منتدى وندر لاند

منتدى وندر لاند (https://woonder-land.com/vb/index.php)
-   روايات مكتملة. (https://woonder-land.com/vb/forumdisplay.php?f=64)
-   -   لا يجب قول لا لفّخامته (https://woonder-land.com/vb/showthread.php?t=367)

JAN 03-09-2020 06:35 PM

لا يجب قول لا لفّخامته
 

* ،





بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


مساء / صباح الخير يا أعضاء و زوار أرض العجائب
شخباركم ؟ ، إنشاء الله كل شي تمام :&
اااحممممممم ااااححممممم
إنجي ما تحب المقدمات الطويلة :cup2::er-10:
فا حبيت انقل لكم احد الروايات القريبة جدا من قلبي :er-12:
رواية تليق بكم و بـ فخامتكم تصفيق1
كونوا بـ القرب :&

ملاحظة سريعة ~ النقل بيكون مرتين الى ثلاث مرات في الاسبوع كل يوم بنقل لكم (3-4) بارتات
العدد قابل لزيادة :&


JAN 03-09-2020 08:55 PM




* .


معلومات عن الرواية

الأسم : لا يجب قول لا لفخامته
الكاتبة : Chanez
المنتدى : منتدى غرام
تاريخ النشر : 2013-4-13, 03:26 PM





~,

JAN 03-09-2020 08:56 PM




سـلام عليـكم و رحـمة اللّه و بـركاته

أنـا عـّضوة جديّدة بـهـذّا المنتـدى ـ منتـدى غـرام و بـالـّرغم من أننّي كـّنت أتـّابع بصـمّت كـّل مواضيـّع التـّي
تخّص مـعظمّ الأعـضاء لكـّن تـأخـّرت بالتـسجـّيل
و الآن بـعدّما سـجـّلت قـّررت أن أضـّع روايـّتي الثـمينة و الغـّالية ، الـعـّزيزة جـدّا على قـّلبي هنـّا .. كـّيف لا و كـّنـا صـدّيقين لمـدّة أربـّع سنوات
كـّل مـرة أقـومّ بـتجدّيدهـا نـحّو الأفـّضل ، أحـّاول الإرتقـاء إلى مستوى منّ قـرأت روايـّاتهم
أحـّاول جـاهدّة سـّاعية أن تـّكون أحسنّ من المـّرة التّي قـّبلهـا
و قدّ حـّان وقـّت خـّروجهـّا و إستنشـّاقهـّا لعـّبير قـّليل من نقـّدّ و قـّلة من إعـجّاب ، لذّا
لقدّ وضـّعت خـجّلي جـانـّبا و إستجـّمعت شجـّاعتي خـّلال هـذّه المـدّة لأضـعهـّا بين أيـدّيكم
أرجـّوا المتـّابعة و سـأكّون ممتـّنة للـحّصول على قـّليل من القـّراء

ـ
رواّيتي يـّغلبّ عليهـّا الطـّابع الـرومانّسي الإجتمـّاعي ، يتخـّللهـّا الـقّليل من الكـّوميدّيـا و بّضعة بـهاراتّ من الـواّقع
أحـّم أعـّلم أننّي سيـئة في تـّرك الأنطـّباع الـجيـدّ لـكّن .. أحـمّ سـأكونّ ممتـّنة للـحّصول على بـّعض التـّشجيع
أعـّلم أنهـّا لّيست كمـعضم روايـّات التّي هنـّا لكّن جـّربوا أأكـدّ لـّكم أنكمّ لن تـندموا

مقــــــــــــــدمة

نحن البّشر لسنا معصومين عن الخـطأ ، فتـرانا نتمـايل في طرق مختلفة قد تكون محرمة لكن و لسبيل غايتنا نخطو على ضمائرنا فقلوبنا فعلى عقولنا ،
و بكلماتي هذه إني لا أعفي غيري و لا نفسي فمبدئي أننا كلنا سواسية
هكـذا قلت ، و هـذا مبدئي لكنني كالجـميع أقول ما لا أفعل ، و أفـعل ما لا أقول .. فـملخص الحديث
أنني و بالرغم من نفي لفـكرة الخطيئة و الـخطأ وجدتني أقع فيها رأسا على عقب


الجـزء الجـديد – روايـة لا يجـب قـّول لا لجلالـته


JAN 03-09-2020 08:58 PM


بـدّاية الصـّفر – الجـزء الأول




بـدّاية الصـّفر – الجـزء الأول

شـجرة طـويلة تمتـدّ أغـصانها الحـاملة وريقـات وردية الـلون من شـرفة إلى غـاية تلك الـغرفة الـبسيطة ذات الأثاث الـقـديم ، جـدرانها بيضـاء و في وسـط احتل السـرير الـجزء الأكبر من المـساحة و على الـرغم من أنه كـان صـغيرا إلا أنه وجد عليه جسم شـابة نـائمة بكـل راحـة و هـدوء ذات شـعر بـني قـصير أشـعث و بشـرة بيضـاء ، فجـأة رنّ منـبه فـوقفت بسـرعة ليـظهر طـولها المـتوسط و الأقـرب للـقّصر و هاهي قـد فـتحت عينـيها الـبنيتين الـواسـعتين ، كـانتـّا بـرغم من أنهما عـاديتان لكنّ كـالزجاج الذّي يـعكس مـا يـراه من حـوله فـعينيهـا تفعلان الأمر تماما مع مشـاعرها .
حمـلت منشـفة وغـادرت متـجهة نحو غايتها لتـخرج بـعد دقـائق معـدودة مرتـدية فستـانا أحمـر اللون ريفـي نوعـا ما و على شفتيهـا أحـلى ابتسـامة، فـتحت باب و ظـهر رواق و بخـطوتين منها عـبرته لتصّبح في الصـالة يطـل من الـجهة المـقابلة مـطّبخ و حيث كـان التـلفاز شـغالا ليـطلق صـوت المـذيع في الأرجـاء مختـرقا ذلك الـصّمت
_ تّم الـعثور على جـّثة امرأة بـمنتصف العشرينيات في منـزلها الـخّاص ، بـعد الكشف عن هويتها اتضح أنها مـجرد مـحامية مبتـدئة لوكالة ديفانس المشهورة ، كانت بـيدها قضيتها الأولى التي تـخّص طلاق زوجة . و الـغريب في الأمر أن هـذه الجـريمة من قبّل كرانغ بعد أن تـركّ بصماته في المسرح و كل المعلومات الأخرى عن سبب و كيفية قتلها مجهولة رفضت الشرطة الإفصاح عنها ، لذلك أيها الـسّادة من فّضلكم تـأكد من إغـلاق الأبواب جيدا قبل خلودكم إلى النوم و أتركوا الـهاتف بـجانبكم على الـدوام فـنحن لا نـعلم من هو الـهدف التالي العشوائي لـكرانغ
تنهـدّت الفتاة بأسى و هي تـهز رأسها ذات الـيمين و الـشمـّال ليس لأنها استمعت لما قـاله المـذيع تـوا بـل من نفـاذ القـهوة من عنـدها و لا رغـبة لها الآن بالـخروج لشـراء واحدة . فخـرجت من الـشـقة متـجهة نـحو جـاّرتها ، طـّرقت الـباب غـير آبهة لكمّ تشير عقـارب السـاعة ليـفتح و تظـهر امرأة كبيـرة في الـسن و بالـرغم من التـجاعيد التي غـزت وجهها إلا أنها لا تـزال محـتفظة برونـق جمـالها الآسر ، قـالت بإنـزعـاج
ـ مـاذا تـريدين في الصبـاح الـباكر مـاري ؟
ابتسـمت الفـتاة المـدعوة بـماري و السـذاجة قد عـلت وجهها ، إن دّل على شيء فـهو لابدّ كونهـا إمـّا بريئـة أو تـدعي البـراءة فـردت عـليها بتـهذيب شديد يتنافى مع طريقة رنها للجرس منذ قليل
ـ صبـاح الـخير سيـدة فـرانسيس أنـا أريـد أن أستـعير بـضعة كمية من القـهوة فلقد نـفذ مـا لدي و المـحّل القـريب من حينـا يبـعد حـوالي ربـع سـاعة و أنا لا أرغب في الـذهاب الآن مع إحتـمالية إيجـاده مغـلقا ، احم لذلك من فـضلك الـقليل فقط ؟
كشـرت السيـدة فرانسيس و تمتـمت بشـتائم عـدة في طـريقهـا نـاحية المـطّبخ ، عـادّت بـسرعة و أعطـتها كـيس الـقهوة كـاملا ثـم قـالت بحـدّة
ـ لا تـعودي إلا و مـعكّ المـال فـالمـهلة المـحددة قـدّ إنتهت الـيوم
لم تـغادر الابتسـامة فـمّ مـاري عنـدما أجـابتها بالايجـاب و عنـدمـا حـّضرت كوبهـا الدافئ في هـذا الـفّصـل البـارد من الشتـاء اسـتلقت على الكـنبة بكل استـرخاء و قد قررت أنها سوف تـنهي بحثـها الـيوم فـلا شيء آخر لديها لتفعله .
صبـاح يـوم الاثنين
وضعت يـديها على خصرهـا بقـلة حـيلة و نـظرة الأسـى قد ارتسمت على وجهها ، نـقطة آخرى مـثل هـذه و سـوف تفشـل بكل تأكيد حسنـا و ما الذي قد بـقى لتستطيع فـعله ؟ فقد ذاكـرت و حفـظت كـل كـلمة في كـل محـاضرة قـد ألقـاها الأسـاتذة لكن لمـا هـذه الـعلامة لا تنـفك إتباعها في حيـاتها ؟ زفـرت بغيض و هي تـهمس لنفسهـا
ـ كـل هـذا لأن جـاك ألـقى لـعنته علي .
ـ مـاري .. مـاري
نـظرت إلى الأمام حيث كـانت تـقف شـابة ذات قـوام ممشـوق كأنها من عـارضـات الأزيـاء ، شـعرهـا الأشـقر المـتموج على ظهـرها و عينيـها الذهـبيتين ، بشـرتها الـبيضـاء الخـالية من أي شـائبة ، فـعـلا إنهـّا مـلكة جمـال .. أكـملت كـلامها بـهدوء
ـ أيـمكننا أن نـذهب في نـزهة ؟ أريـد التـحدث مـعك في مـوضوع خـصوصي
استـغربت مـاّري منهـا ، كـلير طـالبة تـدرسّ معها و لا تتـعدى العـلاقة غـير ذلك كمـّا أنه يـمكنّ الـقول أنهـّا تـكنّ بضعة مشـاعر ليس كـره و لا المـحّبة لكنّ أقـرب للـبغض و بالـرغم من هـذا أجـابتها بابتسامة على مـحياها لم ّ تفـارقـها قط
ـ طـّبعـا كـلير ،
و فـور أن وافقـت مـاري حـتى أسـرعت كـلير نـاحيتها لـتمسكها من ذراعهـا و هي تـقودها نـحو سيـارتها الـجديدة التي اشتراها لّـها والدها ، صـعدت على متـنها و هي لا تـزال منـدهشة ثـم قـالت بهدوء
ـ كـلير أيمـكنك إعـطائي لـمحة عن هـذا المـوضوع فـطريقة تصـّرفك غـريبة
لم تـّقل شيئا و إنـمـّا ضـغطت على المـكـّابح بأقـصى ما تـملك مـن قـوة لـيـّسمع صـوت عـالي إلتفتت إليـه كـل الأنـظار ، أدارت المـّقود بكـل احتراف متـجهة نـحو مـطعم مـا لكـي يتمكنا من الـحديث
/
غـّـرفة كـبيرة جـدرانهـّا ذهـبية اللـون تـحتوي على مـكّتبـة عليهـّا مـعظم مـّلفـات العـمّل و مـكّتب فـخمّ أسـود مـطّـرز بـزخـّارف ذهبيـة تمتـدّ من الأعـلى نـاحية الأسـفل ، عـّلق خـلفه صـّورة لـرجـّل كبـير في الـّسن يـرتدي مـّلابس قـديمة لنبـلاء و يـظّهر عليه صـفات الكـبرياء الـغـرور .
كنـبّـات سـوداء تتـلائم مع تـلكّ الـسجـادة المنـفـوشة وسطـّها مـائـدة زجـّاجيـة وضـعت عليهـّا مـزهـرية بهـّا ورود جــافة ، كــانّ مستلقـّيا على أحـدها شـّاب ببنـّية قـوية نـوّعا مـّا يـده تـلامس الأرّض و الأخـرى على وجهه
رنّ هـاتفـه فـقـطّب بإنـزعـاج ليحـّاول إسـكاته ، أنـّف مـسـلول و شـّعـر كـحلي حـريري لامـعّ غـطى مـعظم ملامحه ، عـينين داكـنتين حـادّتين تـعـّرفـان على مـدّى خـطّر هـذا الـشـّاب ، في منتـهى الـجـاذبية و بغـاية الـوسـّامة كأنه أحـدّ لوحـّات ليوناردو دافينشي أو بيكـاسو جـّلس بـتعّب ثـمّ رفـعه و قــّال ببـرودة و بـحّة صـوته تتـردد في الأرجـّاء كـالصـدى .
ـ نـعم ؟ إفـعــل مـا تـريده أنـّا لا أهـتم ،
ثـمّ أغـلقه و رمـاه بكـل بسـاطة في تـلك الـمـزهرية ليصـمت إلى الأبد .
/
في ذلك الجـناح الفـخم كـّان يجـّلس على الـسرير بينمـّا زين فـمه بإبتسـامة خـبيثة و مـاكـّرة لمّ يسـتـطع أنّ يخفيهـّا بـالـرغم من أنـّه ممثـّل نـّافس نـجوم هـوليوود في بـّراعـتهم ، يـرتدي سـروالّ جينـز و منشـّفة بيضـّاء على كتـفيه .
ذو شـّعـر بنـّي لامـّع مـصّفف بـعناية بـّواسـطة الـّراعي الـّرسمي لكـّل لرحـّلاته ' جـّل ' عـينيه نـّاعـستين بـلون الـعّشب الـنّقي و بّـشرته البـيضـاء الصـّافية من أي شـائبة ، جـسمّ قـوي و مـا الذي قـدّ تـريده الفتـيات آكـّثر من ذلك ؟
ابتـسـامة سـّاحرة و جـاذبية بـحـّتة مـعّ عضـّلات بـاّرزة و ثـّراء لا حـدود له إنـّه فـّارس أحـلام كل مـّن تـقع عينيها عليه ، فجـأة وقفّت أمـامه إمرأة لمّ تـكنّ تـّقل عنه بمستوى الجمـّال فـّشعـرها الأسود الـحريري انسـّاب بكـّل حـّرية على ظـهرهـّا و بّشـرتها الـبرونزية مـّع مـلامحها الفـاّتنة كـأنها حـّورية تـّسيـر و بذلك الـّثـوب الأحمـّر الذي انسدل على قـوامها بكل تنـّاسب و عنفـوان فـيـمكنّ الـقول عنهـّا .. مـلاك ، تـحدّثت بهمّس مثـير رغمّ أنه لا يوجد أحدّ غيرهما
ـ عـزيزي مـا رأيـك ؟
رمـّقها بـسـّخرية و لكنّ لم يستـطّع أن يـخفّي الإعجاب الذّي تـّرسله عيـنيه نـحّوها ففي وجـودهـّا هي و هّي فقـط تــّسقـط جـميع حـواجزه جـّانبـّا و تختـّفي كـّل مقـاوماته و خّبراته كـأنهّ طـّفل يـكـّابر لكـّنه يـريد و بـشدة الحـّصول على تـلك الـحلوى .
ـ تـبـدّين كـّفتـيات الـليّل إليـزابيث ،
اقـتربت مـنـّه و عـّلى شفتيها الحـمّـراوتين المتوكزتين ابتسـّامة بـّاردة .. قـبلته بكـّل جـرأة على خـدّه مـع انحـنائها استنشـّق رائـحة عـطّرها فإزداد ارتبـاكاّ ، رفّعت معـطّفها المّصنوع
من الفـرو و ارتـدته ثـمّ قـالت بخـّفوت و رقّـة
ـ شكـّرا حـبيبي
وقف بـعـّصبية و ارتـدى قـميصه على عـجّل رافـّضـا دقـات قـّلبه المـّسـعورة التـّي تنـّبض على صـوتهـّا النـاعـمّ ، قـّال ببـرود نـجّح في إتقـانه
ـ كـّل شـيء جـاهـز فـّهـل أنـّت مسـتعدة ؟
وضـّعت يديهـّا حـول خـّصـره و هي تـدركّ تـمام الإدراك بمـدى تأثيـرها عليـه فـهاهي رجـّفته تـنتـّقـل إليهـّا ، قـالـت بتـحـدّي
ـ طـّبـعا
/
تـوقفت شـاحـّنة كبـيرة عنـدّ ذلك المـبنى الـبّـالي فـخـّرج العـمـّال و همّ يحـملون الأثـّاث أخـذينه إلى الـدّور الـثـاني في الشـقة الـيمـنى، وصـّلت سيـّارة خـلفهم و خـّرج شـّاب منهـا . كـانّ شـعـره أسـود طـّويل قـليلا فـقط يـّربط معظمه و يـرتديّ قميصـّا أزرق مـعّ بـنـطّال أسـود و يـّضع نـظارات لتـحميه من أشـّعة الـشمس . رفـّع يـديه عـّالـّيا محـاّولا طّـرد الكـّسـل فجـأة ظـّهرت إمـرأة عـجوز أمـّامه من الـعدم لتـجّعله ينـدهش ، قـالت بصـرامة و هي تـلقـي نـظّرة مـقيمة له
ـ مـرحبـّا بـكّ في المـبنى و الحـّي بشـكّل عـام ، أنـّا السيـدة فـرانسيس زوجـة الـسيد فـرانسيس الـذّي قـمّت باستئجار الـشـقة من عـنده و أنـّا هنـا لأرحـّب بـكّ فقـط فأهـلا
ـ مسـّاء الخـير أدعـى ويـليـام دويـل يـمكنـكّ مـناداتي بـويل ، إنـّه لشـّرف لي لقـائكّ سيـدة فـرانسيس
ابتـسمـّت بخـّفة و قـدّ اعـجبتهـّا طـّريقته في الكـلام إنـّه لبـّق ، قـّـالت بفّضول كعـادتهـّا رامـّية صـرامتهـّا تـلك جّنـبا
ـ مـاذا تـّعمل ويـليـام ؟
ضـحكّ بـتوتـّر من سـؤالهـّا المـفـاجئ ثـمّ انـحنى ليـّقـبل يـدهـّا بـكل إحتـرام و هو على شـفتيه ابتسـامة وديـّة
ـ مـا رأي أن تـدعوني الآنسـة الجـميـّلة لكـّوب شـّاي كي نتـّعرف على بعضّنـا أكـّثر ؟
احـمّرت وجنتيـّها و هي لا تـنفـكّ تـرديد كمّ هـو لـطّيف و جـذابّ .. ثـمّ سـّارعت بإدخـّاله لشـّقتهـا كـّي تتحـدّث معـه أكثر بينمـّا تـركّ ويليـام مـهمتـه ألا و هـيّ الاشـراف على العـمال لتـرتيب الأثـاث لكّن لاداعـي فليـفعلوا مـا يشاءون .

إنتهـّى ـ أرجـّوا أنّ يكونّ قدّ حـازّ و لو على القـّليل من رضـّاكم


JAN 03-09-2020 09:00 PM


تـّعـارفّ



تـّعـارفّ ـ

غـّيـوم المنتـّشـرة في السمـّاء تعـّلن على قـدّوم عـّاصفـة محـمّلة بأمـطّـار مـدّمرة أمـّا القـمّر فقـد اختفى و
معـّه ضـوءه الـذّي يـنيـّر طـّرقـات لـندّن من بيـنّ ضـبابهـّا هو يّصـنع طّـريقـّا لجمـّيع سكـانها سـاعـة العـّـاشـرة ليلا
فتـحتّ مـاري بـواّبـة و على غـّير عـادتهـّا الـبـشوشة لمّ تـكنّ مبـّتسمة.
ثـّوبـّا الأحمـّر الـريفي قـدّ ابتـّل و عينيهـّا تـظّهـّران حـجمّ الـبؤس و الأسـى الـذّي يـّقبع بـدّاخـّل قّلبهـا، أخـرجـّت مفاتيحهـاّ لكنّ لارتـجّاف أصابعهـّا تسـاقطّت محـدثة ضـجة في ذلك المبنـى الهـادئ .
انـحنت ّ و رفّعتهـّا مجـددا ثـم أدّخلتها في ثـّقب المخصص لها
أغـلقت البـاب خّلفهـا بـشرود ثـمّ اتـجهت إلى الأريكة و جـّلست بينـمّا كـلام كـلير يـعـاّد من تـّلقاء نفـّسه
في رأسهـّا رافّضـا تـّركها و شـأنها
أن يـّفلس والدها هـو أمـّر اعتـادت عليه بـمرور الـسنين لكـّن لمـاذا فـّعل هـذا بـها ؟ و لمـّا لم تـّخبرهـّا فــلور ؟
ـ | اسـتمعي إلي جيـدّا ماري لأنني لنّ أقـول هـذا سـوى مـّرة واحـدّة فقـطّ ، لقـدّ أفـّلس والـدّك مجددا ل
كـّن هـذه المـّرة لا مـفّـر له من الـدّيون و أّصبح مدّينا لـنّا بمّا يـّقـارب 500 مـّليونّ دولاّر فـعّـرض صـّفقة
لتـنجيه غـّير أنهـا لّيست مـجّرد صـّفقة عـادّية ، إنـهّا تـّخصك أنـت مـّاري . فقـد ّعرض على آرثر أخي
بـيع أحدكمـّا أنـت أو أختك له مقـّابل تـركّه يدّفع نصّف الـديونّ و بمـّا أن الأمـّر هـكـذا فـأختـكّ كـلير
قـدّمت نفّسها لحمـّايتك ، و أنـّا قررت أخبـّارك لعلكّ تتصـّرفين في هـذه المـسـألة فـأنت قدّ لا تعـّلمين
لكّن أخّي آرثـّر متـّزوج و نحن عـائلة غـلوري لا نـريد خـروج الأمـور عن الـسيطرة |
رفعت هاتفها النـّقال بتـردد فمنـذ أن غـادرت المنـزل لمّ تتصـّل أحدهما بالأخـرى و كـّل ذلك
من أجـل سلامتها هي .. ضـغطت على رقـمّ بأصـابع مرتجفة ثمّ وضعته عنـد أذنهـّا ، لحظات
حتـى انتقـل إلى مسـامعها صـّوت هـادئ نـّاعم لم تـخفى نـبرة الحزن منه
ـ ألـو .. منّ مـعي ؟
بـّلعت ريقهـا مرارا و تـكّرارا محــاولة إخـراجّ صـّوتها و النـطّق بإسـمّ أختهـا التّي ضـحت بالكـثير و
لا تـزال تـّفعل من أجـل العـائلة فقط
ـ فـّلورا ، إنهـّا أنـا ماري ..
عمّ الـصمت في الجـّهة الأخـرى إنهـّا متـأكدة تماما مـّدى تفـاجئ فـّلور و مـدى رفّضها لمكـالمتها
لكـّن لا خيـار آخر ، فعـادت تـقول بإرتبـاك
ـ فــلور ، أنـا أعـلم
اكتـسى الغـّضب مـلامح فـلور بالـرغم من أنهـّا حـّاولت جـاهدة الحفـاظ على هـدوءهـا
ـ تعـلمين مـاذا مـاري ؟ أنـت تتصـلين بي الآن بـعدّ رحـيلك عنـّا فجـأة و تقولين أنكّ تعلمين ؟ تعلمين ماذا بالتـحديد ؟
قـالت بإندفـاع : لمّ يكن لدي خـيار سوى الـرحيل ، فـلور هيـا لا تـكوني هـكذا فـأنا فعلا لمّ أمتلك خيـارا آخر
، و هـذا ليس موضوعنا الآن .. فقـد أخبرتني كلير عن ديون أبي الـجديدة و عن الـصّفقة التـي عرضّها
أريـدّك أن تـ
فـلور بّصـراخ غـّاضب : تـريدين مني مـاذا بالـضّبط ؟ أن أتخـلى عنه كمـّا فـعلت أنت قـبلا ؟ أم أنّ
أهـرب بـدون وجـهة مـثـلك ؟ ، لا يـا عـزيزتي مـاري.. أنـا فـلور ،فـلور التي سـوف تفـّعل المـستحيل من أجل هـذه العـائلة ،
مـاري بإرتبـاك : فـلورا إستـمعي إلي من فـضلك ، أنـا أحـبك فـعلا و أريـدّك أن تمضي في حيـاتك فـوالدنـّا
لن يصـبح الأب المثـالي الذيّ تـحلمين بـه أبـدا و أظنك تـعلمين هـذا جيـدا لـذلك تـعالي إلي سـأرحب بـك
و لنـّعش مـعا ، نـحن لسنـا بحـاجة إليه فـهو لمّ يجلب لنـّا غـير المـشقة و التـعّب
تـنهـدّت فـلور بقـلة حـيلة من إختـها الـصغرى الـجـاهلة ، ابتسـمت بهـدوء ثـمّ قـالت و هي تـحاول
تخفيف من قلق مـاري الـعارم نحوهـا
ـ لا داعي ، أنـا بـخير و أفـعل هـذا برضا تـام . لا أريـد المـّقـابل لذلك لا بـأس
مـاري بـعصبية : أنـت لا تفـهمين ، سـوف أتـي و أخـذك حـتى إن رفـضت سـأجركّ إن اضطررت
لنّ أسمح له بتـدمير حيـاتك أيضـا .
فـلورا بـغضب : أخرسي تـبا لكّ تـفقدين المرء عـقله ، لا أريدّ إنقـاذك الـبطولي و لا حـضور فـخامتكّ العـالي
، أنـا أفـعل ما أشـاء وقتمـا أشـاء حينمـا أشـاء . لا تتـصلي بي و لا تـحاولي إلـغاء الصفقـة لأنني
لـن أسـامحكّ مهمـا حييت
ثـم أغـلقت الخـطّ ، تنهـدت بتعب .. فـلور عـنيدة و قـوية لكـن إلى متـى سـتدوم هـذه الـقوة ؟
هـزت رأسها طاردة هذه الأفكـار المـتعبة ثم وقفت و اتجهت إلى الثـلاجة فـتحتها و بثانية غـيرت رأيها
و أغلقتها بـكل عنف .

