

كان جميع أفراد عائلتي مُجتمعين حول المائدة، عدا أخي وأبي.

كان الصمتُ ساكنًا، جدتي تكرهُ الحديث فى أثناء الطعام، تعتبرُ ذلك قلة أدب.

بعد العشاء حاولتُ إشغال نفسي بالقراءة قدر المستطاع بلا فائده..

تكلمتُ مع أمي وأختي، وكان محور الحديث التجهز للعودة للثانوية،

قالت أمي بعد أن أنزلت كوب الشاي من يدها وهي تكلم كلينا:" جهزا نفسكما للعودة للمدرسة، لم يبقى سوى ثلاثة أيام!"

أكاني والحماسة تُحركها:" لا تقلقي أمي، لقد جهزنا كل شيء..."

نهضت من مكانها وهي ترفع يديها بعد أن زادت حماستها!:
"لا أصدقُ أني سأرتدي زي مدرسة تيتان الثانوية."

ضحكنا أنا وأمي بخفة، لطالما كانت آكاني تتمنى ارتداء زي مدرستي!

إنهُ زي البحارة المعروف لمدارس الثانوية باللون الأسود الراقي،

وهذا اللون منحصرٌ لمدرستنا في المدينة.

قالت أمي مُكملةً حديثها:" ناتاليا، أنا لديّ أعمالٌ كثيرة فى الجامعة، كما أني سأرقى مع بداية الفصل كمديرة فرع الأدارة!"

سعدنا جميعًا عدا جدتي! هي لا تُرحب بفكرة العمل، وتقول دائمًا العمل ليس للسيدات!

عقيدة قديمة! لكن هذا ما تعتقد وتؤمن جدتي به منذ عقود.

أكملت والدتي كلامها:" لا تنسي استلام زوجين من البدلة لكل منكما!"

تقصدنا أنا وآكاني. هذا يعني أنني يجب أن أهتم بكل شيء كالعادة،

لا أذكرُ أني توقعتُ يومًا أن تهتم بهذه الأمور الصغيرة، لكن مجرد تنبيهي بين الحين والحين يُسعدني كثيرًا.

إتجهتُ نحو غرفتي وتجهزتُ للنوم، بقيتُ جالسه أمام المرآة العب بأطراف شعري،

وعدتُ للتفكير بنفس الموضوع، حينها عزمتُ أمري، سأتقدم وأسألهُ سؤالًا واحدًا،

"لمَ تجلسُ هُنا كُل يوم يا سيد؟!"

مع أن الفضول يُعتبر قلة أدب في موقف كهذا! عدى أنهُ تدخل في شؤن الآخرين وهيَّ نقطة اهم!

طلع الفجر وحل الصباح ولا أزال فى صراع مع نفسي، لم أنم جيدًا واشعرُ بضغط شديد،

ليتني أبقى نائمة ولا يُقظني أحد، لكن ياجي تنتظرُني.

رفعتُ ثقل جسدي بتعب وأخذتُ حمامًا مُنعشًا أعاد لي حيويتي، ثم تناولتُ بلوزة خفيفة مع تنورة قصيرة وارتديتُهما بملل،

كُنتُ أريد أن أرفع شعري حين انتبهتُ لنفسي، لقد قصصتهُ قبل فترة قصيرة، وبالكاد يلامس كتفي...

آه، لهذا كانت ياجيما مُتسمرة فيه حين ذهبت لمنزلها بعد العطلة،

لم نعد نُشبه بعضنا بسبب قصة شعري.

خرجتُ من غرفتي وتوجهتُ لصالة الطعام وكان الفطور جاهزًا، وجدتي تترأس الطاولة وتتناول الأفطار لوحدها!

لا شك أن أمي قد غادرت وأنا نائمة. بدأتُ بشرب الشاي، حينها كلمتني جدتي، ولأول مرة على طاولة الطعام!

"هذه آخرُ سنة لك فى المدرسة؟ صحيح؟!"

بقيتُ مُستغربه من جهتين، جدتي تُكلمني هُنا وسؤالها الغريب!

أومأتُ برأسي مُجيبة، لتكتفي بالصمت.

لم أفكر عن سبب هذا السؤال الغريب ومناسبةُ الآن! تجاهلتُ ذلك تمامًا.

بعد الفطور غادرت مع أختي نحو المدرسة

وأكملتُ تسجيلي واستلمتُ كُتُبي وزي المدرسة الخاص بي وبأختي أيضًا

كان المفترض أن يكون ذلك أمرٌ سهل لكن الإرهق نال مني.

لذلك ركبنا سيارة أجره وكانت ياجيما الأكثر راحةً بيننا، لأنها وفت بوعدها للأستاذة هانا

ولم يبقى إلا أن يأتي اليومُ الأول للمدرسة.

قالت ياجيما إنها ستذهب لمكتب العقارات لترى ما فعلوه لها، وإن كان قد جائتهُم أحد طالبات الجامعة أم لا.

وقد حدث أمرٌ مؤسف بحصولنا إجابة سالبة! كانت خيبة ياجي كبيرةُ جدًا، وقد بذلتُ جُهدي فى التخفيف عنها قائلة:

"لا تقلقي عزيزتي، سنُعلن ذلك فى الجامعة ونوزع الأعلانات فذلك أسرع من المكتب!"

تحمست آكاني قائلة:" ونحنُ سنُساعدك لا عليكِ! الأمرُ أسهل من ما تظنين!"

نظرنا لها ببتسامة لتُكمل بثقة:" أنا سأطبع لكِ الأعلان فى بيتنا ولن يُكلف ذلك شيءٍ ولن يُمانع أبي."

نظرتُ لياجيما ويبدو أنها استلطفت الفكرة، والإبتسامة تُهلهل على وجهها لتقول:" ولمَ لا.. سأكون شاكرة لك عزيزتي."

تدخلتُ قائلة:" إذن لنركب سيارة أجرة، كي نذهب للبيت ونُجهز الأعلان، بعد ذلك ننشرهُ على لوحات الإعلانات فى الجامعة."

اتفقنا على ذلك و قُمنا به، وحين دخلنا البيت،

كانت جدتي تجلسُ فى المجلس التقليدي والبابُ مفتوح على مصراعيه.

و حين رأت ياجيما توجهت نحونا بسرور، جدتي تُحب ياجيما كثيرًا،

خاصة أنها تأتي لحفلات الشاي الخاصة بها وتُساعدها فيها.

على ذكر حفلة الشاي،

الكيمونو يليق بياجيما كثيرًا، عيناها الكبيرتان وشعرها الأسود كليالٍ ظلماء

و بشرتها البيضاء، يُضيفُ لطلتها، سحرًا لا نظير له.

رحبت جدتي بياجيما و جلسنا معها، و بعد فتره من الحديث،

ألزمت جدتي ياجيما أن تأتي لحفلة الشاي فى الأسبوع القادم...

استأذنا من جدتي ولحقنا بأختي، حين دخلنا مكتب أبي

كانت تضع الأوراق فى جهاز الطبع، حين رأتنا قالت بعتب:
"كنت انتظرُكُما! لقد جهزت الأعلان ولم يبقى غيرُ الطبع."

أعتذرنا متحججّتين بجدتي، اقتربت ياجيما لترى ما قامت آكاني به.

خلال الفترة التى جلسنا مع جدتي قامت بكُل شيء هُنا .

ابتسمت ياجي برضا وقالت بأعجاب:" أحسنتِ آكاني، عمل ممتاز."

أجابت أختي بفخر:" العفو، يُمكنكِ الأعتماد علىّ فى أي شيء ومهما كان."


👑
*ياجيما*

أبهرني تصميم آكاني، لم أتوقع أن تفهم بهذه الأمور!

أنا وفى سني هذه لا أفهم الكثير بالتقنيات والحواسيب! بالكاد أجيدُ تشغيل الصور

والفيديو والأغاني، بالأضافة للطباعة وهو السبب الرئيسي لاقتنائي حاسوبًا.

ضغطتُ على زر الطباعة وبدأت تطبع. حين أنهت ذلك وضعت الأوراق أمامنا،

سألتُ باستغراب:" أليست كثيرة؟!"

فأجابتني بثقة:" لتزداد فرصتنا أكثر!"

حسنًا لقد كانت الأجابة مُقنعة جدًا ومنطقية، نهضنا من مكاننا

وتوجهنا نحو الجامعة بسرعة وكانت الساعة الحادية عشر.

لصقنا الأوراق على اللوَحْ المُخصصة للأعلانات

وكانت ناتاليا منزعجة بعض الشيء، كنتُ لأكون لو كُنتُ مكانها!

فتلك الفتاة المُتكبرة قد عاملتها بقلة أحترام،

وذلك حين كُنا نوزع الأوراق على الفتيات فى الجامعة... بعد ثلاثة ساعات توجهنا لبيتي.

كان أخي قد أنهى غدائه منذ فترة طويلة، و كان لطيفًا بتجهيزه لنا

وخاصة أننا لم نأكل شيء فى موعد الغداء،

انزعج أخي لأننا لم نطلب المساعدة منه، قال مُعاتبًا لي و لناتاليا:" لمَ لم تُخبرانني كُنتُ لأساعدكما أكثر من هذه الصغيرة!"

أيُدركُ أنهما فى نفس العمر؟ وصفُ آكاني بالصغيرة كان وصفًا فاشلًا للغاية.

نهضت آكاني مُعترضة بعد أن تركت العيدان من يدها:" من الصغيرة أيها المتعجرف!"

قال بغير اعتبار أننا جالسات:" هذا لا يعنيكِ أيتها الطفلة المدللة! الأفضل لكِ ألا تتدخلي فى ما لا يعنيكِ!"

صُدمت! ليس من عادة أخي أن يتكلم هكذا مع أي أحد!

أو ربما لأنني لم أره من قبل كيف يتكلم مع أصدقائهُ فى العادة!

كانت آكاني منزعجة وتبحثُ عما تُجيب به وهي تعض شفتها السُفلى،

قالت و هي تكبحُ دموعها:" مـ من تظنُ نفسك يا هذا، أهكذا تشكُرُ من يُقدم المساعدة بنيةٍ حسنة؟!"

أدار أخي رأسهُ للجهة الثانية، ليس لأنهُ لا يعلمُ بما يُجيب، بل لأن دموع آكاني انهمرت بعد ما قالته!

أغمض عينيه السوداوتين وعبث بشعره الليلكي معبرًا عن توتره،

ثم قال بنبرة مُتعجرفه:" دعي دموع التماسيح جانبًا أيتها الطفلةُ البكاءة!"

اتسعت حدقتا عيناها الزرقاء والمخضرة على وسعيهما وتيبست الدموع أثر كلامهُ الجارح،

وأنا اكتفيتُ من دور المشاهدة، فنهضتُ من مكاني غاضبة:" لقد قُلتَ الكثيرُ يا أخي! اعتذر حالًا!"

قالت ناتاليا مُبررة لتُهدئني:" لم يقصد يا عزيزتي اهدئي! هو فقد منزعج لأننا لم نطلب المساعدة منه!"

قال أخي بنبرة جافة لا صدق فيها:" اعتذرُ منك يا فتاة، لم أقصد جرح مشاعرك المُزعجة!"

خرج بعد ذلك بسرعة وأغلق الباب خلفهُ بغضب.

أعتذرتُ لـ"آكاني" كثيرًا لكنها لم تتوقف عن البكاء!

لقد ساعدتني كثيرًا ولم تجد سوى الكلمات الجارحة من أخي بدل الشكر.

بقيتُ أعتذر وأعتذر لكنها لم توقف البكاء، وبعد فترة طويلة هدأت وحدها وتوقفت عن ذلك.

قالت وهي تفتحُ الباب:" سأعود للبيت وحدي! أراكِ فى المدرسة ياجيما!"

ماذا! فى المدرسة؟ أهي منزعجة لهذه الدرجة؟ ألن تأتي لبيتنا ثانيةً؟

غادرت ووقفنا عاجزتين عن منعها إذ لم تترك لنا المجال لذلك فقد ركضت للخارج بسرعة.

بعد قليلٍ اعتذرت ناتاليا قائلة:

"سأذهبُ للبيت! يجبُ أن أرى آكاني وأطمئن عليها، لا أعلمُ لمَ تأثرت لهذه الدرجة!

لم ألَف ردة الفعل هذه فيها من قبل!."

وإتجهت للمخرج لتُكمل وهي تنتعلُ حذائها الأبيض:

"سأتصلُ بك قبل النوم يا عزيزتي، لم تسنح لنا فرصة الحديث عن أمر مهم، يُعتبر سخيفًا بالنسبة للمواقف التى نحنُ فيها الآن."

-: تقصدين جوان؟ لا عليكِ سأعاتبهُ لتصرفه واعتذري لآكاني مرةً أخرى."

- : ليس جوان وحسب بل الكثيرُ من الأمور، كمشكلة المستأجرات وذلك الـ...."

توقفت عن الحديث فجأة! لماذا؟ ليس من عادتها أن تُخفي عني أي شيء قبل الآن!

نظرت نحوي بأجفال، وشردت للحظة ثم غادرت البيت مودعةً لي و لجوان الغائب

وقفت عند عتبة الباب لفترة طويلة فاستغربتُ تصرُفها هذا!

اقتربتُ لأجدها سارحة وعينيها مُتوسعتين ومُتلألأتين، نظرتُ لحيثُ تنظُر،

كان ذلك السيد الشاب يجلسُ مكانه كالعادة، ماذا؟ ألاتزالُ تُفكر بأمره؟! هذا مُحال!

أعرفُ أن ناتاليا تغدو فضوليةً فى بعض الأحيان لكن ليس لهذه الدرجة!

ماذا حدث معك فى غيابك عني يا صديقتي؟ نظرت نحوي فتفاجئتُ قليلًا لتقول بشرود:

"ماذا سيحدث إذا ذهبت وسألتهُ سؤالي البسيط؟ هل سأندم؟"

تفاجئت لسؤالها البريء! جاريتُها بالكلام قائلة:" ممَ تخشين أن تندمي؟"

قالت بشيء من الحُزن:" أخشى أن أندم إذا لم أغتنم فرصتي!"

إستغربتُ كلامها بشدة، أين أنتِ يا صديقتي؟ كيف سأساعدك؟

ماذا لو ندمتُ إذا كلَمته؟ و لكن لمَ كُلُ هذا الأهتمام يا ناتالي؟

انهُ مُجرد شابٍ يجلسُ على الشاطىء ينظُر للبحر، لا شيء يستحقُ الأهتمام!

نظرت نحوي بوهن، ثُم تقدمت وهي تقول:".....



" يتبع "

فِريـال
12-10-2020, 05:45 AM
-








"آخر سنة لي في الثانوية، سأقدر لحظاتها الثمينة لحظة بلحظه!
و سأقول لِلقَدَرِ الذي لا يَنْثني أنه لن يُطفَىء اللَّهَبُ المتأجَّجَ في دَمي "

✧✦✧

-2-




*تاكامورا*

أرهقني واقعي وأدمنتُ جلوسي هُنا! أنا من لا يفهمُني أو يُدركُني أحد!

لحظاتٌ تراقص في أذني تاركةً عاصفةٍ تخيمُ على وحدتي!

انتشلني من مكاني رنينُ هاتفي مُنادياً للعودة المُبكره اليوم،

تنافست خطواتي تاركاً مكاني شاغراً قبل أوانه.

كانت الآنسه اللطيفه تُحادثُ صديقتها عند مدخلُ منزلها، ألقيتُ التحيه عابراً من جانبها وأنا أرفعُ يدي، بادلتني بابتسامةً خفيفه:

"أًسعدت مساءًا سيد ناكازاكي!"

كان لمن من الأدب أن أرُد عليها بدل الإشارة بيدي وحسب:
"ومسائكن آنساتَي!"

كانت نظرات الآنسه اللطيفه هادئه كالعاده! لفت انتباهي الآنسه الأخرى التي أجفلت مكانها حين تكلمت!

بدت لي في عالمٍ آخر لا يمُتُ لعالمنا بشيء! تجاهلتُ ذلك وتابعتُ طريقي وأنا غيرُ مُدرك سبب هذا الأجفال والتسمر الغريب!.

*****

حسناً أنا لستُ بشخصٍ يٌثيرُ للأهتمام. هذا ما أستطيع أن أقولهُ عن شخصي!

تخنُقُني العبرُ عن وصف حياتي ! أنا اكثرُ الناس مللًا من نفسي ،

لذا لا أجدُ ما يحُثُني لحديث عنها! بإختصار حياتي عاديه!

عائلتي مجردُ عائله واصدقائي، انقطعتُ عنهم و كُلُ واحدٍ منهم ذهب في طريقه بعد التخرج، عدى واحد...

لكلٍ سر لا يُسمحُ لي بقوله لأحد ولا أقربُ الناس لي!
ربما كان السبب في ابتعاد الجميع عني عدم البوحُ بها حتى الآن! أصعبُ شيء في العالم أن تولد في عائلة مثل عائلتي!

حيثُ لا يُسمحُ لك أن تختار شيءٍ لنفسك! وهواياتُك واهتماماتك ممنوعةً عليك!

ليتني أكونُ حراً في خياراتي المستقبليه! لا أرقبُ أن يُربط مصيري بِماضِىٍ مَضْىْ!




*ناتاليا*

حين خطوتُ خطوتي نحوه، تقدم نحونا! تيبستُ مكاني رُعباً! لم أفهم لما!

لكنني شعرتُ بأني أسيره ومُكبلة الأيادي والأرجُل!

اجتهدتُ لأقول شيء لكنني عجزت عن ذلك تماماً! مع أني كُنتُ على وشك الذهاب اليه!

كُل ما أستطيعُ تذكره روعة الصوت الذي التقطتهُ حين قال
" ومسائكن آنساتي !"

قال ذلك بصوتهُ المُخملي وخرجت كلماته من بين شفتيه برزانه!

مظهرهُ من قريب وتشابكُ عيني به لألتقاط كُل ما يتعلقُ فيه، كانت أكثرُ تصرفاتي جنوناً!

وما أسر تفكيري و عقدهُ أكثر، أن ياجيما نهتني من الأقتراب منه حين قُلتُ لها:
" سأتقدم نحوه وليحدُث ما قُدر أن يحدث !"

أتسائل ما الذي يُحركُ فضولي به! أنا لم أعلم عنهُ سوى القليل وحتى لا أعلم لمَ ينتابٌني كل هذا الأهتمام حياله!

هو اللغز الذي أشغل بالي بلا انذار! وهوسي به حقاً جاء من عدم!

المفترض أن أهتم بآكاني الآن وأن أوسيها واهدئها ولكن أنا الآن لا افكر سوى بتاكامورا ناكازاكي!

أجل لقد أخبرتني ياجيما باسمه الكامل! وقالت لي:
" تاكامورا هو وريثُ عائلة ناكازاكي! وأنصحُك أن لا تورطي نفسك معه!"

اعتراف؛ أنا لا أعلمُ شيء عن عائلة ناكازاكي! و لم أفهم تنويه ياجي لي!

اهتمامي الآن مُنصب على التعرف عليه والتحدث معه!

لا يهمني سوى أنه من يُنادي عقلي صارخاً بأسمه!

إن كانت الحياة بلأقدار، وهُنالك قدر مرسومٌ لي، فهذا هو!

في المساء،

اتصلت بياجيما كما وعدتها سابقاً، وقد تحدثتا معاً لفترة طويلةً جداً! كُنتُ على وشك اغلاق حين هتفت بقوه:" انتظري!"

-:" ماذا هناك؟"

-:" ايتها البلهاء! ألا يُفترض بك أن تقولي لي شيئً مهم؟ لقد قضيتي الوقت كلهُ تثرثرين بهذا وذاك ونَسَيتيني سبب الأتصال الرئيسي!"

-:" صحيح ما ذلك الامر المهم الذي تريدين ان تُكلمينه عنه؟ ولما وصفته بسخيف؟!"

صدمتها قائله بغباء:" هل ستقُصين شعركِ أيضاً؟"




* ياجيما *

غمرتني الصدمة للحظات!

-:" ماذا؟! منذ الصباح وأنا اقول فيما ستُحدثُني ناتاليا وهذا ما يشغل بالك الآن؟"

هذا آخر شيء كنت أتوقعه! ببساطه يُعتبر أمرا تافه وغير مهم! لا أجد سبب للتفكير فيه حتى! لما كُل هذا التفكير الغير الضروري؟

-:" ناتاليا؟ ألا ترين أن هذا لم يعد مهماً؟ كفى ألعاب طفوله حان الوقت لنكبر!"

حتى أنا نفسي صدمت لما قلت حتى لو كان صحيحاً!

_
-:" حسناً معكِ حق! أنسي الحكايه! أنا فقط توقعت أننا.. أقصد أنكِ ربما تودين ذلك! لكن الأمر لم يعد مهماً الآن!"

يبدو أن وصفي لم يكن ملائماً إذ أنني لمحت نبرة خيبه بين كلماتها، لكن! الحياة أقصى من أن نتجاهل صعابها!

وحياتي لم تعد لهوا ولعبا، هنالك ما يُحتم علي ترك كل الألعاب القديمه والتطرق للمستقبل...

-:" هل أزعجتكِ بكلامي؟ أعرف أني فعلت! وهذا ليس بيدي وأنتِ أكثر من يفهمني على الأطلاق! لهذا قلت ما قلت!"

-:" الأمر ليس أني انزعجت لكن توقعتُ أن تعتبري ذلك فرصة لتنسي الواقع وحسب!
أعرف أني مهما حاولت سأبقى غير قادرة على إخراجكِ من واقعك هذا!
ليس فقد لأنكِ ترفضين بل لأنني بت أرى تلك الفجوة التي تتوسع بمرور الزمان
وتُبعدنا عن فهم بعضنا! الآن فقط أتمنى ألا تتسع!"

هل ابتعدت لهذه الدرجه؟ توقعت أني أستطيع البقاء على سجيتي ولكن...

.

.

.

في وقتٍ متأخر بعد أن ساعدتُ أمي لتخلد للفراش، سمعت أصوات تصدر من المطبخ...

هذا هو! أكيد عاد ظاناً أني أويت للفراش! أنرت مصابيح المطبخ قائله:" أخيراً عدت يا أخي؟ تأخرت كثيراً!"

التفت لي متوتراً:" ألا تزالين مستيقظه؟ ظننتكِ نمتِ! لقد كنت مع أصدقائي و... تعرفين... "

-:" هل أنت جائع؟ ألم تأكل شيئًا وانت معهم؟"

توتر أكثر قائلاً:" لا ليس كذلك لكن نسيت أن... أن..."

نظر لنظراتي الغير المصدقه فأعترف قائلاً:" حسناً! تعرفين أني كنتُ في المرأب أصلح دراجتي!"

تابعت النظر له بتشكيك فتابع:" وقد غفوت بعد ذلك على الأريكة التي هناك!"

فتحت عقدة حاجبي وأنا أشير قائله:" عشائك في المايكرويف.. سخنه قبل الأكل! تصبح على خير!"

توجهت لغرفتي متعبه، وقلت قبل دخولها:" أعتذر منها في أقرب فرصه!"

ثم دخلت بغير إعطاءه فرصة الرد....



* آكاني *

قال لي جوان:" هذا لا يعنيكِ أيتها الطفله المدللة! ألأفضل لكِ ألا تتدخلي في ما لا يعنيكِ!"

لم يجرحني سوى وصفُه لي بالطفله المدللة! ربما اكون كذلك،

لكنني جاهدةً كونتُ شخصيتي كي لا اوصف بهذا اللقب منذ الطفوله!
درست وتحديت وتطورت! لم أحتج لأحد من والدي كي يُساعدني!

لأنني لا أريدُ أن أكون آكاني المدللة التي تحظى بكُل ما تشتهيه لأنها أصغر أفراد عائلة ناكاموري!

ذلك المتغطرس من يظنُ نفسه كي يُحدثني هكذا وهو لم يعرفني سوى البارحة أمس!

نهضتُ من مكاني تاركة ناتاليا ودخلتُ للحمام. تركتُ المياه البارد تغسلُ حزني وتُطفىء نيران غضبي، مُبللةً كُل جزء من ثيابي! وأنا امنعُ نفسي من فكرة الأنتقام عبثاً! ستدفع ثمن كلامك يا فتى!
ليست آكاني من تسمحُ لولدٍ متعجرف لا يُقدر المعروف أن يجرحها الا و يدفع الثمن ذلك باهظاً!

في المساء، جلستُ على النافذة أنظرُ للخارج بتمعن، بدأت بتلات الأزهور بالتساقط،
سأسعى جاهدة أن أدرس بجد ولن أسمح لشيء أن يُنزل درجاتي وسأكون الأولى ككُل عام،
هذه الهوامش الجانبيه والمواقف المختلفه لن تُثنيني عن طموحاتي ابداً.

تناولنا العشاء بهدوء لقد تأخرت أمي بعض الشيء على غير العاده، ويبدو أنها مجرد بدايه!
لم تبدأ الفصول وبدأت الغيابات والتأخرات المستمره، فماذا سيحدث حين تبدأ الدروس؟

في تلك الليله نمتُ غارقه بأحلام لا تنتهي من الخطط والتفكير بإزعاج المزعج!

بعد يومين،

أرتديتُ ثيابي وتجهزت للذهاب، اليوم أول يومٍ دراسي.. سبقتُ ناتاليا نحو المدرسه،

اتفقنا سابقاً أنهُ ليس بالضرورة أن ننتظر البعض للذهاب أو العودة للبيت!

الشوارع مليئة بالطلاب منهم من يشاركني الزي ومنهم لا... وأنا أمر بجانب مبنى زجاجي وقفتُ أتأمل مظهري بسعاده!

أخيراً أنا آكاني ناكاموري أرتدي زي مدرستي المفضله! تابعت طريقي نحو المدرسه

وأنا التقي ببضع وجوه مألوفه من مدرستي السابقه! سحبتني أحدى الفتيات قائله:" الطريق من هنا أقرب يا آكاني!"

نظرت لحيث تشير، طريقٍ ضيقه بعض الشيء! ذهبت معهن! يبدو أن طلابً كُثر يمشون من هنا!

حتى أن الطريق مزدحم! أوراق الأشجار التي تُزين طَرَفَي الطريق تتساقط بهدوء ولكن صوتُ رنين جرسٍ حاد أفسد هدوء الجو!

تنحت صديقاتي عن الطريق وبقيت مكاني أنظر نحو هذا المزعج!

لم أشأ الخساره فلم أتنحى جانباً كصديقاتي الأخريات! نظر نحوي بتحدي قائلاً:

"أبتعدي عن الطريق يا فتاة!"

ثار غضبي:" لن أفعل! ولي أسمٌ تعرفه يا فتى!"

توقف وكاد يصدمني بالفعل! ونظراتهُ لا تُبشر بخير!

يبدو أني أفلحت في أستفزازه:" لن أبتعد قبل أن تعتذر مني أيها الفاشل!" قلت ذلك وأنا أشير له بأستصغار

تعالت أصوات أستغراب صديقاتي من الموقف وهن ينظرن لنا! أعطيتهُ جانبي وكتفت يداي قائله:

"أطرب مسمعي!"

وفي لحظة غفلة مني مر من خلفي وأنا أعطيه جانبي! سمعته يقول هامساً وهو يعبرُ من خلفي:

"طفلة مزعجه!"

أغاظني ما قاله فبدأت بالركض خلفه غاضبه وأنا أنادي عليه ليتوقف ويسحب ما قاله

والجميع يقفون جانباً وينظرون لنا، تحديداً لي! قال جوان وهو يضحك عالياً

"حتى الجرس لم ينفعني كما نفعني صوتكِ العالي! أحيانا يكون هنالك نفعٌ من الصغيرات المزعجات!"

صرخت قائله:" سحقا لك! يالك من سخيف... توقف عندك!"

للحظه انتبهت لموقفي! ولكم كُنتُ غبيه بالركض خلفه وهو يقود دراجته ويضحك علي!

لكنني استمريت بالركض ليس خلفه! بل حرجاً من الآخرين حتى أني تجاوزت الأبله بمسافه!

إلى أن ابتعدت قليلًا فتابعت المشي بهدوء الى أن وصلت...

أخرجت جدولي من حقيبتي وتوجهت نحو صفي وأنا ادعو من كل قلبي أن تكون احد صديقاتي معي..

دخلت من الباب الخلفي للصف وبعض الفتيات كُنَّ يقفن جانباً وينظرن نحو الأمام بشيء من التوتر والقلق

ففهمت ما يحدث الحمقى الأربعة معي في الصف هذه السنة المُزعج في الأمر أنهم صاخبون وهذا مزعج..

جلست في مقعدي غير آبهة للجلبة..

انقضت نصف الفترة الأولى ونحن ننتظر الأستاذ.. تعرفت للفتاتين اللتين تجلسان بجانبي وأمامي

وكُنَّ حقاً ظريفات ياناغي-كيوكو وناغيسا-آزوسا.. ارتفع صوت الأشقياء الأربعة ثانياً

فنهضت أحدى الفتيات غاضبه عليهم! لكن كما أرى الأستجابة عند هؤلاء الصبية شبه معدوم! كان من الأفضل يجب أن يفصلوهُم عن بعض!

أشار أحدهم نحوي! لحظة لما يشير الي؟ توجه نحوي فتبعه الآخرين، بحق السماء لما يتجهون نحوي؟

نهضت من مكاني حين وصلوا الي فتخطوني ! ووقفوا خلفي التفت الى الخلف فلم أتمنى الأختفاء سابقا كما الآن:

"سحقاً ما الذي تفعله هنا يا فتى؟"

كان يجلس وهو يمد قدميه على مكتبه ويتكئ على يديه للخلف ويبدو مُنزعجاً! اقترب احدهم ليقول وهو يضع يده على رأسي:

"أتعرف هذه الصغيرة يا جوان؟"

ماذا بهم هؤلاء الفتيان لما يستمرون بمناداتي هكذا؟ استجمعت نفسي وهتفت قائلة:

"انا لست صغيرة أيها المتبجح الـ..."

لم أكمل فقط سحبني جوان نحوه وكبل فمي بيديه قائلاً:

" أجل توشيبارا...هذه الصغيرة قريبتي من بعيد!"

نظر نحوي وقال:" لحظة لو سمحتم!"

ثم سحبني لخارج الصف بسرعة! وقفنا في منتصف السلالم حين أبعدتهُ عني وأنا فعلاً غاضبة أكثر من السابق بكثير..

نظر لي بنظرات بارده غير آبه لما أشعر به.. ولم يزدني ذلك سوى غيظاً منه....



* ناتالي*

كما توقعت نحن لم ننفصل عن زملائنا من العام السابق! في نهاية الأمر نحن طلاب السنة الأخيرة..

كانت ياجيما غير حاضرة!

لا ألومها فاليوم الأول دائماً يكون ذا أهمية معدومة وهذه الغيابات اتوقع الكثير منها في الأيام المقبلة!

قام الأستاد اللغة هيراسوكي بتدوين عدة فرق وطلب منا اختيار ممثلي الفصل الذكر والأنثى وقد رفعت زميلتي نيون يدها قائلة:

"أنا أرشح ناكاموري!"

ترشيحها لي ليس بالغريب أبداً! فقد كنت كذلك في السنة الأولى والثانية!

لكن أعتقد أني نلت كفايتي من هذا الدور خلال السنتين السابقتين!

نهضت مبتسمه:" أنا أعتقد أنكي ستبرعين بذلك أكثر نيون!"

وجهت نظري للأستاد قائله:

"أعتذر عن الدور هذه السنة سينسي! لدي التزامات كثيره في النادي الرياضي وكذلك لدي نشاطات بعد المدرسة!"

قال أحد الزملاء:" أتعنين أنكِ لن تترشحي للجنة الطلاب من صفنا أيضا؟"

نهض زميلٌ آخر:" لأننا السنة الأخيرة لن يكون لنا دور في لجنة الطلاب هذه السنة!"

ثم تابعوا النقاش الى أن انتهى الأمر بأختيار ممثلي الصف وفرقة النشاطات بغير تورطي بها!

رن جرس معلناً نهاية الحصة فخرجت لأرى كيف أبلت آكاني!

كان هنالك أربعة فتية يقفون عند باب الصف الخلفي ومن منظرهم فهمت أنهم طائشون غير ناضجين يثيرون الجلبة خلفهم!

نظروا نحوي مذهولين طلبت أن يتنحو جانباً ففعلوا وهم يقولون:" حاضر سينباي!"

لم تكن آكاني في الصف فوجهت نظري لهم مجدداً وأنا أسأل:" أليست ناكاموري-آكاني في الصف 1-3 يا فتيان؟"

قالت فتاة منبهره من خلفي:

"مستحيل أيعقل أن سينباي شقيقة آكاني-تشان؟ لقد ذهبت مع قريبها جوان-كن لغرفة الأساتذه مع سينسي!"

ماذا بهذه السرعة! لا آكاني حقاً سريعة! لحظة هل قالت جوان! أهو في الصف معها؟

أكيد تشاجرا أو شيء من هذا القبيل!:" عفواً هل تقصدين بجوان، توشيري-جوان؟"

أومئت برأسها مبتسمه:" هو نفسه سينباي!"

شكرتها متجهة نحو قاعة الأساتذه بسرعة تاركه خلفي نظرات لم انتبه لها!

وقفت بجانب قاعة الأساتذه حين خرجا منها! انهما لا يبدوان لي كمن تم تنبيههما البته!

ماذا بحق الله يجري هنا! لمحتني أختي واتجهت نحوي مسروره!:"أتعرفين ماذا فعلت اليوم؟"

لم تنتظر الأجابة بل وتابعت بحماس:" لقد أخذت دور ممثلة الصف لصفي!
ولكن لم يفسد الأمر سوى ان الغبي الذي خلفي قد رشح نفسه أيضاً!
أرجوكي أطلبي منه أن يدعني وشأني... لا أريد ان يربطني به أي شيء بعد الآن"

مهلاً هذا كلُ ما في الأمر! كُنتُ قلقةً من لا شيء كان جوان يبدو بارداً جداً:

"ابذل جهدك جوان، تستطيع فعلها" ورفعت له اشارة النصر مبتسمة!

توالت الأيام علينا كنسمة صيف، إنه المهرجان الثقافي بالفعل!

آخر مهرجان لي في حياتي! هذا اليوم كان ليكون أجمل لو كانت ياجيما معنا!

غياباتها الكثيرة وعدم مشاركتها في الحصص والنشاطات، يجعلني أفتقدها أكثر!

مع أني اذهب لمشاركتها بمُلخص الدروس كل يوم !

لم يأتي جوان للمدرسة اليوم كان ذلك غريباً فهو قلما يغيب! مع ذلك استمتعنا بالمهرجان كثيراً!

وفي المساء تجمع الطلاب حول نار وهم يرفهون عن أنفسهم وينتظرون اطلاق الألعاب لنارية... جلست وحدي في الصف أتذكر...

كنت أقف على السطح استرخي قبل الأختبار، والجو كان غائمًا وينذر بعاصفة والرياح تمردت على شعري القصير...

-:" ناتاليا-تشان هل ستنزلين لمشاهدة الألعاب من الخارج؟"

نظرت نحوها قائلة:" سألحق بكم بعد قليل يابنات!"

"كما تشائين!" قالت ذلك مغادرة الصف تاركةً اياي في فوضى!

كانت الرياح تشتدُ أكثر وأكثر، استجمعت نفسي عائدةً للصف التفتُ خلفي فصدمتُ بالواقف فوق! ولشدة فوضى الرياح بالكاد عرفته!

قلتُ لهُ مستغربه:" كيف صعدت للأعلى تاكامورا-سان؟"

-: " كيف عرفتني بهذه السهولة؟" قال ذلك وعيناه مستغربتان على أوسعها!

ماذا أجيب؟ لم أنسَ تلك العيون الحادة وسببت لي الأرق مند رأيتها أول مرة؟

ماذا سيظن بي؟ كيف أجيب يا الهي؟ شعرت بفجوة التي كبرت بعامل الزمن في قلبي،

كما لو أني أحاول الأقتراب من نجمة في فضاء! في الواقع، لا يربطني به سوى أوهام...

ليتني أجد ما اقولهُ الآن!

فكرت كثيراً ولم أجد ما يكسر هذا الصمت وهذه الرياح تعبث الفوضى الكثر!

جلس بشكل قريب! وكان ينظر للأسفل قلقاً!

نظرت هناك فظهر المدرب ياماموري قائلاً:" ماذا تفعلين هنا ناكاموري؟ الجو عاصف والوقوف فوق السطح خطير!"

نظرت للأعلى كان تاكامورا قد اختفى! أقول ذلك حرفياً اختفي بالفعل! نظر المدرب لحيث أحملق مستقربة:

"ماذا هنالك ناكاموري؟"

أختفى.. أختفى تاكامورا! أول تواصل كلامي معه انتهى وهو ينتظر اجابتي الغبية!

لمَ أشعر برغبة بالبكاء الآن؟ انه فقد أختفى!

أنزلتُ رأسي وأنا نادمة لأنني لم أقل شيءٍ! لليوم أتسائل، ماالذي كان يجب أن أقوله!

"لاشيء! انه فقد لا شيء.."

أتسائل ماذا كان يفعل على سطح المدرسة في ذلك اليوم؟ كيف قابلته وما هذه المصادفة التي جمعتني به؟

انصرم على ذلك أربعة أيام! أذهب للسطح في كل فرصة علي أقابله مرة ثانية ولو لثانية!

مع أني لا أعلم ماذا أقول اذا حدث وقابلته! لكن أريدُ رؤيته....

عدت للبيت منهكة تماماً!

استمتعت بالمهرجان كثيراً حتى أني القيت القبض على أختي والتقطنا معاً صورة للذكرى!

أخرجت الصورة من حقيبتي ووضعتها في ألبوم ذكرياتي الخاصة مع صورة أخرى التقطناها في الصف مع جميع زملائي!

بعد كل شيء انها آخر سنة لي بالثانوية، سأقدر لحظاتها الثمينة لحظة بلحظه!

استيقظتُ متأخرة قبل الظهيرة وأنا أشعر بالكسل ولا أرغب بالنهوض من سريري!

اقتحمت آكاني قرفتي بعد فترة وكانت هلعةً جداً! أخافني منظرها!

سألتها "ماذا بكي؟" فأجابتني:" صباح الأمس! السيده، السيدة جيمين!"

نهضت مستقربة! والدة ياجيما؟ ماذا بها؟ تابعت ودموعها تتسابق "لقد ..."

لكنها لم تستطع المتابعة! هي فقط تابعت البكاء بحرقة....

ياجيما؟ كيف سيكون حالها الآن!


" يتبع "

فِريـال
12-10-2020, 05:50 AM
-





"ماذا ستفعلون اذا خسرتُم أعز الناس في حياتكم؟"

*✧✦✧



-3-


* ناتاليا *



ناديتُ أخي واصطحبنا لبيت ياجيما، كانت ياجي في حالةٍ من الصدمة غير مُصدقةٍ لخسارتها!

بعض الأقارب كانوا يجلسون هُنا وهُنالكَ كلٌ في حُزنه، البعض كان قلقاً على هذه العائلة التي سَبَقَ وفقدت الأب والآن تَبعتهُ الأم!

