منتدى وندر لاند

منتدى وندر لاند (https://woonder-land.com/vb/index.php)
-   روايات الانمي_ روايات طويلة (https://woonder-land.com/vb/forumdisplay.php?f=17)
-   -   السجين "2" (https://woonder-land.com/vb/showthread.php?t=2827)

آدِيت~Edith 02-24-2022 01:48 PM

السجين "2"
 



السجين

وميض ذكرى "1"

هي حياة فانية .. معدودة الأيام زائلة

نعيشها لنموت , نستميت لنحياها

بدايتها لها نهاية حتمية

وفي نهايتها بداية جديدة

كما لو كانت إجابة لاسؤال لها

ولغزاً بلا حل ...

.................................................

ثلاثة كنا , تشاركنا الصداقة والأخوة

عشنا زمناً واحداً لكن لكلٌ منا حياة مختلفة , يصارع فيها ماخط في كتابه

نسير ممسكين بخيط رفيع لانحيد عنه

ليرسم مصيرنا ويلقينا في متاهاتٍ مغلقة لانهاية لها .


عصفت السماء برياحها العاتية بعد أن ساقتهم رياح القدر لذلك المنزل المتهالك

الذي لم يجدو سواه ملجأً لهم , بيد أنها نطقت بصبر " حمداً لله " لدينا مسكن جيد يؤينا .

قانعاً مثلها ابتسم مؤيداً : لنرتبه اذاً علنا نخلد للراحة قليلاً , للحق الرحلة كانت منهكة جداً أمي .

- تفديك أمك يا عزيزها , سأعد لك ألذ وجبة ساخنة .

بدأ ينفض الغبار عن الطاولة والسرير المهتريء وبينما هي تطبخ العشاء

كان ابن العاشرة ينظف المنزل بجهد وهي تعينه بين الحين والآخر ,

حتى اذا ماانتهوا جلسوا أمام المنضدة يحتسون الحساء الساخن بسيط المكونات .

- سلمت يداكِ أمي انه شهي جداً .

- هنيئاً مريئاً يا صغيري .

طُرق الباب فذُعرت لوهلة وكأن الذكريات المظلمة لازالت تهيمن عليها

واستدركت خوف ابنها الذي كان يرقب الدنيا من عينيها منعكسة مشاعرها عليه ,

وضعت كفها على كفه تطمئنه بصوتها الحاني :

لابد أنه صاحب المنزل قد نسي شيئاً ما , أكمل طعامك ريثما أحادثه .

وضعت على رأسها ردائها الداكن ذو النقوش النباتية

وفتحت الباب بخوفٍ تلاشى تماماً حين شاهدت الأربعينية بابتسامتها الواسعة

وفضولها الذي لامسته بعينيها اللتان كانتا ترمقان الداخل بين الفينة والأخرى

بينما تقول بلطافة مبالغ بها : مرحباً بكِ أيتها الجارة العزيزة , علمت بانتقالك تواً فجئت ألقي التحية .

- شكراً لكِ عزيزتي تفضلي بالدخول , واعذريني لم أنه ترتيب المكان بعد .

- لابأس أنا هنا ان احتجتِ للمساعدة , انظري المنزل المجاور لكِ تماماً
ذو السقف القرميدي هو منزلي , مُرَحَّبٌ بكِ في كل وقتٍ أنتِ ومن معكِ .

قالتها وهي تتفحص البقعة بعينيها ولما لم تم تجد سوى ابن العاشرة يتقدم نحوها ليلق التحية

سألت بتعجب : أين زوجكِ ؟

أجابت هامسة لها مخفية ألمها : لقد توفي منذ أشهرٍ قليلة .

همهمت بتفهمٍ وأسف : لايزال الفتى صغيراً , ولكن أليس لديكِ عائلة تحتويكِ بمثل

هذه الأوقات السيئة , هذا المنزل المهتريء بحاجة للكثير لتتمكني من العيش فيه مع طفلك .

- لدي عائلة تقطن بعيداً , علي أن أجمع المال الكافي لأتمكن من القيام بتلك الرحلة الطويلة

, ولاأفكر حالياً سوى بالاستقرار لفترة من الزمن , سأحاول فعل ماأستطيع لاصلاح المنزل ,

على كلٍ تفضلي اجلسي وشاركينا العشاء .

- ممتنة لكِ ياعزيزتي سأعود لمنزلي وسأطلب من زوجي مساعدتكِ في ترميم المنزل ,
فنحن لبعضنا البعض عون , لاتقلقي بشأن شيء .


بامتنان ضمت يد الجارة بين كفيها : أنا ممتنة حقاً لكِ ليهبكِ الله سعادة يستحقها قلبكِ العطوف سيدتي .

بادلتها الابتسام بمحبةٍ وغادرت لتعود بعد حينٍ مع أغطية دافئة وابنتها بجانبها تحمل

طبقاً من اللحم وآخر من الخبز الساخن .

- خمنت أنكِ بحاجة لأغطية دافئة تدثرك وصغيرك فالجو بارد جداً , ولاتقلقي انها نظيفة للغاية ,
كما أحببت مشاركتكِ شيئاً من عشائنا وواثقة أنكِ ستحبيه فكل الجارات تتسابقن لمعرفة سر وصفاتي .


ابتسمت ضاحكة وأجابت بمودة : مهما قلت لاأفيكِ شكراً وامتناناً .

أخذتهم منها وودعتها بسعادة وشكرٍ وقد التفتت لصغيرها تخاطبه: أرأيت .. إن الله لم ينسنا أبداً .

- معكِ حقٌ أمي , مهما كان ماسنواجهه اليوم أو غداً لن يكون مهماً طالما نحن معاً بعينه صحيح ؟

أومأت له ايجاباً بعينين دامعتين وأسرعت ترتب الأغطية بعد أن وضعت الطعام على الطاولة وعادا

يتما عشائهما يتبادلان أطراف الحديث الجميل معاً .

مضت تلك الليلة الباردة دافئة له اذ كانت تحتضنه وهي تنشد له بصوتها العذب الحاني , تأملها وهو

يعلم أنها مثله لازالت أعماقها تحترق ألماً لفقدهما ذلك الحبيب الذي لا يُنسى , لكنه كما هي

يحاول جاهداً أن يمحو التعاسة من قلبها ويفكر ملياً بما عليه القيام به لإسعادها, دفن رأسه

بحجرها وأغمض عينيه داعياً أن يحمل الغد في طياته ما تستحق .

................................

في أعماق العتمة كان يجلس محتضناً صغيرةً شقراء كدمية حلوة

بيد أنها شاحبة المُحَيَّا، خاطبته مرعوبة : أنا خائفة أخي لما نختبأ هنا .


كان الآخر يقلب زرقاويه بينها وبين الباب حتى همس لها وهو يزيد من عناقه مطمئناً إياها : لا

تخافي , كوني شجاعة , لعبة الاختباء تتطلب شجاعة كبيرة , ثم انظري اني معكِ أحميكِ.

- لكن لم نلعب في الظلام والجميع يحتفل في الخارج ؟لما لاننضم لهم ؟

- لايمكن , هناك أشرارٌ في الخارج , أخشى أن يؤذوكِ .

فُتح باب الغرفة التي اختبأ الطفلان بها فجأة فأسرعت تدفن وجهها في صدره مذعورة

وكذا هو عانقها بشدة وجلاً محاولاً قدر الامكان اخفاء جسديهما خلف تلك الأريكة كي لايلحظ القادم وجودهما .

كانت الخطوات تقترب حيناً وتبتعد أخرى كما لو كان صاحبها يبحث عن شيء دون أن يستطيع

ايجاده , صرخ بعدها بصوته الخشن : لم أجد شيئاً تذكري أين وضعتها ؟

خطواتها اقتربت من الغرفة وصوتها المبحوح أتاه مؤنباً : لمرة جد ماأريد دون أن تسألني .

فتحت الخزانة وأخرجت منها صندوقاً أعطته له وهي تخاطبه با ستياء : لم يتبق معي سوى هذا

القدر , لقد بات لا يعطيني شيئاً من المال بالكاد استطيع جمع القليل بين الحين والآخر .

- يالهذا لديكِ زوج ثري ولكنه قابض اليد على الدوام , يالكِ من مسكينة .

- لاتطل الهراء أعط هذا لسيدك عله يرسل بضاعة جيدة لنا .

- بأمركِ ياعزيزتي .

باغتهم صوت جلبة في الخارج فتنهدت بيأس : كسروا شيئاً ما حتماً , سيحطم هؤلاء الثمليين منزلي .

- وكأنكِ لستِ كذلك .

ضحك كليهما بينما يقودان خطاهما للخارج والصغيرة قد تجمعت الدموع في عينيها هامسة
لشقيقها : ليت أبي يعود بسرعة .

أجابها مؤيداً بقلق : ليته يأتي لعل هذا المساء الثقيل ينتهِ سريعاً .

..........................................

- هي أيها الفتى هل غفوت ؟

- نعم جدي اني أحاول النوم ان أمكنك الصمت رجاءاً .

قفز من فراشه متألماً اثر ضربة مباغتة من عكاز ذلك العجوز الجالس قبالته والذي نطق بانتصار :

هذا مايستحقه من يتذاكى معي .

حدجه بنظرة ساخطة وهو يمسد مؤخرته المتألمة : مالذي أردته الآن جدي ؟

- قم بتدليكي أيها الكسول جسدي الضعيف يوجعني بشدة .

تمتم باحتجاج : جسدك الضعيف ؟ رغم أنك عجوز الا أن لديك جسداً يحطم الصخر .

- هل قلت شيئاً ؟

- لا مطلقاً , هاأنا أدلكك استرخ جدي العزيز .

- برفق أيها اللعين .

- حقاً لاشيء يرضيك .

أكمل بهمس " عجوز خرف " .

- تريد تلقي ضربة أخرى أكثر ايلاماً ؟!

- تباً ولك أُذنا حمارٍ أيضاً .

- ديريك اللعين سليط اللسان سأريك مامعنى عقاب العجوز أيها الوقح .

- أخي أنقذنييي .

قالها صارخاً وقد خرج من الغرفة والعجوز يتبعه حتى اختبأ خلف شقيقه الواقف بحيرة والذي كان

يكبره ب6 أعوام , نظر نحوه متسائلاً : أغضبت جدي مجدداً ؟ لا أستطيع حمايتك في كل مرة ديريك .

- لكنه مزعج للغاية ويستمر بمضايقتي .

- أسمعته لويس ! ليتك علمته شيئاً ليكون مثلك , عديم التربية .

- لابأس جدي سامحه رجاءاً أعدك أني سأجعله يعتذر ويصحح خطأه .

- لن أفعل لاتحلم بذلك .

- بل ستفعل .

قالها بحزم وهوينظرله مؤنباً فأشاح بوجهه دون اكتراث .


وبينما العجوز الغاضب يهم بضربه خرجت ذات الشعر الشائب مستندة على عكازها تخاطبهم كمن

يعيش عالماً آخر : ابنتي ديانا هل جاء العريس أم لا ؟ لاتنسي أن ترتبي المائدة جيداً
وضعي بعض الزهور ولتكن بيضاء فهو يحبها .

نظر الأخوين لبعضهما والأصغر يخاطب الأكبر : من ديانا ؟ أتكون أنت ؟

أجابه ببرود واستخفاف : لم لا تكون أنت أيها الجاهِل .

- ديريك عقابك لم ينتهِ .

تلك الصرخة المدوية ذكرته بماهو مقبل عليه ودون أن يتمكن من الهرب كان العجوز قد نال منه

وأشرك المسكين "الأكبر" في العقاب حتى نال هو الآخر من الضرب ماناله الًغر الذي لم يفلته محتمياً به .

.................................................. .......................................
رُمِّمَ شيء يسير من المنزل بمساعدة الجار الذي قدم مااستطاع ليكون المنزل صالحاً للسكن

رغم أنه احتاج لما هو أكثر لكن كونه جيدٌ بالنسبة لهما ويحميهما من العواصف فهذا كفاهما

ليعيشا فترة من الاستقرار .

وعلى مدى عامين كان على الفتى تعلم الكثير عن موطنه ومسكنه الجديد

والذي كان مقر ولادته , واستغرق الأمر الكثير من الجهد في محاولة للتأقلم

مع ما استجد في حياته , أولجا والتي حملت على عاتقها حمل دور الأم والأب معاً

بدأت تضعف يوماً تلو آخر دون أن تبدي استسلاماً أو انهزاماً ودائماً كانت ترفض المساعدة

من الآخرين حفاظاً على كبريائها وكرامة ابنها والذي أدخلته لمدرسة القرية حيث كانت تسكن .

كان يتناول افطاره البسيط بينما هي تخيط بجهد دون تناول مايُذكر , خاطبها قلقاً :

طوال الليل كنتِ تخيطين وتعملين أمي , أريحي نفسك قليلاً رجاءاً .

دون أن تلتفت له أجابته : لم يبق الكثير سأنهيها قريباً وأخلد للراحة لاتقلق
وأسرع بتناول افطارك والذهاب لمدرستك .

شرب ماتبقى من كأسه ونهض يقبل جبينها فبادلته بقبلة على خده .

- أرجوكِ كوني بخير اهتمي بنفسكِ لأجلي رجاءاً .

- لاتقلق حبيبي أعدك أن أرتاح فور انتهائي هيا أسرع .

خرج من المنزل بعد أن ألقى عليها بنظرة أخيرة يائسة حين شاهدها تعود لاكمال عملها

وهي تمسد مابين عينيها بين الحين والآخر .

في الظهيرة كانت قد خرجت لشراء مااحتاجته من أجل الغذاء وبيع ماأنتهت من خياطته تواً ,

أثناء ذلك توقفت تتبادل الأحاديث مع النسوة الللواتي تجمعن أمام بائع البيض متزاحماتٍ

لأنه يقدم عرضاً ممتازاً وإذ بها تلمح طيف شخصٍ تعرفه فأمعنت النظر غير مصدقة

حتى سمعت الرجل يصرخ باسمه منادياً :

آدم بعد أن تنهي رصف أكياس الطحين خذ سلة البيض هذه وأوصلها لمنزل السيدة .

ما إن أنهى جملته وإذ بالفتى يسقط متعثراً وكيس الطحين من فوقه ليتناثر بعضاً منه على الأرض

وعلى ملابسه فصرخ الرجل به مستاءاً : مالذي فعلته ستدفع ثمن كل ذرة تهدرها أيها الأحمق .

- أنا آسف سيدي .

قالها فزعاً وأسرع يلملم ماتناثر بقلة حيلة بينما أمسكه الرجل من ياقته وهم بضربه بيد أن المرأة أوقفته بصوتها الغاضب : إياك !

توجهت وسط ذهول العينين الذهبيتين لتقف بمهابة أمام الرجل وقد وضعت النقود أمامه :

إن لم تكفك هذه سأعطيك أخرى لكني لن أسمح لك أبداً بإهانة ابني واذلاله .

- سيدتي , أنا !

أمسكت بيد الفتى الذي كان يتأمل الغضب في عينيها بقلق وترقب وكما توقع لقد كانت ترمقه

بخيبة , أبعدت ناظريها عنه وسارت معه مبتعدة بينما نطق الرجل بسرعة : لم تأخذي البيض سيدتي .

- احتفظ به لنفسك .

ظل كليهما صامتين حتى وصلا المنزل فدخلت وهو من خلفها مطأطأً رأسه بخجل .

بتردد نطق : أمي .. أنا ..

-خذلتني !

ألجمته تلك الكلمات وقد زم شفتيه أسِفاً بينما أكملت بحرقة :

في الوقت الذي كنت أبذل جهدي من أجلك لتتعلم وليكون مستقبلك مشرقاً ولكي لاتُذل ..
كنت أنت من وثقت بك وصدقتك .. تكذب علي !

- أنا آسف أمي لم أقصد الكذب لكنكِ لم تكوني لتسمحي لي .

- عذرٌ أقبح من ذنب , طالما تعلم لم تفعل ؟!

- لأن لم أستطع رؤيتكِ تبذلين جهدكِ وحدكِ , كان علي فعل شيء ,أنا أقلق كثيراً بشأنك.

- لاتقلق لاتفكر بي لقد أفنى والدك عمره من أجلك ولايهم ان فعلت أنا ذلك انه واجبنا ليس
من حقك بعد هذا معارضتي وفعل ماتشاء فقط لأنك تظن أنه في صالحي , أنا هنا المسؤولة عنك لاأنت !

قالتها باختناق محاولة احتجاز دموعها وأردفت بألم :

ادخل الى الغرفة ولن تخرج منها طيلة اليوم ولن أحادثك حتى تعترف بخطأك وتستشعر قُبح مااقترفت .

- لاتفعلي أمي .. تعلمين أني لاأطيق غضبكِ مني لاأحتمله أتوسل لكِ افهميني , لم أرد إحزانكِ.

- لقد فعلت وانتهى , كان ذلك الرجل سيصفعك , هل تعرف مايعني هذا!

- كثير من الصبية يعملون أمي هذا ليس معيباً يجب أن أعينك لاأقوى على خسارتكِ أنتِ أيضاً .

- وأنا لاأحتمل أن يُذلك أياً كان .. لقد ائتمنني والدك عليك , واجبي حمايتك.

- هل علي أن أحتمل ألم عذابكما فقط لأجل أن أكون سعيداً هذا تصرف أناني .

- هذا يكفي آدم , لامزيد من الحديث , لن تخرج من غرفتك ولن تكلمني حتي تفكر في خطئك .

تنهد بيأس ودخل الغرفة بأسى وهو يفكر كيف عليه إقناعها وكيف سيحتمل مشاهدتها تذبل دون أن يحرك ساكناً .

.................................................. ........................

انتهى اليوم الدراسي المرهق ككل يومٍ حيث كان يقضي أسوأ الأوقات وحالما يفكر بأن ما

سيعود له سيكون أسوأ يزداد ضيقه لكن ما يخفف عنه هو شقيقته التي ستكون بانتظاره وقد بات

موعد رجوع والدهما قريباً , ابتسم لتلك الفكرة وهو يتذكر مايحدث حينها عادة , فالمنزل يصبح أكثر

أماناً وهدوءاً واستقراراً , وستتناول العائلة ألذ الأطباق في المطعم الفاخر , مدينة الملاهي

والسينما وكل ماهو ممتع سيكون بانتظارهم حين يعود .

قاطع سيل أفكاره اصطدامه بأحدهم مما أجبره على رفع زرقاويه نحوه وقد هم بالاعتذار لولا

استدرك أنه ومن يقف خلفه ذاتهم الزمرة الذين لطالما أحدثوا المتاعب واعترضوا طريقه .

- إلى أين أيها الفتى الضعيف.

نطق صديقه مصححاً : تقصد الفتاة .

تجاهلهما وحاول تغيير مساره إلا أنه عاد يقف أمامه بابتسامة ماكرة : هل تتجاهلني ؟

- اووه حتماً لايجرأ يعرف ماستكون النتيجة لو فعل .

- ابتعدا عن الطريق وكفا عن مضايقتي .

- مضايقة ؟! لم نفعل أي شيء .

- أبداً هل فعلنا ؟

واذا بهما يباغتاه بضربة قوية على صدره أوقعته أرضاً بينما شد الآخر شعره ورفعه ليوقفه وهو
يحاول ابعاد يده بجهد : اتركوني وشأني .

- لوهلة كنت سأشفق عليك ولكنك لا تستحق الشفقة , يا ابن مارجريت السكيرة .

أبعده بكل قوته ودفعه بغضب عارم : ابتعدوا عن طريقي والا شكوتكم لأبي !

- يا الهي أخفتنا ! وهل يعلم والدك أن أمك كانت تتسول المال من والدي مساء الأمس بل
ودعته لحفل في منزلكم أيضاً فطالما والدك المسكين يحاول أن يظهر نزيهاً زوجته تسعى ما
استطاعت لتلطيخ سمعته .

ضحك الفتية جمعاً مما جعل الدم يغلي في عروقه وبسرعة هاجم قائدهم محاولاً لكمه

بما استطاع من قوة بيد أنهم كانوا الأكثر وبسهولة طرحوه أرضاً وأوسعوه ضرباً حتى كاد يفقد وعيه ,

لكن صوتها فاجئهم وهي تصرخ بأعلى صوتها : روبن أيها الوغد ان لم تتوقف سآتيكم بوالدي ليضعكم في السجن جميعاً .

التفت الفتية جمعاً لابنة القائد ليونيل الشهير وأسرعوا بالهرب بعر أن سرق أحدهم محفظة

الملقى على الأرض كآخر انتقام منه بينما اقتربت حمراء الشعر منه ووضعت حقيبتها على الأرض

وجثت بجانبه تعينه على الجلوس: هل أنت بخير؟

حاول الجلوس والألم قد غزا جسده بأكمله وقلبه كان ينتفض غضباً وزرقاويه

احتجزتا الدموع بتجلدٍ محاولاً الحفاظ على ما تبقى من كرامته.

أسندته لينهض وهي تخاطبه بتأنيب: حذرتك مراتٍ عدة من أن تواجههم.

ظل بصمته يحاول كبت آلامه فما كان منها الا أن تنهدت بيأس

وأسندته تقوده للسيارة التي كانت بانتظارها.

- لست أفهم لما لازلت تكابر دون أن تشكوهم لوالدك كان سيوقفهم حتماً .