بـعد أسبـوع

كـانت مـاري نـائمة على سريرها تـحتضن دمية بين يديهـّا و تـّضع عـدة أغـطية فوقهـا لتـقيها من مـوجة
الـصقيع ، المـطر يتسـاقط بـغزارة و السمـاء مـّرعـدة بينمـّا الـغيوم متـراكمة بـكثـرة و الثـلجّ قد بـدأ
بالـهـطول منـذ نصّف سـاعة تقـّريبا
لا مـزاج لهـا لذهاب إلى الجـامعة فالـطريق مـقـطوعة على أية حـّال و لنّ يحضـر أحـد بمثـل هـذا الـجو
، فـمن المـجنون ليـخـاطر بـحياته من أجل محـاضرة تدوم لسـاعتين فـقط ؟
رنّ الـجرس فـجأة فقـطّبت و أسـرعت بـوضّع وسـادة فوق رأسهـّا حيث أن الأغـطية لمّ تـكفي لمّنع
تـّسرب الـصـوت المـزعـج إلى أذنيها. و عـندما لمّ تـيأس الـسيدة فرانسيس من المحـاولة وقفت ماري بانزعاج
، كـانت مـرتدية فستـانا أبيض اللون مع معـطّف و تـضّع وشـاحا حـول رقبتهـّا و تـرتدي أيضا جوربين طويلين
سوداء مع حـذاء منـزل وردي منـفوش بـطريقة أنثوية ، فـتحت الـباب بهـدوء و هي لا تـزال مغلقة عينيها
بالرغم من أن عـقارب الساعة تشير إلى التـاسعة إلا رّبع . قـالت بابتسامة
ـ صـباح الـخير سيــدة فـرانسيس .
تنحـنح ويـليام و هـو يـّرد الـتحية الصبـاحية عليها بـكّل لبـاقة مـانعـّا نفسه من الضـحكّ على هـذه
الفتـاة الـغـريبة ، أهي تـسير في نـومهـا ؟ لكـن و عندّ سمـاع مـاري ـ لصّـوت رجـولي غـير صـّوت
السيدة فرانسيس الذي اعتـادت سـماعه طـوال الـسنتين المـاضيتين ـ قـامت بـفتح عينيهـا على
وسعهـمّا ثـم صـّرخت بـّرعب و أغلقت الباب في وجهه متـناسية أساليب اللبـاقة أو أنوثة الفتيات .
ضّربت خـدها بـقوة لابدّ أنه الجـار الـجديد الذي لا تـّنفك سيدة فرانسيس ذكر محـاسنه
أسرعت بالـركّض نـحو الــحمام و غـّسلت وجهها ثـمّ أسنانها ، نـزعت المـعطّف و رمـته على المـكّتب
ثـم عـادت تـركّض نـحوه لـكن تـوقفت فـجـأة لتـعود إلى الحمام مجددا ، سـّرحت شـّعرها لكن لمّ يـنجح الأمـر
فـأخـرجّت قـّبعة بيضـاء من الـدولاب و وضعتها على رأسهـا ، لا أحدّ يضع قبعة على رأسه في المنـزل لكن هـذا
بنـظرها لا يـهم . فتـحت الباب له مجددا و ابتسـامة إحـراج تـعلو وجهها
ـ أحم أسفه ظننتك شخصـّا أخر ، أنــا مـاري روبـرت و أنـت ؟
ضـحك ويـليـام و لّم يستطع منع نفـسه هذه المـرّة ، مـدّ أصابعه نـاحية فمها و أزال بقعة معـجون أسـنان
و قـام بـتقديم صـحنّ به أجـمل الحـلويات المـّغرية التي رأتها ماري و قـال بابتسامة ودودة
ـ أنـا ويليـام دويـل تـّشرفت بمـّعرفتك آنسة مـاري و عـذرا لأنني لمّ أعرف نفسي سـّابقا
احمرت وجنتيها من الخـجّل و وضعت يديهـّا خلف ظهرهـّا دلالة على الارتباك كعـادتها ما إنّ تلتقي بالـغربـاء
لكن قـطّع هـذا الـجو مـرور الـسيدة فرانسيس و هي تـحمّل ورودا جديدة لتضعها في المـزهرية لولا أنهّا
توقفت عنـدما لمحتهما ، قـالت بسخرية
ـ مـاري ما هـذا الذي ترتـدينه ؟
نـظرت مـاري إلى نفسهـّا ملابسهـّا ليست مـرتبة لكنّ ليس بالأمـر الذي يـدعوا إلى الـسخرية و
ما الـعـمّل إن كانت التـدفئة قدّ تحتـاج إلى إصـلاح ؟ ، ابتسـمت ماري بضحكة و هي تـدور بخفة
ـ إنهـّا المـوضة سيدة فـرانسيس ، كيـف حـالك ؟
سيدة فرانسيس بغيض : لا أعـلم مـتى تـكبرين و لا أعـلم لمـاذا لا أزال أبقيك في المـبنى ،
صبـاح الخيـر ويـليام
ويـليام بـلطّف : أسـعد صـّباحك سيدة جورجيـا ،
سيدة فرانسيس بـفضول : ما الذي تـفعله هنـا ويليـام ؟
تنهـدت ماري بكـره من فـّضولها الذي لا ينتهي و دخـلت إلى المـطّبخ تـاركة البـّاب مفـتوحّ و هي تسـتمع إلى
حديثهمـّا ، وضـعت الحـلويـاّت على تـلك الطـّاولة الـّصغيرة التي تـكفي شـخصين فـقط .
تفـاجأت عنـدمّا دخلا كـل من ويـليام و السيـدة فرانسيس من الـباب ، إتجـها إلى الطـاولة و جّلسـا
بـكل راحـة على الكـراسي بينمـّا هي لا تـزال منـدهشة ، ليست مستغربة من سيدة فرانسيس فهي
تدخل شقتها بكل بـرودة أعـصاب و بدون إذنها في كثير من الأحيان لكنّ الجـار الجـديد أيضـا ؟
وضـعت أبريق الشـاي على الفـّرن ثـم مـا إنّ سمعت الصفير حتـى أخـذته و ملأت الفناجيل ،
جـلست على المنـضـدة تـستمع إلى أحاديثهما المخـّتلفة ،
ويـليـام بتعجب : أحقـا ؟ لمّ أكن أتـخيّـل أنـك يا سيـدة جورجيـا سوف تتـزوجي بهذه الـطريقة التـقليدية ،
أنـا أرفـّض هـذا المـبدأ
سيدة فرانسيس : لقدّ كـنت في الخامسة و الثـلاثين و لمّ يـكن لدّي الكثير من الوقت لأبحث عن فـارس أحلامي ، حينهـّا فـكرت هل أريدّ الـبقاء وحيدة ؟ ماذا إن لم أجـده ؟ لذلك قـّبلت فورا بعرض والدي
ويـليام : لكن و بالـرغم من هـذا ، ألا تتساءلين ما الذي كـان سيحـدث إن لم تتزوجي ؟ أعـني
إن كـنت ستقابلين نصفكّ الأخر ؟
ابتسـمت سيدة فرانسيس بهـدوء و قدّ لمـعت عينيهـّا بنـظرة حـّب و هيـام ، لمّ يسبـق لمـاري
أن رأتها على وجهها قـبـلا .
ـ لا لـقدّ قـابلته هو زوجي الآن السيـد فرانسيس بول ، الـرجّل الذّي انتـظرته طـوال حياتي و عنـدمّا
فقدت الأمل في إيـجاده ، كـان هو قدّ وجدني و بالـرغم من أننّا التقينا عن طريق والدينـا لكنّ لحـظة ما رأيـته
عـلمت أنه هو الـرجّل المـوعود
مـاري بـدهشة : أوه سيـدة فرانسيس من يـراك تتـحدثين عنه هـكذا لنّ يصـدّق أنكمـّا تتشـاجران طـوال الأيـام ليـل نـهار و بـدون تـوقف
رمـقتها سيدة فرانسيس بـحدة فضحكت مـاري و هي تـلف وجهها للـجهة الأخرى فقـالت الأولى بـغـرور
ـ طـّبـعا لنّ أريه حـبي لـكي يـغتر بنفسه و يذهب للـبحّث عن نسـاء أخريـات ، لا يـا عزيزتي هـكذا أفـضل
ضحك كـّلا من ويـليـام و مـاري عـلى كلامهـّا و وجهها الذي انقلب ورديـا عنـدمـّا وجدت سيد بـول يـّقف خلفهـّا ،
وضـع يده على كتفهـا و قـال بـكّبريـاء
ـ أنـا أعـلم و لا داعي لقـولها فـأنا أسـمعها كل يـوم من نـظراتك التي تنـطّقان عشقـا و هيـاما بي
مـاري بـمشـاكسة : تـمّ كشـفك
نـظرت إليهم السيـدة فرانسيس بإحـراج كبيـر ثـمّ وقفت و مشـّت من أمـامه بكّل شـموخ قـائلة
و الـجدية تـّغلف كلماتها
ـ أسـرع و أسقي الـزهـور بـدّل الـثرثرة أيهـا الـعجوز الكهل
زفـّر بـول بـغّيض منها و من عنـادهـّا الذي و بالـرغم من مرور الـسنين لا زالت تـحتفـظ به ثـمّ تبعهـا ،
جـّلست ماري مكان سيـدة فرانسيس مـكملة ارتشاف الـشـاي بـكّل بـطئ فقـال ويـليـام بـلطّف
مكمـلا نقـاشه
ـ مـاذا عـنك مـاري ؟ تـقليدي هو أمّ عن حـّب و هيـام ؟
ابتسـمت مـاري بـخجل حيث أنهـّا لا تـزال غـّير معـتادة عـّليه بينمـّا لا يبـدوا على ويـليام التـوتّر إنـّه إجتمـاعي ،
أجـّابته بنـبرة حالمة تـسمـّع كلمـّا تـكلمت عن فارس أحلامها المنتـظر
ـ لا يـهم فـأنا إنّ أحببت سوف أحب بّقوة و سوّف لن أدعه يّفلت حتى و إن تـركّني سـأتبعه ، و سـأنال
حّبه بكّل جدارة
قـطّب ويـليـام و قـّال مـازحـا : أنـت تـبدين كـمتـرصـدة بـكلماتك هـذه يـا ماري ، أنصـحكّ إلا تقوليهـا
أمام أي شـاب و إلا سـوف يـّفر هـّاربا
مـاري بإرتبـاك و إحـراج : لا لسـت كـذلك بـل حسنـّا أنـت قد أخطــأت في تفـكيرك ، أحم ثـمّ لمـا لمّ تـهرب الآن ؟
ضـحكّ ويـليـام بـّقوة و قـدّ دمـعت عينيـه من شـدّة سـذاجتـهّا أو لنقّـل غـبائها ،
إنهّا غـريبة الأطـوار و لمّ يسـبق له أن إلتقى بـفـتاة مثـلها ، تتحدّث بصراحة عن رأيها و تخـجّل كل ثـانية
قـال بـود و هو يـّغمز
ـ لا أنـا مختلف عن كل الشباب ،
إحتقن وجهها بلون الـدّماء و تصـّاعد الـبخار من أعلى رأسهـا فوقفت بتـّوتر ليسقـط الكرسي الذّي خـّلفها ،
تلعثمت قـليلا ثـمّ ضحكت بـتوتر و استدارت للخلف قـائلة أنها سـتجلب وشـاحها فإصـطدمت بالـثـلاجة
لتسقط أرضـا و لمّ يـتوقف ويـليام عن الـضحكّ حـتى لثـانية ، جـّلس على ركبتيه و سـاعدها على الـجلوس
أيضـّا ثـمّ قـال بخفة
ـ أنـت ، لا خـّبرة لكّ أليس كذلك ؟
صّرخت ماري بإحـراج : غـير صـحيح ، أنـا لدي
لكّن عينيهـّا لمّ توفقانها الرأي فهمـّا تفضحانهـّا دومـّا ، بينمـّا تـّعجب ويليـام من ذلك لقدّ قـال جمـّلة عـادية
مـازحا مـعها كمّا يّفعل عـادة مع رفيقـاته لكنّ هي مـختلفة فـّعلا ، بالـعشرين من الـعمّر و لا خـّبرة لهـّا في لـندن ؟
هـذا عـجيب لكن آثـار إعـجابه ، مـدّ يده نـاحيتها ليّصافحها
ـ أنـّت غـريبة و أنـا أريدّ أن أّتعرف عليك أكـّثر لذلك مـا رأيـكّ أن نصـّبح أصـدقاء مـاري ؟
ـ لا أعـلمّ ماذا تـّقصد بالـضبطّ فـأنت الذّي تبدوا غـريب الأطوار بـالنسبة إلي لكـّن حسنـّا ، إنهّ لشـّرف لي .
ابتسـم ويـليـامّ و وقف ليـّرفعها و تّقف هي الأخرى أيضـّا ، كـانت لا تـزال تـّشعر بالـخـجّل لكـّن بدأ بالتنـّاقص
. قـال فجأة
ـ مـاري ألدّيك صـديقات يشبهنك ؟
ـ لا ، كـلير لديها شـّعر أشقر متموج و طـّويل أمـاّ فـلور فشّعرها أحمـّر ناري كأعـصابها المفلتة
و كلتـّاهما أكثـّر جمـالا لكن لمـا ؟
ضحك ويـليـام و هو يـّربت على رأسهـّا ، يـالها من طـّفلة

JAN 03-09-2020 09:01 PM



بـعد مرور أسبـوع آخـّر

كـّـانت جـّالسة في مقـهى قـريب من المـركّز التجـّاري ، تـّشرب قهـوة سـوداء سـّاخنة لتنشـطّ عقلـها قـليلا فلقدّ
مـّر يـومين لمّ تستـطّع النـوم و هي الآن مـّواصلة لثـمانية و أربعين سـاعة فـمنّ الطـّبيعي أن تـظهر تـلك الهـالات الـسوداء
تحـّت عينيهـّا أمـّا وجهها فـكّان شـاحّبا للغاية
، تنهـدّت بشرود و هي تـحركّ المـلعقة
فـلورا رفـّضت أن تستقـبل إتصـالاتها و لمّ تجّب أيضـا على رسـائلها ، إنهـّا خـائفة .. خـائفة جـدّا من إتـمام هـذا العـّرض
، لأن فـلور ستعاني بكّل تـأكيد فـعائلة غـلوري لنّ تقبل بهـّا و هي لنّ تـهنئ في عيشهـا أيضـّا
مـّاري تـّرغب و بـشدّة في الذهـّاب و إنقـاذها من بينّ بـراثـن والدهـّا لكنّ و في نفـّس الـوقت هي مـّـرتعبة و
بـغاية الـرّعب من مقـّابلته مجددا ، ما الذّي سـتفـعله ؟
لا تـملكّ المـال لسـدادّ الـدين و لا الجـرأة لمـّقابلة والدهّا مجـددا ، هـذه هي مـّاري الـطّفلة التّي دومـا مـا
إنّ تتفاقم الأمـور حتى تفـّر هـاربة تـاّركة كلّ شيء خـّلفها و هـذا مـا اعتادت فـلور على قـوله لهـّا .
وضـّعت رأسهـّا على الـطّاولة محـّاولة الحـّصول على بّعض الهـدوء ، لكـّن و من أينّ تـأتي الـسكينة و الطمأنينة
عنـدّما تـوشكّ فـلورا على رّمي نفسها في الهـاوية و بكّـل برودة أعصاب أيضا . فـمـّرت نصّف سـاعة و هي عـّلى حـّالتها تـلكّ ، مـغّلقة عينيهـا
صـّوت سـقوط شيء و ضحكّ إنتقل إلى أذنيهـّا ممـّا جـّعلها تـنزعجّ قـليلا ففتحّت عينيهـا الواسعتين لتنـظر إلى هـذا الشـخّص
الذّي يتسبب بكـّل هـذا الإزعاج ، كـّان شـّابا ربمـّا في نهاية العـّشرينيـات يـرتدي بـذّلة رسمية بـكّل إهمـال ، شـعّره البني مصّفف
بعـناية و يبدوا من النـظرة الأولى أنهّ زيـر نسـاء لأن و بجـاذبيته هـذه يستـطيع الحـّصول على كل شيء فهاهي النـادلة الأكثر جمـّالا
في المقهى تقتّرب منه محـّاولة
أخـذّ رقمّ هـاتفه و هـا هو يـجيب نـدائها بغـمزة من عينيه اللتين بلّون العـّشب ، همسّ بشيء ما في أذنها فأخذّت تـضحك بكّل راحة
و غـادّرت مـّبتعدة
، سمـّعت صـديقه يـّقول بـإحـباط
ـ تـّبا لا أمـتلك المـّال الآن سـّوف أعـطيك المـّبلغ عنـدّما أتقاضى راتبي الشـهري ،
ـ هـذّا لكّي لا تتحـداني في المـّرة القـادمة لأنني لا أهـزمّ ، إنّ أردّت فيمـكنني إعـطائكّ رقمـها فهي تبـدوا سـهلة المنـال على أية حـّال .
ـ من يـرى تصّرفاتك المـستهترة لنّ يصـدّق أنكّ سوف تتـزوجّ، إنــكّ فـعلا مخـادّع كايل ألا تـخاف أن تـّعلم خـطّيبتك ؟
ـ لا بـأس ما دمتّ ألم أقلّ نذور الزواج ّبعد .
وقفّت مـاري أمـامهّما فجـأة و الغـّضب يـعتريها ، إنهـّا غـّاضبة لأنهّ يـذكّرهـا بآرثر الذّي يـّرغب و بالنـّيل من أختهـّا فـلور ، لكّن على
غـّير النـادلة فهي لمّ تـذهب إليه بقـدميهـّا من أجّل إعـجاب بـّل لهـدّف أسمى و غـّاية أسمـى أيضـّا ، وجـهت إصـبعها نـاحية
المـدّعو بكايل و قـّالت بـعصبية شديدة
ـ أنـت ، من تـّظن نفـّسك لتـّلعب بقـلوب النسـاء ؟ أتـظن أنه لـدّيك الحـّق لفـّعل ذلك بـمجّرد أنك ّ تمتلك الـقليل من الجـاذبية ؟
أيهـا الأخـرق عـديم الإحسـاس لتشـكّر الله أننّي لا أعـّرف خـطّيبتك فـّلو كـّنت لذهبت و أخـّبرتها فـورا لتتـركّك،
لا أصـدّق أن شـخّصا مثـلك مقّبل على الزواج . هه مـّغفل
وقف كايل بـهدوء و هو يّصر على أسنـانه رافضّـا فقـدّان أعـصابه ،
جـذّبها من يـاقة قـميصهـا ليـظهر قـصّر قـامتها إلى العيـان ، قـال بـحدّة
ـ لا أظنـك تـّعلمين مع منّ تـتحدثين يـا طـّفلة لذّلك يـجّدر بـكّ الاعتذار و المـغادّرة على الـفور مـا دمـّت لا أزالّ محتفـّظا
بآخر ما تـبقى من هـدوء
زمـّت مـّاري شـفتيها بعـّصبية و دّفعته على الطـّاولة فـّسكب الـعصير فـوّق مـلابّسه التّي تبدوا باهظة الـثـمن
، وّضعت أصبعها أمام عينها ثـم أخـرجّت لسـانها بكّل سخرية كأنها تـّثبت له بأنهـّا فـعلا طـّفلة

ـ مـغفل أخـّرق ، إنّ رأيتك مـّرة أخرى مع زوجتكّ فـسوف أحـّرص على إخبـارها أيهـّا الأبله عـديم الإحسـاس .
استدارت إلى الخـّلف و ركـّضت بأقـصى ما تـمتلك من قـّوة ، حـّالمـّا إستعاد كايل تـوازنهّ صـّرخ بـّحـدّة و هـّو يـّراها قـدّ
إبتعـدت كثيرا عن مـناله
ـ أيتهـّا السـافـّلة ، تـأكـدّي أنني لن أتـرككّ تـنجين بـّفعلتك
إختبـأت مـّاري خـّلف زقـاق في زاوية حـّيث لا أحـدّ يستـطيع لمحّها ، جـّلست مـهـدأة نبضات قلبهـا المـجنونة مستـّغربة من
فـّعلتها الغـّير اعتـيادية تـلك . زفـّرت بغيض كل هـذا بسبب فـّلورا ،
/
وسـطّ تـلك الـغّـرفة المـّظلمة حـّيث لمّ يستـطّع نـور الصـّباح الـتّسـلل بـالـّرغم من تـلك ّ النـّوافذّ الكـّبيرة التـّي إحتـّلت مـّعظم الجـدّار
، فـّي ذّلك الـّسرير كـّان نـائمـّا و أنفـاسه المـضـطّربة هي الـوحيـدّة التـّي تـّدل على وجودّ كـّائن حيّ قـدّ يعيش بـهذا الـسكون المـخيف ،
شـّعره الأسـود الحـّريري قـدّ التصّق بـجبهته من شـدّة تّعـّرقه أمـّا وجـّهه فـكّان شـاحّبا لا أثـّر لـدّم به ، يبـدّوا و كـأنه يلفظ أنفـّاسه الأخيـّرة
بجـّانبه جـّلس شـّاب يـمسكّ بين يـّديه منـّشفة يـّضعها بكـّل إحـكام على جـّبهته و هو يتـأسف على حـّالة التـّي وصـّل
إليهـّا صـدّيقه الـوحيد ، إنهّ يـتألمّ لكّن لا يستـّطيع مسـاعدته سوى بـوجودّه جـانبه و هّل هـذا يـنّفع في حـّالته ؟
أمسـكّ الـشّـاب المـّريض بـطّـرف الـّسرير ثـمّ جـّلس بـما تـّبقى من قـّوة لديه ، فـأسّرع صـدّيقه نـاحيته و هو يثّبته بـعدّ أن وّقف
، قـّال بـنبرة قـّلقة
ـ ما الذّي تـظن نفسكّ فـاعلا في حـّالتكّ هـذه ؟
ـ إبتعـدّ عـني ، سـأذهّب إلى الـعمـّل
ـ هـل أنـت مـجّـنون ؟ لا لنّ أتـركك ، العـمـّل ؟ سـوف تـخّر سـاقـطّا ما إن أنـزعّ يدي من على كـّتـفيكّ و تـّقـول العـمّل ؟ لا مسـتحيل لا
ـ أنـّا لمّ أطـّلب رأيـكّ ،
ـ أريـدّ مصـلحـتكّ و أنـت أدرى بـذّلك فـلا تـجّعلني أستـعـمّل العـنّف لتستـّلقي هـذه المـّرة على الـسـرير إلى الأبد .
رفـّع مـعطّفـه الأسـودّ ثـمّ وضّـع وشـاحه حـّول عـنقه و إرتـدّي حـذائه بكل صـّعوبة ، نـّظر بـواسـطّة عينيه الـحـادّتين الـدّاكنتين
نـّاحية صـدّيقه و ابتسـمّ بـكّل بـرود ، فتـحّ بـاب الـشّقـة و خـّرج وسـطّ تـلك العـّاصفة الــثـلجية ، ضـّاربـّا مـّرضه و الجـّو عـّرض الحـائط
اصطدمت بـه فـتاة كـّاد أنّ تـسقطّه لولا أنه تـماسكّ في آخر لحـظة ، اعتـذّرت بأسـف حقيقي ثـمّ ركـّضـت إلى الأعـلى بينمـّا
أكـّمل هو طـّريقه نـاحية الأسـّفل غـير مـّعير مـا قـّلق صديقه أي إهتمـام