بقينا أنا وأخي بجانب ياجيما وكان لحضور هيروشي تأثيراً ايجابياً فقد أبقى ياجيما هادئة طوال الوقت،

أمّا جوان كان مُختفياً طوال النهار!

الأجواء الكئيبةُ كانت تسكُنُ البيتَ بشكلٍ فضيع حتى الطالبات في الطابق الثاني كُنَّ هادئات للغاية!


عاد جوان في المساء وما أن وطأ الصالةَ حتّى قال توشيري-يوتاشي، العمُ الأكبر لياجيما:

"ياجيما! من اليوم ستأتين للعيش مع عائلتي في العاصمة!"

شكل ذلك صدمةً حقيقية للحاضرينَ جميعاً، خاصةً جوان! لكن ما صدمنا أكثر قوله:

"وجوان سيبقى هنا للعيش في بيت أخي الصغير! لقد سبق أن اتفقنا على ذلك أنا وأخي ولأنني ليس لدي سوى ولدٍ واحد فيُسعدُني أن تُصبحي ابنتي!"

نظرت ياجيما إليه بعدم تصديق، تباً أهؤلاء جادون للحديث بموضوعٍ كهذا ولم تمضي غير ليلةٍ واحدة على فُقدان السيدة؟

تقدم جوان وكانت ملامحهُ تشتاطُ غضباً لما سمعهُ، نهض هيروشي ليتدخل فقد أدرك أن جوان ليس بخير!

أمسك كتفهُ مُهدأ، لكن جوان استشاط غضباً:

"لا داعي لعطفكم لأنني لن أرضى الإبتعاد عن بيتي وسأبقي فيه مع أختي!
سبق وكنا بخير بدونكم لذا سنكون بخير، نحن بخير مادمنا معاً لذا لا تُزعجوا أنفسكم بعروضكم المغرية!"

نظر لياجيما:" ثم إن ياجي ليست طفلة لتتبناها فقد أصبحت في الثامنة عشر بالفعل! وأنا سأكون بخير معها!"

قال العم موضحًا:" ياجيما! أنا أريدك أن تُتابعي دراستكِ
لذا اريد أن آخذك معي لطوكيو حيث ستحصلين على فرصة للدخول في جامعة كبيرة ومرموقة تحت إشرافي!
أخبريني ألا تريدين متابعة دراستك بغير التفكير بنفقات المعيشة والدراسة؟"

*
إيه!
لما أشعر أن هذا الحديث ثقيل جداً! إنهم جادون ويتحدثون وكأنَّ شيئاً لم يحدُث!

كانت حدقتا جوان على أوسعهما! أتساءل إذا كان خائفاً من أن يفترق عن شقيقته الوحيدة!

مع أني واثقة أن هذا لن يحدث، فياجي لن تتركهُ بهذه السهولة، بشكل خاص أستطيع ترجمة تصرفاتها بشكل صحيح دائماً!

هي لم تكن تقبل أن يتغيب عن المدرسة أبداً لذا كانت تتغيب عن الحصص كثيراً حتى أن الأساتذة أصبحوا يتوعدونها بالطرد في آخر فترة!


أغلق الحديث بكلمات ياجيما وسط دموعها وشهقاتها المدويه:

"أخرجوا جميعكم!
لا أريد رؤية أحدكُم هُنا! أنتم تُهينون ذكرى أمي بحديثكم عن أمور غير مهمة البته!
أيفهم أيً منكُم أني قد فقدتُ أمي! ماذا ستفعلونَ اذا خسرتُم أعز الناس في حياتكم؟
لقد فقدتُها، فقدتُها للمرة الثانية! لكن... لكن هذه المرةَ للأبد!"


في هذه الحياة التي نعيشُها! بات الكثير من الناس غير آبهينَ لمشاعر الآخرين، غير مُدركين عن الألم الذي يُزيدونهُ لغيرهم!

بطريقةٍ ما شعرتُ أني سئلتُ بطريقةٍ غير مُباشرة!

"ماذا ستفعلونَ اذا خسرتُم أعز الناس في الحياتكم؟"

شعرتُ أن هذه الكلمات وجهت لي كصفعةٍ من ياجيما بطريقة غير مُباشره! هو شعور لم أجربه في حياتي... انا بلتأكيد لا أريدُ أن يأتي يومٌ كهذا أبداً!


أبداً !!






* اكاني *


مر أسبوعان على ذلك اليوم! كانت صدمةُ ياجيما وجوان كبيرة!

تغيب جوان لأسبوع وأنا الآن أشعر أنهُ تغير كثيراً! يبدو شارداً طوال الوقت... وباردَ التعابير!

بطريقة ماء أشعرُ أنه لم يعُد جوان المعهود! لم يَعُد يُزعجُني ولايهتمُ بأي شيء من حوله!

طوال الأسبوع السابق وهو يتصرف هكذا، لم يعُد هذا مريحاً! ربما لأني أشعر بطريقة ما

أنها مسؤليتي أن أخرجهُ من هذا الجو وأعيده لسابق عهده! فأنا واثقة أن ناتاليا ستفعل المثل مع ياجيما!

إذا حدث وعاد لسجيتهِ فأني لن أنزعج منهُ بعد الآن ولن أعاندهُ أو أزعجه!

أريدُ أن أتوقف عن الأحساس بهذا الألم القابعِ في صدري بأسرع وقت! جوان، رؤيتُكَ هكذا تُهشمُ فؤادي!

لايزال شبح ملامحِ جوان الثلجية في مراسم دفن والدتهِ يُثيرُ القُشعَريرة في جسدي!

كان يجلس هادىءً جداً ولم يبدو عليه الحزن كما في أول يومٍ حين عرفنا بـوفات والدتهُ!

أتساءل هل حدث شيء بينهُ وبين ياجيما؟ أخشى أن ياجي قررت أن تعيش في بيت عمها وتبتعد عنا!

اذا حدث فـ جوان سيصبح وحيداً، سيبتعد عنا ويتغير أكثر!


دخلتُ المدرسة وكان الجميع يتوافدون والمدخل مُزدحم جداً كان جوان يُقفلُ دراجتهُ وملامحهُ كلوحِ جليدٍ جاف!

اليوم لن أدعكَ وشأنكَ أبداً! اتجهت نحوه ووقفتُ خلفه، حين استدار اصطدم بي!

حين رأيتُ ملامحهُ الباردة تجمدت مكاني! لم أستطع الحراك الى الخلف ولا الأمام! كان قريباً بشكلٍ غير متوقع!

حين انتبه للفوضى التي سببها لي بسبب ملامحهِ المخيفة، قال بنبرة مستفزة وهو يضع يده على رأسي:

"ماذا، ألن تُصَبِحي علي اليوم يا صغيرة؟"

انزعجتُ منه لكنَنّي لم أقُل شيءً من شأنه أن يُبعدني عنه! لأنني سبق وقررتُ أن أصبحَ صديقتهُ حتى لو كان مزعجاً ومُستفزاً!

من غيظي قلتُ بعبوس:" صباح الخير!"

صدمهُ ذلك فقال بمرح غير متوقع :

"واو! من كان ليتوقع أن تغدو آكاني بهذه الظرافة حين تعبس!"

ضحك ضحكةً خفيفة وأقترب مني بعض الشيء مُتابعاً:

"أرجوكي افعلي ذلك مجدداً!"

مهلاً لما أشعر أنه لا يحتاجُ لمن يُخفف عنه! إنهُ فقط يبدو سَعيداً!

سعيداً جداً لدرجة أنه عاد يتصرفُ معي كما كان سابقاً والبسمةُ تُهلهلُ بين ثغره!:

"هي أنتي! مالذي تُفكرينَ به؟"
نظرتُ له ليكمل:" تبدين ظريفةً جداً اليوم! هل يُعقل أن آكاني تُفكرُ بي؟!"


ايه!!!!! ماذا يقولُ بحق السماء! أنا مُهتمة به! أقصد أفكر به! لحظة هذا صحيح!

أنا أفكرُ به منذ يوم المهرجان كثيراً! لكن.. ليس الأمر كما يظن!

فتحتُ فمي لأقول لهُ الأمر ليس كذلك، لكنه وضع اصبعهُ قريباً من فمي قائلاً بانزعاج:

"لا تُفسدي الأمر! لقد بدأتي تَهتَمينَ بي وهذا يُفسد مُتعتي آكاني!
أريد أن تبقي كالسابق، لأنكي الوحيدةُ التي تفهمُني بشكلٍ صحيح! وأنا لا أريدُ منك أكثر من ذلك!"

أفهمهُ! أنا أفهمهُ بشكلٍ صحيح! ماذا يقصد؟:
" أنا لا أهتَـ..."

وضع يده كاملةً على فمي ليقول بابتسامة:

"الصغيراتُ اللواتي يقُلنَ الأكاذيب، لا يستحقنَ هدية ميلادهن!"

قال كلمتهُ الأخيرة وقد أخرج عُلبةً صغيرة من حقيبتهِ ووضعها أمامي!





* ياجيما *




ذلك الطفل يكبرُ يوماً بعد يوم! آه صحيح لقد مر وقتٌ طويل على قدومي للمدرسة!

أمسكتُ بـ ناتاليا سائلة بشيء من الأستغراب:

"نونو! مُنذ مَتى وأخوانا بهذا النوع من القُرب؟ كُنتُ أعتقد أنهُم نار وبارود!"

ابتسمت بخفه قائلة بمرح:" إنهمُا يتشابهان كثيراً وبغيرِ قصد يُزعجان بعضهُما!
لقد التقى كُلٌ منهُما بانعكاسِ شخصيتهِ لذا اشتَعَلت شرارةٌ من الغيظ بينهُما وهُما الآن غير مُدركان بما يشعرانِ به اتجاه بعضهُما حتى!"

ايه هذا الجو حقاً ثقيل علي! أشعرُ أني كمن كان في غيبوبة واستيقظ ليُدرك أنه قد فوت نصف عمرهُ نائماً!

نَظَرَت لي ناتالي مُبتسمة:" ماذا الآن؟ لا تقولي أنك وجدتِ شابًا لطيفاً وأنتما تتواعدان الآن! لأنني سأصابُ بصدمةٍ حقيقيةٍ حينها!"

ضحكت ناتالي بصوتٍ مُنخفض ثُم أمسكت نفسها قائلة بين ضحكاتها المُتقطعة:

"ليس بالضبط! لكنني أستطيعُ أن أدركَ أنكِ وجوان حظيتُما بحديثٍ مُريحٍ ليلة أمس! أليس كذلك؟"

تفاجئتُ قليلا ثُم سألتها مُبتسمة:" كيف عرفتي؟"

أجابتني مُبتسمة وهي تعقدُ يَدَيها للخلفِ وتنظرُ نَحو أخي:
"لأنهُ كان يتصرفُ كلوحِ خشب، طوال الأسبوع السابق... حتى أنهُ لم يكُن يُصبح علىُ أحد في الصباح! وأنا كنتُ مِنهُم! لكنهُ اليومَ يبدو مُشرقاً!
اتصلَ بي البارحة قائلاً بأنهُ يُريدُ الأعتذارَ مِن أختي لكثيرٍ من الأسباب..."

إيه أخي يُفكرُ بالإعتذار جدياً! أنا طلبتُ منهُ ذلك ليَشعُرَ بالذَنبِ فلا يُعاودُ الكرة ويَجرحٙ أحداً بفظاظته!

لكن أن يُطبق كلامي فهذا غيرُ أعتياديٍ بالمرة! لمَ أشعر أني في عالمٍ لا أفهمهُ البتة؟

نَظرتُ لناتاليا:" ماذا أهُنالكَ شيءٌ آخر؟ لما هذه النظراتُ اللطيفة ناكاموري؟"

ضحكت بخِفَة:" لَقد أخبرتهُ أنَّ اليومَ عيدُ ميلادِ آكاني وأنهُ عليهِ استغلالُ ذلك! لكن.."

ايه! لكن ماذا؟ :"ماذا تقصدينَ بـ لكن؟"

أمسَكَتْ ضحكَتَها قائله بشقاوة:" اليومُ ليسَ عيدُ ميلادها!"


ماذا!




وبعد ذلكَ اليوم وبسببِ مُزحةِ ناتاليا البريئة، انتشَرَت إشاعةٌ عن أخي وآكاني في المدرسةِ بأنهُما يتواعدان!

فقد رأى نصفُ الطلاب ما حدثَ حينَ كانا يتكلمانِ وكلٌ غَنّىْ على ليلاه!

حين أنظر لهُما من بعيد وهُما يَمشيانِ بجانبِ بَعضَهُما الى كُلِ مَكان وطوالَ الوقتِ معاً،

أراهُما بتلك الطريقة! أنهُما فقط يبدوانِ لي، سُعَدْاء.




في نهايةِ الأمر قَررّتُ أن أعودَ لخلفِ مِنضدةِ الدراسةِ بينَ همساتِ الطُلاب! أنا حقاً اشتقتُ لأمي!

ليسَ فقط الآن! أنا مُشتاقةٌ لها منذُ سَنَتَين! مُنذ لَعَبَ القدّرُ لُعبتهُ الغريبَةٙ في حياتنا!

لكنني الآن بطريقةٍ ما أشعرُ بأنها أقربُ مِني وبرفقَتي طوال الوقت!


إلى أن يأتيَ يومُ غَدٍ، سأعيشُ يوميَ بكُلِ لحظاته معَ أخي وأعزائي وزُملائي!

لأنني لا أريدُ العيشَ في الغد وأنا أقولُ بـ أن القدَّرَ، غَدَرَني وأبعَدَني عن من أحب!




-:"ياااااجيماااااا خَلصيني!"
أيه! ماذا بها الآن؟ لمَ تتصرفُ ناتاليا بهذهِ الطريقة؟!
-:" ماذا بكِ اليومَ ناتاليا؟"

-:" أنظُري خَلفي!"

قالت ذلكَ وقد بدت مُضطَرِبه! نظرتُ كما طَلَبَت مني فـ....!

ماذا مَعَ هذهِ المجمُوعةِ الغريبة؟!



مُنذ ذلك اليوم، تَشَكَلَتْ فرقةُ مُعجبي ناتاليا وقَد كانوا يَلحقونَ بها لكُلُ مَكان!

أصبَحَت فَجأةً الفتاةٙ الأكثرَ شَعبيةً! حتى طلابُ السنةِ الأولى يَلتَفونَ حولها أين ما ذَهَبَتْ!

بأختِصار أصبَحَت ناتاليا مُحاطةً بالأولاد والبنات طوالَ الوقت! نهضتُ مِن مقعدي هاتفه:

"لقد حان وقتُ تَدخُلٍ شَخصي!"





*
*ناتاليا*


كُنتُ مُحاطةٍ بالشبابِ وأنا جالسة في مقعدي لا أعرفُ لمّا أصبحَ الجميعُ يلتفُ حولي

وايضا يُطاردونَّي في كُلّ مكان... يبحثُونَ عن فرصةٍ ليفتَحوا حديثاً بـ أغرب وأسخف الأسألة!

وأنا لا أعرفُ من أجيب، أو بماذا أجيب...

ومن خلف الحشد المُلتف حول مقعدي جاء صوت ياجيما بنبرةٍ مخيفة:

"يا شباب؟"

نظر الجميعُ حولها وتنحى البعض فتمكنتُ من رؤية ملامحها بعد أن نهضتْ:

"أنتم يا شباب! انهُ وقتُ الغداء بالفعل! فانصرفوا ودعونا نتناولُ غداءنا!"

ايه! لما تبدوا ياجيما مرعبة لهذه الدرجة؟! انها تُبالغ بالفعل!


بمجرد أن أخرجتُ عُلبة الغداء، سحبتني ياجي لخارج الصف تحت نظراتهم المرتعبة! سمعت أحد الأولاد يقول:

"حتى أمي ليست مخيفة مثلها!"




أخذتني لسطح المدرسة ولم يجرء أحداُ من نادي المعجبين ان يلحق بنا،


جلسنا نتناول الغداء و لاتزال ملامح ياجيما مرعبة بعض الشيء، وقد كانت تأكلُ بفوضوية قائلة:


"أغيب عن المدرسة بضعة أيامٍ في الأسبوع وعندما أعود أجدكي مُحاصةً بغريبوا الأطوار.."


أتسائل هل تُدرك انها كانت غائبة طوال الأسابيع الأربعة السابقة؟ لم اجبها سوى بملامحي البلهاء فتابعت وهي تأكلُ بسرعة وبفوضوية:

"أنتي ابقي صامته!"

مع أني كذلك! لم أقل شيءٍ كما طلبت لتُتابع:

"سأتولى أمرهم بنفسي من الآن فصاعداً!"

بنفسها!؟ قلت بتوتر:

"ياجي! كيف سـ...... !"

قاطعتني قائله:" أنتي فقط ابقي صامته، أنا لدي فكرة!"

أنزَلتْ عُلبة الطعام مِن يدها وأشارت بلعيدان نحو أنفي:

"سنستعملُ خُطة الصديق المزيف!"

"إيه ماذا!؟"

أكملت قائلة وهي تحرك العيدان على شكل دائرة وهمية:

"ولأن نصف المدرسة معجبون بك، سيكون السيد المجهول من خارج مدرستنا!"

وَضَعَتْ العيدان على فمها وهيَّ تُفكر وتُتمتمُ بصوتٍ مُنخفض

" يجب أنّ يكونَ شخصاً ناضجاً كي نُقنع الآخرينَ

بأنكِ تُقابلين رجلً ناضج ولابأس بالقولِ أنَّكُما مخطوبان"

إيه! لحظة! أهيَّ جادة؟... ثم نَهَضَتْ مُتحمِسة:

"أجل هذا ما يجب أن يحدُثُ بالفعل"

نظرتْ نَحوي وكُنتُ ما أزالُ جالسه، ثم أمسَكَت بيدي قائلة:

"هل أنتّي موافقة؟"

هذا جنون! أردتُ الرفض لكنها تابعت وهي تضرب جبينها بخفه:

"يال غبائي بالتأكيد أنتّي لن تَرفُضي!"

قُلتُ مُتحججّة:" ياجي.. ماذا ان لَم ينجح الأمر؟

وأيضاً أنا لا أقابلُ أحداً ولا أحبُ الكذبَ أو الأدعاء بأنّي اواعد شخصاً أياً كان!"

-: "لكنّكِ تثقينَ بي صحيح؟!"

أومأتُ برأسي لتُتابع:

"اذا اعتمدي عليَّ... أهم شيْء أنّ لا يعلمَ هيروشي بذلك."

قلتُ وأنا غيرُ مُقتنعه:" حسناً... لكن كيف سينجحُ الأمر؟ يبدوا هذا مستحيلاً!"

قالت بنبرةٍ ملأها الغرور ونظرة النصر تُغطي وجههّا:

"أتركي كُل شيءٍ عليَّ!"



بطريقةٍ ما، آخر ما قالتهُ وفعلتهُ أشعرني بالخوفِ مما سيحدثُ وشعرتُ بأنّي سأندم على ذلكَ.

فيّ اليوم التالي وفيّ أثناء العودة للبيتِ قالت ياجيما بلا مُقدّمات:

"اليكِ التفاصيل!"

إيه!؟ ماذا مع هذا الحديثِ فجأةً! تابعت بحزم:

"اسمعي لقّد فكرتُ بذلك طوال ليلةِ أمس! الخطةُ بأختصار وبكلّ بساطة،

سيأتي شخصٌ ما خلفكِ فيّ الغد ليأخُذُكِ قبل وقت الأنصراف بفترهٍ، بصفتهِ حبـيبـُك!
وبعد فترةٍ سنُعلنُ أنكُما قد خُطبتُما لبعضكمُا،
سنقومُ فيّ البداية ببناء الصورة أمامهُم ليهدء الوضعُ قليلاً وبعدها سنُفَكرُ بلآتي انها آخر سنةٍ لنا فيّ المدرسة، يعني مُجرد فترةٍ يجبُ تحمُلها!
أعدُك أنَّ كُلَّ شيءٍ سيكونُ بخير!"

كانت جادة.. أنا لَمْ أجب سوى بكلمةٍ واحده:

"حسناً!"

لَمْ أشعُر بالتردُدّ ولَمْ أعلم مِن أينَ أتت شجاعتي! ولا أينَّ فقدتُ مَنطقي؟!

كما لَمْ أفكر سوى بِما قالتهُ ياجيما لي على السطحِ أمس وعلى اساسه تَحرَكَ وعيِي...


" أترُكي كُلَّ شيءٍ عليَّ!"


أعتقد أن هذا ما سأفعلهُ! في نهاية الأمر سيكون ذلك مجرد تمثيل !








جلستُ أراجع لإمتحان الفزياء ولم أشغل بالي بأي شيء، كنت أعاني من صعوبة بمسألة

(تداخُلُ أمواج الضوئية)

لقد درستُ قبل فترة قصيرة مع ذلك تشمل اختبار الغد جلستُ أعيد الدراسة من مرجعي الخاص للماده،


(تداخلُ الأمواج الضوئية، يحدث لدى لقاء موجتين من الممكن أن تكون

مساعده أو مدمره، العالمُ الأنجليزي" يانج "كشف في الاختبارات التي

أجراها في عام 1802 الى 1804، أن التداخل يحدثُ في الضوء أيضاً..!)


كفى! لقد اكتفيت! وما شأني اذا كان التدخل الضوئي موجوداً أيضاً؟!

وفي ماذا سيعنيني ماكشفه المدعو "يانج" هذا؟
*

أتاني صوتٌ من خلفي وسط غضبي المفرط على المسألة:
"إن كونك تنوين الألتحاق بتخصص آخر لا يعني أن تُهملي مسألة بسيطةً كهذه!"

*نظرتُ له بملل فتابع:
"إنها بسيطة نظراً للمسائل الأخره، ببساطة، اذا تدخل ضوئان..."

وبدأ اخي بالشرح بعد أن سحب الكرسي الآخر وجلس بجانبي ليُدرسني

وقد نفعني إعادتهُ لي كثيراً وحين انتهى منها شرح لي باقي المسائل بشكلٍ عشوائي....

حين أدركنا الوقت كانت قد مرت ثلاثةُ ساعات بالفعل! انتهت الدراسة مع هيروشي حين سألني:
"أهنالك شيء آخر تحتاجيني في لأشرحه لك؟"

اجبتهُ بحماسة:
"لالالا لقد بدءتُ أشعر بالدوار بعض الشيء ويجب أن أنام كي لا أفوت الأختبار غدا!
وأيضا متحمسة لملأ ورقتي بالأجوبة الصحيحة!"




نهض من مكانه ومد جسده ووضع يده خلف عنقه، فبادرته قائلة:

"شكراً لك أخي.. لقد أتعبتُكَ رغمَ تعبكَ من عملك!"

أجابني مبتسماً بتعب:" لا عليك إن لم أساعدك كالسابق سأشعر أني عديم لفائده!"*

سألته فجأة من لامكان!:
"أخي كيف؟ كيف يجري العمل معك؟ هل ستتوقف عنه؟
أم أنك لازلت تنوي الأستمرار به؟"

رد عليّ قائلا بجدية تامه:
"الأمر لم يعد ممتعا صحيح؟ أنتي أيضاً تظنين أنهُ يجب أن أتوقف؟
أعتقد أني سوف أتوقف! لكن ليس الآن ربما قريبا!"

ترى هل أزعجتهُ بسيل أسئلتي للتو؟ يبدو منزعجاً بعض الشيء فنحنُ جميعا نُصر عليه
أن يتوقف عن هذا العمل ولاشك أنهُ قد سئم من سماع مواعضنا جميعاً غيرتُ الحديث قائلة بحماس:

"لا تنسى المهرجان الرياضي بعد أسبوعين! سأشاركٌ بسباق الـ 400 متر وسباق التتابع ايضا،
وأنت ستكون شريكي في سباق الآباء بما أن والدانا لا وقت لديهما لهذه الأحداث المدرسية!"

قال مغادراً:" كل شيء في وقته جميل سأبذلُ اقصى جهدي للمجيء!"

أهذا ما سيحدث لي حين أتخرج وأنهي دراستي؟ سأغدو فتاة متعبه ومرهقة طوال الوقت!

اذا كان كذلك، فأنا أدعو الله من قلبي ان يُديم أيام المدرسة لي!


في اليوم التالي...

بماذا كنتُ أفكر؟ متى تنتهي هذه اللعنة المسماة بالمدرسة؟
الى متى سيستمرُ الوضع هكذا؟
ياجيما! أين ذهب وعدكي لي؟


في الصباح، ياجيما بجدية تامة وقد رفعت اصبع السبابة أمام وجهها:

"اليوم الجُمُعة وليس لدينا حصص بعد الغداء، سيأتي شخصٌ ليأخذكِ بصفـتهِ صديقُكِ!
سيكون كُلُ شيء بخير، أنا أعدك... هو سيوصلُـكِ لبيتي فقط!"


أين الدعم؟ لما لازلتُ أهرب هُنا وهُنالك؟ متى سينتهي وقت الغداء؟

وأنا أهرب لا أدري من أين جائتنّي ياجيما وانتشلتني من المطارده وبدئتُ أهرب معها وهي تحثُني على اللحاق بها...

فتحتُ خزانة حذائي وغيرتهُ ثم أخذتُ حقيبتي من ياجيما:
"أسرعي! اسبقيني وسألحق بك"

قالت ذلك وهي جاده.

لقد تورطتُ حتى أنفي وأنا لا أعلم كيف حدث ذلك حتى!



كان الجو جميلاً لبدأ عطة نهاية أسبوع مُختلفه مع أختي، ياجيما وجوان
وربما سينضمُ أخي هيروشي الينا أيضاً! أجل هذا ما كُنتُ أفكرُ به وبجدية!



لكن..!

لكن ثمة ما يقلبُ الأمور عن سيرها دائماً...

بين عبثِ الرياحِ وتموجات شعري البُندُقي، ظهر أمامي كذكرى واتتني على حين غفلةٍ مني!

كان هُنالك بقامتهُ العاليه وجسدهُ النحيل يتكئ على سيارتهُ السوداء

وهو يُمسكُ بيده كوب قهوةٍ ويرتشفُ منها ما تسير.

تقدمتُ نحوه بهدوء وقد ابتلعتُ ريقي إزرا الموقف المُحتم،

ياجيما.. مالذي تُحاولين فعلهُ بهذا التصرف!؟

ألستِ من نهاني عن الأقتراب منه؟!


فتح باب السيارة لي بهدوء... ركبتُ لا شعورياً كما لو أن جسدي تحرك بمفرده!

هذا حقيقي أكثر منما يُصدق! جلستُ تحت انظار بعضهم،

لم أحدد من كان ينظرُ نحوي كُنتُ مشدُودة ومأسورة بالموقف بشدة...

جلوسي بجواره و هو بهذا القرب، شيء لم أتخيل حدوثه، ليحدُث بهذه السرعة؟!

نظرتُ لتلك اليد المُمتدة نحوي وهي مُعلقه في الهواء أبقيتُ النظر عليها لفتره

قبل إدراكِ لما يُريدُ مني فأخذتُ كوب القهوة الثانية من يدهُ وأنا مُحرجة جدا!

وضع الكوب الآخر في حاملة الأكواب وأدار مُحرك السيارة:

"اربطي حزام الأمان!"

قال ذلك وهو ينظرُ لطريقه، أمسكتُ الحزام وربطتهُ بهدوء!

بينما هو كان قد انطلق....




أشعرُ بنبضات قلبي الفوضية تدُقُّ بشدة، حتى أني لن أستغرب اذا كان قد سمعها!

ورُبما هذا من خيالي وحسب.


لكننّي حقاً أصبحتُ عاجز عن التفكير بطريقةٍ سليمة، وجُل ما أفكر به هو

كيف أخفي الفوضى التّي اعتلت مشاعري؟

حتّى أنني علمتُ بأني أصبحتُ مُبللّةٍ بالعرق من شدّة توتري!


لحظة! لم أنتبه لهذا.. هذه أول مرةٍ أطيلُ النظر بملامحهْ وأنا بهذا القُرب منه.

لديه تلك النظرة الحادة علّى عينيه حتّى وهو يقود، وتلك الشفاه العابسه..

كما لو أنهُ أُجبر على القدوم و... مهلاً هل هذا ندبْ على طرف حاجبهُ الأيسر،

والّذي واضحٌ من جهتي؟ ندبةٌ صغيرة عند نهاية حاجبه حتى أن الشعر لم يعُد ينمو

في موقع الندبَة، مِما يعني أنها مِن أيامِ الطفولة.

"يُمكنُكِ فتحُ النافذة اذا كُنتِ تُريدين!"


كانت جملته التّي قطعت تأملي نحوه، ذات صداً خاص على مسمعي ..

أحرجني ذلك كثيراً لم أكُن أقصدُ الإطالة، فقد فقدتُ تركيزي اكثر مِن ما توقعت!..

وأكثر ما أحرجني أنهُ كان مُنتبهٌ لي حتى أنهُ لاحظ توتُري مع أنهُ لم ينظر نحوي البتة.

أنزلتُ رأسي وأنا أنظرُ نحو الأسفل وأضعُ يداي بين قَدَمَي

هذا ما أفعلهُ دائماً حين أحرج أو أحزن أجبتهُ بكلماتٍ مُتقطعة:

"ليس... حقا!"


"لكنكِ تبدين مُتعرقة بعض الشي؟! لا داعي للحرج يمكنكِ فتح النافذة!"

قال ذلك وهو ينظرُ لي بطرف عينيه، وتلك الشفاهُ عابسه شعرتُ بأنها تقول العكس تباً!

ألا يُمكنهُ قولُ ذلك وهو يبتسم كان ذلك ليكون أريح!

انتبهتُ للنافذة وهي تُفتحُ آلياً، نظرتُ اليه فاذا به يفتحُها من جانبه،


كانت الرياح شديدةً منذ الصباح ولا تزال، ودخول الرياح جعلني أغلقُ عيناي لا إرادياً لحمايتهما!

أخفضتُ جسدي للأسفل قليلاً وأنا مُتكئة، وبعد فتره شعرتُ بالسيارة توقف،

رفعتُ جسدي وأنا أحاولُ رؤية سبب التوقُف المفاجئ هذا هزني صوتهُ:

"لا تقلقي انها الإشارة لا أكثر..* ليس كأنني أخطفـُك!"

ما هذا التعبير؟! أنا لم أفكر بهذه الطريقة أبداً! من أين جاء بهذا التفكير المُخيف؟:

"لا ليس الأمرُ كذلك... ظننتُ أننا وصلنا للبيت!"

استغرب ولا أعلم لما! فقد كان يبدو مُستغرباً وحسب،
قال لي بملامحٍ جامدة، وهو يمدُ يديه نحوي:

"بالمناسبه! أنا ناكازاكي تاكامور"

غريبٌ أمر هذا الرجُل! لقد سبق وناديتهُ باسمه سابقاً!

هل نسي ما حدث قبل فتره قصيره وبهذه السرعة؟ أم أنهُ...

"و أنا ناكاموري..." أكمل عني قائلاً

"ناتاليا!"

ماذا؟

لقد ضننتُ أنهُ لا يعرف أسمي لذا عَرَفَ عن اسمه لأعرفهُ أسمي لكنهُ يعرفُه..

تاكامورا يعرفُ أسمي وناداني به!



تزلزل تفكيري وغير الجو أصواتُ السياراتُ التي خلفنا حتّى أن أحد السائقين

بدأ يصرخُ ويُلقي شتائمَ عابثة جعلتني أغضبُ قليلاً فقلتُ بغيض:

"أين ذهبت زينة اللسان يا ناس؟"

وكنا قد تحركنا بعد أن اعتذر تاكامورا للسائق، أغضبني إعتذارهُ للسائق
مع أن السائق هو من أخطئ بشتمه لنا! قلتُ بأنزعاج بعد أن بلغتُ حدي:

"ولماذا تعتذرُ أنت؟ هو من يجبُ ان يعتذر فقد شتمك!"


نظر نحوي بعينين متوسعتين وأنا أمسكُ بفمي بكلتا يدي حين انتبهتُ

أني وجهتُ كلامي لتاكامورا! قلتُ متأسف وأنا أخفضُ رأسي وأغمضُ عيني:

" أنا آسفه لم أقصد رفع صوتي!"


" لا تعتذري! فمعكِ حق يافتاة!"

قال ذلك وهو يضعُ يدهُ اليُمنى على رأسي ويُمسكُ المقود بلأخرى وهو ينظرُ نحوي بطرف عينه، لكن..!

لكن لما هو عابس؟ ألا يجبُ أن يقول ذلك وهو يبتسم؟

تحدثهُ معي بهذا اللُطف وهو يعبس يجعلُني أشكُ بنواياه مِما يقول!

يبدو أنها عادتهُ المعتادة أراهنُ أنه إذا إبتسم فسيكون ذلك يوم عظيم!


أوصلني لمنزل ياجي كما قالت لي سابقاً، وقد كان لطيفاً معي رُغم عبوسهُ الدائم.

نزلتُ من السيارة والتقطتُ حقيبتي ثم توجهت للجانب الآخر حيثُ الممشى:

"شُكراً لأيصالي! أوه صحيح... شكراً على القهوة لقد كانت لذيذة جداً، تشرفتُ بمعرفتك سيد تاكامورا!"

"العفو، وكذلك العفو... وأنا أيضا تشرفتُ بكِ، صحيح قبل أن يغيب عن بالي...
لا تنسي أن تنتظريني لأوصلكِ للمدرسة صباح الإثنين..."

ماااااذاااااا! صباح الإثنين يوصلوني !
"حسناً... لا تقلق لن أفعل... أراك بأقرب وقت تاكامورا!"


ودعتهُ وتحرك مُغادراً الى أن أختفى عن ناظري وأنا لم أفهم نصف ما حدث!

توجهتُ نحو بيت ياجي وأنا مُنفعلة، كان جُل ما يهمُني أن أفهم كيف تورط تاكامورا؟

وفي ما ترجوه ياجيما من هذه المناورة تحديداً؟


*
*

"يتبع"

فِريـال
12-12-2020, 06:14 AM
-



"حين يعتز بك أحدهم، تمسك به.. قد تكون عالمه ولاتدري!"



✧✦✧


-4-



*ناتاليا*


دخلتُ متجةً نحو دورة المياه وخرجت بعد أن غسلتُ وجهي، جلست قبالها وأخذت نفسًا عميقًا، كانت تبدو بريئةً أكثر مما احتمل!

"يا إلهي! لقد كاد قلبي يتوقف حقًا!" أندفعت نحوها:
"ياجيما! كيف تفعلين ذلك بي؟"

حاولت تفادي المواجهة بأبعاد وجهها عني لكنني أمسكت بها:

"ماذا؟ لم أفهم قصدكِ نونو! " قالت بعينين مراوغتين...

"ليس كأنكِ لا تعرفين بمشاعري نحو تاكامورا!"

ابتسمت لي ابتسامة واسعة، وكانت عيناها تبرقُ:

"لا! لا أعلم!" نظرتُ لها بشك لتُتابع:

"لأنكِ لم تخبريني بذلك سابقًا! صحيح اخبريني عنها! أقصدُ مشاعرُكِ."


شعرتُ كأن هُنالك من نقر على الطبق الصيني قُرب أذني! من جهةِ ما قالتهُ ياجيما ومن الجهة الأخرى ما قُلتهُ أنا!

أيعقلُ بأن فضولي قد وصل لتلك المرحلة؟ أن أعترف بأن ثمة مشاعرُ حقًا! لم أتوقع ذلك فأنا لم يسبق أن اعترفتُ لنفسي!

لكنني حين أكون مع ياجي، أتحدث بلا شعور، أنا حقًا أريد لذلك أن يستمر، أنا الآن أريدُ أن أعرف أجابة هذا السؤال بالأستمرارِ

قُدمًا حتى ولو لم أحصل على نتيجة...



"ياجيما! لقد لقد كان دقات قلبي مضطربةً وبشدة... لم استطع أيقافها! حتى أني لن استغربَ إذا كان تاكامورا قد سمعها!

أن هذا مؤلم، وأنا لا أفهمُ شيءٍ أبدًا! لماذا؟ لماذا أنا لا أفهم شيءٍ؟ لما اقحمتِ تاكامورا بمشكلتي؟ لماذا تاكامورا؟

ألستِ من نهاني عن الاقترابِ منه؟ فلمَ؟ لمَ هو؟ اجيبيني..."

لم استطع منع نفسي من إطلاق شهقاتي، كأن يدًا تقبضُ على قلبي! أنهُ شعورٍ مؤلم! لم أكن أعلم أن الحيرة يُمكن أن تكون مؤلمة!

أن لا تجد أجابة لتساؤلاتك... مؤلم...


جلست ياجي بجانبي واحتضنتني، وقد تَمسكتُ بها بقوة لأنني أردتُ أن أدفن وجعي عن مواجهتها! مع أني لا أظهرهُ عادةً لغيرها!

فياجيما هي الوحيدة التي أثق بها للبوح بكل ما يتخلج في صدري....

طوقتني قائلة وهي تمسحُ شعري بأناملها:

"لأنني لا أريدك أن تتخلي عن مشاعرُكِ بعد الآن! تلك المشاعر كنزكِ الحقيقي ويجب أن تعتزي بها... في المستقبل،

لا يجب عليكِ أن تندمي لتخليكِ عنها! وأنا لا أريدُ أن أندم أيضًا بالرغم من كُلِ شيء، تاكامورا رجلٌ خلوق..

ولا يجبُ أن نحكُم عليه ِلمجرد أنهُ أحد أفراد أسرة ناكازاكي..."

ماذا تقصدُ بِ-بالرُغمَ من كُلِ شَيء؟- أسرة ناكازاكي! لمَ كُلِ شيء يزدادُ غموضًا حول هذه الأسرة بالنسبة لي؟

مالذي يجعلُ من اسم عائلة ناكازاكي مصدرَ حذر؟ أردتُ أن أسأل، لكن دخول جوان وآكاني الغير متوقع منعَني عن ذلك...

رمَت اكاني نفسها على الأريكة المجاورة لي وهي بالكاد تتنفس، والآخر رمى بنفسه بجانبي وهو يفتح ازرار قميصهُ الأولى...

لمَ يبدون مُتعبين؟ بقينا ننظرُ لهما باستغراب، لايزال ثمة وقتٍ قبل الانصراف!

"جوان! كيف تترك الصف وتتأتي للبيت ألم نتفق من قبل؟"

بقيَ جوان لا مُبالٍ بما قالته أخته والاخرى تُناظرهُ بشرر! نظرتُ لأختي كانت تنظرُ لي بريبة إلى أن أنفجرت سائلة

و ملامحها على أوج الاستغراب:

"ناتاليا! مالذي حدث؟ من كان الذي ركبتِ معه عند بوابة المدرسة؟ أنا لا أفهم!"

إنها أسئلة طبيعية أليس كذلك؟ من الطبيعي أن اٌسأل شيء كهذا، في نهاية الأمر يجب أن لا نُبقي إخوتنا في حيرة!

وخاصة أننا في المدرسة نفسها الآن...

سردت ياجيما كل شيء، من يكون تاكمورا ولما ذهبتُ معه وأسباب تصرف ياجيما أيضًا، لكنها لم تخبرهما عن مشاعري

وقالت أن تاكامورا كان خيارها العشوائي!