صمت قليلاً قبل أن يجيب بحرقة : لاأريد احزانه أكثر , يكفيه مايعانيه .

- يجب أن أحادث أبي اذاً ليوقفهم والا سيقتلوك يوماً ما .

- لاتفعلي !

- مالسبب ؟ألا تعي بعد مايمكنهم فعله بك , منذ أيامٍ فقط قاموا باحتجازك
وكدت تموت ورغم كل ذلك كذبت بقولك أنك اختبأت دون أن يعلم أحد بذلك أتظنه
صدق تلك الكذبة لابد أن يقلق أكثر باخفائك للأمر وأنك تُعامل بسوء دون أن يعرف الفاعل !

- أنتِ لاتعرفين شيئاً , لو فعلت .. سيذلني هؤلاء أكثر وحسب .

- لن يتمكنوا من فعل شيء ان كان سيد آرون ووالدي خلفك .

- ولكن .. والدي سيعلم حينها أيضاً بما تفعل أمي في غيابه , لايمكنني المجازفة بهذا , لاأريد ايلامه أكثر كريس .

صمت بغضب وألم وهو يشتمها في أعماقه ويتمتم بحرقة : ليتها تموت فبوجودها لن نعيش السلام حتى ليومٍ واحد .

نظرت له بتفهم وتعاطف ثم أخرجت منديلها تمسح الدم من وجهه : سآخذك لمنزلي الآن لنعالج جراحك ولترتح بعدها جيداً , ستسعد والدتي حتماً برؤيتك

- لكن ماذا عن تيريزا ؟

- لنصحبها الآن في طريقنا , ما رأيك ؟

- حسناً , فكرة جيدة .

ابتسمت برضاً وهي تتأمله وقد أسند رأسه لمقعد السيارة عله يريح رأسه لبعض الوقت .


.................................................. ....................

فُتح الباب ليطل منه كستنائي الشعر بحذر كما لو كان يهرب من أحدهم , وبسرعة تسلل لغرفته

وأغلق الباب من خلفه متنهداً بارتياح , لكن صوتاً أجفله من خلفه وجعله يرتعش حين خاطبه : ماذا تفعل !

- أفزعتني لويس !

- تهرب من جدي؟! اذاً أنت فعلاً من كسرت تحفته الثمينة , لا تحتم بي مجدداً رجاءاً .

- أي تحفة ثمينة بالله عليك مجرد غوريلا بشعة قبيحة لا ذوق فيها , ثم إني لم أعمد لها

لأكسرها هي وقعت وحدها بينما كنت أبحث عن كتابي من طلب منه وضعها بين حاجياتي ؟

- على كلٍ هذا لن ينجيك من غضبه انه ينتظرك متوعداً منذ ساعات .

- ليحلم برؤيتي سأجمع أشيائي وأهرب لأمي سأمضي معها أسبوعاً كاملاً.

أخرج حقيبة متوسطة الحجم وأسرع يضع فيها بعض ما يحتاج بينما أجابه الآخر ضاحكاً: ستتحمل زوج أمك؟

سكت الآخر مقطباً جبينه وبتردد قال: سأختبأ عند والدي.

- اوه مع زوجة أبيك؟ كنت لا تحبها!

- تباً لك لويس، حسناً انها ليست بذلك السوء لقد صنعت لي بودنغ في آخر زيارة لي إليهم.

- اوه هذا رائع، وزوج أمنا اشترى لك دراجة ان كنت قد نسيت.

- آه نعم دراجة لم أهنأ بها لأن جدك المحترم ركبها وحطمها ثم يغضب لأني كسرت تحفته السخيفة هذه!

- أتتحدث عني؟!

انتفض بشدة ما إن سمع صوت العجوز من خلفه فتمتم بارتعاش: يا ويلي!

أغلق الحقيبة وبسرعة انسل هارباً من النافذة: سأذهب لأحدهما ولن أهتم ان كان جحيماً يبقى أفضل من تلقي الضربات منك أيها العجوز الخرف.

أخرج لسانه مستفزاً والعجوز يصرخ متهكماً بينما لويس يحاول إخفاء ضحكاتٍ أفلتت منه

رغماً عنه بيد أنه توقف حين صرخ العجوز به: أحضر أخاك والا نلت العقاب عوضاً عنه لويس

أجاب بارتباك: يبدو أني أيضاً سأمنح نفسي إجازة قصيرة عند أحد والديّ.

وإذا بصوتٍ من خلفهما: ماذا تفعلين هنا يا ابنتي، سيبدأ العرس ولم ترتدي زينتكِ بعد.

التفت كليهما بإحباط للعجوز الواقفة أمام الباب فتمتم بإحباط: يالهذا الزفاف الذي لا ينتهي.

............................................

الفصول:

الفصل الثاني

الفصل الثالث


آدِيت~Edith 02-24-2022 01:52 PM

أحبتي كم اشتقت لكم بالفعل ولكتابة الروايات وبالتحديد روايتي الغالية على قلبي

عدت مع فصل ذكرياتٍ جديد ليست ذي نهايته فله جزء مطول قادم

حتى نصل لنقطة التلاق حيث توقفت في الجزء الماضي ونتم مسيرة أبطالنا

اعذروني اذ لم أتمكن من التنسيق فقد محيت ذكريات ذلك من عقلي تماما فما عدت اذكر كيف كان ذلك

أعلم أن لن يكون لدي الكثير من المتابعين ولكن أن أتم مشواراً بدأته بغض النظر عن كل شيء مهم جداً بالنسبة لي


ممتنة لصديقتي التي لم تنس مشاركتي هذه اللحظات وتحفيزي دائماً لأكمل

لايت العزيزة

ونلقاكم في حلقة قادمة

imaginary light 02-24-2022 06:44 PM


https://d.top4top.io/p_1539xywme3.gif



السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
كم يسرّني عودة هذه الرّواية!
و يسرّني هذا المشوار الذي أعيشه معك


الشخصيّات المميّزة كلّ على طريقة
ها أنا أتعرّف إليهم منذ طفولتهم


آدم و أولغا لم أعرف أيّهما أروع
فهي تلك الأم العصاميّة ذات الكبرياء
وهو الفتى المتألم الحنون لا يريد بناء نجاحه على إنهاك أمّه
بطل منذ نعومة أظفاره :ناميا:



سيكيم و تيريزا

كنت و ما زلت أحب علاقتهما
و كان يجب أن تقتحمها تلك البنت التي تعرفين شعوري تجاههاخير6
من يوم يومها بتحط أنفها حيث لا ينتمي
دعي الفتى يا دبقة و لا تلعبي دور المغوارة لو سمحت

أستطيع-مع ذلك- أن أفهم لماذا كان يحبها
كانا مجرّد طفلين بريئين, و صداقة هؤلاء الثّلاثة نشأت منذ ذلك الوقت
و هذا جميل, على الأقل لديه متنفّس من أمّه التعيسة

ا


ديريك

موزّع بين هذا و ذاك
مضطر للبقاء مع العجوز سيّء الطّباع
ومع أنّه أضحكني لكنّ وضعه أحزنني حقًّا
مسكينة جدّته محزنة جدّا هي الأُخرى


-
عشتُ معك كالعادة كلّ شيء
الأحداث و المشاعر الضحكة و الحسرة
ولم ألحظ لدديك سوى الأسلوب الحريري الذي ربّما تخلّلته بعض الشوائب النّحويّة
مثل "بعينيها اللتان"
الصواب: بعينيها اللتَين


عزيزتي شهرزاد
بانتظار كلّ حلقاتك القادمة
محبتي و السّلامflower2
















آدِيت~Edith 04-12-2022 12:44 AM




الجزء 2

مضت السنون بحلوها ومرها , وكونهما معاً كان يخفف من صعابهما الكثير ويجعل الحياة حلوة ربيعية رغم شتائها الطويل .
دخل يحمل في يده كيساً تفوح منه رائحة شهية وبابتسامة اقترب من الواقفة أمام الفرن تطبخ وشعرها النحاسي الداكن قد انسابت خصلاته على وجهها مضايقة , وضع الكيس على الطاولة وبضع شيئاً مما فيه ليضعه في فمها فتعجبت وهي تمضغه ذاهلة لتقول ما إن أنهت لقمتها : من أنى لك هذا السمك الشهي .
أجاب بسعادة وهو يغسل يده : أعطاني إياه معلمي قال أنه رغب مشاركتنا بأول صيدٍ له وقد شواه بنفسه كذلك .

عاد لها وقد جمع شعرها خلف ظهرها وبدأ يظفره بابتسامة لطيفة بينما نطقت بضيق : أعطاك وحدك ؟

- كلا أمي لقد أعطاني أنا وثلاثة من الرفاق , لكل منا سمكة وإن سألتني لما وأنا أعلم أنكِ ستفعلين ذلك فلأننا كنا رفاق الصيد والشواء عزيزتي .
عقد الشريط نهاية شعرها ثم قبل خدها واتخذ مكانه في المطبخ يغسل الخضار ويقطعها وهي لاتزال في صمتها , لقد اعتاد منها حساسيتها المبالغ بها وضيقها كلما أعطاهما أحد شيئاً فقد كانت تعتبرها حسنة ما كانت ترى أنها بحاجة لها , وهو كالعادة كان يحاول اقناعها جاهداً بأنهم لبعضهم البعض عون وإن لم يقبل الهدية فسيكون وقحاً حتماً .

- تناول شيئاً منها قبل أن تبرد , لم تذق السمك منذ وقتٍ طويل .
- لابأس أمي الحبيبة نتناوله معاً حين نجلس على المائدة , وإن أحببتِ فسيكون لدينا الكثير من السمك قريباً حتى تملي , أحببت الصيد حقاً .
- هذه المرة ذهبت دون اذن مني لكن ذلك لن يتكرر ولن تقرب النهر مجدداً فأنت لاتأمن ماقد يحدث من كوارث .
بدأ برصف الأطباق على المنضدة بتنهيدة مثقلة , لم يستطع البوح بما يختزل من ضيق كونها لاتزال تعامله كما الطفل مهما كبر ومهما حاول اثبات ذاته لها , إنها برأيه تقلق أكثر مما يجب مما يجعل الحياة صعبة للغاية .

في المساء وبينما كان يتأهب للنوم وجدها تجلس على الكرسي تبدأ بحياكة سترة صوفية بلون السكر ,فسأل وهو يخفي استياءه وقلقه : ماذا تفعل حسناء المنزل بعد أما حان وقت الراحة ؟

- بقي القليل فقط , اخلد للنوم ولا تنتظرني .
رفع رأسه متنفساً الصعداء بصبر ثم أخفضه بزفرة طويلة معلناً معها أن كفى , ما عاد بالإمكان الاحتمال أكثر .

أسرع خطاه نحوها وبرفق اجتذب السترة والخيوط منها : هذا يكفي حقاً أمي , اخلدي للراحة رجاءاً .

- ماهذا التصرف آدم , قلت لك أني سأنهيها هذا المساء .
- لم ؟! لما هذا المساء وليس غداً ؟! لما تتعجلين انهاء كل شيء ؟ أولستِ تقومين ببيع الجبن والحلوى ونحن نجني منه ما يجعلنا نعيش باكتفاء فلما تحاولين فعل كل شيء دون كلل وكأن ما ينقصنا في هذه الحياة هو المال وحسب ؟!
- أتحسبه يكفي ؟ مهما عملت لا يمكنني ادخار شيء لأجلك فأجرة المنزل وحدها مكلفة , أريد أن تعيش بسعادة كأقرانك ياصغيري .
- لست سعيداً هكذا , انني أتعس من يعيش على سطح الأرض هل تتضح الصورة لكِ الآن ؟!
اتسعت عيناها بدهشة فأكمل يخاطبها بحرقة : أعاني كلما شاهدت ذبولكِ لأجلي , أتحسبين لو أن مكروهاً حدث لكِ أسأسامح نفسي ؟!انظري لقد غدوت شاباً قوياً بفضلكِ الآن , بإمكاني مساعدتكِ والعمل معكِ , اسمحي لي بذلك لنعيش بسعادة معاً أمي الحبيبة .

- شاب؟! أنت لاتزال صبياً في الخامسة عشر من عمرك بعد , كيف لي أن أفعل .
- أمي هناك أطفال يعملون دون كلل كم من المخجل أن لا أفعل .
- حينما أموت لتفعل ما تشاء , أما الآن فلا طالما أنفاسي تحيط بك لا يمكنني ايذائك .
- كفى أرجوك لا تذكري الموت ! هل ستبعدينني عن المخاطر والآلام والاذلال لأعتاد دلالك ؟ ماذا لو أُجبرت يوماً على مواجهة كل ذلك ؟ كيف سأحتمل دون أن أجرب قبلاً دون أن أمتلك القوة لمجابهتها ؟!

قبل كفها وأتبع ذلك بتقبيل جبينها برجاء : أتوسل لكِ أرجوكِ اسمحي لي بمساعدتكِ , أقسم أني لن أسامح نفسي وسأمقتها بشدة وأشتمها بقدر ما أمكنني ان أصبتِ بمكروه .

ابتسمت بذبول وقد دمعت العينين الكهرمانتين وحنين اختلط بألم موجعٍ أفرغته بكلمة واحدة : كوالدك .

أوقف التمرد معلناً استسلاماً مؤقتاً , فلهيب تلكما العينين الغارقتين بالدموع يهزمه دائماً , عانقها مواسياً فهو يعلم مقدار مايجتاحها من مشاعر خانقةٍ لم تستطع التخلص منها , رحيل حبيبها والمصاعب التي تلت ذلك جعلت الفقد كابوساً جاثماً على صدرها , وبتجلدٍ تحاول التماسك والتحامل على نفسها لتقوم بكل ماأمكنها كي لاتعاني فقد حبيبٍ آخر دون أن تفكر أنه كذا يعيش الخوف ذاته معها كل يومٍ تماماً مثلها .
أرخت رأسها على الوسادة وكفه تمسح رأسها بحنانٍ عكسته عينيه الذهبيتين الصافيتين , همس لها بينما يخرج المصحف من جيبه : سأقرأ لكِ ما يريحك , وستخلدين للنومِ برخاء هذا المساء وبثقةٍ عظيمة بأن الغد سيكون أجمل , لا تنسِ إننا بعين الله طالما نحن نثق به ونسلم أمورنا أجمع له .

ابتسمت له بذبول ورضاً وأغمضت عينيها بينما بدأ يتلو بصوته العذب أجمل السور حيث تغمرهما الطمأنينة والسلام ..

........................

كعادته تناول افطاراً خفيفاً وحمل حقيبته يهم بالخروج فنادته بصوتها المحبب لمسامعه : حبيبي آدم هناك ما أريد إعطائه لك .

سار نحوها بابتسامة مُحبة يتأملها وهي تخرج سترة صوفية كانت تحيكها منذ أيام وكانت السبب في غضبه يوماً : هذه لك أعلم كم تحب هذا اللون , ارتدها لأرى ان كانت تلائمك .

- إذاً كانت لي , لم تخلدي للراحة بسببي .
- هيا كف عن مضايقتي بمبالغتكِ هذه أنا أحب عملي هذا وأستمتع به فلا تبدأ بالاستياء والقلق من أجلي , جربها هيا .
خلع معطفه وارتداها باستسلام فهتفت بإعجاب : مناسبة تماماً لتسلم يداكِ أولجا كم أخطتها بمهارة , حتى وإن لم تعجب البعض هنا .

أسرع يبرر : لم أقل أنها لم تعجبني بل هي رائعة ودافئة ولكن تعلمين أني أشعر بالذنب يقتلني الآن .
- كف عن التصرف كأمٍ لي قلت لك اني أستمتع بذلك .
أعادت يدها للعلبة لتخرج شالاً صوفياً بلون بني ولفته حول عنقه : وهذا مع القفازين سيجعل الطقم يكتمل , آه وقبعة كذلك !
- ألم تنسِ الجوارب أيضاً ؟
- اوه حقاً لقد نسيت لا تهتم سأبدأ بها هي لا تحتاج الكثير من الوقت.
تنهد مبتسماً وعانقها بامتنان : أمي كنت أمازحكِ أنا حقاً لا أريد أن ترهقي نفسكِ من أجلي , يكفيني أن تكوني بخير .
ربتت على ظهره بحنان : لا أملك سوى ابنٍ واحدٍ ما الضير ان قمت بتدليله قليلاً .
- تدللين هذا الابن كثيراً تذكري ذلك .
قبل جبينها وخرج يلوح لها مودعاً وهي كذلك بابتسامة جميلة .

.................

حين عودته التقى الجارة كالعادة تدعوه للغذاء وبأدب رفض الدعوة فخاطبته بإصرار : تذوق القليل وإلا حزنت حقاً انك تستمر برفض دعوتي ليس ذا لائقاً .

- أعتذر حقاً لكني لاأحب أن تتناول أمي الطعام بمفردها .
- إن كان ولا بد ادخل لأسكب لك شيئاً منه .
أومأ ايجاباً بترددٍ وتبعها حتى وقف أمام الباب ينتظر فنادته بصوتها المرتفع :ادخل لاتقف كالغرباء .

بتردد دخل مخفضاً رأسه فهو يعلم ماتريد تلك الجارة تماماً وماتصبو له , لطالما كانت تحاول هي وابنتها إيجاد الحجج لإدخاله المنزل أو جعله يصلح شيئاً ما او يعلق صورة , المهم في الأمر هو أن يستمع لتلميحاتها المستمرة بأنه وابنتها يليقان ببعضهما البعض كثيراً , وكم انتهزت الفتاة الفرص لتقترب منه وتحادثه فيجيبها باقتضابٍ خجلاً مستاءاً .
- اجلس على الكرسي ريثما أسكب الطعام لك .
- لاأريد ازعاجكِ حقاً .
- أي ازعاجٍ يافتى , إننا عائلة واحدة الآن , يا ابنتي اسكبي له بعض الشاي .
أجابت الفتاة فاحمة الشعر رمادية العينين بينما ترتب هندامها : بكل سرور أمي .

قدمت له فنجان الشاي وبغنجٍ رحبت به : سعيدة لقدومك آدم .
أزدرى ريقه بارتباك وأومأ ايجاباً ولازال يخفض رأسه دون أن يتحدث بينما جلست على الكرسي أمامه محاولة أن يشركها الحديث : سترة جميلة , كم يليق بك هذا اللون.

لم يرحه الحديث كما العادة فنهض تتسارع أنفاسه : سيدتي ألم تنته بعد .

وقفت هي الأخرى بينما السيدة تجيبه : انتظر قليلاً بعد , لم يبق الكثير , كن صبوراً .
زفر بضيق بينما اقتربت الفتاة منه متسائلة : لم لاتتحدث معي , لاأملك الكثير من الأصدقاء ونحن هنا نعيش معاً منذ خمس سنواتٍ إلا أنك لازلت تبعد عينيك عني انظر لي رجاءاً .

قربت يدها من خده فأبعد وجهه مسرعاً يتمتم باستغفارٍ لم تفهمه وسرعان ماقال وهو يرفع رأسه : هذا ليس لائقاً البتة رجاءاً جدي صديقاتٍ لكِ بدلاً من التقرب من الرجال .
- ولكني , لا أتقرب إلا منك , وأدرك أنك تعلم لما!
- أعلم ولذا أرى أنه ليس لائقاً بكِ , لازلنا صغاراً , يا الهي لاأعلم حتى لم لازلنا نتحدث بهذا الأمر ولما جئت رغم أني عرفت بأن هذا هو الموضوع مجدداً .

خرج مقطباً فأسرعت الفتاة تنظر لأمها التي خاطبتها منقذة : خذي الطعام واتبعيه بسرعة .

فعلت طائعة وأسرعت تجري ورائه بيد أنه دخل منزله مغلقاً الباب خلفه كالهارب وألقى تحية خاطفة لأمه وهو يدخل غرفته مغلقاً الباب بقوة مماأثار دهشتها , تلى ذلك صوت طرقٍ على الباب ففتحته متسائلة ماإن شاهدت الفتاة تقول بلهفة : أحبت أمي مشاركتكم ماطهت اليوم .
- شكراً عزيزتي ...
قبل أن تكمل قاطعتها وهي تدير عينيها بأرجاء المنزل : هل أستطيع الحديث مع آدم أظنني أغضبته وأريد الاعتذار رجاءاً .
أومأت لها مجيبة بحيرة ونادته بينما تطلب من الفتاة الدخول فدلفت بسرعة وهي تضم يديها لبعضهما بقلق شديد .

خرج من غرفته مستجيباً وماإن شاهد الفتاة حتى كاد يعود لغرفته لكنها كانت الأسبق مسرعة نحوه وهي تقول بأسف شديد : انتظر رجاءاً , أعدك لن أكررها لكن لاتتجاهلني هكذا .

توقف وبضيق أجابها : ليس هناك مايجعلني أتجاهلكِ , رجاءاً لاتتحدثي وكأن بيننا علاقة ما .
- حسناً لن أفعل , أرجوك لاتغضب .
- ولن تفكري بأمور حمقاء مجدداً ؟
- أجل أعدك , حتى الوقت المناسب لن أتحدث .
ضيق عينيه باستياء ملحوظ لكنه آثر انهاء الأمر سريعاً : حسناً لست غاضباً .
ابتسمت بسعادة طفولية حتى كادت تعانقه بيد أنها استدركت وقبضت يديها تبعدهما وهي تجيب بمرح : حسناً سأذهب الآن وسأصنع فطيرة التفاح الشهية التي تحب .