أحـّم ـ أحمّ
أبـّغى تـّعليقـّات بـّليـز و تـّوقعـّات شويـّتين




JAN 03-09-2020 09:02 PM


خـّطوة نـحّو الـحـّرية ـ




ثــالثـّة مسـاءا ـ يـومّ الثـلاثـاء الـرابـعّ عشـّر من شـّهر أكـتوبر ،
لقـدّ انتهـّت أخـيرا من حـّزم حـّقيبة ظـّهر تـلكّ الـتّي إستـّغرقت منهـّا أيـامّا
ليّس لتـّرتيبهـّا و إنمـّا لإيجـاد الـشجـّاعة بالإقـدام على هـذّه الخـّـطوة الـجريئة
مـّرتـدّية جـوارّب طـّولية سـوداء الـلونّ مـّع تنوره حمـّراء قـّصيرة تـّصل إلى أعـلى
ركّبتيها بقـّليل و قميصـّا قـطّنيـا أصـّفر بـّاهت مـّع قـّبعة حمـّراء ، وضـّعت حّقيبتهـّا
على ظهرهـّا بعـّزم ثـمّ نـّظرت في المـرآة
شّـعرهـا الـّبني لا يـزّال غـّير مسـّرحـّا بـطّريقة يـطّمئن لهـّا قـّلبـها لكّن لا وقـّت لذّلك
، أغـّلقت باب الـشّقـة بالمفتـّاح ثـمّ نـّزلت إلى الأسـّفل فإلتقت بـطّريقـها الـسيدة فـرانسيس
الـّتي استـوّقفتهـّا حـّالما رأت حـّالتها الـغّريبة
ـ مـّاري ، ما الـذّي تـّفـعلينه ؟
ـ سيـدّة فرانسيس ، قـدّ أغـيب ليّـوم أو ثـّلاثة لـذّلك إهتـمي بالشـّقة أثنـاء ذّلك
ـ لكـّن إلى أيــّن أنـت ذاهــّبة ؟
ـ لأخـتّي فقـدّ دامــّت سنـوات منـذّ لقـائنا الأخير لهـذا قـدّ أنـّام لـدّيهـا ،
أومـأت سيـدّة فرانسيس بـالإيـجّـاب و كـادّت أن تـغـاّدر لولا
أنهـّا تـوّقفت فـجأة لـّتـعود إلى مـاري الـتّي لا تـزّال في مـكّانهـّا ،
قـّلت بسخـّرية
ـ لقـدّ أخبرني ويـّليـام أنّ لدّيه حـّفلة في نهـّاية هـذّا الأسـبوع و هو
لا يـزّال متـّرددا بـشـأن الفتـّاة الـتّي سوف يـّصطـحّبها مـّعه لـذّلك رشـحّتك
، لعـّلك قـدّ تـجدين رفيقـّا هنـاكّ و إلا سـتّبقين للأبد وحيـدة
إحمـّرت وجنتي مـاّري من الخـّجل و صـّرخت بـكّل إحـراج
ـ أنـّا أمتـلكّ رفيـّقا ، فـعلا لمـاذا لا تصـدقونني ؟
سيدة فرانسيس بـّسخرية عـاّرمة :
ربمـّا لأنكّ لا تمـلكيّن واحـدّا صـدّقـا
زفـّرت مـاري بـّغيض و ركـّضت مـّسرعة خـاّرجة من المـّبنى بـأكمله ،
فليّس لدّيهـا الـّوقت لتتبـادّل الأحـاديث الـودّية أو المنـّاقشـات العقيمة
مع جـّورجيـّا لأنهـّا و الآن على وشـكّ أخـذّ أكـبر مـغـّامرة في حيـّاتها
، و للمـّرة الأولى استجمعت شجـّاعتها فقطّ لآجّل و من أجـّل فـلورا
/
تـّوقفت الحـّافلة عنـدّ مـحـّطة قـدّيمة لا أثـّر للحيـّاة بهـّا ،
الـجّرائـدّ مرمـّية في كـّل مـّكان و الـّريـّاح تـّهب بشـّدة جّـاعلة الأمـّر يـبدوا كمـّا
لو كـّأنـّه فـّلم رعـّب ربمـّا هـذّا من وجـّهة نـّظر مـّاري فبالرغم من النـّاس
الأقـلة الذّين يـّسيرون ، هـّي لمّ تـّرهم
بـّلعت ريّقهـّا مرارا و تـكـّرارا بينمـّا قـدّميها تـّرتجّفان من شـدّة التـّوتر
و الإرتبـّاك فـكّل الـشـجّاعة قـدّ ذهبت أدراجّ الـريـّاح كـتلك الـجرائد تمـّاما ،
وقفـّت أمـّام منـّزل هـّادئ ، أنـواره مـّضـاءة و لا أثـاّر للحـّركة به ..
تـّراجعّت للخـّلف ثـمّ فتّحت فمهّـا لتـدّخل أكـّبر كـّمية من الهـواء تـّستطيـع حمّلها ،
هـل تسرعت في قرارها يا ترى ؟ لكن لا مـجّال لتفكير في حـّل آخر خصـّوصـّا
أنهـّا لا تـّعلم متـّى يـتّم توقيع العـّقد ، و لا مجـّال لـعـودة أيضـا بـعد قـطعها كل هـذه المسـافة
تـّقدمت ثمّ طـّرقت الباب بـّخفوت ، لمّ يجّب أحد فـّرنت الجـّرس ..
إنتـظّرت قـليلا ثمّ فتح البـاب على مصـّرعيه ليـظهّر رجـّل جميـل
المـظهر في الأربعينات من العـمّر ، شـّعره البني الذّي تخللته خـّصلات بيضـّاء
و جسّمه قـّوي البنية ، تـوترت مـّاري و كـادّت أن تـهّرب ربمـّا لأنهـّا خائفة
و مـّرتعبة من عـدّم تقّبلهما لهـّا من جـدّيد و ربمـّا حـنيّـنا و إشتيـاّقا لتـلكّ
الأيـامّ التّي بـالرغـمّ من سـوادهـّا إلا أنهـّا كـّانت أفـّضل ذكرياتهـّا فـلا تمـّلك
سواها شاءت أم أبت ، ارتجّفت شّفتيها و هي تقـول بهمس
ـ مـرحبـّا والـدي
نـظّر إليـها جيـدّا من الأسـّفل إلى الأعـلى ، تلكّ النـظّرة تـّعرفها مـّاري تمـّاما
.. حينمـّا يوشكّ على تـّوبيخـها ، عنـدّما تمتـدّ يـدّه لتمسّك شـّعرهـّا و يـّقوم
بـضّرب رأسهـّا على الجـدّار بكـّل مشـّاعر حـاّقدة ، هل سيـّفعل ذلك الآن ؟
بـالرغم من أنهـّا تـّبلغ العـّشرين هـّل سيـّضربها ؟ ، دّمـعت عينيهـّا ضـّعفـّا
و قـّالت متلعثمة
ـ لقـدّ عـدّت
ضـحكّ بـسخرية ، تـلكّ الفـّتاة لمّ تتغـّير أبـدا .. ظـنّ أنهـّا ربمـّا و بـّرحيـلها
سـّوف تكتـّسب قـّوة شـّخصية و ستـّصبح لا تـّخشى شيئـّا لكـّن لا زالت نـّفس
الـطّفلة الخـّائفة فقـطّ من نـّظراته ، قـّال بـبطء
ـ من أنــت ؟
ـ مـ مـ مـاري
ـ حـّقـا ؟ و لمـاذا عـدّت يـا مـّاري ؟ لأنـكّ سـمعت بإفـلاسي و أتيت لكـّي تتشـمتي بـّي ؟
بـوالدكّ العـزيز الـذّي أحسنّ تـّربيتك و في المـّقـابل رحـّلت و تـرّكته وحيـدّا
بـدّون إهتمام لمـّا قـدّ يـحدّث له ؟ أليـّس هـذا مـا أعـّلنته عنـدّما رحـّلت ؟
أنـّه لمّ يـعدّ لكّ عـلاقة بي ؟
لهـجّته الـغـّاضبة جـّعلتها تـبكّي بـكّل ضـّعف ،
و بـالرغمّ من دموعهـّا التي شـّقت طّريقـّا نـحوّ خـدّيهـّا أجـّابته بـنـّبرة متحشرجة ،
كـّل مـا تبقى من شـجّاعتها
ـ أنـّا هنـّا لرؤية فـّلورا بـشـأن الـصفّقة
ـ أهـا إذنّ هـل أتيت لتـحلّي مكـان فـّلورا ؟
بـّلعت ريقـها خـّائفة من فـكّرة عـّرضهـّا لآرثـر ، ليتهـّا لمّ تـّعدّ إنهـّا ليست نـدّا له فـلماذا
لمـاذا أتـّت ؟ مـا دمت تـرهبه لهـذه الـدّرجة لمـّا ؟ أحكـّمت على قـّبضتهـّا
ثـمّ قـالت بـّصـراخ
ـ أنـّا هنـّا لأنـقـّذهـّا من مـخـّالبك ، سـوفّ نـّهرب و لنّ تـرانـّا مـجـ
دوى صـّوت صـّفعة في المكـّان كـالـصدّى لتسـقطّ مـّاري بـكّل دهشة و هي تـنـّظر إليه ،
إنهّ لا يـزال يـكّرهها لـجّرم لمّ تـّرتكـّبه .. حـّتى بـعدّ أن مضـّت سنتين هو لمّ يشـّتق إليهـّا
و لمّ يمنـّع يده من أن تمـّتد نـّاحيتها فـّي هـذه الدّقائق الـّقليلة التّي مضـّت ، تؤلمهـّا الـضّربة
فـّعلا لّكن لّيس كسـّهم الذّي أوجّع قّلبهـّا لحـدّ الثـمالة ، قـّال بـحدة
ـ لا تـحـّاولي أخـذّ فـلورا منـّي فـلوّ فـعلت سـّوف أقـوم بـّقتلك و لنّ أهتـمّ ،
أسمـّعت أيتهـّا الحـقيرة ؟ لقدّ قـّلت لكّ قـّبلا و سـّوف أقـول لكّ هـذا مجددا لـّعلكّ نسّيته ،
أنـّا لا .. بـّل نحن لا نـّريـدّك كـجزء من الـعائلة و إن تـجرأت يومـّا مـّا على الإتصـّال بـفلورا
فـثـّقي أنـها سـتكون أخر مـّرة تـّسمعين صّوتها، حـّقا سيـكون يومّ فـّرحي عنـدّما يـّتم الإعلان عن مـّوتك
وقفـّت بـّسرعة عنـدّما رأتّ أختهـّا تـّقف من بـعـيدّ عـلى سلالمّ ذلك المنـزّل
و عينيهـّا قـدّ امتلأت بالـدّموع ، أمسـكّت يـدّه بـكّل ذل و هي جّالسة على ركبتيها
بينمـّا الخـّوف قـدّ كسى كـّيانها بأكمله
ـ لا أرجـوك لا .. إلا فـّلـورا ، إلا فـّـلورا .. فـّلـورا أرجـّوك لا تتـخّلي عني ،
فـّلورا أنـّا أحـبكّ أرجـّوكم لا ذنب لي ، فـّلورا أنـّت تـّعلمين أنني بـريئة .. فـّلـورا لا تتـركني
ركـّلها على بطـّنها فـسـقطّت بألم على الأرض ، لمـاذا فـّعل هـذا ؟ إنهـّا لمّ تـّقـل سوى الـحقيقة و
الحـّقيقة فـقط فلماذا يـّعاملها بـهذه الرداءة ؟ كـأنها ليّست ابنته ،
أسرعت فـلورا نـحوها و أمسكّتها من ذراعها بكـل صدمة
ـ لماذا تـّفعل هـذا والدي ؟ مـّاري لقد عـادّت أليس هـذا مـا أردّته ؟
ـ أردّت عودتها لفـّعل هـذا بهـّا ، أدخلي فـلورا بـّسرعة
نـظرت فـلورا نـّاحية أختهـّا الـصغرى بـّقـلة حـيلة ثـمّ تنهـدّت و هي تـعود خـّائبة إلى المنـزل ،
إبتسـم جونـاثان ببـرود و إنحنى لـيربتّ على رأس مـّاري بلطـّف لـيّقول بسخرية
ـ إنّ أحـّضرت 500 مـّليون دولاّر إلي سـوفّ أسـامحّك و قـدّ أختفي من حيـاتك للأبد ،
ألـيس هـذا مـّا تـردينه ؟
ضحك بـّقوة ثـمّ دّخل ليـّغلق الـباب بكـّل قـوة في وجههـّا ، بـّقت هنـاك لـسـّاعتين ..
جـّالسة في نفـّس المكـّان تنـظر إلى نفـّس الـبّقـعة ، يـّاله من تـّغير في الأحـداث ..
وقفت بـصّعـوبة ثـمّ ابتـسمـّت و الحـزنّ على محياها ، همـّست بـشرود
ـ لـو أمـّي هنـا مـاذا كـّانت سـّتـفّعل ؟ أتساءل ؟
/
أخفـّضت ستـّار الـنـافذة عنـدّما رأتها تـغـاّدر ، اتجـّهت إلى سـريرهـّا
ثم جـّلست عليه بـقّلة حيلة كعـادّتهـا ، ألمّ تـخّبرهـا ألا تـأتي ؟ ألـمّ تـّقل لهـّا أنهـّا
ليست بـحّاجتها ؟ تـلكّ الـطـّفلة الـغّبية بالـرغـمّ من خـّوفهـّا إلـا أنهـّا أتـّت و
وقفـّت في وجـّه والـدّهمـّا ، بالـرغـمّ من أنّ سـاقيها كـاّنتـا ترتجفـّان بـشدّة و
كلمـّاتها المـتّقـطعّة و وجـّهها الـشـاحّب ، هـّي نـّظرت إليه و قّـالت مـا تـّريده فـعّلا .
تنهـدّت و استـّلقت لتـوجه عينيهـّا الـزرقـاوتين نـحو الـسـّقف بـكّل شـرودّ ، يـّا تـرى
لو والدّتهمـّا لا تـزال هنـّا هـّل كـّانت سـتـّلومهـا لـّترك أختهـّا الـصغرى وحـّدها في
هـذا الـعـالم ؟ هـّل كـّانت لتـّسـامحهـّا على خـطـأها هـذا ؟
استـدارت إلى الجـّهة الأخرى و قـدّ بـدأ رأسها يـؤلمـّهـّا من شـدّة التـفكـّير ،
مـاذا عن مـّاري ؟ تـلكّ الـطّفلة لمّ تـكّبر كيـّف سـتّواجه أمـّر عيشهـا وحيـدة
و هي تـّخاف من ظلها ؟ هـّل ستسـامحّها على تـركّها ؟
ابتسـمّت بـهـدوء ، طـّبـعا سـتّفـعل
/
في أحـدّ النـوادي الـّليـلية حيـّث كـّانت صـّوت المـّوسيـقى الـصـّاخبة يـعـمّ المـكّان
و النـّاس تتمـّايـل ذات الـيمين و الـشمـّال بـكّل سـعادة ، بينمـّا ذلك الـشـّاب ذو
الشـّعر الأشـّقر الحـّريري المـّربوط خـّلف أذنيه و بـأذّنه اليسرى حـّلقة صـّغيرة سـوداء
تنـّاسب شـكـّله .. يـّضع قدّما فـوّق الأخـّرى و قـدّ فـتحّ أزار قـمّيصه الـعّلوي
بـكّل ضـّجر من شـدّة الـحرارة ، كـّانت مـعظم النـّساء تنـظّرن نـحوه متمنـّيات
و لـّو لمـحّة من عـّينيه الـناعستين الجـاذبتين لكـّنّ لمّ يـبالي هـذّه المـّرة فـمـزاجّه مـتّعكر
و لا يسمـّح بالـلهو هنـّا و هنـاكّ
سمـّاعة لا تـزال تـّرن و تـّرن لكـّنه يـأبى الـردّ ، ذّلك الأحمـّق المـّغـرور ..
ألهـذه الـدّرجة يمـنـّعه كبـريـاءه الـعتيد من إظـهـّار ضـّعفه لصـدّيقه الـوحيد ؟
زفـّر بـغّيض و رمـّى هـّاتفه على الـطـّاولة بـكّل عـّصبية ،
إنّ رأى وجـّهه فـسـّوف يـتـأكدّ أنّ يـلكمه بـأقصى مـّا يمتـلكّ من قـّوة
لـّعله يـّصحو من هـذّه الحـمّـاقة التّي أصـابته و هـاهي أمنـّيته قـدّ تـحـّققت فقـدّ دخـّل شـّـاب
ذو شـّعـر أسـودّ حــريري ينـّسدل على جـّبهته بـكّل حـّرية أمـّا عـينيه الحـّادتين فـكّانتـّا تنبئان بمدى
خـطّورته ، طـّريقه سيـّره تنـّب عن الـّثقة المطـّلقة و الأهـمّ نـظّرة الكـّبـريّاء الّتي عـّلت مـّلامحـّه ..
بـرودّة ، حـدّة ، غـّرور ، كبـّريـاء و ذكـّاء ، إتجـهت إليه جمـّيع أعين النـاّس يتهـامّسون حـّوله .
سـحّب الكـّرسي و جـّلس فقـّال الـشـّاب الآخر بـّسخرية
ـ أخيـرا قـّرر الـملك الـظـهور ، كـّيف حـّالك الآن؟
لمّ يـجّبه بـّل طّلب من النـاّدل كـأس شّـرابّ قـوي ، ثـمّ التفت نـّاحيته ..
رغمـّا عن كـّل هـذه الـّصفات التي رآها العيـّان هو الـوحيـدّ الـذّي يـرى فعـّلا مـا بـدّاخله ،
قـّال بإبتسـامة كـّسولة بـّاردة
ـ أحســّن ، إذّن هل وجـدّت حثـّالة أخرى تتسـّلى بهـّا في ظـّل غـّيابي القـصير؟
ـ مـاذا ؟ لقدّ جـّلست هنـّا كالمـّغفل أنتظـّرك لمـدّة سـّاعة ، دّعنـّا من هـذّا .. كـّيـف أحـّوال العـمـّل ؟
و مـّا أخـّبـاركّ فـعلا ؟
نـّظر شـّاب ذو الـّشعر الأسود نـحّو صـدّيقه بـحدّة كـأنهّ يـّحـّذره بـتـّخطيه حـدّوده معه و لمّ يجـّب على
سـّؤاله التـّافه بـرأيـه ، أتـى النـاّدل بـّشرابه المـّفضل فاحتساه بـّرشـفة واحدّة
و أخـذّ يـّقـّلب الكـأس بـيّن يدّيه و الـضجـّر يـّعلو وجـّهه
ـ أنـّا مـّستمع جيـدّ كمـّا تّعـلم ،
ـ ويـّل مـّا رأيـكّ أنت تّغـلق فـمكّ لـبّرهة فـأنت تـبدّو كالنسـّاء بـّثرثـّرتك هـذّه لذّا إخـّرس
زمّ ويـّليـام شفتيه على مضض متقـّبلا مـزاجّه العـكّر بـّرحابة صـّدر فقـدّ
وضع يـدّه حول كـّتف صـدّيقه و قـّال بابتسـامة جـذابة أطاحـّت بـّعظم النـّساء
ـ أتـّعلم أن الـّبعض يـتمـّنى لو كّلمة من فـمّي أنـّت مـحظوظ يـّا رجـّل مـحـظوظّ
بـحّصولك علي هيـّا ابـتّسم
ضحكّ صـدّيقه لـوهّلة لا تتـعدّى خمّس ثـواني و هو يـّضربه على كـّتفه بمـّزاح،
ثمّ قـّال بنـّبرته المـّبحوحة الـمميزة
ـ أحـّمق
تـهامّس أحـدّ الفتيـّات الجـّالسـّات على مـّقربة منهمـّا جـّعل ويـّليـام يـّنفـجّر
ضحكـّا بـعدّ سمـّاعه لحـدّيثهن الـمشـّوق
ـ أخـّبرتك أنّه يـنتـّظر صـدّيقه ، لكـّن فعـّلا مقـولة الـوسيمـّين لنّ يصـاحبوا
إلا الذّين بـمّثل وسـامتهم ،
ـ هششش لقدّ سـمعـّونا ، مـا رأيـكّ بـأن نـّذهب نحوهم ؟ أنـّت خـذّي الـشّـاب
ذو الـّشعر الأشـّقر و أنـا الآخر
ـ حسنـّا
قـطّب شـّاب ذو الـشّـعر الأسـود بـانـزعاج فـهـّاهي تـّضع يدّها النـاّعمة
على كتّـّفه بـكّل رقـّة بـعدّ أنّ وصـّلت إليـه ، قـّالت بـنـّعومة بـّالغة
ـ هـّل أنـّت مـّتـفرغ ؟ مـا رأيـكّ أن تـنظم لنـّا و سـأؤكـدّ لكّ أنـكّ لن تشـّعر بـالملل أبـدّا
زفـّر بـغّيض ثمّ أمسـكّ كـأس ويـّليـام و استـدّار نـّاحية الفتـّاة راسمـّا على
شـّفتيه ابتسـّامة بـّاردة كـّقلبه تمـّاما ، رمـّى مـّا فيه على وجّهها فـّشهقت بـّدهشة
و تـّراجّعـت إلى الـخّلف بينمـّا وقف هو بـّشموخ قـّائـلا ببـحّة و حـدّة
ـ لا تـّلمسيني بـّيدك الـّقذرة ، ويّليـام أنـّا مـغـادر
سـّار بّسـرعة بينمـّا لا زالت الفـّتاة واقفـّة بـصـدّمة ، رغمـّا عن جمـاّلهـا الـأخـاذ
إلا أنهّ لم يـّلقي و لو نـّظرة بـسيطة عليهـّا ، أمسـكّ ويـّليـام بـمنديـله
و مسـّح وجهها بكـّل رفّق ثمّ قـّال و نبـّرة الأسـّف واضحة
ـ عـذّرا آنستي فـصديقي في مـزاج مـّتعـكّر الـّيوم ، إنّ أردّت فـيمكنك إرسـّال ثـّمن فـّاتورة
غـسـّل ثـّيابك إلي و أنـّا سأكـّون ممتنـّا
رحـّل هو أيضـّا
/



JAN 03-09-2020 09:04 PM


الحـّفـلة ـ




سمـّاء مـّلبـدة بالغـّيوم كالعـادّة و ضـّبـاّب منتـّشـر في الـشـوارّع بـكّثرة ،
تـلكّ الـشجـّرة ذّات الـوريّقـات الـوردّية قـدّ تـّسـاقطّت كـّلها دّاخل تـلكّ الـّشـرفة الصـّغيرة و
قدّ كانت تّحولت للـّون الأصـّفر الـّباهت ،
مسـّتلقية على أريـكةّ ذّات لونّ ازرقّ مخططّ بالأسودّ تـّلفها عـدّيد من الأغـطّية عينيهـّا تـّوجهتـّا
إلى مكـّان الـوحيد الـذّي يـّصدر منـّه الـضـّوء الـتـّلفـاز حيـّث أنّ فـّيـلما قـدّيمـّا قدّ قـّرر
إعـادّته لذّلك هّي فـّضلته على الـذّهـّاب إلى الجـّامعة الـيّوم لأنهـّا لمّ تكـّمله سـّابـّقا.
أدّخلت المـّلعـّقة في فمهـّا لكّن لمّ تشّعـر بـشيء ينسـّاب عبـّر ريّقها فنـظّرت إلى
المـّلعقة الفـّارغة ثـمّ إلى المـثـلجّات التي قدّ نفـذّت ، تنهـدّت بـكّسل لا رغـّبة لهـّا بالذّهـّاب
الآن إلى سـّوبر مـّاركت مشيـّا على الأقـدّام الـذّي يبـّعد مسـّافة شـّارعين .
الـيـّوم هو يـّوم الإعـتـكـّاف المنـّزلي الـعـّالمي و لا أحـدّ سـّوف يـّخرجـّها من هـذّه
الـّشقة حـّتى لو تطـّلب الأمـّر مـّوتهـّا ، رنّ الـجّرس وقفـّت بـبـّرود ثـمّ صـّرخت بـّقوة
و هـّي تـّقـول مخاطّبة الـقـاّدم بكّل غّضـب

ـ أنــــــــــــــــا لسـّت هنــــــــــــــاّ

تـّوقف الـجّرس عن الـّرنين فتنهـدّت بـراحـّة ،
الآن بمـّا أنهـّا قـّد وقفـّت سـّوف تـّذهب لإحضـّار الـشيـكولاطة إنهـّا بـدّيـل نـّافـّع للمثـلجـّات ،
عنـدّمـّا وصـّلت إلى المـطّبخ و نـّظرا لأنـّه يبـعدّ خـطّوتين عن الـباب الخـّارجي
سـمّعت همسـّات خفـّيفة أمـام بـّاب شـّقتها ، أحـدّها لـسيدّة فـرانسيس و الأخـّرى لـشـّاب ،
إنهّ ويـّليـام
فـتّحته على مصـّرعيه و نـظـّرت إليهمـّا ببـرود ، يـّا لهمـّا من جيـّران طـّيبين لا يـدّخلون
أنوفهمّ في شـأنّ الآخـّرين ، ابتسـمّ ويـّليـام إبتسـامته الـجـذابة الـشـهيرة بينّ النـّساء
و قـّال بـودّية
ـ مـّرحبّا مـّاري ، كيـّف حـّالك ؟
لمّ تـستـطّع مـّاري أنّ تـّبقي على مـزاجّها السيئ و هو يرمـّقها بهـذّه النـظرات الـبريئة
و الـلطـّيـفة فابتسـمت بـخّفة و هي تـّرد عليه بـودّية أيـضّا
ـ أهـّلا بـكّ ويـّليـام ، آسـّفة لأننـّي صـّرخت قـّبلا لقدّ كـّنت مـنـزعجّة قـليلا
تذّكـّر ويـّليـام صـدّيقه ذو المـزاجّ المتعكر دومـّا و بدّون سبب في كـّثير من
الأحيـّان و الـذّي يـّؤدي لصـّراخه عليه كـّل يوم ، فقـّال بـضحكّة
ـ لا بـأسّ أنـّأ معـتاد على ذّلك ،
أمـّا ماري فقدّ إحمـّرت وجنتيها و هي تـّظنه يقصدّها بكـّلامه ،
لأنهـّا كـّلما قــّابلته كـّنت إمـا تّصـرخ أو تشـتمّ و هـذّا قدّ يكون كـّون صـّورة سيئة لها بـنظره ،
قـّالت السيدة فرانسيس بغيض مقـاّطعـة حديثهمـّا
ـ مـّاري ، آمـّل أنـكّ لم تـنسي الحــّفلة
مـّاري بتسـاؤل : أيـّة حـّفلة سيدة فرانسيس ؟
زفــّرت الـسيدّة فرانسيس بـّغيض و هي تمسـكّ رأسهـّا بكـّلتـّا يدّيها ،
هـّي تـحـّاول جـاّهدة أن تجـدّ لهـذّه الـطّفـلّة الـغّبية شـّابا يـؤنسهـّا عن وحـدّتها لكنّ
بـلاهتهـّا تمنـّعها من الاستمرار ، رفـّعت أصـّبعها أمـاّم مـّاري المسـّتغربة و
هي تـّقول بـكّل وعيـدّ
ـ إنّ لمّ تجـدّي حبيبـّا سـوّف أقـتّلك بـيداي هـّاتين
ابتسـمّت مـاري بارتبـاك و هي تضـع يدها خلفّ شـّعرها بينمـّا اقتـّرب ويـليـام منهـّا ،
تفحصهـّا بعينّي رجـّل خّبير في النـّساء من بيجامتهـّا ذات الدّب الكـّبير إلى شـّعرها البني الأشعث
و الهـالات الـسوداء تحـّت عينيهـّا ، كـّانت أقـل ما يقال عنها انتحـار في الموضة ،
قـال بعدم رضى
ـ تـبدين كشبحّ ، هـذا لّيس جيدّ يجـّب علينـّا إعـادة تـّرميم شـكّلك بالكـّامل
وافقّته سيدة فرانسيس الـرأي فورا فـقّطبت مـّاري و كـادّت أن تـعّود لولا أنّ ويـّليـام قدّ حمـّلها
على كـّتفه بسـّهولة كمـّا لو كـأنها ليست شيئا يذكّر ،
صّرخت ماّري من شدّة الإحـّراج و قـّالت بخـجّل مدموجّ بعصبية خفيفة
ـ ما الذّي تـّظن نفسكّ فـاعلا ويـّليام ؟ أنـزلني فـّورا
ـ لا يـا عـزيزتي ، أنـّا أريـدّ من رفيقتي أنّ تكون أجمـّل جميـّلات الليـلةّ
لذلكّ هيـّا جـّارني قـليـلا و لنـمّرح الـّيوم
ضحكّت مـاري أجابته : حسنـّا ، حسنـّا لكّن دعني أغـّير ثيـابي أولا

ـ لا طبـّعا لكيّ تعودي إلى الاختباء في جحركّ، أريـدّك أن تغيري وجـّهك العـابسّ إلى
سعيـدّ .. هـّلا فـّعلت ذلك من أجـّلي ؟ فـأنا أريدّ رؤية ابتسـامتك المـّشرقة تلك

ضحكـّت ماري على تـّعليقه و تشّبيه شّقتها بالجـّحر و الذّي هوّ حـّقيقّي تمـّاما بينمـّا أتت
سيدّة فرانسيس مـّسرعة خـّلفهما و هي تـّرتـدّي مـعطّفها مع قّبعتهـّا ،
ركـّبت سيـّارة ويـّليـام بـّرفقة مـّاري و إتجـّهـا إلى أفـخمّ مـحّل لفساتين الـسهـّرات بلندّن أكملّـها ،
لقدّ لاحـظـّت جورجيـّا أنّ مـاري لمّ تـعدّ كمـّا كانت قـّبلا ،
تـلكّ الطـّفلة البـّشوشة التّي لمّ تـزّل الابتسـامة من على محياهـّا لمـدّة فترة
عيشهـّا معهـّا .. لذّلك قّررت و بـّرفقة ويـّليام أن يدّعاها تـّخرج من جّوها الكـئيب هـذّا
و تغـادّر لتـّقابل أنـّاس جددّ بالرغمّ من أنهـّا ليست إجتمـّاعية بـطّبعها لكنّ المحـّاولة
أفـّضل من عـدّم المحـاولة على الإطـّلاق .
وصـّلوا إلى المـحّل المـوعـودّ فـنـزّل الـثـّلاثة من بينهم مـّاري التّي تكـادّ تّغرق إحراجّا
من نـظرات النــّاس حولهـّا لملابسهـّا الطـّفولية تـلكّ
جـّلست على كـّرسي الإنتـظار بينمـّا سيدّة فرانسيس و ويـليـام مع الـبـائعة يحـاّولون جميعهـّم إختيـّار شيء ينـّـاسب بشّرتهـّا و جمـّالهـّا الـبسيطّ ،
في الأخـّير إختـاروا فستاناّ أزرق دّاكن اللون طـّويل عـاّري الكـّتفين بـّه فتـّحة صـّغيرة
في الـظهّر مع قـفّازين بـيضاء ، و حـذاّء بنفـّس اللون ذو كـّعب عـّالي لعلهـّا تـّصل لكـّتف ويـّليام ،
ثـمّ اتجهوا إلى صـّالون الحـلاقة حيـّث صـّففت شعـّرها بـطّريقة جميّلة بسيطّة فقدّ رفعت
بضعة خـّصلات من الخـّلف على شـكّل وردّة و تركـّته منـسدّلا على ظهرهـّا بـعدّما قدّ
أضـافت الحلاقة بـّضعة خـّصلات تـّشبه شعرهـّا الأصـّلي لتـجّعله يّصل إلى منتـّصف خّصرهـّا
و بكثـّافة أيضـّا .وضـّعت أحمـّر شـّفاه و أخـّفت تلك الهالات الـسوداء ثـمّ ألصّقت عدّسات
زرقـاء كـّلون سمـّاء إنتهـّى الأمـّر و خـرجّت من غـّرفة تـّبديل كـأنهـّا ليست مـّاري نفسهـّا
التي دّخلت منذّ دقائّق عدّة
إنبهـّر ويـليـام ـ سيدّة جورجيـّا ـ بـائعة الثـّياب ـ الحـّلاقة الجمـّيع من مـدّى جمـّالها المـّبهر ،
إنهـّا رائـّعة ، لـّيست كمـعظم النـّساء ذّات هـالات طـّاغية من الأنـوثة أو شديدة الجمـّال
لكـّن هنـاك شيء واحدّ فقطّ يميزّها عنهن ّ،
تـلكّ الهـّالة من الـبـراءة و الـسذّاجة التّي نسّجّتها من خـّلف جـمّال وجّهها الطـّفولي و
الأنثوي في نـّفس الـوّقت ، فـّريدة من نـّوعهـّا حقـّا .
تـّوردّت وجنتيهـّا طّبيعيّا من الخـجّل و أغـّلقت عينّيها بإحـّراج لتـّظهر رموّشهـّا
الطـّويلة المـّثيرة و الـبّريئة في آن واحدّ ، غـطّت وجّهها بكـّلتا يدّيها الـّصغيرتين
و هي تقـّول متـّوترة

ـ أنـا قـبيحة أليس كذلك ؟ لقدّ أخبرتـكمّ أنّه لا جـدّوى من فـّعل هـذا ،
أعـلمّ أننّي أفـسدّت حماسكمّ أنـا أسفه ويـليـام ، كّنت أرجّوا أنّ تـّكون بـّرفقة إمـرأة
جميّلة لكّن لمّ يّفت الأوان بّعد يمكّنك الإتصـال بأحدّ زميـلاتـكّ أو إنّ لمّ تـكّن
أحدّاهن متـفّرغة فـسأجّعل كلير تخّرج معكّ ، إنتظر سـأتصّل بها فـّورا

ضحكّ ويـّليام و جـذّبها من ذّراعهـّا نـاّحيته ، قّبل يدّها بكـّل شـّاعرية و هـّو يـّقول مـّبتسما
ـ لـقدّ سـّرقـّـت عـّقلي بـحـّضوركّ الطـّاغي فإعـذّريني إنّ لمّ أجـّبك لأننّي
مشـّغول بتـأمّل جمـّالك الأخـاذ يا آنستي
صفقـّت سيدّة فرانسيس بحـمّاس بـّالـغ و إحتضـّنت البـائعة بكـّل فـّرح ،
إنهـّا تعتبٍّر مـاري إبنتـهـّا التـّي لمّ تـرزّق بها و أنّ تراها في منتهـى تأنقهـّا هو حـّلم يتـّحقق .
لا تكـّاد تنتـظر حتى تـّرى ما الذّي قدّ يحدّث في الحـّفلة ،
فإنّ كان ويليام المعـتاّد على لقـّاء عارّضات الأزيّاء قدّ أعـجّب بها فـلما لا يّفعل الغـير ؟
الـيّوم بكـّل تـأكيدّ لن تـعودّ خائبة الأرجـّاء .
/


JAN 03-09-2020 09:05 PM



عـادّت سيدّة فرانسيس إلى المبنـّى بينمـّا إتجـّه كلا من ويليـام و مـّاري نـّاحية
الحـّفل فيّ سيـارته الفـّارهة بـعدّ أن غـّير ثيّابه هو الآخـّر إلى بـذّلة رسميـّة و طـّوال الطـّريقّ لمّ يصمـّت بـّل
كـّان يتـحدّث في مـواّضيع عـدّة فقطّ ليـّخرج مـّاري من تـّوترهـّا .
لمـحّت مـّاري قـصـّرا من بعـيد ، كـّان أبّيض اللون يشبـه البيت الأبيـّض في تـألقه و جمـّاله فأشـّارت
نـّاحيته بإعجـّاب عـّارمّ و هي تقـّول متـّحمسة كالأطـّفال تماما

ـ ويـّل ويـل أنـظر هـّل هـذا هو بيتّ رئيس الـولايات المتحـدة الأمريكية أوبـّاما ؟ إنهّ يبدوا كـذّلك .