كانت آكاني تستمع بانتباه وهي تعقدُ حاجبيها في حين كان جوان يتكيء علي الأريكة بلا مبالاة وينظرُ للسقف مستمعًا...

وحين أنتهت ياجيما قال جوان وهو على حاله:

"وهذا يعني بأن ناتاليا خرجت من الموقف بفضل خطتكِ! هل تظُنين بأن هذا سيوقف إلتفاف الطلاب حول ناتاليا؟"


أجابته شقيقتهُ بتفاؤل مرفق مع الحماس:
"بالتأكيد سترى النتيجة يوم الاثنين!"


عدل جوان جلستهُ واستوى ينظرُ نحوي بابتسامةٍ شَقية لم أفهم مغزاها إلى أن أسلف:

"هذا يعني أن علىّ أن أبذل جهدي كي لا يصدق أحد من الطلاب هذه التمثيلية!"


بقينا جميعًا مذهولين من كلامه، في البداية رفض عقلي الاستيعاب ولكن نهوض ياجي الصارخة بوجه جوان أيقظني من صدمتي!

"ما هذه الترهات التي تفوهت بها يا جوان!؟ أتظن أن هذه مزحة!؟"

نظر نحوها بنظرة تحدي:

"ناتاليا هي من بدأت هذه اللعبة، وذلك منذ اليوم الذي خدعتني به وأفسدت صورتي أمام أصدقائي!
ناتاليا العبيها جيداً لأنني لن أفلت فرصة من يدي!"

"مالذي تقصده بكلامك ياجوان؟ متى خدعتك ناتاليا لتقول هذا الكلام الآن؟" قالت آكاني مستفسرة..

"لأنني حين أتصلتُ بها تلك المرة لتُساعدني على الأعتذار عن فظاظتي، قالت لي، -أن غدًا عيد ميلاد اكاني وعلىّ أن أغتنم الفرصة!-"

"وإذًا؟" قالتا آكاني وياجيما معًا باستفسار ليهيج جوان واقفًا أمامي:

"لكنه لم يكن كذلك! و قد بدوتُ كالمغفل أمام اصدقائي! وهذا بسبب مزاحك الثقيل، إذًا تحملي النتيجة!"

كان الموقف غريبًا جدًا! لم أعرف أن كان علىّ أن أضحك أو أنزعج! كان الأمر محيرًا لي من جهة لدى جوان

الذي أظهر ردةَ فِعلٍ قوية لفعلتي البريئة ومن جهة ياجيما التي ورطتني في هذه اللعبة ومن جهة الفرصة التي

لا أعلم إن كان علىّ التماشي معها للتعرف على تاكامورا! أشعر أني بدأتُ اللعبة بين صديقتي وشقيقها وأختي!

قضبت ياجيما حاجبيها ولكن قبل أن تفعل أو تقول شيء خرج جوان مع ابتسامة تملأها الشقاوة والتحدي...

أصبح الجو أكثر إثارة، وأنا واثقة بأنني ساستمتع كثيرًا قبل تخرجي...




* آكاني *


عدنا للبيت متأخرتين قليلًا وقد غرُبَت الشمس، بالكاد دخلنا البيت حتى أدركتنا أمي متجهمة عند مدخل الصالة:

"آكاني! كيف تتجاوزين الحصص وتغادري المدرسة قبل نهاية الدوام؟ أتصل المدير بي وأنا في الجامعة
ولم أعرف ما اقول فهذا ليس من شيَمُكِ! ما تبريرُك؟"

لم أدري ماذا أجيب! لا يمكنني أن أقول السبب الحقيقي، ماذا اقول لها أن ناتاليا ذهبت مع أحدهم ولحقنا بها!

لا لا لا وألف لا قد تفهم الأمر بشكلٍ خاطيء! لا أريد أن أحرج أختي الكبيرة أمام أمي...

"لقد ذهبنا معًا لنشتري ثيابًا لياجيما واصطحبت اكاني معي، أنه ذنبي وقِلَة مسؤليةٍ مني أنا أعتذر منكِ يا أمي،

كان يجب أن أخذ أذنكِ قبل ذلك!" قالت ناتاليا....

كان تفهُم أمي سريع! لم تسأل ولم تُضف شيء غير:
"لا تُكررا ذلك مجددًا!"


وفي صباح اليوم التالي...

ذهبتُ للمدرسة وحدي، فليس لدى أختي حصص اليوم، قابلت جوان بوجهٍ متجهم!

لا أعلم ماذا يُغيظني منهُ أكثر! أهو تصرفهُ مع اختي؟ أم أحراجي أمام أمي والمدير...

والطلاب أيضًا! وربما تلك الابتسامة المسفزة التي يرسمها منذ الأمس!

بقي يحافظ على حاله طوال الوقت، وفي أثناء الغداء جلسنا معًا كالعادة! بقيتُ متجهمة بوجه طوال الوقت، وهو لم يوفر ابتسامته البلهاء!

"هلّا مسحت هذه الابتسامة السخيفة!"

كسرتُ الصمت... فبقى يأكلُ مبتسمًا وهو يتجاهلني،

"بربك لمَ تجلسُ هُنا إذا كنت لا تريد أن تكلمني؟"

لو أن للبرود قرين فها هو يجلس مُقابلي! لم تهتز شعرة منه!

"أنتَ حقًا أنسانٌ حقود!"

أنفجرت بوجهه وأنا أضرب المنضدة وغادرتُ متجاهلةً ردة فعله أو ما قد شعر به تحت أنظار الجميع.

لم يكن ذلك إلا بسبب أني أعرف أن مشاهدة ردةِ فعله ستُشعرُني بالذنب...

بقيتُ واقفة على السطح أتأمل السماء وأنا أعرف بأنهُ قد جُرح، لكنني لم أكن مستعدة لمواجهته...

وما أن رن الجرس حتى قررتُ العودة للصف...

ألتفتُ لأجدَه واقِفًا وهو يسد باب السلالم بجسده، ابتلعتُ ريقي وأنا أنظر لنظراته الباردة المجردة من أي تعابير، سوى الضيق!

حاولتُ تجاهله وتقدمتُ نحو الباب وكلما اقتربُ منه شعرتُ بالطاقة السلبية تزداد! حاولتُ تجاوزهُ مُدعيةً القوة..

وعلى غفلةٍ كان قد قيدني بالجدار وهو يقول غاضبًا:

"اسألي نفسك من الأكثر حقدًا بيننا؟ أنا أم أنتِ؟ أتذكرين ذلك؟ هل أنعشُ لكِ ذكرتك؟"

أغمضتُ عيني وحاولتُ تجاهل كلامه، لم أكن أريد أن استمع لكلمةٍ منه! لم أرد أن أتذكر كي لا أكره نفسي أكثر...

رويدًا رويداً انسابت دموعي على غفلةٍ مني، ولكنه لم يكتف ليضيف:

"أنتِ أسوء مني! فأوقفي هذه المسرحية الملائكية...."




-الراوي-


هَبَت رياحُ مُنتصف الربيع حاملة أوراق الشجر مع نسائم باردة، مررت أناملها على تلك المفاتيح المصففة برزانة

لتَصدَح موسيقى هادئة في الأرجاء... مُريحة كيان سامِعيها! عكست هذه الفيلا ثقافة ساكنيها المختلفة عن سكان هذه المدينة!

كأنها أحد القصور الرومانية القديمة، في حيٍ تميزت البيوت عن الأخرى! لكنه بدا الأكثر تميزًا!

انهت الشابة العشرينية عزف مقطوعتها وفتحت عينيها بهدوء وهي تسحبُ يديها مُتذكرة مؤلفة المقطوعة الموسيقية الراحلة..

وكيف كانت تستمع لها في براعم العمر!

توسدت ملامحها ابتسامةٌ واسعة و دمعة الذكرى تمردت على وجنتيها.....


"آنسة أوريليا! السيد جوناثن ينتظرُ رؤيتكِ!" قالت الخادمة للشابة باحترام....

نهضت الفتاة الشابة والجميلة وهي تُغلقُ لوحة البيان بهدوء وترمقُ الشاب الواقف بالزاوية مكتف اليدين بأبتسامة شقية!

"أنا قادمة!"

قالت ذلك وهي تمشي نحو الخادمة بهدوء شديد! كأنهُ الهدوء الذي يسبق العاصفة!

"أميرتي!.. سأعود خلال اسبوع، انتبهي لنفسك..." قال ذلك وهو يحتضنها

"لكن لا تذهب وتنسى العودة على الموعد كَعادتِكَ!"

دوى صوت قهقةٍ عاليةٍ أرجاء الصالة ونفى كلامها:

"هذا مستحيل! أتريدين أن أحضر لكِ معي شيء من (بكين)!"

أنزلت رأسها متمتمة "سلامَتُكَ يا أبي..."

مسح على شعرها بابتسامة وولّاها ظهرهُ مُغادرًا......



- هذا مُستحيل !! -

تساءَلت ماذا كان يقصد تحديدًا بقوله! أيقصد مُستحيل لن أكررها! أو رُبما مُستحيل أن أغير عادتي! ربما نفسه لم يكن يُدرك!

بقيت واقفة مكانها حائرة إلى أن أختفى عند الأفق، نظرت للذي وقف خلفها وهي تبتسم نفس الابتسامة! مالذي تنوي له هذه الشابة الطائشة!

"تاتيانا!" نادت الخادمة...

"نعم آنستي!"

" أشعر بالضيق، سأذهب للتسوق قليلًا!"

"سأخبر السائق أن يجهز السيارة!"

نظرت له "بل هيروشي سيقود، أحضري محفظتي الوردية!"


بقيت تستمتع بتعذيبه، ولم تدع فرصة إلا واغتنمتها! سيارةٌ وردية مكشوفة، حقيبة وردية، وحارس شخصيٌ مسكين!

بقيت تتسوق بالأسلوب المجنون وتُحمله كل المشتريات!

وقفت عند محلٍ للألعاب واشترت دُباً عملاقاً، يعرف جيدًا أنها لا تحتاجه أبدًا! وكان عليه أن يحمله أيضًا!

هل هذا ما يُسمى بالضيف الثقيل!



-:"هيروشي؟ نادتهُ متسائلة و هي نتظرُ للخارج من المرآءة الجانبية..."

-:"ماذا؟!"

-:"أخبرني... هل هُنالك طريقةٌ أخرى؟"

ابتسم وقد فهم قصدها جيدًا جداً!:" لا أعتقد ذلك أوريليا!"

-:"ولما لا؟"

بقيت تنتظرُ وهي تُحملقُ بفمه منتظرةً الإجابة، لكنها لم تنلها!

يبدو أنها قد مَلت من ما تفعله معه! وربما بدأت تفهم أن لا شيء سيُثنيه! هو مستعد أن يتحمل أي شيء، من أجلها ...

وحتى تصرفاتها المزيفة لم تجدي نفعاً معه!

وقفت وهي تنظرُ له وهو يُنزِلُ مشترياتها، ولأول مرة لاحظت كم يتحمل من السخافات بلا تذمر... استدارت وهي تستجمع نفسها...

-:"هيروشي.... أنت مطرود!"

ظن أنهُ توهم ما سمعه من همس وتابع ما يقوم به، ليصدم بملامحها الجادة وهي تُعيد ما قالته بصوتٍ أوضح!

هي جادة، لم تعد تتحمل ماتفعلهُ كيف لها أن تكون مرتاحة وهو لا يتأثر كما يحدث معها!


بقيت وحدها تستعيد سخافاتها، وكيف لم تتوقف أبداً عن طلباتها بُغية أن يستسلم ويُغادر بنفسه! لم يسبق أن انتبهت لذلك مُسبقًا!

لطالما كان ينفذُ أي شيء تطلبه مهما كان تعجيزياً، بقي يخطو حذوه غير آبهٍ لأفعالها، كلماتها ومواعظ الآخرين...

كانت أصوات الوحده تعج جدران جناحها! فجأة اتسعت تلك الفجوة بينها وبين العالم الذي تعيشه يوميًا وحدها... لم يتقبلها أحد!

لطالما كانت منبوذة رغم مكانتها بهذا المجتمع!

الجميعُ يتجنب مُخالطتها! تعيش يوميًا وهي تظن أن اليوم قد يكون مختلفًا عن أمس...



كان هيروشي عكس الجميع! لطالما انتشلها من الفراق، تحملها وملأ وحدتها بالناس! لم تتصرف أي واحدة من شقيقتيه بلؤمٍ معها

وعاملنها كواحدة مِنهُن! لكنها لم تُقدر ذلك يومًا! وبقيت تفكر،

"الجميع ينبُذني في هذا البلد...، ليس لي أصدقاء هُنا..."

لكن ألم يكُن هيروشي يفعل؟ ألم يُقدرها ويعتز بها؟ ألم يكن صديقًا لها؟


" ولكن لما طلبتُ منه أن يرحل؟ مما كُنتُ حذرة؟ لما تصرفت بهذه الطريقة معه منذ ما يُقارب السنة وهو يتبعُني لكل مكان،

مع أنه يستطيع فعل الكثير ولديه خيارات كثيرة!... اختارني... اليوم وأنا أنظرُ إليه من الخلف، رأيته!

وهو يستحقُ أفضل من ما أفعلهُ معه!"

نهضت الشابة تُراقب الرياح وهي تهُب حاملة أوراق الخضراء وتعصِفُ بالأشجار...

فجأةً أصبح الجو باردً...!

دخلت تاتيانا بهدوء وهي تقو :

"عفوًا..... أنسة أوريليا!"

قالت وهي تستمرُ بالنظرِ عبر النافذة... "ماذا تُريدين؟"

"أممم... أنهُ هيروشي!"

"ماذا به؟" قالت ذلك وهي تنظِرُ للخادمة بإندهاش..

"في الواقع، طلب مني أن أناديكِ للعشاء!"

أتسعت حدقاها وهمست "مستحيل... ألايزالُ هُنا؟"

"نعم.... لم يغادر أبدًا!"

لم يذهب! كان ذلك شبهُ متوقع! أبتسمت وقد ارتاحت لما سمعته...

لكنها لم تعد تعرفُ كيف تتصرف بعد الآن...

"لأترُك كُل شيء لما قد يحدث من تلقاء نفسه بعد الآن..." هذا ما كانت تُفكر به اوريليا منذ تلك الليلة!





"صباحُ الخير هيروشي... تبدو مرهقًا بالتفكير على غير العادة!"

مدد جسدهُ وهو يُجيب:

"صباح النور... لاشيء خاص، لقد سهرتُ أساعِدُ ناتاليا بالتحضير لاختبار الفيزياء البارحة!

لم أفعل ذلك هذه السنة سوى أمس! ويبدو أنني مدعو للمهرجان الرياضي بدل أبي!"

جلست على طاولة الفطور وهي تقول:

" الجو لم يهدأ منذ أيام! صحيح ما هو المهرجان الرياضي؟"

جلس الآخر بجوارها:" أتريدين أن نُدخل الفطور؟ الجو لم يعد مناسبًا لتناول الفطور بالخارج..."

شعرت بالانتعاش ونسمات الربيعية تُداعب خصلات شعرها وتتسللُ عبر ثيابها....

" لاداعي لذلك... فالجو جميل جدًا! أتعلم أنا أحب الجو البارد كثيرًا! ... يشعرني بالراحة!"

بقي متسمرًا بها يستوعب ماقالته، أول مرة تُشاركهُ بشيء تُحبُه! ابتسم وهو يرتشف قهوتهُ وهي تُكمل...

"لم تخبرني... ماهو..؟"

أكمل عنها "المهرجان الرياضي هو تقليد مدرسي قديم... يجتمع فيه الطلاب للتنافس برياضات مُختارة، وهو حدث سنوي

ومواعيده مُختلفه في المدارس وليس لهُ يوم محدد... في مدرسة أختاي موعدهُ بعد أسبوعين تقريبًا..."

انبهرت اوريليا من كلامه ووجدتهُ مدهشًا!

"هذا مُدهش! لم أكن أعرف عن شيء كهذا... لقد بدأتُ أحسدُ ناتاليا لأنها تحضر حدث كهذا كل عام!

هل شاركت في المهرجان الرياضي من قبل؟"

ابتسم وهو يهزُ رأسه "كُل عام منذ كُنتُ في الإبتدائية إلى أن تخرجت من الثانوية!"

"مدهش! هيروشي... هل... يُمكن أن تصطحبَني للمهرجان معك؟! طبعًا إذا يُسمحُ لنا بالذهاب... أقصد..."

" الدخول مفتوح للعائلات... لنذهب معًا... أوريليا!" قال لها.





نهضت وهي تشعرُ بالخدر في أطرافها وخرجت من غرفتها، كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل...

لاحظت الضوء المنبعث من غرفة الجلوس الخاصة بها فدَنَت منه لتسمع صوت حوار من جانب واحد ومن المنتصف:


"ولما لا............ ماذا؟!.......... لا أعلم لاتُعجبُني عبارتك الأخيرة! .........

أجل لكن كُل مرة أسمع منك (ثق بي) أندم!............... هههههههههه لا داعي للمبالغة! كُنتُ أمزح!

لقد وعدتُ بالذهاب حقاً، وأنا لا أحب أن أخلف وعودي أبدًا! .............. عدا تلك المرة!............ "





بدا لها الحوار غريبًا! لم تفهم من الذي يُخاطب، تساءلت عن من يكون... ربما كانت ناتاليا!

أو أحد رفاقه من الجامعة وربما صديقاً قديماً! فقد كانت طريقة كلامه حميمة جداً وبدا أنهُ يعرفهُ مُنذ فترة طويلة...



دخلت بهدوء وهي تقول بصوتٍ مُنخفض:

"هيروشي!؟ ألم تذهب للبيت؟ إنهُ حقًا ليس بالأمر المهم... فأنا سأكون بخير!"

أنزل الهاتف بهدوء وبقي ينظرُ نحوها مستغربًا! وضغط زر إغلاق المكالمة لاشعوريًا.... كانت تقف وهي تُمسكُ الباب وعكست ملامحها

الحزن والخجل دفعةً واحده... كانت تلك أول مرة ترسم هكذا ملامح أمامه.... بدت لهُ جميلةً!

"أنا... لم أستطع الذهاب للبيت وتركك وحدك هُنا!"

اندهشت من كلامه للحظات لتقول بحماس:

"أذاً ما رأيُك أن نذهب لمنزلكَ في الصباح؟ ونبقى هُناك بما أن الغد هو السبت؟ هكذا ستكون مع أختيك ولن تقلق علي
بسبب سفرِ والدي إلى بكين! ماذا تقول؟!"


وماذا سيقول؟ الأجابة واضحة! استيقضت أوريليا متحمسة وبدأت تختار الثياب التي ستأخذها معها لمنزل عائلة ناكاموري!

ستبقى يومين رغم هذا اختارت الكثير من الثياب ولاتزال مُحتارة ماذا تأخذ معها... في نهاية الأمر انتهت بحقيبة كبيرة من الثياب!

أول زيارة لـ أوريليا إلى منزل عائلة ناكاموري، كيف ستكون؟! لم ترى أي أحد منهم منذ عطلة الشتاء...

لم يكن صعبًا لها أن تندمج مع شيقتيه لكن الأمر كان مختلفًا مع والدتهِ وجدتهِ.... خاصة السيدة يوي...

كانت مرتبكة طوال الوقت ربما بسبب أنها أحد أبرز أساتذة الجامعة! وتراها يومياً في الجامعة....



فتح هيروشي باب منزلهِ بمفتاحهِ الخاص، نظر نحوها وهو يقول:

"اليوم يوم عطلة وهو يومٌ خاص مسموح به النوم حتى العاشرة في بيتنا... قد يكونون نائمين... ما عدا جدتي... فهي ......"

قطع حديثه ظهور الجدة ميدوري المفاجئ...

"لقد عدت... صباح الخير جدتي..."

جلس هيروشي يخلع حذاءَه عند الباب ووضعه في خزانة الأحذية على اليسار. لم تفهم أوريليا السبب لكنها بادرت بالمثل...

"أهلا بك يا بُني... مضى وقت لم تعد فيه للبيت أيها المشاكس!"

نهض هيروشي وهو يضع يده خلف رأسه وهو يقول منكراً:

" لا تقولي ذلك اوبا سان لقد كُنتُ هُنا قبل يومين! معي ضيفة!"

قال وهو يُشير نحو أوريليا... فإبتسمت الأخرى قائلة:

"سعيدة بلقائك سيدتي.... أرجو أن لا أكون قد أزعجتكم بدعوة نفسي!"

"أهلًا بالضيوف في أي وقت... أرجو أن نحسن استضافتك!"



تبعت أوريليا هيروشي وهو يصعد السلالم الى أن وقف أمام أحد الابواب وضعت عليها لافتة على شكل زهرة... قرأت الحروف المكتوبة:

"نا...تا...لي...ا! اوه أهذه غرفة ناتاليا؟"

فاجأها هيروشي بفتح الباب بدون طرق! دخلت خلفه لتجد ناتاليا نائمة بعمق! وقف هيروشي يحاول ايقاظها بمناداتها،

لكنها لم تتحرك حتى... هزها بضعة مرات ولم ينفع أيضا... فانتهى بسحب الغطاء بقوة!

فجلست ناتاليا وهي تمسح عينيها غير مستوعبة!

رفعت رأسها وعيناها شبه مغلقتين وحين رأت غطاءها بيد هيروشي استوعبت الموقف!

"صباح.... الخير!" قالت ناتاليا وهي غير سعيدة!

لم تألف أوريليا سبب تصرف هيروشي! لم يطرق الباب وأصر على إيقاظ المسكينة!

"هل استيقظتي؟"

"لا!"

"إذاً استيقظي!"

"لا أريد!"

بدا الموقف غريباً لأوريليا! هذين الاثنين يبدوان كما لو أنهم يتشاجرون!

كان هيروشي يمسك شعر ناتاليا والآخرى تسحبه من قميصه! ويبعدان وجهي البعض باليد الأخرى!

"مالذي تفعلانه؟!"

نظرا لها بنظرات بلهاء وقالا في آنٍ واحد:

"لاشيء!"

"لا يبدو لي كـ (لا شيء!)... يبدو لي شجارًا!"

انفجر هيروشي ضاحكاً بصوت عالي وقامت ناتاليا بإخفاء ضحكتها بكلتا بديها! ليقول هيروشي:

"لا تكوني ساذجة أوري! نحن دائمًا نعبث مع بعض هكذا!"

لتُكمل ناتالي وهي تنهض من على سريرها مبتسمة:

"لأننا إخوة! وهذا مايفعلهُ الإخوه مع بعض!"

اندهشت أوريليا من كلاميهما، لم تكن تعلم أن الأخوة يتصرفون هكذا مع بعضهم! ربما لأنها لم تجرب ذلك!

"صحيح أوريليا، أخبريني.... أليس لديكِ إخوة؟!"

قالت ناتاليا بابتسامة بريئة، لكن لم تحصل سوى على وجهٍ مظلم مع هالة حزن طغت عليها... لترد بنبرة خانقة:

"عندما كُنتُ في السابعة، مات أخي قبل أن يولد وماتت أمي بعده!

لذلك كرهت أن يكون لي أخ! لأنه أخذ مني أمي!"

كان الجو ثقيلًا لم يقل أحد منهم كلمة! إلى أن ختمت ناتاليا الجو بالكلمة اعتيادية:

"آسفة!"


دخلت آكاني و كان وجهها أكثر ظلمة من الثلاثة!

"صبااااح الخير! أنوه... ماهذا الأزعاج من الصباح!"

"صباح... الخير!" ردو معاً... تقدم هيروشي...

"هل أنتي بخير؟ تبدين شاحبة!"

مددت آكاني ذراعيها وهي تجيب:

"لقد كُنتُ أدرس طوال الليل! أجهز للاختبارات النصفية، بقي شهر لها!"

"تدرسين؟! لا داعي للضغط على نفسك بقي أكثر من شهر!"

"أعلم... همم ماذا تفعل اوريليا هنا.... أخي؟"

وهكذا بدأت عطلة نهاية الأسبوع في بيت عائلة ناكاموري....




*يُتبع*

فِريـال
12-12-2020, 06:30 AM
-



"بعض العلاقات ليس لها مسمى، تعرف أنها جميلة وحسب.
عجز الأدب عن تسميتها بكلمة."


✧✦✧


-5-



* ناتاليا *


استَيقضتُ و أنا غيرُ مُدركة ماذا حدث، لأجدني أنظر لأخي وهو يُمسكُ غطائي بِيديه وعلى وجه ملامحُ مُستفِزة!

مَسحتُ عينَيَ لأفتحهُما بشكلٍ أفضَل قائلة:
"صباح...... الخير!"

"هل استَيقَظت؟"

"لا!"

"اذاً استَيقِظي!"

"لا أريد!"

أمسك هيروشي شعري وسحبتهُ مِن قميصِه! و حاولتُ أن أبعِد وجههُ باليَدِ الأخرى وكذلكَ فعَل أخي!

لقد كُنتُ مُنزعِجة لإيقاظي بهذهِ الطريقَة!

"ما الذي تفعَلانِه؟!"
نظرنا لَها بنظراتٍ بلهاء، أتُمازِحُني بسؤالِها؟: "لا شيء!"

"لا يبدو لي كـ (لا شيء!)... يبدو لي شجارًا!"

انفَجر هيروشي ضاحِكًا بصوتٍ عالي وحاولتُ أخفاء ضِحكتي بِكلتا يَدَيَّ! ليقول هيروشي:
" لا تكُوني ساذجة اوري! نحنُ دائمًا نعبثُ معَ بَعضنا هكذا!"

ايه لقد دلَعَ أخّي اسمَها! أعلم أنها مُلاحظة سَخيفة لكِن لا أريدُ تفويتها أكملتُ عنه وأنا أنهَض مِن علّى سريري مُبتسمة:
"لأننا أخوة! وهذا مايفعلهُ الأخوة مع بعض!"

اندهَشت أوريليا مِن كلامي، لم أفهم سبب دهشَتها! قلتُ بابتسامة بريئة:
"صحيح أوريليا، أخبريني... أليس لديكِ أخوة؟!"


لكن طغت على وجهِها الظُلمَة مَع هالةِ حُزنٍ سوداء... لترُد بنبرةٍ خانِقة:
"عندما كُنتُ في السابعة، ماتَ أخي قبل أن يولد و ماتَت أمي بعده! لذلك كرِهتُ أن يكونَ لي أخ! لأنه أخذ أمي مِنّي!"

كان الجو ثقيلًا لَم يستَطِع أن ينطُق أي أحدٍ منا كلِمة! الى أن ختمتُ الجو بكلمة سَخيفة لم اجد غَيرها!:
"آسفة!"


مع أني لا أحب الجو الكئيب لِمَن حولي، أفتعلهُ بلا قصد! يالي مِن حمقاء! دخلت آكاني غُرفَتي وكان وجهُها أكثر ظُلمة مِنا!

"صبااااح الخير! أنوه... ما هذا الإزعاج من الصباح!"

"صباح.... الخير!" رددنا معا، وتقدم أخي لها:

"هل أنت بخير؟ تبدين شاحبة!"

مَددّت آكاني ذِراعيها وهيّ تُجيب:

" لقد كُنتُ أدرِسُ طوال اللَيلِ! أجهِز للإختِبارات النِصفيّة، بَقيّ شهرٍ لها!"

أعرفُ أنها تكذِب! لقّد حَجزَت نَفسها فيّ الغُرفَةِ مُنذ عادَت مِن المَدرَسة بالأمس! أعلمُ أنها كانَت مُكتئِبَة! سأل أخي مُستَغرِبًا:
"تدرسين؟! لا داعي للضغطِ على نفسكِ بقيَّ أكثر مِن شهر!"

"أعلم... همم ماذا تفعلهُ اوريليا هنا... أخي؟"
صحيح... كان هذا سؤالي أنا ايضًا...

ابتَسمت اوريليا ابتِسامة غريبة! كانت تبدوا كإبتسامةٍ مُزيفة ممزوجة مع القلقِ والتوتر....
"أنا آسفه للتطفل... لقد ظننتُ أنهُ لا بأس بالقدومِ! فهيروشي يرفضُ تركي وحدي و...."

" خيرًا فعلت!"
قلتُ مُنفعلة وبصوتٍ مُرتفِع، لقد كُنتُ سعيدةً بما قالتهُ اوريليا... معرفة أن اوريليا تفكر بنا وبأخي بهذه الطريقة اسعدتني،

فهيّ ليست فتاةً أنانية ولا تُفضِلُ نفسها قبلَ الآخرينِ...





* أوريليا *



لقد كان الأمر مُمتعًا مِن بداية الصباح! لم أندم على المجيء أبدًا... في الواقع الحياة في بيت عائلة ناكاموري مُمتعةً للغاية،

من الُممتِع أن يكونَ لكِ عائلة كبيرة تُبادلهُم المحبَة...




اليوم عرفتُ المزيد عن هيروشي! لا أعلمُ لِما ولكن لم أستطع منع نَفسي مِن مُلاحظة طريقة مُعاملتهُ لكُل فردٍ من عائلةُ!

قريب ومُشاكس مع ناتاليا وذلكَ حسب الجو... حنون ولطيف جدًا مع آكاني كأنها ابنتهُ الصُغرى وتَغدو تصرفاته طفوليه مَعها!...

يحترمُ والدتهُ ويعتمِدُ عليها، لم يسبق أن رأيتهما معًا خارجَ الجامِعة!... وشعرتُ انهُ يخافُ من جدتهُ بعض الشيء ويَغدو جادا

ويختارُ كلماته بحذرٍ جلي... لكن لم أستَطع مُقابلة والدهُ سيد العائلة حتى الآن، اتحرَقُ شوقًا للِقائه.




كُنا أنا وناتاليا نعبثُ بأدواتِ التَجميل للتسلية... وفي أثناء طليها أظافري ورسم الأشكالِ الظريفة سألتها ممازحة:
"أتسائل، ناتاليا هل تُحبين أحدهُم!؟..."

لقد توَرَدَت وجنتاها حتّى أذًنيها وهيّ تصنعُ تلكَ الملامحَ المُستغرِبة وقد تلبَكّت تمامًا! لم أتوقع ذلكَ!

"ردَّة فعلكِ هذه فضحتكِ! لا يمكنكِ أن تنكُري... من؟"
تحمستُ للغاية... أنهُ يُشبه صديقَتان تتشاركانِ في أحاديث الحُب!

أنزلت رأسها بهدوء
"ليسَ كذلك... لكن سؤالك المفاجئ أحرجَني! أنا لا أحبُ أحدًا..."

اختفَت حماستي مِن كلماتِها الباردة، هذا لا يُصدق!

"نـــــاتاليـــــا؟! هذا لايُصدق رُغم أنكِ في هذا السِن بالفعل! أم أنكِ تُخفين الأمرَ وحسب!؟"

"لا أخفي شيءٍ، أنا لم أحب أحدًا مِن قبل!"
بدت لي صادقة وملامِحُها تُثبِتُ ذلك....

" لكن... لا أخفي عنكِ، أنا مُهتمة بأحدهُم مؤخراً!"


ماذا! أهذا، أهذا تواصل حقيقي بين صديقتين! بعيدًا عن كونها شاركَتني شيئا عن نفسِها وهذا مُفاجئ! لكنها بدَّت لي

كفتاةٍ واقعة بالحُب حقًا! رُبما نفسُها لم تُدرك بعد ولكِنها، تُحبُ هذا الشخص وهذا مكتُوبٌ على وجهِها!

"هل هو مَعكِ في الصف؟ أم مِن صفٍ آخر، هذا يحدُث! أخبريني عنه.."

اسلفتُ مُتحمسة لتنهض مُتجهةً نحو السرير، جَلَسَت بهدوء وهيّ تُردف:
"ليس مِن مدرستي، لكنهُ يثيرُ اهتمامي لأنهُ غامضٌ بعضَ الشيء وحسب.."

"أهو وسيم؟!"


نظرت نحوي ببلاهة! "أأنتِ تظنين أنها قصّة حُب؟! والأمرُ عميق!"

أجل وهذا ما تعكِسهُ ملامِحُكِ أيتُها الغبيّة! أردتُ أن أخبرها ولكنني عجزت! لتُكمل...


"وأيضًا... ليس كأن تاكامورا مُهتم بي!... لكنهُ فريد!"


"فريد!؟" قلتُ بمَكر!...


ابتَسَمَت ببلاهة "همم!" وحين أدركت بدأت تُنكر "لا... أقصد... هممم"

ابتسمتُ مُنتصرة "أنّت غبية! لأنكِ تُحبّينهُ بالفعل!"





دعتنا السيدة ميدوري لشُربِ الشايَّ في غرفة الضيوف الخاصّة.... ما إن غادرَت الجدة حتّى نهضَ هيروشي ويقولُ لي مُنسحبًا:

"سأخرج لبعض الوقت..."

وغادر مُسرعًا وأنا أتابعهُ، التفتت آكاني وهيّ تنهض... استفسرت مُستغربة:

"اين أخي!؟ كان هُنا قبل قليل!"

لتنفَعل ناتاليا:" هَرَبَ الجبان!"


هل كان هذا هروبًا حقيقيًا؟! لماذا هرب؟! لم أفهم ذلكَ!... غيرت ناتاليا ثيابها للثَوب الياباني التقليدي ثُم ساعَدَت آكاني

التي مازالت ملامِحُها مُظلمة على ارتداءه... وحينما نظرتا نحوي فهمتُ لما هرب هيروشي!؟

لا أعلم كيف وجدتُني أنظر للمرآة و قد لبِستُ ثوبًا ذا لونٍ أزرق خفيف مُزين برسومٍ غريبة... قُلتُ مُتجهمة:

"لماذا ألبستُماني هذا الشيء؟ أبدو غريبةً بِه!"


"لأن جدتي دعتنا لشُرب الشاي في غُرفة الضيُوف، أنَسيت؟!" قالت آكاني...

تقَدمَت ناتاليا نحوي:" اليوكاتا يليقُ بكِ حقًّا! ما كان يجبُ أن يغادر هيروشي... لا يعلم ماذا سيُفوت بهرَبه!"


جلسنا بهدوء و كنتُ أقلِدُ ما تفعلانِه بحذر، وبعدَ فترة دخلت السيدة آي مُرتدية كيمونو أسود ذا طابع ريشٍ أبيض وبدت في غاية الجمال!

ثم بدأت الفتيات تَعليمي طريقة شُرب الشاي!


سألتُ ببلاهةٍ تامة:" عفوًا! لماذا كُلُ هذا التعقيد مِن أجل شُربِ الشاي؟!"

أجابتني السيدة آي:" إنها تقاليدُ أجدادنا! وتوارثناها أجيالًا أجيال... لست مُجبرة على اتباعِها، اعتبريها تجربة غريبة في حياتُكِ!
وستكُون قصةً جميلة تروينها لأصدقائكِ حين تعودينَ لبَلدُكِ!"

هتفت ناتاليا:" هذا قاسٍ يا أمي!"


حين أعود لبلدي! فهمت... في النهاية أنا مُجرد ضيفة في هذا البلد... ويومًا ما سأكون قصة

(الأجنبية التي استضافوها في بيتهم!)...


فُتح الباب الذي خلفي فلفَتَ أنظارَ الجميعِ... استدرتُ بهدوء لأجد فتاةً بِكيمونو أصفر مُزيّن بخطوطٍ سوداء...

تجلسُ عند الباب وتنحني مُحييةً الحظورِ

" شكرًا لإستضافتي!"

رفَعت رأسها وفتحت عينَيها بهدوء... بدّت مثالًا للمراءة اليابانية الفاتِنَة، بعينَيها الواسعَتَينِ وشعرها اللَيلكي.

رفعتُ نظري للواقِف خلفها، فكان ذلك هيروشي... هل أتَّت معه؟ نهضَت ودخلت بهدوء شديد لتجلِس بجانبي وهي تبتَسِم...

لما يجِبُ أن تأتي بعد سماعِ كلام السيدة يوي الجارحِ لي!؟ حين أنظُر لها... أشعرُ بأني أتمَنّى لو كُنتُ أشبِهُها.

شرب الجميع الشاي وهم صامِتون وحين انتهينا تفرقنا، بقينا أنا وهيروشي مع ناتاليا والفتاة الجميلة في غرفة المعيشة...


قالت ناتاليا باستفزاز:" ظننتُ أنكَ هربت يا أخي!"

حافظ هيروشي على هدوئه وقال ببرود:" انّما تلقيتُ رسالة ياجي، تطلبُ منّي أن أتي لإصطحابِها لأن جدتي دعتها لشُرب الشاي!"

انفعَلتُ قائلة بسعادة: "ياجي؟ أهذا هو اسمكِ؟ أنهُ جميل..."

نظرت نحوي لتبتسم وتمد يدها نحوي قائلة:" وأخيرًا تقابلنا وجهًا لوجه! أنا أدعى ياجيما توشيري سعيدة بلقائك كثيرًا، اوريليا جوناثن!"

ياجيما! أنهُ من أجمل الاسماء الي سمعته في هذا البلد! هي تعرفني!

"وأنا تشرفتُ بمعرفتكِ ياجيما، لكن... كيفَ تعرفين اسمي وأنا لم اسمَع عنكِ من قبل؟!"

انفَعلت ناتاليا:" ماذا!، هل نسيت؟ ياجيما صديقة طفولتي المُقربة... حدثتكِ عنها كثيرًا من قبل"

اوه! لقد نسيتُ ذلك... لقد حدثتني نات عنها في العطلة!

"أنا آسفة... أنه خطئي! لكن كيف عرَفتِني؟"

اطلقَت ياجيما ضحكةً خفيفة، ثم أخرَجَت هاتفها لتُريني صورة لي! استغربتُ بشدة،

هذه الصورة التُقِطت في منزلي، كيف وصلت لها!

قربت الهاتف لفمها وهي تنظر بطرف عينها نحو هيروشي الجالس بجانِبها وهي تقولُ بنبرةٍ ساخرة:

"طلبتُ صورتكِ من روميو قبل يومَين وطلباتي أوامِر! صحيح هيروشي!"

أومئ هيروشي رأسه موافقًا ثم تجمَد للحظات كأنهُ ادرك شيئا... ليلفتَ نحوها بحدة:

"ياج أتسخرين مني مجددًا؟"

"من يدري؟"

"هااااء؟"

"مَن يَسخرُ مِن مَن؟"

بدا هيروشي يفكر للحظة، ليُجيب:

"كفى مُراوغة! ستُغضبينَني هكذا!"

كانا يتجادلانِ بطريقةٍ غريبة... شعرتُ بالقُشعريرة من قُربِهُما للحظات... لم أعلم السبب.



نهَضت ياجيما عند المغرب مُعتذِرة واستأذَنت للأنصراف، أصرّت السيدتان على بقائها ولكِنها اعتذرت بشدة!

ثُم سحبَت هيروشي وهي تطلبُ مِنه أن يوصِلُها، والآخر نهض بتملمُل...

كان هيروشي يركبُ السيارة، تبِعتُهم وطلبت مِنه أن أرافقهُ! جلَستُ في المقعد الخَلفي وأنا أستمِعُ لحواراتِهم الصغيرة...

توقَفَ هيروشي فجأة وطلب أن أرافقَهُما...