غادرت وهي تلوح له مودعة بسرور حتى أغلقت الباب خلفها وأولجا تقلب ناظريها بينهما متسائلة : ما الذي يجري هنا ؟

زفر بضيق وتعب : لا تسألي , اكتفيت حقاً من مخططات الجارة وابنتها , ماذا تريدان مني لتبحثا عن رجل ثري جيد يناسب ابنتها .

قال ذلك وتوجه للمطبخ يشرب الماء بينما أفلتت منها ضحكة لطيفة نطقت بعدها بابتسامة حنين : إنها تحبك حقاً يا عزيزي , كما انها فتاة لطيفة.

- أمي هذا معيبٌ , أيليق بي وبها هذا , وتمتدح سترتي بلا خجل .
- ابني العزيز يكبر , كم أتوق لرؤيتك عريساً , سأدلل عروسك كثيراً وحينما أرزق بأحفادٍ سيكون ذلك اليوم هو الأجمل على الاطلاق, كم أنا متلهفة لذلك .
- رويدك أمي العزيزة لا زال ذلك مبكراً .
صمتت فجأة فتساءل وقد التفت يتأملها قلقاً وقد جلست على الكرسي بتعبٍ وعيناها الذابلتان أبحرتا في البعيد فما كان منه إلا أن أسرع نحوها قلقاً : أأنتِ بخير ؟
أومأت ايجاباً مكابرة وعادت تبتسم بتجلد : أجل عزيزي , لنتناول الغذاء ساخناً قبل أن يبرد .

............................

خلال الأعوام الخمس كانت الرسائل التي بعثتها أولجا إلى عائلتها تعود باستمرارٍ دون استجابة مما أشعرها بالقلق واليأس , أمسكت القلم بأناملها المرتعشة وحاولت الثبات ما استطاعت لكتابة رسالة جديدة , رغم كل مخاوفها من اللقاء بهم إلا أنها اشتاقت وبشدة لأحضان والدتها الحانية , لإخوتها الثلاثة وزوجاتهم وأطفالهم الصغار , وكم كانت تتساءل كيف أصبحوا الآن وقد كبروا كما السني التي أبعدتهم , تأملت الفتى النائم بعمقٍ وهي تفكر في استقبالهم له , هل سيمنحونه الحب , أم انهم سيعاملونه باحتقارٍ كما عاملو والده قبلاً , باغتها ذلك الألم الذي أصبح خليلها منذ سنين يحرقها يشعل الخوف بأعماقها , ورغم شعورها أن النهاية تدنو منها إلا أنها ماكانت ترغب تصديق ذلك , واستمرت بالمكابرة كما هي دائماً .

في الصباح كان صوت اختناقها - بعد نوبة حادة من السعال- قد أفزعه وأيقظه من نومه فتوجه نحوها مسرعاً يصب الماء ويقدمه لها وهو يربت على ظهرها , بصعوبة استعادت أنفاسها ووجهها شاحب متعب .
- لستِ بخير على الاطلاق دعيني آخذكِ للطبيب أمي .
بصعوبة نطقت: لا تقلق بشأني، قمت بزيارته منذ أيامٍ وسأعاود الكرة اليوم .
- لا أقلق ! انظري كيف غدوتِ شاحبة يجب أن اصطحبكِ بنفسي لأطمئن أنكِ بخير .
صمتت مرغمة فالحديث يتعبها وقد أسندها ليريحها على السرير ويدثرها جيداً , وضع يده على جبينها الساخن قلقاً وأسرع يحضر وعاءاً وقطعة قماشٍ نظيفة بللها ووضعها على جبينها .
- انتظريني سأعود حالاً سأحضر الطبيب بسرعة .
أسرع خارجاً وتوجه لمنزل جارتهم طارقاً الباب بتردد , أطلت ذات العينين الرماديتين باسمة بشوق : آدم , مرحباً بك تفضل .
أجاب مجبراً : زويا ! أريد طلب أمرٍ ما منكِ بعد اذنك .
- أنا بأمرك .
- تركت أمي في المنزل وهي ليست بحالٍ جيدة , لو أمكنكِ الاهتمام بها ريثما أحضر الطبيب .
ما إن استشعرت القلق الذي تملكه أجابت متأثرة : يا الهي أرجو أنها بخير , لا تقلق بشأن شيء سأرعاها حتى عودتك .

- ممتن لكِ , سأذهب انها أمانة عندكِ .
غادر مسرعاً بينما أجابت أمها التي تساءلت تواً عن الطارق :
السيدة أولجا مريضة سأذهب لأهتم بها .
- انتظري سأرافقك , أرجو أنها بخير لقد كنت ألحظ أنها تعاني منذ فترة لكنها استمرت تقول أنها بخير .
قدم الطبيب لمعاينتها وهو يتأملها متجلداً رغم احتراق فؤاده وذكرياته المريرة تعود لتعتم الحياة بعينيه , تقدمت الفتاة منه تحمل بعض أطباق الطعام وبلطف خاطبته بينما تقترب منه : حضرت أمي لك هذا , أرجوك تناول القليل .
أومأ سلباً باختناق : شكراً لكِ , لا رغبة لي .

نهض الطبيب يجمع معداته فاقترب منه مسرعاً : هل هي بخير ؟
سكت قليلاً قبل أن يجيب وهو يبتعد عنها : منذ متى وهي بهذه الحال ؟
أحس بنبضات قلبه تتسارع والشعور بالسوء يلازمه بينما أخرج صوته المرتجف بصعوبة : كانت متعبة منذ فترة , قالت أنها زارت الطبيب أخبرها أنها نزلة بردٍ لا أكثر .
تنهد الطبيب بعمق متحيراً : إما أنها كذبت بهذا الشأن أو أن الطبيب لم يكن دقيقاً , انها مصابة بالتهابٍ رئوي حاد , ويؤسفني أن وضعها جادٌ للغاية , يجب نقلها للمشفى .

أومأ ايجاباً بجهدٍ وقد حاول التماسك , لقد كان يشعر في قرارة نفسه ومنذ وقتٍ طويل بأنها ليست على ما يرام , لكن انكارها وابتساماتها والقوة التي غلفت ضعفها , جعلته لم يستطع مواجهتها بذلك .

دفع أجرة الطبيب وهو يفكر بآخر كلماته قبل أن يخرج " لا تتأخر بأخذها للمشفى وإلا لن تستطيع الصمود أكثر "
......................................

أغلق باب منزله عن الجميع ليكونا وحدهما كما اعتاد دائماً , في السراء والضراء , تشاركا الألم , الحزن ,الغربة في الوطن وألم الفقد المميت , لكن إن رحلت الآن , سيكون وحيداً تماماً .
جلس بجوار سريرها يتأملها مفكراً , ما لذي يستطيع فعله لأجلها , الكثير من الأفكار كانت تداهمه , أرادت بشدة رؤية عائلتها كانت كل ليلة تحكي له عن شوقها لذلك اليوم الذي تجتمع العائلة فيه رغم مخاوفها , فكر كذا كيف سيجمع ثمن المشفى الباهظ الذي لا يملك .

طُرق الباب يقاطع أفكاره ومخاوفه , نهض مثقلاً يفتحه لتطل السيدة التي ورغم أفكارها السيئة إلا أن عطفها وقربها كان الأسبق .
- ارتح قليلاً بني سأكون هنا لأهتم بها , اذهب ولاتقلق بشأن شيء .
- شكراً لكِ سيدتي , سأعود سريعاً .
عاد للداخل وحمل تذكار والده الثمين والعزيز على قلبه , خرج به بعد أن وضعه في حقيبته الخاصة , في تلك الأثناء فُتح باب المنزل قرميدي السقف وخرج منه فيليب هذه المرة ووالده اللذان اقتربا منه بمحاولة للتخفيف عنه والسؤال عن والدته : لا تقلق بشأن شيء بني أمك سيدة قوية وزوجتي وابنتي ستعينانها دائماً ولن تكترثا بما تقول بعد الآن , ان احتجت شيئاً فنحن هنا بإمكانك طلب ما تشاء .
- شكراً لكم , أنا في الواقع بحاجة للمساعدة الآن , أريد إيجاد عمل .. وقبل ذلك أود أن تساعداني ببيع هذه .
نظر كليهما لما يحمل وقد سأله الأصغر : آلة موسيقية ؟
- أجل .. إنها لوالدي .
- غريبة الشكل لم أر مثلها في حياتي لابد أن هناك من سيحب اقتنائها .
قال ذلك وهو يقلبها بتعجب متفحصاً بينما أتبع الرجل الأكبر : لا تقلق بني أعرف صديقاً لي سيقدر حتماً ما تحمل هو عاشق للموسيقى .
سار الثلاثة نحو السوق متجهين للرجل المنشود وبكثير من الكلام ونقاش حول تلك الآلة الأثرية كانت النهاية سعيدة ومحزنة في آن واحد , فقد استطاع الحصول على مبلغٍ قادر على إعانته لكن تلك الذكريات الجميلة ارتسمت أمامه في صورة والده يعزف لهم ألحانه الشعبية في كل مساء , يتأمله مع والدته وكلاً ينظر للآخر بعشق لامتناهٍ , يغني كلٌ منهما شطراً من الأغنية يهديه للآخر ,وهو يتأملهما بسعادة حيناً ويشاركهما الغناء حيناً آخر , دندن باللحن المحبب لديه وقد اغرورقت عيناه بدموعٍ ثقيلة أبت الهروب بكبرياء وصلابة , قطع الرجل خلوته بذكرياته وقد لحظ الأسى في محياه وبتفهم خاطبه :ياله من لحنٌ جميل , لابد وأن هذا البُزُق يعني لك الكثير , أتحب العزف عليه للمرة الأخيرة ؟
أومأ ايجاباً بصمت عرف لو أنه قطعه لاستسلمت دموعه التي أبى أن يظهرها , أمسك البُزُق ليجلس وهو يتذكر حركات والده يكررها كما لو انه يراه ماثلا أمامه , أغمض عينيه وفي خياله كانت الأطياف المحببة سعيدة , لكن تلك الأغنية المؤلمة لم تكن كذلك .

لحِظَ الدمعة الهاربة من عينه فنهض يداري كبريائه ,وأعطى الآلة للبائع هارباً من أمامهم جمعاً .
.....................

مرت الأيام التالية ثقيلة موحشة في ذلك المنزل الذي أصبح خالياً فهي ترقد في المشفى وهو يعمل بجدٍ دون أن يهمل زيارتها .

في المساء كعادته عاد للمنزل وقبل أن يدلف اليه استوقفه فيليب بابتسامته المعهودة : آدم ! تعال وشاركنا العشاء يا صديقي .

بتعبٍ أجاب : ممتن لك ولكني حقاً مرهق وبحاجةٍ للنوم .
- رجاءاً انضم لنا لبعض الوقت والا فإن أمي لن ترحمني .
علم أن لا فرصة لديه للهرب فاستسلم يرافقه حتى دخلا المنزل سوياً , ألقى التحية بفتورٍ للجالسين واحداهن ترقبه بابتسامة محبة قلقة فبادرته بالسؤال دون تحفظ : كيف حالك اليوم وكيف هي حال السيدة أولجا , أرجو أنها تحسنت الآن .
أومأ ايجاباً بصمت فعادت تسأل بطريقة أخرى : هل تناولت شيئاً هذا النهار تبدو منهكاً .
أشار شقيقها لها بالصمت بضيق : ألا تري أنه متعب اسكتي .
- ما شأنك .
- توقفا عن الشجار وتناولا الطعام بصمت .
همست بذلك الأم مؤنبة وأردفت تخاطب الجالس بجسدٍ خاو الحياة : تناول شيئاً بني , هذا الحساء سيعيد لك نشاطك حتماً .

نطق أخيراً بفتور : سلمت يداكِ .

تناول القليل ورغم أحاديثهم التي حرصوا أن تكون ممتعة مضحكة علها تنسيه قليلاً من حزنه إلا أنه ظل يبحر بعينيه للبعيد كأنما يعيش عالمه الخاص دون أن يسمع شيئاً .

نهض يستأذنهم بلباقة وأدب وقد عرضوا عليه المبيت عندهم غير أنه رفض بقوله أنه لا يستطيع النوم سوى في فراشه .

دخل المنزل مغلقاً الباب من خلفه وتامله بظلمته وسكونه المرعب , من كل قلبه بدأ يصلي ويدعو أن تعود ملاكه لتنيره وتعيد الحياة فيه .

كانت زيارته التالية مبهجة لقلبه إذ كانت يده تحتضن كفها وهو يقودها خارج المشفى بعد توصية الطبيب الوحيدة بأن يهتم بغذائها جيداً وتدفئتها , في الأعلى كان يطل عليهم ذو المعطف الأبيض عابساً وصوتٌ جاء من خلفه معاتباً : سيدي , لم يكن من الجيد منحهم أملاً لاوجود له , لما لم تخبرهم الحقيقة ؟
- ليس من حقي ذلك , تلك السيدة كانت تصلي وتدعو كل مساءٍ لتحظى بفرصة أخيرة لتودع طفلها , وابنها كان يصلي لتكون بخير وتعود له , كيف يمكنني أن أخبرهم بلا إنسانية أنها تعيش آخر أيامها , يكفي أنها مدركة لذلك , ليمضيا معاً آخر الأيام بهناءٍ دونما ألم .
وقفت بجانبه تتأملهما وهما يسيران بسعادةٍ جنباً إلى جنب وكلاً منهما يترفق بالآخر ويحنو عليه : كم هي قاسية الحياة , وما أبشع الفقر والبرد والشتاء .

.....................................

برفقٍ وضعها على الفراش ودثرها وهي تتأمله بتحسرٍ وألم أخفته وراء بسمةٍ رسمتها شفتيها الذابلتين , جلس بجوارها يسرح شعرها الجميل باشتياقٍ وأحاديثٌ صامتة كانت تُدار بينهما , ما إن انتهى أمسكت يده لتقبل باطنها : سلمت يداك بني .

- استلقي الآن عزيزتي واخلدي للراحة , اسمحي لي أن اتقمص دوركِ لفترة , أخبريني فقط بما تشتهي نفسكٍ تناوله .
- ابني الحبيب , كل ما أريده أن أنظر لوجهك الجميل وأن استشعر دفء كفيك , ابق بجانبي لبعض الوقت أرجوك.
وضع يده على جبينها تمسحه وذهبيتاه تتأملان بِغُمّةٍ عينيها اللتان بات بريقهما خافتاً ليس كما اعتاد , لكنه ظل متجلداً بأمل عودتها قوية صلبة يهابها ويحترمها الجميع .

بدأت الشوارع ترتدي زينتها والأضواء المبهجة تنير الطرقات , والمنازل جددت حلتها لتناسب موسم الأعياد , وقف أمام النافذة يتأمل تلك الألوان الجميلة والصغار يمرحون ببهجة ويلعبون ألعاب الثلج الممتعة , أثناء ذلك شاهد رمادية العينين ووالدتها تقتربان من منزلهم فابتعد عن النافذة يفتح الباب لهما مرحباً : مساء الخير سيدتي .
نظرت له الفتاة مترقبة فنطق بتردد : مساء الخير لكِ أيضاً , تفضلا .

دخلت كلتاهما المنزل وقد مدت الفتاة له علباً بتغليف أحمرٍ وأخضر تناسبا وأجواء العيد : هدية العيد مني ومن عائلتي .

بلباقة أخذها وهو يبتسم بلطف : شكراً لكم , لا حاجة لذلك حقاً .
- أعلم جيداً أن هذا العيد لا يعنيك لكن من الجميل أن نتشارك كل المناسبات صحيح ؟
- أجل أنتِ محقة , شكراً مجدداً .
توجه كليهما إلى حيث كانت تستلقِ أولجا وأدوات الحياكة بجانبها وقد هتفت السيدة الأكبر سناً باستياء : أولجا أولا تتوقفين عن العمل للحظة .
أجاب الفتى يؤيدها : إنها تتعبني بهذا الأمر لاتتوقف عن الحياكة أبداً .
ابتسمت لهما مبررة : إنني أتسلى وحسب , ألا يكفي أني أرقد معظم الوقت .
- فكري بهذا الفتى قليلاً ياعزيزتي لن تتحسني هكذا .
- لاتقلقي بشأني حينما أشعر بالتعب فإني أترك كل شيء حقاً , أحاول إمضاء وقتٍ أطول مع ابني , بني قدم الشاي لهما .
- بأمرك أمي .
توجه للمطبخ يحضره بينما نطقت أوليفيا معتذرة : عزيزتي أولجا , أنتِ تعلمين كم أحبكِ وابنكِ تماماً كما أي فردٍ من عائلتي .

- أعلم ذلك جيداً عزيزتي وكم أقدر صداقتكِ ومحبتكِ .
- عزيزتي كم أنا خجلة لما سأقول , سنغادر غداً لنحتفل بالعيد مع عمتي باربرا , لقد حاولت الرفض لكني ..
- عزيزتي لما ذلك, على العكس أنا ممتنة حقاً لكِ , لقد أتعبتكِ كثيراً معي , من حقكِ الذهاب أينما شئتِ والاستمتاع بالعيد مع أقاربك .
- ولكني سأقلق عليكِ كثيراً .
- بإمكاني البقاء معهم أمي لا ضير بذلك صحيح .
ما إن أنهت الفتاة جملتها حتى سمعوا صوت الطبق الحديدي يرتطم بالأرض فالتفتوا للفتى الذي كان يرفعه باضطرابٍ شديد : لم ينكسر شيء لاتقلقوا .
فهمت أولجا مايدور بخلده فابتسمت ضاحكة مجيبة الفتاة : شكراً لمبادرتكِ عزيزتي لكني سأشعر بالألم والندم الشديدين إن أضعتِ فرصة كهذه بسببي .

بدت الخيبة على الفتاة بينما تنهد الآخر بارتياح شديد ونظر لأمه ممتناً .
جلس أمام مكتبه الخشبي يستذكر بينما الأربعينية استمرت بالحديث عن العمة ومنزلها الفاخر الجميل وكم أنها معتدة بنفسها وتقيم احتفالاتٍ بكل مساء ببذخٍ لامحدود , وأثناء الحديث ..
- تعلمين كيف أن الأوضاع في موسكو أفضل بكثير من هذه المنطقة الريفية .
- موسكو !
نطقت بدهشة وبسرعة وجهت ناظريها نحو ابنها الذي بادلها ذات النظرة مع ابتسامة أملٍ سعيدة : أمي ! قلتِ أنكِ كنتِ تسكنين موسكو صحيح ؟!
أومأت ايجاباً بسعادة : يالها من صدفة جميلة للغاية , عزيزتي هل أطلب منكِ أن تفعلي شيئاً ما لأجلي ؟
- بالطبع أولجا إن كان بإمكاني فعل شيء لأجلكِ فسأكون سعيدة بذلك .
أشارت لابنها فأسرع يخرج الرسائل من العلبة ويقدمها لوالدته التي تخيرت من بينها الرسالة الأخيرة وأعطتها لها : لقد كتبت عنوان المنزل عليه , سأكون ممتنة جداً لو استطعت زيارتهم واخبارهم بمكاننا وأننا لا نقدر على السفر لهم .
- سأفعل حتماً يا عزيزتي أعدكِ بذلك .
- ممتنة لكِ حقاً لا أفيكِ حقكِ .
................................

رحلت العائلة في اليوم التالي بعدما ودعتهما , فأصبحا وحيدان من جديد , فسكان القرية اجتمعوا للاحتفال في الساحة , والسكون وحده قد عم أرجاء المنطقة القديمة .

كان يقطع الأخشاب ككل مساءٍ بينما هي توشحت بالبياض وتوجهت بكل جوارحها تتلو من القلبٍ دعواتٍ صادقة كسيرة ودموعها غسلت شحوب وجهها , حتى اذا ما انتهت أدارت طرفها لابن الخامسة عشر وهو يدخل يدفأ نفسه وقد أسرع نحو المدفأة العتيقة يلقي بما اقتطعه بأحشائها لتلتهب أكثر فتبث بعض الدفء بجوارحه .

التفت لها بابتسامة مُحبة : أرجو أنكِ دعوتِ لي أمي العزيزة .
اقترب يمسح دموعها وهي تهمس بحزنٍ عميق : ومن سواك من البشر في قلبي .
احتضنها وهو يعلم ثقل ما تحمل من خوفٍ وقلق فهدأها وهو يمسح على رأسها : لا تفكري بالغدِ أمي , لنعش معاً هذه اللحظات الجميلة دون قلق , اتفقنا .
أومأت ايجاباً وهمت بالنهوض وهو يسندها وما إن وقفت على رجليها حتى انهارت مرتعشة بين يديه فأمسكها بخوف : أمي ! تعالي لأريحكِ على الفراش .

وضعها على السرير بحذرٍ وتحسس جبينها الساخن فزعاً : حرارتكِ مرتفعة للغاية , انتظري سأحضر لكِ الدواء .

أسرع يحضر الحساء لها بعد أن سقاها الدواء وظل تلك الليلة بجانبها يغفو حينها ويستفيق حيناً آخر يعاينها , وكم افتقد في تلك الأثناء الجارة التي كانت تعينهم تخفف عنهم ألم الوحدة والغربة .