ضحكّ ويليـامّ و لمّ يـّقل شيئـا ، تفـاجأت مـّاري عنـدّما رأتّ أن سيـّارتهمـّا تتجـّه نـحو ذلكّ الـقّصر ،
الـبـوابة الحـدّيدية مـفّتوحة على مصـّارعها و الحـّراسّ يـحّرسون المـّدّخـل بينمـّا هنـاك سيـاّرات
عـديدّة تـأتّي من كـّل مكـّان و جميـّعهـّا ذات آخر صيحـّة ،
ركـّن ويـّليـام سيـّارته بّي أم دبليو ثـمّ إتجه إلى مـّاري و وضـّع يدّها بكـّل رفـّق حـّول ذّراعه ،
أمـّا مـّاري فـلا تـزّال منـدّهشة ، هـّل يـّعرف ويـّليـام أناسـّا بمـّثل هـذا الـثراء و هو يـّعيش في
مبـنى بمـّثل مبـناهم ؟ همسّ بودّ

ـ أغـّلقي فـمكّ يـا مـّاّري و إلا سـتبتلعين بعوضة

أومـأت مـّاري بـرأسهـّا إيجـّابا و هي غـّير قـادّرة على الكـّلام ، أتـت امرأتين ترتدّيان زّي الخـدّم و
أخذّتا منهمـّا مـعطّفيهمـّا و الـدّعوة كـذّلك ثـمّ سمـحوا لهمـّا بالـدّخول إلى الـقاعة الـرئيسية حـّيث
الـحـّفل الـحقيقي .
بـّاب كـّبير مزيـّن بـزخـّارف ذهبيـّة يـّقف في كـّل جـّهة حـّارس و عنـدّ وصولهمّـا تـّقدما الـحّارسين و
فـّتحا البـّوابة بإحتـّرام لتشـّهق مـّاري و الدّهشة قدّ أكـّلت لسانها ، مـا كل هـذا التـّرف ؟
نسـاء يـّرتدين أبـهى الحـّلل من أشهـر المـصممين أمـّا الرجـّل فـجميعهم ببدلات رسميـة يـبدوا عليها
الغـلاء ، ثـريـّا من ألمـاس و الجـدّران التـّي تـحتوي على أشهـّر اللـوحـّات لأعـظم الـفنانين ،
طـّاولات بهـّا أغـلى شّـراب و أكـّل لمّ تـّرى بـمّثل لذّته قطّ .
لكـّن الـذّي لفـّت إنتبـاهها من بين الجميع هي تلك الـشـّابة التـّي صـّرخت الأنوثة في حـّضورها ،
فـّشعرها الأسـودّ كـّسوادّ الـليل قـدّ رفـّع على شكّل شين يون جميـّل جـدّا لنسـّدل خصّلات قـليلة على
جّبهتهـّا ، فستـّانهـّا حكـّاية آخرى حـّورية منـسدّل على جسمـّها ليـّظهر تفـاصيل قـوامهـّا المـتناسّق ،
ابتسـامتهـّا بـحدّها فـّتنة أمـّا عينيهـّا فـتشـّعان كالـنـجّوم بـّضوئهما الـمبّهـّر ، شـّعرت مـّاري أنهـّا
مقـّارنة بهـّا هي لا شيء يـذّكر ، تقـدّمت تــلك الـشّـابة نـّاحيتهمـّا بكـّل ثـّقة و غـّرور ، عنـدّ وصولهـّا
قـّالت بـهدوء و ابتسـّامة لمّ تفهم ماري مـّغزاها

ـ ويـّليـام ، أهـّلا بـكّ .. كـّنت أظنـكّ لن تـحّضر لكّن حـّقا أنتّ دومـّا مـا تفـاجئني بتصّرفاتك الـغـّير
متـّوقعة

نـظر إليهـّا ويـليـام بـطّرف عينيه ثـمّ إنـحنى بـكـّل رشـّاقة لـّيقبل يدّهـّا و هو يـّقول بـمغـزى أيـّضا

ـ لّيـّس أنـّا فقطّ من تـّصرفاته غـّير متـّوقعة إليـزابيث ، تهـّاني الحـّارة على زفّـافكّ و أتـمنى لكّ
سـعادّة
ـ شكـرا لـكّ عـزيزي

فجـأة أتـّى شـابّ بمنتهى الأنـّاقة و الـوسـّامة ليـحتّضن تلك الشـّابة المـدّعوة بإليزابيثّ ،فشـّهقت مـّاري
و قـدّ تـعّرفت عليه ، إنهّ ذلك الـشـّاب في المـقّهى الـذّي كـّان يـتحدُّث بـكّل عدّم إحتـرام على النـسـاء ،
الـيّوم زفـافه ؟ و الأهـمّ أنهّ في غـّاية الـثـراء ، ما الذّي كـّانت سـتفعله إنّ ألـقى الـقّبض عليها ؟
حيـّاتها ستنتهي ، إختبـأت خـّلف ويـّليـام و تظـاهرت بـأنهّا مـنشغلة بهـّاتفهـّا لـحـظة مـّا قال كايل
بـابتسـامة خبيثة
ـ ويـّليـام لمّ أكـّن أتـّوقع قـدومـكّ لكـّنّ كلنـّا نـّعلم سـّبب الـوحيدّ الذّي دّفعك للمـجيئ على أيـّة حـّال ،
و إنّ كـّنت تـّبحّث عن فـتاتـكّ فـهّي في الأعـلى تبـكّي على حظهـّا
رمـّقه ويـّليـام بـعّصبية بـّالغـة و كـادّ يـده أن تمتـدّ نـّاحية يـّـاقة كـّايل ليـخّنقه أو يـّقتله لكنّه تـذّكر
الـصـحّافيين الـذّين يـّعجون بالمكـّان ، زفـّر بـّغيض ثمّ قـّال بحـدّة

ـ إحـتّرم نـفسكّ و إنّ كـّنت تتـجرأ فـّقل هـذّا في حـّضوره أيـهّا الجـّبان

أمسـكّه كـّايل من يـّاقة قـميصه متظـاهرا بـأنهّ يـعدّله،غـمـّز لـهّ بكـّل مـكّر ثـمّ قـّال بـبرودّ شديد
ـ لمـّا لا يـقّـابلني وجـّها لوجـّه و سـّوف أريـكّ من الـجّبـان ، بالمـّناسبة من رفـيّقتك ؟ يبـدوا أنني
رأيتهـّا في مكـّان مـّا ؟ هـّل أنـتّ واثقّ أنهـّا لمّ تكنّ من بينّ لائحـّة حبيبـاتي الـسّابقات ؟
نـظرت إلـيه مـّـاري بـعـّصبية لأنهّ أهّان ويـّليـام تـّوا ، ويـّليـام الذّي إعـّتبرته صـدّيقا منذّ الـوهلة الأولى
الـتّي سـقّطت عينيهـّا عـليه ، إنهّ يـهينه كمـّا لو كـأنهّ ليس بـشيء يـذّكر ، قـّالت مـّاري بإبتسـامة ودّية
و هي تتـقدّم

ـ عـذّرا لمّ أعـّرف نفسي بـعدّ لكمـّا ، أنـا أدعى مـّاري روبرت رفـّيقة ويـّليـام و لا أتـذّكر لـقاءكّ قـبلا
سيدّ كـّايل فـوجّه كـوجّهك أو ّ حـدّيثك يصعب على أيّ أحدّ نسيـّانه ،
كـّايل بـتّمعن : لا أنـّا واثـّق أنني رأيـتكّ في مكـّان مـّا ،
أمسـكّ ويـّليـام ذّراع مـّاري بـهدوء و جـّعلها خـّلفه كـأنهّ يـّرفضّ أنّ تعـلمّ طـّفلة مـّثلها
بـوجودّ أنـّاس هـكـذّا ، متـجّردين من جمـّيع مشـّاعر الإنسـّانية ، قـّال بـابتسامة جـافة على
غير عادته
ـ عـذّرا لمحـّت صديّقا لّي يـنـاديني، عنّ إذنكم .. هيـا مـّاري
كـّانّ الثـلاثة يـّعـلمونّ أنهـّا مجـّرد حـجّة واهية لتـّخـّلصّ من بـّعضهمّ الـبّعض لكنـّهمّ تـّقبلوهـّا بـصّدر
رحـّب و همّ يـستـدّيرون في جـّهات متـعـاكّسة، و بـعدّ هـذه المّشـادة الكلامـّية العنيفة رحـّل ويـّليـام
باتجاه بضعة رجـّال يـّعرفهم بـعدّ إن أستأذن من مـّاري و جـّعلها تـجّلس في كـّرسي حـّيث تـكونّ تحت
نـظريه إذ أنهّ لم يـّردها أن تـضجـّر من حـدّيث عن الـعمـّل ،
أمـسكـّت قـطّعة حـّلوى بـدّت مـّغرية جـدّا لهـّا ، قـّضمت الـقّليل منهّا بـتـلذذ لكنّ شـّهقت فجـأة
ممـّا جـّعلها تـكّح بـّقوة ، أمسكّـت كـأس العصير و شـّربته بـأكمله ثـمّ تنهـدّت ، مـا أكثـّر صدمـّات
الـيوم ، أليـّس ذلكّ توم كـروز الممثـّل المشهـور ؟
وقفـّت بحمـّاس لكّي تحصـّل على تـّوقيعه لكـّن وجـدّت شيئـا أكثـّر أهمية ، هنـاكّ يقف آرثر و
مجـموعة من أصدّقائه مـّلتفونّ حـّول بـّعضهم و يـّتحدثونّ بكل استمتـّاع ، يـال سخّف لابدّ أنهمّ يـّعـّرفون كـّايل ، قـطّبت
عنـدّما رأتّ آرثـّر بـّرفقة شـّابة مـّا غـّير زوجـته و لـّيست أختهـّا أيضـّا ..
صـعدّا الـسـّلالمّ متـّجهين إلى الطـّبقة الـعّلوية ، يـّاله من زيـّر نسـّاء
وقفـّت و قدّ خـطّرت في بـّالها فـّكرة ، لمـّا لا تتّبـع آرثـّر الآن و تـّلتقّط لّه صـّورة معّ تلك الـمـرأة ثمّ
تهدده بـّفضحه عندّ العـّائلة إنّ لمّ يـتّخلى عن الـصّفقة التّي تهدد حـّياة أختهـّا الـغّالية ؟ ، مـّا دامت لا
تّستطّيع أنّ تـجـّمع المـّال فـلمّا لا تـحـّاول ؟ ضحكـّت بـخّفوت و أمسكـّت هـّاتفها بـشدّة ، إنه مـنجيها
الوحيـدّ الآن .. صـعدّت إلى الأعـلى بـّسرعة متحمسـّة ،
وجـدّت الطـّابق العـّلوي خـّاليـا من أّي شـّخص ، بـه الـعديد من الـغّرف المنتـّشرة بكّثرة و نـّصفـها
مـّغـّلق ، أخـذّت تنـظّر من ثـّقب الـمفـّتاح داّخل الـغـّرف لّعلها تـجدّ غـّايتها ، قـّالت بـهمّس مـاكّر و هي
تـضحك
ـ قـدّرك أّن يتمّ كشـفكّ على يـدّي ها
فجـأة سمـّعت صـّوت خـطّوات كـّعبّ عـّالي ثـمّ همـّسـات ، تـبدوّا كمـّا لو كـأنهـّا إلـيزابيث لابدّ أنهّا هي
فـّصوتها ممـيز جدّا ، إرتبكـّت و نـظّرت حـّولهـّا بينمـّا قدّ بـدأ الـّرعب يـنساب إلى قـّلبها ، فـتحـّت أحدّ
الـغّرفة بـّصورة عشـوائية و أغـّلقت الـباب خـّلفهـّا و هي تـّلهث من شدّة الـخوّف ،
كـّانت مـّظلمة لا أثـّر لـنـّور بـّها ، و صـّوت الخـّطوات يـّقترب أكـّثر .. ركـّضت مـّاري مـحّاولة
إستكـّشاف المـكان لعـّلها تجّد مـخبأ مـلائمـّا ، قـّالت بـّرعب و هي تـّضرب رأسها مرارا و تكـرارا

ـ تـّبا تـّبـا تـّبا لـكّ ماري و لفـّضولكّ الـذّي لا يـنتهي ، لمـّاذا أتـّيت أنـّا هنا ؟ مـا الـذّي أفـّعله ؟

قطّعت كـّلامهـّا عنـدمـّا داست بحـذائها على طـّرف فـستانهـّا الطـويـّل فـصّرخت بـرّعب و هي تـّرى
نفـّسها تـسـقطّ ، فـتحـّت عينيهـّا بـبطء و نـظّرت حـّولها .. لـّيست على الأّرض ، تلمّست بـواسـطّة
أنـاملهـّا الـصـّغيرة الـشيء الذّي سـقطّت عليه ، أريكة ؟ لكـّن تـبدوا صـّلبة ، أنـفّاس ؟ شـهقت و كـادّت
أن تـّقف لولا أنّ خصـّلات شعـّرها قدّ علقت بشيء مـا ، سـمـّعت همسـّا خـّافـّتا مـبحوحّا حـادّا

ـ إرفـّعي جسـمكّ المـتّرهل عني

انتهـّى ـ أتمنـّى ينـّال اعـجـّابكمّ لأنهّ من الآن و صـّاعدا راحّ يصـّير تغـّير كبيـّر في الأحدّاث



JAN 03-09-2020 09:12 PM


الـ 500 مـّليون دّولار




صـّوت الـموسيـقى النــّاعمة فيّ وسـطّ ذلكّ الـليـّل كـّانت بـمثـّابة سيـمفونية لجمـّيع الحـّضور
جميـعهم باستثناء مـاري فـلمّ تعدّ أذنيهـّا تـّلتقـطّان شيئـا بـعدّ تـلك الـجمـّلة المـريبة الـتّي سمعتهـّا ،
و كـأنهـّا قدّ غّابت عنّ عـّالمهـّا فـّلم تستـطّع فـّعل شيء سـّوى البـّقاء في مكـّانهـّا بـّلا حـّراك ،
فجـأة فـتّح بـّاب الـغـّرفة و أنيـّر المكـّان لتظـّهر إليـزابيثّ التـّي مـا إنّ رأتّ وضـّع مـّاري المـّريب
حـّتى شـهـّقت بـصدّمة ، بجـّانبـّها كـّايـل و مـّعه رجـّل كـّبير في الـسنّ تـبدوا عليه الـصّرامة و
الـجـدّية
أمـّا مـاري فـمّا إنّ رحـّلت الـظّلمة التّي كـّانت تحـجّب عنهـّا رؤية صـاحّب هـذّا الـصّوت إستـدّارت
نـاّحيته و عينيهـّا قد أغـّرقت بـالدموع كعـّادتها ، لمّ يـكّن يـّفصل عنهّا و عنّ هـذا الـشـّاب شيء
ذّو شـعّر أسـودّ لامـّع إنسـدّل على جبّهته بـكّل عنفوان و حـّرية أمـّا عينيهّ كـّانتـّا مـّلتفـّتان بـّغموضّ
موقّد كـانتّا حـادّتين جـدّا و خـطّيرتـّان بينمـّا مـّلامحّ وجهه تـنـطّق بالـّرجوّلة و الجـّاذبية تـدّل على
الإنـزعـاّج و مـّاري فـّوقه يـدّيها على صـدّره و لا يـّبعدّ عنه بشّبر واحـدّ حيثّ أنّ أنفـاّسه الـباردّة تـّلفحّ
وجنتيهـّا ،
لابدّ أنّ الـله قدّ عـّاقبها لتـّفكيرها الـمنـحّرف في فـّضح آرثـّر و لذلكّ هي قـدّ وقـّعت في هـذه المـصيـّبة ،
سـمّعت صـّوت إلـيزابيثّ و هي تـّقول بـغّضب
ـ مـا هـذا الـذّي تـّفعـلانه ؟ نـّاي أخـّبرني ما الذّي تـّفعله لـّيـلة زفـّافي ؟
وضـّع نـّاي يـدّه حـّول خصـّر مـاري و جـذّبها نـاحّيته أكـّثر فـأّصبح وجههـّا غـّير ظـّاهر لـكّن
إليـزابيـّث لمّ تـنسى الفـتّاة التّي إصـطحّبها عـدوهـّا ، قـّالت بـصدّمة أكـّثر
ـ مـاري روبرت ؟ أنـتّ رفـيقة ويـّليـام ما الذّي تـّفعلينه بـحّق الـجحيم رفـّقة نـايت ؟
تنهـدّ نايتّ بـكـّل بـّرودّ ثـّم استقـّام فيّ جلّسته و نـّزع خـّصلات شـّعر مـّاري العـّالقة بـّزر قـمّيصه ،
فّي مـّعظم الأحيـّان إنّ سـأل نـّايت شيئـّا فـّهو لنّ يـجّيب و سـّوى يـّجدّ السـّائل فقطّ الصـمـّت كـّإنـذّار
لتـّدخله فيّما لا يـّعنيه لكّن .. لكّن هـذه المـّرة ابتسـمّ نايتّ بجفـّاء و قـّرر الإجـّابة بـكـّل لا مـّبالاة
و عـدّم اهتمام
ـ هـذّه خـطيبـّتي أنـّا و طـّلبت من ويـّليـام إحـّضارها مـّا دمنـّا قدّ قررنـّا أنّه لا يـمكّن لأحدّ اكتشاف عـلاقتنا بعد
وقـّف و جـذّب مـاري من ذراعهـّا لتـّقف هي أيضـّا ، كـّانت آثـار الصـدّمة واضـحّة على وجوههم
جميـّعـا دون إستثـناء و حـّالمـا تـداركـّت مـاري الـموقّف قـّالت محـّاولة الـتوضيح
ـ لا إنّـه أنـّا
عـمّ السـكونّ عنـدّمـّا انـحنى نـّايت بـطـّوله نـّاحيتهـّا و امتـّزجتّ شفتيهمـّا فّي قـّبلة عـمّيقة و
رومـّانسية جـّعلـّت ثـّلاثتهمّ تـّلجمهمّ الصـدّمة و يصّبحونّ عـّاجزينّ عن التـّعبير ،
و فّي نفـّس اللـّحظة دّخل ويـّليام إلى غـّرفة نـّايت بـّعدّ أن استعصى عليه إيجـادّ مـّاري ليبهّت
وجهه هو الآخـّر من الدّهشة ، قـّال الـرجـّل العـجوز بـحدة مستـدّركا الـوضّع
ـ دّعنـا من هـذه المـهـّزلة ، كـّايل إليـزابيثّ إنـزلوا إلى الأسـّفل فـضيوفكمـّا في إنتـظاركّم أمـّا
أنت يـّا نـّايت فـلي حـدّيث آخـّر مـعك .
خـّرج العـجوز و تـّلاه كـّايل الذّي يصّحـّب إليـزابـيث مـّعه بـعـنّف بـعدّ أن رفـّضت تـّرك المكـّان إلا
و هّي تـّعلم ما الذّي يحـّاول نايت الـوصّول إليه ، أغـّلق ويـّليـام الـبـّاب خـّلفه ثـمّ تـقدّم نـّاحيتهمـّا
حـّيث كـّانت تـّقف مـاري المـشدوهة ، نظــّر إلي نايت و قـّال بـهدوء محـّاولا الحّفاظ على آخر
مـا تـّبقى من أعــّصابه
ـ نـّايت أخـّبرني بـّصراحة ما هـذّه المـسرحة الـهزّلية التـّي قدّ قدّمت بـتّمثيلها تـّوا ؟
و رفقـّة من ؟ رفـّقة مـّاري صـديقتي
جـّلس نأيت على الكـّنبة حـّيث كـّان مسـّتلقيا قـّبلا غـّير مـّعير إي إهتمـام لإنفـجّار ويـليـام الذّي
نـادرا مـّا يحـدّث و وضـّع قـدّما على الأخـّرى ، قـّال بـلا مـّبالاة
ـ لا عـّليك يمـكّنك الـحصـّول على واحدة أخرى الـّليـلة كالـعادة
سـدّد ويـّليـام قـّبضته نـّاحية نـّايت الذّي تـفـاجئ لكّن هـذا لمّ يمـّنعه من صدّها أو التـّخلص من بـّروده ،
أمـّا ويـّليـام فـقـّال بـّعصبية بـّالغة و هو يّشير نـاّحية مـّاري التّي لمّ تستوعب شيئـا بـعدّ
ـ جـّميعهن لـكّ لـكّن هـذه لا ، إلا هـذّه .. إنهـّا فـّتـاة بـريئة فـلمـّاذا قـّمت بـحق الـسماء
في إقـحامهّا بـخططك الـغّبية ؟ أفـّق أيـهّا الأبـّله أفقّ من عـّالم أحـّلامكّ
ـ سـأسـامحكّ هـذه الـمّرة فـقطّ لأنّ الـصدمة آثـّرت عليكّ
صـّرخ ويـّليام بـّقهر و كـادّ أن يـّضربه لوّلا أنّ مـّاري أمسكّت بـقـّبضته ، وقفـّت أمـام نـايت
و نـظّرت إليه بـكّل تـّصميم و تـمعنّ
ـ كمّ ستـدّفع ؟ مـّقابل أنّ أصبحّ خـطيبتك الـوهمية كمّ ستدّفع ؟
صـدّم ألجـّمت لسـّان ويـليـام بينمـّا ابتسم نـايت بـّسخرية ، جميـّعهن متشـّابهـّات ..
أمسـكّ بكـأس النـبيذّ و إرتشف القليـّل ثـمّ قـال ببحة
ـ كمّ تـّريدين ؟
ـ 500 مـّليون دولّار و الآن
رمـّى نـّايت الـشيكّ عليهـّا بـعدّ أن كّتب الـّرقم بـلا مـّبالاة فـأمسكّته و هي تـشدّ عليه ،
لا بـأس مـا دامّ هـذا يـعني التـّخلص من الـعـّار الذّي يـّلاحّق أختـّها فـلا بـأس بأنّ تـّجثو على ركبّتيها
و تـطّلب المـّال ، لا بـأس ، قـال ويـليام بصدمة
ـ مـاري
ابتسمت مـاري و هي تـّعلمّ أنه و بـهذه اللـحظة قـاّمت ببيـّع كـرامتـّها و عـزّة نفسهـّا لكن ما
الذّي قـدّ تـّفعله غـّير ذلك ؟ لقـدّ حـّان وقتها هي لـّتضحي من أجـّل العـائلة ، قـالت ماري بـبلاهة
ـ لا داعي لتـعجـّب ويـّلي فـأنـّا فقطّ أنفـذّ وعـدّي ، بالمنـّاسبة لمّ نتـّعارف بـشكّل لائـقّ ..
أنـا أدعى مـاري روبرت جـّارة ويـّليام كمـّا ترى ، مـاذا عنك ؟
ـ نـايت آل لبير
حـّالمـّا قـال نـايت إسـمّ عـائلته اتسـعت عينيهـّا من الدهـّشة و الـصدّمة ، عـائلة آل لبـّير إنهـّا تلك
العـائلة المـّالكة ذّات الدّم العـّريق و النـّبيل تـّمتـلكّ البـنوكّ العـّالمية و تسيـّر السّوق و التـّي تمـّتلكّ
العـدّيد من المشـّاريّع المذّهلة و الفـّخمة ، الـتّي ثـّروتهـّا لا تـّقدر بالأرقـّام ،
أفـّراد عـّائلة جميـّعا مـّعـّروف عنـهمّ بالشدّة و الصـّرامة ، سمـّعت شائعات عنّ نايتّ منهـاّ
من يقـّول أنّ نـظرة من عينيه سـتـؤدي بـكّ إلى الجـحيم و الآن هي تتجـاذّب أطـّراف الحـدّيث معه
بـكّل سهولة كمـّا لو كـأنهّ ليس شيء يـذّكر ، ابـتسمّت بسـعادة و قـالت بدون أي شـعور
ـ تـعـال لتـّقـابل والدي ، سيـجّن بكل تـأكيد
أمسـكّ ويـليـام رأسهّ غـّير متـّقبل لمنحـى الأحـدّاث و إسـتلقى ببـطء على الكـّنبة المـقـابلة لهمـّا ،
لمـاذا أحـّضرها إلى هنـا ؟ ما الذّي ستقوله سيدة فرانسيس عنـدّما تـّعلم بهـذا ؟ لـقدّ أخـذّها فقطّ
لتـّخرج من تعاستها و تشـّارك الـعالم أخـّباره لا أنّ تـخطّب من نـايت ، إنّ كـان شخصّا لطيّفا لكـان
هـذا ليّسره لكنّ نـايت نـقيض الـلطـّافة بـأكملها ، هو صـدّيقه و لا يتـحمّله في كـّثير من الأحيــّان إذن
مـاذا عن مـّاري ؟
مـاّري الـفـّتاة اللـطّيفة ما الذّي قـّالته تـوّا ؟ كم تـّدفّع ؟ 500 ملـيون دولار ؟ لتشـّارك من في هـذه
المسـّرحية الفـّاشلة التّي ألفها ذلك الـغـّبي ؟ قـّال بـأسى
ـ لا أصـدّق ، أحتـاج إلى طـبيب نفـساني
ضحكـّت مـّاري بـتّوتر و هي لا تـعّلم مـاذا تـّفـعّل الآن ؟ تـّريد أن تـّركض مـّسرعة إلى
والدّها لكّنها خـّائفة من نـايت ، جـّلست على الكـّرسي ثـمّ تنحنـحّت قـليـلا .. قـّالت بـّصدق
ـ أنـا آسفة ويـليـامّ لمّ أكن أريـدّك أن تخـطئ الـظّن بي لكّنني و في هـذه الـفّترة بـحاجة عـّارمة
للمـّال و لا يـهمّ كـّيف أجـّمعه ، لـذّلك أريـدّكمّا ألا تـظنا بـي سـوءا فـأنـّا لـّست كمـّا في ذهنـكّ
على الإطلاق ،
ـ مـاري ؟
/
في نـّفس الـليـلة تـّوقفت سيـارة أجـّرة أمـام مـنزل روبرت لتـّخرج مـّاري منهـاّ و هي تـحمـّل
بين يدّيهـّا حـقيبتين سـوداوتي الـلونّ ، رّنت الجـّرس ثـمّ إنتـظرت قـليلا و قـّد عـّلت نـّظرة الـعزم
مـلامحّها ، فـتّح الـباب لـتـّظهر فـلورا بجّسمها الهـزيل و شـحّوبها الـغّير طبيعي
تجـّاهلتها مـّاري نـّظرا لقـرار والدّهما الـصّارم بـعدّم رؤية بـّعضهما الّبعض من الآن
فـّصاعدا و إنّ تـجّرأت إحداهمـّا فـستـدّفع الأخرى الـثّمن غـّاليـّا هـذّا مـا وضحّه خلال كـّلامه
الفّترة الـسابـّقة ،
دّخلت إلى المنـزل و نـادّت والدّها ، أتـى من الطـّابق الـعـلوي و على وجهه الـضـجّر و الـعبوس ،
رمـّت مـّاري الحـقيبتين في الأرضّ و قـالت بـتصميم
ـ 500 مـليون دولار ، الآن أعـدّ أخـتي إلي
رمقـّها سيدّ جوناثان ببـرودّ ثـمّ نـزل لفـّتح الـحقيبتين لابدّ أنهـّا تـمزحّ فلا يمـكّن لأي أحـدّ أن
يـجمع 500 مليـون دولاّر خـلال ثـلاثة أيـّام لكنّ مـا إنّ فتحهمّا حتى سـقـطّت ذراعيه جّانبـا
و هو لا يـزال منـّدهشـّا
ـ إنـّه مـال حـقيقي ألـيس كذلك ؟ لـّيس مـزورا ؟ لـيس مـسّروقـا ؟
نـظّرت إليه مـاري بـكّل حقـدّ ، لـّقد سلبهّا الشعور بدفء العـائلة و سـّلبهـّا حقّها في العـّيش بجـّانب
أختهـّا أمـّا الآن فـشبابهـّا و أحلامهـّا جميعـّا ، حـتى و إن بـكّى دمـّا لنّ تسامحه ، قـالت بإحتـّقار
ـ نـعمّ ليس مـّسروقـا فـلا تـّخف
ـ كيـّف حصّلت عليه ؟
ـ ليـّّس مهمـّا ، المـهم أنّ ديـونّ سـتّدفع و الـصفقة مـّلغـاة أمـّا أخـتي فستعودّ معـي
و أنـّت من الآن فـصـاعدّا ممـنوع عليك الـحدّيث أو الكـّلام معـها كمـّا وعدّت تـماما . هيـا فـلورا
كـّانت فـلورا تـّقف منصـدّمة من كّمية المـّال المـّلقـاة في منـّزلهم الـصّغير هـذا ، ما الذّي قدّ فـعلته
مـّاري لـتحّصل عليه ؟ ، استقضت من صدّمتها عندمـا وجدت مـاري تسحبهـّا معهـا ، صـّرخت فجـأة
ـ اتركيني
تـّوقفت مـاري عن سـحّبها و استدارت لتـنظر إليهـا حيثّ كـانت فـلورا مـّرتعبة و خـائفة ،
ليّس بـّسبب المـال لكّن لشيء آخـر تكتمـّه في قـّلبها بينمـّا كان جونـاثان يـّراقب إبنتيه
بـقلة حـّيلة فـأكـثر ما يـهمه هو المـّال و وعـدّه هو مـجّبر على تنفـيذه لـذّا لا حـّيلة له ، قـالت
فـّلورا بـتصميم
ـ سـأبقى هنـا
تـركّت مـاري ذراعّ أختهـّا بـعدّم تصـدّيق جميـّع ما عـانته في طـّريقها لجّلب المـّال هي لمّ
تقدّرها و لمّ تـحـاول الذّهـاب معهـا ، أكمـّلت فلورا كـلامها بـّتوتر و هي تـّرى ملامحّ ماري المـتـألمة
و المصدومة
ـ أنـا لا أستطيع المغـادّرة آسـفة مـاري فـّعلا ، لقدّ إعتدت العيش هنـّا و لا أريدّ الـرحّيل إفـهميني
أرجوك ، أنـا أنــا لا أستـطيع
ابتسمت مـاري بـهدوء ، رغـمّ كـل شيء هي لا تـزال مـكـّروهة من قـّبل عـائلتهـّا ..
لقدّ حـّاولت مـّرارا و تـكرارا أن تـّثبت نفسها كـفّرد من عـائلة روبرت ، منـذّ نشـأتها لكنّ الآن
و هي تـّراهم يـنظرون نـاّحيتها بـعدّم تصديقّ و يتـفادّيان عينيهـّا ، كيـفّ ستشعر ؟ ،
دّمعت عينيهـّا ثـمّ رحـّلت بـدون كـّلام . و هـذه المـّرة للأبد دون عـودة
فتحـّت البـّاب و أغـّلقته خلفها بـكل هـدوء ، تـّقدمت فّي خـطّواتهـّا قـّليـّلا ثمّ تـّوقفت .
ضحكـّت بـّخفوت و الدّموعّ قدّ أغرقتّ عينيهـّا الزجـّاجتين فـّظهـّر ألمها، قـّالت بهمسّ
ـ حـّتى أنتّ يـّا فـّلور ، حـّتى أنـّـت تـّخليتّ عنّي
أكمـّلت طـّريقهـّا بدون وجـّهة ، كيـّف سيكـّون إحسـّاسكّ عنـدّما يتـّخلى عنكّ جميع أفـّراد عائلتك ؟
عنـدّما تـّفعل المسـّتحيل من أجـّل سـّعادتهمّ ، عنـدّما تـّضـّع حيـّاتكّ أنت على المحـكّ لأجـّلهم لكّن
فيّ النهـّاية همّ يـّرمونـكّ كمـّا لو كـأنّ وجودّك أو عـّدمه سيـاّن .
/