دخلنا المتجر وبدأت ياجيما تنتَقي طعامًا جاهزًا مِن على الرف المُخصصِ لها، انتابَني الفُضول:

"لما تشتَرين هذه العُلب؟ أهي للعشاء؟"

نظرت نحوي ثُم اردفت:" لأن اخي سيَعود للعشاء وأنا مُتأخِرة فقد نسيتُ نفسي تمامًا..."




عاد هيروشي ومعهُ عُلب مُثلجات منوعة ووضعهم في سلة مُشتريات ياجيما... بقيا يتشاجرانِ على من يدفعُ وفي النهايَة فاز هيروشي...

استغربتُ كثيرًا، ياجيما لم تطلُب من هيروشي أن يتوقَف لشراء الطعامِ! لما توقف هُنا؟!


أوصلنا ياجيما لبيتها، كان في الشاطئ تمامًا ولا يوجد مبنىً آخر على طول الشارع في جهة البحر! وهذا مذهل....

نزلت ياجيما وتبعها هيروشي حاملًا اكياس مُشترياتِها، تبعتُهُما بهدوء وعند الباب سأل هيروشي وهو يُمسك كتفها:

"ياجي أتحتاجين لشيء؟ أيًا كان لا تنسي أني سأكون بجانبكِ!"

التفتت نحوه وهي تبتَسِمُ ابتِسامةً باهِتة:

"أعرفُ ذلكَ! لكن إلى متى؟ يجِبُ أن أتعَلَمُ الاعتِمادَ على نَفسي!"


أنزَل هيروشي الأكياسَ على الأرضِ وأمسكَ يديها قائلاً:

"إلى الأبد! ولا اُمانِع ذلك... لكن لا أريد أن اسمعَ أنكِ في مُشكِلة!
اتظنينَ أنني لم انزَعِج حين سمِعتُ ذلكَ مِن جوان وليس منكِ؟"

انزلَت ياجيما رأسها وبقيت تُحدِقُ بيديه:

"أنا آسفة لأنني جعلتُ من نفسي حملًا ثقيلًا عليكَ يا هيروشي سأحِلُ مُشكلتي بنفسي."


سحبَت يَدَيها مِنهُ ودخَلت البَيت بهدوء ولم أستَطِع رؤية ملامِحُها، لكن هيروشي بدا مُنزعِجًا مِن ما قالته!

عُدت لحَيثُ السيارة ووقفتُ عِند بابِ السيارة قبلَ أن يراني...


عاد مِن بعدي بِلحظات وملامَحهُ تُهلهل سعادة! استَغربتُ مِن ذلكَ بشدة! لِما يبدو سعيدًا... سألتهُ بعد أن ركبنا السيارة:

"أأنتَ تُحب ياجيما بتلكَ الطريقة؟"



توسعت حدقتاه على اوسعِهما وبقي يُحدِقُ بي بعَدَم تصديق... وحين أدركَ أني سألتهُ ذلكَ حقًا قطب حاجبَيه وقال ثائرًا:

"هذا مُستحيل! لا تتجَرئي فيّ أن تُفكري بذلكَ جهرًا! هي ليسَت حبيبتي، انَما انسانةً خاصة في حياتي! لا تُفكري بذلك حتى."


انسانة خاصة!؟ لكن ليست حبيبة! ماذا يعني ذلك؟

أهي عزيزةً بلا مقابل! مُستحيل! أن يغضب على من قال انهُ أحبها من أجل أخرى... اليس ذلك يعني أنهُ يحُبُها!


لم يتحدث هيروشي معي باقي اليوم وحتى صباح اليوم التالي... لكنني استحقُها!

بعد كل ما بذلهُ مِن جُهدٍ ليتَقَربَ منّي، اسألهُ سؤالي الغبي! لو كانَّ كذلكَ لما تَقربَ مِني مُنذ البِداية...

وفي المساء، ودعتُ الجميع، وحين كُنت أعانق ناتاليا همستُ في أذنها خُلسة:

"ذلكَ الشابُ الذي تحدثنا عَنه، أأنت تُحبينه؟!"

ابتسمتُ وقد توردت وجنتاها وبدت مُحرجة، في المرة القادمة أريدُ أن اسمَعَ الإجابة الواضحة مِنها.

لقد كانا يومين جميلين جعلاني افهمُ هيروشي اكثر و أظني مُستعدةً لتَقبُلِ مشاعرهُ نحوي !

ولكن غباء الموقِف الذي وضعتُ نفسي فيه البارحة ، لن يترك لي مجالًا الآن !

رغمَ كُل شيء... ما زال أجمل يومين عشتهما في اليابان حتى الآن ولن أنساه أبدًا.





*ياجيما*


كان غاضبًا مني! لقد جرحتُ كبريائهُ برفضي المساعدة منه، لكنني مازلتُ قادرة على رسمِ أبتسامةً دافئة على وجهه.....

بثلاث كلمات بسيطة!

"شكرًا على الطعام!"


دخلتُ للمطبخ لتسخين الوجبات بالمايكرويف... تبعني أخي فجأة وهو يسألُ:

"أكان ذلك هيروشي عندَ الباب؟!"

أفزعني تمامًا... أكان في البيت؟!

"أجل لقد ذهبت وعُدتُ معه.... أأنتَ جائع؟ أشتريتُ طعامًا جاهزًا.... أأسخنهُ لك الآن؟"

"ماذا قال لكِ؟ هل سيساعدُنا؟"

تجاهل كلامي تمامًا وهذه ليست أول مرة يفعلُها! أشعرني ذلك بالعجز لأولِ مرة منذ سنتَين، ظنَنّتُ أنّي لن أحتاج

لأحدٍ مادُمتُ أدبرُ أمور حياتي!

"جوان، ما كان يجب أن تُخبِرَ هيروشي بآخر ما استجد معنا، حتى لو كان صعبًا علينا حلهُ وحدنا....
أنا لا أريدُ أن أكون حملًا ثقيلًا عليه، أنت تعرفهُ جيدًا! كالعادة سيفعلُ أي شيء ليُساعدَني!"

لأول مرةٍ في حياتي أشعرُ بالعجز! لا أحبُ هذا الشعور، انهُ يغيثُني بشدة.

هاج جوان غاضبًا ليقول بألم:

"ماذا تريدينني أن أفعل؟ أن أجلس وأشاهدك تترُكينني هُنا وحدي؟ وأجبر على المغادرة البيت ايضًا؟"

أخذ يلقط انفاسهُ بصعوبة وهو يُهدء نفسه ليكمل متألمًا:
"أنا لم يبق لي احدٌ سواكِ في الحياة... لن استطيع تحمل خسارتك أنتِ أيضًا! ليس الآن يا أختي...
حتى وإن كان ذلك عبر طلب المساعدة! فهيروشي لم يخذلنا من قبل... أنسيت؟!"






وكيف أنسى؟ هيروشي منقذي... لطالما كان، وكذلك سيكون مستقبلًا! لم يخذلني،
لم يترك لي المجال لأشعر بالصعوبات، حتى وأنا لا أعلم...


ذوبان هذه المثلجات الباردة في فمي، يُثيرُ الذكرياتِ الدافئة حقًا....

"ياجي أتريدين المزيد من المثلجات؟!... اذًا طلباتكِ أوامر أميرتي!"

"لا تحزني ياجيما، أنا لن أتخلى عنك أبدًا وهذا وعدٌ أبدي!"

"ياجي أتحتاجين لشيء؟ أيًا كان لا تنسي أني سأكون بجانبكِ!"

هو دائمًا يهتم بي.....



*ناتاليا*


استيقظتُ في وقتٍ مُبكر اليوم، أشعرُ بنشاطٍ كبير، أرتديتُ زييّ المدرسي ونزلتُ لتناول الفطور ولم يكن

هُنالك أحدٌ سوى جدتي والخادمة في المطبخ بالكاد جلستُ لتناول الفطور حتى رن هاتفي! كان رقمً خاص، أجبتُ بهدوء:
"مرحبًا! من معي؟!"

ليأتي صوتٌ مُخملي من خلف السماعة قائلًا:
"لقد وصلتُ للتو! أأنتِ جاهزة للذهاب؟"

وقفتُ من الصدمة والتقطتُ حقيبتي وخرجتُ مسرعة!
"أنا قادمة !... جدتي أنا ذاهبة!"

وقفتُ أنظرُ له وهو مُتكئً برأسه على المقود... ركضتُ الى حيثُ يوقِفُ السيارة على بُعدِ بيتين من بيتي،

رفع رأسهُ حينها وتابعني بعينيه الى أن جلستُ بجانبه ....

أبتسمتُ قائلة:" صباحُ الخير!"

بقي ينظرُ نحوي وهو يتفحصُني بغرابة ارتبكتُ حينها ليقول:

"أليس الجو باردًا بعض الشيء؟!"

نظرتُ لنفسي فإذا بي لا أحملُ معطفي فشعرتُ بالإحراج وبقيتُ أحدقُ بعينيه مطولًا... جدًا! أدار بوجهه للأمام قائلًا:

"الن تذهبي لإحضاره؟ لم نتحرك بعد!..."

جمعتُ شتات نفسي وترجلتُ مُعتذرة وعدتُ للبيت ركضًا، سمعتهُ يقول بصوتٍ مرتفع:

"المظلة أيضًا... ستَمطِرُ اليوم!"

دخلتُ البيت بسرعة وأخذتُ معطفي من على كرسي المائدة، حينها ظهرت جدتي وبيدها علبة الطعام قائلة

" لما العجلة ناتاليا؟ لقد نسيت غدائك!"

ارتديتُ معطفي وأخذتُ الغداء وكدتُ أنسى المظلة... خرجتُ مسرعة نحوه وحين جلست بجانبه قال ساخرًا:

"ألم تنسي شيء آخر؟" نظرتُ بغيض ليُكمل:" ما الداعي للعجلة؟!"

في الواقع نسيت! انا لم اتناول الفطور! لكني احتفظتُ بذلك لنفسي! لقد أحرجتُ نفسي بما يكفي منذ الصباح.

"انا آسفة!"

بقيَ يُحدق في عيني طويلًا فازداد شعوري بالإحراج أكثر... وحين ادرك نفسه ادار محرك السيارة وانطلق...

كان الجو غائمًا وبدأت الرياح تعبث بالناس ببطئ، قال تاكامورا فجأة وبصوتٍ منخفض:

"هل تناولتِ الفطور؟"

نظرت له مستغربة! كأنهُ يقرأ افكاري! تابع قائلًا:
"في الواقع أنا جائع لم أأكُل شيء منذ الأمس!"

منذ الأمس! كيف تحمل كل هذا! أجبتهُ بابتسامة غبية:
"لا لم أأكُل شيءٍ بعد! لنذهب ونأكُل شيء بأسرع ما يُمكن!"




جلسنا نأكُلُ وجبات صباحية في كافيتريا قريبة من مدرستي... لقد كُنتُ سعيدة برؤيتهُ يأكلُ بعد كُل هذا الوقت...

أن لا تأكُل شيء لفتره طويلة... هذا صعب. تطرقتُ لفتح حديث صغير وأنا اشربُ الشاي:
"سيد ناكازاكي..." منحني انتباههُ لأكمل "ماذا تعمل؟"

ابتلع طعامه ورشف القليل من كوب الشاي مُجيبًا:" هذا سر!"

كست ملامحي خيبة الأمل ليكمل قائلًا:
"أعمل في جمع المعلومات"

توسع بؤبؤي وهمستُ بعدم تصديق "جمع... المعلومات! ماذا تعني؟!"

نظر حولهُ وثم قال هامسًا "يمكنك القول محقق خاص!"

لا اصدق ما قاله! لحظة!

" في ذلك اليوم... على سطح المدرسة... أنا لم أفهم، ما الذي كُنتَ تفعلهُ في المدرسة حينها!؟"

رفع يدهٌ طالبًا الحساب وهو يقول:

" لنذهب ونكملُ في السيارة!"




تحرك نحو المدرسة ببطئ، ليبدأ سرد ما في جُعبته!

"كُنتُ اقومُ بعملي! لقد كان هذا سبب قبولي عرض ياجيما حين أخبرتني عنكِ... عذرًا لأنانيتي لكنني
كُنتُ أبحثُ عن سببٍ لأحوم حول المدرسة لتأدية عملي بدون مشاكل!"

كان ذلك مفاجئًا لي! وحين استوعبتُ ماقاله ساأتُ منفعلة:
"أتقصد أن ثمة أمرًا يستدعي التأكد منه في مدرسنا؟!"

اوقف السيارة قائلًا بحزم:
" ليكن هذا سرنا الى أن أنهي عملي! وليكن اسمي اراتا اوتشيغارا! سنُكملُ حديثنا في المرة المقبلة!"

لم أشعر بالخوف! قطبتُ جبيني قائلة:" اعتمد علي اذا اراتا-سان!"

وضع يده اليمنى على رأسي قائلا:" أجل! أعتمد عليكِ! ناتاليا."

شعرتُ بالإحراج الشديد لفعلته! تمنيتُ أن يبتسم، لكنهُ لم يفعل... انما اقترب مني قائلًا:
"شُكرًا لكِ!"

كان قد فتح الباب لي حينها فنزلتُ متجهة نحو مدخل المدرسة... استوقفني صوتهُ يُناديني وهو يُمسكُ المظلة مشيرًا لها، شعرتُ بالإحراج

من تجمُع الطلاب عدتُ نحو السيارة وأخذتُها منه مُبتعدة... انا رسميًا تورطت!






"أنا استسلم!"

انزلت ياجيما علبة العصير تنظرُ نحوي باستغراب "ماذا تقصدين؟"

اخذتُ نفسًا عميقًا قبل أن انفجر بوجهها:
"لا استطيع التوقف عن الفكير في أنني وضعتُ في موقف كهذا!"

ابتسمت بخبث لتقول مازحة :

"أتقصدين علامتك في اختبار الفيزياء ام تاكامورا؟"

اتكئتُ على الجدار ورفعت رأسي نحو الغيوم السوداء

"لقد أتى تاكامورا خلفي هذا الصباح وكان يبدو شاحبًا نوعًا ما! تحدثنا قليلًا..."

اقتربت مني وهي تستمع باهتمام،

"لقد طلب مني ان اقول لمن يسألني ان اسمهُ اراتا اوتشيغارا! لا يريد أن يعرف احد مَا اسمُه!"

"لا يُريد ان يتسبب لك بالمشاكل على ما اعتقد!" قالت مبتسمة...

تهتُ في كلماتها! أية مشاكل هذه التي تنبع من اسمه؟ ياجيما تعرف شيئا لم تخبرني به، ويجب ان اعرفه الآن!

"ياجيما... أية مشاكل؟"

قلتُ باصرار جلي لتردف قائلة بهدوء:

" انهُ من عائلة ناكازاكي المعروفة بعملهم! وبعض الناس يقولون انهم ملعونون بلعنة موت! اغلب رجال هذه العائلة
يموتون في سن صغيرة! حتى والده توفي عندما كان تاكامورا لايزال طفلًا... طبعًا لا اصدقُ هذا الهراء
ولكن الصحيح هو انهم لا يعيشون طويلًا!"


بقيتُ مصدومة مطولًا، هذا مستحيل ليس هُنالك شيء سخيف كلعنة! ربما هذه صدفة!

انتشلني صوت ياجيما وهي تقول ساخرة:
"لا تقولي بأنك صدقت هذه القصة السخيفة، انه مجرد كلام يتناقله الحمقى لاتكوني سخيفة نات!"

ابتسمت بغباء: "أنا لست بهذا الغباء لأصدق هذا النوع من الهراء!"

نهضت تمسح الغبار من ملابسها قائلة بملل:
"هيا لننزل من السطح قبل ان يرن الجرس! لا يزالُ لدي طن اسألة يجب ان انسخهم من كُتبك!"

" يمكنك ان تأخذي الاحياء والادب الكلاسيكي معك! انا ذاهبة للنادي الرياضي أراك عند الرابعة!"

نهضت وسبقتني بالنزول... بقيتُ احدقُ في السماء الملبدة بغيومٍ ماطرة وانا افكر بما حدث اليوم...

الى ان ايقضتني قطرات المطر من شرودي فهرعت انزل من سلالم السطح...





*تاكامورا *



لقد تغيرت هذه المدرسة منذ ايام دراستي بعض الشيء! ألا يفترض أن هذه الغرفة هي غرفة المعدات الكيميائية!؟

تبا الى اين نقلوها؟! جذب انتباهي وقع خطوات تقترب بسرعة اختبأت خلف مدخل الغرفة بسرعة فدخل شابين

وأخذا بعض الكرات ولم اسمح لهما أن يلمحاني فغادرا لأسترخي واتقدم نحو النافذة، ليفتح الباب فجأة!

اصدر ارتطامي بالباب صوتًا ينبه من دخل بوجودي، تواجهت نظراتنا لأسترخي... انا شاكرٌ أنها هيّ!

بقيتُ أحملق ببحريتيها مطولًا، كانتا متوسعتين على اشدهما

بدت متوترة وهي تتحقق من اذا كان ثمة احد قريب من غرفة المعدات الى أن اغلقت الباب مرتاحة لتهتف:
"ولكن ما الذي تفعلهُ هُنا سيد تاكامورا؟"

بقيتُ ألمس التوتر في كلامها وأنا احدق بعينيها مجددًا! ولكن ماذا بي!؟ لما تجذبني عينيها في كُل مرة لهذه الدرجة؟!

أجبتُ مشيرًا نحو النافذة:
"كُنتُ على وشك الخروج! لقد فاجئتني، لم اسمعك قادمة انسة ناتاليا!"

ابتسمت لتقول بحماس :
"لطالما قيل لي اني خفيفة الحركة! عن ماذا تبحث، أيمكنني المساعدة؟"

امسكتُ جبيني امسحه بخفة وأنا أستفسر منها:
"اين نُقلَت غرفة معدات الكيميائية؟ لقد كانت في هذا المكان من قبل!"

تقدمت نحو النافذة لتُشير نحو المبنى المجاور قائلة،


"من النافذة الاولى حتى الخامسة هو مختبر الصف الاول، في الطابق الثاني وفي نفس الموقع للصف الثاني
وفي الطابق الثالث للصف الثالث! وتجاور المختبرات المطابخ المخصصة لحصص التدبير المنزلي ونحن
لا نلقي عليه تسمية غرفة المعدات بل مختبر الكيمياء! قبل سبعة سنوات حدث تحديث بمباني المدرسة
واضيف ذلك المبنى ومبنى الادارة وتم اعادة استخدام هذا المبنى لغرف تبديل الملابس والمعدت الرياضية
بعد ان اضيفت المساحة الخلفية لمساحة المدرسة من اجل الاراضي الرياضية
ويطلق على هذه التعديلات مشروع تطوير المدرسة!"

"مدهش! يبدو انه ليست الصفوف وحدها من تم زيادتها" نظرتُ نحوها وأنا استفسر

"اتتوقعين وجود أحد في مبنى المختبرات الآن؟"

بدت تُفكر مؤقتًا لتُجيب وهي تُشير للطابق الثاني:

"فريق الكيمياء للصف الثاني يُجهز لاولمبياد الكيمياء على مستوى البلاد"

ثم اشارت للنافذة المفتوحة من الطابق الاول:" ويبدو أن احد الصفوف الاولى لديه حصة تدبير منزلي!"

فهمت! يجب ان أعود للبحث في ما بعد! و... قطعت حبل افكاري بصوتها المتردد:

"سيد تاكامورا؟" منحتها انتباهي لتستفسر مترددة:" اتُريد الذهاب للمبنى؟"

استغربتُ ملامحها، بدت قلقة وفي عينيها الكثير من الفضول

"أهُنالك مانع؟"

"في الواقع المختبرات مغلقة ولايسمح لغير المعلمين وممثلي الصفوف ورئيس نادي الكيمياء ان يحصلوا على المفاتيح!
وذلك منذ حادثة حريق المخبر في الطابق الاول قبل سنتين!"

ادهشتني! "ولكن من أين تعرفين كل هذه المعلومات!"

امسكت ذراعها اليسرى بيمناها، لتجيب:

"في الواقع ، كان اخي يدرسُ هنا قبل خمسة سنوات! وهذه الاشياء اعرفها لأني كُنتُ ممثلة الصف وقت الحريق!

وكُنتُ رئيسة لجنة الطلاب العام الماضي! لذا..."

قطعت كلامها اثر صوت فتاة يُناديها:

"نات-تشان! نــات-تــشــــان....."


نظرت نحوي لتقول بسرعة وهي تأخذ مضارب التنس:

"اراك في الرابعة!"

وخرجت مُغلقةً الباب بسرعة...

"ولكن لما تأخرت كثيرا نات-تشان؟! قلقتُ عليكِ"

"انا اعتذر، لقد شردتُ قليلًا! لنذهب بسرعة..."




اختفى صوتها الرنان شيئا فشيئا... بقيتُ احدقُ بالمبنى وانا افكر مطولًا بكلامها، الى أن خطرت لي فكرة،

فخرجتُ من النافذة وغادرتُ المدرسة...




انهيت بعض اعمالي في المكتب ورفعت بعض التقارير، لقد مر الكثير من الوقت لم آتي للمكتب! منذ ذلك اليوم المشؤوم!

لازلتُ غير قادر على تقبل هذه الحقيقة! في ذلك اليوم الشتوي، كان يجب أن أكون انا وليس هو!...




*يتبع*

فِريـال
12-12-2020, 06:36 AM
-




"الصعاب تختبر الرجال ليقدوا أقوى أو أضعف... تصقل شخصياتهم بقسوة"


✧✦✧


-6-


*ناتاليا*



لقد تأخر، اليس كذلك؟ لقد بدا مهتمًا بالموضوع! كان يُصغي بإهتمام ويُفكر بعمق... أتسائل عن كيف يشعر تاكامورا!

أنهُ يملك تلك الملامح الجامدة التي تحمل الحزن والأسى، ويشرد كثيرًا! أتذكر أول مرة رأيته على الشاطئ... كان يبدو مُكتئبًا نوعًا ما!

أو ربما هيَّ تلك الفكرة التي تتملكنا حين نراقب ظهر أحدهم فيبدو وحيدًا ومهمومًا!

لقد بدأت السماء تُكسى بألوان نارية ولم يأتي بعد! ربما سيكون من الأفضل أن أستقل القطار قبل أن أتأخر عن المنزل!

هذا ما كنتُ أفكر به وأنا أراقب ساعتي التي تشير للخامسة مساء، حين بان لي بسيارتهُ السوداء بداية الشارع...

لا أصدق أني انتظرتهُ ساعة كاملة!

ترجل من السيارة قلقًا وهو يقول:
"أنا أعتذر لقد انشغلتُ بتولي بعض أعمالي المكتبية... أرجو أنك لم تتأذي أو يزعجكِ أحد!"

ابتسمتُ بتعب:" إطلاقًا!"

لم أدرك سبب تصرفي هذا الكثير من الأفكار راودتني لكن لم أتخيل أن أنتظر أحدًا كما أنتظرتهُ... ركبت في سيارتهُ بهدوء

وربطت حزام الأمان، أخذت نفسًا عميقا لقمع غضبي واحباطي لهذا الموقف الذي وضعني فيه تاكامورا... حرك السيارة

وهو يقود بحذر، وكالعادة كان يقود بحذر واحترافية خاوية من أية تهور.... بعد مسافة ليست بهينة ترجل من السيارة

واشترى باقة زهور كاميليا بيضاء ثمة عاد لحيث يقتلني الفضول وأنا أراقبه، لكنه بقي صامتًا ولم يسأل أي شيء!

أو لم يكن يريد أن يحصل على المزيد من المعلومات مني!؟ نظر نحوي حين بدأ بالحديث فجأة:

"بالنسبة لتأخري... أنا حقًا اعتذر! في المرة القادمة، اذا تأخرت عشر دقائق عن الموعد فاعتبريني لن آتي لأخذك!
لقد واجهت ظرفًا في العمل ولذلك لن آتي لأخذك! ولأنني لم أنبهك من قبل فقد قررت أن آتي مهما حدث!"

عقدتُ حاجبي مبتسمة:" فهمت! ولكن ألا تريد أن نكمل حديثنا عن المختب..."

لم أكمل فقد قطع كلامي بحزم:" آنسة ناتاليا، لا داعي أن تشغلي بالك في ذلك فقد تدبرت الأمر بما قدمته بالفعل، سأنجز باقي عملي بنفسي!"

إنه يُخبرني أني خارج الموضوع اذًا! وكوني كشفت أمره صدفة في غرفة المعدات الرياضية لا يعني أن لي حق في
التدخل في عمله... هذا قاسي لكنه الواقع.

أومأت برأسي صامتة، توقف حينها بجانب بيت ياجيما، نزلتُ مودعة اياه واتجهت نحو الجانب الآخر حيث الرصيف بعد خطوتين

لاحظت انطفاء محرك السيارة، ترجل وهو يُمسك باقة الزهور التي اشتراها، تقدم نحوي وتجاوزني وأنا قد تجمدت بذهول!

وراح يقطع مسافة جيدة نحو البحر، جلس متقابلًا مع الأمواج التي تلونت بتدرجات الذهبي... وضع الباقة على الأرض وهو

ينظر لزوال القرص البرتقالي... تقدمت وجلست بجانبه بلا وعي وخطفت نظرة لملامحه، بدا حزينًا وشارد الذهن!

"أنت تحب الجلوس هُنا، صحيح؟ مالذي أقوله! بالتأكيد لا تحب هذا المكان..."

"أنه مكان جميل! لكن، أعتبر هذه البقعة من الشاطئ بالذات بداية حياتي الجديدة!"

"لماذا تعتبر ذلك؟" سألت بفضول جلي...

"قبل فترة، تم انقاذي من قبل شريكي في العمل هنا! في ذلك اليوم كان المفترض أن أكون أنا وليس هو!"

توسعت عيني على أوجها، أنه يقصد أنه كان يجب أن يكون هو من مات وليس شريكه! ويقولها ببساطة، كيف يفكر تاكامورا؟

أنا لا أفهم إطلاقًا!

"وكيف يجعلك ذلك تفكر أو تشعر؟"

نظر نحوي مدهوشًا! لم أفهم سبب دهشته، نظر نحو الشمس مجيبًا:

"أنا لا أعلم! الندم والذنب ربما... فقد كان رجلَ أسرة، شابتين وصبي وطفلة في الطريق... في حين لم يكن ليكون
من السيء الموت بدلًا عنه، فأنا لا يربطني بالحياة الكثير!"

اليس هذا التفكير طبيعي؟! ولكن...

"أنت مخطئ! إنه قدرك أن تُنقذ، فلا يُمكننا أن نشكوا من القدر لما تأوله به حياتنا! وما حدث معك جزء من خطط الإله لمسار حياتك!
لا يمكنك أن تعترض عليه بل عليك أن تجاريه لتثبت له أنك تستحق البقاء على قيد الحياة لفترة أطول فأنت
لم تتذوق الكثير من ما تخبأه لك الحياة!"

ابتسم بألم وكانت أول مرة أراه يبتسم منذ عرفته:

"التكلم عن القدر وخطط الإله بهذه الطريقة... يالك من فتاة! أي نوع من الخطط تنتظرني برأيك؟
طريقة أسوء للموت في مكانٍ قذر! فكري بالأمر... أين كُنتُ سأحضى بمشهد أجمل من هذا للموت؟!"

"فكر بالأمر من ناحية أخرى! الموت موجودٌ دائمًا! لما تفكر به كثيرًا!

فكر بالمواقف الجميلة التي تفقدها بالتفكير بالحياة من هذه الناحية! كجمال هذه اللحظات التي تسبق إنجلاء القرص المشع هذا!

أو النسيم الذي يحمل عبق الرمال المبللة والمياه الباردة التي تنسل بين أصابعنا! هذا مجرد موقف واحد يحدث خلال هذه

الثواني المعدودة! فما بالك باليوم الكامل؟ الشهر! السنة وتراكم الكثير منها! أليست هذه الحياة الروعة بحد ذاتها!

الموت كان موجودًا قبلنا وسيبقى بعدنا! التفكير به لن يفيد بشيء علينا أن نكنز لحظات حياتنا بالإبتسامات والذكريات الدافئة!"

خلل أصابعه بين خصلات شعري التي تجاوزت عيني وأعادهما لخلف أذني قائلًا:

"ناتاليا ناكاموري!
رغم أنني أجد طريقة تفكيركِ غبية جدًا، لكنني أتمنى لو كُنتُ قادرًا أن أغدو بهذا الغباء، لكانت حياتي أسهل بأشواط!"

نهضتُ منفعلة:

"ليس غباءً بل يقين! فكر بما جمعنا معًا في هذه اللحظة مثلا، ألا تعتقد أن من الممكن أن يكون أحد أعظم ألعاب القدر بنا؟!"

أمسك بيدي وجذبني نحو الأرض لأجلس وهو يضغط على يدي بقوة:

"منذ كنت صغيرًا وأنا أنتظرها...
اللحظة المقدسة التي أموت فيها! لايمكن لكلماتك الجميلة مهما كانت جميلة أن تُبشعَها في ناظري!"

"لا تقل ذلك" قلتُ بيأس ...

"كل ما أتمناه في تلك اللحظة، أن لا أترك الكثير من التذكارات خلفي!"

"تذكارات!" قلتُ هامسة لأكمل مُنفعلة:" هذه قسوةً منك! أن تعتبر من حولك تذكارات، هذا لا يجوز يا تاكامورا!

أن يحبك الآخرون ويخلدوا ذكراك ويستحضروها كل فترة وفترة هو أجمل ما يُمكن للحياة أن تكون... مشاعر الآخرين نحوك

بغض النظر عن ماهيتها، ليست تذكارات... بل شيء أجمل من أن يكون له مُسمى!"

"جميلة... طريقة تفكيركِ جميلة! حافظي عليها." قال مغمض العينين...

"تاكامورا! أنا لن أستسلم منك! رجاء لا تخذلني، فكر بلأمر من زاويتي ولو قليلًا!"

كست السماء بالعتمة وشعشعت بألوان خافتة، وتغير عبير الرمال...

"تأخر الوقت! صديقتك تنتظرك!" نهض متهربًا من الحديث...

نظرت خلفي كانت ياجيما تنظر نحوي من خلف النافذة المطبخ، حركت يدي الوح لها مبتسمة من بعيد

ثم أمسكت بذراع تاكامورا وسحبته نحو البيت قائلة:

"تناول العشاء معنا الليلة!"

"لا داعي لذلك! لدي عملٌ أؤديه في مكتبي الليلة!" قال مُتهربًا...

"لاداعي للتهرب نحن لن نأكلك بل سنأكل معًا! العشاء سيجهز في أقل من ساعة وحسب!"

قلت باصرار وأنا مازلت أسحبه نحو بيت ياجيما... في الواقع لم يكن يبدي أية اعتراض على سحبي له، فاستنتجت

أنه محرج وحسب! اذكر ما قاله عن عدم أكله شيء منذ الأمس هذا الصباح ولا أريد له أن يبقى جائعًا حتى الغد!

فالرجال اذا انغمسوا في عملهم لايشعرون بالوقت أو الجوع! بل يغلبهم التعب نائمين جوعًا! كما حدث مع أبي مرارًا وتكرارًا!

دخلنا البيت معًا وكانت أختي وجوان يتجادلان معًا ولم أفهم لماذا لكن حين رأوا تاكامورا معي وقفوا مذهولين وخاصة جوان!

لاشك أنهُ لم يتوقع أن أحضره معي!

دخلت غرفة ياجيما وغيرت ثيابي ببلوزةٍ صفراء وبنطال جينز من خزانتها، ثم انضممت لياجيما في المطبخ وبدأت بمساعدتها

بما أمكنني وحين جهز العشاء بدأت بترتيب الطاولة معها، كانت تبتسم طوال الوقت فسألتها وأنا أضع سلة الخبز:

"ما سر هذه الإبتسامة ياجي؟"

بدأت تدندن بلحن غريب وهي تبتسم وتبدو سعيدة:" من يدري؟!"

نظرت نحو جوان الذي يبدو منزعجًا قليلًا، بل كثيرًا وهو ينظر نحوي بحدة! فبادلته ابتسامة واسعة... نظر للجهة الأخرى

وقد نالت منه! اذا كانت تبتسم بهذه الطريقة بسبب تحديها لجوان، فهيّ حقًا شخصية انتحارية!

في حين كانت آكاني تتعرف على تاكامورا بأحاديث صغيرة... وتبدو متفائلة ومستمتعة في حديثها معه.

جلسنا خمستنا حول الطاولة وشرعنا نأكلُ من طبخ ياجيما الشهي، ولم تغب عني حدقتا تاكامورا المتوسعتين

حين أخذ أول لقمة من الاستيك مع صلصة ياجيما الخاصة! نظر نحوي باستغراب فابتسمت قائلة:

" لذيذ جدًا، أليس كذلك؟"

أومئ برأسه وتابع الأكل ففعلت المثل. نهض جوان بعد العشاء و شرع بغسل الأطباق وتبعه تاكامورا قائلًا:

"آنسة ياجيما، كان العشاء لذيذًا بحق! شكرًا على الطعام وأعتذر اذا تطفلتُ عيكم!"

"ابدًا لم تزعجنا، يُسعدني أن تنظم لنا متى شئت!"

"سيسعدني ذلك أيضا! عمتم مساء!"

قلتُ باصرار:" لما العجلة؟! ابقى لبعض الوقت!"

نظر نحوي بحدة:" في المرة القادمة، ستدعينني لمنزكِ صحيح!"

ابتسمت بغباء:" لن يُعجبك طبخ جدتي والخادمة! ألا ترى أننا نأكل عشائنا هنا كثيرًا"

اغمض عينيه بهدوء قائلًا:" ربما يمكنك أن تعديه بنفسك اذا؟!"

ارتفع مستوى الحدة في كلامنا

"أتظنني لا افقه بالطبخ؟!"

"من يعلم؟!"

"أتظنني سيئة في الطبخ؟"

"من يعلم؟!"

" أنت أتيت بهذا لنفسك اذا!"

"ولربما، أنت من أتت بذلك لنفسها!"

أنه محق! أنا لم أطبخ شيئا مميزا في حياتي! بل لم أحاول حتى! كان جوان ينظر نحونا بشك وهو يجفف الطبق مصدومًا

وآكاني أشد صدمةً منه! وياجيما تخفي ضحكتها بيدها... لقد قضيتُ على نفسي بنفسي!

غادر تاكامورا بغير أن يضيف شيء لكلامه السابق بل اكتفى بتكرار جملة:

"عمتم مساءً!"

ما إن غادر تاكامورا حتى انفجرت ياجيما من الضحك لما ورطت نفسي فيه وآكاني تقول لي

"جننت؟!"

اقترب جوان منها مستفسرًا

"لماذا؟ ما الذي سيحدث؟!"

غطت وجهها بيدها قائلة:

"من يعلم!؟ لم يسبق أن رأيت أختي تدخل المطبخ وتعد شيئا على الإطلاق!"

"الى هذه الدرجة؟!" قال مستفسرًا... نظرت آكاني نحوه بوجهٍ مظلم

"تم تدمير ناتاليا!"

ابتسم لي جوان بخبث:" مسكينة!"

رميت بنفسي على الأريكة بتعب، قائلة:

"لا تستهينوا بي! سأفاجئكم جميعًا!"






*هيروشي*



قضيت طوال النهار وأنا غير قادر على التوقف في التفكير بما يجب أن أفعل! مايزال والد اوريليا في بكين

ولن يعود قبل نهاية الأسبوع...

أمست السادسة حين وصلت لشارع الشاطئ وكانت السماء مظلمة، وقفت قُرب منزل ياجيما وأنا أتأمل المكان،

لقد قضيت كثيرًا من الوقت مع ياجيما وناتاليا هُنا، أين ما نظرت ثمة ذكرى، ابتسمت لإحداها حين مرت من أمام ناظري!

ترجلت من سيارتي وأنا أنظر لتلك البقعة الصغيرة، في ذلك اليوم الصيفي حين اشتريتُ المثلجات لياجيما وناتاليا،

كان الجو كالفرن فذابت المثلجات بسرعة وشرعت هيَّ بالبُكاء!... كم كان عمرها؟! آه صحيح أنا كنتُ في العاشرة!

اذا فقد كانت في السادسة من عمرها حينها! بقيت ناتاليا تحاول ارضائها بمثلجاتها لكنها كانت تذوب أيضًا! فشرعتا بالبكاء معًا!

في ذلك الوقت كنا نسكن في المجتمع السكني الذي خلف بيت ياجيما! كنا صغارًا جدًا ولم نكن ننفصل!

ويوم قال أبي أنه سيشتري بيتًا كبيرًا ولن نعيش في شقة صغيرة بعد اليوم، كنا سعداء لأننا سنحصل على غرف خاصة غافلين

أن بيوتنا ستبتعد! مع ذلك كنا نأتي لهذا المكان كل يوم... لقد ابتعدت منازلنا وليس قلوبنا!

توجهت نحو بيت ياجيما وأنا أسير ببطئ والكثير من الأفكار تعصف في داخلي .... ارتطمتُ بأحدهم فاعتذرت منه وأكملتُ طريقي ...

يقابل باب بيت ياجيما الشاطئ ويعطي ظهره للشارع الرئيسي، حين وصلتُ للباب ضغطتُ الجرس ففتح الباب بسرعة!

وكان جوان هو من فتح الباب ورحب بي، نهضت آكاني:

"مرحبا أخي! أحان وقت العودة؟! ألا يمكننا البقاء أكثر!"

"ليس بعد!"

دخلت وأنا أخلع حذائي عند عتبة الباب وجلست على الأريكة متعبًا، نظرت في أرجاء الصالة:

"أين ياجيما وناتاليا؟!"

لم أنتظر الإجابة بل توجهت نحو غرفة ياجيما ودخلت بحكم العادة! ووجدت ياجيما تقف بجانب المرآة،

لمحتني عند الباب فاقتربت قائلة بسخرية ومكر مبتسمة:

"آه أنظر من شرفنا! كيف حالك أيها الأخ؟!"

"ماذا مع هذه اللهجة الساخرة ياجي؟!" سحبتني وهي تقول:

"تعال!" طوقت ذراعي وهي تكمل مشيرة لناتاليا:

"أنظر من قررت أن تصبح امرأة حقيقية!"

كانت تقرأ كتابًا ما وهي تجلس على السرير! لم أفهم فسحبتني وأجلستني بجانب ناتاليا ثم جلست خلفي وهي تقول:

"ماذا تقرأين ناتاليا؟!"

اقتربت مني وهي تطوق عنقي بذراعيها وأكملت:" ماذا تقرأين؟ ماذا تقرأين؟!"

كانت تحدثني أنا وليس ناتاليا... تسألني أنا! أعرف اسلوبها هذا! نظرت نحو الكتاب فكان.... لحظة!

أهذا؟ سحبته منها غير مصدق:

"أهذا كتاب طبخ؟!"

"أخي! أعده..." أخذت الكتاب وعادت تقرأه وتعلو وجهها تكشيرة كبيرة! أكانت ياجيما تزعجها قبل قدومي أيضًا؟

نظرت للملتصقة بظهري وأنا أسأل:

"ماذا حدث معها؟!"

ابتسمت وهي تخفي وجهها خلف ظهري كي لا أراه:

"من يدري!"

نهضت ناتاليا وأخذت كيس ورقي من خزانة ياجيما ووضعت بعض الكتب به، بدى لي أنها جميعها عن الطبخ!