أحس بيدها تلامس شعره فرفع رأسه بسرعة ينظرها بلهفة : أمي الحبيبة .. ما لذي أنتِ بحاجة له ؟
- عزيزي .. سامحني .. لقد كنت محقاً , كان علي أن أهتم بنفسي .. لأجلك .. كم أتألم حين أفكر كم ستكون وحيداً .
- سيكون كل شيء بخير أمي ثقي بي , لا تحزني.
بذبول تأملته وهي تنطق بارتعاش : لم أرد .. أن أحتاج لأي انسانٍ , أدرك كم كان هذا يتعبك , لكني لم أرد لقصة والدك أن تتكرر , الحاجة للبشر مرهقة .. مُذِلة .. مهما حدث .. لاتكن بحاجة لأيٍ كان .. مهما واجهت من صعوبات لا تسمح لأحدٍ أن يُذِلك .. وحده الهي من نحن بحاجة له لا سواه .. عدني بذلك .

أومأ لها ايجاباً بتجلدٍ محتجزاً كل ألمٍ بأعماقه دون اظهاره , بدأت أنفاسها تتسارع وقد قبضت كفها على كفه الممسكة بها وكل جوارحه كانت تئن مع أنينها .

حاول أن يظهر ما تبقى له من قوة لينطق محاولاً إخفاء رجفة كادت تختلط مع كلماته : يجب أن أحضر الطبيب , لكن لا يمكنني ترككِ بمفردك, تماسكي رجاءاً ولا تقلقيني , سأحضره بسرعة .
- لا ! لا تبتعد , ابق بجانبي , أنت هو طبيبي الوحيد , ربما .. لن أعيش طويلاً , لكن .. وجودك يخفف ألمي .
قبل كفها طويلاً بحرقة واختناق وأومأ لها مجيباً دون حيلة : لن أترككِ أبداً , وستنهضين بعزم لتعودي قوية , لن تتركيني .
- مهما حدث بني , ابتسم دائماً , ما أجمل ابتسامتك .. الابتسامة .. ليست لتعبر عن سعادتك .. بل .. لتبث السعادة بمن حولك , دواءٌ لكل داء .
- سأبتسم لأجلك , سأفعل كل ما يسعدك .. أعدكِ غاليتي , أعدكِ .
- شكراً لك .. ابني الحبيب ..
أغمضت عينيها منهكة وقد استسلمت دموعه مع نحيبٍ صامت أحرق روحه , كان يعلم أنها لحظاتها الأخيرة بيد أن الأمل بحدوث معجزة كان رغبته الوحيدة ..

ظل يمسح جبينها المتعرق حينهاً ويتلو لها القرآن حيناً آخر دون أن يغمض جفنيه طوال ذلك المساء , ومع انبلاج الصبح كانت الروح الصافية قد ارتحلت بعيداً لتفارق الجسد المنهك النحيل ,, مع صوته المبحوح يتلو " كل من عليها فان , ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام "

imaginary light 04-16-2022 12:31 AM


https://d.top4top.io/p_1539xywme3.gifhttps://www.arabsharing.com/do.php?img=229298
@REDNESS;

مرحبًا عزيزتي

كيف أنت؟ق0
إلى الفصل فورًا...

جميل و مؤلم هذا الماضي الذي ترسمينه
آدم منذ الخامسة عشر صار رجلا بسبب الظّروف صعبة
كم كانت رقيقة و مؤثرة مواقفه مع أمّه
هو يريدها أن ترتاح يكتفي بأيّ شيء و يشعر بالمرارة لأنها ترهق نفسها
و هي ببساطة طموحٌ فيما يتعلّق بجعل حياته أفضل
- ألم تنسِ الجوارب أيضاً ؟
- اوه حقاً لقد نسيت لا تهتم سأبدأ بها هي لا تحتاج الكثير من الوقت.

^
حوار يعبّر بظرافة عن مدى استيائه لأنّها تتعب لأجله
و عن حرصها الشّديد على الاهتمام به
~
- إن كان ولا بد ادخل لأسكب لك شيئاً منه
لا تحاول يا آدم تلك الجارة دبقة-تذكرني بإحداهن قليلا
و ابنتها ورثت عنها الازعاج عن جدارة!
متت وهو عم يستغفرهه5
جيران مزعجون-حتى لو كانوا طيبين لا تقنعيني-
الولد بس بده يخلص و هي لاحقته-و أمّه الحلوة لم تساعد كثيرا

لكنّها تريد رؤيته عريسا
آه يا قلبي...فهي ليست على ما يرام
و المسكين كان عليه التّخلي عن تلك الآلة الموسيقيّة
التي تحمل أنغامها ذكريات حبّ أبيه و أمّه
علّه يستطيع الاحتفاظ بها هي على الأقل
~
من حزن إلى ابتسامة
ألا تري أنه متعب اسكتي
^
لسان حالي
حتّى أخوها انزعج
موقف اضطراب آدمضحك4
ارتفع ضغطه لحسن الحظ ساعدته أولغا هذه المرّة
~
أخيرًا...

وداعًا أولغا قلب9
أنت هو طبيبي الوحيد
^

سأظلّ متأثّرة بهذه الجملة
كما أنا متأثّرة بمشاعرك المسكوبة في هذا الفصل
تارة بمرح و أُخرى بوجع
بحقّ لم أواجه صعوبة في رؤية الأحداث
و استشعار الأحاسيس

الحزن تحديدًا تتفنّنين بإيصاله
بمزيد من الانتباه للقواعد ستتغلّبين على بعض العثرات
مثل
ألم تنسِ : تنسي



بانتظار القادم يا جميلة
كوب3

آدِيت~Edith 04-20-2022 12:52 PM

عزيزتي الجميلة الذهبية
لم أستطع اعطاء تقييم ولم استطع تركك دون رد
كم أعشق ردودك كم اعشق تواجدك هاهنا معي
صدقيني ان تمكنت من اتمام الرواية يوما فسيكون الفضل في ذلك لك
انت التي ضممت يدي وامسكتها لتسمو وتحلم وتمضي دون توقف
بسببك بت احاول جاهدة أن انسق كلماتي لا ان اسطر وحسب خيالاتي
انت علمتني الكثير وعززت بداخلي ثقة كادت تفلت هاربة
شكرا من القلب لك
كوني قريبة دوما فأنت بالنسبة لي تعادلين الف متابع

آدِيت~Edith 04-28-2022 04:13 PM



الفصل 3


بترقبٍ وقفت تتأمل الشاب ذو الخامسة عشر
يتأهب ليعاود الهجوم بمحاولةٍ للفوز بعد خساراتٍ متواصلة
في نزالٍ كان الثلاثينيُّ المنتصر فيه .

هتفت بحماس مشجعة : لا تستسلم أخي هذه المرة ستفوز حتماً .

هاجمه بكل ما تبقى له من قوةٍ فركلة هنا ولكمة هناك
ولكنه كان كالعادة يصدها سريعاً ببساطة مما جعله يستشيط غيظاً ويحاول جاهداً حتى تمكن من لمسه بقبضته بيد أن الأخير أمسكها وأسقطه على الأرض ببساطة .

نهض متثاقلاً يعاود المحاولة لكن خصمه ابتسم وهو يقطع النزال قائلاً بسخرية :

هذا يكفي لليوم , لنقل أنك تقدمت قليلاً لقد تمكنت من لمسي على الأقل .

- لا.. لا يكفي لنكمل هذه المرة سأفعلها حتماً سأهزمك .
- لا أظن هذا لا زال أمامك الكثير لتتعلمه .

أكمل وهو ينظر له بجدية : تخلص من غضبك هذا وحاول أن تستجمع عقلك وتركيزك بني , حينها ستتمكن من استخدام قوتك جيداً , تذكر القوة هنا " وأشار لعقله " ليست في قبضتك وحسب .

خرج من غرفة التدريب حيث كانت الفتاة تقف وقد مدت لكليهما منشفته : كنت جيداً لا تعبس هكذا .
تأفف ضجراً دون أن يجيب بينما نطق الآخر بمرح :

إذاً سأستحم أولاً ثم سننطلق لنمرح قدر ما تشاؤون .

- أجل أبي أنا خططت اليوم لنزهتنا جيداً سنستمتع كثيراً.

- طفلتي الجميلة الحلوة أنا رهن اشارتكِ.

- مرحباً آرون ها نحن نلتقي من جديد .

التفت لمخاطبه الذي انضم لهم تواً برفقة ابنه أسود الشعر كمثله تماماً

غير أن الأخير بعينيه السوداوين الناعستين خالف الأكبر بلمعان الزبرجد ,

وضع يده على كتف ابنه يحثه على تقديم التحية فبادر باحترام :

صباح الخير سيدي القائد .

- صباح الخير لك أيضاً بني , سررت بلقائك , وأهلاً بك ميخائيل سعيدٌ أنني التقيتك قبل أن أغادر .

أجابه الشاب بابتسامة لطيفة مرحة :

هذا يذكرني بالماضي بأيامنا الدراسية وأحلامنا وطموحاتنا , تذكر ذلك آرون ؟!
- ومن ينسى , كانت أياماً مذهلة , لقد كبرنا وأصبحت طفولتنا ذكرى محببة , بكل قسوتها بكل مغامراتها , وأصبح المستقبل الآن بين يدي أبنائنا ليرثوا أحلامنا .

أحاط ابنيه بذراعيه يتأملهما مبتسماً , بينما وضع الآخر يده على رأس الفتاة الصغيرة مداعباً شعراتها : طفلة جميلة , مرحباً يا حُلوة سررت بلقائك .

احمر خدي ابنة العاشرة خجلاً وبابتسامتها الوادعة أجابته : مرحباً بك سيدي .
- نادني عمي فقط هل اتفقنا ؟!

أومأت إيجاباً واقتربت تعانق والدها بحياء , بينما رفع الشاب عينيه نحو أزرق العينين بصمت ثلجي مرعب فأسرع الفتى مستدركاً يلقي التحية العسكرية : تحياتي سيدي .

احتجز ضحكة كادت تفلت حين أفزعه بنظرة واحدة فأجابه بمرح:

- كم أنت مسلٍ سي , يبدو أنك لازلت تثابر هاهنا أرجو أن النتائج أصبحت مرضية .

- لابأس به فقد استطاع على الأقل أن يلمسني .

نطق الأكبر بعجرفة بينما الأصغر بدا مستاءاً ممتعضاً.

- أنت تقسو على الفتى آرون .

- هذا هو الأفضل له إن كان يطمح لأن يغدو بمكانتي.

- إذاً سيكون أحد رجالي حين يكبر , مدربك وقائدك لن يتساهلا معك كن

مستعداً , عظيمٌ حقاً أن تتشاركا الشغف ذاته إن صح التعبير ,

على عكسه ابني لا يرغب أن يتبع نهجي بل يرغب أن يكون طبيباً

رغم أن مهاراته في التصويب غاية في البراعة والدقة .

وضع آرون يديه على كتفي الصبي مبتسماً :

سيكون من الرائع أن ينشأ بيننا طبيبٌ بارع , لاشك أنك ستنجح حتماً .

بهدوء خالطه خجلٌ طفيف : شكراً سيدي .. أرجو أن أكون عند حسن ظنك .


صوت وافد جديد غير محبب جعل الأجواء تبدو ملوثة خانقة ,

فها هو ذا مشمشي الشعر يقترب مع الصبية الحمراء بعنجهية

وابتسامة لطالما كرهها الرجلين وأثارت اشمئزازهما .

- اوه أرى أنكم تجتمعون هنا منذ الصباح الباكر , عدت يا آرون وعلى الفور قمت بمجالسة أطفالك , أيها المسكين .

أجابه ببرود مستفز : أرى أنك تقوم بالأمر ذاته كذلك .
أشار بعينيه لحمراء الشعر التي أسرعت نحو سيكيم بمرح : يالهذه الصدفة الرائعة سي سعيدة لرؤيتك .
همس آرون بضيق : أشك أنها صدفة .
بينما حذرها الصبي قبل أن تعانقه : إنني متعرق أنهيت تدريبي تواً .

- لابأس بالنسبة لي .
عانقته وقد احمر خديه وهو ينظر بطرف عينه لوالده الذي كان يرمقه ببرود قاتل مخيف فهمس لها باضطراب : حسناً .. سأغتسل وأعود على الفور .

قالها وأبعدها بلطف مستأذناً بلباقة بينما أكملت الفتاة ترحيبها على عجل : تحياتي لكما عم آرون وعم ميخايل , تمتم كليهما بآن واحد " من قال أني أسمح بمناداتي عمي ! "

أكملت وهي تتأمل الصبي أسود الشعر متسائلة : أنت , أظنني أعرفك هل أنت ..
- ستيفينز ماكسويل , سررت بلقائكِ آنسة كريستينا .
- اوه تعرفني ولا أعرفك .
- إننا في الصف ذاته , لا أظن أن أحداً فيه لم يستطع معرفتك آنسة .

" هل يلمح لشيءٍ ما ياترى ؟! أشعر بشعور سيء اتجاه هذا الفتى البارد البغيض , تذكرته .. إنه ذلك الثلجي دودة الكتب "

أجابته بابتسامة مصطنعة : آسفة لأني لم أستطع تذكرك سريعاً ستيف .

أكملت بمرح : يبدو أن التدريبات انتهت على كل حال , لدي مخطط مذهل نمضي به اليوم مارأيك أبي أن نرافقهم .

همست الصغرى لها بخيبة : لكني خططت ..

تجاهلتها وهي تحث والدها على الإجابة فرد بانزعاج : افعلي ماشئتِ لكني لست متفرغاً , لدي أعمالٌ كثيرة ولاوقت لدي أمضيه بلا قيمة .

ظلت تجادله بينما أحدهم كان يقف قابضاً كفه بغضبٍ لم يتجلى على وجهه بل أفرغ شيئاً منه بقبضه كفه بأقصى مالديه وهو يتمتم ببرود ساخطاً " صدفة إذاً ! "

..................................................

غطاءٌ مجعد , وسائد مهملة الترتيب , ستارٌ قد انبلج الضياء من خلفه ينير عتمة الغرفة بجدرانٍ بلون الفستق , على الفراش استلقى وعيناه لا تزالان تتأملان السقف الأبيض بفتورٍ وسكونٍ أحاط كيانه المثقل .

فًُتح الباب على حين غِرَّةٍ وقبل أن يدرك شيئاً كانت الوافدة قد أسرعت نحوه فزعة تفرغ الدلو الذي كانت تحمل لتبلله تماماً وهي تصرخ بفزع : حريق , اندلع حريق اخمدوه بسرعة , عادت لتملأ الدلو ولما يزل بصدمته ,. وسرعان ما نهض فزعاً يتبعها وكم كان ذاهلاً لتلك الفوضى التي أحدثتها العجوز خارج الغرفة , فالأريكة مبللة والمصباح المنضدي والشموع على طاولة الزينة , بل وحتى ..

- المكتبة ! , يا للهول !
أمسكها برفق فدفعته مذعورة : اتركني يجب أن أطفأ الحريق قبل أن تموت ابنتي .

عاد يحاول امساكها وهي تتلفت بذعر فما كان منه الا أن أوقفها بعناقٍ أسكن حواسها المنتفضة رعباً , وبدفٍ همس لها مطمئناً : لقد أطفأنا الحريق , قمتِ بعمل عظيمٍ جدتي , لكنكِ أتلفتِ كل شيء بالمقابل .
صرخت به فزعة : ابنتي , ديانا ياصغيرتي أين أنتِ .

زاد من عناقه لها ولم يعد يجد إجابة تشفيها : مارأيكِ أن تجلسي هنا جدتي ريثما أبحث أنا عن ديانا , اتفقنا ؟!
- سيمون هو السبب , اللعنة عليه هو السبب .
وضعها على السرير ودثرها بحرص بينما لازالت تمتتم بتلك الكلمات مذعورة , أخرج لها ملابس نظيفة ووضعها بجانبها : هل تستطيعين ارتدائها بمفردك ؟

بدا أنها لاتزال في عالمها مبحرة فتنهد بثقل محتاراً وإذ بالباب يُفتح وأصوات ضحكاتٍ تتناهى لمسامعه أتبعتها كلماتٌ معسولة أطلقها الشاب متغزلاً بالفتاة التي سارت بمحاذاته خجلة مسرورة.

خرج من الغرفة يستقبلهما فتأمله كليهما بدهشة قطعها الشاب ضاحكاً : مالذي جرى لك لما أنت مبلل هكذا!

تأفف ضجراً ومتعباً أجاب : لقد بللت جدتي كل شيء وهي تصرخ....

قبل أن يكمل علا صوتها من جديد صارخة بذعر : حريق، أنقذوا ديانا ستلتهمها النيران !

صمت كليهما يستمعان بأسف لحالها بينما عاد الفتى للغرفة يحاول تهدئتها، التفت لأبنوسية الشعر يخاطبها برجاء : هلا ساعدتها رجاءاً باستبدال ملابسها، إنها مبللة.

_ بالطبع دع الامر لي، عن اذنكما اخرجا ريثما أنتهي.

_ شكراً جزيلاً لكِ، وآسف لاتعابكِ.

أمسكت العجوز بيدها بلهفة : ابنتي العزيزة ديانا أخيراً وجدتك أنتِ بخير.

_ أجل أمي لاتقلقي بشأني، دعينا نستبدل ملابسكِ قبل أن تصابي بالبرد.

التفتت للشابين مبتسمة تطمئنهما فبادلاها بنظرة ممتنة خرجا بعدها لغرفته حيث خلع سترته وأخذ منشفة يجفف شعره وجسده بينما نطق شقيقه متألماً لها : لقد ازدادت حالها سوءاً مذ توفي جدي، يالها من مسكينة.

ارتدى سترة ربيعية بلون البحر وهو يجيبه : محق، انها بحاجة للاهتمام أكثر من أي وقتٍ مضى.

_ ليست وحدها على مايبدو.

التفت له متسائلاً فاقترب منه الآخر مبتسماً وربت على كتفه بحنان : أنت أيضاً ديريك، لقد انطفأت بهجتك مذ توفي جدي، حقاً لم أحسب أنك ستتأثر لرحيله أكثر منا جميعاً.

أخفض طرفه بألمٍ وذكرياتهما معاً تمر سراعاً أمامه بكل مرارتها وجمالها في آن واحد.

_ كان قاسياً.. متعجرفاً وصلباً لايُقهر، لكنه الذي احتوانا حين تخلى عنا أبوينا، لقد جعل لكل شيء قيمة.

جلس على سريره فجلس لويس بجواره يستمع باهتمام يشاطره ذات الذكريات بحنين بينما أكمل رملي الشعر بابتسامة صغيرة : كنت إن طلبت منه شراء الحلوى لي يأمرني بتدليكه أو ازالة العشب الضار أو عمل أي شيء يصعب فعله، لذا.. كانت الحلوى حينها ثمينة ذات طعمٍ مميز لن يتكرر، كل شيء الآن حولي سهلٌ الحصول عليه،. لكن.. لاقيمة له.

وضع الأكبر يده على كف شقيقه مواسياً : لقد علمنا الكثير، كان من يقف بانتظارنا أمام باب المنزل كل يومٍ نستقبله حين نعود بعد يومٍ مدرسي متعب، لم يكن يستقبلنا بابتسامة أو احتضان ، لكن سعادته التي لم يبرع بإخفائها حينها كانت تشعرنا دوماً بالإنتماء والأمان.

أبحر كليهما بأسى لتلك الذكريات الغالية فرغم كون أبويهما لازالا على قيد الحياة، إلا أنهما شعرا باليتم الحقيقي لمن كان لهما الاثنين معاً.

تنهيدة مثقلة أطلقها ابن الخامسة عشر يحاول معها إقصاء ألمه مغيراً دفة الحديث :
لم تخبرني، هل أنهيتما تحضيرات الزفاف؟
_ من الجيد أنك ذكرتني، عدنا تواًِ من القاعة التي سنقيم الحفل فيها، إن لها حديقة مثالية جميلة وواسعة، لو ترى الزينة التي اخترناها كم هي جميلة.
_ واثق من هذا ، زويا ذات ذوق رفيع.

_ معك حق، إنها جميلة ورقيقة وعطوفة كذلك.

_ أتمنى لكما السعادة معاً، متى سيكون يوم الزفاف.

أخرج بطاقة من حقيبته وأعطاها له : الدعوة الأولى لأخي الحبيب.

بابتسامة باهتة تأملها : كم هي فاخرة، يبدو أنك أفرغت جيبك.

بضحكة أجابه : ولم يدخر المرأ ماله سوى لأجل هذا اليوم السعيد، لن يتكرر أليس كذلك.

أومأ له ايجاباً بفتور : ماذا لو لم أستطع القدوم، هل ستحزن؟

_ بربك! لن تفعلها ديريك، أنت أهم المدعوين، إنك عائلتي يا أخي.

أدار وجهه نحو ولمسة من الحزن غشته : ماذا عن جدتي؟ تعلم مايعنيه الزفاف لها، سيكون الأمر كارثياً إن حضرت، وإن لم تأتي فمع من سنبقيها وهي بهذه الحال؟

أيده بضيق وحيرة تسللت كيانه : محق بما تقول، ربما تعود آنيا وتُعنى بها، إن لم يحدث أتيتك بأخرى تحل محلها مؤقتاً.