JAN 03-09-2020 09:12 PM




كـاّن جـّالسـا في غـّرفة المـعيشة على الأريكة يـشاهد فلمـّا كوميـدّيا و هو يـأكّل رقـائق الشيكـولاطة
بينمـّا هـو مـّبحـّر في ذّكريـاته ،
ـ قـّبل يوميـّن ، في مقـهى عـامّ كـعـادّته كـان ينتـظر حـّضور صـدّيقه ليستمـّع منه إلى تفسيـر
مـعقول بـعدّ حـادّثة الحـّفلة التّي لا تـزّال لـغـّزا للجميـّع و بينّ يدّيه كـّانت صّحيفة اليومّية حـّيث كـّتب
بـلونّ كـّبير في الصّفحة الأولى ـ كشـّف عن عـّلاقة نـايت آل لبيـر بـإحـدى الفتيات المـحـّليـات ـ قـطّب
بـانزعاج فدوما ما تـّبالغ الصحافة في سّرد الأحـداّث ، سـحّب نـايت الكـّرسي و جـّلس كـعادّته بثـّقة و
كبـّريـاء ، تنهـدّ ويـليـام ثمّ قـال بـهمس و هو يـّلوح بالجريدّة أمامه
ـ لتـبدأ الـشّرح يـا سيدّ
ـ لمـا لا تـبدأ أنت أولا ؟ أعنـّي ويـّليـام ما سـّبب إنتقـّالك لحّي قـذّر مثـل ذاك ؟
نـظر إليه ويـليـام بـّغيض ، لا يـّحب أن يـتـدّخل أحدّ في خصوصيـّاته و لا أنّ يـسـأله أحدّ عن سبب
أفـّعـاله و نـّايت يـّعلم هـذّا جيـدّا لكّنه يـحـّاول إثـارة أعـصابه و إبـعـادّه عن الموضوع الـحقيقي ،
ـ كمّ مـرة أخبـّرتك أن لا تّضع جـرذانكّ حولي ؟
ابتسمّ نـايت ببـرودّة و رفّـع يدّه ليـطّلب من ذلك الـنـاّدل كـّوب قـّهوة سـوداء بـلا سـكّر سـاّخن كـّمّ
يستمتـّع عنـدّما يـّفقد ويـليـام أعـصـابه ، قـال بـبحـّة
ـ لـيسّ أنت من وضـّعت جـرذاني الـصّغيرة حـّوله و إنمـّا حـّول فـتاتي الـصـّغيرة ذات الـ 500 مـليون
دولارا
ـ مـاري ؟ أتـقصدّ مـاري ؟
رمـّقه نـايت بـحدّة و هو يـّرتشف الـقليل من الـقهوة ، ابتسم ويـليـام بـبسـاطّة دلالة على استدراكه
لسؤاله الغبي فـأكمـّل نـايت حـدّيثه
ـ تـلكّ الـطـّفلة لقدّ أخـذّت 500 مليونـّا و وضّعتهـا في رعـّاية والدّها لتّخلصه من ديونـّه يـّالها من مثـّال
يـحتـذّى به ،
رمقه ويليام بكل دهشة و صـدمة ، لـدّيهم دّيون بـقيمة 500 ملـيون دولار ؟ لـوّ أخبـّرته لكـّان سعيـدّا
في إعـطائها الـمـّال و بـدّون مقـابل أيضـّا فـلمـاذّا لجـأت لنـايت ؟ عنـدّما رأت الـفرصة المنـّاسبة طـّلبت
منه المـّال مقـّابل تـمثيلية سـخيفة حتى الآن لا يـّعلم الـغاية منها ، تـذّكر كـلمات مـّاري عنـدّما كـّانت
تتـحدّث عن فـارس أحلامهـّا كـّيف سوف تتـمسكّ بـه و لنّ تتـركه الآن مع هـذه الخـطّبة المزيفة كـّيف
ستـحصّل على حـّبيب أول ؟ تنهـدّ و نـظّر إلى نـايت ، قـال بـيـأس
ـ حـتى لو ، نـايت أنـتّ على وشـك إدخـال مـاري في حـّرب هي لا تـّقدر عليهـا لذّلك أرجوك أبـحّث عن
إمـرأة أخـرى تـكون أكـّثر قـوة و أكـّبر مـقدّرة في التـحمـّل و الـصّبر
ـ فـّات الآوان على ذلكّ بمــّا أنني تـحدّثت مع جـدّي بـخصوصّ هـذا المـّوضوع ، كمـّا أنّها مـجّبرة على
التـحمل سواء أرادّت ذلك أم أبـتّ لا يحـّق لها التـّفوه بـأي شيء بـعدّ تسديدي ديونهـّا
ـ نـايت إعـتّبره تّبرعـا خيـّريـا فـكلانـّا نعـلمّ أن مـّبلغـا كـهذا لا يـعني شيئـا لكّ
رمـّقه نـايت ببـرودّ حـتى لو إستـطاع فـّلن يـّفعل ، فسـّبق و قدّ إقتحـمـّت حيـاته و لنّ تـخرجّ بنفس
الـسهولة التـّي دّخلت بهـّا ، وقـّف و قـّال بهدوء
ـ لدّي عـمّل لذا أكـّلمك لآحقـا
/
بـّعـد مـرور يـّومين على إنتهـاء حـّفلة زفـّاف كـّايل و إليـزابيث الأسطـّورية
بـعدّ انتهاء جميـع محـاضراتهـا لهـذا الـيـّوم إتجـهت إلى مقـر عـملهاّ ، ليـس بالأمـر المـذّهل فـعـملها
يتـمّثل بـكونهـّا نـادلة لأحـدّ المـطاعـمّ الـعـادّية ، قـّررت بـعدّ تـفكير عـميق أنهـّا لا تـستطيع إنتـظارّ
عـامين من أجـّل تـخرجّها و تـوظيفهـا كـمعـلمة للغـة الـفّرنسية لتـبدأ بـتسديد الـ 500 مـليون لهـذّا رأت
أنّ تـجمّع و لو الـقليل من المـّال ابتداء من الـبارحة
إرتـدّت ملابسهـا الرسمية المـكّونة من قـميّص أبيـّض بأكمـام و تـنورة سـوداء لحـدّ الـركبة حيثّ أن
مـالكّ المـطّعم يحـّاول تـقـليدّ الأسـلوب الإيـطالي ـ الـفّرنسي بـطّريقة لا يـفّهمها الـعـاملون و لا حـّتى الـزبـائن .
نـظّرت إلى اللـوحة الـكبّيرة التي تـّعـلو المـكـّان كـّان قـدّ كتب عليهـّا بـخـطّ كبير منسّق و جمـّيل مـطّعم
بـاستا الـمبتسمة ، وقفّت هي بالـخـاّرج حـّاملة عدّة منشـورات تـوزّعها على المـّارين بمنـّاسبة
الكريسماس القـريبة يـّقيم السيدّ باولو أطـّباقـا جديدة و تـخفيضـّات ،
ـ يـال حيـاتي التعيسة
رأت أحـدّ رجـّال مـارين بدا مـّريبـا لها يـرتدي معـطّفا أسود بالكـّامل و يـّضع نـظارتين بالرغمّ من أنهّ
فـصل الـشتـاء ، قـطّبت و رمـّقته بـكل إستغـّراب حـتى دّوى فـجأة صوت فلاّش كاميـرا ممـّا جّـعلها
تستـّغرب أكـّثر ، لمـّا يـلتقطّ لها صورة بالـرغم من أنها ليّست بذلك الجمال المدهش ؟
أتى رجـّل آخر و قـام بإلتقـاطّ صورة ،نـظرت إلى المـطّعم ثّـم عـادّت بـنظراها إلى أولائك المصـورين
حـّتى وجدّت أن عـددهم قـدّ تضـاعف ، ابتسمت ماري بفّرح و هي تـركّض عائدة إلى الدّاخل
ـ سيـدّ بـاولو ، سيـدّ بـاولو
خـّرج سيدّ بـاولو من الـمطّبخ و هو مقـطّبا حـاجّبيه دلالة على انزعاجه من صـّوتها العالي الصـاّخب ،
وقـّفت مـاري أمـامه و قـالت بسعادة
ـ سيدّ باولو هنـاك العـديد من الصحفيين الذّين يـلتقطون صّورا لمـطّعمك سـوّف تصبحّ مشهورا .
خـّرج بـاولو مسـّتغربـا يتفحّص الأمر و بـّرفقته عديد من العـامّلين ، حـّالما فـّتحوا الـباب دّخل العـديد
من الصـحافيين متـدافعين فيما بينهمّ حتّـى وصـلوا أخيـرا إلى مـاري الـواقفة بكـّل حيـّرة ، إنّ كـانوا
هنـا من أجّل المـطّعم فـلماذا تجاهلوا السيد بـاولو ؟
ـ آنسة مـاري روبرت ما هي عـلاقتك بنايت آل لبير و كيـّف إلتقيتما ؟
ـ هـل صحيح أنّكما مخـطوبان و منذّ متى ؟
ـ كـّيف رضى سيـد نايت آل لبير بـتـكوين عـلاقة غـرامية مـعكّ أنـت شـابة ذّات المستوى المعيشي
الـمحدودّ و الفـقير ؟
ـ هـّل قـمت بابتزازه ؟ إغـّوائه ؟ ما الذّي فـّعلته كيّ تـّحصّلي على مقـّعد الذّي كافحتّ من أجـّله أفـّضل
النـّساء ؟
نـظّرت إليهم مـّاري بـعدم استوعـاب للحـظات ثـمّ ابتسمت بـإرتـباك بينمـّا هي تـهز يدّيها أمـامهـّا ذات
الـيمين و الـشمـّال دلالة على الـتوتر ، قـالت متلعثمة
ـ لا .. أعني أنـا ، حسنـّا .. نـايت هو كمـا تـعلمون ، إنـهّ ذلك .. أجـّل نوعـّا ما .
استـدارت و ركـضت بـأقصى ما تمتلك من قـّوة نـاحّية المـخـّرج الـخاّص بالعـمال فـوقّف سيدّ بـّاولو أمـّام الـمخّرج
رفقّة العمـّال مـّانعّا إيـّاهم من التـّقدم و قـد ّ صـّرخ بـّلكنة إيـطالية حـادّة نـّاحية ماري
ـ اسـّرعي بالمغـّادرة
لكـّن ذّلك لمّ يمنعـّهم من إيجـّاد طـّريقة أخـّرى خـّرجت إلى زقـاق مـظلم و خـّلفها الـعديد من
الـصـحافيين ، تـّسلقت سـلمّ الـطوارئ و صـعدّت إلى الـسقف ثـمّ أخـذّت تـركّض مسرعة و هي تـّنـظر
خـّلفهـا لم تـستـطـع أن تـضلل أحـدّا ،
نـّظرت إليهمّ ، كـّان عـّددهم يـّفوق العشـّرة و جـّميعهمّ يـحمـّلون أوّراق و قـّلم أمـّا الأقلية فكاميـّر
ا كبيـّرة تسـّاعد على تصـّوير كـّل شيء .
بـّلعت ريـّقهـّا بـّصعوبة و هيّ تتخـّيل ردّة فـّعل نـّايت مـّا إنّ تـّمّ أخـذّ مقـّابلة بـدونّ عـّلمه ؟ قدّ يسـحّب
المـّال و قـدّ يـّقومّ بشيء أسوء من هـذّا فـّهو ليّس بالشخًّص الـلطّيف . همسّت بّقلق عـّارم
ـ سّوف يّقتلنّي
فجـأة أعترى العـّزم مـّلامحـّها و هّي تنـّظر إلى الأسـّفل ، ابتسـمّت بتـحدّي و عـّادت تنـّظر نـّاحية الصّحافيينّ ،
لـّن تـّدع الـ 500 مـلّيون دّولار تـّضيعّ من بينّ يديّها حـّتى لو عـّنى ذّلك القـّفز من الـطّابق الثـّالث .

انتهـّى الشـّابتر ـ أتمنـى يـكونّ في المسـّتوى ـ


JAN 03-09-2020 09:14 PM


لقـّاء بـوالدّي في القـّانون





فـّي تـّلك اللـحظة انـّتاب مـّاري تفكـّير جـّنونّي بالقفـّز ، من الطـّابق الثـالث نـّاحية الأسـّفل غـّير مـّعيرة
عـّواقب أّي اهتمام يكفيّـها فـكـّرة أخذّ الـ 500 مـّليونّ دولاّر من بينّ يدّيهـّا و يكفـّها فـكّرة تـّخلي نـّايت
عنهـّا و ضيـّاع فـّرصتهـّا في تسـّدينّ دّيون والدّها ،
عـّقدت العـّزمّ و قفـّزت بـّجنـّون و هـّي تصـّرخ ممسـّكة بـطـّرفة فستـّانهـّا ، لتـّسقطّ على حـاّوية القـّمـّامة
فـأسّرعت بالوقّوف و الـّخروجّ سـّعيدة لأنهـّا نـّجت من المـّوت الـحتـّمي ، لكـّن و بـعدّ خـّروجّها تـّعثرت
بقّشرة مـّوز فيّ الأرض فـّسقطّت على وجـّهها بـكـّل قـّوة ، سمـّعت أصـّوات المـّراسـّلين و همّ يـّتذمرونّ
بـكـّل أسى
ـ لا مسـتحيل.. المقـابلة الحّصرية
ـ كيـّف تـمّ هـذا ؟ آنسة مـاري هل كـّنت تـمارسين ريـاضة الجمـّباز في صـّغرك ؟
وضـّعت مـّاري يدّها على قـّلبهـّا و هـّي جـّالسة على الأرّض لا تـّقوى قـّدميهـّا على رفـّعهـّا ، فجـأة أتـّى
رجـّل مـّا من الخـّلف و قـّام بـّحمـّلها من خصـّرها مسـّاعدا إيـّاها على الوقـّوف ثـمّ اختفيا خلف زاويـّة
فّي زقـّاق مـظّلم ،
ـ تـّبـا لقدّ إختفت ، لننقـسمّ هيـا لنّ أدّع مقـاليّ يـرحّل عني بهذه السـهولة
تنهـدّت ماري بـراحّة بـعد أن رحـلوا ، استـدارت هي تـشكـّر منقـذها لكّن الكـلمّات أبت أن تـّخرج ، لـمّ
يـكنّ سوى كـايل .. الشـّاب الذّي لا تـّرغب أبدا بـاللقـاء به مجددا ، قـال بـهمسّ
ـ كـنت متـأكدا أنني أعـّرفك ، فتـاة المـقهى سـأخبر زوجتـك أليس كذلك ؟
رمقـته ماري بنفور و أبـعدّت ذراعه عنهـّا مبتعـدّة بـعدّ أن تـمتمت بـبضعة كلـمّات شـكّر لكـّن كايل لمّ
يـتركّها و شـأنها بّل صـّار يسير بجّانبهـا و على فـمه ابتسـامته الخـبيثة المعهودة
ـ أردّت أن أتـأكدّ بنفسي من خـطيبة نـّايت بـعيدا عن الإشـاعات
ـ أهـا ؟ إذّن بـعدّ تـأكـدّك أيمـكنكّ الـرحيل ؟ لأنه لـدّي عمل مـهم كمـّا تـّعلم
تـّوقف كـايـل أمـامهـّا و نـّظر إليها من الأسـفل إلى الأعـلى ثـمّ هـز رأسه نفيـّا دلالة على أنه لا
يصـدقهـّا ، نـايت من المـستحيل بـل من سـّابع المـستحيلات أن يـتـخـذّها كـخطيبة لأن ذّوقه لا مثـيل له و
هـذه الفتـاة تـبدوا كالـمتسولين تـماما ، قـال بـشكّ
ـ مـتى إلتقيتمـّا ؟ و كيـف تـمّ الـلقـاء ؟
ـ لـست مـضّطرة لأن أجـّيبك ،
ـ أنـّا ربـما لا لكّن مـضـطّرة لـقول الـحقيقة في النهـّاية ، كمـّا أنني لمّ أتي لأراكّ فقـطّ بل لأخـذّك مـعي
أيـضـّا ، فـقدّ طـّلب الـجدّ بـحضـّوركّ شخصيـّا
ـ حقـّا ؟ أنـا لا أصـدّقك
ـ و أنـا لا أصـدّقك أيضـّا بـهذا نـحن متعـادلان لـذّا تـعالي مـّعي
تنهـدّت مـاري و القـّلق يـعتريهـّا، كـّايل بذات لا تـستطيع تصـديقه .. بـعدّ مشـاحناته مع ويـليام قـدّ يكون
هـو الـعـدّو الذّي يـجّب عليها الإحتـراس منه لكّن مـادامّ هـذا طـّلب الـجدّ فـلا تـستطيع الـّرفض ،

استـنتـجّ من خلال صـمّتها أنـها مـوافقة لذّلك سـّار أمـامها و هي خـّلف بـكّل بـطء ، إتجـها إلى سيـارة
سـوداء مـركّونة قـريبـّا و مـضللة أيـّضا .

/

تـلكّ الـليـلة كـّان الـقـّصر مـّظلمـّا على خـّلاف يـّوم الـحـّفـلة لـمّ يـكّن هنـاك أي أثـّر للحيـّاة بـهّ خـّالـيـا و
مـوحشّـا ، مـرّعبـّا و مخـّيفـا حـّيث يـعيش أفـرادّ أسـرة أل لبير
أشـهـّر عـّائـلة عـّرفـتها لـنـدّن و أمريـكـّا بـأكـّملها ، يـتولى الجـدّ قيـادّتها و تـّسير الـسوق كمـّا يشـاء و
إبنيـه أيضـّا . بـّلعت مـاري ريـّقهـا بـّتوتر ثـم إنـحنـتّ لـتفـركّ ركـّبتيهـّا ، تـقـدّم كـايـّل منهـّا و نـظّر إلى
سـاقيهـا قـال بـسـخرية
ـ بالمنـاسبة الـقفـّزة لـّيست سيـئة أبـدا ، حينـمّا رأيـّتك أكـادّ أقـسمّ أنكّ كـّنت تـطيرين
ـ هـذّا ليس مضـحكـّا لقـدّ كـنت في مـّوقف حـّرج فـعلا و كّان عـقلي فـّارغـّا لذّلك لمّ أحّـاول أن أفـكّر
أبـدّا فـأسـّرعت بالـقفـز
ـ مـجنـونة
نـظّرت إليه مـاري بـغـّضب فضـحكّ ، أخـّرج مـنـديله من جيبّ قـميصه و مـسحّ بـقعة الـوحّل على
وجـهها ثـمّ مشـطّه الـخّاص و قـام بـترتـّيب شـعـّرها الأشـّعث قـليلا ، إن رأى الـجدّ مـّاري في هـذه
اللـحظة فـحتمـّا سيـصّاب بسـكتة قـّلبية ، تـبدوا فـعلا كالـشحـاذين
تـّبعته و هـذه المرة لمّ تلتـفت لتـلكّ الـتحف الأثرية الثـمينة أو تـلكّ اللـوحات الـمشهورة، نـظّرت بقـّلق
نـاحّية أحـدى الـغـّرف في الـطّابق الـثاني حيـّث كـّان يسـّمع صـوت خـطواتهما الـهادئة ، قـّالت بـتوتر
ـ كـايل ، سـأنـادي نـايت
ـ لا فـجدي يـّرغب في رأيتكّ لـوحدكّ
ـ لكّـن ، أريـدّ نـايت
تـّوقف أمـّامهـّا فـظهر طـّوله الفـّارع ، إنحنـى نـاحيتها و وضـّع ذراعيه حـّول كـّتفيها حيّث لا تـّبعدّ عنهّ
سـوى سنتمتـّر أو ثلاثة ، كـّان شـّعره مـّرفـوعـّا بـكّل أنـّاقة للأعـلى فتـّظهر عينيه النـاعستين و
الـخبيثـتين ، قـال بهمـّس سـاحّر
ـ ألا أكـفيكّ أنـا ؟ لمـّا لا تــتّركي نـايت و تـأتي إلي ؟
وضـّعت يديهـّا على وجههـّا بـخوف عنـدّما إنحنى أكثـّر لكـّن سمـّعت صـّوتـا آخـّر ، أنثوي و ذّو نـعومة
صـّارخـة تّضع مـّاري جـّانبا
ـ كـايل ، تـّوقف عن المـزاح مع الفتاة الصـغيرة
ضـحكّ كـايل و إقترب من إليـزابيثّ ثـمّ أحتضنها بـخّفة ، نـظرت إليهـمّا ماري بـعدّم تصديق كـّيف لها أن
تـّرى زوجها يحـّاول تقبيل إمـرأة أخرى و لا تـزاّل مبتسـمة ؟ تـأففت مـّاري بـّضيق من وجودهـّا
بجانبهـّما و اسـتغلت انشـغالهمـّا ببعضهما البعض لتـّدخل إلى نفس الغـّرفة التي كـّان بها نايت سـّابقا

لمّ تـستـطّع أن تـّرى شيـئا فـالظلام دامّس و الـبرودّة تعّم الأرجاء كمـّا لو كـأنّ هذه الـغّرفة ليست جـزءا
من هـذا الـقّصـّر ، اقـتربت ببطـّء و وّضـعت يديّها على الأريكة .. خـائّفة من نايت لكّن مـّرتعبة من
الـمواجهة لوحـدّها ،
سحـّب ستـائر نـافذة التـّي تمتدّ من أعلى الجـدار إلى أسـّفله و ظـّهر ذلك الـقمـّر الذّي ينـّير سـماء فـأنـّار
بـدّوره القـليّل من أرجـاء الـغـّرفة ،
كـّان واقفـّا بـعيدّا عنها لمّ يشعر بدخولهّا و يـطّغى حوله هـّالة من بـرودة و تعاسـّة بـطّريقة مـّا ، عينيـّه
الحـّادتين قـدّ خفتّ خـطّرهمـّا و همـّا تراقبـّان لمـّعان الـنـجّوم بينمـّا تـّقوس حـاّجبيه قدّ اختفى فكـّان
وجهه تبـدوا عليـّه ملامـّح حـّزن عـمّيق ، شـّعره الأسـودّ الحـّريري انسـّدل على جّبهته بينمـّا بضعة
خصـّلات تتّراقّص مع الـّريـاح كـأنهّ أميـّر من العـّصور الـوسطّى .
حينهـّا تسـّللت أفـكاّر عـدّة إلى رأسهـّا ، لمـا يعيـش وحيـدّا ؟ لمـّا هو هكـذا ؟ ما سبّب حـّزنه ؟ استـدار
بـهدوء و بـّرودّ قدّ عـاّدت نـظّرته الـخطيرة إلى عينيهّ ، قـّال بـهدوء
ـ ما الذّي تـّردينه ؟
ـ نـايت ، سيـدّ نـايت .. لقدّ أحضـّرني كـّايل لأنّ سيدّ آل لبيـر يـريـدّ مقـابلتي و أنـّا لا أعـّرف كيـّف
أتـّصرف
تنهـدّ و تـقدّم نـّاحيتهـّا و عنـدّما وصّل فتّح في نفّس اللـحظة بـّاب غـّرفته بكل قـّوة ليـّظهر كـايّل الذّي
يبـدو عليه الـغّضب ، لمّ يتـّوقع وجودّ نايت هنـّا بالمنـّزل فـهو لا يـعودّ إلا نـادّرا ، نـظّر إلى مـاري التّي
اختبـأت خّلف نايت . زفّر بـغّيض
ـ جـدّي يـّريدّ رؤيـة ماري لذا دّعني أخـذها
رمقـّه ببـّرود ينـّافس الصـقيع في شدّته ثـمّ إرتـدّى قـميصه بـعدّم إهتمـام و أمسـكّ بيدّ مـاري ، كـادّ أن
يـمّر لولا أنّ كايل وقف في طـّريقه و هو يـّقول بحدّة
ـ ألم ّ تسمّع ؟ هل أنت أصمّ ؟ لقدّ قـلت لكّ أن جـدّي يـريدّ رؤية مـاّري و لوحـدّها
تقـدّم نـايت ناحيتهّ ثم همس بشيء في أذنه جـّعل كايل يـجّفل ، نـظّر إليه بـحقدّ و استدار عـائدّا من حّيثما
أتى ، سـّارا في رواق طـّويل ثـم تـّوقف عندّ المصـعدّ ، ضغـطّ على زّر مـّا و فـّتح ليدّخل الاثـنين ،
ـ نـايت هـّل هو مـّوافق مبـدئيا ؟
لم يجب كعادته فهو قليل الكلام لا يتحدث إلاّ للحاجة ، فتـح المصـعدّ فظـهر رواق طـويل و عـّريض يمتـدّ
إلى غرفة وحيـدّة فقط ، اتجـه إليها نـايت و دّخل خـّلفه ماري
مكـّتب كبيـر و تـحّف فنية مع مكـّتبة واسـعة و تشـمل جميع الميـادين ، في كرسي جـّلس عليه رجـّل
تبدوا عليه صّفـات الصـّرامة و الحـكّمة ، لهّ أنف سليل كالسيـّف و بـّشرة بيضـّاء لمّ تـخلوا من
التجـّاعيد مـّع طـّول فـّارع ظـّهر عليه و بالـرغم من جلوسه

تـقدّم نـايت ناحيـّته و لمّ يكنّ مبـاليـّا بهـالة الكـّبرياء و الجدّ التي طـّغت على المكـّان بـأكمله ، جّلس
على أريكة منفردّة ثـمّ قـال ببرود
ـ لقدّ سمـّعت من كـايلّ أنك طـّلبت رؤية خطيبتي ، فهل هنـاك خطـّب ما ؟
ـ أريـدّ رؤية خطيبة إبن ابنتـي فـهل يستدعي ذلك خطبـا ؟
رمـقه نايت بحـدّة و قـدّ صـّار رفـّضه التـام لهـذه المقـابلة واضحـّا تمامـّا فـبادّله جـدّه نـظرات بنفس
الحـدّة و الخـطّورة ، اقـتربت مـاري بـتوتر عـاّرم و هي تـّنفض الغـّبار عن ملابسهـّا ، انحنـتّ بلبـاقة
للجـدّ و هي تمسـكّ بفستانهّا من الجـّانبين ، و قـّالت بإرتبـاك
ـ مرحبـّا أدعى مـاري روبرت و إنـّه لشّرف لي لقـّائك وجهـّا لوجه سيـدّ آل لبير
ـ بالـطّبع سيكونّ شـّرفا الآن دّعنـا من التـمّلق و لنـتّحدث بجدية ، نـايت أريدّ تصّريحـا شاملا لمـّا يحدث
هنـّا
اتجـهـّت ماري لنايت و وقفـّت بجانبه ، لابدّ أنهّ غير راضي بهـا كـخطيبة لنـايت فتحـدُّث الأخير بـهدوء

