-

مَساء/ صَباح السعادة والبَهجة قلب2و5.
بَعيدًا عن هنا؟ همم حدثَ الكثير صراحَة
قَد تكون سنَتي هذه أهم سَنة وأكثر سنة تعلمتُ فيها الكثير وأدركتُ العديدَ من الأمور مِن كُل النواحِي حرفِيًا.

صُقِلتُ فيها بكل معنى الكلمة، وانقَلبت حياتي السابِقة رأسًا على عقِب وصَلتُ للطريق الصحيح وأمسَكت بحبلِ اليقين إن صح التعبير، كشخص عاش حياته كلها تائِهًا تحت مسمى "طَريق صحيح" ويتخبطُ يمنة ويسرَة بين مَتاهاتِ طريقِه الذي يتوهم -أو أوهموه- بصحته فأنا الآن أتنفس وأهروِل على طريق اليقين حافية القَدمينِ محاوِلة أن أتحسسه وأن أشعر به بكل الطرق وإن تورمت قدماي من حصاه وصلابَته الخشنة فأنا لا أمانع، المهم أنني وطأته أخيرًا.

لن يدرِك حلاوة الطريقِ إلا التائه ولن يذرِف دمعة التأثر إلا قلب وجد ملاذه بعدما قضى حياته بين أوكارِ الضياع. كنت أخاف الوصول متأخرة، سبب لي الأمر ضغطًا قويا، لكنني وصلت وهذا أهم شيء، وهُنا أجِدني مضطرة وبابتِسامَة من أعماقِ قلبِي أن ألوح وأقول: كل الحب والامتِنان للذي أمسَك بيدي وأنار حلكتي وانتشَلني مِن غياهِب ضياعِي، كثير من الحب والامتِنان والسلامِ لقلبِ ملاذِي.

من جهَة أخرى، أخذتُ درسًا آخر، أن أحب نفسي وأن لا أحد يدوم لأحد أبدًا، تعلمت أن الأشخاص كالسحَاب، وإن ظننت أنها تمطرك وتعانِق روحَك بشكلِها الأبيض اللطيف ففي غفلَة منك قد تنقلب داكنة وتصطدم بسَحابة أخرى وتصعَقك بأكثر الأماكن التي لم تتوقع منها أن تلمسها حتى فما بالك بأن تصعقها؟

أدرَكت أن الأوراق هي الأصدق والكتب هي الأوفى، عرفت أن الحياة تصبح أجمل بِ "أنفُسِنا" وبِ"نا" ومع"نَا"، الآخرون قد يضفون لمسَة جميلة عليها، لن أكون جاحِدة، لكن حياتَك بِك أفضل فعلى الأقل أنت لن تؤذِي نفسك ولن تقوم بأمور تكسِرك فلا أرى أحن من الشخص على نفسه بعد الله منه هو.

طبعًا فدروس الحياة ليست بالمجانية، لذا فقد كان ثمن كل درس غاليًا، وأخذ مني الأمر طويلا لأتجاوز الأمر وأتقبله، وهذا أيضا وبحد ذاته درس آخر لكنه كان مجانيا؛ أن تتجاوز، كأن الأمر لم يكن أبدا وأن تمر به كأنك لم يسبق لك أن رأيتَه حتى، لذلك فأنا وإن عبرت عن امتناني لهذه الفترة بكل حروف اللغات لن أستطِيع إيفاءها حقها ولو قليلا حتى، حرفيا بُنيتُ من جديد.

بعِيدا عن هذا الجانب فقد تعلمتُ أمورًا كثيرة وزرت أماكِن عديدة، تجاوزتُ مخاوف وواجَهت هواجِس، كسرتُ ترددات وحطمتُ كوابيس، كأنني خرجت من شرنقتي أخيرًا وأصبحت ما كنت أتطلع له كل تلك السنوات، أصبحتُ فعلا أنا، وبعد انتِصاري العظيم ذاك، استطعتُ العودة إلى هنا والتجول في أركان أكثر الأماكِن التي أحبها، وإن أصبح مهجورًا، فحنين البيت الأول لا يغادر وإن ظلت منه طوبة.