_ تعرف كم هي صعبة جدتي، ومن بين الكثيرات لم تطمئن سوى لآنيا، أرجو أن تتماثل للشفاء سريعاً وتعود.

طُرق الباب وفُتح لتطل منه فيروزة العينين باسمة : عذراً لمقاطعتكما لكني والجدة نريد تناول الطعام قبل أن يبرد.

_ نحن قادمان عزيزتي، هيا ديريك لقد اشتريت أطباقاً شهية ستحبها.

_ حسناً، اسبقني سآتيكما بعد ثوان.

خرج كليهما يغلقان الباب خلفهما ليخلو بمشاعره المتعبة قليلاً، هي أيامٌ قلائل سيُترك بعدها وحيداً.

ذلك الزفاف المنتظر سيبعده عن شقيقه الذي قاسمه الألم والفرح، الضحك والبكاء، كل الذكريات التي خصتهما وحدهما وجديهما، سيتزوج وسيسافر بعيداً عنه، لن يستطيع لقائه سوى مرة كل عام، ذلك وحده كان كفيلاً بجعل انفاسه حبيسة صدره، مختنقة.. أسيرة تنتظر حرية صعبة المنال.


imaginary light 04-30-2022 07:27 PM



مرحبا يا فتاة!
ها نحن نشهد منذ بداية الفصل اجتماع أسطورتين
آرون و ميخائيل معًا...ماذا أريد أكثر؟ق5
أهم شي أنّ كلاهما متكهرب من الآنسة الحمراءهه0
فعلا من سمح لها أن تناديهما"عم"؟
جدًّا أزعجتني حين تطفّلت مع أبيها البغيض

خاصّة حين لم تعطي إيزابيل فرصة
لنرى دودة الكتب ذاك ...أرجو أن يكون مصدر إزعاج دائميّ لها

مشاعر ديريك جميلة و أنت عرفتِ كيف تبرزين عمقها
العجوز المسكينة
تعاني كوابيس اليقظة و تعيشها و على ديريك أن يعايشها أيضًا
مشهدهما مؤثّر حقًّا
أرجو أن تعود آنيا ليستطيع حضور زفاف أخيه الوحيد بسلام

أحببت علاقتهما بالمناسبة
مؤسف أن يفترقا


عزيزتي
الفصل بكلّ ما فيه رائع
سلس لطيف و فيه الأبوان الفخمان اللذان أتمنّى لهما المزيد من الإطلالات معًا
و ليس فقط إطلالات محزنة لو سمحتِ
ترا مالي ناسية شو صار فيهم بجزء الوقت الحاضر:rolleyes:

تابعي فتاتي ولا تتوقّفيو2


ســـراب 05-05-2022 11:01 PM

https://f.top4top.io/p_1550smhty3.png




السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
كيف الاحوال
يارب كل حاجه تكون تمام
السرد والوصف فوق الممتاز
بجد حاجه جميله اوي
انتي مبدعه يا بنت
حسيت بالدفا؟!
بجد حسيت بإحساس جميل جدا بالرغم من الحزن الموجود في الابن وامها
لكن في احساس جميل
ذي استقرارها في بيت صغير وبسيط ومساعده جارتها
حاسه بفضول رهيب اعرف ايه اللي حصل في حياه الام وابنها
وليه كانوا خايفين
نكمل قراءه
اوك الروايه بدأت تبقى غامضه اكتر
مش فاهمه حاجه من المواقف لأنها منفصله
بس قدرت افهم حاجات بسيطه عن الحيوات دي
برضه كل الشخصيات في غموض في حياتها كبير
الولد ديريك والجد ؟!
علاقه جميله ضافت كوميديا للجو الحزين والمرعب اللي كان قبل
حبيتها صراحه
الجزء التاني؟!
مختلف تماما عن الجزء الاول
تحول كبير جدا للشخصيات بجد حبيت جدا
حبيت شخصيه ادم جدا وخوفه على والدته ومحاولاته لإثبات نفسه
وحبيت شخصيه والدته جدا وازاي بتخاف عليه وبتحلول تحميه وتوفر ليه حياه كريمه
ازاي بتحاول تحافظ على كرامتها وكبريائها
بس برضه خوفها الزائد على ابنها نقطه ضعف في حياتهم هما الاتنين
15 سنه بس!!!
انا افتكرته في العشرينيات
ربت راجل بجد !
الولد عنده ايمان فظيع بجد
حبيت حياتهم جدا جدا
لطيفه
مش عارفه ليه حاسه ان دخوله بيت الجاره دي فيها حاجه غلط
ايه البت الملزقه دي *ضحك*
الوليه هتموت هعيط والله
الحمد لله خفت ورجعت البيت
-ايه اللي انا عماله اكتبه ده-
سامحيني متحمسه
طلعت بتموت فعلا *حزن*
يارب الرساله توصل لعائلتها قبل م تموت
*بكاااااااااااااء*
اولجاااااا
بجد زعلت اوي انها ماتت بجد
قبل حتى م تودع أهلها أو تشوفهم حتى
بجد صعب اوي
الفصل 3
الجد العجوز مات !!
ايه الحكايه كلهم بيموتوا ليه مره واحده
روايتك بجد جميله اوي والتفاصيل اللي فيها جميله اوي
اكتشفت أن كان في جزء اول للروايه دي
اتمنى تكون هنا في وندر
محتاجه اعرف الماضي كله عشان افهم ايه اللي بيحصل حاليا
بٱنتظارك
اشوفك في البارت الجاي
في امان الله

https://h.top4top.io/p_1550ipo8u5.png

آدِيت~Edith 05-06-2022 01:44 AM

لايتي الذهبية
رح يلزق فيكي هالاسم للأبد

جميلتي جدا اسعدتني باطلالتك المميزة والمبهرة كالعادة
ارون وميخائيل الثنائي المفضل لدي للأسف لم يتعرف عليهما كنان لتكتمل الحماية كم هم آباء عظيمون
لاتقلقي ستكون هنا لهم محطات جميلة ليست كلها مأساوية
ركزي ليست كلها بعضها فقط خخخخ

ديريك لن يفهمه الكثير فسعيدة انني استطعت ايصاله لك
ولاحيطك علما ستيف ابن ميخائيل ولويس شقيق ديريك لم اذكرهما عبثا
فلهما دور كبير مستقبلا

كوني بااقرب دائما فانت سندي ومن يقودني دوما للامام بلا كلل

...........

عزيزتي سرااااب

كم جمييلة اطلالتك هذه
بهجة ردك وأثره على قلبي عظيم
كم كنت تواقة لأن تصل حروفي للقلوب وكم سعيدة لأن هذا الحلم تحقق
شكرا جزيلا لك أنا حقا فخورة بكونك متابعتي الجديدةز

هذا القسم هو خاص بالذكريات فصلته هاهنا عن الجزء الأصلي
لتتوضح الصور لك عودي لذلك الجزء وتعرفي على حاضر الشخصيات
أنرتني بحق غاليتي

آدِيت~Edith 12-07-2022 12:22 AM












ذكريات


أمام القبر وقف وحيداً ، تشيعها روحه الموجعة ، ولهيب فؤاده أشعل كيانه حتى أحاله فتاتا، انهمرت دموعٌ قاومها طويلاً من أجلها ، كي لاتتألم لألمه وحزنه .

لم تعد أنفاسها تشاركه ذرات الهواء ذاتها ، مما جعل احتوائها صعباً ، لم تعد روحها تقاسمه متاعب الحياة فتجعلها أسهل ، لذا أصبح طريقه معتماً .

لم تعد هناك تسامره تحادثه ، لذا .. التزم الصمت الموحش ، وأصبحت الغربة موطنه .

لامست أصابعه ترابها البارد ، وباختناق نطق يعاتبها : أيتها العزيزة ، كيف هان عليكِ ابنكِ ، أخبرتكِ أني لن أسامح نفسي إن متِ بسببي ، طلبت منكِ مراراً أن أساعدكِ ، أمي .. لقد اعتدت دلالك ، و الآن أنا .. أواجه العواصف وحدي دون أن أعرف ماعلي فعله ،حين رحل أبي .. بقيت متجلداً لأجلكِ ، لقد كنتِ هنا لمواساتي ،الآن أشعر كأنما فقدت كليكما معاً بلحظة واحدة ..

مسح على قبرها ينظره بمحبة ودموعه غسلت خديه : لابد أنكما اجتمعتما أخيراً، وكم سأنتظر بلهفة موعد لقائي بكما ، لاتقلقا .. سأكون قوياً حتى ذلك الحين ، إني أتناول طعامي بانتظام حتى .. وإن لم أشعر بطعمه أبداً ، أحاول أن أنهض رغم أني لم أعد راغباً بفعل أي شيء ، أريد البقاء معكما فقط ، لأقرأ لكما الآيات فتطمئنا بها ، لأدعو لكما ، لأبث شكواي وألمي ..

نفض التراب من يديه، ونهض وهو يودعها تاركاً روحه بين ذراتٍ احتضنتها : وداعاً أمي .. لترقدي بهناء وراحة ، سآتيك بأحبتكٍ قريباً ، أدرك كم أحرقك الشوق لهم ، سينطفيء لهيبك قريباً لتنعمي بالسلام الأبدي .

.................................

عاد للمنزل المظلم الخاوي ، والذي أصبح بلا حياة ، قلب ناظريه في أرجائه يتذكر طيفها حانياً دافئاً ، هنا كانت تخيط وتحيك ، وهنا كانت تطهو له طعامها الشهي ، وهناك كانت تخلو بدعائها وصلواتها ، بردائها الأبيض .. لتكون ملاكاً نيراً يضيء عالمه .

فتح الحقيبة البنية العتيقة التي حوت الخيوط الملونة ، وماعملت عليه من قطع منها ما أتمته ومنها مالم تنهه بعد .

حمل من بينها سترة حمراء جميلة ، تأملها بتحسر وهو يتذكر كلماتها وابتسامتها الدافئة .

" لن أقوم ببيع هذه السترة ، أحببتها كثيراً ، ستكون هديتي لحفيدي الأول أو لحفيدتي هي تناسب كليهما .

_ هذا يعني أن هذه السترة ستبقى في الحقيبة لسنوات طويلة .

_ وإن يكن ، لن يرتديها أحد سوى حفيدي ، عدني بذلك .

ابتسم ضاحكاً وأجابها بمحبة : أعدكِ أيتها الملكة ، سيرتديها هو واخوته من بعده حتى ."

أغمض عينيه يشمها يملأ رئتيه بعطرها الشافي ، تأملها ملياً قبل أن يضعها في حقيبته الصغيرة ، وبدأ ينتقي من القطع ماله وإياه ذكرى خاصة ، ليضعه في حقيبته كي لايفقده .

أغلق الحقيبة وتوجه إلى حيث كانت تجلس تكتب رسائلها وذكرياتها ، ذلك الكنز الثمين الذي لايمكنه التفريط به ، تأمل خطها الجميل ، والذي بدا في آخر الصفحات متعباً مختلفاً .

جمع الرسائل في صندوق وضعه كذا في حقيبته ، وجلس يقرأ مذكراتها كما لو كان يعيش تلك اللحظات والمشاعر معها من جديد .

............................

مرت السويعات ولم يزل كما كان يعيش لحظاتها مع ذكرياتها الحبيبة مذ توفيت ، بحلوها ومرها ، وإذ بصوت سيارة قريبة توقفت قريباً من منزله .

اضطرب فؤاده وشعور اختلج صدره بأنهم قد عادوا بعد سفرهم الطويل والذي استغرق بضعة أشهر ، من كانوا بمثابة العائلة لهم ، ورغم كل شيء لم يكن سواهم يهتم به وبوالدته ، وكم هي موحشة تلك القرية دونهم .

نهض مسرعاً يفتح الباب ، يتأملهم بغصة وقد بدأوا بانزال أمتعتهم ، الأم تساعد زوجها وابنها كذلك ، والأب يوبخهم كعادته دون أن يكترثوا له ، بينما الفتاة بدت هادئة على غير عادتها .

تقدم نحوهم بتردد ورغم البركان الذي يحتجزه بداخله حاول أن يبدو هادئاً مبتسماً مرحباً: حمداً لله على سلامتكم .

التفتوا له أجمع بمشاعر مختلطة ، فالفتاة نكست رأسها متألمة ، بينما السيدة تأملته حائرة قلقة ، والرجل وابنه رحبا به بحرارة : شكراً بني كم تسعدني عودتنا أخيراً كيف حالك ؟

_ واضح أبي ،الفتى لم يأكل شيئاً مذ رحلنا على مايبدو ، مابك آدم تبدو كجثة حية .

حاول أن يبقي ابتسامته الذابلة دون أن يجد لكلماته سبيلاً ، بينما نطقت السيدة وجلة : دعك من مزاحه المبتذل ، إنك تقلقني مابحالك هذه بني ، كيف اصبحت أولجا؟

اختفت ابتسامته وارتعشت شفتاه ، ولم يعد يقدر أن يقاوم أكثر ،أخيراً هناك من يذكرها ، من يريد مواساته وسيشاركه عزائها، ورغم أن الكثير جائوا لتعزيته إلا أن هؤلاء كانوا بالنسبة له ولأمه العائلة التي حرما منها .

دون أن ينطق عيونه شرحت كل شيء ، ودموعه التي غسلت خديه حكت آلامه الدفينة ، اعتقنه الشاب مواسياً بينما شهقت السيدة فزعة وأسرعت نحو المنزل تتفقد السريرالخالي وأرجاءه المعتمة .

_ ياعزيزتي أولجا ،لم أستطع أن أودعك حتى ، كيف رحلتِ سريعاً هكذا وتركت هذا المسكين وحده .

اقترب الأب يعزيه بينما الشابة ظلت تتأمله ذاهلة موجعة ، وقد ازداد همها هماً ، ودون أن تنطق انضمت لوالدتها الباكية تهدئها وتخفف عنها .

............................

أيام مضت بهدوء ثقيل منهك ، رغم أن وجودهم بجانبه خفف الكثير مما يحمل بقلبه من ألم ، طرق الباب فنهض يفتحه على عجل : مرحباً فيليب ، تفضل .

_ إن وقت الغذاء قد حان ياأخي ، تعال وشاركنا .

_ حسنٌ إني قادم .

حمل معطفه بينما نطق الشاب وهو ينظر الحقائب بحيرة : هل تنوي السفر لمكانٍ ما آدم؟

أغلق معطفه وهو يجيبه بينما يخرج من المنزل : أجل .. سأترك المنزل قريباً.

..........................

_ مالذي تقوله بني كيف تفعل هذا ؟ أين ستذهب وحدك وكيف ستترك كل شيء خلفك ، إنك أمانة عندي لذا لن أتركك أبداً .

هكذا صرحت السيدة بعد أن شرح لها ابنها الوضع بينما يتناولون الطعام ، بينما أخفض الشاب رأسه يستمع باحترام ، وبتردد أجابها وفي أحشائه لهيب يحاول اخماده : لابد من ذلك ، أريد أن أنفذ وصية والدتي ، أرادت كثيراّ أن تعود لوالدتها وأسرتها ، لم يقدروا على توديعها ولقائها ، يجب أن يعرفوا ماجرى لها ، على الأقل ليستطيعوا زيارة قبرها .

بتألم أجابته بلا حيلة : إنك محق يابني ، كم هو صعب ما ينتظرك ، ورغم أني أحب بقائك معنا لكن عائلتك هي الأحق بذلك ، ليفرغوا اشتياقهم وليستعيضوا بك عن الراحلة ، فلابد أن ألمهم لايفوقه ألم .

مستدركاً نطق الرجل يشاركهم : على ذكر ذلك ، لقد أعطيتمونا عنوان منزلهم .

_ آه جيدٌ أنك ذكرتني ! لم أستطع إرسال الرسالة بني ، كان المنزل خالياً ، قيل أنهم تركوه منذ أحدعشر عاماً .

بدت معالم الخيبة على وجهه فأعقبت وهي تحاول إبهاجه : لدي فكرة مذهلة ، سنعود بعد أيامٍ قلائل إلى المدينة وسنصحبك معنا ، سنجد منزلهم حتماً وهكذا سأكون مطمئنة أكثر .

_ أحقاً؟! شكراً لكِ سيدتي أنا حقاً ممتن لكِ.

_ يسعدني أن نكون قادرين على المساعدة ولو قليلاً ، سنفرغ من التحضير للزفاف ونعود على الفور للمدينة معك .

أجاب بحيرة متسائلاً: الزفاف؟!

قبضت الفتاة على الملعقة بقوة وقد أخفضت رأسها متألمة ، وسرعان ماتركت المائدة لتعود لغرفتها بأسى باكية ، التفت ينظرها متعجباً فشرحت الأم بتردد : لم أستطع إخبارك بعد الخبر المؤلم ، لقد تمت خطبة زويا من أحد أقاربها ، العمة اختارتها له ولم نستطع الرفض ، إنها لاتزال صغيرة ، كما أنها كما تعلم ...

_ زوجتي ليس من اللائق التكلم بهذا بعد الآن ، لايمكننا رفض أوامر العمة ، حاولي إقناعها قبل ذهابنا لايجب أن تراها هكذا ، ستغضب حتماً وتكون النتائج سيئة .

سكتت محتجة غاضبة بينما تكلم آدم مبتسماً: مبارك لكم ، أرجو أن تعيش بسعادة .

_ أعلم أن هذا صعب ، ولكني أتمنى أن تحضر الزفاف قبل رحيلك ياعزيزي .

_ أمي ! ماهذا الطلب الغريب ، لا تزعجي الفتى رجاءاً.

_ لا فيليب ، هذا أقل مايمكنني فعله لشكركم ، سأكون حاضراّ بينكم بإذن الله ، لو كانت أمي لاتزال بيننا لسعدت لأجلها كثيراً وبذلت ماتستطيع لحضور زفافها ، إنها تحبها كثيراً.

_ ياابني العزيز شكراً لك من كل قلبي ، مهما باعدتنا المسافات فقلوبنا ستظل تذكرك بكل الخير .

أومأ ايجاباً بامتنان ومحبة : لن أنسكم مهما حييت ، شكراً لكم من أجل كل شيء .

...............................

حان اليوم الموعود ، وقد حُزمت الأمتعة ووضعت في السيارة تأهباً للسفر ، وقف يودع منزله الذي جمعه بأغلى الأحبة ، يستذكر السنون الخمس التي جمعتهما معاً يتقاسمان فيها قطعة الرغيف وكأس الشاي الساخن .

وراء الباب المفتوح أطلت سوداء الشعر بوجه غشاه الحزن ، مترددة نطقت وعيونها تتأمل ذهبيتيه تنظرانها بتفهم : أيمكنني الدخول .

أومأ لها بالإيجاب : ولكن دعي الباب مفتوحاً .

تقدمت منه خطوات حتى أصبحت قريبة منه وقد جمع ماتبقى من حاجياته في الحقيبة الصغيرة ، انتظرت حتى انتهى وقد تشابكت أصابعها تضمهم تارة وتبسطهم أخرى .

_ مباركٌ لكِ ، أرجو لكِ السعادة من كل قلبي .

نطق بذلك فجأة فانتفض قلبها واعتصر ، رفعت عينيها تنظره ونطقت بخيبة : إنه خبر مفرحٌ لك حتماً ، لقد تخلصت مني .

أومأ بالنفي وبابتسامته الهادئة أجابها : لست لئيماً لأفكر بهذه الطريقة ، كنت دائماً ولا أزال أراكِ أختاً لي ، ولن يتمنى الأخ سوى السعادة لعائلته .

_ لكني لم أنظر لك بهذه الطريقة أبداً ، أنا .. أحببتك من كل قلبي ، أحقاً لايعني هذا لك شيئاً ، هل حقاً لاقيمة لمشاعري ؟

تنهد بعمق وجلس على الكرسي قبالتها ، سكت قليلاً قبل أن يجيب : زويا .. أخبرتكِ مسبقاً ، لازلنا صغاراً ومشاعرنا لاتزال غضة ، ستتزوجي عما قريب ، وستجدي كم هو نقي وطاهر وعذب ذلك الحب ، حقيقي وصادق ، لابد وأنك التقيتِ خاطبكِ واجتمعت به ، إن لم يستطع قلبكِ تقبله فبإمكانك الرفض ، وإن شعرتِ بالارتياح فلا أظنه سيعارض أن تتمي تعليمكِ وأن تمضي نحو مستقبلك .

صمتت هنيهة مفكرة ثم أجابته وهي تنظر للبعيد : للحق .. إنه شخص مثقف ولطيف ، محب ويبدو لي راقياً ، اسمه لويس .. يعيش مع جدته وأخ له بعمري ، يكبرني بست سنوات ، قال أنه سيصحبني لموسكو حيث سيتم كلاً منا تعليمه بأفضل مايكون ، لكن .. هذا يعني أني سأبتعد عن قريتي ، صديقاتي .. عائلتي .. وأنت.

عادت تنظر له وقد اجتمعت الدموع بمقلتيها ، وبنبرة حانية لملم شتاتها بعد أن بعثرها : قد نجبر أحياناً على ترك أحبتنا والبعد عنهم لفترة ، لكننا حتماً سنجد طريقة لنجتمع بهم ، ولابد أن والديكِ لن يتركاكِ وحيدة ، أما أنا .. فلا أعلم حتى أين من الممكن أن أعيش ، أين سيكون مسكني الجديد ، لست أعلم شيئاً ، سوى أن إلهي حتماً سيختار الأفضل ، حتى وإن كان الأسوأ بالنسبة لي .