ـ لقدّ نفـذّت مـّا أمرتنّي به ، و هـذّا لا يحـّتاج إلى شـّرح
سيدّ آل لبير : أجـّل و أنـّا سعيـدّ لذّلك لكـّن لّيس بـهذه الـطّريقة المفـاجئة ّ أنّ تـّختـّار فـّتاة من الـعدّم
لتـّكون كـّنتيّ و حـّاملة اسمّ آل لبيّر ، نايت إذّا كـنت تفعل هـذا من أجـّل كايل و إليـزابيث عنـدّها أنـّت
جبـان فـعلا لتنسـّاق خلفهما
أحكم نايت الإمساك بقبضته لدّرجة ابيضاضها و قـدّ ظهـرت عـليه ملامـحّ الـغّضـب و السـخـطّ الشديد ،
كيـّف لا و جـدّه يّصفه بالجبـّان ؟ قـال بـحدّة
ـ لنّ أنسـاق خّلف تصّرفات الأطفـّال طبـّعا أو تـظنني بهـذا الانحـطاطّ و البـلاهة ؟ أنـا أردّت أنّ تـكون
مـاري خطيبة لّي لأننّي أريدّ شخصـّا بجانبي و كـّان الوقت قدّ حان للانتقـال إلى المرحلة التالية من
علاقتنـّا
تنهـدّ بقلة حيلة ثمّ نـظر إلى ماري ، كـانت تبدوا لطـّيفة من اللمحة الآولى و عـّثة الملابس كمـّا أنّه
يبدوا عليها نوّع من الغـباء ، قـال لها فجـأة
ـ إن كـّنت تّـريدّ مني تصـدّيق أنكمـّا فـّعلا تـّعرفـّان بعضكمـّا قـّبلا فأجيبيني كيـّف التقيتما ؟
تـّعلثمت مـاري في كـّلامهـّا و كـادّت أن تـّرد لولا أنّ نايت قدّ سبقها في ذلّك ،
ـ في نـادّي ليلي ، كـّنت بّرفقة ويليـامّ و كـّانت هي نـادّلة قدّ سكبت عن طريق الخـطأ كـّأس نبيذّ على
سترتيّ
ـ حقـا ؟
ـ نـعمّ ، أردّت الإنتقـام منهـّا بـطريقتي الخـّاصة فقمـّـت بطـّردها من جميـع الأماكن التي أرادت العـمل
بها أمـّا هي فلمّ تستسـلمّ فكـاّنت تحـاول بإستمـرار و هـذّا ما جذبني نـاحيتهـّا
ـ آهـا ؟ إذّن كيـّف لك يا ماري آن تحبي شخصا أراد الإنتقام منك ؟
ارتبكـّـت ماري ثـمّ قررت أن تجيبه دونّ خوف أو قـلق
ـ ليسّ تمـاما ، كـنت أكرهه في البـداية لكّن وجـدّت نفسي أنـجذّب ناحيته دون أدراكّ مني حتى وقـعت في
شبـاكه
احمرت وجنتيها من الخـجّل و تـلعثمت في كلماتهـّا ، ممـّا جعل الجـدّ ينهي و لو حتى القليل من شكوكه ،
طريقة لقائهما قدّ تكون صحيحة لأن هذه هي تصّرفات نايت و كبريائه العاليّ أمـّا حبّه لهذه المدعوة
بماري فقدّ يكون كذبا ، قال فجـأة
ـ هل تحبها أنت يا نايت ؟
أجابه بهدوء و برود : أن أحبهّا هو شيء يخّصنا نحن الاثنين فقط ، المهمّ هو أننّا مرتاحين مع بعضنا
البـعضّ ،
تنهد الجد بيتر بقلة حيلة و أشـار بيده فوقف نايت و معه ماري ليغادّرا ، جملته تلك ، أجل هذا هو نايت
و لم ّيتغير ، أمسكّ رأسه و هو يهزه يمينا و شمالا ثـم قال بتعب
ـ لمّ يكن تربية أبنائي بصعوبة تربية أحفادهم

/

فيّ قـاعة واسـعة المساحة ، كـانّ يقف الأستـاذّ حـامّلا الميكـروفون بيدّ و يكـّتب بواسـطة الأخرى على
اللـوحة شـارحّا أسس الشـّعر الفـرنسي ، من أجـّودّ الأشـعار الذّي عّرفها العشـاق

في خـّلف تمـاما كـّانت ماري مـّرتدية فستانـّا أبيضّ بسيطّ مـع ستّرة من قمـّاش خفيفة ذات اللونّ
الـوردّي ، شـّعرها البني القـّصير رفـعّت نصفه على شـكّل وردّة و تّركتّ النصف الأخر حّرا ، بجـّنبهـا
زميـلتها كليـّر الشـابة الأكّثر جـّاذبية ،
انتهت المحـاضرة فـرّفعت مـاري دّفترها و أقلامهـّا لتـّضعهم بدّاخل حقيبتهـا الصغيرة ، تـّوقفت فجـأة و
قـّالت بإستـدراك
ـ آهـ كلير هـّل يمكنني إستعارة حاّسبك المـحمول ؟ لقّد نسيتّ أن أنقـّل بضعة ملاحظـات ؟
كـاّنت كلير مستعدة لرحيـّل لكّن تـحدّث ماري معها جّعلها تتوقّف قليلا و تـؤجـّل موعـّدها ، تنهـدّت و
وّضعته أمـّامهـّا ثم قـالت باستفسـار
ـ مـاري ، لقدّ قـال آرثـر أنـه رآكّ في حفـّل زفـاف كايل آل لبير و إليـزابيث هل هـذا صحيح ؟
ابتسمـت ماري بـلطّف و لمّ تـكّن عينيهـّا على ملامحّ كليـر ، فقدّ كـّانت منتبهة جـدّا لنّقل كيّ لا تخـطأ
لأنهـّا لا تمتـلكّ القلم المصـححّ ،
ـ نـعمّ ،
جـّلست كليـر أمامهـّا و ودّعت موعدّهـّا بلا مبـّالاة ، لابـأس سـّوف تـعوّضه غـدّا أو الليـلة لكّن مـّاري
نـادّرا مـا تـّبقى في الجـامعة بـعدّ المحـاضرات و هذه هي فّرصتهـا كّي تسـألها عن مـدّى صحـّة
الإشاعات و الأقـاويل المـوجودّة في الصـحّف المحلية
ـ حقـّا ؟ كيـّف إستـطّعت الدخول و أنـّت مفـلسون ؟ فحـّتى نحن عـائلة الغـلوريّ لمّ نستطـّع الحصـّول
على دعّوة و آرثـر دّخل فقطّ لأن من إصطحّبها معه قدّ دّعته ليكون رفيقـها ؟
تـّوقفت ماري عن الكتابة و نـظرت إلى كليـّر ، قـّالت بهدوء
ـ بـذّكر هـذّا ، ألم تقـولي يـا كلير أنّ لآرثـر رجـّل مـّرتبطّ و هو متّزوج ؟
كليـر بإرتبـاك : أحقـا ؟ نعـمّ و تلـكّ هي
تنهدّت ماري ، قدّ تكون حمـقاء في معـظم الأحيـّان و بـلهاء في أسـاليبّ الحيـّاة لكنهـّا ليست بذّلك الغباء
لتصّدقّ كذبة واضحـة مثّل هذه ، إنّ كـّانت هي و أخيهـا لا يّرغبان بأختهـا هي فـيجّب عليهما قّول ذّلك
مبـاشّرة دّون اللجوء إلى طّرق ملتوية ، سّمعتها تقّول مجددا
ـ دّعينـّا منـّه ـ لمّ تـخبريني كيّف إستطّعت الدّخول ؟
أغـّلقت الحّاسوب المحمول و وضّعت أشيـائها بداّخل حقيبتهـّا ، كـّان واضحّ من خلالّ نظراتهـّا أنهـّا
إكتشـّفت كذّبة كليـّر ، قـّالت بخفـّوت
ـ أتعـّرفين نايت آل لبير ؟
ـ نـعمّ و من لا يـّعرفه ؟ مـاري لا تخبريني أنـّه هو من أعـطاكّ دعوة ؟
رمّقتهـا باستهـزاء ، هلّ يصّعب عليهـا أن تـّصدّق بـأنّ فتاة مثلهـّا فقـيرة و لّيس لهـا أيّ خّبرة مسّبقة قدّ
تـّعرفت بشـّاب مثـّله ؟ ابتسمـّت بلطّف و قـّالت بوداعةّ
ـ إنـّه زوجي المستـّقبلي
وقّفـت كلير بصـدّمة ، هـذّا غـّير معـّقول .. لقد ّقـرأت في ّالصحـف أن لنـايت خطيبـةّ خّفية تـدّعى ماري
روبـرت لكّن أن تـكون هي مـاري ، مـاري التّي تعرفهـا لهو أمر مستحيـّل ، كيـّف لفتاة مثّلها محدودّة
الإمكانيات و الجـمّال أن تتّعرف بّشخص مثله ؟ ، و مـا إنّ ألتفت لتـّستفسر مجـددا منها كـّانت الأخرى
قدّ رحـّلت
/
فيّ إحـدى المـّلاهي الليـّليةّ ،
كـّان هنـاكّ شـّاب ذّو شـّعر بنّي نـّاعم مصّفف بكـّل أنـّاقة للأعـّلى مـّع عينينّ ناعستينّ تجـّذبـّان الكثـّير و
الكـّثير من الفتيـّات ، يـّرتدّي بنطـّالا أسودّ مع حـذاّء ريـّاضي و قميّص خفـّيف جـدّا أبيّض اللونّ لتظهـّر
عـّضلاته ،
يمسـكّ بيدّ سيجـاّرته الأخيـّرة و الأخرى كـأّسـّا ، كأّنّ مـّثـّالا لرجـّل اللا مبالي .. تـّقدمّ منهّ صدّيقه و
صـّافحـّه بحـّرارة ثـمّ قـّال بـلهجة مشـاكسة
ـ مـّا رأيكّ بالمـلهى الذّي افتتحته ؟ أهـّو رائـّع أم مـاذا ؟
ـ جميـّل لكنّ ينقـّصك الـزبـّائن
ضحكّ مـدّير بّصوت عـّاليّ ثمّ وضـّع يدّه على كـّتف ذّلك الشـّاب و غمـّز لهّ قـائـّلا
ـ أعـّلم و لهـذّا استدّعيت المـّثيـّر آرثـّر ، هـذّه مهمتكّ أنـّت
ضحكّ الأخيـّر بغـّرور و قـّال محدّثا صدّيقه
ـ دّع هـذّا ليّ إذّن ،


JAN 03-09-2020 09:16 PM


ـ المسـّرحية و الـدّمى ـ




نـّور تلفـّاز المـّوضوع ّ على قـنـّاة بهـّا فيـلمّ رومـانّسي أمـّامه تـلكّ الـشـّابة تـأكّل المـثلجـّات
و الحمـّاس بادّي على ملامحّ وجهها الطـّفولية
لـمّ تستـطّع النـّوم و تّفكيـّر في مستقّبلها المجـّهـول يؤرقـهّا ، تـورطّهـا مع عـائلة آل لبير جّعلهـا تـحّرم ّ
من الـراحـّة و كلّ ما يجـّول في رأسهـّا هو متـّى الـخـطّوة التالية ؟ مـتّى يأمرهـّا نايت بـّفعل شيء مـّا
؟ لذّلك قـّررت أنّ تـّقوم من على سريرهـّا و تتـجّه إلى التـلفـّاز أنيس وحدتهـّا
و بالـرغمّ من أن قـّصة الفلمّ رائـعة تمّس جـوانّب عدّة من الحـّياة فـمـّاري لمّ تلقي لهـّا بالا و عـكّس
مـلامحّ وجهها المتـحمّسة كـّانت دّقـات قـّلبهـّا تنبـّض خـّوفـّا ، إنهـّا ماريّ الفتاة التّي بـٌّقت ثـمانية عشـّر
عـامّا تستـجمّع شجـّاعتهـّا لتغـادّر المنـّزل لكنهـّا طّردت منه و عـّامين محـّاولة تـّوضيح لكـّنهـّا طّردت
مجددا منـّه ، و هـّل يعقل أن تـّستطيع مجـّاراة مهمـّا كانت خـطّة نايت ؟
قـطّبت حـّاجبيهـّا و هي تـأخـذّ قضمة أخرى ، لاّ طّبـعا لا .. تـّعلم ذلكّ و هو يـّعلم هـذّا لكـّنها لا تستـطّيع
الاستسـّلام الآن خصـّوصـّا بـعدّ أخـذّهـّا الخمسين مـّليون دولار لتسـديدّ ديون والدّها و في النهـّاية فـّلور
لمّ تـأتيّ لتعيّش معهـّا ، إنهـّا مجـّرد غفـّوة أخرى تسـقطّ بهـا
فـكّرت قـليـّلا ، لا لـّيست غـّفوة و لا خـطـأ في النهـّاية هي خـّلصت والدّها من الدّين و بالـرغمّ من أنهـّا لا
تـحّبه فهي لا تـّكرهه أيضـا ، هيّ بكل بسـاطة لن تستطيع التـّخلص من رابـّطة الدّم التّي تجمّعهمـّا .
وّقفت و إتجـّهت إلى الـّشرفة المـّوجودّة في صـّالة الاسّتقـّبال ، كـّان بهـّا وّردّ جمّيل الـرائـّحة قّررت أن
تقّوم بـّزرعه عنـدّما أدّركت أنهـّا لا تستطيّع تحمل مسـؤولية تّربية حّيوانات أليّفة ، جـّلست فّي ذّلك
الـكّرسي الـهزاز الّذي وّضع عـليه ملاءة قـدّيمة صّوفية ثّـم رّفعت قـّدميـّها على سّور الـشّرفة و أغـّلقت
عينيهـّا فتـراءت لها ّ صـّورة نـّايت عنـدّ نـّافذة غـّرفته و القـمّر قـدّ أسدّل ستـّار ضـّوءه عليه فإبتسمت
بـحالمية كعـّادتها
ـ وسيـمّ و جـذّاب جـدّا
ـ من هـّو هـذّا ؟
فّتحت عينيهـّا بدهشة و استـدارت مّسرعة مسـّتقيمة في جّلستهـّا إلى حّيث مّصدر الصـّوت ، رأتـّه يـّقف
بكـّل ثقـّة و بـّرود ، يـّرتدي معـطّفا متوسطّ الـطّول رمـاّدي اللـّون مـّع قـمّيص أسـودّ خّفيف و وشـّاح
بـنّفس لونّ المـعطّف مع سـّروال جينز أزّرق و حـذّاء ريـّاضي، تحّت عينّيه تـّوجدّ هـّالات بّنفسجية قّليلة
أخّفاها بخّصلات شّعره التّي انسدلت على وجهه كالعـّادة ، سـحّب كـّرسيـّا و جـّلس ثـمّ نـّزع القفـّازات من
يـدّيه و هو يقـّول بـبحّة و خـّفوت
ـ قـّهوة سـوداء مـّع مـّلعقة من الـسكّر
ـ آ حـاّضر
أسّرعت إلى المـطّبخ و حـظرت القـّهوة سـّريـعّا بينمـّا هنـاكّ سـؤال يـدّور في رأسهـّا ، كيـّف دّخل إلى
شّقتهـّا و هي متـأكدّة من أنهـّا أغلقتهـّا بالمفـّتاح ؟ هـّزت كّتفيهّا دلالة على عدّم الإهتمـّام ، لّيس هو
الشّخص الأول الذّي يدّخل بدّون إستئذّان ،
وضـّعت كـّوب القـّهوة أمـّامه على تّلك الطـّاولة الصّغيرة ذّات الـزينة و إعتـذّرت لتـأخّرها ، جـّلست أمـّامه
على الكّرسي الهـّزاز و رّفعت قـدّميهـّا لمّستوى صّدرهـّا محّتضنة إياهمـّا أمـّا عينيهـّا فكـّانتا تـّراقّبان
بـفّضول نـايت
كّيفية إمسـّاكه بالفنجـّان ، طـّريقة إرتشـّافه القـّهوة ، نـّظرته ذّات الكـّبريـاء العـّالي ، كـّل شيء به مـثـّالي
ـ مـّا رأيكّ ؟
رّمشت مـّرارا و تكـّرارا ثـمّ قـّالت مـّتعـّلثمة : أرجـّوا المـعذّرة ؟
ـ ألّست كّنت تتفّحصنني تـّوا ؟ أردّت أخـذّ تـّقييمك
إحمـّرت وجّنتيهّا من الإحـّراج و أطـّرقت بنـظراتهـّا للأسـّفل بينمـّا هي تـّلعب بـأنامّلها دّلالة على تـّوترها
فـّرمقهـّا نايت بغـّيض ، هـّل هي بـّلهـاء ؟ أمّ هو قـّال مـدّيحا تّوا ؟ زّفر ثـمّ قـال ببـّرود
ـ لا يـهمّ ، لقدّ أتيت لأنـّاقش بّضعة أمور ، أوّلهـاّ هيّ هـذه التـمثّيلية .. لا أعـّلم كّم ستـّدوم و لا كيّف
سينتهّي المـطّاف
لمّ تـّعلم مـاريّ لما شـّعرت حيّنها بنوّع من عدّم الاطمئـّنان فـأخذّت تتحدّث بصـّورة متوتـّرة و خاّئفة
ـ ما الذّي تقّصده ؟ هـّل لا تعـّلم حقـّا ما هذه المـدّة التّي يجّب فيهـّا أن نـّلعّب دّور المتحـّابين ؟ أقـصدّ مـاذّا
إنّ اضطررنا للقّيام بهـذّا إلى الأبد ّ ؟ أو مـاذّا إذا تـّم كّشفنـا ؟
ـ لمّ يـحدّث ، لأنـكّ سوف تـّقـومينّ بإحـتّراف التـمّثيلّ و إتـّقان دّوركّ لدّرجة المثـّالية
تقـدّم منّهـا ثـمّ إنحنى بـكّل هدوء لمّستوى وجههـّا ، عينيه داكـّنتينّ تجّولانّ بكـّل بّرود حـّولها منّ
ابتسـامّتها المـّرتبكة إلى حـّاجبيهـّا المـّعقودين بكـّل تـسـاؤلّ إلى نـّظرتهـّا الخـّجولة ، وّضع يدّيه حـّول
كـّتفيهـّا وجـذّبها فيّ تـلكّ اللحـّظة سـّارعت ماّري للإبتعاد متـذّكرة ما حدّث في المرة السـابقة .
كـّيف أخذّ منهـّا قّبلتهـّا الأولى بدّون مشـّاعر .. كـّان يّرمقهـّا حينهـّا كمـّا لو كـأنهـّا و المـّزهرية واحدّ لا
يحـّركان بـّقلبه نبّضـات ، بينمـّا كّان هو يـّحاول أنّ يّجّرب رّدة فعلهـاّ فقط قـّال نـايت بّسخرية لاذّعة و
شدّيدة اللهجة
ـ قّبلة و أنت خـّائفة ؟ مـاذّا إنّ تمـادّيت أكثـّر هل سيـّغمى عليك ؟
أجـّابته مـّاري بـغّضب محّتقن كّيف لا يكّسوها الـغّضب و هو يهّين أحـّلامهـّا ؟ أمنيـّاتها التّي تخص
فـّارسّها ؟
ـ لا أنت مخـطئ ، القـّبلة لّيست مجـّرد قـّبلة .. إنهـّا تـلكّ اللـحظة التـّي تتـّولدّ فيهـاّ أشـّواقكّ تـلكّ الـثـّانية
التّي يـطّغوا فيّها حـبكّ على كّل كيـّانكّ فـتـّقوم بّتقبيـّل حبيبـكّ بـكّل رقـّة ، كـّل عـّشق و غـّرام لمشـّاركته
أحاسيـسكّ ، لجـّعله يـؤمنّ بأنّ قلبكّ لمّ يـعدّ ملككّ .. ليّصدق أنكمـّا صّرتمّا كيـّانا واحـدّ
إستنـدّ على الشـّرفة و هو يـّقابلهـّا ، إنهـّا تلهُّث كـأنهـّا قـامت بمجهـّود عـظيمّ .. شـّفتيها تّرتجفـّان و
تـوشكّ على البـكّاء فقطّ لأنهّ قـال أنّها لا تعنّي شيئـا ، أكـمّلت حديثّها بـتّوتر
ـ لا يمكنـكّ تقبيـل من تشـاء سـّاعة من تشـّاء ، و أنتّ تصّف قـبـلتّنا الأولى كمـّا لو أنكّ قبلتّ كّلبـا ازدرى
لعابه على ثيابكّ
ابتسـمّ بخـّفوت و همـّس قـّائـلا
ـ لقـّولكّ كلامـّا كهـذّا أنت مجـنونة و إنّ صـدّقت بـتّراهات مثـّل هذه فسّينتهي بكّ المطـّاف بـّميتة وحيـدّة
تعيسـّة ،
إنعكّس من خّلال عينيهـّا الزجـّاجيتن الصـدّمة الواضـحة و التّي حـّاولت إخفـائهـّا ، شـدّت بواسـطّة
قّبضتهـّا على فستـانّها و هيّ تقول بتّصميم
ـ لا أنـت مخـطأ ، أنـّا لنّ أمـّوت وحيـدّة .. سـأجـدّ شـخّصا أحبـّه و حـّين أفـعّل لنّ أتـركّه يغـّفوا عن نصـّب
نـظّري ، سـأقـاتّل من أجّل حبي أنتـظّر و سـتّرى
ضحكّ قـليـّلا إنهـّا متّرصدة و لوهـّلة ظنـّت ماّري أنهّ هو المـطّلوب ، من كـّانت تبحّث عنه لكّنهـّا استعادتّ
واقعهـّا عندمـّا رأتهّ يتجـّه إلى الصـّالة ، تـّبعته
ـ معتقـداتكّ و أنـتّ حرة لكّن لا تـّفسدي مخـططّي
ـ أجـّل أعـلمّ ، الآن أنا أوفّر روحيّ القـتالية من أجـّل حـّربكّ لذّلك لا تـّقلق لكـّن نـّايت .. مـا سبب هـذّه
التمثـيلية ؟
أجـّاب ببـرودّ و هو يـّهم بالـرحّيل : لّيس مهمـّا معـّرفتكّ بسببّ
ـ إنتـّظر لمّ ينتهي نقـّاشنا بـعدّ ،
أمسكته من ذراعه مانـعة إياه من الذهاب إلى أيّ مكـّان ، فـتّوقف و نـظّر إليهّا منتـظّرا ما ستـّقوله ،
عـّلت التصـّميمّ مـّلامحهـّا و هي تقـّول بجدّية
ـ أعتـقدّ أنني أستـحّق إجـّابة واضحـّة ، نـايت هلا أخبرتنيّ من فـّضلك ما سبب الذّي جـّعلك تـّقومّ بصنـّع
هـذه التمثيـّلية ؟
تّردد للحـّظاتّ ثمّ تنهـدّ و قـّال بـهدوء بينمـّا عـّقله مبحر فّي ذّكريـّاته
ـ إنهّ سـّر
فتـحّ البـاب مسـّتعدا و خرّج فإرتـدّت ماّري معـطّفها الأحمـّر و حـذّائهـّا مـّع وشـّاح خفيفّ بّسرعة مـذّهلة
و أغـّلقت الشـّقة خّلفهـّما ، فّرمقهـا نـّايت بغّيض و سـّارع في خـطّواته .. أمسكـّته مـّاري من ذّراعه و
إحتّضنتهـّا فيرى النـاّظر أنهـمّا فـعّلا حّبيبينّ و هـذّا ما لمحّته سيدّة فرانسيسّ عندّمـا كـّانتّ خـّارجة هي
أيضـّا حـّاملة حّقيبتهـّا و بّرفقتها كلا من السيدّ بول و ويليـامّ ، قـّالت بدّهشة
ـ يـا ألاهي هـّل هـذّه فعلا أنت مـّاري ؟ لا أصـدّق بـعدّ سنواتّ من فقدّان الأمـّل تجـّدينّ شابا و شديدّ
الوسـامة أيضـا ؟ ظننّت أنّه سينتهي بكّ المـطّاف في دّار المسنين بـعدّ عـجّزكّ عن العّيش لوحدّك
إحـمّر وجّه مـارّي من الـخجّل و تـّوردّت خدّيهـّا باللـونّ الـوردّي ، تـركّت ذّراع نايتّ و لمّ تلاحـظّ نـّظرات
الغـّامضة بينّ الصدّيقين ، قـّالت بإحـراج
ـ سيدّة فرانسيسّ توقفي عنّ هـذّا ، لقدّ أخبرتكّ سابقـا أنني أنتـظر الـرجّل المنـّاسب أم نسيت ؟ ثمّ لماذا لا
ينفك الجميع ذكر دار العجزة ؟
ـ أعـلمّ ممتـطّيا حصـّانه الأبيـّض و حـّاملا وردّة الأوركيد هـائمـّا الكـّرة الأرضيـّة بـّاحثـّا عنـك ، كلنـّا نعـلمّ
ابتسـمّ نايتّ بسخـّرية لمّ ليلمحـّها سوى ويليـام المـقطّب بشّرودّ ، إنهـّا لمّ تخبره هو فقـطّ بمواصفـّات
فـّارسهـّا و إنمـّا جميـعّ من تـّعرفه ، أو ليسـّت بلـهاء ؟ اقـترب من سيدّة فرانسيسّ و إنحنى بخفـّة مـّعرفـّا
عن نفسه
ـ أسـعدّ صبـاحكّ سيدّتي ، أدعـى نـّايت أل لبيـّر و أنـا خـطّيب الآنسة مـّاري روبرت .. تشـّرفت بـلقـائكّ
شـّهقت سيدّة فرانسيّس من الـدّهشة ، لّيس لأمّر الخـّطبة بّل لمـدّى لبـّاقة هـذا الشـاب الواقفّ أمامهـّا ،
كــّان جـذّابـا بـوقفـتهّ الواثقـّة و نـّظرة الكبـّريـاء مـّع شـّعره الأسودّ الحريري اللامـّع كسـوادّ الليـّل تمـّاما
، يـذّكرها بـالرجـّال الارستقراطيين قـدّيمـا فهـّو و بـطّريقة مـّا يـّتـركّ هـّالة من الجـاذّبية و النبـّل تـحومّ
حـّوله ، قـّالت بلا إستوعاب
ـ حقـّا ؟ لو كـّنت ثـلاثّّين سـّنة وراء لمـّا تـّركتكّ تـذّهب بسـّهولة ،
ضحكّ نايتّ بوداعـّة مصـطّنعة و هو يقبـّل يـدّها ثـمّ سـحّب ماري من كّتفيهـا و قـّال بابتسامة بـسيـطّة
ـ للأسـف يـا سيـدّتي فـأنـّا مـّرتبطّ ، الآن أرجـّوا المـعذّرة لقدّ وعدّت أن أخذّها لمـطّعم فـاخّر تـعويضـّا على
ما فاتنـّا
ـ أجـّل ، طبـعا .. أعـذّر سخـافتي
تـقدّم الاثـنينّ و خـّلفهـمّا ويـّليـام ، إتجـّه الثـلاثّة إلى سيـّارة سـوداء مـّركونة مـضللة .. فصـعدّ ويـليـامّ
خـّلف الـمقّودّ بـعدّ إنتـزاعه المفـاّتيح من أصـّابع نـّايت الذّي جـّلس بجـّانبه ، تـّوقفت مـّاري بـتّرددّ ،
خصـّوصـّا عندّما لمحـّت نـّظرات ويـّليـام الغـّير طـّبيعية فقـّررت أنّ تـأجّل أسـئلتهـّا إلى مـّرة أخرى ،
قـّالت بـتّوتر
ـ آ لقـدّ تـذّكرت أنهّ لدّي مـحـّاضرة الـيّوم بـعدّ سـّاعة لـذّلك أنـّا أعـتّذر ،
رمّقهـا نـّايت بـّبرودّ شديدّ ثـمّ إلتفت نـّاحية ويـّليـامّ الذّي يكـّاد يـّنفجّر من الغـّضب ، و قـّال بـّسخريته الـدّائمة و اللاذّعة
ـ و منّ كـّان يـّنوي أخـّذكّ مـّعه ؟ أنـّت من عـّزمت نفـّسك ،
نـّظرت إليهّ مـّاري بـّغيض ، هو منّ كـّان يـتّحدث عن إحتـّراف التـمثـّيل حسّنا يـّاله من ممثـّل بـّارعّ ،
قـّالت ببـّرود هي الآخرى مـحـّاولة تـّقليدّه
ـ لا تـّظن أنكّ تخّلّصت منـّي، لنـّا لقـّاء أخـّر ، وداعـّا ويـّليـام
و حـّالمـّا أنهـّت جـّملتهـّا أدّار ويّليـام المقّود بـطـّريقة عـّنيفة فـأطـّلق المـحركّ صـّوتـّا مخّيفـّا ، عـّاد
للخـّلف ثـمّ إنـطّلق مسّرعـّا بـّسرعة خـّيـّالية جـّعلت مـّاري تـشّهق مـّرتعبةّ ، هـّزت رأسهـّا يميـّنا و شـّمالا
ـ تّسك تـّسك تسـكّ يـّالهمّا من صـدّيقينّ ، أنـّا أتساءل إنّ كـّان ويـّليـّام بـخّير؟