سمعت من قبل أن كل الفتيات يمرن بمرحلة من الجنون! ويبدو أن هذه احداها!

بعد قليل كنا قد غادرنا لأعيد الفتاتين للبيت قبل العودة لبيت اوريليا، فما دام والدها ليس هنا يطلب مني البقاء معها طوال الوقت!

قبل سنة، تعرضت اوريليا للخطف عبر مجرمين محترفين، اعتقد كان لأجل طلب فدية من والدها،
قيل لي أنهم كانوا يتكلمون بلهجة لاتينية! وقد تعرضت لضغط نفسي كبير حتى بعد عودتها سالمة!

لهذا قام والدها بتوظيف حراس لها وقد وجدته مسليًا فتقدمت للعمل وحين عرف أنها تعرفني مسبقا طلب مني

مرافقتها طوال الوقت! مع أن هذا ليس عملي، انما لأنني أجيد فنون القتال وقد كسبت بطولة في الأعدادي
وثلاث في الثانوي واثنين في الكلية، فقد قبل توظيفي!

في الواقع طالما اردت ان أحترف الكاراتيه لكنني حين بدأت ممارستها بشكل رسمي، طلب والدي مني أن أدرس ادارة الأعمال

حين أكبر ليسمح لي بالمشاركة في البطولات! كنت في الثاني الأعدادي حينها ولم يكن هنالك ما يهمني غير المشاركة
في الدروس والبطولات!

مازلت أتمنى أن أعود لجو البطولات والتدريبات التي تسبقها لكنني لا أستطيع أن أخلف وعدي! مع أني قد حصلت

على دعوة لحضور البطولة الوطنية للمحترفين! الفائز سيحصل فرصة تحدي ابطال باقي الدول والذهاب لأولمبياد

العام المقبل لكن.... لا يمكنني القبول أو بالأحرى لا أستطيع على الأطلاق!

ترجلت من السيارة وتوجهت نحو البيت لأغير ملابسي قبل أن أعود وما أن دخلنا حتى لاحظنا الجو الغريب في البيت!

كان والدي قد عاد من استراليا.

كان يجلس في الصالة الكبيرة وجدتي تجلس معه وترتوي من شوقها له! لقد مر شهرين ونصف منذ سافر

وكانت هذه اطول فترة سافر أبي فيها وحده!

ما ان سمعت آكاني صوته عند الباب حتى هرولت اليه واحتضنته بقوة وبدأت تقبل وجهه كثيرًا! تقدمت ناتاليا

غير راضية لأن الأخرى سبقتها! وما أن ابتعدت قليلًا حتى رمت نفسها عليه وهي تقول

"اشتقت اليك كثيرًا!"

ضمها اليه و هو يقول:" صدقيني ليس اكثر مني حبيبتي الصغيرة!"

بقيت تجلس على قدمه وهي تحتضنه بقوة وآكاني تحاول ابعادها لتبقى قربه أكثر من الأخرى! يبدو أن لا حاجة لي هنا!

مددت يدي لأصافحتهُ وهو جالس محاط بالفتاتين تصافحنا لأجلست استمع لأحاديثهم وأخذني الوقت وأنا مع العائلة...

لم أنتبه للوقت الا مع عودة أمي للبيت وقد تفاجئت كثيرًا حين رأت والدي، نظرت لساعتي فاذا بها التاسعة ليلًا!

أخذت جوالي وأرسلت رسالة لماتسو زميلي في العمل قائلًا فيها أني لن أعود قبل منتصف الليل! مر الوقت كالسحر...

كان الوقت متأخرًا جدًا، خلد الجميع للنوم بقيت جالسًا في مكتب والدي، يجب أن اعود لاوريليا الآن! لكن لا رغبة لي بالتحرك

أو فعل أي شيء، أنا حقًا متعب! تعبت من العمل، الحياة والتفكير... لأول مرة اشعر أني عاجز! نظرة للدعوة بين يدي،

أحلامي بين يدي وواقعي على ظهري! أمسكت بالظرف من زاويتيه لأمزقه لكنني لم أستطع! لأول مرة في حياتي اشعر

أني لا اريد التقدم في أي شيء! اتمنى لو كنت ساكنا كالنجوم!

غافلني والدي وأنا أحاول أن أمزق الظرف من جديد عاجزًا... تقدم وأخذه من يدي فجأة وبدأ يقرأ محتواه!

استغربتُ بشدة فقد كان يبتسم بهدوء...

"أهذا ما يؤرقك يا بني؟! أم شيء آخر؟"

"أبي... لدي رجاء منك اعرف أنك لن تخيبني به! سأفعل أي شيء تطلبه فقط حقق لي امنيتي!"

"أتريد الذهاب؟!" قال بملامح جامدة وهو يرفع ظرف الدعوة...

عضضتُ شفتي السُفلى وأنا أنزل رأسي... جمعت شتاتي وقد اتخذت موقفي:

"لا! بل هنالك امر أهم من ذلك!"

رفعت رأسي وأنا أنظر اليه بتحدي انزلت رأسي من جديد وأكملت

"أنت تعرف أن السيدة جمين توفيت بعد ذهابك بعشرين يومًا.... السيد يوتاشي توشيري عم ياجيما وجوان
ينوي بيع عقار البيت ليجبر ياجيما أن تذهب معه للعاصمة! كما تعرف بيتهم ملكٌ له وهو يضغط عليها كثيرًا
لم يمر على وفاة الأم سوى قرابة خمسون يومًا وها هو يحاول تفريقها عنا وعن شقيقها!"

رفع والدي يده وحركها على ذقنه ليستوعب الموقف جيدًا قال برزانة:

"وتريد مني أن أفعل ماذا تحديدًا؟ انه ملكه ويحق له أن يفعل به ما يشاء!"

"انا أعلم" قلت بألم... ثم أكملت:

"أرجوك اشتري البيت من أجلي! اذا فعلت فلن يضغط عليها عمها بعد الآن!"

تفاجئ قليلًا ثم قال بتحدي:

"هيروشي... أنت تعلم أني لن أفعل ذلك لك بدون مقابل حتى لو كنت ابني الوحيد!"

اعرف ذلك جيدًا! لم يسبق أن قام أبي بفعل شيء بلا مقابل! في نهاية الأمر هو رجل أعمال ناجح بنى عمله من الصفر
في وقت لم يكن يملك بيتًا يسكُن به!

"أي شيء تطلبه!"


"تعال للعمل في الشركة معي!" قال بهدوء...

رفعت عيناي مستغربًا... توقعت ذلك لكن لم أتوقع أن يطلب ذلك مباشرةً بدون لف ودوران! الى أن كسر ذلك مكملًا:

"ستبدأ بالعمل كمبتدئ، لتفهم اساسيات العمل وبعد سنة اذا كنت تستحق فسأضيفك مع الموظفين الدائمين ريثما تثبت نفسك لتترقى كمدير تنفيذي! لن تترك العمل قبل سبعة سنوات... لا يمكنك الإنسحاب بأي شكلٍ كان ان فعلت فتعرف ما سأفعل!
حين تنتهي السنوات السبع سأعطيك الملكية لعقار البيت وحينها يمكنك أن تفعل ما تشاء! تبقى أو تترك العمل يكون خيارك حينها!"



كان ذلك سيحدث في نهاية الأمر! لكن ليس بهذه القسوة! ابتسمت بالم وأنا أمد يدي لأصافحه موافقًا لشروطه!

تصافحت معه.....
وأنا أدرك أني استسلمت ولأول مرة في حياتي وتخليت عن كل طموحاتي وغروري... ما كان يواسيني أن ذلك كان يستحق التضحية.

أخذت الظرف منه وذهبت لغرفتي، نظرت لزواياه بدت لي خاوية بوسعتها رغم أنها ممتلئة! ولم أدرك أن ذاتي هيّ التي خوت من كل شيء الا الهزيمة.
يالها من حياة قاسية، فيّ دقائق معدودة حولت شاب طموح لرجل مهزوم!

استيقضت صباحًا وقد أدركتُ أني نمت في البيت! لقد نسيت نفسي! بدلت ملابسي بسرعة وغادرت غرفتي...

استوقفتني ضوضاء تقدمت لأجد ناتاليا وجدتي تطبخان معًا! شيء نادر حقًا! كانت جدتي تقدم ملاحظات لناتاليا والأخرى تنفذها!

يبدو أنها جادة حقًا! لم يخفى عني أن جدتي كانت سعيدة لإنضمام ناتاليا للمطبخ!

أخذت كعكة من على الطاولة بخفة وغادرت بغير أن تتم ملاحظة ذلك، كان طعمها جيدًا لكنها لم تكن كما تعدها جدتي

منتفخة وطرية أيضًا! بل كانت جافة نوعًا ما! جعلني ذلك استنتج أنها من اعداد ناتاليا! لابأس بها كأول تجربة!

جلست في سيارتي وأدرت محركها وبعد مسافة قصيرة جدًا أوقفت السيارة...

تذكرت حديثي مع أبي أمس وأدركت أن هذه آخر مرة اذهب لبيت اوريليا بحجة العمل! وأنني قد لا أراها الا نادرًا بعد اليوم! بقيت جالسًا في السيارة وأنا افكر مطولًا!

وحين إنتبهت أني تأخرت عدلت نفسي لأتحرك، حينها لاحظت ناتاليا تخرج من البيت، كُنت على وشك العودة لأيصالها فقد تتأخر لأصدم بها تركب سيارة سوداء وتغادر مَعهُ! ما الذي حدث؟ لم أستطع استيعابَ ذلك!

*يُتبع*

فِريـال
12-12-2020, 06:54 AM
-





"لدينا عالمنا البسيط لانحتاج عالمكم وقوانينه!"

✧✦✧



-7-




*آكاني*

ياله من صباح هادئ! الجو ليس حارًا ولا باردًا الرياح تهب بهدوء شديد!

"لماذا تتعب نفسك؟ دعني وشأني!" قلت للمزعج الذي يسير بجواري!

"هذا ليس من شأنك! ليس كأنني أتتبعك، انه طريق المدرسة!" قال وهو يمدد يداه...

"لست مجبرًا على السير ومعك دراجتك!"

"لدي وقت ولست مُستعجلًا للوصول للمدرسة!"

"يالك من لُصاقة!" قلت بضجر

"لأنك كالمغناطيس للمشاكل! ولن أدع هيروشي يعتقد بأنني لم أعتني بك، فوقعت بها!" قال بسخرية...

"وقح!"...

أنه هكذا منذ فترة! يأتي ليرافقني من وإلى المدرسة! ماذا به على أي حال؟ يقول كلامًا قاسيًا ويلتصق بي كظلي! يوميًا وفي كل مكان...

في الحصة يجلس خلفي، وقت الغداء يأكل معي، وفي اجتماعات ممثلي الصف معي وفي المختبر يجلس بجانبي!

وفي المطبخ في نفس الفريق معي! كأنني مربوطة بحبل خفي معه!

نظرت للدراجة،

لم أركب واحدة منها مذ دخلت الثانوية، لأنه ليس لائقًا مع التنورة القصيرة! لذلك أسير كل هذه المسافة يوميًا...
"أختي محظوظة جدًا! لديها من يوصلها يوميًا!"

قال جوان ببلاهة وهو يُشير لنفسه:
"وأنا أوصلك يوميًا!"

"ماذا؟ أتمزح معي؟" قلتُ باستهزاء لأكمل بحماس

"ليتني كنت بدلًا عنها! حتى لو كان حبيبًا مزيفا مازال تاكامورا رجلا رائعًا للغاية!"

"ماذا... أتمزحين أم ماذا؟ أو لعلك كباقي الفتيات غبية وحسب!" قال مستهزء وهو ينظر للأمام..

"لست غبية! يحق للفتاة أن تحلم أحيانا!" قلت غاضبة...

وقف جوان فجأة وركب الدراجة قائلًا:
"اركبي على السلة الخلفية! أعرف أنك تعبة من المشي!"

"لا أريد!"
قلتُ باشمئزاز، فبادلني نظرة باردة مطولًا... استسلمت وأنا أجلس على السلة بعد أن أعطيته حقيبتي...

أمسكت السلة التي أجلس عليها بكلتا يدي قائلة:
"اياك أن تسرع كثيرًا!"

"لا يحق لك الطلب!"
قال بشقاوة... وحرك دراجته بسرعة نسبية... أمسكت بقميصه بيدي اليسرى خوفًا وسألت:

"صحيح جوان، بيتك ليس ببُعد بيتي فلما تحتاج الدراجة؟"

لم يُجبني ولم يتسن لي رؤية ملامحه فلم أفهم موقفه.. يبدو غريبًا مؤخرًا، يشرد كثيرًا أتسائل ما يشغل باله؟

قبل أكثر من سنتين، كُنت مع الصف في مساحة خاصة بالتخييم يزورها طلاب المدارس وكان صفُ جوان في نفس المكان معنا!

كانت مدرستنا تفصل صفوف الأولاد والبنات... لم أكن قد قابلته من قبل الا حين كُنا صغارًا ولذلك لم أعرفه...

مع أنني أعرف ياجيما التي كانت تأتي لمنزلنا بكثرة الا أنني لم أذهب سوى مرات قليلة لم يكن في البيت حينها....

تقابلنا صدفة وحدث خلاف بيننا أنا وصديقاتي معه وأصدقائه، كانوا معروفين بأنهم الأكثر شغبًا في المدرسة اولائك الأربعة!

جائتني إحدى صديقاتي تشتكي من اولاد الصف الآخر يبدو أن أحدهم كان قد رمى بها في البحيرة! حينها استشطت غضبًا

ودبرنا انتقامنا مع الفتيات وخربنا خيمتهم في الليل وهم نيام! يبدو أن جوان كان مستيقظا حينها فرأني بين الفتيات،

الغريب أنه كان يعرفني وأنا لا! وقد قام حينها بالتغطية علي ولم يشي بي وحين عادوا وازعجوا فتاة أخرى قمت بتدبير مقلب آخر

لكن جوان أمسك بي وأبعدني عن المكان قائلًا:
"توقفي عن حشر نفسك بالمشاكل! أتظنين أنهم سيدعونك وشأنك اذا عرفوا ما تدبرين لهم؟! سيُدمرون حياتك!"

"هذا لايعنيك فلا تتدخل!" قلتُ بوجه مُحتقن وأنا مصرة أن أنفذ انتقامي لزميلتي منهم!

وما كان منه الا وصفعني على خدي بقوة وهو يقول:
"يالقلبك الأسود! كيف لفتاة مثلك أن تحقد على أحد لم يؤذيها!"

صرخت في وجهه والدموع في عيناي:
"أتظن نفسك أفضل مني؟ وأنت كنت معهم ايضًا!"

"يكفي!" قال بنبرة آمرة وهو يبعد نظره عني! نظرت له بامعان كانت نظراته باردة جدًا.

" لا تعيديها! لن يرضى هيروشي اذا حدث لك مكروه وأنا اراقبك فلا تصعبيها!"

ختم كلامه وهو يوليني ظهره وذهب.

لاحقًا عرفت أنه شقيق ياجيما وذلكَ يوم جنازة والده السيد توشيري، لقد كُنتُ مصدومة جدًا حينها.




*ناتاليا*

كان يتذمر لتأخري، لقد اتصل بي ثلاث مرات ولكنني طلبت منه أن ينتظر! ولم أشعر الا وأمست الثامنة!

لم يبقى سوى نصف ساعة على بداية الحصة...
"كما تعرفين، أنا لست عاطلًا عن العمل! لاتكرريها! ستصلين في الوقت المحدد ولكنني تأخرت سلفًا!"

"أنا آسفة... آسفة... آسفة حقًا!"
بقيت أعتذر حتى وصلت، وترجلت مودعةً اياه بسرعة... ولم أدرك بأنني قد نسيت حقيبة نقودي خطئًا في سيارته

الا حين كنتُ أنوي دفع ماعلي في مقصف المدرسة... كان الموقف محرجًا للغاية... لم أحضر معي طعامي ونسيت حقيبة نقودي،

والأسوء تم احراجي من قِبل البائعة!

عدت لصفي خائبة، نظرت حولي لم أجد ياجيما اذ انها لم تأتي اليوم! نهضت أذهب لحيث أختي فتفاجئت بجوان عند الصف،

نظر للصف فلما لم يجد ياجيما سألني:
"أين أختي؟! من النادر أن لا تكونا معًا؟"

استغربتُ وأنا أجيب:" الا تعلم أنها لم تأتي؟"

تبادلت نظرات استفهام مع سوداوتيه! ليقول بأسف:

" لم أحضر طعامي معي فقد كانت تعده حين غادرت البيت صباحًا ولم أحضر نقودًا معي!"

ابتسمت لأستفزه قائلة:" مسكين!"

بادلني بنفس أسلوبي:" ماذا عنك؟!"

"لن أجادلك! فأنا لم أحضر معي غدائي والأسوء نسيت محفظتي!"

"لاتقوليها! لقد كُنت أفكر بالإقتراض منك للتو!"

قلتُ بشيء من الألم:" مع الأسف! لنذهب لآكاني!"

تلبك قائلًا:" أنا لا أستطيع أن أطلب منها! سيكون موقفًا محرجًا أمام أصدقائي!"

ابتسمتُ وأنا اجره معي:" لابأس... لابأس... أنا سأطلب وأنت تذهب للشراء!"

قال بشك:" ولما أنا وليس أنت؟"

لم أستطع أن أجيبه بصراحة عن ما حدث معي في المقصف قبل قليل فراوغته قائلة:
"لأنك ستكون الأسرع، هيا قبل نفاذ الكمية!"

دخلت صفها ولحسن حظي لم يكن به سوى أختي واثنين من زميلتيها! لم تمانع آكاني أعطائي النقود بلا تردد

مع انها كانت تتذمر بسبب اهمالي! ذكريني من الأكبر؟!
"عليك أن تكوني حذره أختي! كدت تتأخرين صباحًا رغم أنكِ مستيقظة منذ الخامسة والآن نسيت شيء مهم كهذا!"

"حاضر.. حاضر ماما!" قلتُ لها مازحة وأنا أغادر صفها ملوحة!

وجدتُ جوان يجلس القرفصاء في الزاوية، أعطيته النقود مبتسمة... اتفقنا وغادر للمقصف وذهبت أنا للباحة

واشتريت مشروبين غازيين بطعم البرتقال وعدت لصفي حيث سبقني جوان وجدته يجلس على طاولتي وهو

يضع رأسه على الطاولة حركت كتفه قليلًا فاذا به ينهض فزعًا!
"ماذا بك؟! أخفتني حقًا!"

أعطيته أحد العلبتين وأخذت كيس مشترياتي منه... قال وهو يحك فروة رأسه
"لا شيء حقًا! لقد فاجئتني وحسب!"

بدا لي أكثر من متفاجئ ولكنني لم أشأ ازعاجه...
"سأذهب للباحة الخلفية فالجو جميل، هل تأتي؟!"

رفع العلبة عن الطاولة وهو يتبعني قائلًا:
"ولما لا؟!"

كان الجو كالصباح تمامًا لكن ادفئ، فقد توسط القرص الذهبي قلب السماء! جلسنا نأكل بهدوء، نادرًا ما يحدث شيء كهذا!

أقصد أن نجتمع أنا وجوان من دون اخواتنا!

"أتسائل لما غابت ياجيما؟ سأراسلها!" قلت وأنا أخرج هاتفي...

"وأنا أيضًا! لم تقل لي شيء حين غادرت صباحًا!"

"ولما لا تأتي معها؟!"

نظر لشطيرة البيض بين يديه مطولًا وهو يتهرب من الإجابة بوضوح:
"ناتاليا... أنا أعتذر لما فعلت! اعتبريه انتقامًا صبيانيًا!"

ابتسمت برضى:" ليس عليك الإعتذار! فقد تجاوزت ماحدث حقًا! تجاوزه وحسب!"

قال بشماتة:" لا أنوي أن أتجاوز مزحتكِ الغبية! انما أنا آسف لطريقة الرد عليكِ! كان يجب أن تكون أقوى!"

"ها ها ها... أرجو أن لا تفعل اذًا؟!" قلتُ بمرح لأغير الجو العام بيننا، ابتسم بهدوء وتابع أكل طعامه بغير أن يضيف شيءٍ...

وحين أنهى أكل حصته، مد يديه نحو كيس شطائري وسرق واحدة تحت ناظرَي
سحبت الشطيرة الأخيرة وأنا أخفيها عنه:
"ألم تشبع!"

"فعلت!" أجاب مغمض العينين!

أغاضني عمدًا لأثور عليه:
"اذا لما تأكل من حصتي؟!"

"لأنني وقح! أليس سببا كافيًا!"

"وقح!" قلتُ مستغربة! لم أفهم ما قصده لكنه لم يكن يمزح!

"أنت... لا تبدين منزعجة من التمثيلية السخيفة! وهذا غريب!"

نظرت اليه بابتسامة لم يفهم مغزاها اذ انه بدا لي مشوشًا ولم يفهم موقفي!

في تلك اللحظة لمحت شخص من بعيد، كان يبدو غريبًا ومألوفًا في نفس الوقت... نظرت مليًا لكنني لم أتعرفه،

لم يسبق أن رأيته في المدرسة من قبل! كان يبدو شيخًا كبير السن بخصلاته البيضاء، والشعر قد تساقط من معظم رأسه

يسير بهدوء مستعملًا عكاز خشبي يساعده على الوقوف بعد أن تقوس ظهره قليلًا!
"هي جوان... أتعرف الرجل العجوز؟!"

نظر جوان له بحيرة وهو مستغرب منه مجيبًا :
"رأيته مرة واحدة من قبل لكنني لا أعرفه... لعله أستاذ لأحد الصفوف!"

لم أقتنع من كلام جوان، أنا ادرس هنا ثلاث سنوات ولم أراه من قبل، فلا يعقل أن يتم نقل استاذ عجوز للمدرسة!

رجل في مثل سنه يفترض أن يكون قد تقاعد منذ عشرين سنة! فلا يعقل أن يكون استاذًا! بلا وعي مني أخرجت هاتفي

وأخذت صورة له، لم تكن الصورة تظهر ملامحه جيدًا من زاويتي ولكنني التقطتها!

"لما الصورة؟" سأل جوان مستغربًا من تصرفي فأعدت الهاتف لجيبي وأنا أجيب مبتسمة:
"فضول! سأسأل أخي عنه!"

"اتظنين أن هيروشي يعرفه؟"

"ربما!" قلت وأنا أنهض من المقعد الخشبي وأجمع المخلفات التي سببناها، ورميتها في السلة المهملات التي خلفنا...
"من الأفضل أن تعود لصفك يا جوان، سيرن الجرس بعد قليل!"

"حاضر... حاضر سيدتي!" قال منصاعًا وسبقني نحو مدخل المبنى الرئيسي للصفوف...

وقفت أنظر لحيث دخل العجوز وكلي شك قوي،
"أيعقل؟!"

رن الجرس فاستدرت عائدة لصفي وأنا أنظر لورائي مشغولة البال فاذا بي اصطدم باحدهم فوقعت على الأرض فاقده توازني!

"أنا آسفة... انه خطئي!" قلتُ وأنا أرفع رأسي

فاذا به أحد العاملين في تنظيف المدرسة، أنزل قبعته على عينيه وهو ينحني قليلًا:
*

"انا اعتذر آنستي!" قال بصوته المخملي الذي له صدى خاص في اذناي...

امسكت القبعة وأبعدتها عن عينيه، تلكما الخضراوتان اللتان تشعان حدة! تغيرت ملامحه قليلًا ولكن، العيون نفسها!

كان يضع لحية وشوارب مصطنعة وقد غير شيء من ملامحه ليبدو أكبر قليلًا من سنه، ابتسمت بثقة وأنا أعيدها اليه ثم أخرجت هاتفي،

كان يتجاوزني حين أمسكت بذراعه، فاستدار مستغربًا من فعلتي وضعت الهاتف بيننا وأنا أقول:
"هذا العجوز، أنا واثقة أنه ليس استاذا! أظنه شخص يستحيل أن يتواجد في المدرسة!"

نظر للصورة لبعض الوقت بتركيز ثم أخذ الهاتف من يدي وهو يعبث به... لم أفهم ماذا كان يفعل ولكنه سأل في نفس الوقت:
"أنت حذقة أكثر من ما توقعت! أن تنتبهي لشيء كهذا... أنا مندهش!"

"كما تعرف، انه عجوز للغاية ولم يسبق لطالبة نشيطة في المدرسة أن تراه، لاتمزح معي... يستحيل أن يكون استاذًا!
كما ليس هنالك اجتماع أولياء الأمور وليس هنا ليرى المدير أو الأساتذة بحكم أنه أب... اذ لا حاجة ليأتي للباحة الخلفية ان كان كذلك!"

*
وضع الهاتف في يدي وغادر بغير أن يضيف شيءٍ وهو يلبس قبعته، ابتسمت وأنا أشاهده يتجه نحو مبنى المختبرات والمطابخ
وهو يجر عربة ادوات التنظيف... أن يفكر بالعمل كعامل تنظيف، يبدو محترفًا في عمله! لدرجة أنه غير ملامحه حتى!

تذكرت أن الجرس قد سبق ورن فهرعت عائده للصف ومن حسن حظي وصلت قبل الأستاذ هاياموتو، استاذ التاريخ، بثواني قليلة اذ دخلت من الباب الخلفي وهو دخل من الباب الأمامي للصف...
لاحظتُ أنه كان يحدق فيَّ بسوداوتيه بحدة فنهضت معتذرة عن تأخري! انه من الأساتذة الصارمين حقًا! رجل متوسط العمر، سمين وشبه أصلع وبدأ الشيب يغزو شعره خلف اذنيه!

يلبسُ نظارة طبية ذات اطار أسود بارز مع ربطة عنق ربطت باهمال! معروف عنه أنه لا يهتم بهندامه
لكن تدريسه للتاريخ جميل وطريقة سرده تدخل الطلاب في جو الملحمة التي يرويها! لا يمكنني قول الشيء نفسه عن الإختبارات الصعبة التي يمنحنا اياها نهاية كل شهر!

مرت حصة التاريخ وعقبتها حصة الأشغال الإضافية، وكانت تتمحور حول الرسم! لا بأس برسمي لكنني لست بارعة به كياجيما!

فهي ترسم ببراعة وبأساليب مبهجه للناظر! كانت تمضي الكثير من الوقت في غرفة الرسم هذه مع نادي الرسم في الصف الأول

لكنها لم تعد تستطيع الحضور بسبب وفات والدها وتراكم المسؤوليات عليها...

في أثناء الحصة حدث شيء غير متوقع، اذ دخلت الأستاذة ميومينا وهي امرأة في بداية الثلاثينيات، قصيرة القامة وذات وجه بشوش اذ انها تبدو أصغر مما هي عليه تجمع شعرها للخلف بحيث تتدلى بعض خصلات شعرها المموج، خلفها عنوة!

ويمكنك أن ترى تلك الفرشاة التي تجمع شعرها بوضوح! يتبعها شابين وثلاثة فتيات وكان من بينهم... جوان! كنت مندهشة!

ماذا يفعل هنا؟! بدأت الأستاذة بحديثها معنا:
"اليوم سنبدأ بتلوين اللوحة التي رسم خطوطها الأسبوع الفائت على اللوحات الخاصة بكم وسنلونها بالوان زيتية!
معكم هنا خمسة من الطلاب الذين أعتبرهم أفضل الرسامين في نادي الرسم! وهم هنا لمساعدتكم بملاحظات تراودكم!"

قال جميع طلاب صفي في نفس الوقت:
"شكرًا على المساعدة!"

كانوا يحومون حولنا ويساعدون بملاحظاتهم بقدر ما يستطيعون، أشارت زميلتي مانا لأحدهم منادية اياه، لفت انتباهي صوته

وهو يبدي ملاحظات ونصائح لها، حين اختلست النظر اليه كان يحمل نفس هالة والده! حين كان يعلمنا الرسم في المدرسة الإعدادية!

كان مختلفًا عن العادة، يبدو لطيفًا بنظراته ومحترفًا بنصائحه حقًا! اقترب مني يختلس النظر للوحتي وبدأ يُريني اخطائي وبسرعة مرر

فرشاته على بعض النقط التي افسدتها وهو يبدي رأيه عن اسلوبي والخطوات الخاطئة التي ارتكبتها!

فجأة وبعد ضرب الفرشات بخمسة نقط اصبحت اللوحة تبدو أجمل من أن تكون لوحتي !

تلك العيون السارحة والشفاة المزمومة، كانت تبرق بشدة! من كان ليتوقع أنه جوان! لو لم أكن أعرفه لما صدقت!

لطالما عرفت أن جوان يرسم، لكنني لم أتوقع أن يكون بهذه المهارة! كأنه ساحر وألقى تعويذته على عالمي!

في نهاية الحصة كنت أنظر للوحتي، ولم أشعر سوى أني أسيرة فيها لجمالها! الا أنها لم تعد لوحتي!
في اللحظة التي وضع يده عليها، أصبحت عالمه!

كان الجميع يجمع ادوات رسمهم وتنظيف الاواني والمناشف التي

استعملوها في أثناء الرسم بالألوان الزيتية، عداي! كنت مأخوذة في عالمه!

اقتربت مني زميلتي مانا وهي تمسح على كتفي لتعيدني لعالم الواقع فادركت نفسي! قالت مانا وهي تحملق باللوحة:
"لم أتخيل وجود رسام محترف مثله في مدرستنا! رأيتك معه وقت الغداء من أي صف هو؟"

كانت تتكلم عنه باعجاب وهي تلف خصلة من شعرها بلا شعور، ابتسمت رغمًا عني! فهي تتكلم عن جوان!

الشاب الأكثر استفزازًا ممن قابلتهم في حياتي!
"أنت تقصدين جوان! هو في الصف الأول!"

نظرت لي بعيون متوسعة على اوجها، قالت وكأنها لا تريد التصديق:
"في الصف لأول... مستحيل! أنه وسيمٌ جدًا! كيف تعرفينه؟"

ابتسمت قائلة بشيء من الفخر:
"إنه شقيق ياجيما الأصغر!"

وما أن قلت ذلك حتى التفت الجميع الي! كان جوان يقف بجانب الأستاذة ميومينا ويتحدثان بعمق

وحين سمع ما قلت نظر نحوي ببرود! تحلق نصف الصف حوله وهم يحاولون التعرف عليه اقتربت ووقفت بجانبه

وأنا أمسك ذراعه أحاول أن استمع لكلامه مع الأستاذه ميومينا فختم حواره معها:
"سأحاول لكنني لن أعدكِ بشيء!"

نظرت اليه بدت نظراته نحوي مظلمة فابتسمت رغمًا عني فلطالما أحببت استفزازه كما يستفزني!

سحب يده واستأذن من الأستاذة للعودة لصفه قبل أن يرن الجرس...

استغربت تصرفه فسألت الأستاذة ميومينا:
"معلمتي... ماذا به جوان؟ بدا خائب الأمل لي!"

قالت وهي تضع يدها على خدها:
"أشعر بالأسف عليه! موهبة مثله تستحق السطوع... لكنه اعتذر عن المشاركة بالمعرض السنوي للمدرسة
وثمة مسابقة توهو الوطنية للرسم ايضًا، سيحصل الرابح على منحة لدراسة الفن في الكلية... لكنه قال لي
أنه لا يستطيع المشاركة باكثر من نشاطات النادي! أيعقل أن يكون بسبب النفقات!"

قال أحد الطلاب الملتفون حول الأستاذة قائلًا:
"لابد أن يكون السبب!"

وقال آخر:" لقد فقدت عائلة توشيري الأب قبل سنتين والأم قبل شهرين وهذا طبيعي!"
*

وهكذا بدأ الجميع يتهامسون مع بعضهم عن هذه القصة... شعرت بالأسف عليه، ولأول مرة تسائلت، كيف يشعر جوان تحديدًا؟!





*جوان*

تسابقت مع خطواتي نحو الصف، كنت أحاول عدم الهرولة مُحاولًا ايصال نفسي للصف! كان الجرس قد رن مُسبقًا...

دخلت الصف هرعًا، فكانت تجلس وهيّ تكتُب في كِتابها وأكثر من نصف الصف قد غادر... نظرت نحو مدخل الصف الأمامي

كانو يجتمعون حول بعضهم ونظراتهم لا تطمئن ... وحين رأوني أدخل، التقطوا حقائبهم مُغادرين! تنفست الصعداء وأنا اشاهدهم

يغادرون الصف.... تقدمت نحو مقعدي وجلست وتمددت على طاولتي لأرتاح قليلًا وأنا مغمض العينين،

بعد دقائق شعرت بها تضربني وهي تتمدد.. فتحت عيني وبلا قصد، أفزعتها!
"أنا آسفة... لم أنتبه، متى عدت للصف؟"

أعدت رأسي على الطاولة:
"أنا جائع! أيمكننا أن نعود الآن! لقد اعتذرت من زملاء النادي... دعينا نذهب!"

عادت تنظر نحو الأمام وهي تدنو من كتابها...
"لست مجبرًا على البقاء! عُد اذا كنت تريد! أريد أن أكمل حل مسائل الرياضيات!"

"حسنًا!"

وكان آخر ماسمعته هو صوت همهمة الطلاب... ولم أشعر بنفسي الا وغفوت!

كانت لمساتها الدافئة على وجهي تزعجني، ولم أشأ الاستيقاظ لشدة تعبي وأرقي بسبب السهر اللية الماضية...

وحين أدركت نفسي كانت الشمس تشع بالبرتقالي... نهضت فزعًا وأنا أنظر حول نفسي! لم أشعر بنفسي اطلاقًا!

نظرت اليها فاذا بها عابسة!
"أخيرًا استيقظت! الم تقل أنك جائع؟ لنذهب!"

حملت حقيبتي وأنا اتذمر منها:
"متى كنتِ تنوين ايقاضي؟ حين يسود الليل مثلًا؟!"

احتقن الغضب بوجهها وبرقت زرقاوتاها المخضرة قائلة:
"ما شأني أنا بك!؟ لم أطلب منك البقاء اصلًا!"

كانت عيناها تشع بتحدي وضوء الشمس المشع أدخل ؤرقاوتاها المخضرة بلونٍ بنفسجي تارةً والفضي تارة أخرى لتمتزج الألوان!

بتُ أكره أن أجادلها كثيرًا! لأنني أعرف أنه سينتهي بخلاف كبير! حملت حقيبتي وغادرت الصف لتَّبعني مغتاضة!

ركبت الدراجة وأنا أنظر اليها مطولًا:
"اسرعي وحسب! أنا مرهق وبالكاد أقف!"

"لن تسرع كثيرًا كالصباح صحيح؟!" قالت بشك...

"حسنًا.. حسنًا سأقود بهدوء!"
لم تعد لدي طاقة لأهدرها بالكلام... فلم أشأ استفزازها ومناقشتها أكثر...

وخلال خمس دقائق كنا قد وصلنا لبيتي فنزلت وهي تقول بنشاط وحماس مفرط:
"وصلنا!"

"أين لك بكل هذه الطاقة بعد هذا اليوم الطويل!"
قلت ذلك ودخلت للبيت وعلى غير العادة كان هيروشي قد وصل قبلنا! استغربنا أنا وآكاني كثيرًا فهذا غير معهود!

كان يغط في نومٍ عميق على الأريكة الكبيرة وسط غرفة الجلوس:
"لقد عدت! أختي أين أنت؟"

خرجت من غرفة الغسيل وهي ترتدي مئزر العمل وتحمل سلة مليئة بالملاءات البيضاء:
"أهلا بعودتكما! التزما الهدوء رجاء" قالت وهي تشير نحو هيروشي النائم!

ثم عادت للداخل فذهبت لغرفتي... أخترت بعض ملابسي من خزانتي وغيرتها، لقد كنت كسلًا لدرجة منعتني من الأستحمام...

كانت أختي ماتزال مشغولة بالغسيل... وقفت عند باب غرفة الغسيل تحت السلم، وقد كانت غرفة صغيرة تضم غسالتين والمكواة...

"أتغسلين شراشف الغرف؟!" قلتُ باستفسار...

وضعت الغسيل في السلة بعد أن أخرجته من الغسالة الكهربائية والتفتت الي بابتسامة
"أجل! لقد نسيت غسلهم في العطلة ولدّي الكثير من الدراسة لأقوم بها ابتداءٍ من الأسبوع القادم!
كما طلبت بعض الفتيات ذلك مني هذا الصباح!"

أتحاولين خداعي أم ماذا؟! هذا لا يُصدق!

"أنت تعرفين أنك لا يجب أن تتغيبي لهذا السبب! بحق... لقد شغلت بالي طوال اليوم!"

"أيه! أنا لم أقصد اقلاقك أخي اللطيف... آه تذكرت، لقد اشتريت بعض الأضواء الجديدة! غير التي في الصالة والذي في الحمام والشرفة أيضًا! ..... غدائك فوق المايكرويف! سخنه جيدًا!"

قالت ذلك لتعود لعملها متهربة من الحديث! أنها تفعلها مجددًا! تحاول أخفاء شيء عني ثانيةً! سأتأكد من كشفه بعد الأكل!

تناولت غدائي بعد أن سخنته بالمايكرويف... وكنت أغسل أطباقي حين استيقظ هيروشي من النوم، كان هادئًا على غير العادة!

في حين عادت المجنونة للدراسة! الا تمل من الدراسة كل هذه الفترة الطويلة في المدرسة وحين تعود منها؟

جلستُ على الأريكة مُتقابلًا مع هيروشي وبجانب المجنونة، كان يبدو غريبًا فسألت بفضول:
"هيروشي... كيف حالك؟!"

مدد يديه وهو يقول بارهاق بادي:
"مرهق! لقد كان يومًا أصعب من ما يمكن أن يكون!"

اردفت المجنونة باستغراب:
"هذا غير عادي! لم يسبق لك أن تذمرتَ من العمل!"

لم يجب هيروشي بشيء! لا ألومه لا أحب أن يتم استجوابي بما لا أحب الحديث عنه أيضًا!

دخلت أختي المطبخ في نفس الوقت، فلفتت انتباهنا جميعًا، المطبخ يطل على غرفة الجلوس ونوافذه تطل على الشاطئ!

نهض هيروشي نحو الحمام... فتوجهت لأقوم بتغير الأضواء في الطابق الثاني! يارجل أنه اكثر شيء أكره فعله! الصعود للطابق الثاني...

يعني مقابلة الفتيات الجامعيات اللواتي يسكنَ معنا، وأنا لا أحب الإختلاط معهن! فالفتيات مرعبات، ولست ابالغ!

غيرت أضواء الأنارة وقد حالفني الحظ بأن لم تتم ملاحظتي، توجهت للشرفة حاملًا السلم المتحرك وقمت بالشيء ذاته
وشدني جمال البحر من هذه النقطة... كان القمر بدرًا، شدتني الوانه الذهبية وحجمه الذي بدا كبيرا والنجوم المتلئلئة واضحة
لعتمة الأفق... وكانت الشمس قد غرُبت منذ وقت ملحوظ! أخرجت هاتفي والتقطت صورة سريعة ونزلت للطابق السفلي حاملًا السلم معي لأعادته للمرأب...
وحينها كانت الصدمة! كان الجميع يقفون وينظرون لناتاليا مستغربين لهذا الموقف...