تأملت ذهبيتيه الساحرتين بتألم ، وإذ بصوت والدتها تناديهما فوقت الرحيل قد حان ، نهض يحمل حقيبته الخاصة وترك الأخرى على السرير وهو يخاطبها : لن أتمكن من حمل كل شيء ، لذا سأترك هذه هنا ، إن استطعتم ابقائها عندكم سأكون شاكراً ، وإن استطعتم بيع مافيها فسيكون ذلك أفضل .

أومأت له إيجاباً وهي تمسح دموعها : هل ستحضر الزفاف حقاً ؟

_ أجل ، سأفعل ، وسأمضي بعدها لأجد عائلتي .

_ سيكون وداعاً مؤلماً، سأشتاقك كثيراً .

ظل بصمته وهو يحمل حاجياته خارج المنزل ، وتبعته بعد حين ليقفل المنزل ويغادره دون عودة ينطق بألمٍ وغصة :

_ وداعاً أيتها الذكرى الحبيبة ، وداعاً أيها الدفء الذي لن يعود .





آدِيت~Edith 12-07-2022 12:29 AM

كعادته استيقظ باكراً يحضر الإفطار وعقله سافر لذكريات الأمس بألمٍ وحُرقة ....


كلماتها المسمومة ترددت في أعماقه تنتزع قلبه من جوفه وهي تصرخ به : لست أهتم مهما كررتها لتكرهني قدر ماتشاء ، لست أتسول المحبة مثلك ، لست ضعيفة بقدرك .

قبض كفه على الصحن وقد توقف عن غسله وصوتها لايزال يقتحم أسماعه ينهكه : أوتحسبني لم أرك تنظرني بغيرة حين أكون وتيريزا معاً ، أدرك تماماً كم تتمنى أن تتبادلا الأدوار ، أن ألامس رأسك بكفي ، أعانقك .. أن أقول لك بقدر الدنيا أنا أحبك .. لكني آسفة لأن الحقيقة مختلفة أيها الولد المنبوذ ، لتعش ماعشته أنا .. فبالرغم من وجود أب محب لك يدلك ويهتم بك ، لم أكن أملكه أنا .. لقد نُبذت من كلا أبويي .

_ وكنتِ تستحقين هذا ، لقد نبذت لأنك سيئة ، لا ألومهم إن فعلوا لك ذلك .

بنصر أجابته مبتسمة كما لو أنها قد وصلت لمبتغاها : وإذاً لي الحق بذلك أيضاً ، فأنت ولد سيء نلت مايليق بك ، ولايحق لك لومي، فكما تعلم فاقد الشيء لايعطيه ، ولدت قسراً وعشت رغماً عن الجميع رغم كونك غير مرئي ، فتى يعيش في الظلال فقط.

هربت من عيونه دمعة محرقة مسحها بسرعة بذراعه واستتم عمله ولايزال يتذكر بوجع كلماتها : إنك تشبهني لحدٍ أكرهه ، ذات العيون الحاقدة الموجعة ، ألم تتسائل قط لم تشبهني تماماً بينما لاتملك من والدك أدنى سمة .

نظرها حائراً مستنكراً بينما أكملت تهمس له بخبث : ماذا لو لم تكن ابنه؟

اتسعت عيناه بذهول غير مصدق ، وبصعوبة أخرج كلماته الكارهة مشمئزاً: لأي حدٍ أنت مقرفة ، لا أستطيع وصف دنائتك حقاً .

ضحكت ساخرة وهي تقترب منه بينما كان يبتعد بكراهية : للأسف .. كانت مجرد مُزحة ، لتكن سعيداً فأنت ابن آرون الساذج الممل .

أغلق الماء وتنهد بعمق وهو يفكر كم سيستطيع العيش معها بعد ، بكل ذلك القدر من الكراهية ، بكل مايشعر نحوها من اشمئزاز ونفور .

توجه نحو غرفة شقيقته يوقظها بحنان ومحبة : عزيزتي تيريزا ، لقد حل الصباح .

فتحت عينيها الناعستين بكسل : أريد النوم أكثر بعد .

_ لقد تأخر الوقت وقد حضرت الإفطار تعالي لنتناوله قبل أن يبرد .

أومأت إيجاباً وهي تنهض مبتسمة : صباح الخير أخي العزيز .

قبلت خده ثم أسرعت تغسل وجهها وهو يتأملها بابتسامة ذابلة " لحسن الحظ أنها تهتم بكِ ، ولو كان بقدر ضئيل ، على الأقل لن تشعري بهذا القدر من الألم حين تشعري أن لاقيمة لك أبداً "

......................................



أمام المرآة وقفت تنظر صورته المنعكسة عليها وهو يسرح شعرها العسلي المموج ، رفعه للأعلى كذيل حصانٍ وربطه بعقدة زهرية طويلة الاطراف .

_ هاقد انتهينا ، إنك جميلة بحق ياعزيزتي الصغيرة .

ابتسمت بامتنان وهي تتأمل شعرها : شكراً أخي العزيز .

_ على الرحب ، خذي حقيبتكِ .

حملتها وسارت معه نحو الخارج بيد أن المرأة بصوتها المبحوح استوقفتهما : انتظرا أيها الولدان ، أين افطاري؟

زفر بضيق وهمس لشقيقته التي نطقت بعد برهة : إنه في المطبخ على الطاولة .

_ جيد لقد تعلم درسه جيداً وفهمه على مايبدو .

قبض يده محاولاً التزام الصمت وإمساك نفسه عن الرد الذي قد يقحمه في المتاعب ، بينما الفتاة تنظره قلقة .

اقتربت منهما وأمسكت بيد الصغيرة بخبث : أخبريني عزيزتي تيريزا ، كم من المال أعطاكِ والدكِ؟

ازدرت ريقها بذعر، وسرعان ما أخرجت محفظتها، وقبل أن تخرج مالها كان الفتى قد أمسك يدها مشيراً لها بالرفض ، بينما أخرج محفظته وأفرغها بيد والدته : إن كان ذلك يرضيكِ ويكفيكِ فابتعدي ، لقد تأخرنا .

أخذت تعدها بلامبالاة : ليست كثيرة ولكن لابأس ،إنها أفضل من لاشيء .

مدت له ستون روبل ( مايعادل دولار واحد) بابتسامة ساخرة : خذ هذه لتشتري لك بها بعض الطعام .

رمقها بنظراته الحادة الكارهة ، ودون ان يجيب أمسك بيد شقيقته ،وخرج وإياها من المنزل تشيعهما ضحكاتها المستفزة .

.........................
يومٌ صباحيٌ امتزجت فيه زقزقة العصافير مع أصوات التلاميذ وصخبهم المحبب ، كان عسلي الشعر أمام خزانته يرتب حاجياته حين قفزت خلفه الفتاة بمرح : صباح الزهور والسرور .

بابتسامة لطيفة أجابها وهو يغلق الخزانة : صباح الخير كريستي ، أراكِ مبكرة .

_ المنزل مضجر ، أردت الخلاص منه سريعاً.

مستنكراً بسخرية : اوه أهناك من يضجر من منزله؟

_ أنا وأنت بالطبع .

ضحك كليهما معاً وقد أشار لها أنها إجابة موفقة ، وإذ بأحدهم يضرب ظهريهما براحة يده ثم يتوسطهما وذراعيه تحيط كلاً منهما : صباح الخير يارفاق .

_ اوه ديريك وأخيراً! مضى زمن لم أرك فيه تزين ممرات المدرسة .

_ لقد عدت ياعزيزي بإمكانك التنفس بارتياح الآن .

أبعدته الفتاة مستاءة : إنك تخنقني أيها البغيض .

رد وهو يدفعها ممازحاً : لئيمة أنتِ يافتاة .

صوت ناداه باسمه من خلفه أجبره على الالتفات ينظر الرجل الواقف بغضب متوعداً: وأخيراً أنرتنا سيد ديريك ، تفضل لمكتبي في الحال .

التفت لسيكيم هامساً : لقد وقعنا في الفخ ، الوداع ياصديقي .

وبدرامية تركهما يتبع معلمه والفتاة ترتب هندامها بلا اكتراث: يستحق .. ذلك الفظ .
_ سيتلقى التوبيخ حتماً ، كم أرثي لحاله.

................

_ إذاً ديريك ، لمن ندين من أجل حضورك السامي للمدرسة بعد غياب اسبوعين متتاليين ؟

_ معلمي العزيز ، كما تعلم جدتي ضعيفة ولا أحد برفقتها فالسيدة التي تعنى بها مريضة ولايمكنها الاهتمام بها .

_ ياله من عذر ، دائماً تحتج بجدتك المسكينة صحيح .

_ إنها الحقيقة معلمي ، إن لم تصدقني رافقني للمنزل لتراها بأم عينيك ، صدقني ستحبها كثيراً ، كما أنها تبحث عن عريس ، ولا أظنها ستجد أفضل منك .

صرخ به غاضباً : أيها الوقح عديم الاحترام ، سأوقع على رسوبك حتماً.

بابتسامته اللا مبالية أجاب بحماسة : سيكون ذلك عظيماً ، سأمضي المزيد من الوقت معك يامعلمي الحبيب ، كنت للتو أشعر بالأسى لأننا سنتركك قريباً .

صرخ به بكل غضبٍ متعباً : ستقتلني أيها الولد أقسم أني سأستقيل بسببك .

_ قبل أن تستقيل أحب أن أدعوك لحفل زفاف أخي لويس أنت تعرفه حتماً .

أخرج من حقيبته بطاقة دعوة وأعطاها له بينما نطق الآخر بيأس : ليتك كنت مثله ، لقد كان الفتى الأكثر هدوءاً واحتراماً على عكسك أيها الشقي .

أجابه وهو يهم بالخروج : أنت محق ، لامثيل للويس إنه المفضل عندي كذلك .

وضع الرجل على الطاولة ورقة محذراً : قبل أن تخرج خذ هذه معك وأعطها لوالديك ، أخبرهما أني أريد استضافتهما غداً.

_ لم هما ؟ لاتزعجهما أرجوك معلمي لن يجيئا حتماً لديهما الكثير من المسؤوليات ، ليأتي لويس مارأيك؟

بنظرة جادة غاضبة أجابه فاستسلم بلا حيلة : حاضر بأمرك .

وبهمس أكمل : معلم متوحش .

خرج وأغلق الباب من خلفه ونظر للورقة ملياً ، ومالبث أن مزقها وألقاها في حاوية النفايات ليكمل طريقه بلا مبالاة .

......................................

توالت الحصص روتينية اعتيادية ، فسيكيم يحاول جاهداً تجاهل الإهانات الواضحة التي كتبت على لوحة الصف ، فور وصوله ، تلتها الأوراق التي وزعت على التلاميذ من قبل خصمه الكاره ، بينما ديريك كان يحاول جاهداً تعويض مافاته وأفكاره تختطفه بين الحين والآخر رغماً عنه .

مددت الفتاة ذراعيها محاولة أن تستعيد نشاطها ماإن خرج المعلم من الصف ، نهضت بعدها تجلس على طاولة عسلي الشعر : وأخيراً بإمكاننا التنفس قليلاً .

كان يجمع الأوراق وهو يخاطبها بانشغال : محقة ،وبوسعنا أخيراً التخلص من القمامة .

نهض متوجهاً نحو مقعد روبن و بابتسامة هازئة وضع الأوراق على طاولته: عزيزي روبن .. أصبحنا في الخامسة عشر من عمرنا ، كبرنا ياعزيزي لم نعد أطفالاً ،أصبحت هذه الطرق قديمة للغاية ، بإمكانك تجربة أمور أكثر إثارة ومتعة .

أتبع وهو ينظر الجالس بجوار المعني: اعذرني لازعاجك ستيف ، لابد وأنك تشعر بالسوء لأنك مجبر على الجلوس بجوار طفل فوضوي مشاكس ،أرحب بك بأي وقت إن شئت تغيير مقعدك .

لم يجبه واكتفى بنظرة قلقة مدركاً أن المتاعب قد بدأت تواً .

بادله روبن الابتسامة الساخرة وهو ينهض ويشد ياقته : ما رأيك بقتالٍ يسوي الأمر إذاً ؟

أبعد يده باشمئزازٍ وأجابه وهو يرتب قميصه : مستعدٌ للغاية لهزيمتك ، إذاً موعدنا عند استراحة الغذاء ، في الساحة الخلفية ، لكن رجاءاً لاتبكِ كالأطفال بعدها ياعزيزي .

_سنرى من سيبكي وينتحب ياابن السكيرة اللعينة .

هم بالمغادرة ولكنه تراجع واستدار له بنظرة مستنكرة : حسناً أعترف أنها كذلك ، ولكن لايبدو أنها وحدها المعيبة والمذنبة ، ربما لو استطاعت والدتك الاهتمام بزوجها أكثر والإمساك به لما نظر لغيرها ،أولست محقاً؟

انعقد حاجبا الآخر بغضب جلي ،ودون تروٍّ أكمل الآخر مستفزاً: لربما لم تكن أنثى بما يكفي لأجله .

وجه له لكمة ساخطة تفاداها سيكيم سريعاً ونظرة النصر علت قسماته المنتقمة ،وقفت الفتاة بجانبه تناصره : مابك ؟ كان الأمر ممتعاً بالنسبة لك حين كنت تضايقه وتزعجه ، لأي سبب تغضب إذاً ،الأمر لايستحق .

عاد روبن يهاجمه وهو يتمتم بشتائم عدة، والآخر يبادله النزال كما لو أنه كان يترقب تلك الفرصة لإفراغ كل غضبه ، بينما التلاميذ يرقبونهم بين مؤيد ومعارض ، ديريك كان يتأملهم ببرود وقد أسند خده لكفه ، وكريستينا كانت تبتسم بحماس تشجعه ، بينما ستيف كان ينظرهما بضيقٍ مستاءاً.

قطع الشجار صوته المهيب وقد وقف أمام السبورة يضربها بعصاه ،مما جعل الفوضى تهدأ والنزال يتوقف وقد تدخلت الفتاة ممسكة ذراع صديقها .

رمقها سيكيم بنظرة مستاءة لم تفهمها وعاد بهدوء لمقعده بينما غريمه ينظره باحتقار وقد صرخ بهما المعلم: ماكل هذا الشجار ؟!أهذه مدرسة أم حلبة نزال ، سيكيم وروبن قفا حالاً وغادرا الصف ، ليحل المدير مشاكلكما التي لاتنتهي!

قبل أن يجيب أياً منهما كان صوت هاتف رملي الشعر قد تردد في أرجاء الصف مما جعل العيون أجمع تُنصب نحوه ، أجاب بسرعة وسط ذهول واستنكار المعلم ، وسرعان مانهض ديريك مذعوراً ما إن أتم مكالمته وهو يحمل حقيبته : المعذرة معلمي سأقاطع عقابك ولكني بحاجة لسيكيم ليساعدني فجدتي مفقودة .

أمسك يد الشاب واقتاده خلفه وهو يهرول خارجاً ، مالبث أن هتف سيكيم بأسود الشعر مستنهضاً: هيا ستيف ماذا تنتظر علينا مساعدة ديريك بإيجادها !

أومأ بالنفي بتوتر واضح : لا .. لايمكن سأتابع دروسي .

أمسك ذراعه يجبره على النهوض : صدقني لن يرحمك القائد ميخائيل إن علم أنك لم تقدم المساعدة .

_ كلا اترك يدي !

التفت سيكيم لمعلمه معتذراً: آسف معلمي لابد وأنك تقدر أنه موقف إنساني ...

_ سيكيم أسرع هيا !

ناداه ديريك فتبعه دون إعطاء فرصة للمعلم بينما يقول وهو ينطلق خارجاً:

_ سأعود لاحقاً للتكفير عن فعلتنا .. وداعاً .

تبعاه والآخر مرغماً يسير من ورائه ممتعضاً ، نهضت كريستينا وهي تحمل حقيبتها وحقيبة صديقها تصرخ بهما: انتظراني إني قادمة معكما.

أتبعت بابتسامة مضطربة : المعذرة معلمي إنه أمر طاريء .

خرجت خلفهما والرجل لايزال مصدوماً يحاول استيعاب مايجري ، وماإن خرجوا حتى ترك الرجل القلم على الطاولة يتمتم بتعب :هذا القدر يكفي .. سأصاب بالجنون حتماً !.

.............................................

_ لا أصدق هذا لقد هربنا من المدرسة فعلاً.

قالتها الفتاة بحماس فأجابها أبنوسي الشعر مستاءاً: لاتبدو نهاية الأمر جيدة ، لقد ارتكبنا خطأً فادحاً.

رد سيكيم وهو يسير خلف رفيقه : أعتذر لاقحامك في الأمر ، لكن ديريك بحاجتنا الآن ولابد أن نكون يداً واحدة .

_ لاتكترث لأمره عزيزي سي ، لقد خرج من قوقعته لأول مرة في التاريخ لابد وأن يكون مستاءاً، شخص ممل مثله لن يفهم متعة المغامرة .

بلامبالاة رد ستيف : تركت المغامرة لأصحابها ، مشاهدتها كل يوم تكفي عن مواجهتها .

باستنكار سألته مغتاظة : مالذي تعنيه ياهذا .

ابتسم ببرود يجيبها : مافهمته آنسة كريستينا ، أجواء المدرسة مثيرة بما يكفي ، لاتهدأ أبداً بوجودك .

_ أيها ال....

قاطعها سيكيم مؤنباً بينما أغلق رملي الشعر هاتفه بعدما أخبر شقيقه بما حدث، والتفت لهم يخاطبهم قلقاً : هذا ماتوقعته ، إنها صعبة الاعتياد وبالكاد اعتادت على آنيا ، والآن ومع الفتاة الجديدة شعرت بالخوف حتماً ، قالت أنه قد مضى على خروجها أكثر من نصف ساعة ، أين من الممكن أن تكون .

أجابه سيكيم وقد وضع يده على كتفه : لاتقلق ديريك سنبحث حتى نجدها ، لا أظن أن أحداً سيهمل عجوزاً تتجول وحيدة .

بقلق أجابه وهو يعيد هاتفه لجيب معطفه: أرجو ذلك حقاً .

...............................

أوشكت الشمس على المغيب وقد استبد اليأس بقلوبهم ، بعد بحثٍ مضنٍ وسؤال ، وضع كفيه على ركبتيه منحنياً يلهث بتعب ، وسرعان مااستقام يرقب ماحوله بشتات .

_ أين يمكن أن تكون .. ماذا لو أن مكروهاً حدث لها .

كانت الألحان والأغنيات تصدح قريباً منهم في عرسٍ روسي تقليدي أمام الكنيسة حيث تم عقد القران تواً ، وقف الأربعة يتأملون الحفل وقد كانت العروس تهم برمي زهورها .

_ جدتي ..

تمتم ديريك وهو ينظرها تسير نحو العروس بقدمين حافيتين ووجه متعب .

أسرع نحوها ييعد كل من يقف في طريقه حتى وصل إليها وأمسكها برفق : جدتي .. حمداً لله لقد وجدتكِ أخيراً .

كانت لاتزال تتأمل العروس بتحسر وقد سقطت الزهور أمام قدميهما وسط أنظار الجميع ، حمل الباقة بتردد ثم رفع ناظريه نحو العريسين بابتسامة ممتنة وقد كانا يبتسمان بدورهما ابتسامة عطوفة .

_ جدتي انظري ، هذه الزهور لكِ ،يبدو أن علينا الاسراع بإيجاد عريس لسموك.

ظلت بصمتها المحير فخلع حذائه وألبسها إياه : إنه كبير بعض الشيء ولكنه سيحمي قدمك ريثما نعود للمنزل ، تعالي عزيزتي .

أمسك ذراعها يحاول اصطحابها لكنها بقيت واقفة بلا حراك لاتزال تتأمل العروس ،وأخيراً نطقت بصوتٍ ضعيف : اهتم بعروسك جيداً يابني ، أسعدها مااستطعت .

أومأ الرجل لها إيجاباً بابتسامة حائرة ، حركت العجوز ساقيها نحو الشابة وخلعت سوارها الذهبي لتلبسه إياها : لتكن هدية عرسك ياابنتي ، كوني سعيدة دائماً.

ابتسمت العروس وعانقتها بمحبة : شكراً لكِ ، لقد فعلتِ مالم تفعله عائلتي اليوم وقد تُركت عروساً وحيدة ، من كل قلبي أشكركِ ، لكن لايمكنني قبول هذا السوار الثمين .

أحاط ديريك العجوز بذراعه وهو يتأملها بعطف ثم أحال ناظريه نحو العروس : إن قبلته منها ستكون سعيدة للغاية ، لذا لاتخجليها رجاءاً .

أومأت إيجاباً ممتنة : بالمقابل أريد أن تشاركونا الحفل.

_ وددت ذلك حقاً ، لكنها متعبة حتماً لذا سأعيدها للمنزل لتخلد للراحة .

_ لاترفض الدعوة ماثيو ، لم أربك هكذا ، اذهب واحضر لي ملابساً تليق بأم العروس ، لن أخجل ابنتي العزيزة في يوم كهذا .

ابتسم ضاحكاً: كنت أتسائل تواً متى سيعود عقلك للعمل ، مذهل أصبحت الآن ماثيو .