/

فّي ذّلك السـرير الـّضخم عـّليه عـّدة وسـّائدّ و غـّطاء أحمـّر أجوّري حّيث كـّان كـّايل نـّائمـّا و قـدّ إختـّفت
مـّلامحـّه الخـّبيثة التّي كـّان دومـّا مـّا يحـّملها ، فجـأة أنيـّر ضوء الغـّرفة مّسببـّا له الإزعـّاج ، قـطّب و
صـّرخ بـغّضب
ـ إليـزابيـّث أطـّفئيه
تقـدّمت مـّنه إليـزابيـّث، ـ الشـّابة التّي تـّوجدّ صـّورتهـّا على غـّلاف مـّجلة المّوضوعة فّوق الطـّاولة
الزجـّاجية ـ وّضعـّت يدّهـّا على كـّتفه و هـّزته بـّقوة بينمـّا كسى الانزعاج وجههـّا الجمـّيل ، قـّالت بـّحدة
ـ استيقظ إنهـّا العـّاشرة و أنـّت لا تـّزال نـّائمـّا
قـطّب و إستـدّار إلى الجـّهة الأخرى فتـأففـّت إليـزابيثّّ بـغّيض شـدّيد ، إتجـّهت إلى تـّلك المـّزهرة التـّي
حّصلا عليهـّا كـّهدية فـّاخرة من قـّبل مـدّير مـّجموعة هيـّون و نـّزعت الأزهـّار غـّير آبهة بـمدّى عبقّ
رائـحتهـّا ثـمّ أفـّرغت مـّياههـّا على كـّايل
شـّهق بـّقوة و استقـّام فيّ جـّلوسهّ ، و بـّحركة مفـاجئة كـّان يـّضع يـدّه حـّول رقـّبة إليـزابيّث كـّايـّل يـّعرف
بـالعصّبية الـشدّيدة و كمـّا أنّ جمـّيع منّ يـّعرفه يـّتجّنب إغـّضابه و يّسعى للحّصول على رّضـاه فـكّيف
لزوجـّته أنّ تـّفعل مـّا فّعـلته ؟ ، قـّال بـّصراخّ
ـ أتـّقي الشـّر يـا إليـزابيـّث ، إتقـيه قـّبل أنّ أقـّوم بـّقتلك و الآن
وضـّعت إليـزابيثّ يـدّيها حـّول رقـّبته هيّ الأخرى و احتضنته بـخـّفة فهـدأ ، ابتسـمّت ببـّرود قـّائـلة
ـ عـّزيزي أعـّلم أنـكّ غـّاضب بشـأنّ الـّصور لكّن لقدّ أخـّبرتكّ أن هـذّا هو عـّملي و لا خيـّار أخر لـّي ، و
أنـّا أسـّفة لأننّي رمـّيت المـّياه عليـكّ فـقدّ كـّنت أنـّا أيضـّا غاضّبة لأنـكّ قـّمت بـتجّاهلي ، أنـّا أسـّفة
عـّزيزي أعـدّك أننّي لنّ أكّررهـّا
تنهـدّ كـّايل و أبـّعدها عـّنه ثـمّ إتجـه إلى الحمـّام ، أغـّلق البـّاب خـّلفه بـّقوة .. و عنـدّما تـأكدّ أنهـّا لا تّـراه
ابتسـمّ بـلطـّف ثـمّ قـّال يـّحدثه نـّفسه
ـ تـّظنينّ أننّي لا أعـّلم لـكّنكّ مخـطـئة ، لـّو أنّ هـذّا القـّلب لا ينـّبض بـأسمـكّ و لو أنّ هـذّه الـعّروق لا
تسيـرّ بـأنفـّاسكّ لكـّان لّي حسـّاب آخـّر مـّعك ..

/

فيّ إحدى الحدائقّ المـّليئة بقطـّرات النـدّى و همسـّات القـّليل من الأطفـّال الذّين يـّلعبونّ هنا و هنـاكّ ، لمّ
يكنّ يوجدّ الكثيـّر من الأشخـّاص و هـذّا مـّا سـّاعد السيدّ جوناثان في أخذّ راحتـه معّ صديّق عـمّره
روبـّرت ، متـّناولا تـّلك السيجارة بينّ يدّيه ، فقـّال روبرت بهدوء و هو يـحاول أن يطمئنه
ـ يـّا صديقّي ، ألّيس الوقت منـّاسبـّا لدّخولكّ الى المستشفى ؟
رمقّه سيدّ جوناثانّ بحدةّ لّيبتسم روبرت و هو يـّهز رأسه نـّفيـّا ،
ـ لا ، لا تـّرمقني بتـلكّ النـظراتّ أنـّا أقـّول الحّقيقة ، أريدّك أن تـّهتمّ بـّعلاجّك فقطّ
ـ روي أنا لا أستطيـّع لدّي الكثّير من الأعمـّال و عّلاجّي هو آخرّ همّ بّنسبة لّي ، كمـّا أنهّ توجدّ مشـكّلة
ماري لإصلاحها ،
ـ أنـّا سـّوف أهتمّ بكّل شيء ،
قطّب سيدّ جوناّثان و هو يـّفكر ، ثمّ ارتشف نفّسا عميقـّا من سيجـّارته الأخيرة و رمـّاها أرضـّا بـّعدهـّا
قـّال بجدية
ـ لا ، هذه مشـّكلتي و هـذه عـّائلتي ، صدّقني روي أنـّا ممتـّن جدّا لـّوقوفكّ بجـّانبي طـّوال الوّقت و السيـّر
فيّ خطّطّي لكّن آن الأوانّ ليّ أنّ أتولى الأمـّور بـّنفّسي على الأقّل لهـذه الفتـّرة ، قـّبل أنّ تشـاهدّ عيناي
هـّاتين نـّهايتهمـّا
تنهـدّ روبـّرت بـّقـّلق و ضـّم صدّيقه بخـّفة بـّعد أن تـّلاشت العـّبارات من فـّمه لحـظة ذكر جون المـّوت ،

/

كـّان نـّايت جـّالسـّا فيّ مقـعدّه بـكّل راحـّة و الـّبرودّ ظـاهر على وجههّ ، يـّضع يدّه على حـّافة النـّافذة و
يـّراقـّب الـطـّريق كـّيف تـحتـّك عـّجلات السيـّارة بـهـّا مـّخلفة آثـار واضحـة ، تنهـدّ بـضجـّر عـندّما زادّ
ويـّليـام فيّ سـّرعة فإلتفت إليه لآنه تـّجاوز الحـدّ و قدّ يصـطّدمـّا بأي شـيء و بـالـّرغم من أنهّ لا يمـانـّع
فـّعلا المـّوت لكّن قـّرر الكـّلام
ـ مـّا الذّي يـّزعجـكّ لـدّرجة جّعلنـّا نموت مـّعا ؟
تـّوقف ويـّليـام و قـدّ ضـغطّ على الكابح فصدّر صـّوت مـّخيفّ و دّارت السيـّارة مـّرارا و تـكـّرارا قـّبل أنّ
تستـّقر فيّ وسـطّ الطـّريق ، رمقـّه ويـّليـام بـّغضب ثـمّ ابتسمّ فـجأة و وضـع يدّه على كـّتف نـّايت ضـّاغطـّا
بـّقوة
ـ عـزيزّي نـايت أل لبيـر إنّ كـّنت تـّريدّ مني خـّدمة فـّيمكنكّ الـطّلب و سـأكونّ سـعيدا لتّلبيتهـّا إن كـّنت
أستـطّيع ، لا أنّ تـأمـّرني بـّفّعل مـّا تـّريد و بالـطّريقة التـّي تـّريدهـّا وقتمـّا تـشّاء و لا يـحّق ليّ الـّرفض
ـ آه إذّن هـذا مـّا يـّزعجـك ؟
ـ بالـطـّبع لـّيس هـذّا مـّا يـّزعجني فـانـّا مـّعتـاد على وقـّاحتـكّ و إنعـدّام أخـّلاقك لّكن الأمـّر الذّي لمّ أقبـّل به
هوّ مـا طـّلبته بالـحدّ ذاته ، أخـّبرنيّ ما الذّي تـحاّول فـّعله لعـّلني أعـّذرك و أكونّ يـدّك الـيّمنى ؟
قـطّب نـّايت و نـّزع يـدّ ويـّليـامّ من عـّلى كـّتفه ثـمّ زفـّر بـغـّيض ، أحـدّ الأشيـاء الـتّي يـمّقتها هو تـّفسير
تـّصرفـّاته للآخـّرين ، فـإحتـدّت عـّينيه بـشكـلّ واضـحّ و أخـذّت هـّالة الخـطّر من حـّوله تـّنتشـّر أكـّثر قـّال
بـحـدّة
ـ إنّ لمّ تـّرد فـّلا بـأس أستـطّيع عـثورّ على شـّخص آخـّر
ـ هـذّا لّيس مـّا أعنـيه ، تّـبا لكّ تـّفسر الأمـّور على منـّحاكّ .. كـّل مـّا أقوله أننّي أحتـّاج تـّفسيّرا فـأناّ قلق
عليكّ و أنــّت تـّدركّ أنّ مـّا تـّفعله هو الخطـأ بعـّينه لذّلك أّريد منك التـّراجـّع قـّبل فـّوات الآوان
كـّز نـّايت على أسنـّانه بـعـّصبية ثـمّ قـّال بـهـدوء رغـمّ أنّ مـّلامحـّه و حّركاته عـكّس ذلك تـمّاما
ـ ويـليّام أنـتّ قـدّ تـخـطّيت حـّدودّك إخـّرس
حـّرك ويـّليـام الـسيـّارة عـندّما لمـّح شـّاحنة قـّادمة من بـّعيد و سـّارع بالإبتعـّاد ، شـدّ على المـّقودّ
بـإنـزعـّاج و تـّحـدّث مـجّددا
ـ إستـمـّعّ إلى مـّا أقوله بـحـّق السمـّاء نـّايت ، أنـّت تـّلـّعب بـجّانب الهــّاوية و لـّيس لـوحـدّك بل بـّرفقة
مـّاري .. إنهـّا طـّفلة و لا تـّدركّ ما أقـحمـّت نفّسهـّا بـه و أنـّت تـّستعـمّلها كمـّا لو كـأنهـّا دّمية تّحركهـّا
مـّثلمـّا تـّشاء ، إنّ كـّان بشأن الـ 500 مـّليون دولار فـأنا مسـّتعد لدّفعهـّا عـّوضـّا عـّنهـا لذّلك أتـّركهـّا و
عـّائلتهـّا
ـ لّست مـّهتمـّا بالـنقّود و أنـّت تـّعلمّ أمـّا بالنـّسبة لهـّا فـلقدّ قـّامت بـتحديدّ ستّعرها بـّنفسها و قـّامت هّي
ببـّيع نفـّسها لّي لذّلك لّيس لهـّا الـحق فيّ قـّول لا ، كمـّا أن هـذّا لا يـّعنيكّ
ـ نـّايت أرجـّوك إفـهمنـّي ، أنـّت صـدّيقي الـّوحيدّ و الـّفرد الـوحيـدّ المتـّبقي من عـّائـّلتي أنـّا فـّعلا لا أريـدّ
أن أخـّسرك بـّرغبة انتـّقام الـتّي تـّغمركّ
ـ ويـّليـام بـحّق الـجحيـمّ إنّ لم تـخرس و الآنّ فـسّوف أحّرص عـّلى أنّ يـّكون أخـّر مـّا تـّراه هو فـّوهة
مسـّدس المـّوجهة نـّاحية قّلبك
رمقـّه ويـّليـام بـأسى و قـدّ ظـّهر الـوجـّه الحقـّيقي لنـّايت ، كـّان و بـهـذّه اللـحـّظة لا يـّقوى على التـّنفّس
أمـّا بـّشرته فقـدّ إزدادت شـّحوبـّا كمـّا لو كـأنهّ رأى المـّوت بـّعينيه ، حبـّات الـعّرق قـدّ شّقت طـّريقـها
نـحوّ ذقّنه ، ابـتسمّ ويـليـام و قـّال بـخـّفوت
ـ حسنـّا ، لا داعـّي لكّل هـذّا الإنفـّعال نـّايت أنـتّ تـّعلم جيـدّا أننّي مـعّك في كـّل خـطّوة تـّخطوهـّا و أنـاّ
مسـتّعد للمـّوت إنّ كـّان هـذّا يـعنّي سـّعادتـكّ فقـطّ ، فقـطّ أنـّا قـّلق عـّليكّ
أجـاّبه نـّايت ببـرود بعد أن وجه نـظراته إلى الأمـّام ،
ـ أنتّ كـّثير الـّقلق بـدّون أي شيء يـّذكر ،
ـ أعـّلم ، ألا يـحّق لي ؟ خـّصوصـّا و أنـكّ قـدّ بـدأت الـّتصـّرف بـغـّرابة ، فقـطّ عـدني أنـكّ لـن تـّذهب إلى
التـّهلكة ؟
ـ أجـّل أجـّل كمـّا تـّشاء فقـطّ إخّرس و قـدّ أنـّا جـّائع
ابتسـم ويليـام بـودّية و قـامّ بـضـّرب نايت على خصـّره فـتأوه الأخـير من شـدّة الألمّ و شتم بـحدّة ليضـحكّ
ويـليـام أخيـّرا ثـم قّال بـلهـجة مـّازحة
ـ هـذّا لأنكّ جـّعلتني أصّاب بالـجّنون

JAN 03-09-2020 09:17 PM


نـحـّوك ـ عـزيزي




أحيانا بل في معظم الأحيـانّ لا يستـطيع الإنسـان الإستمـّرار حينهـّا يكونّ قدّ أعلنّ الفـشّل و رفـّع رايـة
الاستسلام ليـّس لأنه فقـدّ الأمـّل أو يـأس من الحيـّاة بـّل يـمكنّ الـقول أنهـّا النهـّاية و النهـّاية فقط .
أجـّل إنهـّا تـلك النهـّاية التّي تـجّعل الشـّفاه عـّاجزة عن التـّعبير و تـّصبح الـعّينينّ بالـّرغم من صـحتهمـّا لا
و لنّ يـّستـطّيعان الـرؤية سوى الـظّلام من الآن و صـّاعدا .
فـّي ذلك الـّركن الـّصـغير ، حيـّث لا يـّقدر أحـدّ على لمحـّه كـّان هو جـّالسـّا مستنـدّا على الجـدّار الذّي
خـّلفه و الـشـهـّقات تصـدّر منهّ كمـّا لو كـأنهـّا سيمفـّونية حـّزينة و مـّؤلمة ، يـمسكّ رأسهّ بين يدّيـه و
يـّضغط عليه بـكّل قـوة .
ضـغطّ على قـّبضته و إنهـّالت فـكّرة جـّنونية إليه فجـأة ، مـاذّا عن الإنتحـّار ؟ مـاذّا عن قـّتل نفـّسه ؟ مـاذّا
عن رفـّع الـسكين و قـطـّع شراييـّنه إلى آخـّر قـطّرة دّم ؟ لـكّن و إنّ فـعّل فـهل سيـموّت ميـّتة هـنيئة ؟
ارتسـمّت على شـّفتيه الجـّافتين و البيّضـاوتين من شـدّة المـّرض و الألمّ مـعّا ثـمّ همـّس و نبـّرته
المحـطّمة قـدّ وأنسته وحـدّته المـّروعة هذه
ـ أنـّا قـّادم إلـيكّ يـا عـزيـزتـّي ، أنـّا قـادّم انتظريني فقـدّ حـّان مـّوعد لقـائنـّا

/

فّي ذلك المنـّزل البسيـطّ كـّانت فـّلور تـلكّ الشـّابة ذّات الـّشعر الأحمـّر المـّرفوع إلى الأعـّلى تـحـّضر
الغـذّاء بـكّل هـمة و نشـاطّ فـالسـّاعة تشيـّر إلى الثـّانية عـّشر و لمّ يبـقى على قـدّوم والدّها سوى ربـّع
سـّاعة ـ عـندّما رنّ الـجّرس و كـّان نـّادرا مـّا يـّرن لإنعـّزال عائلة روبرت عن بـّقية الحّي .
نـّظرت من الـعّين الـسحـّرية نـحو القـّادم فـرأتّ شـّابا ذوّ شـّعـّر أشـقر لامـّع يـمّيل للـّون الـذّهبي رّفع
نصـّفه و تـّركّ القـّليل ، يـّضع ذّراعه على الجـدّار و تبـدّوا عليه مـّلامح الـسـخطّ و الـغَّضب ، بدا لفـّلور
كشـّاب مشـّهور فـما الذّي يـّفعله هنـّا ؟
نفـّضت يـدّيهـّا من الـطّحين و نـّظفت وجّهها ثـمّ فـّتحت البـّاب ، إعـتـدّل في وقفـّته لـّكن لمّ يـغـّادر الضـجّر
وجـّهه فقـّال بـّغيض
ـ هـّل هـذّا منزل السيـدّ جونـاثانّ روبرت ؟
توخت حينهـّا فـّلور الحـذّر و قـّدّ ظهـّرت ملامـحّ البـّرود على وجههـّا ، كـّانت عـكّس مـّاري تمـّاما ،
ـ و إنّ كـّان ؟ ما الذّي تريـدّه ؟ مـّن أنت ؟
قـطّب الشـّاب بـعصّبية و نــّزع نـّظارتيه ، دومـّا ما يكـّلف بالمهـّمات السـخيـّفة .. لمـّاذا ؟ تـأفف ثـمّ قـّال
بـغّضب
ـ ليّس لدّي وقـّت للـعّب الأطـّفـال ، نـادّي سيدّ جونـّاثـان
ـ و لا أنّا أيضـّا يـّا سيـدّ ، فـما رأيكّ أن نخّتصر الحـدّيث و نصـّل إلى المـّطلوب .. ما الذّي تريـده من والدّي
؟
زفـر ويـليـام ، و فتحّ البـّاب على مصراعيه ثـمّ دخـّل .. المـطّبخ ثـمّ الصـّالة ، صـعدّ إلى الأعلى و فـّتح
جميـّع الغـّرف بينمـّا فـلور تصـّرخ بـّرعب و هيّ ترى هذا الشـّاب المجـّنون يـقتحمّ منـزلهمّ عـّنوة بينمـّا
هيّ موجودة ؟
عنـدّمـا لمّ يستـطّع إيجـاده تـأففّ بصـّوت مسـّموع ثـمّ كـادّ أن يــرحّل لولا أنّ فـلور وقّفت بـطّريقه ، رمقـّها
بـسخـّرية ، ليسـّت مثـّل أختهـّا على الإطـّلاق .. أمسـكّته من يـّاقته و سـحّبته نـحوهـّا ، بالـّرغم من أنهـّا
ليست بالقـّصيرة لكـّن لمّ تستـطّع حتى أن تـّصل إلى مستوى كـّتفيه ، قـّالت بـحدّة
ـ بـحّق الجحيـمّ من تـظّن نفسك ؟ لتـقتحـم منزلي عنـّوة و أنـّا موجودة به؟ ألمّ أملئ نـظّر عينـّيك ؟ أمّ
أبـدوا مخـفـّية ؟ سـأتصـّل بالشـّرطة
أبـعدّ يدهـّا عنه باحتقان شديد ثـمّ فجـأة ابتسـم كمـّا لو كـأنهّ قدّ عـاد إلى وعـّيه ، ضحكّ بـخفـّوت دومـّا مـّا
يـّخرجه نايت عن طـّوره ، إنحنـى و قـّال بـنّبرة سـّاخرة
ـ حـّاولي عـّزيزتّي ، أنّ متـأكدّ أن الشـّرطة ستـحّل مشـّكلتنـّا ، و إن كـّنت تـّردينّ سوف أتصـلّ بهـّا أنا
شتمت بعصبيـّة و ابتعدت ، لابدّ أنه من الدائنينّ و إن كـّان كـذّلك فـّلا يجّب إقـحام الشـّرطة لأنهّا و بكـّل
تـأكيد ستـخّسر القـّضية ، رأتهّ يـغـادّر فتمـّتمت
ـ تـّبا حتى و أنتّ بمنـّزلك لا يـّتركونـكّ و شـأنكّ

/

فـّي صـّالة كـّبيرة بـهـّا طـّاولة عـّليها عـدّة كـّراسيّ وضـّع فـّوقهـّا عـدّة أطـّباق من أشـهى المـأكولاّت
و قـدّ زيـّنت بـّبضعة أزهـّار فّي الـوسـطّ
تـرأّس الـطـّاولة الجـدّ و قـدّ كان يـّرتدي بـّذلة عـّملة الـرسمية بـجانبه الأيمن جـّلس رجـّل ربـما في
منتصف الأربعنيـات كـان يـشبه الجد لحدّ كبيـّر من نـاحية الـوجه أو الجـسمّ او حـّتى تـّعابيرّ بجـانبه
كـّان كـّايل الـذّي بـرفقة إليـزابيث الـمرتدية فسّتان سـّهرة أبـّرزّ بـّشرتها البرونزية أكـّثر
و فيّ الجـّانب الأخـّر و بالـجّهة الـيسرى للجـدّ كـّان يـجـّلس نـّايت و شـّعره الأسودّ قـدّ غـطّى
حـدّة عينيـهّ ، يـّضع وشـّاحـّا و يـّرتدّي قـميّصا خفـّيفا مـّع سـّروال جينـّز ،
أثـّناء فـّترة الـغـذاء لمّ يسمـّع سوى صّوت المـّلاعـّق و منّ حانية إلى أخرى صـّوت أحـدّهم يـأمر
الـخـادّمات الواقفـّات في الخـّلف بـجّلب صـحنّ ما كـّان بـعيدّ عن مـتّناول يـدّيه ، تحـدّث الجـدّ فـجأة
مكـّلما نـّايت
ـ ألنّ تـأتيّ خطيبـتكّ لـزيـّارتنـّا إلا بـدّعوة أم مـّاذا ؟
تنحنـّح كـّايل و علىّ شـّفتيه إبتسـامّة سـّاخرة ، قـطّب نـّايت بينمـّا رفـّع حـّاجبه دّلالة على عـدّم
حيازة حركة كايل على رضاه ثـمّ التفت إلى جـده و قـال بـلـباقة و تهذّيب شديد
ـ لـديهـا محـاضّرات و عـمّل لذّا هيّ غـّير مـتّفرغة معـظم الـّوقت لكّن إن كـنّت تـّريدّ
رؤيتهـاّ فـيمكننّي الإتصـّال بها
كـّايل بـسخرية : حقـّا ؟ و من هـذّه التّي تنشـّغل عن خـطّيبهـّا الملياردير ؟
ألّيست كـّل الفتيـّات يـّردن الـخّروج و الاستمتـّاع ؟
نـايت بـبرودّ : تـّلك هـّي زوجـتّك ،
أكمـّل طـّعامه غـّير آبه بـتّغير مـّلامحّ إليـزابيّث أو بهيـجـّان كـّايل الـواضـحّ ، فقـّال الجـدّ بعـدّم راحـّة
و هو يـّرمقّ حفيديه
ـ لـدّينـّا حـّفـّل الـلـيـلة بـمنـّاسبة ذّكـرى الـسنوية لإفتتـّاح الـشّركة لـذّا أريـدّ من الـجّميع الـحضـّور
دون استثناء
كايل بـسخّرية : أسـمعـّت هـذّا الكـّلام موجـّه لـكّ يـاّ أيهـّا المـدّير الّعام
قـطّب كـّايل و شـدّ قبضته عندما لم يرى أي انفعال من قبل نايتّ ، كمّ يثير غّضبه برودّه الدّائم لذّا قـّال
مجددا بلهجة مستفزة
ـ لا تـّنسى إحـضـار متسّولة الصغيرة
رمقــّه نـايتّ ببـرودّ شديدّ غـّير آبـه لإهـّانته لـكّنه شـّعر بنـّظراّت متّجهة نـّحوه فرّفـع عينيـه الحـادتين
لمـّهما كـّان ذلكّ الـشخّص يـّقف ، كـّانت إليـزابيـّث بـكّل ثـّقة تـّقف و يـدّيهـّا ملتفتيـّن حـّول ذّراع كـّايل ..
تـّنـّظر إلـّيه بـطـّريقة لمّ يسـتطّع أن يـّفسر أحدّ غـّيرهمـّا سـّرهـّا ، ابـتّسـم نـّايت بـهـدوء ثـمّ قـّال بـّلهجة
غـّامضّة
ـ و لا تـّنسى الإنتـّباه لـتّصـّرفـّات زوجـّتك
تـّخطى كـّايل المـّسافة التـّي بينهمـّا فيّ ظرّف ثـّانية و قـّام بإمسـاكّ الاخـّير من يـّاقته و رفـّعه ليّسقط
الـكـّرسي الـذّي كـّان جـاّلسـّا عليه ،
ـ إيـّاك و إيـّاك إهـّانة إليـزابيثّ و إلاّ سـّترى ما الـذّي يمكننيّ فّعله ؟
ضّرب الجـدّ الطـّاولة بـّعصبية بـّالغـّة بينمـّا لا تـّزال مـّلامحّ نايـّت بـّاردة غـّير متـأثـّر من أخناق كـّايل له
ـ سـّحقا لكّ كـّايل كمّ مـّرة يـجّب علي القـّوّل لكّ أن تـّحتـّفظ بـّتصرفـّاتك المـّجنونة لنفـّسك ؟ ألا يـّكفـيني
مشـّاكلك الـتّي بالعـمل فــّتقوم بإضـّافة مصـائب أخرى ؟
قـطّب كـايل و تـّرك نـايتّ الذّي قـّام بتـّعديـّل يـّاقته ثـمّ إنحنى بـّلباقة نـّاحية جـّده و قـّال بـبـّرود يشـّابه
الـّصقيع
ـ عـذّرا جـدّي ، لدّي أعـّمال مّهمة أستـأذّنك
بـخـطّوات كـّسولة و واثـّقة مـغـادّر الغـّرفة بـعدّما لمـّح كايلّ ابتسامة سـّاخرة و حـاقدّة ارتسـمتّ على
مـّلامحّ وجـهه الجـّامدة ، دومـّا مـّا يـّجعله يّفقد أعـّصابه و دّومـّا مـا يـظهره بـمـّظهر الـرجّل الـشّرير الذّي
يـّسعى للإنتقـّام لكنّ أليسّ هو من يـّسعى لذّلك ؟ أليس هو من بنـظّراته الـيومية رغـّبة واضـحّة في قـّتلهم
فـّردا بـّفرد ؟
لمـّا لا يـّرى أحـدّ غـّيره و غـّير إليـزابيثّ خططه المستـمّرة و المـّخفية المحـّاولة الاستيلاء على عـّرشّ
الـشّركة ؟ لمـّا لا يـّلمح أحـدّ تـّلك النـّبرة المستهزئة التّي تـّلف جـّميع جـّمله ؟ إنه هو من يسـّتحق النـّفيّ
و الـتّوبيـّخ ليسّ كـّايل