تلك الغبية! لما أحضرته معها؟ ولكن وبطريقةٍ ما كان ذلك ممتعًا! كأنها دراما رخيصة ليجتمع فيها الأخ مع حبيب أختهُ المزيف!

وبدون قصد وبفعل العادة شعرت بالشماتة بموقف ناتاليا! أخرجت هاتفي والتقطت صورًا لملامحها كذكرى!

"من؟ من تكون أنت؟!" قال هيروشي...

بدا لي أنه يعرفه لكن لايتذكر أين، فقد كان يفكر وهو شارد نحو الآخر... التفتت ناتاليا نحو ناكازاكي وملامحها حذرة،

اقتربت أختي ووقفت بجانب هيروشي وقبل أن تفتح فمها قال ناكازاكي بوجه بارد:
"ألست أنت من اصطدم بي البارحة؟!"

حين غادر ناكازاكي البارحة جاء هيروشي بعد عدة دقائق! أيعقل ذلك؟! أجاب هيروشي ببرودة لا تقل عن الآخر:
"لا أذكر!"

بجدية! لا أعلم لما أشعر بأن ذلك لن يمر على ما يرام!

"وقاحة! عليك تذكر وجوه من تصطدم بهم حتى اذا كنت شاردًا يا.... من أنت؟!"

فتحت عقدة وجه المتجمد ليكمل كلامه مستغربًا! لقد تأخرت عن السؤال!

أشارت ناتاليا نحو هيروشي تحاول منع الكلام الحاد قبل أن يزداد حدة:
"عفوًا هذا أخي الأكبر هيروشي ناكاموري!"

أشارت نحو ناكازاكي وتوقفت قبل أن تٌكمل وهي تنظر نحوه... ليتقدم الآخر نحو هيروشي وهو يمُد يده مقدمًا نفسه:
"أعتذر عن فضاضتي!... تاكامورا ناكازاكي!... تشرفت بمعرفتك!"

بادله هيروشي المصافحة وهو يجيب:
"تشرفت بمعرفتك! أشعر أني رأيتك في مكان آخر!"

"أعتذر اذا كنت غير قابل للتذكر!"
كانت برودة الجو السائد تجوب بين أوصال الجميع! حين يُقرّر هيروشي التصرف ببرود مع أحد لا يرتاح له، يبدو مرعبًا!



*يُتبع*

فِريـال
12-12-2020, 06:55 AM
-




"نحن البشر لانختار من نحب، واكيد لايختارونا...
بل اقدارنا هي من تختارهم لنا."

✧✦✧


-8-





*جوان*



كانت برودة الجو السائد تجوب بين أوصال الجميع! حين يُقرّر هيروشي التصرف ببرود مع أحدًا لا يرتاح له، يبدو مرعبًا!



انسحبت من هذا الجو وذهبتُ لإعادة السلم للمرآب والذي يقع بابه مواجهًا للشارع، المكان الذي كان يستعمله والدي

لركن سيارته التي تحطمت في الحادث! المكان الذي آتي إليه حين أريد البقاء وحدي... المكان الذي يعبق برائحة التربنتين*[1]!

المكان الذي كان يرسم به! المكان الذي أرسم به لأحياء ذكراه!... إنه أوسع من صالة البيت! نصف مساحة الطابق السفلي!

لقد بنى جدي الأكبر هذا البيت في عام 1905 وقد بنى المرآب أساسًا لترسم فيه زوجته ولاحقًا أصبح مكانًا لركن السيارة،

ويبدو أن والدي وعمي الأصغر قد باعا حصصهما بالبيت لعمي الأكبر بدافع الحاجة وبحكم أنه تاجرٌ وغني نوعًا ما بالنسبة لأخويه!

عمي الآن ينوي بيع البيت! لا أصدق ذلك! ألا يدرك أنه لا يبيع مجرد بيت عادي! إنهُ يبيع أكثر من مئة سنة

من ذكريات عائلة توشيري! لم تمر سبع سنوات على إعادة ترميم البيت وقد وضع أبي كل مدخراته لفعل ذلك! سحقًا!



عدت لداخل البيت وبطريقةٍ ما كان الجميع يجلسون حول مائدة العشاء! أي نوع من البشر هؤلاء، ليجلسوا حول نفس الطاولة

بعد أن قذفوا بعض بكل تلك البرودة! لكن أستطيع تخيل ما حدث!

(ياجيما: العشاء جاهز لنأكل معًا!> الجميع بحماس: نتطلع لذلك!> طعام أختي اللذيذ جدًا!)

أي فصيلة من الوحوش البشرية أنتي يا أختي؟! أعني... أن تجمعيهم بهذه الطريقة! وبدى لي أن هيروشي أمسى مقربًا من ناكازاكي خلال الدقائق الخمس التي غبت فيها! أي نوع من البشر هؤلاء؟!

جلست بجانب هيروشي بجواره وعلى رأس الطاولة ياجيما، يقابلهُ ناتاليا ويقابلني ناكازاكي وبجواري المجنونة!
ما هذا الجو أنا غير مرتاح أبدًا!

"هيروشي... ماذا تعمل حاليًا؟!"

"سأبدأ العمل غدًا في شركة والدي! لمَ تسأل تاكامورا؟!"
كان الجميع ينظر لهيروشي مستغربين كحالي! مالذي قاله وحسب! أكمل ناكازاكي بغير إدراك أن ثمة خطب بما قاله هيروشي...

"فضول! أي نوع من الشركات، شركة والدك؟!"

"شركة تجارة بحرية! عملنا استيراد وتصدير حسب طلب الزبون، أي أن الشركة مؤسسة خدمات نقل وتجارة.. حسب معرفتي!"

"هكذا اذًا... في الواقع لا أستغرب ذلك، فمدينتنا مشهورة بمينائها الكبير!"

"بالفعل... ماذا عنك؟! ماهي وظيفتك تاكامورا؟"

"أنا شرطي!"

استغربنا جميعًا عدى ياجيما وهيروشي! حتى ناتاليا بدت مستغربة، ماذا ألم تكن تعلم ذلك؟! قال هيروشي بحماس:
"كما هو متوقع من عائلة ناكازاكي العريقة!"

تجمدت ناتاليا كالحجر... لتقول ببرود:
"كُنت تعلم ذلك صحيح؟"

أومأ هيروشي رأسه بابتسامة غبية لتثور ناتاليا:
"ما الداعي لتسأل إذا كُنت تعرف!"

أجاب هيروشي ممازحًا:
"بدى لي ذلك ممتعًا! عرفت ذلك منذ قدم نفسه أول مرة!"

تجمدت ناتاليا وهيّ تُهمهم ببرود:
"وأنت أيضًا!"

وجه هيروشي وجهه نحو أختي ليسألها بفضول وهو يُشير نحو ناكازاكي بعيدان الطعام:
"صحيح لمَ أخترته؟ عدى كونه وسيم ويصلح للأنقاذ!"

إنه يعرف ما حدث أيضًا! متى بحق السماء فعلتم كل ذلك وأنا لم أغب سوى خمسة دقائق أن لم تكن أقل!

أجابت ياجيما بعد أن ابتلعت ما بفمها:
"صدفة!"

"صدفة!..." وجه نظره لناكازاكي:" وأنت كيف وافقت؟"

أجاب المعني وهو يخفض عيدان هيروشي:
"أدين لها بخدمة وحسب! أذكر أنها قالت لي شيء عن... أحمق أقحم صديقتها بلعبة غبية وتحتاج مساعدة!"

أحمق! أنا أشعر بالأهانة هنا! قالت ياجي والمجنونة في نفس الوقت وهما تنظراني نحوي:
"أحمق كبير!"



ابتلعت ريقي وأنا التقط نظرات هيروشي تتفحصني كما لو أنه عرفَ أنهما يقصدانني! ثم وجه كلامه لناكازاكي:

" أحمق!؟ لو كنت مكانك لترددت أو رفضت! إصلاح المشاكل التي يتسبب بها الحمقى أمر مرهق! كيف تفعل ذلك تاكامورا؟"



توقفوا عن تكرار كلمة أحمق! أشعر بأنني الشخص السيء هنا! حتى لو كنت أخطئت فأنا نادم بالفعل!

نظرت نحو المجنونة وكانت تبادلني نظرة شماتة! أنتِ هي أسوء الناس لا تحملقي بي شامتة أيتها المزيفة!

أجاب ناكازاكي الأخر:
"حتى أنا لا أعرف ذلك هيروشي!"

إنهم حتى أصبحوا يُنادون بعضهم بأسمائهم الأولى! استطيع فهم ناكازاكي إذ أنه في غرفة واحدة مع ثلاثة ناكاموري

ولكن ما باله هيروشي وبهذه السرعة! بالكاد ربع ساعة يعرفه في حين أنا أعرف ناكازاكي منذ بداية الشتاء ولم أناديه

باسمه الأول مرة واحدة! كيف يفعلون ذلك؟ ماذا يكونون هؤلاء من بين البشر بحق السماء!؟

رن جرس الباب فنهضت أفتحه لعلي أتوقف عن تلقي الصدمات من هؤلاء البشر! وإذا به، ناكاموري رقم أربعة!

ألقيت التحية بابتسامة صغيرة:
"مساء الخير عمي... لم أرك منذ شهور! أهلًا بك!"

"مساء الخير يا بني! هل أختك في البيت؟!"
قال وهو يقدم علبة متوسطة ذات غطاء شفاف فيها كعكات مزينة بالقشطة والفواكه، أومأت برأسي وأنا أخذ العلبة منه ووقفت جانبًا لأدعوه بالدخول مبتسمًا.

"شكرًا على الكعك لم يكن عليك أن تزعج نفسك ياعم... تفضل بالدخول."

دخل وهو يخلع حذاءهُ قائلًا:" عذرًا على الأزعاج!"

حين رأى ابنائه جالسين على المائدة استغرب كثيرًا وما أن وطأ في الصالة حتى احتضنته المجنونة!

ما هذا الأنقلاب المفاجئ في الشخصية؟! منذ متى وهي تستطيع أن تكون لطيفة؟!

نهض الجميع احترامًا له، ولاحظ تاكامورا ليقول مبتهجًا:
"تاكامورا! ما هذه الصدفة... لم أرك منذ فتره طويلة!"

تجمد الجميع مستغربين وبشدة! أهو يعرفه! ما هذا أنحن في دراما رخيصة أخرى!؟

كان ناكازاكي متجمد من الصدمة، ليقول وهو على حاله بنبرة منخفضة:
"السيد لاو؟!"

تقدم نحو العم ليصافحه وهو يكمل:
" كيف حالك سيد لاو؟ مرة فترة طويلة منذ آخر مرة قابلتك!"

ضحك العم بصوت مرتفع وهو يضرب ناكازاكي على كتفه بعفوية في حين ماتزال المجنونة ملتصقة به.
"لقد كبرت منذ آخر مرة رأيتك فيها! كيف حال آياكو والسيدة ماتسوموكو؟"

"إنهما بخير سيدي! شكرًا على سؤالك!"

تقدمت ناتاليا والتي هذه المعلومة تهمها (والدها يعرف ناكازاكي!) وهي تسأل ناكازاكي مبتسمة:
"أتعرف والدي؟!"

نظر نحوها بصدمة حين أدرك الموقف بحق ليسأل مشدودًا للموقف:
"السيد لاو... والدك؟!"

أومأت برأسها بضعة مرات مبتسمة وهو مايزال غير مصدق ليدير رأسه نحو الآخر:
"ناتاليا... ابنتك؟!"

قال العم مبتهجًا:
"بالطبع هذه هي ابنتي نات التي كنت أتحدث عنها مع السيدة ماتسوموكو تلك المرة!"

"نات المشهورة هي ناتاليا!؟ مستحيل!"



"ما بك يا بني لا تصدق؟! أرى أنك تعرف هيرو و آكي أيضًا!"



صحيح العم ينادي أولاده هكذا! أول مرة أسمع بآكي! ولكنني لم أفهم لم ناكازاكي غير مصدق؟!

وما نوع العلاقة التي تجمع العم مع ناكازاكي وعائلته؟! أردت أن أسأل لكن هيروشي سبقني بذلك
وهو يقف بجانب ناكازاكي الأيسر:
"كيف تعرف تاكامورا يا والدي؟"

أجابه بفخر:
"لأنه ابن صديقي وزميلي من الأعدادي نانكارا وكنا دائمًا معًا حتى تخرجنا من الثانوية! وكذلك والدته آياكو كانت زميلتنا في الثانوية! كانت فتاةً حسناء للغاية وما أن تخرجا من الثانوية حتى قررا الزواج! لقد كُنا نتسكع في منزل نانكارا طوال الوقت، مثلكم تمامًا مع هذا البيت! آه ذكريات!"

شعر ناكازاكي بالأحراج من كلام العم لاو ولم نفهم لم! في حين طغت السعادة على أولاد العم جميعهم لسماع القصة
عن ماضي والدَي ناكازاكي وجه العم سؤاله لهيروشي:
"هل أنتم أصدقاء أيضًا!"

لف هيروشي ذراعه حول عنق ناكازاكي مجيبًا:
"أفضل الأصدقاء من الآن فصاعدًا!"

لا لست كذلك لم تمر نصف ساعة على معرفة بعضكم البعض! وضعت ياجيما في أثناء ذلك الطعام للعم لاو
ودعته للأنضمام معنا، وبطريقة ما كنا جميعًا نجلس مجددًا ونحن حول مائدة العشاء!

أختي... بارعة!

بعد العشاء قدمت ياجيما الكعك الذي أحضره العم كتحلية... حين انتهينا نهض ناكازاكي وانصرف قائلًا:
"لدىّ تقارير علىّ رفعها للمفتش!"

بعد ذلك لم يستطع أحد أن يمنعه من الذهاب! رافقته أختي وناتاليا نحو الباب لتودعانه وعادت أختي بسرعة
وبعد دقائق دخلت الأخرى وهي تبتسم ابتسامة بلهاء!

أشارت ناتاليا نحوي لتناديني بسرية فتوجهت نحوها بغير لفت انتباه أحد، صعدنا السلم وجلست عند بدايته،
ووقفت أنا عند الدرجة الرابعة متكئ على الحائط، بدأت بالعبث بهاتفها وهي تبحث عن شيء وحين وجدته أعطتني إياه قائلة:
"أتراقبه من اجلي غدًا واليوم الذي بعده؟!"

نظرت للصورة مستغربًا:" العجوز؟ لمَ؟"

بدأت تعبث بغرتها وهي تقول موضحة:
"أريد أن أعرف أين يتواجد عادةً!"

"ولمَ تريدين ذلك؟!" قلتُ بأصرار

أخذت نفسًا عميقًا وهي تقول:

"يهمني الموضوع! إذا فعلت فسأشتري لك شيء تريده!"

"أنا لا يهمني ولا أريد أن تشتري لي أي شيء!"

"سأشتري لك مجموعة ألوان كاملة! لا أقصد تلك الأنابيب الصغيرة بل العلب الكبيرة التي تدوم كثيرًا!"

قالت بابتسامة صادقة لم استطع نكرانها!

"تلك ثمينة حقًا! ستذهبين لهذا المدى حقًا؟"

"أجل لتعرف كم الموضوع يهمني ويكون لك دافع للمساعدة"

"ماكرة! مالذي ستستفيدين منه على أي حال؟"

"همممم من يدري؟ ربما شيء ستجده سخيف إن علمت به... إنها مجرد يومين فقط!"

قمت بالتفكير عميقًا، تبدو الصفقة رابحة! مع أني مؤخرًا مشغول بمجالسة الطفلة المجنونة
والأنتباه عليها... إلى أنها مجرد يومين! نظرت نحو ناتاليا وسلمتها هاتفها قائلًا:

"حسنًا موافق! مع أني أشعر بأني أناني لموافقتي!"

"لست كذلك! أبقي الموضوع بيني وبينك... ولا تخبر أحدًا!"

"حاضر... حاضر سيدتي!"

أعرفها منذ كنت صغيرًا، كأنها معرفة أبدية! حتى أني أملك صورًا التقطها لي أبي وأنا رضيع وهي تحملني بين يديها!

حين تصر على شيء تكسبه، حين يجتاحها الفضول... فتكتشفه! فناتاليا نسخة خاصة عن الأنثى التي تتصرف بمثالية نموذجية!

ذكية في دراستها وحياتها اليومية، لطيفة وممتلئة بالحياة، اجتماعية وعفوية بطبيعتها... والخصلة الأبرز أنها رياضية وتنافسية جدًا!

هذه الصفات تجعل منها مجنونة كفاية لفعل أي شيء تضعه نصب عينيها! اتساءل ماذا تنوي من إبرام صفقة كهذه معي؟!



نزلنا السلالم وتوجهت نحو الصالة، لم يكن ثمة أحد نظرت نحو المطبخ كان هيروشي وآكاني يتجسسون على أختي وعمي

من خلف النافذة! انضممنا معهم بدافع الفضول ونحن نسأل عما يتحدثان! لكن الآخرين مثلنا لا يعرفان ماذا يحدث!

دخلت أختي البيت واعتذر العم عند الباب... قال وهو يحدث هيروشي بتأمر:

"أعد شقيقتيك للبيت! سأذهب للقيام بأمرٍ مهم وسأتأخر بالعودة الليلة!"

"حاضر..." قال هيروشي بانصياع...



دخلت ياجيما وجلسنا لبعض الوقت كانت شاردة بشكل واضح! كنا جميعًا ننظر لها ولكنها لم تقل شيء كانت تفكر بعمق

وفجأة علت ملامحها طيف ابتسامة! ولم تكن هذه البسمة إلا لتزيدنا فضولًا!

ختم هيروشي الذي أدرك أنها لن تبوح بشيء هذا الجو وهو ينهض قائلًا:
"لنعد للبيت فقد تأخر الوقت وأمست الثامنة وأربعون! لدينا دوامٌ صباح الغد!"

"ماذا؟ بهذه السرعة؟ كيف يمضي الوقت سريعًا!" تمتمت ناتاليا متذمرة...



خلال دقائق كنّا أنا وأختي نودعهم عند الشارع وقد كان الجو لطيف وبارد بعض الشيء!

انتهى شهر ماي بالفعل! وبداءت حرارة الجو ترتفع...









*ناتاليا*




كان يومًا حافل بالأحداث! كنسيان أخذ الطعام رغم أني قضيت الصباح كله أطبخ وأجرب حتى تأخرت عن موعد الذهاب مع تاكامورا!

ونسيان حقيبة نقودي في سيارتهُ.. آآآه كم كنت محرجة حين أعادها لي! لم أفهم حتى كيف ومتى وقعت مني!

ربما بسبب العجلة حين كنت اتفحص حقيبتي! المشكلة أنها حقيبة صغيرة وعدم الانتباه لوقوعها كان أمرًا طبيعيًا!



ثم لم أتخيل أن يلتقي أخي وتاكامورا هكذا فجأة! ثم قدوم والدي ومعرفة أنه يعرف الآخر مُسبقًا! صدمة!

أصبح لدي المزيد مما يُثير فضولي! كـ كيف تبدو السيدة آياكو والجدة ماتسوموكو!

أنهم عائلته تاكامورا! يأخذ المرء شخصيته من عائلته فكم أخذت منهم يا تاكامورا؟



وأخيرًا اتساءل عم كان والدي يتحدث بشأنه مع ياجيما! لقد لاحظت أن الجميع كان مهتمًا بذلك وجوان كان مشوشًا وبصورة واضحة على ملامحه!

على ذكر جوان، ارجو أن يتمكن من معرفة أي شيء عن العجوز، لقد وضعت كل آمالي عليه!

فبعد أن نهاني تاكامورا عن التدخل بموضوع العجوز أصبحت مُصرة أكثر لأعرف من يكون وما السبب الذي جعل تكامورا
يُطالبني بالابتعاد عن الموضوع كأنه لم يحدث!

سألت أخي بالفعل وقال أنه سبق ورأه مرة واحدة لكن لا يتذكر أين!

هذا بدأ يُغيظُي! بدأت كل أحداث حياتي اليومية تتحول من ياجيما لتاكامورا! حتى أني نسيت أن أسحب أذنها لتغيبها اليوم لأسباب سخيفة ومصطنعة!
المشكلة أني حتى إذا أدركت كذبها فلن اصارحها وأحتفظ بما عرفته لنفسي لحين تخبرني بنفسها لاحقًا!



دخلت غرفتي وأنا مرهقة حقًا! استحممت وارتديت بجامة نومي الصفراء... وبقيت أدرس العلوم للغد بعد أن راجعت دروس اليوم... وفي النهاية قبل النوم بدأت اترجم تمارين اللغة الأنجليزية في آخر لحظة قبل أن أنساها وأخلد للنوم!







*ياجيما*





"سأخبرك فلم يعد لأخفاء الأمر عنك معنى! هذا الصباح مباشرةً بعد مغادرتك، طرق العم يوتاشي باب البيت وبدأ بالتهديدات والوعيد بالأسوء مثل أنه عرض البيت للبيع ووجد شارٍ بسهولة! وأنه ليس لدىّ سوى يومين للتفكير وأخلاء البيت! وبعد أن غادر أصبت بشيء كبير من الخيبة حتى أني قلتُ انتهي الأمر!"

كان مذهولًا ومنفعلًا! يُصغي بأهتمام ولا يُقاطعني كالعادة! وحين صمتّ قال بشيء من الخوف:

"اكملي!"

أكملت وأنا محبطة بعض الشيء:

"قال العم لاو أنه اليوم، قام بشراء البيت!"

نهض مصعوقًا:" العم لاو!" أكمل متحمسًا:" ولمَ الأحباط! أقصد أنهُ العم لاو وليس غيره هو بالتأكيد لن يطردنا صحيح؟!"

أخذت نفسًا عميق أحاول أن اقنع نفسي أني سعيدة بذلك:

"لن يفعل! لقد قال أنه سيبقي العقار معه لسبعة سنوات ثم يعطيه لهيروشي!"

" ماذا يعنيه ذلك؟" تمتم قائلًا...

أتكأت بظهري على الأريكة وأنا أحاول ترك كل تعبي عليها:
"هيروشي... أبرم صفقة مع والده!"



"صفقة؟!" قال هامسًا وبدأ يفكر لبعض الوقت إلى أن انتفض قائلًا:
"العمل في الشركة! أهي صفقة مع أبيه!"



أومأت برأسي وكلي حزن وأسى! ولم أشعر بنفسي إلا وانهالت دموعي أمام أخي الصغير وأنا أبذل كل جهدي لتتوقف!

لقد كنت سبب في أن يفعل هيروشي أكثر شيء يكرهه حقًا! والأسوء قد أكون سبب في ابتعاده عمن يحبها أيضًا!

فقد جاء وقت الغداء وقال شيء لم أفهمه جيدًا "لقد انتهى كل شيء سعيت له!"

أقترب أخي وهو لا يُدرك العواصفالتي تجول في خاطري، احتضنني بهدوء وهو يقول لي بصعوبة:
"أنا آسف! لقد كان أنا من أفسد الأمر حين أخبرت هيروشي! سامحيني ياجي!"







جلست أمشط شعري الأسود أمام المرآة في غرفتي، لقد كان السيد لاو يبدو سعيدًا وفخورًا!
في حين بدى هيروشي منهارًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى!



-:"كما تعرفين... إنهُ عالمٌ قاسٍ! أعرف أنك في هذه اللحظة تفهمين ما أقصده جيدًا! فأنتِ لم تعودي طفلة، وقد مررتِ بالأمرين خلال هاتين السنتين... أريد لهيروشي الأفضل! بطريقةٍ ما هيروشي مُستعد لفعل أي شيء لأجلكِ... لقد فاجئني ذلك كثيرًا... فمن أجلكِ عزم وتخلص من عناده وتخلى عن أنانيتهُ... أمسى رجُلًا في ليلة واحدة!"

-:"ماذا تقصد بذلك ياعمي؟"

-:"ياجيما يا ابنتي، الرجولة ليست أن تكون رجُلًا وحسب! بل همّة وتضحية! حين تُضحي بما تحب لأجل من تحب... تغدو الرجل الذي يجب أن تُصبحه!"



لكن يا عمي... هذه قسوة! كيف لشخص أن يُضحي بما يُحب من كل وجوده؟ هل يفعل جميع الرجال ذلك؟

كيف يستطيعون أن يتحملوا مثل هذه التضحية؟!

اتساءل هل يحقُ لي أن أشعر بالسعادة والراحة وأنا سببُ كل ما يمُر به هيروشي من مواقف؟ لا شك أنه مُكتئب وبشدة!

أن أكون سببًا في ابتعاده عن اوريليا، لا يُغتفر! أنا أكره نفسي لمجرد التفكير فكيف وقد حدث بالفعل!

ساعدني يا إلهي!







كان الوقت متأخرًا، التقطتُ هاتفي الجوال وأنا أنظر للورقة التي دونت عليها رقم هاتفٍ أخذته سرًا!

لو عرف هيروشي فلن يسامحني! ضغطّ الأزرار وأنا ارتجف، انقطع الأتصال ولم يأتيني رد! كتبت رسالة صغيرة:



"أنا ياجيما توشيري...
آنسة اوريليا، هلّا رفعتِ
السماعة لوسمحتِ؟!"



أرسلتها وأنا مغمضة العينين، كنت ما أزال ارتجف... انتظرت قليلًا لترى الرسالة، ريثما أتصل من جديد وإذا بها تتصل بسرعة غريبة!

"ماذا تريدين؟"

تفاجئت من لحن حديثها! كانت تبكي بحرقة! تمالكت نفسي وأنا أجيب بصوت مرتجف:

"أنا آسفة! لم أكن اتعمد ذلك!"

"ماذا تقصدين بحق السماء؟"

"أنا لو كُنت أعرف أن هذا سيحدُث، لما سمحتُ لأخي أن يخبر هيروشي!"

" كاذبة! توقفي عن العبث معي، أنا أعرف أنكِ فعلتي ذلك مُتعمدة! أنتِ تُحبينه اعترفي!"

كان صوتها مبحوح وأقسم أنها كانت تبكي وهي تكلمني!

"أنا لست أكذب! أقسم بوالدي الراحلين، هيروشي مجرد صديق الطفولة!"

"ماكرة! ليس هنالك شيء كصديق طفولة، الصداقة لا تدوم بين الرجل والمرأة!"

"راقبيني إذًا!
راقبي لتري حدوث ذلك بأم عينيك! كيف تتجرؤين وتظني سوءٍ بمن أحبك بطريقة جنونية!"

استشطت غضبًا رغمًا عني! لم تعجبني طريقة كلامها، كأنها تُريد جعله واقعًا! أتاني صوتها:
"أنى لكِ أن تكوني بهذه الثقة؟"

ابتسمت رغمًا عني:
"هل تعين ما تقولينه لي حتى؟! لم أتخيل أنك غبية إلى هذه الدرجة!"

"لم أفهم!"

"لأنني واثقة من أنها حقيقة لن تتغير! هيروشي يحبكِ حقًا أيتها البلهاء! فكري بالأمر بهذه الطريقة؛ إن لم يكن كذلك، فلمَ أخبرك بما قرره؟!"

"لماذا قال لي!... كيف لي أن أعرف؟!"

" لأنه يريدك أن تعرفي كل شيء منه! لتعرفي أنك مازلتِ كما كنتِ ومكانتك لم تتغير في قلبه!
لأنه كان واثقًا بأنك ستفهمين! وأنت ماذا فعلتِ؟"

قالت بصوت منخفض بشيء من الخجل استطعت ايجاده في طريقة كلامها:
"صرختِ وتفوهتِ بالترهات له!"

"لأنك تحبينه! أليس كذلك؟"

"أممم أجل! لكنني لم أخبره!"
كانت مُحرجة لأنني حملتها على الأعتراف أخيرًا! ولم تدرك بأنني في اللحظة التي كلمتني فيها متهجمة على
كما لو كنت عدوتها، أدركت كم هي غبية لكونها تظُن بأنها لم تعترف من قبل!

"هل أنتِ بخير الآن؟"

"أجل! شكرًا لأتصالك ياجيما!"

"العفو لقد كنت متضايقة من التفكير بالأمر! سعيدة بأني أتصلت!"

"اعترفي اعترفي كنتِ ترتجفين قبل أن تتصلي بي!"

"هل أنتِ عرافة؟ كيف علمتِ بذلك؟"

"ماذا إذا كنت كذلك حقا؟! هه هه هه أنتِ ساذجة كما وصفك هيروشي حقًا!"

"فلتموتا... كلاكما غبي! والدليل هو فعلة هيروشي ورد فعلك الأغبى..."



وبدون أن أشعر أزيح النصف الأكبر للحمل عن أكتافي... وأخذني الحديث معها بمزاح كما لو كنا نعرف بعضنا
منذ زمن بعيد كما حالي مع هيروشي وناتاليا، وأخي وناتاليا أيضًا!







*هيروشي*



أسوء جزء أنني أشعر بالقلق نحو محادثة أبي وياجي! عم كان يتكلمان تحديدًا؟! أكانت عن ما طلبته منه؟! أيعقل؟
لا فقد بدت قلقة مُعظم الوقت، يفترض بها أن تكون سعيدة حين تعرف بذلك!

فهي ستبقى هنا معنا وبجانب شقيقها ولن تنفصل عنه...

ما يؤرقني أكثر، هو أوريليا.. مايزال صدى صيحاتها، قبل أن أغادر من عندها يُدوي في أذني!

لقد كانت غاضبة وهائجة بطريقة لم أتخيل رؤيتها في حياتي!

"انتظر يا هيروشي، لن اسمح لك بأن تتركني بهذه الطريقة..."

لم أعد أفهمها، قبل فترة ليست بطويلة كانت لاتطيقُ رؤيتي، وتُحاول التخلص مني بأي طريقة سنحت لها!

لكن الآن كانت تتوسلني حرفيًا ألا أفعل! أنا لا أفهم كيف تفكر الفتيات حقًا!

عج صوت نغمة هاتفي مُعلنًا وصول رسالة! انتفضت عن سريري ووقفت بلا وعي وأنا أفتح الرسالة:


"مساء الخير... كيف حالك؟
أردت أن أخبرك بذلك وحسب،
شكرًا لك بحجم السماء!
تضحيتُك هذه، لن أنساها
ما حييت! وأيضًا أنا آسفة
لما سببته لك من ازعاج
حتى الآن... ياجيما."



بلا شعور مني، كُنت قمة السعادة! رغم أني مقهور في أعماقي ومنهار حتى رأسي... لكنني ولأول مرة أدركت
ماقد يشعر به الآخرون حين تُساعدهم بكل ما أوتيت!









*أوريليا*





حين تُخطئين الظن، اعتذري! اجعلي ذلك مبدأ في حياتك! الأنسان حين يدرك خطئه يجب أن يعتذر، الأعتذار لا يجعل منا أقل شأنًا! بل يجعلنا كبارًا لدى الآخرين!

كتبت أمي ذلك في مفكرتها التي وجدتها حين أتينا لليابان قبل ثلاثة سنوات! وحين أدركت أني أخطئت بحق هيروشي وياجيما تذكرت هذه الأسطر وكان لا بدّ أن أكون هُنا!

انتظرتُ متى يخرج لأراه ببذة أنيقة كما العادة! لكن هذه المرة هو سيذهب لعملٍ حقيقي.. وسيصبح الرجل الذي قدر له أن يكون!

ارتديت فستانًا أزرق ذا اكمام طويلة وحريرية ذو تنورة عريضة تصل لفوق ركبتي مُزين بحزام أبيض عند الخصر...

قال لي هيروشي مرة أن الأزرق يليق بي فهو يبرز لون عيني! لقد رمقته بحدة حينها ولم أرتدي الأزرق مجددًا...
لا بدّ أنه سيسخر مني الآن إذا رآني ارتديه!

فجئة ظهر أمامي السيد والسيدة والدي هيروشي وهما يودعان بعضهما عند سيارتيهما! لاحظاني أقف على الجانب الآخر للشارع بانتظار هيروشي،

رمقتني السيدة بقلق في حين رفع السيد لاو يده عاليًا وهو يرحب بي فـ انحنيت له باحترام من مكاني.

ركب سيارته وغادر للعمل وكذلك فعلت السيدة آي! هممم أعتقد أن السيدة آي قلقة من أن أغير رأي هيروشي...

ولا تعلم ما بدأت أخطط له منذ أنهت ياجيما مكالمتها لي البارحة... أنا شاكرة لمكالمتها لي، فلولاها لما تمكنت من النوم...

كانت آكاني أول من يخرج بعدهما وقد صدمت برؤيتي... تحدثنا أحاديث عادية وقد كانت سعيدة نوعًا ما!

وقف شاب صغير في السن بزي مدرسي موحد وهو يقود دراجتهُ بجانبنا وقد عرفتني آكاني عليه وهي تُشيرُ نحوه قائلة:
"تذكرين ياجيما صحيح؟ أعرفك هذا شقيقها الأصغر جوان توشيري!"

انحنى الفتى الشاب بأدب وهو يمسك بمقود دراجته قائلًا:
"تشرفت بمعرفتك آنسة أوريليا!"

بدى لي مؤدبًا ولطيف بطبعه كما آكاني تمامًا إلى أن بدأوا بشجار لم أفهم فحواه! غادرا وهما مايزالان يتجادلان وأنا مازلت لم أفهم مالمشكلة بينهما!



ما أن ذهبا حتى وقفت سيارة سوداء مظللة قرب لافتة بيت ناكاموري، لم أتمكن من رؤية وجهه جيدًا!

وسرعان ما ظهر هيروشي وحين لمحني تشابكت نظراتنا! اقترب مني وهو مستغرب لوجودي!

كُنتُ ابتسم وأنا أراه يخطو نحوي بهدوء ماسكًا حقيبة سوداء وهو يرتدي بذلة رسمية سوداء مع ربطة عنق رملية مخططة!

دنوت منه وأنا أزيلُ الربطة قائلة:
"أحمق ربطة العنق هذه لا تتلائم مع البذلة أو هذه المناسبة!"

"أوريليا!؟" قال مستغربًا...

أخرجت علبة من الكيس الورقي الذي بين يدي وأخرجت ربطة العنق الحمراء التي أحظرتها له وبدأت بلفها حول عنقه ورتبت له سترته ثم مسحت على كتفيه بيدي.

"أنا سعيدة حقًا لأنك قمت بذلك... أنا أدرك الآن أني كُنت مُشوشة حين صرخت عليك في الأمس..* وقد قُلت لك أشياء فظيعة أيضًا... أرجوك فلتنسى ذلك!"

قال بشك:" حقًا؟! ألستِ غاضبة أو حزينة بعد الآن لقراري؟ لا أصدق! كيف غيرتِ موقفك بهذه السرعة؟"

ابتسمت وأنا أقترب منه وقمت بتقبيله قبلة صغيرة على خده ثم قمت بمعانقته قائلة:
"أنا أحبك ايضًا... ارجوك اعتني بي من الآن فصاعدًا!"

كان مصدومًا لفعلتي رفع يده بتردد ليضمني أيضًا، ابتعدت عنه قليلًا وأنا أشبك يدي للخلف قائلة:
"على أي حال... ما كُنت لأقبل بك لو بقيت حارسي! فأبي لا يبحث لي عمن يحرسني وحسب بل يريد لي من يُدير لهُ أعماله أيضًا!"

هتف محرجًا وقد نلتُ منه بقوة لتتغير تصرفاته عن العادة مئة وثمانين درجة:
"أوريليا!"

ابتسمت وأنا أعرف أني منحته دفعة أكثر منما يحتاجها ليتشجع ويذهب للعمل! بقي واقفًا أمامي وهو على حاله لفترة، مُحرجًا، ثم نظر في عيني وهو يبتسم بلطف!

"أوري... أنا أقدر لك ما فعلته الآن..* لولاك لبقيتُ مُكتئبًا وغير متحمس للعمل... شكرًا لكِ!"

"اجتهد في العمل! رافقتك السلامة... أهذا ما تقولونه حين تودعون أحد عند الباب صحيح؟!"




بدأ يضحك بشكلٍ هيستيري! للحظة ظننت أني قُلتُها بطريقة خاطئة! ألتفت هيروشي للخلف حين سمع صوت الباب يُغلق بشدة وكانت أخته ناتاليا تركض بسرعة ودخلت تجلس في السيارة السوداء وسرعان ما ترجلت منها وتوجهت نحو البيت وعادت من جديد وهي تحملُ مظلة وحقيبة صغيرة لم أرى مثلها من قبل!

أعتقد أنها كانت وجبة الغداء فقد سمعت أن اليابانيين يفضلون أخذ طعامهم من البيت... جلست من جديد وبسرعة ترجلت من السيارة وركضت نحوي لتسلم عليّ وقد تبادلنا الكلام والترحيب مطولًا، أتجه هيروشي نحو السيارة السوداء وترجل منها شاب بدى لي في بداية الثلاثين أو أواخر العشرين!

بدى وسيمًا للغاية! كان طويلًا ونحيلًا بشكل لا يصدق بدى هيروشي بطوله قصير القامة بجواره!

اقترب مع هيروشي نحوي وهو يُعرفنا لبعض:
"اوري، هذا تاكامورا ناكازاكي، أعز أصدقائي! مورا هذه صديقتي اوريليا جكسون!"

انحنى بأدب وهو يقول:" تشرفت بمعرفتك آنستي!"

"وأنا أيضًا!" قلت بابتسامة...



سرعان ما عاد المدعوا تاكامورا وناتاليا للسيارة وغادرا مستعجلين! سألت متحمسة:
"لم أكن أعلم أن لك أصدقاء غير أصدقاء الدراسة! منذ متى تعرفه؟"



حك رأسه بشك وهو يُجيب بحذر:"البارحة!"



"البارحة!! أتمازحني؟ كيف تقول أنكما أعز الأصدقاء وأنت لم تلتقيه سوى البارحة... الأمس؟!"

قلتُ باستغراب شديد غير قادرة على تصديق كلامه في حين كان يضحك ببلاهة! أتستهبل أمامي؟!

أي نوع من البشر تكون أنت؟ أي نوع من الرجال وقعت في حبه أنا؟

يا الهي؟!






*يتبع*






[1] التربنتين؛ يستخدم التربنتين في تنظيف الفرش والأدوات المستخدمة في الألوان الزيتيّة، وذلك لأنّ الماء لا يستطيع أن يُزيل الزيت، ولكن قبل غسلها ونقعها في التربنتين يتم مسح وتنظيف الفرش باستخدام قطعة قماش. وأيضا يستخدم زيت خاصٌّ عند استخدام الألوان الزيتيّة، وهو زيت بذرة الكتان، حيث يُعطي الألوانَ لزوجةً ومرونة، ويسهّل عملية دمج الألوان مع بعضه...
^
شئون جوانية! xD

فِريـال
12-12-2020, 07:12 AM
-




"بعض التفاصيل الصغيرة تضاعف مشاعرنا نحو من نحبهم"

✧✦✧


-9-




*ناتاليا*

لا أعلم لما افقد نفسي وطبيعتي حين يتصل بي تاكامورا صباحًا! اصبح عجولة ومُلتبكة وغالبًا اضع نفسي

في موقف محرج معه! يبدوا أنني لن اعتاد ذلك بسهولة! فبعد كل شيء أنا حقًا معجبة به!