أردف يجيبها وهو يعانقها: حتماً جدتي العزيزة لك ذلك .

التفت لرفاقه الذين كانوا يرقبونه من مكانهم : يارفاق إننا مدعوون للحفل جميعاً .

تمتم ستيفانز محتجاً بضيق: ليس لهذا الحد !

بينما حمراء الشعر نطقت بتهكم: بملابس المدرسة؟!هذا يسيء لسمعتي!

ابتسم سيكيم وهو يلتقف الهاتف من رفيقه الذي رماه نحوه تواً: حسناً سنطلب من لويس إحضار ملابس لنا بالإضافة لملابس الجدة ،مارأيكم؟

رسمت على شفتيها ابتسامة رضا: وبعض المساحيق من فضلك .

_ ابنة الخامسة عشر ليست بحاجة للمساحيق ، كوني عاقلة .

أَنَّبها بلطف وهو ييتعد لإجراء الإتصال في مكان أكثر هدوئاً ، ولم يمضِ وقت طويل حتى أصبحت السيارة أمام مدخل الحديقة المزينة حيث حفل الزفاف ، خرج منها الأربعة وسط دهشتهم .

_ أبي! تيريزا !

أسرع نحوهما مبتهجاً بينما نطق الأب بابتسامة حانية : كنا نبحث عن الأربعة الهاربين من المدرسة ، لقد هاتفنا المدير وكان غاضباً بحق ، لكن لاتقلقوا تدبرنا أمره جيداً.

_ لحسن الحظ أنك أبي ،كنت قلقاً بشأن تيريزا جيد أنك جئت بها

عانقها بحنان ثم ألقى التحية للرجل الآخر ولشقيق صديقه ، بينما أبنوسي الشعر نكس رأسه خجلاً وقلقاً وعيون والده ترقبه بحزم : ستيف .. توقعت ذلك من الجميع ، إلا أنت .

اضطرب وهو يعتذر بأسف وندم: أبي أعتذر حقاً ، كنت مجبراً ،أعدك أن هذا لن يتكرر مجدداً.

صوت ضحكات الرجل أجبر الفتى على رفع رأسه ينظره بدهشة ، اقترب منه بعدها ووضع كفه على رأسه وهو يتأمله بفخر : سعيدٌ لأنك كنت عوناً لرفاقك ، هذا هو ابني الذي أحب .

_ لست .. غاضباً .

أومأ بالنفي مبتسماً وهو يتأمله بحنان : لم أغضب ، المدرسة مهمة بحق ، لكن مافائدتها إن لم تكن بلا خلق ، يجب أن تملك إيماناً ومحبة وصداقة عظيمة .

همس له سيكيم بغرور: أخبرتك أنه سيحب مساعدتك لنا ، يبدو أني أفهم القائد ميخائيل أكثر منك .

نظره بطرف عينيه ببرود دون أن يجيب ، بينما سأل لويس وهو يدير طرفه في المكان : لكن .. أين ديريك وجدتي؟

أشارت الفتاة للقاعة المتصلة بالحديقة : هناك ، كما تعلم أصبحا من أقارب العروس فجأة ، إن الجدة ترتاح هناك مع حفيدها .

_ ياللغرابة .. إذاً لم تحدث جدتي الفوضى في الحفل ؟! ولم تهلع؟

أومأ له سيكيم بالنفي وهو يجيبه : كانت هادئة جداً وقد أصرت على البقاء كثيراً.

ابتسم الشاب بأمل وقد وضع آرون كفه على كتف الشاب : انظر ماخفت منه يبدو أنه لن يكون ، أتمنى أن تحظى بزفاف سعيد كما تستحق لويس .

_ أرجو ذلك حقاً ، هذا كل ما أتمناه الآن .

_ هيا سيحل المساء قريباً أريد ارتداء فستاني .

نطقت بذاك حمراء الشعر محتجة فأسرع الشاب يعطيها الكيس مستدركاً: اشتريته على عجل أرجو أن يعجبكِ .

_ أرجو ذلك حقاً فكما تعلم إرضائي صعب .

نطق ستيف ببروده المعتاد : يكفي أن يعجب سي ليصبح جميلاً .

بلا مقاومة ضحك الرجلان وهي تنظرهم مستنكرة : ستيف الأحمق ، حتماً سأقتلك .

آدِيت~Edith 12-07-2022 12:33 AM

على الفراش جلس يتأمل الراقدة بوجهها المجعد السمح ، دثرها جيداً وقبل جبينها ليتركها بعدها مغلقاً الباب من خلفه بحذر .

صوتٌ من خلفه خاطبه بهدوء وصاحبه على الأريكة جالس والكتاب بين يديه : هل نامت جدتي؟

أومأ له إيجاباً وألقى بنفسه على الأريكة بتعب : كان يوماً منهكاً .

أغلق الكتاب ووضعه على الطاولة أمامهما وهو يجيب مبتسماً: لقد كان حافلاً وممتعاً .

أتبع وهو يتأمل شقيقه أسِفاً : أعتذر لأنك أجبرت على ترك المدرسة مجدداً بسببي ، لو أني استطعت ترك منزل عمتي في وقت باكر لما حدث ماحدث .

_ ليس الذنب ذنبك عزيزي لويس ، إنك أيضاً تواجه أياماً مزدحمة ، فأمامك الكثير من المهام لتنجزها قبل الزفاف ، الذنب ذنب ابنها في المقام الأول .

سكت كليهما وقد أطرق رملي الشعر برأسه ينظر كفيه المتشابكتان مفكراً : لا أحد يهتم بها سوانا ، مؤلم أن تعاني هكذا فقط لأنها أصبحت عجوزاً لاتذكر كيف كانت ، لقد عانت الكثير حقاً حتى هذا اليوم ، لكن أحداً من أبنائها لم يشفق عليها .

ظل الأكبر بصمته يستمع متألماً وديريك يكمل بحرقة : حتى عندما تركت المنزل اليوم .. لم يأتي أحد للاطمئنان عليها ولم يقلقا بشأنها ، الغرباء عنها أسرعوا لتقديم المساعدة لكن ابنها وزوجته لم يفعلا .

اغرورقت عيناه بالدموع التي احتجزها بتجلد وهو يتمتم محتجاً بقهر : هذا ليس عدلاً ، لم تستحق هذا أبداً.

اقترب شقيقه منه مربتاً على كفيه وسرعان مااحتضنه بدفء وعطف : ولأنها استحقت المحبة سخر الله لها حفيداً عطوفاً ومحباً مثلك ، وأصدقاء أوفياء كرفاقك ، أنت تملك قلباً رائعاً أخي .

ابتعد ديريك عنه وهو يمسح دموعه بخجل : يالي من مغفل ، لا أحب أن تراني أحمق هكذا .

ربت على رأسه وهو يبتسم بحنان : خلافك إني أحب كثيراً حقيقتك هذه ، بعيداً عن السخرية والضحكات الزائفة ، إنه أنت ، الجانب الحقيقي منك فقط .

بادله الأصغر الابتسام رغم عيونه المحمرة : هذا الجانب الذي لن يظهر لسواك مطلقاً.

أجابه ببسمة عذبة محبة ويده تمسح ظهر أخيه : هيا اذهب وارتح الآن ، لن تترك مدرستك مجدداً ، لقد أهملتها بما يكفي ، ستجيء غداً زويا وسنهتم بالجدة معاً لذا لاتقلق بشأنها .

تنهد بارتياح : وأخيراً ستعود أميرتك الجميلة لتريحنا منك .

ابتسم ضاحكاً يلوح له مودعاً : هيا ارحل قبل أن أغير رأيي .

أشار له أنه قد أغلق فمه وغادر لغرفته ضاحكاً ،وماإن أغلق باب غرفته حتى زفر لويس بعمق وقد استند للأريكة يفكر بوجل .

..................................

توقف القطار عند المحطة الأخيرة ، فنزلوا جميعاً بأمتعتهم والرجل ينظر ساعته بين الحين والآخر .

_ ياابنتي .. هل سيتأخر زوجك ؟

احمر خديها خجلاً وهي تجيب بتهكم: لم نتزوج بعد أبي ، لقد وصلنا باكراً لننتظر قليلاً بعد.

_ اتصلي به يافتاة قبل أن يغضب والدكِ.

تأففت وهي تخرج هاتفها وفيليب يتأمله بفضول : هل تجيدين استخدامه زويا ؟ ماذا لو طلبت من زوجك شراء واحد لي ؟

زجرته باستياء وهي تعيد محذرة : قلت أنه ليس زوجي بعد هل هذا واضح؟ ثم بالطبع لن أطلب منه احضار شيء لك، لتشتري واحداً حينما تبدأ بالعمل في المدينة فلن تحتاجه في القرية حسبما أظن .

وضع يديه في جيبي بنطاله متظاهراً بالاستياء: كم أنتِ أخت متكبرة .

وضع آدم الحقيبة الأخيرة قريباً منهم فشكرته السيدة بلباقة ومحبة : لاترهق نفسك بني ، اجلس رجاءاً .

أتبعت تخاطب الآخر بحزم : فيليب اذهب واشتر شيئاً لنشربه بدلاً من مضايقة أختك .

_ حاضر أمي ، مارأيك بمرافقتي آدم؟

_ بكل تأكيد سأفعل .

غادر الاثنان نحو البائع فانتقى فيليب لأفراد عائلته وله القهوة كما يحب كل واحد منهم أن يشربها ، التفت لرفيقه يسأله بابتسامة لطيفة : ماذا تحب أن تشرب ياصديقي؟

سكت قليلاً قبل أن يسأل: لا أعلم مايقدمونه هنا .

_ انظر لهذه اللائحة ، هناك الكثير من الأنواع اللذيذة .

أخذ يقرأها بحيرة : لا أعلم حقاً لم أتذوقها مسبقاً لذا لايمكنني الاختيار .

_ أتثق بذوقي؟

أومأ له إيجاباً فتكلم مخاطباً البائع : اسبريسو من فضلك .

فتح الشاب محفظته فأنبه رفيقه مستاءاً: ماذا تفعل آدم ؟ أبي تكفل بثمنها جميعاً لذا لاتتصرف بفظاظة .

وضع البائع الأكواب الخمسة أمامهم فحملها الاثنين وهما يعودا أدراجهما إلى حيث البقية وقد تخيروا طاولة بستة مقاعد .

بدأ كل واحدٍ يحتسي قهوته باستمتاع ونسمات الربيع الأولى قد هبت مصحوبة ببرد خفيف من بقايا الشتاء ، قرب الكوب من فمه يرتشف القليل ، وسريعاً تسلل لفمه طعم القهوة المُرَّة الثقيلة ، والذي لم يعتده أبداً ، حاول أن لايبدي استيائه منها فأبعدها بهدوء دون أن يتحدث وهو يستمع لأحاديثهم اللطيفة التي اعتادها وأحبها .

بعد حينٍ هتفت المرأة لزوجها : لقد جاء أخيراً ، انظر إنه هناك .

التفت إلى حيث كان يقف الشاب قلقاً ،فناداه بصوتٍ عالٍ جعل الفتاة تحمر خجلاً : إننا هنا ياابن أخي .

اقترب منهم بابتسامته اللطيفة معتذراً: آسف لتأخري الازدحام لايطاق ، أعتذر حقاً لابقائكم منتظرين لوقتٍ طويل .

_ لابأس بني .. كنا نستمتع بالقهوة لذا لم يكن الانتظار سيئاً .

صافح الرجل باحترام ولباقة : سعيد لقدومكم حقاً عمي العزيز .

رحب بالسيدة وابنها بحرارة : اشتقت لكما حقاً أمي .. فيليب .

صافح بعدها الفتاة بابتسامة سعيدة محبة بينما أطرقت برأسها خجلة ، التفت لآدم متسائلاً ينظره تارة والفتاة تارة أخرى فأجابته الأم دون أن ينطق: إنه آدم.. ابن صديقتي العزيزة الراحلة أولجا ، آدم .. هذا هو خاطب ابنتي وابن عمها " لويس ".

صافحه بحرارة مبتسماً : يسرني لقائك عزيزي آدم .

_ وأنا كذلك .

قالها وهو يبادله بابتسامة صادقة ، وبسرور أشار الشاب للبوابة : السيارة بالانتظار في الخارج ، تفضلوا رجاءاً .

نهضوا جميعاً وقد أخذ السائق الحقائب نحو السيارة ، بينما همس لويس لزويا بحب : اشتقت كثيراً لكِ .

احمر وجهها وهي تنظر آدم الذي كان يقف على مقربة منهم دون أن يلتفت لهم ، وبخيبة أطرقت رأسها مدركة أن كل مشاعرها لم تعد ذات قيمة .

أحاطها لويس بذراعه وسار بمحاذاتها نحو السيارة الفاخرة ، فتح الباب يشير لها بالدخول ففعلت ولاتزال بصمتها تنظر ذهبي العينين بين الفَيْنَة والأخرى .

_ إلى منزل العائلة من فضلك .

انطلق السائق من فوره بعد سماعه ماقال سيده بينما همس آدم لفيليب : لابأس لو أنزلتموني في أي مكان كان ، لاأظن أن من اللباقة ذهابي معكم لمنزل العائلة .

_ لم لا ؟ إنك واحد منا يا صديقي لايمكننا تركك في الشارع بمدينة لم تزرها قط .

_ لكن .. هذا لايبدو لي لائقاً.

أتاه صوت لويس بنبرة مريحة وابتسامة عذبة : أرجوك لاتفكر برفض الدعوة أبداً ، إنك شخص مهم لعائلتي ، لذا أنت كذلك بالنسبة لي أيضاً ، لاتخجلني رجاءاً .

أومأ له إيجاباً بتردد وقلق ، وبعد مضي بعضٍ من الوقت كانت السيارة قد توقفت أمام قصر كبير فاخر،ذا حديقة واسعة بدت فيها أوائل الربيع واضحة المعالم ، الأشجار كانت تعزف موسيقاها الخاصة ، والسماء صافية الزرقة بهية إطلالتها ، وصوت النسيم مع صوت الطيور العائدة أضاف لمشاعره المتعبة حياة جديدة مريحة دافئة .

فتحت البوابة وقد استقبلهم الخادم باحترام مرحباً ، فدخل لويس تعانق كفه كف عروسه الصغيرة ، ودخل الزوجان معاً والمرأة مستاءة مكفهرة الملامح تهمس لزوجها بما استطاع هو وابنهما سماعه : لقد وصلنا تواً ولم نستطع أن نخلد للراحة حتى ، دون أن يسألنا جاء بنا للعجوز مباشرة ، يالها من فظاظة .

_ اشش لاتتحدثي عن عمتي بهذا الشكل ، إنها سيدة العائلة ولابد من تقديم التحية قبل أن تتنفسي هواء المدينة حتى .

تمتمت محتجة دونما رضا بينما همس فيليب لآدم : هناك مسجد في هذه المدينة ، بحثت عنه لأجلك ، فور خروجنا سأصحبك إليه .

تهلل وجهه فرحاً وبإمتنان أجابه : لا أصدق ! أتعرف كم أردت هذا منذ قدومي لروسيا ، شكراً جزيلاً لك فيليب أنا حقاً عاجز عن شكرك .

_ على الرحب ياصاحبي ، وأخيراً ها أنت تبتسم بصدق ، سعيد لأني تمكنت من إسعادك .

_ تفضلوا رجاءاً ، عمتي أفدوتيا هنا بانتظاركم .

.............................

شرفة واسعة فتحت أبوابها لتتسلل منها النسمات الباردة تحرك الستار شيئاً يسيراً، وصوت حفيف الأشجار المتراقصة امتزج مع نشيج الماء المتدفق من النافورة بإطلالة جميلة ساحرة .

مقعد فاخر توسط الغرفة كانت تجلس عليه السبعينية بأبهة كما لو أن السنين لم تزد من عمرها شيئاً ، بشعر رمادي مرتب بعناية ، وفستان طويل يعلوه رداء بنقوش نباتية أنيقة والكثير من الحلي الثمينة .

كانت تنظرهم بخيلاء تمد كفها أمامهم وقد تقدم الرجل مسرعاً يقبل كفها تتبعه زوجته تحييها بخضوع وتفعل مافعل ، تقدم العريسان منها فانحت الصبية تقبل كفها هي الأخرى : نهارك سعيد عمتي العزيزة ، أرجو أنك بأتم الصحة والعافية .

نطقت وهي تتأمل الفتاة مبتسمة بفخر : مرحباً بكِ عزيزتي زويا ، هل أنتِ سعيدة برفقة زوجكِ.

تأملها الشاب بترقبٍ وقد صمتت لبرهة بخجل ، ومالبثت أن اومأت إيجاباً فاتسعت ابتسامته برضاً وأسرع يقدم تحيته : نهارك سعيد عمتي الحبيبة .

_ لو لم أقم بتزويجك ماكنت لتحبني بهذا القدر، وتهتم بي كما الآن أليس كذلك؟

بتلعثم أجاب خجلاً: بالطبع أحبك عمتي ،أعني كنت دائماً ولا أزال أحبكِ ، فضلك علي لن أنساه ماحييت .

ابتسمت ساخرة وأدارت طرفها لفيليب الذي فهم الإشارة فوراً وأسرع يقبل كفها : مرحباً عمتي أرجو أنكِ بأتم الصحة والعافية .

_ مرحباً بك بني ، يجب أن نجد لك عروساً تهتم بك أنت الآخر فلايبدو أن والدتك تفعل، أصبحت نحيفاً جداً .

نظر لوالدته الغاضبة بتوتر وأجاب متردداً : كلا عمتي إني أتناول الكثير حقاً ، طعام والدتي لايقاوم ، لكن بنيتي هكذا ماعساي أفعل ، ثم إني لا أفكر بالزواج أبداً الآن ، لست في عجلة من أمري .

_ جميع رجال هذه العائلة تزوجو في مثل عمرك ، يجب أن نجد لك عروساً حتماً ، مالفرق بينك وبين لويس سوى عام واحد .

أجاب بسرعة : عام ونصف عمتي .

نظرته أمه مؤنبة وقد لاح الاستياء على وجه العجوز ، وسرعان ماأحالت ناظريها متسائلة نحو الضيف الغريب .

أشار له لويس بأن يقترب وما إن فعل حتى عرَّف به وهو يضع يده على ظهره: عمتي .. إنه صديق مقرب للعائلة واسمه آدم ، جاء من القرية ليحضر الزفاف .

تأملته من رأسه حتى أخمص قدميه بنظرة متفحصة ، بدت غير راضية وهي تنظر بازدراء ملابسه البسيطة ، بينما نطق بابتسامة هادئة جميلة : سررت بلقائك سيدتي ، شرف عظيم معرفتكِ .

لم تجب وظلت تتأمله بصمت مما زاد حيرته وارتباكه ، بعد حين التفتت للويس تخاطبه ببرود خالطه استياء: ولم لم تحضر شقيقك معك ؟

_ لايزال في مدرسته عمتي ، بمجرد أن يعود منها سيأتي في الحال .

_ عدم رؤيته أفضل بالنسبة لي ، على كل لابد أنكم قد تعبتم أثناء الرحلة ، اخلدوا للراحة حتى المساء ، فلدينا حفلٌ على شرف عروسنا الجميلة .

عادت تنظر آدم بخيلاء وهي تكمل : أكرموا الضيف كما يليق به واهتموا بمظهره جيداً ، مرحباً بك بيننا ، أرجو أن تسعد بإقامتك .

فهم ماكانت ترمي إليه ورغم استيائه نطق باحترام: شكراً لك سيدتي ، لطف بالغ منك

أشارت لهم آذنة بالخروج ففعلوا وقد كانت الزوجة وبمجرد خروجها تتمتم محتجة بشتائم عدة والزوج ينظرها متعباً ، بينما رافق لويس زويا ووالديها نحو غرفهم في الطابق العلوي .

_ هل ستبقون في هذا المنزل ؟

سأل آدم فأجابه رفيقه وهو يسير بمحاذاته نحو غرفتهما : سنبقى ياعزيزي ، حتى الزفاف ستبقى معنا وأتمنى أن تغير رأيك لاحقاً فتبقى لفترة أطول .

أومأ نفياً بابتسامة هادئة : كنت أتمنى ذلك ، لكن هذا صعب .. الحياة بهذا المكان مختلفة تماماً عما عشته ، سيكون من المستحيل بالنسبة لي السُكنى هنا .

دخلا الغرفة ومن فوره استلقى فيليب على أحد السريرين بارتياح ، والآخر أخذ يتأمل الغرفة الأنيقة الواسعة ، بستائر طويلة وسقف عالٍ ، وشرفة مطلة على الحديقة الخلفية .

تأمل اللوحة الجدارية بإعجاب : يالها من لوحة مذهلة ، أحببتها كثيراً.

_ لدى عمتي الكثير من اللوحات الثمينة ، إنها مهتمة للغاية بالفنون .

جلس على فراشه وخلع حذائه وجواربه ، ثم بدأ يدلك قدمه المتعبة بينما رفيقه يسأله: لابد وأن ماقالته العمة قد أحزنك ،أليس كذلك؟

نظر إليه لايعرف بم يجيب فاتبع الآخر ضاحكاً : لاتهتم بهذا ياصديقي ، إنها هكذا على الدوام ، لو رأيت كيف تعامل ديريك لما اهتممت أبداً بما قالته ، ورغم ذلك هو لايكترث أبداً ، إنه جيد باغاظتها بكل برود ودون اكتراث .

_ من يكون ديريك ؟

_ إنه شقيق لويس الأصغر ، أي أنه ابن عمي ، أظنه في مثل عمرك الآن ، ستراه حتماً في الحفل .

_ لا أعلم .. لا أشعر برغبة في حضوره ، هل يجب علي ذلك؟

_ للأسف إنك مجبر فقد تمت دعوتك رسمياً .

تنهد بضيق واستياء: لقد أردت حضور الزفاف وحسب ، لم أعتقد أن هذا سيحدث ، يجب أن أبدأ البحث قريباً عن عائلتي.

_ عزيزي لقد وصلنا تواً ، لازلت تملك الكثير من الوقت لتفعل ماتشاء ، ارتح اليوم وأعدك أني سأرافقك لمساعدتك .

أومأ إيجاباً بامتنان ثم استلقى على الفراش بتعب يحاول الرقود رغم كل الهواجس التي تجتاحه .

..................

خرج الأربعة من المدرسة يستقبلهم آرون أمام سيارته ، أشار لهم بالتحية فتوجهوا نحوه .

_ مساء الخير أبي ، هل اصطحبت تيريزا .

_ أجل .. إنها بانتظارك في الداخل ، هيا سأوصلكم .

_ عم آرون .. ماذا لو خرجنا للمطعم هذا المساء وتناولنا العشاء معاً؟

قالها ديريك برجاءٍ فأجابه بحزم : لن تتهرب من الدعوة بهذه الطريقة عزيزي ،فلقد دعانا والدك أيضاً .

تأفف ضجراً وباحتجاج نطق: لاأحب الاحتفالات الصاخبة .

_ عن اذنكم جميعاً سأذهب لمنزلي .

_ بل سترافقنا عزيزي ستيف ، والدك طلب مني ذلك .

نظرت له كريستينا بطرف عينها مستاءة : لم يجب أن يرافقنا هذا البغيض؟

أجابها آرون ببرود: من قال أنك سترافقينا ؟ لابد وأن والدكِ بانتظارك صغيرتي ، لاأريد أن يتهمني باختطاف ابنته .

مستنكرة أجابت : حتماً لن يفعل ! انتظر لتكلمه بنفسك وتتأكد من هذا .

أشار لهم بالدخول لسيارته ريثما تتصل بوالدها وما إن فعلوا حتى هتف وهو يقود سيارته مبتعداً : آسف ياصغيرة لدي موعد عاجل لايمكنني الانتظار .. وداعاً!

أسرعت خلفه ثم توقفت بيأس مستاءة : تباً لم تفعل هذا بي عم آرون !

زفرت بقهر ووضعت يديها على خصرها مفكرة بضجر ، بينما نطق عسلي الشعر بتعاطف: لم فعلت هذا أبي ، كنت لئيماً بحق ، لاتقارن هذه المسكينة بوالدها ، إن كان مذنباً فهي ليست كذلك .

_ هه كلاهما سيان ، أستطيع فهم ذلك من عيونها ، وتصرفاتها بالطبع تشرح كل شيء .

أيده ديريك بنبرة ساخرة : من الطبيعي أن لايدرك ابنك هذا ،فهو الوحيد الذي تعامله معاملة جيدة ، بل أكثر من جيدة ، أما نحن فهي تعاملنا بلؤم وشيطنة ، أليس كذلك ستيف؟

بلا اكتراث أجابه وقد أسند رأسه للنافذة يتأمل الخارج بهدوء : ربما .. ما أعرفه أنها تملك هالة غير مريحة ، لكني لا أريد الإسائة لأي كان ، لا أحد يمكنه فهم البشر بنظرة واحدة أو حتى حسب تصرفاته الظاهرية ، كثير من يخفي بداخله حقيقة لايستطيع إظهارها .

ابتسم آرون وهو ينظره بإعجاب من مرآة السيارة : يالك من ولد ، تجرأت على أن تصارحني بمخالفتك لرأيي ، بل وترى أنه خاطيء؟

استدرك الشاب ماقاله فأسرع يحاول مداراة ما أوقع نفسه فيه: المعذرة سيدي القائد ، لم يكن ذا مقصدي ، لقد قلت رأيي بالأمر وحسب !

ابتسم ضاحكاً يجيبه: لست مستاءاً ، بل على العكس تعجبني صراحتك ، لكل منا رأيه ومن الجميل أن نطرحه بشجاعة دون تردد ، وأن نحترم الطرف الآخر حتماً.

زفر سيكيم بضيق يقاطعهم : هذا الموضوع لايعجبني لنغلقه رجاءاً .

توقفت السيارة فجأة وقد نطق الأب بحماسة : وصلنا ، هيا يا أولاد البطاقة بين أيديكم ، لتشتروا ما أردتم .

هتفت الفتاة بسعادة : حقاً أبي! شكراً لك .

أخذتها بسرعة ونزلت من السيارة يتبعها البقية وقد استقبلهم ميخائيل أمام البوابة : تأخرتم يارفاق .

ضرب كفه بكف صديقه كتحية بينهما : مرحباً بك مجدداً آرون .

_ أهلاً بك ياصديقي العزيز ، هيا لننه رحلة التسوق هذه سريعاً فالفتاة تحتاج وقتاً للتزين كما تعلم .

ابتسم ضاحكاً وهو يتأمل سعادتها بينما تمسك كف شقيقها تقوده نحو مايعجبها من فساتين جميلة .

أخذ كل واحد ينتقي مع والده مايعجبه عدا ديريك الذي وقف يتأملهم بصمت أخفى الكثير وهو يضع يديه في جيبي بنطاله ، تأمله آرون بابتسامة هادئة ثم التقف بدلة زيتونية اللون : مارأيك بهذه ديريك ، إنها بلون عينيك .

بدهشة تأملها لبعض الوقت حتى نطق أخيراً مستدركاً : آه .. كلا .. أعني .. لدي الكثير في المنزل ، لابد أن عمتي تخيرت لي ماسأرتديه مسبقاً ، شكراً لك .

أعادها الرجل متظاهراً بالاستياء : كما تشاء يبدو أن ذوقي لايعجبك .

_ هل يعقل ذلك !

ابتسم ضاحكاً وهو يجيبه : كنت أمازحك ، لكن مظهرك الهاديء لايعجبني ، تبدو كشخص آخر .

_ كل مافي الأمر أني مللت التسوق ، وأفكر كثيراً بجدتي وبلويس ، لابد أنه يواجه المتاعب وقد اصطحبها لمنزل العمة ، إنها لاتحتملها ودائمة الغضب منها .

_ وماذا في ذلك ، إنها زوجة أخيها الوحيد ، لتكن عادلة قليلاً وتحسن إليها .

_ إنها قصص قديمة عالقة ، رغم كل شيء لا أحد يستطيع التخلص من الماضي بسهولة ، حتى موت جدي لم يغير شيئاً بقلبها .

اقترب منهما ميخائيل متسائلاً: عم تتحدثان بسرية .

أجابه آرون بتنهيدة مثقلة : نتشارك بعض الهموم ، حسناً ديريك .. لن أرغمك على البقاء وذهنك مشغول بما ينتظرك ، دعني أوصلك للمنزل ثم سأكمل التسوق معهم .

_ كلا عم آرون ، أستطيع تدبر أمري جيداً لذا لاترهق نفسك البتة .

_ لكن ..

أشار بكفه مودعاً وهو يغادر : ألقاكم مساءاً .

استدار للحظة يخاطب الصغيرة بمرح : برأيي الفستان الزهري هو الأجمل ، سيليق بكِ حتماً .. تشاو ٓ.

خرج وقد توقفت الفتاة تتأمله يرحل خجلة ، وماإن سألها شقيقها عن اختيارها الأخير حتى نطقت بثقة : الزهري .. هو الأجمل .

_ وأخيراً ،لحسن الحظ أن أحدنا استطاع اقناعكِ .

ابتسمت بسعادة وهي تتأمل الفستان بتفاصيله الأنيقة المتناسية وسنيها العشر ، بينما وجد الشاب أخيراً الفرصة ليبحث عما يريد .

....................

آدِيت~Edith 12-07-2022 12:35 AM

حل المساء وبدأ الحفل وصوت الموسيقى الكلاسيكية الهادئة تزيين الأجواء الربيعية الباردة، بمساء زينته النجوم تحف البدر الذي توسط السماء بهيمنة آسرة .

دخل الخادم يعلق بدلة جديدة فاخرة وحذاء : سيد آدم .. هذه هدية السيدة لك لترتديها في الحفل .

حائراً سأله بلا ارتياح: لكن .. لدي ملابس بالفعل ، لست بحاجة لأخرى .

وكزه فيليب مؤنباً : إنها أوامر العمة لايمكن أن ترفضها .

_ لكني لم أعتد ارتداء شيء فاخر كهذا ، لن أكون أنا إن كان همي الوحيد إرضاء البشر ، لن أغير من حقيقتي لأجل أحد البتة .

_ لاتكن صعباً يافتى ، جربها لن تخسر شيئاً.

التفت له بحزم مجيباً: سأخسر هويتي .

تأفف فيليب بضجر : رجاءاً لاتثر المتاعب ، إنها مجرد قطعة قماش أخيطت لترتديها في مناسبات كهذه ، لم المبالغة لست أفهم .

جلس على الفراش بضيق معتذراً: لا أريد وضعك بموقف صعب فيليب ، لذا سأبقى هنا ريثما ينته الحفل .

_ كم أنت عنيد ، العمة لن تغفر هذا حتماً .

_ لم لاتفهمني فيليب إني أرجوك لا أشعر بالارتياح لهذا الأمر.

تنفس الآخر الصعداء وجلس بجوار رفيقه يخاطبه بهدوء وصبر : حسناً .. سأحكي لك قصة ولتفكر بعدها وتقرر ، وأعدك أني لن أحاول مجدداً اقناعك.

_ كلي آذان صاغية .

_ إنها قصة خاصة وسرية ، ليس الكثير يعرفها ،كما يحظر تناقلها ، لكني سأخبرك بها لأني أدرك أنك أهل للثقة ، ولن تخبر أحداً مطلقاً.

أومأ إيجاباً بامتنان : شكراً لثقتك فيليب ، أقدر هذا حقاً.

ربت على كفه مبتسماً وابتدر الحديث بهدوء: جدي الأكبر كان سيد هذه العائلة ، توفيت زوجته باكراً ولحق بها وهو في الستين من عمره ، كان له ابناً وابنة فقط .. الفتاة هي عمتي ، ولقد تزوجت من رجل ثريٌّ للغاية لم تعش معه طويلاً ، أما جدي فتزوج فتاة ريفية بسيطة ، كان ثرياً ولكن ليس كما هي الحال مع عمتي ، اقتسم كليهما الإرث بعدل ، لكن خلافاً حدث بينهما لازلت أجهل سببه وسمعت أن عمتي بعد ذلك الخلاف تركت المنزل مع زوجها وأصيبا بحادث سير ، توفي زوجها وهي أسقطت جنينها الذي لم تكن تعلم بوجوده وقيل أنها لم تعد قادرة على الإنجاب مجدداً ، ولذلك حل الخصام بين الأخوين وهي تحمله إثم ماجرى دون حق .

ارتشف بعض الماء قبل أن يكمل : كان لدى جدي ولدين وابنة ، هما أبي وعمي والد لويس والراحلة عمتي ديانا ، وكما تعرف أبي أيضاً تزوج امرأة ريفية وعاش معها في القرية بعيداً عن الضوضاء والمشاكل وأنجبني وزويا وحسب ، بينما عمي والد لويس عاش في المدينة ورزق بلويس وديريك ، كانت المشاكل بينه وبين زوجته كثيرة بالرغم من أنها امرأة لطيفة ، وعمي كذلك أيضاً لكن الخلافات وجدت طريقها لهما بسبب أو لآخر ، لقد انفصلا حينما كان لويس بعمر الحادية عشرة ، تزوج كل واحد بعدها من شريك آخر ، ورزقا بأطفال كثر ، حتى أنا لاأعرف عددهم صدقني ، بينما عمتي ديانا تزوجت قسراً برجلٍ لاتُحبه ، فهربت من العُرس رافضة أن تكون له وقلبها ملك لرجل آخر ، لم أكن حاضراً يومها لكني سمعت الكثير بشأن هذه الحادثة ، البعض قال أن زوجها لحق بها وأحرق المنزل محتجزاً إياها فيه ، والبعض قال أنه كان حادثاً فقط ، ولكنها رحلت في النهاية عروساً وسط اللهب ، مما جعل أمها تجن منذ ذلك الحين ، وقد فقدت صوابها تماماً .

بأسفٍ تكلم متألماً : يالها من قصة مرعبة ومحزنة .

_ أجل هي كذلك ، ما أريد قوله .. أنه وبعد وفاة جدي أصبحنا لعمتي كما الأبناء الذين حرمت منهم ، وكلاً منا يسعى لإرضائها ، لاتنس أنها كبرت وأصبحت بحاجة للاهتمام والحب ،ولعائلة تحيطها ، لذا هي حازمة وصارمة وتلتزم بعاداتٍ وتقاليد مزعجة ، لكنها طيبة القلب في أعماقها ، عاشت حياة قاسية جعلتها تغدو هكذا ، أنا أفهم ماتشعر به فقد مررت به في الماضي ، عندما دخلت أسوار القصر للمرة الأولى ، كان صعباً الاعتياد وإجبار نفسي على فعل مالا قناعة لي به ، لكني احترمت رغبات امرأة مسنة حُرمت من كل جميل في حياتها ، أتمنى من كل قلبي أن لاتكسر كبريائها وترفض دعوتها ، واثق أنها ستقدر ذلك كثيراً .

صمت ذهبي العينين يفكر عميقاً بينما نهض رفيقه يهم بالمغادرة حين ناداه بغتة : فيليب .. انتظرني ، سأرافقك للحفل .

بسرور هتف ممتناً: أنت الأفضل آدم ، سعيد حقاً لأن لم تردني خائباً، هيا انهض سأساعدك .

ابتسم بهدوء ينهض مستجيباً له ، وكله أمل أنهم لم يتخذ القرار الخاطيء.

............................

_ مساء الخير ديريك ، ماهذا يارجل تبدو أنيقاً للغاية ، ماذا تركت ليوم الزفاف .

بضيق أجابه متذمراً : أشعر بالاختناق بداخل هذه البدلة المزعجة ، ولكن مالعمل إنها الأوامر على كل حال .

التفت بإعجاب للفتاة التي بدت كاللعبة بفستانها الزهري المنتفخ المتناسق وشريط رأسها الجميل وقد أسدلت خصلاتها الذهبية المموجة الجميلة .

_ مساء الخير أيتها الصغيرة الحلوة ، كم تبدين رائعة ، أحببت إطلالتك البريئة .

ابتسمت وقد احمر خديها خجلاً ، بينما أيده شقيقها بمحبة : وهل يمكن أن أجد فتاة أجمل منها في هذا الكون .

_ انظر خلفك قد تراها .

التفت متسائلاً وإذ بها كريستينا بفستانها الأسود اللامع الطويل ، وقد جمعت شعرها للخلف بتسريحة راقية .

تنهد مستاءاً وهي تقترب منه بخيلاء : مساء الخير سي ، مارأيك ..كيف أبدو .

_ أكبر من عمرك .

رد دون مجاملة مما جعلها تقطب حاجبيها بضجر : لاشيء يرضيك سي ، لقد كبرت لن أستمر بارتداء ذات الملابس الطفولية التي تشتريها لشقيقتك .

_ لازلت صغيرة كريس ، لا أفهم لم أنت في عجلة من أمرك .

أجاب ستيف وهو يقترب منهم : ربما لتحظى بالزوج الذي تحب سريعاً .

التفتت له كارهة وقد نطق رملي الشعر بما زادها غضباً: ليست بحاجة للعجلة إذاً ، هاهي زويا قد تزوجت بعمرها .

_ ليست كل النساء سواسية .

_ يالوقاحتكما ! لاتقارنني بقروية بسيطة جاهلة ، كل ماتطمح له هو الزواج وحسب .

_ ليست كذلك ، إنها قروية لكنها ذكية وراقية وأنيقة .

_ لابد وأن تبذل ماتستطيع للدفاع عن زوجة أخيك الطفلة ، لا أعلم كيف تقبل لويس هذا الوضع ، بالرغم من أنه مثقف ووسيم ويمتلك سمات الرجل المثالي الذي تحلم به كل النساء ، إلا أنه خضع لعاداتٍ جاهلة وغبية .

نظر سيكيم إليها بطرف عينيه دون أن ينبس ببنت شفة بينما نطق ستيف ببروده المعتاد : على العكس أراه سعيداً للغاية ، وأظن أنه وكما يقال من كان منزله من الزجاج فلا يرمي الناس بالحجارة .
_ يالك من وغد ، لقد تحملتك بما يكفي ، مالذي تريده مني ها .
قاطعها سيكيم وهو ينظر للوافد الجديد متسائلاً: من هذا ديريك؟ ولم هو مع ابن عمك؟

التفت البقية ينظرونه بتساؤل وحيرة ، وقد ارتدى بدلة خمرية أنيقة ، وشعره الكستنائي قد رتبه للخلف مما منح مظهره مهابة وفخامة امتزجت مع هالته المريحة النيرة.

_ لا أعرفه ، ربما هو الضيف الذي جاء برفقة زويا وعائلتها ، لقد استضافته عمتي في منزلها حسبما سمعت .

تلاقت السماء بعينيه بذهبيتا الشاب الدافئتين ، وشعور غريب قد تسلل لأعماقه لم يفهمه ، توجه ذهبي العينين إلى حيث تجلس العائلة والعيون الزرقاء لازالت تراقبه حائرة ، بينما زويا ظلت تتأمله بألمٍ تحتجز مشاعرها في أعماقها ، تذيبها شيئاً فشيئاً .

_همست المرأة لزوجها قلقة : حال الفتاة لايعجبني عزيزي ، ماذا لو ارتكبت حماقة ما قبل الزفاف؟

مؤنباً أجابها : أولست السبب بذلك ؟ أنت من أدخل الصبي برأسها دون أن تحسبي للعواقب أي حساب .

_ أأنا المذنبة الآن ؟ أم أنها عمتك الظالمة ، تُسيِّر الأمور لصالحها دون اكتراث لمشاعر الآخرين .

_ لاتتحدثي عنها بسوء ، إنها تعرف ماهو الأفضل لابنتنا ، لو أنها تزوجت ممن اخترته لعاشت مشردة طوال عمرها.

_ من يعلم ؟! رأيت كيف أن منزل عائلتهم كان فاخراً وكبيراً ، لو أنه عاد لأسرته لعاشت سعيدة معه حتماً .

تأفف بضجر وهو يعلم أن حديثها ذاك لن ينته فآثر الصمت يداري غضبه ، بينما استأذنهم آدم ليذهب للمغاسل ، وما إن دخلها حتى أبعد ربطة العنق بضيق وفتح زرين من قميصه يحاول التنفس بارتياح .

تأمل انعكاس صورته في المرآة بضيق وطيف والدته من خلفه تمسح على ظهره بحنان : كم تبدو مذهلاً.. ابني الوسيم الحبيب.

_ أمي .. هذا ليس أنا .. ليس من أردت أن أكون .

_ عزيزي .. قد نجبر على أمور لانحبها ، وعلى مسايرة البشر في بعض الأمور ، لكن هذا لايعني أننا قد غدونا أشخاصاً آخرين ، طالما أننا لانخطيء ولانذنب ، فلابأس ..ستبقى حقيقتنا بأعماقنا ساكنة .

_ أمي .. أشتاقك كثيراً ، أحن لمنزلنا الهاديء ببساطته ، بعيداً عن ضجيج الحياة المُنهِكة .

_ إني معك ياعزيزي ، إلى الأبد ، ساكنة بقلبك ولن أزول ..

اختفى طيفها ليتركه وحيداً من جديد بائساً قد اسودت الدنيا في عينيه ، غسل يده وبلل عنقه عله يستعيد شيئاً من نشاطه ، وإذ بصورة الفتاة تنعكس على المرآة باكية تعيسة .

التفت لها بسرعة قلقاً: زويا ! مالذي تفعلينه هنا ؟

أغلقت الباب من خلفها ونطقت بصوت مرتعش : أرجوك أنقذني ، لاأريد الزواج به .

_ لا تفعلي زويا .. إنه رجل رائع ، امنحيه الفرصة لتحبيه .

أومأت بالنفي ودموعها غسلت خديها : لايمكنني ذلك ، عندما تركتك كنت قد بدأت أعتاد الأمر ، لكن بمجرد أن التقيتك مجدداً ، لا أستطيع التفكير به مطلقاً .. أنت وحدك من أحب هل تفهمني .

مسح جبينه بكفه بضيق وعاد يتأملها بتعب : زويا عودي لصوابك ، لاتأثمي وارجعي لزوجكِ .

ابتسمت بيأس وقد أخرجت سكيناً صغيرة من حقيبتها ووضعتها على عنقها وسط ذهوله : أنت تخليت عني ، وأنا لايمكنني خيانة قلبي ، سأريحك وأريح قلبي معاً ..هذا هو الحل الأمثل ... أحبك آدم !


يتبع ....
.................................................. ........


الساعة الآن 09:06 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
هذا الموقع يستخدم منتجات Weblanca.com
HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

Security team