"أكانت تلك حبيبتهُ؟"

جفلت بلا قصد! لم انتبه ماذا قال كُنت ابادله نظرات بلهاء! كرر كلامه وهو يقول بشك:
"ماذا بكِ؟ سألت أهي حبيبة أخيك؟ أقصد تلك الآنسة الشقراء!"

استجمعت نفسي مُجيبة:
"هذا محرج كما تعلم!"

"لما الإحراج ليس كأنك المعنية! أنا اتحدث عن شقيقك!"

كأن صفعة أتتني منه في الهواء! فقد كان محقًا تمامًا! قلتُ وأنا أضم نفسي منكمشة في مقعدي:
"يفترض ذلك! يبدو أنه جاد جدًا بشأنها! اذكر أنه لم يكن مهتمًا بفتاة كما حين قابل أوريليا!
أخي محظوظ! لا بل رائع! أنا أحسده لتمكنه أن يكون واضحًا في مشاعره أمام الجميع!....
ليتني كُنت أملك ربع شجاعته!"

"و ما الذي يمنعك؟! المشاعر حين تحتفظين بها لنفسك، تغدو حملًا يجب أن تخلصي نفسك منها!
أثمة من أنت مهتمة به؟!"

مهتمة! أنا مهتمة بك أيها الأحمق!

"لم أقصد الأمر بهذه الطريقة! لكن اعتقد أني لا أريد تخليص نفسي منها!
بل اتمنى أن احتفظ بها لأطول فترة ممكنة!"

"ألا تعتقدين أن ما نفعله يُخفض من فرصتك مع هذا الشخص! الا يجب أن تتوقفي عن ادعاء أنك مرتبطة!"

اصابتني شيء من القشعريرة لكلامه بهذه الطريقة! لم افهم كيف يفترض بي أن أجيبه!

وخشيت أن يعتبر صمتي دليلًا على موافقتي! وبطريقة ما تزحلقت الكلمات على لساني بمفردها:

"لا تقلق، ليس هنالك شخص سيبتعد عني بسبب هذا الإدعاء! أنا لم أقصد ذلك...
كنت امدح شجاعة أخي وحسب!"

أوقف السيارة عند الإشارة الحمراء وهو يتكئ على المقود وينظر نحوي عابسًا كالعادة!:

"ناتاليا ناكاموري!... نات المشهورة! في نهاية الأمر كان لايمكن لغيرك أن تكون هيَّ!"

"صحيح... ماقصة نات المشهورة؟"

أنزل رأسه وهو يخفي وجهه عني وهو يُجيب:
"بطريقة ما كبرتُ وأنا أسمع عن مغامرات نات الأسطورية! أنت مشهورة في بيتنا!"

كان لصوته طنين وهو يتكلم، استطعت التقاط ضحكات ساخرة اطلقها وهو يُخفي وجهه! وددتُ أن ارفع وجهه عن المقود فمددت يدي، ارفع وجهك دعني أراك وأنت تضحك! هذا ليس عدلًا!
لا تخفيه عني، دعني أخلده في ذاكرتي!

رفع وجهه فجأة وهو يقول:
"أحقًا أنك في تلك المرة التي......"

قطع كلامه حين رأى يدي الممتدة نحوه! كان مستغربًا من تصرفي بقيَّ ينظر نحو يدي التي عجزت عن اخفاضها! تغيرت الإشارة للبرتقالي ثم الأحمر ولاتزال نظراتنا متجمدة! حرك السيارة وأبعدها عن الطريق ثم أوقفها جانبًا حين بدأ السائقين خلفه باطلاق أبواق سياراتهم ليتحرك!

"هل أنت بخير؟"

وددت لو ادفن ولا يسألني عن ذلك! كنت محرجة بشدة ولكن وفجأة كُنتُ أحاول قمع تلك الدموع عنه!
لا أريد لتاكامورا أن يلاحظ ما يحدث معي! لا أريد أن يعرف ما أشعر به ليس الآن مازال الوقت مبكرًا!
فتحت باب السيارة وبدأت بالركض مبتعده عنه وأنا أعرف أني لن أستطيع التفسير له!
لم يكن لدي شيء لأقوله حقًا! توقفت عن الركض حين وصلت موقف الحافلة، جلست هناك وأنا اراجع تصرفاتي الغبية قبل قليل!
لماذا هربت كان يجب أن اقول أي شيء! كيف سيفكر تاكامورا عني الآن!
كان الهروب أغبى ما قمت به في حياتي!

"سمعت أن نات تهرب حين تريد البكاء! هل أنتِ بخير؟"

رفعت نظري نحوه وقد بانت له دموعي وكُنت مُستغربة لوجوده قربي بشدة!
كان يقف أمامي وهو يضع يديه في جيبيه
"أنا... آسفة! لم أقصد أي شيء بفعلتي تلك.."

"اعلم ذلك! ما الداعي للبكاء؟..."

"لأنك ستظن أنني كُنتُ... أقصد..."

"لم أظن شيءً! لقد تفاجئت وحسب!"
بدأت بمسح دموعي بكم زيي المدرسي وأنا ابذل جهدي لأتوقف! ليس من عادتي البكاء بسهولة ولكنني ان فعلت فيصعب علي ايقاف نفسي!

نهضتُ وأنا أحاول العودة معه للسيارة وكُنت غير قادرة عن التوقف بعد... جلست بهدوء وأنا ابحث في حقيبتي عن منديل ولكنني لم أستطع رؤية شيء وسط دموعي..

مد تاكامورا يده وبدء بمسح دموعي بمنديله وهو يقول:
"هذا يكفي فالناس ينظرون لنا! لقد أاحمرت عينيكِ من البكاء!"

أخذت المنديل وبدأت أمسح دموعي سودًا... قلت بصعوبة:
"لا أريد الذهاب للمدرسة اليوم! أعدني للبيت أرجوك!"

"كما تشائين! أنا حقًا لم أفكر بشيء! استغربت وحسب.... لما تُبالغين؟"

"لا اريد ارعاب احد! انا اعرف نفسي حين ابكي..."

قاطعني مُكملًا....
"لاتستطيعين التوقف! اعرف ذلك! في النهاية أنت هي نات المذهلة!"

"توقف عن تكرار ذلك! تبدو مريبًا حين تكررها!"

اطلق ضحكة مكتومة وهو يقول بثقة:
"هذا صعب! أتعرفين كم سمعت عن مغامراتك من والدك! كمغامرة نات وطوق السباحة!
أو مغامرة نات والمثلجات الذائبة! المفضلة لدي نات والكلب المرعب!
لقد كبرت وأنا أنتظر متى يأتي السيد لاو ويروي لي مغامرة جديدة!"

"اذهبوا للجحيم أنتم ومغامرات نات! أعرف الآن أنك قضيت حياتك وأنت تسخر مني! أعرف أبي كيف يروي هذه القصص عادةً! انه يُشبه (بدأت بالصراخ لترعب الكلب المُرعب وهي تبكي!) وايضًا (وسخت ملابسها بالمثلجات وبدأت بالبكاء!) أو (فرقع الطوق فكانت تحاول العوم وقد شرعت بالبكاء!)
أعرف أبي... أعرفه جيدًا!" قُلتُ ببرود!

لم يستطع أن يمنع نفسه من الضحك وهو يبذل جهده ليخفيها بيده....

"توقف عن الضحك هذا ليس مضحكًا! انه محرج!"

أردتُ رؤيتك وأنت تضحك حقًا لكن ليس علي....

"حسنًا... حسنًا... اليوم أنا متفرغ حتى وقت الغداء! فدوام العمل كعامل التنظيف في المدرسة لن يبدأ قبل الحادية عشر والنصف! أتريدين الذهاب لمكانٍ ما؟!"

هذا يُشبه... موعد حقيقي مع تاكامورا! لا لا لايجب أن انجرف بعيدًا! أين؟! أين نذهب؟

كُنت كالورقة أمامه فقال وهو يُنقذني من التفكير بالموضوع اكثر:
"لنبدأ بملابسك!"

نظرت نحوه باستغراب شديد، ملابسي؟!
"اوي! ما الذي تفكر به حقًا أيها المنحرف؟!"

"لا ليس كما تفكرين! قصدت أنك تبرزين بسبب ملابسك المدرسية ولن يكون الهروب من المدرسة ممتعًا بهذه الطريقة!"

"الهروب من المدرسة!"

"ماذا؟ لاتقولي لي أن نات الأسطورية لم تجرب مغامرة الهروب من المدرسة من قبل!"

"لم أفعل!" قلتُ ببلاهة!

"أأنت تلك الفتاة ذات سجل الحضور المثالي في صفك!" قال متجمدًا ببرود...

"ماذا تقصد؟ لم أفهم!"

رفع اصبعه مشيرا في الهواء:
"تعرفين الطالب الذي لايفوت حصة من اليوم الدراسي! بطريقةٍ ما دائمًا يكون ثمة واحد في كل صف!
بما انك لم تجربي الهروب من المدرسة من قبل اذا فانت هي هذا الطالب!"

"يبدو كذلك! هل هربت من المدرسة من قبل؟!" قلت مستفزة...

"كثيرًا!"

ملامح تاكامورا تبدو فارغة معظم الوقت! لم أتخيل أنه كان احد المتهربين من المدرسة!

في نهاية الأمر.... لا أحد مثالي في الحياة! وهذا كان يبدو مثيرًا للإهتمام!

"سأخبر أمي قبل أن يصنع المدير دراما عن تغيبي!"



ذهبنا لمجتمع تجاري واشتريت ثوبًا قصير، أصفر اللون ذو تصميم لطيف وبسيط اخترت معه حذاء اسود، ذو كعب متوسط وأبقيت جواربي السوداء التي ارتديها دائمًا مع الزي المدرسي...

وقفت أدفع وأنا امرر بطاقتي الخاصة! كان تاكامورا يتحدث بهاتفه مع رئيسهُ في العمل، وكان هذا واضح من اسلوب حديثه الرسمي وتكراره لكلمة سيدي! صعدنا في المصعد حين قطع تاكامورا اتصاله وسأل
"الم تستطيعي انتظاري! كنتُ اخطط لأن ادفع قفد كانت فكرتي!"

قلت مبتسمة:
"لا بأس! فأنا لم أكن سأسمح لك ومعي البطاقة السحرية!"

ضيق عينيه متمتمًا:
"البطاقة الماذا! ليس هنالك ما يسمى بالبطاقة السحرية! ثمة من يتعب ليملئها لك!"

"اعرف ذلك جيدًا! لكن ليس كأنني ابذر ما يُعطيني اياه أبي شهريًا!"

قال بعدم التصديق:
"نعم لا تبذرين اطلاقًا!"

قلت وأنا أفتخر بنفسي:
"أنا أدخر للجامعة! فحين أتخرج سأتقدم للدراسة في جامعة توهو وسأحتاج لأن اعتمد على نفسي حينها!"

"تبدين جادة! كم ادخرت؟"

"اممم ما يزيد عن ثلاثة مليون ين!"

قال باستغراب شديد:
" ثلاثة مليون ين! أتمزحين معي؟ هذا كثير للغاية!"

ابتسمت له بألم!:
"لأنني في اللحظة التي أعلن فيها عن رغبتي بدراسة الطب قد لا أحصل على الدعم الكافي من عائلتي!
فوالداي يرغبان أن أدرس ادرارة الأعمال كما فعلا وهيروشي!"

فتح باب المصعد معلنًا وصولنا لموقف السيارات، توجهنا نحو سيارة تاكامورا السوداء وجلسنا فيها...

كسر تاكامورا الصمت قائلًا:
"ناتاليا ناكاموري.... ألا بأس بذلك!؟"

"ماذا تقصد؟" قلت مستغربة!

أدار وجهه نحوي قائلًا:
"ألا بأس بأن تخذلي والديك بهذه الطريقة؟"

قلت بانزعاج حاولت اخفائه:
"أنا واثقة بأنك تعي ماذا يعني أن ترغب بشيء لن تحصل عليه!"

"أعي ذلك! أنه يشبه أن ترغب بوجود والدك بجانبك لكنه مستحيل! قد لا أكون الشخص المناسب ليقدم نصيحة، ولكن لا شيء يستحق أن تخسري والديك لأجله!"

"ماذا تريدني أن أفعل اذًا! انسى أحلامي ومجهودي طوال سنوات حياتي الأخيرة وأغدوا شيء لا أحبذ أن أكونه؟!"
قلتُ بيأس وأنا أمسك طرف فستاني مُنزلة رأسي للأسفل...

"تحدثي معهم! أخبريهم عن حلمك الجميل!"

رفعت نظري وعيناي على اشد وسعهما! إنه يطلب مني ماذا؟
"أنا خائفة!"

"من ماذا؟ أهنالك حلم يرفع رأس الأبوين أكثر من أن تغدو ابنتهم طبيبة تنقذ أرواح الناس!"

"ليس هذا! أنا خائفة إن رفضوا وأجبرت على تغيير مسار أحلامي!"

"يبدو الوضع صعبًا اذا نظرنا من هذا الجهة!"

"بدأت تفهمني!"

حرك سيارته وخرجنا من موقف سيارات المجمع وتوجهنا نحو الشارع الرئيسي!

قال تاكامورا بشيء من الاعجاب:
"في نهاية الأمر أنت حقًا مذهلة! حلم كهذا، إنه حقًا كبير!"

أخذني الحماس وأنا أقول :
"أنا أجهز لذلك منذ كُنت في التاسعة! ودرست الكثير من الكتب الخاصة بالطب!"

"حقًا!؟" قال مستغربًا...

"أجل! أتعلم أن في جسم الإنسان 206 عظمة! وأستطيع اخبارك باسمائهم وطريقة عملهم جميعها!"

قال بتهرب جلي:
"لابأس! لقد فهمت قصدك!"

ابتسمت محرجة وأنا أعيد شعري لخلف أذني، لم يسبق أن أخبرت أحد غير هيروشي وياجيما عن هذا الحلم! لا أعلم كيف فُتح هذا الموضوع مع تاكامورا!

أوقف سيارته وهو يقول:" وصلنا!"

رفعت رأسي استطلع حولي بأهتمام، كان المكان عبارة عن مبنى كبير نظرت نحوه بأهتمام:
"أين نحن الآن؟!"

اشار للمبنى وهو يقول:
"لديهم معرض صور في الطابق الخامس عشر! لدي زميل من ايام الثانوية كان مهووسا بالتصوير الفوتوغرافي! افتتح معرض لصور جديدة تحت عنوان الغسق! تلقيت دعوة للحضور، الإفتتاح كان قبل يومين... لكنني كُنت مشغولًا."

"غسق! هذا يعني أنها صور ليلية صحيح!؟" تسائلت مُتمتمة...

"أتوقع ذلك!" قال وهو يترجل من سيارته!

معرض صور! أنا سعيدة أنني اخترت الملابس الملائمة! توجهنا نحو المبنى وقدم تاكامورا الدعوة للإستقبال فسمح لنا بالدخول مجانًا!

"الدعوة... اليست لليلة الافتتاح؟!"

"لا الدعوة مفتوحة!"

قُلتُ بهمس كأنني أكلم نفسي: "غريب!"

قال بصوته المخملي:
"ليس كذلك! حين كنا في الثانوية كان يتعرض تاكيتشي للتنمر وبالصدفة رأيت ذلك فساعدته!"
أكمل وهو يشير للندبة التي على طرف حاجبه الأيسر:
"وقد حصلت عليها من تلك المرة! ومنذ ذلك اليوم وهو يعتبرني صديقًا له! لذلك يرسل لي دعوة مفتوحة دائمًا لأرى جديده بشكل مستمر متى ما استطعت!... إنه صديقٌ جيد!"

"لديك احساس قوي بالعدالة وهذا جميل يا تاكامورا! هل نزفت كثيرًا؟!"
سألت وأنا أتلمس الندبة بيدي اليمنى...

"ليس كثيرًا! لكن تاكيتشي اصيب بالذعر من رؤية الدماء تجري من جرحي بسرعة... فسبب الكثير من الفوضى ولطخ نفسه وهو يساعد!"

ضحكت رغمًا عني وأنا أتخيل ماحدث:
"لقد كان قلقًا عليك... إنه حقًا صديقٌ جيد!"

وصلنا للطابق الخامس عشر حيث المعرض وسجلنا اسمائنا قبل الدخول، كان تاكامورا يراقبني وأنا أكتب أسمي فسأل:
"ناتاليا ناكاموري! لماذا اسمك ناتاليا؟ إنه اسمٌ أجنبي!"

نظرت اليه ونحن نخطو نحو مدخل المعرض قائلة:
"لاحظت ذلك أخيرًا! لقد كُنت أفكر متى ستنتبه!"

"أخلف ذلك قصة؟" قال متسائلًا...

"قصة طويلة! سأخبرك عنها بعد مشاهدة المعرض!"

من العرف حين تشاهد معرض صور أو رسومات أن نلتزم الصمت! يُهيء ذلك جو راقي لهكذا أماكن!

أحيانًا تُبث أغاني كلاسيكية ولكنني تفاجئت فقد كان في صالة المعرض الكبيرة، موسيقى حية يتم عزفها من قبل عازف بيانو شاب! لست مُلمة بالموسيقى الكلاسيكية كأخي ولكنني استطعت معرفة المعزوفة من موسيقى باخ الجميلة!

بصراحة كانت الصور مميزة للغاية! تعج بالسواد وقفت عند احداها، ذكرتني بتاكامورا نوعًا ما! كان ثمة طفل صغير يظهر من ظهره غارق في ظلام الليل!

وجدتها مُعبرة وأثرت فيَّ بشدة وهَزَت كياني لعمق المشاعر التي تحملها!

اقترب تاكامورا وهمس في اذني:" أعجبتك؟!"

أجبته بنفس الأسلوب:" اعجز عن وصفها بالكلمات!"

كُنت أمسك بقلبي وأنا أبذل جهدي لمنع نفسي من البكاء لشدة ما أثرت فيَّ الصورة!

اقترب نحونا شاب ذو شعر بني غامق وعيون عسلية... يرتدي بذلة رمادية أنيقة مع قميص أبيض ترك اول زريه مفتوحة!:
"أرى بأن الصورة أعجبتك بشكل خاص!"

نظرت نحوه مصعوقة فقد كان صوته مرتفع ويلفت النظر فتحملق الجميع حوله يبدون رأيهم بالصورة!

قال تاكامورا لهُ:
"كأنك أفسدت جو المعرض العام، تاكيتشي!"

"لم أقصد ذلك! لفتت انتباهي لأنك معها! حبيبتك؟!"

تاكيتشي! أهذا يعني... قلتُ بانبهار شديد:
"عفوًا أأنت تاكيتشي ايشينو؟!"

نظرا نحوي باهتمام ليقول المعني بابتسامة واسعة:
"هذا صحيح آنستي الصغيرة!"

هذا مدهش! أنه المصور المشهور تاكيتشي ايشينو!

"لم أتخيل لقائك وجهًا لوجه... أبي ملمٌ بأعمالك يقول بأنك عبقري!"

"والدك؟" تمتم مستغربًا... ليكمل بابتسامة وهو يمد يده نحوي:" يشرفني ذلك آنسة...؟!"

مددتُ يدي له وصافحته مكمله له:
"ناتاليا ناكاموري... تشرفت بمعرفتك سيدي!"

"ناكاموري؟! كأنني أعرفه؟!"

"انها نات المشهورة يا تاكيتشي!" قال تاكامورا وهو يشير نحوي مغمض العينين!

تجمدت للحظة... أهو يعرفني؟!

"مذهل... الأسطورة حقيقية اذا!"

قلت ببرود:" موتوا جميعكم مع نات المشهورة، الأسطورية والمذهلة!"

كم عدد الناس الذين يعرفون عن مغامراتي المبالغ بوصفها من أبي؟ كل من قابلهم في حياته مثلًا؟!

انتهينا من المعرض وقد أمست العاشرة، قال تاكامورا وهو يركب سيارتهُ
"أين أوصلك؟ يجب أن أذهب للعمل في المدرسة!"

قلتُ وأنا أنظر اليه" سأذهب لبيت ياجيما أنزلني بداية الشارع!"

"حسنًا اذا... لما لاتخبريني عن قصة اسمك الطويلة ريثما نصل!"

قلت ببرود:
"لماذا ألم يقصها عليك والدي ضمن (مغامرات نات المشهورة) من قبل!"

قال وهو يهدأ من روعي:
"انسي موضوع نات المشهورة! لن أتكلم به اذا كان يزعجك!"

"انه لا يزعجني ولكنني أدركت أنك تعرف الكثير عني... وصديقك تاكيتشي أيضًا!"

"أجل فقد كان تاكيتشي يزورني كثيرًا حين كنا في الثانوية!"

هذا ليس عدلًا! إنه يعرف عني أكثر من ما أعرف عنه!

"اذا أخبرتني عن أحد قصصك سأخبرك عن قصة اسمي!"

"مفاوضة اذًا؟ أخبريني القصة لأخبرك واحدة عني تكون اروع منها!"

ابتسمت قائلة وقد تحمست كثيرًا:
"حقًا ستفعل؟!"

أومئ برأسه مؤيدًا لأبدأ بسرد قصة تسميتي بناتاليا بحماس:
"كان يا مكان وحين كانت أمي حاملًا بي... كانت في ندوة الدكتوراه خاصتها في روسيا!
حدث معها حادث صغير وكان إما أنا أو هيّ! وكانت بعيدة عن المشفى! حسب علمي كانت ذلك في حديقة فندقٌ في ضواحي موسكو.... حينها قامت سيدة عجوز بمساعدة كلينا قبل وصول مروحية الإسعاف، عبر ايلادي حينها وهكذا نجونا... قال الطبيب لاحقًا لو تأخرت ولادتي لمتنا كلينا! وهكذا سميت ناتاليا وكان اسم السيدة التي أنقذتنا أنا وأمي من الموت!
النهاية!"

كان مستغربًا من سماع القصة ليقول وهو يوقف السيارة:
"لم أتوقع ذلك! هذا يفسر سبب اسمك الغريب!"

"ماذا اليس جميلًا؟"

قال مصححًا:" جميل! لكنني لم أتوقع شيء كهذا! لوكان اسمك يابانيًا، ماذا تتمنين أن يكون؟"

فكرت بعمق لأجد واحد لكنني لم أفكر بواحد من قبل!

"لا أعلم! برأيك ماذا كان سيناسبني؟!"

قال بلا تردد:" آئوي!" (ازرق)

"ولماذا آئوي؟!" قلت مستغربة...

اجاب وهو شارد في عيني:
"لأن لديك عيونًا مميزة الزُرقة! تشبه لون السماء!"

"اذا ألا يجب أن يكون سوكاي؟" (سماء)

"ممكن أيضًا!" قال وهو يهز رأسه مؤيدًا! ثم أكمل:" اذا يجب أن يكون آئوي سوكاي!"

"آئوي سوكاي ! يبدو غريبًا!"

"ربما!... آه سأتأخر! أراك لاحقًا!"

نظرت حولي، كنا قد وصلنا لحيث اتفقنا أن يوصلني! بداية الشارع حيث بيت ياجيما!

ترجلت وأنا ألتقط حقيبتي وأكياس الثياب خاصتي... ودعنا بعضنا وتوجهت نحو البيت بهدوء...

سماء زرقاء! أيحب تاكامورا النظر نحو السماء عادةً؟





جوان*

"تأكدوا من كتابة اسمائكم في لائحة واختاروا الرياضة التي ترغبون بالمشاركة فيها!"
قال المُعلم وهو يكتب على الصبورة جملة "اللقاء الرياضي الـ 98" بدأ الجميع بالتهامس

ودنوت من المعلم لأخذ اللائحة منه وبدأ يقول شيء عن يجب على الجميع المشاركة ولا أستثني أحد غير "تاكاهيتو سيكي"!... الطالب المصاب بالربو في صفنا وهذا الإستثناء طبيعي!

اللقاء الرياضي بعد اسبوع، المزيد من العمل كممثل الصف!

أعطيت اللائحة المخصصة للفتيات لآكاني وبدأنا بكتابة اسماء الطلاب الواحد تلو الآخر...

وقبل نهاية الحصة بقليل اتممنا عملنا على ذلك! الطلاب متحمسون فلمدة اسبوع من الآن لن تكون هنالك الكثير من الحصص بعد الغداء لأجل التجهيز لليوم الموعود!

المزيد من الوقت الحر لأستطلع امر العجوز بدل ناتاليا! ذهبنا أنا وآكاني للسطح حيث اتفقنا أن نأكل طعام اليوم مع أختي.... ناتاليا هيّ غائبة اليوم! ماذا بها ياترى؟!

تحججت بأمر اللائحة ويجب تسليمها للمعلم المسؤول عن صفنا، نهضت آكاني:
"لقد وضعت اللائحة في درج طاولتي، سأتي معك!"

"لا بأس سأخذها معي لاداعي لأن تزعجي نفسك!"
قلتُ وأنا اغادر نحو مدخل السطح بسرعة... لدي عمل علي تأديته ولايمكن تأجيله!

أخذت اللائحتين وذهبت لاستراحة الأساتذة، كانوا مشغولين بحق

وضعت اللائحتين على مكتب الأستاذ ميدوريكاوا استاذ اللغة الأنجليزية والمسؤول عن صفنا، وقبل أن أغادر أخذت مفاتيح المبنى الخامس والذي هو مخصص لمختبرات ومطابخ مدرستنا! مدرستنا قد تكون احد أكبر المدارس الثانوية من حيث الإمكانيات وعدد الطلاب والمدرسين، بحيث تستطيع مقابلة شخص غير مألوف كل يوم!
ثمة تسعة صفوف لكل مرحلة أي مايزيد عن سبعة وعشرون صف ولكل صف أربعون طالب!

لا افهم ناتاليا! من بين مايقارب 1080 طالب! و ما يزيد عن 80 مُدرس في هذه المدرسة الكبيرة جدًا!
ما الذي اثار ريبتها في الرجل العجوز؟!

دخلت المبنى بخفة وبغير لفت الانتباه! من مزايا أن تكون ممثل الصف، أنك تستطيع أخذ المفتاح والدخول للمبنى بغير سؤال!
كان لدينا حصة كيمياء هذا الصباح وتركت كتاب الكيمياء خاصتي تحسبًا وبغير أن يلاحظ أحد فقد كُنت آخر من خرج وأقفلت باب المختبر أيضًا!...

دخلت المختبر الخاص بالصفوف الأولى لمدرستنا، كان الجو هادئً ولم يكن ثمة أي أحد فيه! أخذت الكتاب وأنا أتسائل في أي طابق العجوز؟ رأيته يدخل للمبنى بالأمس مع ناتاليا لكنني لم أجده في الطابق الأول...
القيت نظرة على المطبخ الذي يقابل المختبر مسبقًا ولم يكن ثمة أحد فيه!

العجوز ان كان سيكون هنا فهو ليس بالطابق الأول! تبًا هذا يصعب الموضوع! سمعت صوت باب المبنى

يُفتح فاختبئت خلف الباب! نظرت من النافذة الصغيرة التي تتوسط باب المختبر، كان ثمة مصعد!

فتح باب مصعد يقع خلف السلالم! لم أكن أعرف بوجوده... دخل العجوز فيه ولم افهم ما حدث فعلًا!

بسرعة خرجت وصعدت للطابق الثاني لم يكن ثمة باب له! تابعت للطابق الثالث ولم يكن ثمة جدار

أو ما يدل على وجود مصعد يصل للطابق الثالث! بل كان مجرد مساحة خالية من أي شيء!

ماذا يعنيه ذلك! مصعد في الطابق الأرضي ولا شيء في الطابق الثالث... هذا يُعقد الأمر!

التقطت نظرة فلم يكن أحد في الطابق الثالث والطابق الثاني كان ثمة سبعة طلاب في المختبر

مشغولين بالنقاش عن الكيمياء ولم افهم مُعظم ما كانوا يتحدثون عنه! خرجت من المبنى بعد أن أقفلت مدخل مُختبر الطابق الأرضي! ارتطمت بعامل التنظيف وأنا أخرج...

ارتبكت قليلًا، ثم تذكرت أني مجرد ممثل الصف الذي نسي كتابه واستجمعت نفسي! تجاوزته وعدت لاستراحة المعلمين وأعدت مفاتيح الطابق الأول لمكانه! لم يكن ثمة مفاتيح ناقصة على اللوح المخصص لتعليقهم سوى مختبر الصف الثاني! هذا يأكد الأمر!

العجوز اختفى في المصعد! انا بتُ واثقًا من ذلك، هو لم يكن يذهب لأجل المبنى بل لأجل المصعد!

المصعد الذي لا يتجه للأعلى، بالتأكيد ينزل للأسفل!

ناتاليا محقة في شكها بالعجوز، ثمة ما يجري في الخفاء! والا ماذا يعنيه أن يكون للمبنى مصعد يتجه للأسفل! استطيع ان اقول بيقين أن ثمة مبنى آخر تحت الأرض والمدخل اليه عبر المبنى الخامس!
يجب أن أخبر ناتاليا! لا! ماذا لوكان ثمة خطر في ذلك!

قبل اخبارها يجب أن اتحقق من امر المصعد في اول فرصة اتيحت لي!

عدت لحيث أختي وآكاني بعد أن أعدت كتابي لحقيبتي... جلست لآكل غدائي كأن شيء لم يكن!

"تأخرت كثيرًا جوان! سيرن الجرس بعد خمسة دقائق!" قالت أختي بقلق...

"أنا آسف! لقد انشغلت بالمساعدة في استراحة الأساتذة!"

"كان يجب أن تعتذر وحسب! إنه وقت الغداء!" قالت آكاني بانزعاج!

ماذا معها؟ لما هي منزعجة من الأساس؟

"أين ناتاليا؟ أحقًا لم تأتي للمدرسة اليوم؟"

انتفضت آكاني تتكلم باستغراب شديد:
"تخيل ذلك! لم يسبق لأختي التغيب عن المدرسة في حياتها!"

اكملت ياجيما بنفس اللحن مكملة لكلام الأخرى:
"الغبية حتى في أيام الزكام كانت تأتي للمدرسة!"

"لكن اليوم غابت بلا سبب!" أكملت أكاني...

"أرسلت لي رسالة تقول، أنا متعبة من المدرسة... سأغيب اليوم!"
قالت أختي وهي تريني الرسالة التي ارسلتها المعنية بالحديث!

"ليست نهاية العالم اذا غاب أحدهُم عن المدرسة! ألا تٌضخمن الموضوع يا فتيات؟!"

قالتا معا باصرار:" لكنها ناتاليا!"

بجدية! أنتن تُعظمن القصة!

تحدُث في بعض الأحيان يعجز الواحد منا عن تكرار الروتين ويرغب بالابتعاد عنه!

وهذا طبيعي حتى لو كانت المعنية هيَّ الفضائية ناتاليا ناكاموري! فهيَّ لا تُشبه أحدًا على الأطلاق...

بعد الغداء كوننا مجموعات للقيام بالإعدادات لليوم الرياضي! يُشكل صفنا الفريق الأبيض بالقرعة!

كُنتُ أجلس في الصف مع مجموعة من الفتيات، الولاتي كُنَ يصنعنا الزوم-زوم لفريق التشجيع...

نظرت لجدول الأحداث الذي حصلتُ عليه من الأستاذ ميدوريكاوا، بملل... هذا مثير للاهتمام!
"صف أختي في الفريق المنافس!"

التفتت آكاني نحوي تقول بحذر:
"هذا سيء!"

انزلت الكُتيب مستغربًا:" ولما؟ ما السيء في ذلك؟!"

قالت وهيّ على حالها:
"لأن هذا يعني أنّ ناتاليا ستنافسنا!"

رفعت الجدول، والذي هو على هيئة كُتيب صغير، ما الجديد:
"أعرف بأنها رياضية! ولكننا سنبذل جهدنا للفوز!"

أنتشلت الكُتيب من جديد وهي تقول:
"بدل مراجعة الجدول بلا داعي... لما لا تساعد الفريق المسؤول عن تجهيز لافتة اللقاء في الفناء الخلفي؟"

"لا بأس لا يحتاجونني! الم تكوني مشغولة باعداد الزوم-زوم مع الفتيات قبل قليل... الن يكون افضل لو عدت لعملك!؟" قلتُ مستفزًا...

قالت بملامح باردة:
"اذا... يمكنك مساعدتنا في صنعها بما أنك متاح!"

انتفضت منزعجًا:
"ولما أساعدكن! أنا ذاهب للرسم على اللافتة فهذا أفضل من اهانة نفسي بالبقاء معكن!"

تلك الماكرة... نالت مني! ذهبتُ للساحة الأمامية حيث يقوم مجموعة من الشباب بصنع اللافتة...

كانوا مايزالون يرتبون الألواح لصنع اللافتة! قُلتُ لأحدهم:
"حين تنتهون من دق المسامير واكمال صنعها أخبروني لأبدأ بالرسم عليها!"

نهض تانيهارا والذي هو الوحيد الذي من صفي بينهم:
"هذا مدهش! ستكون اللافتة جميلة مادام الرسم على جوان! جميعًا لنُسرع بتجهيزها!"

بدوا لي مُتحمسين في حين جلست بجانب صناديق الأدوات اتفحص الألوان والمعدات، أخذت أحد أوراق المقوى والتي كانت مع الأدوات وبدأت برسم تجريبي للافتة! أكملت الرسمة وكانت عبارة عن خطوط تجريبية... نظرت نحو الشباب وكانو ما يزالون لم يكملوا نصف عملهم!

هذا مُمل! أخذت ورقة أخرى وشرعتُ أرسم من جديد... كُنتُ جالسًا جانبًا، على مُلائة بيضاء حيثُ وُضعت ادوات صنع اللافتة... تذكرت حين كُنت أفعل المثل للمهرجان الثقافي بداية السنة!

بعد حوالي ساعة كُنتُ قد انتهيت من الرسمة الثانية والتي كانت عبارة عن مُلصق يُظهر شاب وفتاة بالزي المدرسي خاصتنا ويحملان علم كُتبت عليه اللقاء الرياضي الـ 98! لا أصدق!

لقد أصبحت... الفتاة تُشبه آكاني بلا قصد! لم أكن أقصد ذلك...

"أأتخلص منها؟!"
قُلتُ وأنا أحدث نفسي بصوت مسموع...

فصُعقت بتاكاهيتو سيكي الفتى الذي يجلس بجانبي في الصف! وهو يقول خلفي:
"ولما تتخلص منها؟! لقد بذلت جهدك بها وتبدو فاتنة!"

"فاتنة!... سبب أقوى للتخلص منها!"
قلتُ ببرود وأنا أقف وأمدد جسدي...

أخذ تاكيهيتو الملصق وهو يمسك به من طرفيه، لقد كانت ورقة المقوى التي رسمت بها كبيرة نوعًا ما ومُثبته بلوحة خشب! أخذ يُمعن النظر بها وهو يقول:
"أرغب بالمشاركة والركض لمجرد رؤيتها! اللوحة تبث الحماس في النفوس حقًا!"

الن يكون ذلك سيءً؟! الركض وأنت تعلم بأنك ستصاب بنوبة ربو! تاكاهيتو يبدو وحيدًا دائمًا!

يجلس في مكانه ولا يقوم بحركة... بالكاد يمشي بخطوات قصيرة! لا شك ان ذلك يُحبطه!

جلستُ وأنا أشير له بالجلوس بجانبي...
"تاكاهيتو... ما هي هواياتك؟!"

أوقف اللوحة مسندًا اياها على العلبة التي تحوي ادوات اللرسم وجلس بجانبي:

"أنا أكتب وأرسم أيضًا! لكنني لا أرسم مثلك فرسمي غالبًا يكون مباني، أشجار وسيارات!
رسمك جيد جدًا! استطيع تقييمهُ عشرة على عشرة بلا تردد!"

" ترسم اذًا! لم أكن أعرف! أنا آسف...
رغم أني أجلس بجانبك لكنني لم الاحظ ذلك! انا متحمس لرؤية أعمالك!"

ابتسم وهو ينظر للسماء:
" لا داعي للأعتذار!... وأنا أيضًا مُتحمس لرؤية لوحاتك الخاصة!"

" اذًا لما لا تأتي في عطلة نهاية الأسبوع لبيتي؟! أنا لا أمانع ذلك حقًا!"

نظرتُ للخلف كان الأولاد يلعبون! يبدو بأن هذه اللافتة لن تجهز قريبًا! ما الذي ورطت نفسي به!

فأنا أكره حين يكون عليَّ انتظار أحد للقيام بعمل! انهم مجرد عقبة! نهضت وأنا أحمل اللوحة التي رسمت بها النموذج للافتة لأخذها لغرفة الرسم وحمل تاكاهيتو الأخرى والتي كانت الملصق!

قلتُ ببرود:" تاكاهيتو... تستطيع التخلص منها!"

نظر نحوي مصعوقًا: "أأنت جاد؟!"

"انها بشعة!" أجبت ببرود أشد من سابقه...

ابتسم قائلًا..." أيمكنني الحصول عليها اذًا؟!"

"لابأس..."
مادام لن يراها أحد وتحديدًا آكاني... مؤخرًا أقضي الكثير من الوقت معها بحيث أصبحت الفتاة بالرسمة تُشبهها! تركت اللوحة في المرسم وقد كانت الألوان قد جفت بالفعل!

وضع تاكاهيتو اللوحة الأخرى بجانبها قائلًا:
"سأعود لأخذها وقت الانصراف!"

قضيت المزيد من الوقت مع تاكاهيتو... انه فتىً مُسلي على طريقته الخاصة!

هو ذو شعر بني فاتح وطويل نسبيًا يصل لأكتافه! وعيونٍ لازوردية كبيرة...

شيءٍ فشيء كانت خطواتي تتقلص ليُجاريني بخطواته! لقد بدى لي ذلك كما ولو أنني أستطيع رؤية كُل شيء بشكلٍ أوضح!

دخلنا الصف وكانت الفتيات ما يزلن منهمكات بعملهن، القيتُ نظرة استكشافية في قاعة الدراسة...

قبل أن أسأل بصوت مرتفع:
"أين آكاني؟"

*يتبع*







السلام عليكم، الفصل ذا كان اخر ما نشر في عيون العرب،
الفصول الجاية لكونها حديثة سانشرها في يوم الخميس...
تم دمج بعض الفصول لذى الفصل الثالث عشر اصبح التاسع...
اشكر لكم صبركم واعتذر للتأخر الي كان بحكم الضروف زي تعطل المندى وكذا...
لكن ابشركم وصلت لاخر فصل من الرواية وذا اكتبه بهل فترهخ1
اوديوس cute4ق1

فِريـال
12-17-2020, 07:50 AM
-





"الكثير من اللحظات الصغيرة، تجعلنا ما نحن عليه الآن!"


✧✦✧






-10-




*جوان*


قضيت المزيد من الوقت مع تاكيهيتو.... إنه فتى مُسلي على طريقته الخاصة...

هو ذو شعر بني فاتح وطويل نسبيًا يصل لأكتافه! وعيونٍ لازوردية كبيرة...

شيئاً فشيئاً كانت خطواتي تتقلص ليُجاريني بخطواته... لقد بدا لي ذلك كما ولوأنني أستطيع رؤية كُل شيء بشكلٍ أوضح.

دخلنا الصف وكانت الفتيات ما يزلن منهمكات بعملهن ، ألقيتُ نظرة استكشافية على قاعة الدراسة...
قبل أن أسأل بصوت مرتفع: "أين آكاني؟"

نظرن جميعهن بفزع نحوي وكان تاكيهيتو مستغربًا لأن الجميع ينظر نحونا، نهضت احداهُن تقول:
"ذهبت مع توشيبارا لإحضار المزيد من الأشرطة لصنع ربطات الرأس لصفنا..."

مع من بحق الجحيم؟ تلك الغبية... ألم تجد سوى توشيبارا لترافقه؟!

"أنا آسف تاكيهيتو..."
قُلتُ وأنا أنتفض راكضًا للبحث عنها!

توشيبارا هو الأسوء! أخجل من نفسي وأنا أقولها ولكن توشيبارا كان أحد أصدقائي في الإعدادية!

هو ورفاقه الأسوء على الإطلاق ويزدادون سوءً يومًا بعد يوم! لقد سحبت نفسي من بينهم منذ أن بدأوا بالتنمر على الآخرين ويبحثون عن أي فرصة لخوض شجار مع أيٍ كان...

قبل سنتين تورطت آكاني معهم، وقبل فترة سمع حديثنا أنا وآكاني عن ذلك....

وعرف أنها من خربت الخيمة فوقهم في ذلك الوقت... مُنذ حينها وهو يتربص بآكاني للانتقام منها...

بذلتُ جُهدي للبقاء معها دائمًا... لحمايتها منه ومن عصابته، لأنهم لايجرئون على الإقتراب مني....

لا أصدق أني تركتُها وحدها...
كيف غفلتُ عنها في وقت كهذا وأنا أعرف أن الجميع يعملون للتجهيز لليوم الرياضي والحصص ألغيت!

بحثتُ عنها كالمجنون في كُل مكان وأنا أتصل بهاتفها المحمول ولا تُجيبني! تابعت البحث وأنا أدرك
بأنني كمن يبحث عن إبرة في كومة قش! فضلًا عن وسع مدرستنا فالجميع يتردد في كُل مكان...

جائتني رسالة منها على هاتفي ففتحتُها وأنا آملُ أن لايكون ما أفكر به قد حدث...

كانت الرسالة عبارة عن صورة! صورة التُقطت في المكان الوحيد الذي لن يكون به أحد في هذا الوقت...

كانت مُبتلة تمامًا... توجهتُ نحو مسبح المدرسة بأسرع مايُمكنني ولسوء حظي يقع المسبح في
الفناء الخلفي أبعد نقطة في مدرستنا... وحين وصلت كانت تجلس جانبًا وهي تتنفس بصعوبة...

اقتربت منها راكضًا وأنا أخلع سترتي... وضعتها على أكتافها وأنا أعرف أن الماء كان باردًا...
"هل أنت بخير؟ هل أذاك بشيء!"

"برد.... برد.... برد..." كانت تكرر بصعوبة وهي تضم نفسها...
كُنتُ أتفحصها كالمجنون لم أدرك ماذا أفعل حقًا... كانت تُخفض رأسها وهي تُحاول تدفئة نفسها...

سمعتُ تلك الشهقات وهي تطلقها باكية، ما الذي جاء بك الى هنا؟ كيف خُدعت؟ ظننتك أذكى من ذلك...

أردت أن أسأل لكن... حاولتُ مساعدتها على الوقوف، كانت ترتجف من البرد... حملت نفسها بصعوبة وأدخلتها المبنى الخاص بتبديل الثياب، المسبح المفتوح مخصص للأولاد ولا أفهم كيف خدعوها لتأتي الى هنا!

فتحت خزانتي وأخرجت منها منشفتي وثيابي الرياضية... ساعدتها لتدخل غرفة التبديل وتركتها هناك...
كانت ماتزال تبكي وكان ذلك واضحًا من صوت شهقاتها الخفيفة....

خرجت وقد غيرت ملابسها وتمسك بالمنشفة بيدها، كان الماء يُقطر من بين خُصلات شعرها الذهبي ...

أخذت المنشفة وأنا أحاول مساعتها لتجفف شعرها بسرعة...
"أأنت غبية؟ ستتبلل ملابسك هكذا!"

وبغير العادة كانت صامتة وهي تتابع البكاء مخفية وجهها عني تحت المنشفة!
بقيت أمسح شعرها بعد أن استعدت شيء من هدوئي... أنا لا أحب رؤية الدموع حقًا أيتها الغبية....

أبعدت المنشفة فكانت تحاول مسح دموعها بكم السترة الرياضية:
"لابأس... لابأس! ستكونين بخير"

رفعت رأسها تنظر بعيني مُباشرةً... تلك اللآلئ كان تتدفق من بين مُقلتيها كأنها سُحب ماطرة!
ولأكون صريحًا... بدت جميلة للغاية... "أنا آسفة جوان! آسفة جدًا!"

"لابأس... ليس عليكِ ذلك أيتها الغبية!"

أخذتُها للعيادة وبقيت هنالك لتدفئ نفسها بالبطانية...
"جوان... لاتخبر أحدًا بماحدث... فليكُن سرنا!"

أومأت برأسي موافقًا، لا أفهم كيف تفكر هذه الغبية...
بقيت معها لبعض الوقت وبمجرد أن رن الجرس مُعلنًا نهاية الدوام، حتى نهضتُ تاركًا إياها نحو قاعة الصف، توشيبارا أيها الحثالة لن أغفر لك ما فعلت...

دخلت القاعة وكان أغلب الطلاب قد غادروا أو يقومون بنشاطاتهم في النوادي... قمت بجمع كُتُب وأدوات أكاني ووضعتهم في
حقيبتها تحت مرأى تاكيهيتو... دنى مني وهو يقول بقلق:
"أكُلُ شيء بخير جوان؟"

بقيتُ أخفض رأسي وأنا أكمل جمع كتبي وأنا أجيبه:
"تاكيهيتو... أنا أعتذر، لكن أيمكنك أن تسلم الملصق لمكتب لجنة الطلبة!"

ابتسم برضى:
"غيرت رأيك اذًا؟! الملصق يستحقُ أن يُعلق في كُل مكان!"

حملتُ حقيبتي مع حقيبة آكاني وأنا أجيبه: "أعتمد عليك!"

واليتهُ ظهري وخرجت من باب القاعة الخلفي قائلًا: "أراك غدًا..."

مهما كان ما حدث فضيعًا...
فمازلت سأحترم ما طلبته مني أكاني! لاداعي لأي أحد أن يعرف ماحدث... علي أن أقمع غضبي تجاه توشيبارا ورفاقه ريثما يحين وقت الرد!

حين وصلنا للشارع الرئيسي أخذت آكاني حقيبتها وكيس ملابسها المبللة من يدي وهي تقول بصوت مبحوح:
"أنا متعبة! سأعود للبيت بسيارة أجرة!"

أطلقت سعالًا خفيف بعد أن ختمت كلامها: "يبدوا أنك مرضت حقًا! ألا يجب أن تري طبيبًا!"

"لابأس! سأستريح وسأكون بخير قبل الصباح..."
قالت ذلك وهي توقف سيارة أجرة وتركب بها... وبعد دقائق كانت قد اختفت من أمام ناظري...

ضغطت على مسند دراجتي بلا شعور وأنا غاضب من نفسي لأنني لم أحذرها!

"أتبدو ناكاموري مريضة أم أنني أتخيل؟!"

"أجل!" أكملتُ فزعاً وأنا أمسك قلبي بيدي: "تاكاهيتو... أفزعتني يارجل..."

أطلق ضحكات خفيفة وهو يخفيها جاهدًا:
"آسف! رأيتُك صدفة! ظننتك غادرت منذ فترة!"

"وأنا ظننتك ماتزال في المدرسة! أهذا الطريق لبيتك؟!"
راودني الفضول... فأجاب مبتهجًا: "يقع منزلي في الشارع الـ 60 لذلك هذا طريقي!"

"وأنا في الشارع الـ62... نفس الطريق!"
كُنت أسير بجانبه وأنا أمسك دراجتي... تاكيتشي يسير ببطء حقًا... ويبدو بأنهُ لايستطيع أن يقود دراجة،
فضلًا عن كونه مصاب بالربو...
أجاب مستغربًا: "مُستحيل! لم أراك تسير من هذا الطريق من قبل!"

لأنني أذهب بدراجتي للشارع الـ 77 في الاتجاه المعاكس لطريق المدرسة لاصطحاب آكاني صباحًا!
وأعود معها بعد المدرسة متأخرًا مع أننا لاننتمي لأي نادي! وتاكيتشي...
"لأنك تغادر المدرسة مبكرًا كل يوم..."

"صحيح! فأنا لا أنتمي لأي نادي... والدتي تقلق كثيرًا بسبب صحتي!"
على الأقل لديك واحدة لتفعل! على عكسي...

كُنتُ شاردًا وأنا أنظر للخصلات السوداء التي تتمايل بطولها لمنتصف تنورة الفتاة التي تسير أمامنا أنا وتاكيتشي! كان الآخر صامتًا بدوره...
لاحظ أني أطلت النظر نحو الفتاة فوخزني وهو يُشير نحوها برأسه قائلًا:
"أين أنت شارد؟"

نظرت نحوها من جديد لأقول مُبتسمًا!
"إنها تتمايل بعُصيان!"

نظر نحوي باستفهام وهو لم يستطع فهم كلامي واحمر وجهه خجلًا: "لا تفهم خطئاً تاكاهيتو..." أكملتُ وأنا أشير نحوها بملل: "أقصد خصلات شعرها!"

بدأ بالضحك قائلًا:" أنت مسلٍ نوعًا ما!"
قمتُ بحك شعري قائلًا وأنا أنظر له بطرف عيني مبتسمًا:
"إنها أختي الكبيرة!"
وقف مصعوقًا... بعد قليل نظر نحوي بوجه مظلم:
"أنت.... أي نوع من البشر أنت... لما لا تسير معها إذا كانت أختك؟!"

"همممم لا أعلم يبدو محرجًا نوعًا ما! أو يمكن أن يكون بسبب أني لم أعتد الذهاب معها لنفس المدرسة!
فقد كُنا في مدارس مختلفة في الإعدادية! وفي الإبتدائية كُنت في مدرسة خاصة بالأولاد!
ولم يسبق أن درستُ معها في نفس المدرسة! أليس كذلك ياجيما؟!"

التفتت نحونا مُبتسمة وهي تتابع السير...
"من النادر رؤيتُك مع أحد ليس آكاني! أهو صديقُك؟!"

قصرت خطواتها الى أن أصبحت تسير معنا!
ماذا تقصد بكلامها؟ أتظن أنني لا أرافق أحد غير آكاني!؟ لحظة! هذا صحيح...
منذ دخلت المدرسة الثانوية وأنا لا أرافق أصدقائي القدامى توشيبارا وعصابته!
وبسبب سلسلة أحداث غير متوقعة أصبحت ألازمها كثيرًا!
قال تاكاهيتو مبتهجًا:
"معك حق توشيري-سان! أنا أيضًا لم أره مع أحد غير ناكاموري من قبل، لماذا؟!"
ختم كلامه بسؤال ماكر! كما كررت الأخرى...
"لماذا؟"
أختي! لماذا تسألين أنت؟! قلتُ ببرود لأتملص من الإجابة بدون كوارث أو خسائر...:
"ليس لسبب! نحن نعرف بعضنا منذ الإعدادية وهي الوحيدة التي أنا على معرفة سابقة بها! ألا يكفي أنها شقيقة هيروشي!"

سأل تاكاهيتو بفضول:
"من هيروشي؟"

"إنه شيء يُشبه مثلهُ الأعلى!"
ماهذا؟ إجابة فورية! لا تُضيع أختي فرصة سنحت لها!

"شقيق ناكاموري هو مثلك الأعلى يا جوان؟"

"أجل!" قالت أختي مُبتسمة...

"لاتهتما لأمري رجاءً! أنا لستُ هُنا!"
بدآ بالضحك علي خلسة... أستطيع رؤيتكما كما تعلمان!

"أين آكاني؟" سألت أختي بفضول وهي تستطلع خلفنا مُكملة:" هذا نادر!"

"عادت لمنزلها!" قلتُ وأنا أتابع النظر للأمام...

"أهي بخير؟"
كانت أختي قلقة وهذا واضح... لا ألومها فمُنذ ما يزيد عن شهرين نعود معًا!

"لقد كانت مرهقة من الأعمال التحضيرية للأسبوع القادم وحسب! لا داعي للقلق... إنها بخير."
اقتنعت من إجابتي... انفصلنا عند التقاطع التالي وأكملت وتاكاهيتو الطريق وحدنا....

سأل بفضول:
"ألن تأتي أختك معنا؟"

نظرت له مُجيبًا:
"ستذهب لشراء شيء للعشاء وحسب..."

قال باهتمام:" ألا تُرافقها عادةً؟"

هي لاتحتاجُني عادةً... لم يسبق أن ذهبنا معًا! لم أعرف بما أجيب حقًا...
بقيت تتردد في رأسي، أقصدُ إجابتي التي لم أبديها (هيّ لا تحتاجني عادةً!) أحقًا لا تحتاجني؟!
حين وصلنا لرأس شارع الذي يقطن به تاكاهيتو انفصلنا بعد أن تبادلنا عناويننا البريدية...
ركبت دراجتي وعُدتُ أدراجي...






*ياجيما*


كُنت أتبضع لإعداد العشاء كالعادة بعد المدرسة! جوان يُرافق فتى من نفس عمره، جعلني ذلك سعيدة...

فلم يسبق أن حدث ذلك! عادةً يفضل البقاء لوحده، هذا ما كُنت ألاحظه عليه!...

أو ربما لم أكن مُهتمة باصدقاء جوان! حين كان في الابتدائية كان لديه صديقين يأتيان لمنزلنا للدراسة معه لكنني لم أراهما معه منذ دخل المتوسطة ولم يدعُ أحدا منذ حينها!

اشتريت بعض الخضروات، واللحم وأيضًا كيس أرز فقد نفذ من بيتنا... دفعت وخرجت حاملة مشترياتي كان كيس الأرز ثقيلًا كالعادة

لكنني حملته بما أمكنني! بمجرد أن خرجت من المجمع حتى لمحت أخي يوقف دراجته!

الحمد لله! كان سيكون يومًا صعبا آخر! ترجل عن دراجته الهوائية واقترب مني ليأخذ الأكياس قائلًا:
"لما لا تطلبين المساعدة مني وحسب!"

كان غاضبًا... أتفهمك أخي... أخذت الدراجة وبدأنا بالسير وهو يحمل الأكياس...

أخي الصغير... لم يعد طفلًا بعد الآن! لقد نضج كثيرًا منذ دخل الثانوية! لا أعلم لما ولكن...

الأولاد يبدأون بالنمو السريع حين يبلغون هذا السن،فجأة يكبر ذلك الظهر ليغدو قابلًا للإسناد!

وصلنا البيت وأدخلت الدراجة في المرآب وتوجهت نحو المدخل مع أخي وبمجرد الوقوف عنده شممت روائح غريبة جدًا....

مستحيل! دخلنا هرعين وكلٌ منا لديه فكرة لا تختلف عن الآخر بمجرد الدخول كان ثمة الكثير من الفوضى في المطبخ!

"ناتاليا!"

كُنت مستغربة بشدة بدأت وأخي نستطلع ما فعلته ليقول جوان ببرود:
"أتمزحين معنا! أغبت عن المدرسة لأجل الطبخ وحسب! لقد دمرت المطبخ!"

قالت وهي تبدي علامة النصر:
"لا بأس لابأس سأنظف كل شيء... أصبح العشاء جاهزًا وهذا هو المهم!"

أخفيت وجهي بكفي قائلة:
"بجدية! ناتاليا... لقد كُنت قلقة عليك حقًا! كيف أصبح الطعم أرجو أن يكون صالحًا للأكل!"

قالت مبتهجة متجاهلة آخر ماقلتهُ، هيَّ تعرف أنها ليست طاهية!:
" أصبح الأرز ناضجًا حبة الأرز ليست قاسية أولزجة وملحه سوّي! الكاري بلحم البقر ناضج وطعمه لذيذ لكن مايزال يحتاج للمزيد من الوقت وأعددت بعض المعجنات لكن أشعر أن الطعم خفيف!"

"واه! كم مرة طبخت الوجبة؟" قلت باعجاب!

حركت بعض الأواني المتسخة ووضعتهم قرب المغسلة وهي تجيب:
"في الواقع لقد أصبحت حبة الأرز قاسية فأعدت اعداده من جديد! يبدو أنني تسرعت بوشله!"

توجهت نحو الغاز لتحرك الكاري قليلًا، نظرت للأرز الذي كانت تضعه في وعاء كبير وأنا أقول لها:
"لما لم تضع كوبين من الماء معه ؟! إذا فعلت فسينضج الأرز ببخار الماء على نار هادئة!"

أوقعت المغرفة وهي تقول بخيبة أمل:
"لمَ لم تخبرني جدتي بذلك؟!"

قلتُ بعدم تصديق:
"ألم تخبرك؟ إعداد الأرز أبسط ما يكون ولا يحتاج الكثير من الجهد!"

عاد جوان من غرفتهُ بعد أن غير ثيابه وهو يقول:
" أختي هل تحتاجين المساعدة مع الأواني المتسخة؟!"

"ستكون مساعدة كبيرة منك جوان!"
بدأت بالترتيب وأنا أجمع الأواني والأدوات المتسخة لأخي وهو يغسلهم وناتاليا ترتبهم في مكانهم بعد تجفيفهم...

ثم مسحت السطوح المتسخة وحين انتهينا غسلت الأرضية ومسحتها فعاد مطبخي كما أعرفهُ!

خرجت من المطبخ وجلست بجانب أخي متقابلة مع الأخرى
"ناتاليا... من أين أحضرت الأرز؟ لقد نفذ صباحًا!"

كانت تعبث بالتاب الخاص بها وهيّ تغوص في العالم الآخر مجيبة:
"لقد اشتريته كيس ثلاثة أكيال من المجتمع مع اللحم والخضروات قبل قدومي الى هنا! وضعت ما تبقى
من اللحم والخضروات في الثلاجة فقد اشتريت زيادة لأجل الحيطة!"

"الحيطة؟!" قلنا أنا وأخي في نفس الوقت ليكمل جوان ببرود:
"من الجيد أن يعرف المرء حدود امكانياته!"

ضحكت ناتاليا ضحكة مصطنعة بصوت مرتفع "هاهاها!"

لأقول وأنا أغطي وجهي بكف يداي:
"ماذا أفعل بكل هذا اللحم! فقد اشتريت مايكفينا أربعتنا ليومين ولم أتوقع أن تكوني قد اشتريت بعضه أيضًا!"

سألت ناتاليا بوجه مظلم :
"أهذا يعني أن اللحم الذي أبقيته بالثلاجة يكفي ستة أيام؟!"
عقدت حاجبي لتكمل بملامح فارغة:
"لقد وضعت ثلث الكمية التي اشتريتها مع الكاري!"

أوقع أخي هاتفه وهو غير مصدق ليقول بصدمة:
"كم وضعت؟!"

لم أنتظر بل انتفضت لأفتح طنجرة الطبخ التي طبخت ناتاليا الكاري بها وأنا أستكشف محتواه لأصعق بالكمية المطبوخة!
كان أخي قد لحق بي ووقف خلفي ليعطيني المغرفة، فأخذتها منه وبدأت أحرك الكاري بصدمة!

"ماذا نفعل بهذه الكمية الكبيرة!" قال أخي ببرود...

قالت ناتاليا باحراج:
"مع أنني اتبعت الوصفة التي أتيت بها من الأنترنت..."

"لابأس ناتاليا! لابأس... ليست مشكلة كبيرة!"
قلت في محاولة فاشلة لتهدئة الجو

في حين أحضر أخي وعاء وأخذ المغرفة مني وسكب القليل فيها ليتذوقه ليقول بعد أخذ بضعٍ منه:
"على الأقل طعمه ليس سيئًا! ولن نضطر لرميه!"

دست على قدم أخي وأنا أنظر له بحدة في حين أدرك ما قاله فعدل كلامه:
"أقصد سنأكله كله حتى التخمة فهو لذيذ!"

اقتربت ناتاليا منا ووقفت متقابلة معي وأخي وهي تغطي فمها بكلتا يديها متأثرة وكادت تدمع من الفرح مرددة:
"جوان مدح طبخي!"

ضمت جوان بقوة وهي تقول أول مايأتي في بالها من كلمات شكر وما شابه وكان أخي يحاول التخلص منها سدى!

"تهانينا ناتاليا فقد مدحك جوان توًا!" قلتُ ممازحة...

أتمنى... أن تستمر حياتنا ممتلئة بحبنا لبعضنا البعض مع الكثير من السعادة والذكريات المُبهجة!






* تاكامورا *


"لقد جهزت العشاء...
نحن ننتظرك!"

ماهذه الرسالة الغريبة؟ أبدأت تتحكم هذه الفتاة بي؟ تسحبني خلفها متى تشاء وحيث تريد...

خرجت من العمل والسماء تتلبد باللونان البرتقالي والأحمر، لقد كُنت مرهقا من البحث والخيبة

لا شك أن المصدر للمعلومات مخطئ، فأنا لم أجد ما يثبت صحتها ولم يبق لي الكثيرمن الوقت فخلال أسبوعين لا غير،
سيتم اعفائي من القضية لعدم ايجاد ما يثبت صحة الإبلاغية التي وردت المركز...

وصلتُ للشاطئ وكانت السماء الصافية تعج بالنجيمات ضغطت الجرس ففتح جوان الباب مرحبًا بي
"أهلًا بك... تفضل بالدخول!"

دخلت وأنا أخلع حذائي قائلًا:
"عذرًا على الإزعاج!"

جلست مع جوان في غرفة الجلوس وسرعان ما أتت الآنسة ياجيما وكانت تحمل معها عصيرًا مُثلجا فقدمته لي قائلة بابتسامة عريضة:
"أهلًا بك تاكامورا! العشاء جاهز سنقدم الطعام بعد دقائق!"

"أعتذر على التطفل... خذي وقتك رجاءً!"
كنت مترددًا بالقدوم! ولكنني لم أتوقع أن تأخذ ناتاليا كلامي بجدية!
لقد كُنت أمازحها وأحاول القول بطريقة غير مباشرة أن لاتدعو الناس لبيوت الآخرين متى ما شاءت ولكنها أخذت مفهوما خاطئا من كلامي معها ذلك اليوم! وها هي تدعوني لبيت صديقتها مجددًا!

كان جوان يرمقني بنظرات باردة، وحين أطال النظر نحوي سألته بصوت متوسط:
"ماذا هناك يا جوان؟"

أجاب وهو يتكئ على الأريكة بكسل:
"لقد جعلت الفضائية ناتاليا تطبخ لأول مرة مع أنني بصراحة كنتُ يائسًا من أن أشهد يوما مماثلا!
أنا معجبٌ بك!"

الفضائية! ماذا به؟ ارتشفت من العصير الذي قُدم لي وأنا لا أفهم ماذا يقصد بكلامه...
"منذ متى تعرف ناتاليا؟"

أجابني وهو على حاله:" طوال حياتي! كما لو كانت تعيش معنا! أقصد أنني لا أذكر إن مر يوم ولم تأت فيه لبيتنا! لذا الأمر أشبه بأنها تعيش معنا..."

هذا يفسر لما لم تفهم تلميحي! فبالنسبة لناتاليا، هذا المكان يشبه بيتها!

حاولت النظر خلفي حيث يقع المطبخ المفتوح لرؤية ما يفعلون حين وصلتني رائحة كاري قوية ليقول جوان بشبه همس:
"لا تقلق لقد تذوقته! الكاري الذي أعدته لذيذ!"

"مع أني لم أسأل! لكن يريحني معرفة ذلك!"
قلتُ بصوت منخفض بيني وبين جوان لنكمل بنفس النبرة:
"ربما أنت لا تعرف ناتاليا، لكنها تنافسية في كُل شيء! وحين تقرر فعل أو معرفة شيءٍ ما، فإنها تبذل كل جهدها وأكثر! لطالما كانت كذلك."

"لماذا تقول لي ذلك؟!"

"لكي تعرف مع من تتعامل وحسب!"

أعرف مع من أتعامل! الطفلة البكائة التي تبكي لأجل أبسط الأسباب، الفتاة الشابة التي تبكي لسبب تافه
كما حدث معها هذا الصباح، لاتحتاج لأن تعرف عنها سوى كم هي انسانة رقيقة المشاعر!
"صحيح جوان، ماذا كُنت تفعل في المبنى الخامس وقت الغداء؟!"
لقد كان مصدومًا ولم أفهم لما، لحين أدركت بأنه لايعرف أنني كنتُ ذلك العامل الذي صادفه وقت الخروج..

تجمد للحظات قبل أن يجيب بتوتر:
"لقد نسيت كتاب الكمياء في المختبر لذا... أكان ذلك أنت؟"

"هكذا اذًا! لم أنتبه لذا لاتخبر أحدًا لو سمحت!"

"لابأس! لم اتوقع أن يكون أنت أبدًا، تنكرك متقنٌ حقًا!"

"شكرًا لك... لكن كيف دخلت للمبنى!"

"أنا ممثل الصف كما تعلم، لذا..."
تجمد فجأة.. كانت حدقتاه متوسعة لبعض الوقت ليقول بحذر
"من باب الفضول... لماذا أنت في المدرسة؟"

"أتحرى وحسب!"..
قاطعت حديثنا ناتاليا وهي تظهر أمامنا فجأة بمئزر الطبخ وترفع شعرها للأعلى: "مرحبًا!"

لفتت انتباهنا فنظرنا نحوها وهي تكمل:
"لقد أصبحت طاولة العشاء جاهزة! تفضلا رجاءً!"

لقد كان العشاء بسيطًا ولذيذًا بشكل غير متوقع!
"أحقًا هذه أول محاولة لكِ؟"

كانت تبتسم برضا وهيّ تسمع مديحنا على العشاء الذي قامت بطبخه، وهي تجيب بإبماء وحسب...

يالها من فتاةٍ بسيطة!
كنا أنا وجوان نجلس بجانب بعضنا والفتاتان تقابلاننا، افتقدتُ شقيقة ناتاليا الصغرى فقد كانت دائمًة الجلوس في الصالة وهي تدرس بجد جلي...

بقي الصمت يعم الجو العام فلا تسمع سوى صوت الملاعق ومضغ خفيف،
كسرت ياجيما الصمت وهيّ تسأل الأخرى:
"صحيح... أين ذهبت قبل القدوم الى هُنا؟"

رفعت عيني فتقابلت عيوننا للحظة حيث كانت تقابلني تمامًا لتجيبها بابتسامة:
"هربت من المدرسة!"

قالت ياجيما بسخرية واستفزاز:
"ماهذا ؟ لم أكن أعرف أنك قد تجيدين استعمال مثل هذه التركيبة! أعني هربت ومن المدرسة؟"

ضحكت ضحكةٍ مُصطنعة وهي تُجيب:
"هاهاها... خافوا من قدرات ناتاليا المخفية!"

أدخل جوان نفسه قائلًا ببرود:
"المخفية أم الفضائية؟"

سألت بفضول:" فضائية؟"
ولم أفهم لما ولكنه وشقيقته بدآ بالضحك وهما يخفيان وجهيهما عني، نظرت نحو المعنية و إذ بها تناظرهما ببرود

وحين لاحظتني وأنا أراقبها أدارت وجهها نحوي قائلة:
"لا تسألني فأنا بريئة!"

نظرت نحوهما مجددًا وهي تكمل ببرود: "هذا ليس مضحكًا حتى!"

رفعت الملعقة وبدأت تكمل طبقها في حين استمر جوان بالضحك ساخرًا منها والأخرى تشير له
برفع حاجبها وهز رأسها مشيرة له بالتوقف...

بعد العشاء جلسنا نتحدث بأحاديث مختلفة وأتت ناتاليا بسيرة تاكيتشي فجأة حين قالت:
"أيمكن أن تخبرني في حال أقام تاكيتشي ايشينو معرض آخر؟! سيسعدني رؤية المزيد من أعماله!"

"بالتأكيد لا مانع بفعل ذلك! فقد قال لي بأنه سُعد بسماع مديحُك له!"

ابتسمت برضا في حين سأل جوان:" ومن يكون؟"

وقبل أن أجيب قالت ياجيما: "مصورٌ مشهور!"

استغرب جوان وقال:" مشهور؟! لم أسمع به!"

قالت ناتاليا باستغراب موجهة كلامها لجوان:
"ماذا! أنسيت لوحة نُجيمات الشفق التي رسمها والدك قبل ثلاثة سنوات؟
لقد كانت مقتبسة من أحد صوره!"

لتكمل ياجيما:
"لقد كانت الصورة الموقعة هدية من والد ناتاليا فقد أعجبت والدي حين ذهب لمعرض النُجيمات فأهداها لأبي بمناسبة فوزه بالمركز الثاني في مسابقة رسمٍ على مستوى القارّة..."

استغربت بسماع ذلك! لم أكن أعلم بأن والدهما رسام بتلك المهارة!

"والدُكما كان رسامًا؟!" سألت بعدم تصديق...

ابتسمت ياجيما وقالت بفخر:" أجل... فوالدي يكون سويتشيرو توشيري."

لقد حدثني عنه تاكيتشي مرة... هذا مفاجئ حقًا!
"تلك اللوحة أقصد نُجيمات الشفق، أهي لديكِ؟"

أجابت وهي تفكر:" أعتقد أنها موجودة في المرسم أو غرفة تخزين اللوحات الخاصة بأبي!"

ثم أضافت بشيء من الاستغراب:" لماذا تسأل عنها؟"

"بصراحة، أعتقد أن تاكيتشي سيسر برؤية اللوحة! هل تسمحين بذلك؟"

قال جوان مستفسرًا:" هل تعرف المعني؟"

أومأت برأسي لتردف ياجيما بسرور:
"لابأس سوف أجهز اللوحة ليراها صديقك! أنا واثقة بأنه سيسعد برؤيتها! كُنت لأسر لو كنت في مكانه."

"اذا لم يكن لديك مانع سأحصر معه في عطلة نهاية الأسبوع!"

قالت ناتاليا بسعادة وهي تُشير لنفسها:
"اذًا سأحرص بأن أكون معكم حينها!"
بسيطة وفضولية .. ماذا بعد؟...

كُنت أهم بالخروج حين رأيت ناتاليا وهي تجمع اشيائها وتنضم لي قائلة:
"سأكون ممتنة اذا أوصلتني معكَ!"

-:" ولما يجب أن أفعل؟"

قالت بإلحاح:" هاه ... أنت لن تترك آنسة تعود وحدها في هذا الوقت المتأخر!"

-:"وهيروشي؟"

قالت ببرود:" انتهت ايام الدلال والرخاء!
فلاشك بأنه مع زملاء العمل الجدد يقيمون حفلة تعارف في مطعمٍ ما!"

فتاة ذكية! أنا واثق بأنه كذلك فعلًا فهذه عادات لاتتغير بين موظفي الشركات عادةً...

استسلمت وأنا أشير نحو الباب قائلًا:" تفضلي اذًا!"
طريقنا ذاته على أي حال...

أحضرت ياجيما علبة طعام متوسطة مُغلقة بإحكام وقدمتها لناتاليا قائلة بشيء من المزاح:
"لقد وضعت نصف ماتبقى، خذيها معك ودعي عشيرتك... أقصد جدتك تتذوق طبخك لتطير من السعادة!"

أخذت العلبة متجهمة الوجه وهي تقول:" مع أني اتبعت الوصفة حرفيًا!"

ركبنا في السيارة في حين ودعانا ياجيما وجوان... حركت السيارة وأوصلت ناتاليا لبيتها،
استوقفتها بعد أن ترجلت من السيارة، ثم فتحت حقيبة السيارة وأخرجت الصورة المؤطرة باطار أسود مع نقوش فضية وقدمتها لها قائلًا:
"لقد قال تاكيتشي بأنك ستسعدين بها فقد بدا بأنها حازت على اعجابك!"

بدأت بتلمس الفتى الذي يتوسط الصورة بيدها وهي تجيب مبتسمة:
"لطفٌ منه!"

"لاتفهمي خطأ، هذه هدية مني وليست منه... لقد دفعت ثمنها!"

رفعت وجهها ببطء وهي تظهر شيئا من الصدمة لتبتسم لي ولم أفهم لما تبتسم كثيرًا!
"أعترف بأني كُنتُ مترددًا ولكن لقد نسيت ذلك الآن! أرجو أن تُعجبك."

رفعت اللوحة لأقدمها لها وكانت تمسك أكياس التسوق وحقيبتها المدرسية والكاري الذي أعطتها لها ياجيما سابقًا
نظرت للصورة التي بدت كبيرة وثقيلة بإطارها ومن ثمة نظرت لها:
"إذا كُنت لاتمانعين، سأدخل اللوحة لكِ!"

ارتبكت وهي تدور وتنظر حولها لتقول بابتسامة:
"سأتعبك بذلك بعد اذنك!"

فتحت الباب بمفتاحها الذي يتضمن عدت مفاتيح في علاقتها التي يتدلى منها أرنب وقطة صغيرة..
أشارت لي بالدخول بعد ذلك وكان المدخل مذهلًا خلعت حذائها ففعلت المثل، أعطتني نعلا أبيض اللون
من الذي يستعمل داخل البيوت وأخرجت نعلا يغطيه الفراء الكراميلي الفاتح على شكل قطة وارتدته لندخل...
وضعت علبة الطعام على طاولة عند مدخل المطبخ قرب السلالم ثم صعدنا الأدراج وهي تستطلع المكان
نظرت نحوي وهي تقول:
"يبدو أن والداي ليسا في البيت بعد! أبي يعمل في الشركة لوقت متأخر في العادة وأمي لديها محاضرات ليلية اليوم! تعرف للطلاب المتأخرين وماشابه!"

كان البيت هادئا بشكل مريب! لم أتوقع أن يكون منزلهم بهذا الحجم أو التصميم الملفت للناظر!
"أعتذر عن فرض نفسي!"

ابتسمت وهي تفتح باب غرفتها بمفتاحها الخاص وهي تقول بسخرية:
"لا.. لا بأس... ! تفضل بالدخول!"

أيحق لي بالدخول لغرفتها! نظرت حولي بتردد.. كان يجب أن أترك اللوحة عند المدخل!

دخلت غرفتها وما إن فعلت شعرت بشيء من الدهشة كأنني دخلت لعالمٍ آخر! فقد كانت غرفتها مليئة برفوف كتٌب في الجانبين وكأنها مكتبة!

تزين بعض فراغاتها بالدمى المحشوة من الأرانب والقطط!
والسرير في الزاوية قرب النافذة وبجانبه مكتب دراسة وحاسوب محمول على جانب المكتب...

كان اللون البني بتدرجاته قد طغى على ديكور الغرفة! كُنت مأخوذا بجمال الغرفة!

اتجهت ناتاليا نحو مكتب دراستها وهيّ تقول:
"لابأس بتركها حيث تشاء.."

تركتها بجانب رفوف الكتب القريبة من مدخل الغرفة:
"أعتذر عن فرض نفسي، أرجو أن لا أكون أزعجتك أو ما شابه!"

وقفت مكاني وأنا لا أعرف كيف أخرج، الى أن اتجهت ناتاليا نحوي وتجاوزتني بابتسامة...

تبعتها في نفس الطريق الذي أتينا منه قبل قليل وحين كُنا ننزل الدرج التفتت نحوي وهي تقول:
"أتشرب شيئا؟"

-:" لابأس، سأغادر وحسب:!"

-:" لا تقلق فجدتي نائمة الآن! لا تقلق بشأن ماقلت كُنت أمزح فجدتي ليست خطيرة!"

-:" أي شيء بارد اذًا! ستكون فظاظة مني رفض دعوتك وأنا في بيتك!"

ابتسمت وهي تشير لطريق المطبخ، كان قريبا من السلالم التي تتوسط البيت ليقسم الطابق لصالتين!
فتحت الثلاجة وقدمت لي عصير الكرز في كأس كريستالي طويل نسبيًا مع قشة كريستالية،

كان المطبخ ذا تصميم جميل للغاية، بئّن مدى رُقي عائلتها!

كانت تتحدث عن اللوحة ولم تتوقف عن المدح والامتنان في حين كُنت شاردًا بالنظر في عينيها، كيف تبدو حين تكون سعيدة ومُتحمسة تجاه شيءٍ ما!
فحينها يتوسع بؤبؤيها بطريقة تظهر مدى صدق كلماتها!

دخلت فتاة شابة تحمل صينية خشبية تتوسطها فناجين شاي مستعملة وهي تنظر نحونا بصدمة!
نهضت ناتاليا قائلة:" أموري؟ ألم تغادري بعد؟"

وضعت الصينية جانبًا وهي تقول:" كُنت مغادرة!"

-:"شكرًا لعملك الجاد!"
وضعت المعنية الأكواب في غسالة الأطباق ومسحت الصينية لتضعها في أحد الأدراج ومن ثم غادرت!

-:"لديكم خادمة حقًا!"
التفتت نحوي لتقول بحرج:
"يمكنك القول أنها ممرضة أكثر من خادمة! فهي تساعد وتهتم بجدتي، فجدتي كبيرة في السن وتحتاج للرفقة،
بسبب انشغالنا طوال النهار بالعمل والدراسة... يعني عملها الأساسي ليس التنظيف أوالطبخ."

نظرت نحو الكأس وأنا شارد الذهن، ارتشفت المزيد منه ثم نهضت وأنا أستعد للمغادرة....
رافقتني نحو المدخل وهي تقول:
-:" لقد أتعبتك اليوم كثيرًا، أرجو أن لا أكون أزعجتك أو فرضت نفسي!"

-:" لابأس، لم تفعلي!"

-:" لقد استمتعت اليوم كثيرًا، شكرًا لأنك أتيت لتناول العشاء الذي أعددته رغم الاحتمالات السلبية لكوني مبتدئة وهكذا...
عنى ذلك لي كثيرًا."

كنا قد وصلنا لحيث سيارتي، كان يجب أن أخبرها ذلك...:
"لقد فاجئتني كثيرًا! بالكاد أصدق أنها أول مرة لكِ!"

-:" تاكامورا..."

-:"......"

-:" شكرًا لك..."

-:" أتقصدين اللوحة؟ لقد شكرتني ألف مرة بالفعل!"

-:" لا ليس لهذا... بل لأنك تجعلني أتعرف على نفسي أكثر!"

كانت تبتسم ابتسامة حزينة، رغم أنها بدت سعيدة طوال الوقت! بدأت أفهمها أكثر،
بسيطة، فضولية وحساسة... ألايزال هنالك المزيد؟



*يتبع*




السلام عليكم، كيف حالكم؟
الفصل ذا فصل حصري، مسبق ونشرته بأي منتدى، كحال الفصول المقبلة....
حاليا ابذل جهدي لانفذ وعدي لنفسي بانهائها خلال هل سنة حتى اني امتنعت عن كتابة اي مقطع من اعمالي الآخرى☹️❤
وش رأيكم بالفصل؟ اي ملاحظة، نقد أو استفسار؟
في رعاية الباري للخميس الجاي