/

في قـاعة حيـّث كـّان أستـاذّ يشّـرح بـكّل تـّعمق فّي أسّرار الشـّعر الفـّرنسي ، حيّث الـرومانسية و العـّشق
و حـّيث عـّرفت قـّصة رومـّيو و جـّوليت الـمّشهورة ، و لمّ تـّكن هي الفـّتاة الوحيـدّة المسـّتمعة إلى
المحـّاضرة بـكّل حمـّاس و حـّب بّل مـّعظم الفـّتيات و قـّليل من الشـّباب ،
الـّشعر الفـّرنسي هو الـجّودة ، هـّو من عـّرف العـّالم على أسّس الـحـّب و الرغـّبة .. عّلى أسـمى أنـّواع
الـّروايـّات و أفـّضل القـّصـائد الـتّي ألقـّاها المحـّبون لأحبـّائهم ، و فّي هـذّه اللـحظّة بـالذّات عنـدّما كـّان
الأستـاذّ و بـكّل سـعّادة يّصف هـذّه المـّشـّاعر الـسـّامية الخـّالية من الـحقدّ أو الـكـّراهية ، مـّنّ الانتقـّام أو
الـجفـّاء ـ كـّانت ماري تّتمنـى لو أنّ خـطّبتها حقّيقية لا تـّوجدّ بها هـذه التعـّقيدات
فقـط هي تـّحبـّه بـكـّل جـّنون و هـّو يبـّادلها الـّشـعور أيضـّا لـكنّ لّيس كـّل مـّا يتمـّناه المـّرء يـدّركه و في
كـّثير من الأحيـّان تـجدّ نفـّسك واّقفـّا أمـّام أمـّر الـواقـّع و هـذا هو حـّال مـاري
زمـّت شّفتيهـّا بأسـى و نـّظرت إلى كـّلير ، هـذّه الفتـّاة التـّي يحـيطّ بهـّا الـكّثير من الـمعـّجبين و لوّ رغـّبت
لأشـّارت بأّصبعهـّا فـأتى أحـدّهمّ لّيضعها فـّوق كـّل اعتبار لـّيس مثّلها هـّي الـطّفلة الـّريفية بالمـّلابّس
القـّروية و صـّفات الصّبيانية
لاّبد أن الجمـّيع يتـّساءل كيـّف استطاعت نيـّل حـّب نـّايت ؟ حسنـّا هـذّا لّيس صـحيحـّا على كـّل
حـّال و هّو لا يحّبهـّا على الإطـّلاق .
نـّفت هـذّه الأفكـّار من رأسهـّا ، لـيست بـحـّاجة إلى تـفكـّير سّلبي يـّكفيهـّا مـّا تـّلقته من أختهـّا الوحيـدّة .
فجـأة رّن هـّاتفها بـّرقم غـّريب و بصـّوت مـّزعج أيضـّا ، التفت اليها جميع رفقاءها في الدرس فتمتمت
باعتذارات عدة و هي تقوم بوضعه على الصامت .
عـادّ يتحرك فّي جيب معطفها فأخرجته و نظرت إلى تـلك الـرسـالة التّي وصّلتهـّا تّوا ، فّتحـّتها ثـمّ قـرأت
بـكّل فـّضول
ـ ارفعي السمـاعة حـّالا
قطـّبت ، من هـذّا الذّي يـّرسل جملة سخيفة كهذه ؟ قررت أن تـطفئ هاتفهـّا لولّا أنه رنّ مجددا . رفعـت
السمـّاعة و انحنت متـظاهرة بـّالتقـاط قـّلمها بعدمـا أسقطتّه ثـمّ أجـّابت بهمّس و خفـّوت شدّيدين
ـ مـّرحبـّا ، منّ معي ؟
ـ المـّرة القـادمة التي يـّرن فيها الهـّاتف أريدّ منك رّفع السمـّأعة فورا و قّبل أن يّرن ثانية ،
هـل هـذّا مفـّهوم ؟
هـذه النبرة المبحوحة، كّيف لها أن تنساها ؟ و هـذه اللـهجة ذات السخرية اللاذعة و المشبعة بالنهي و
الأمرّ كـّيف لهـّا أن لا تتـذّكره ؟ إنه سيد نايت آل لبير خطيبهـّا حالّيا و زوجّها المستقـّبلي ، قـّالت بهمس
ـ ما الذّي تريده ؟ إنني في وسطّ محاضرة مهمة و لا استطيع التحدث معك الآن
ـ و من يـريد تـّبادل الكـّلام معـّك ؟ أخبريني في أي قـّاعة أنت ؟
ـ لمـاذّا ؟ لقدّ أخبرتك أنني وسطّ محاضرة مهمة جـدّا و لا استطيع تـّفويتها كمـّا أن الأستاذ صّارم
لذا سوف اتصل بك بـعد أن أنتهي حسنا ؟
سمـّعت صوتّ إغلاق الهـّاتف بـّعنف فرمّشت عدّة مرات غيّر مستوعبة ما الذّي فـّعله توّا ؟ كيـّف له
أن يـّغلق السمـّاعة و هي لمّ تنهي جملتهـّا بـعد ؟ أليست لديه ذّرة لباقة ؟ و يقال عنها أنها خطيبته ؟
و المدة التي استغرقتها لتـّرفع رأسها و تضع هاتفها فّي مكانه القـديم كـّان نـّايت قدّ إقتحم القـّاعة
و اتجـّه إلى الأستـاذّ بينمـاّ كل مـّتعجب و أكثّرهم استغرابـا و ذهولا هـّي ماري التـّي سـّارعت بالـوقوف ،
اتـجه نـايت نـّاحيتـّها ثـمّ رفّع حقّيبتهـّا و أمسـكّها من ذّراعهـّا ، سـحّبهـّا مـّعه إلى الخّارج و الهمـّسات
حولهمـّا تـّعـّلوا ، ـ هـذا نايت أل لبير ـ إذن الإشاعات صـحيحة ؟ ـ أهذه خطيبته ؟ ـ يـال ذّوقه الـرديء ،
ركـب السيـارة و بجـّانبه مـّاري ثـم أنـطلق مسـّرعـا .
تـمسكـّت ماري بالمـقـعدّ و أغـلقت عينيهـا بـذّعر تـّام ، يـّبدوا مـّجنونـّا و قدّ لا يكون بـوعيه
ثـمّ كيـّف عـّلم بمـّكان تـّواجدها و القـّاعة أيضـّا ؟ ما الذي قد قـاله للأستاذ كي يسمح لها بالخـروج
وسط هذه الفوضى ؟ و ما الذي جلبه في المقـام الأول إليها ؟ هـل حدث أمر طارئ ؟ سـألته بـترددّ
ـ نايت ما الأمـر ؟ ما الذّي حدث ؟ تـبدوا غـريبـا
قـّال بـلهجة جـادّة و هو يـقـّود بكـلّ تـّركيـز بينمـّا يبـدوا عليه تـّفكير العـمّيق
ـ هنـاك فـّستـان فيّ الـمرتبة الخـّلفية ، بـعدّ أن أخفف السـّرعة اقفزي للـخلف و ارتـديه ،
نـحن لا نـمتلك الـّوقت
شهقت بّرعب شدّيد و وضعت يدّها على صّدرها ثمّ هزت رأسها ناّفية و فيّ نبرتها الكّثير من الخوف
ـ مـاذا ما الذّي تقوله أنت ؟ لا يـمكنني تـّغيير ملابّسي في السيـّارة أمام الـملء و أيـّضا أمـامكّ مسـتحيل
أن أفـّعل هـذّا ثـم ما الذّي يحدث ؟ نايت أنت تخيفني
استـدّار بـّسرعة نـّاحيتها تّاركا السيـّارة تسّير لوحـدّها ثـمّ قـّام بإمساكها من خـّصرها بـّكل سـهولة
غـّير مـّعير أي اهتمـام للمـخاطرة التي يـّقوم بهـّا ، رفّعها و دّفعها للـخـّلف ثـمّ قـال ببـرود
ـ السيـارة مضللة و أنـّا لنّ أنـظر إلى فـّتـّاة لا تـّمتلك أي مقّومات للأنوثة لذا اطـمئني
صـّرخت بـغّضب و لكّن لمّ تـّستطّع أن تـّقول المـّزيد أو تـّعترض أكثّر عـندما قـّام بـّرفع حـّاجز بينهمـّا
فـأصّبحت لا تـُرى ، فـّتحت العـلبة بإنـزعاج و أخـّرجت الفـّستان ، كـّان ورديّ اللون قـّصير لحدّ
الـركبتين و منفـّوش ، إرتـدته فـّوق ثّوبها على عـجّل و هي تـّختلس النـظر في كل ثـانية نـّاحية نايت
لتـّرى مـا إن كـّان يـنظر ، نـّزعت ثّوبها بـّعدما اطـمئت ثـمّ ارتدّت حـذاء ذو الكـّعب العـّالي .
كـادت أن تـطّرق على الحـاجز لولا أن السيارة توقفت فجـأة ممـا جـّعلها تـرتـطّم بالنـافذة ، أمسـكّت
جّبهتهـّا و هي تـتأوه مـتـألمة ،
و بـدّون أن يمنحـّها نـّايت فـّرصة لراحة قـّام بفّتح البـّاب ، سـّحبـّها من ذراعها مجددا و أدّخلها إلى
صـّالون حيـّث تـّم إعـادة تـّرميم شّكـّلها كمـاّ قـّالت سيدة فرانسيس مسبقا ،
وضـّعت قـليل من الماكياج النـّاعم و زادّت بّضعة خـّصلات لّشعرها الّبني فأصبحّ مسترسـّلا على
ظهرهـّا بكـّل نـّعومة ،
خـّلال هـذّه الفـّترة إرتـدّى نـّايت بـذّلة سّوداء رسميـّة بـعـدّم اهتمـام ، تـّاركـّا اليـّاقة مفّتوحة
و ربـطّة العـنّق مـّائلة إلى جـّنب فزادّه مـّظهره اللامبـّالي جـّاذبية أكـّثر

/

عنـدّما كانت الساعة تشير إلى السـادسة و النـّصف تـّماما ، كـّان ويليـام يـّقف مجـددا على
عـّتبة مـّنزل عـّائلة روبـّرت ، حـّاملا فيّ يديه عـّدة أكيـّاس .
رّن الـجـّرس فأتـّت فـّلور مسـّرعة ، نـّظرت من خـّلال الثقـّب و حـّالما رأته عـّادت أدّراجها
و قـّامت بإخفـّاض صـّوت الـتـّلفاز ثـمّ أطـفئت جميع أنـّوار الـّغرف ، اقتـربت مجـددا من البـّاب
و أخـذّت تـنـظر إلى ويـليـام منتـظرة رحـّيله ، لكـّن الأمـّر الذّي لمّ تتـّوقعه هو وصـّول والدّها ،
تـّوقفـّا جـّانبا يتحـدّثان معّ بعضهمـّا البـّعض ثـمّ قـّام السيدّ روبـّرت بدّعوته للـدّخول ،
ـ أهـّلا بـكّ سيدّ دوينّ تـّفضل بالدّخـول
ـ لا أشـكـّرك سيدّ روبـّرت لكّن أنـاّ على عـجّلة و لا أستطيـّع البـّقاء أكثـّر من هـذّا ،
عـّلى كـّل تـّفضـّل هـذّه الدعّـوات لكّ أنـتّ و ابنتـكّ مـطـّالبـّان بالحـّضور الافتتاح السنوي
لشـركّة لبير
ـ حقـّا ؟ هـذّا لشـرفّ كبيـّر لكـّن أنـّا متـّعجب قـّليلا فـنحن لا نـّعرف عـّائلة أل لبيـر على الإطـّلاق
لذّا هل أنت متـأكد من أنكّ تـّسلم الدعوات للمنزل الصّحيح ؟
ـ طـّبعا و لقدّ قـّمت بالاشـّراف على الأمـّر بنفسي ، كمـّا أنّه و من الضـّروري حـّضوركّ فقـدّ تمـّت
دّعوتـك من قـّبل نـايت أل لبـّير شخصيـّا المـدّير الأعّـلى و اليـدّ اليمنى لسيدّ أل لبير
ـ أهّ أنـّا لا أعـّلم مـّا أقـولّ ،
ـ فقـطّ إحضـّر الحـّفلة أنـّت و ابنتـكّ أيضـّا
ـ حسنـّا إذّن .
ابتسـمّ ويليـام بـّلطـفّ كعـّادته ثـمّ سـّلمه الأكيـّاس بينمـّا إزداد تـّعجب سيدّ جونـاثان أكـّثر ،
قـّال لـه بـاستغراب
ـ مـا هـذّا ؟
ـ إنهـّا هـدّية ، وداعـّا سيـدّ روبرت
غـّادر ويـّليـام مسّرعـّا متجّها إلى سيـّارته الفـّضية المـّركونة و حـّالمـّا إخـّتفائه عن الأنـّظار
فـّتحت فـّلور البـّاب و رمقـّت والدّها بـّتعجب و كـّذلك فـّعل هـّو ، كـّيف لنـايتّ آل لبيـر أن يـّعرف
أحدا منهـم ؟ لقـدّ بـّات مـّرعبـّا لكن يـّجب عليه الذهـّاب لمعـّرفة مـا الذّي قدّ يريده منه

JAN 03-09-2020 09:19 PM


*,

أكتفي بهذا القدر اليوم
إلى اللقاء قريبا



إنجي

JAN 03-09-2020 10:50 PM


ذّكرى الـخمّسينّ السنـّوية للافتتـّاح




صـّوت المـّوسيـّقى الهـّادئة الكلاسيكية قـدّ انتشر في الأرجـّاء بينمـّا و فيّ تـّلك الصـّالة الكـّبيرة حيـّث
المـأكولات و الشـّراب المجـّاني ، فّي تـّلك الطـّاولة الممـّيزة التـّي بهـّا كـّعكة صـّنعت من قـّبل أفـّضل
الطـّباخيـّن ، كتب عليـّها إحتفـّال ذكـّرى السـّنوية لـ 50 لافتتـاح شـركة لبيـر
بـعدّ أن ألقـى الجـدّ خـطـّابه إجتـّمع العـدّيد من رجـّال الأعـمّال في جمـّاعات متـّفرقة يـتّحدثون عن صـّعود
الأسـهم أو عـّقد شـّركاتّ فيمـّا بينهـمّ ، بينـمـّا كـّايل و إليـزابيـّث يتصـدّران الغـّرفة و يـّقومـّان بـّرد التـّحية
و على وجهيهمـّا أجـمّل ابتسامة و قد كـّان مـاّري و نـايت عكسـّهما ،
بالـّرغم من أن نـايتّ مـدّير العاّم لشـّركة فـقدّ كـّان منعـّزلا فـّي إحـدّى الطـّاولات المـّنتشرة بـكـّثرة ،
جـّالسـّا بكـّل كـّسـّل و عينيـّه تـّجولانّ المـّكان بـجـّانبه كـّانت مـاّري تـّقف متـّوترة ممسـكّة بكـّتفه و هـّي
خـّائفة من الهمسـّات الـتّي تـّعلوا شيء فشيء عنهمـّا غـّير أنّ نايت لّيس مبـّالي كعـّادته
فـّي الـجّهة الأخـّرى كـّان ويّليـام يـّقف مـّرحبـّا بـكّلا من السيـدّ روبّرت و الآنسة روبـّرت فقـدّ وصـّلا تـّوا
، رفـّع هـّاتفه و إتصـّل بنـّايت و حـاّلمـّا رأى الأخـّير اسـمّ ويـّليام يـنير شـّاشة هـّاتفه ابتسـمّ ببـرودّ . نظر
إلى ماري بطّرف عينه و قالّ
ـ أنـّت ، إتبعـّيني
تـمسـّكت مـّاري بـّذراعه خـّائفة بينمـّا كـّان هو يـّـتقدم بـكّل ثـّقة نـحو المـّنصة التـّي قـّام جـّده تـّوا بشـّكر
الحـّضور على متـّنها .
أمسـكّ مـّيكّروفون فنـّظر إليه جميـّع الضيـّوف دون استثناء ، شـدّت مـّاري قّبضتها على ذراعه و هـّي
تـّرى هـذّه النـّظـّرات ، معظمها حـّاقدة و الـكثـّير منهـّا سـّاخرة لكّنها لا تـّخلوا من الخـّوف و الـّرعب
فرّغما من أنهمّ يكرهونه إلا أنّ قّلوبهم تقدّح خوفّا فقطّ بمجردّ نظرة منه ، قـّـال بـّنبرة مبـّحوحة هـّادئة
ـ أودّ شـكّر جميـّع ضّيوفنا الكـّرام على حضـّورهمّ لافتـّتاح الخـمسينّ و بمنـّاسبة هـذّه الـذّكرى الـّسعيـدّة
قـّررت إعـّلان خـّطوبتـّي رسميّآ أمامكمّ من الآنسة مـاّري روبرت
صـّفق الكـّل من هـذّه النبـأ الغـّريب مـطّلقـّين أحـّر التهـّاني ، فتـقدّم نايت من مـاري المـّنصدمة ثـمّ وقّف
أمـّامها و قـّام بـتّقبيـّل خـدّها بـكّل رقـّة بـعدّ أن أمسكّ خصّرها ، كـّان يّعـلم أنهـّا سـّوف تنصـدّم و قدّ تنـهّار
حـّتى ، قـّال بـحدة
ـ تـماسكي ، مـاذا بـك ؟
لـمّ تـكّن مـّاري مندّهشة بـّسبب إعـّلان الخـّطوبة المفـاجئ أكثـّر من تفـاجئها بـقدوم والدهـّا و أختها إلى
هـذه المناسبة ، كـّانت مـّلامحّ وجهيهـمّا شـّاحبة و لمّ تـّختلف عنهمـّا أيضـّا لكّن تـّذكرت أنهـّا ليسـّت
بموقف يسمـّح لها بـّتفـكّير فابتسـمت بلطّف مصطّنع حينهـّا قـّام نايت بتركها
نـّزلا من المنـّصة و هو يشـعّر بنـّظرات تـحـّرق ظّهره فالتفت نصـّف دورة و رمـّق كـايل بسخرية لاذعة
ثـم ابتسـمّ بكـّل بـّرود و قـّام بـّوضع يدّه حـّول كـّتف مـّاري .
بينمّا شـّهقت فـّلور و كـّادت أن تـّقوم بذهاب نـّاحية أخـّتها لولا وقـّوف ويـّليام المفـاجّئ أمـّامهمـّا و
على شّفتيه ابتسـّّامه هـادئة ، قـّال بـخـّفوت
ـ أنـّا لم أطـّلب منكمـّا الحـّضور لتـّخريب حـّفلة الخـّطوبة أو ذكرى الـ 50 لكـّن سـأكون ممـّتنا إنّ فقـطّ
وقفـّتما بـجـّانب ماري في هذه اللحـظة .
شـدّت فـلور على قّبضتهـّا و هي لا تـّصدق أن تـلكّ الشـّابة الواقفـّة هنـّاك هي أختهـّا ، تـّبدوا مخـّتلفة
و بشـدّة ، ابتسـّامة التـّي ارتسمـّت على مـلّامحهـّا أو خـّطواتهـّا الواثقـّة ، حـّولت نـظرها إلى الشـّاب
الواقفّ بجـّانب أختّهـّا ، غـّير مـّعـّقول .
هـذّا هو خـطّيبهـّا ؟ السيـد نايت أل لبيـّر المـّعروف بـأنه أقـّسى من الجـّليد ؟ ذّلك التـّي حـّاولت أحدّى
العارضـّات المشـهورات نيـّل قـّلبه لكـّنه رفّضها و باحتقار أيضـّا، مستحـّيل فـماري لنّ تستـطيع أبدا
الفـّوز بـحـّب شخصّ مثـّله، هّي لنّ تستـطّيع أبـدّا أنّ تـّنزع الجـّليد الذّي يـّغلف قـّلبه
أختهـّا الخـّأئفة و الغـير واثقـّة من نفسهـّا تـّبدوا مخـّتلفة تمـّاما الآن ، أليست هّي من تـّمنت أنّ تصبّح
على هـذه الحـّال ؟ أن تصبـح ماري تـّعتمد على نفسها أكثـّر و بعدها لنّ تقلق بشـأنها ، لكـّن لما و بهذه
اللـحظة بدت أمنيتها عديمة الجدوى ؟
تدّاركتّ شرودها فرمشّت بعينيهاّ لتعودّ إلى الواقّع ، رمقّت ويّليام المبتسمّ بغّضب ثمّ كّزت على أسنانها
محاولة الحفاظ على أعصابها و هي تحدثه بلهجة شديدة التهديد
ـ و من أنتّ لتـّقف وسـطّ شؤوننـّا العـّائلية ؟ فقطّ غـّادر قـّبل أن أقـّوم بصّنع خـّريطة في مـّلامح وجهكّ
الجميـّلة هـذه
ويليـام بـضحكة
ـ لا أعـّلم إن كـّان مـا قـّلته تـّوا يفّترض به أن يكـّون مديحـّا أو شتمـّا لكنّ أنـّا واثـّق أننيّ لن أتـحـّرك من
مـكانّي الآن ، إنّه يعـجبني
ـ حسنـاّ ابـقى هنـّا أنا من سوف يغـادر
كـّادت أن تّرحل لولا أنّ سيدّ جوناثـان أمسـكّ بذراعهـّا ، كـّان يـّنظر إلى مـّاري بـعدّم تصـدّيق لكـّن هـذّا لن
يـّغير شيئا ، كونهـّا على مقـّربة من الزواج بـّملياردير لنّ يغـّير كونهـّا فـّرد غـّير مرغـّوب فيه ، قـّال
ببرود
ـ كـفى فـّلور ، إن تـّقدمت خـطّوة واحـدّة نـّاحية تـّلك الحقّيرة فـأنّا لا أعـّرفك بـعدهـّا لـذاّ دعينـّا نـّرحل
بـهدوء كمـّا أتـّينا
ـ لكـّن والدّي ، إنّ مـاري ليسـّت .. هـذّه لّيست مـّاري أقسمّ لك ، دّعني فقط ّ أتـحدّث معها سوفّ لن أفّعل
شيئا غـّير الكـّلام معها فقط .
ـ فـّلور ، من تـّخلى عنـّا تخلينا عنه نحنّ أيضـّا ، و أنا الذّي كنت أتسـاءل من أينّ لها جميع هـذه النقّود ؟
قـطّبت فـّلور بعدم رضـى ثم غـادرتّ مع والدهـّا و هي تـّرمق ويـليـام بحقـدّ واضـحّ ،

/

كـّانت مـّاري تـّجلس على نفـّس الطـّاولة سّابقـّا ، تـنـّظر نـّاحية كـّلا مـّن والدهـّا و فـّلور اللذان يتحـدّثان
مـّع ويليـّام ، إلى حيـّن مغـّادرتهمـّا لابدّ أن لنـّايت يـدّ بهـذّا فـهو لاينفكّ مفاجئتهـّا ، نـظّرت إلى يـدّها حيّث
زّين اصبعها خـّاتم جميـّل مرّصع بالألماس الخـّالصّ ، ما الذّي أقحمت نفسها به ؟
ـ نـايت ، أريـد منكّ شرحـّا مفصـّلا لمـا يحدث و لا تحـاول الـ
قـطّبت عندمـّا لمّ تـجده بجـّانبهـّا و فجأة انتابها الذّعـر كـأن قـّوتها التّي كانت تتسلح بها قدّ اختفت ،
وقفـّت بسـّرعة ثـمّ نـظرت إلى السـّلالم حـّيث أشـّار قـّلبها و رأته .. أسـّرعت فيّ سّيرهـا لكّي تـّلحقه
صّعدت السـّلالم و عـّبرت الـّرواقّ ، فـّي تـّلك الزاوية المـظلمة كـّان يقّف نايت و لمّ تـكن ماري لتلحظه
لوّلا نبـّرته الحـادّة المـّبحوحة ، هو بـّرفقة شخّص مـّا .. كـاّدت أن تـناديه لولا أن شخصـّا ما أمسـكّ بها
لتصبـّح هي أيضـّا فيّ ركنّ ،
كـّانت تـّصرخ بـّصّوت مـكّتوم و هي تـّقاوم بكـّل ما تـّمتلك من جـّهد لولا أن ذّلك الخـاطّف همـّس في
أذنهـّا بانزعاج
ـ إخـّرسي سحـّقا ، لا أستطيـع سمـاّع شيء
رّفعت ماري عـّينيها الزجاجيتين و اللتان في هذه الدقيقة كانتا تعكسان مدى خوفهـّا الشديد ناحية كـاّيل
فقدّ كـّان هو الأخر ممسكـّا بها بكـّل إحكـاّم و يّضع يدّه على فـّمها بينمـّا يبدوا عليه التـركيز ، قـطّبت و
قـّامت بضّربه بواسطة كوعها في معدته فـتأوه بـألم و تركها ، تحدثت ماري بهمس غاضب
ـ ما الذي تظن نفسك فاعلا بالتنصت على خطيبي ؟
ـ اخرسيّ سحقـاّ لقد فوت كـّل الحـديث ثـمّ من هـذّا الذّي يحـّاول التنصـّت على خـطيبك ؟ أنـّا فقـطّ
أريدّ مـّعـرفة ما الذّي كانا يتحدثان عنه بكـّل هذه السرية
ـ أجّل و هـذا لا يـّعد تنصـّتا يـّالك من كـّاذب
زفّر بـّغيض و دّفعها إلى الجـدارّ ثـم اقـتّرب قـّليلا فـّصرخت مـّاري بـسـّعادة مصـطنعة و هّي تنـاّدي
نـّايت بينمـّا رمقهـّا كايل بكل غـّيض
ـ نـّايت عـزيزي لقدّ بحثت عنكّ في كـّل مـكان ،
ابـتّعد نايت عن الظـلام فظـّهر رفـّيقه ، كـّانت إليزابيـّث بجمالها المـّبهر و الخـّيالي تـّقف على مقربة
شديدة منـّه و على قدّ بدا عـّليها الانزعـاج ، التفت ماري ناحية كايل مستغربة خـّروجه من الـركّن
فقـّال هو بضـجّر هامسا لمـاري
ـ تبـّا إليـزابيـّث ، لقـدّ ظننـّتها شخصـّا آخر
نـّايت ببـرود
ـ مـاري ، مـا الذّي تـّفعلينه هنـّا ؟
كـّانت لا تـزال مستغـّربة من تـّواجدّهم معـّا ، نـّايت و إليـزابيث و هـّي مـّع كـّايل ، تـقـدّمت بإتجـاّه
نايت و هي تـّقول بتـّردد
ـ ما الذّي كـّنت تتحـدّث معه مع السيدّة إليزابيث ؟
نـظّر نايت ناحية إليزابيث المنزعجة بّبرودّ ثمّ أجـّابها بلهجة جـّافة ، فإنّ كانّا لوحدّهما لمّا كان لّيعير
سـّؤالها اهتماما لكنّ وجودّهما بجّانبّ كاّيل و إليّزابيثّ أجبّره على الكّلام
ـ لا شيء مـّهم ، فقـطّ عنّ مـدى تـّفاجئها بالخـّطبة فهـّي كـّانت تّـريدّ أن تـّقيم الحفـّلة بنفسهـّا أليـس كـذّلك
؟
رّفعّت عّينيهـّا بتشـّامخّ و حـّركتّ شّعرها الحّريري الـطّويل بكّل غـّرورّ قـّائلة
ـ ما الذّي تـّقوله أنت ؟ طـّبعـّا لا . أنـّت فقـطّ خـّربت ذكـّرى السنوية لافتتـاّح بإعـّلانك لـخـّطوبتكّ
هـذّا مـّا قـّلته
ابتسـم نايت بـسخرية
ـ أنـّت الا يّـمكنـكّ المجاملة ؟ فـأنا لا أريدّ لخـطيبتي أن تأخذ انطباعا سيئا عن الـعائلة بـعدما
أصبحت فرّدا منها
شّعرت ماري بجوّ من الحقدّ و الكره يّعمّ المكّان فـإقتربت من نايت و أمسكّت بذّراعه بلطّف شديد
لتقّول بنبرتها المازحـّة
ـ لقـدّ ظننـّت أنـكّ تـركـّتني و رحـّلت
تحـدثت إليزابيث بحقد
ـ لا تـقلقي عـزيزتي فـّلن يستغـرق الأمر الكثير من الوقت قبل أن يقوم بالتخلص منك سّريعـا ،
هـذّا ما هو نـايت ماهر في فـّعله ، رمي النـّاس بـعيدا و خصـوصـّا الريفيون منهمّ
كـّايـل بهدوء
ـ إليـزابيث دّعينـّا من هـذا الجـدال العـقيـمّ فـّهذا لّيس بالـوقتّ المنـّاسب و الـضـّيوف في الأسـّفل
ينتـظرون كمـاّ أن جـدّي يـتّوقع منـّك تـّفسيرا
نـايت بسخريته اللاذعـةّ
ـ منـذّ متى و انت تستخدمّ عقلك ؟
تـحول الأمر من مـجّرد كـّلام إلى عـّراكّ فهـا قدّ تـّقدم كـّايل من نـّايت بـعد أن دّفع مـاري لـتّسقطّ أرضـّا ،
حـّاولت إليـزابيث أن تـّبعد كـّايل لكنهـّا لم تستـطّع فإبتعدت بدورهـّا خـائفة من أن تتـّلقى لكـّمة من لكـّمات
كايل المتـّهورة بينمـّا أمسكّ نـّايت قـبضة كـايل بـهـدوّء قـّبل أن تصـّل إلى وجـهه ،
عـادّت إليـزابيـّث بـعدّ أن رأت الأمور تـّخرج فـّعلا عن السيـطّرة و لن يتـّوقف كـّايل هذه المرة عنـدّ
إمساك ياقة نايت فقط فتشجّعت قّليلا و وقفـّت أمـّام فـّردي لبيّر المشهورينّ بحدة المزاجّ بكّل جـرأة ثـمّ
قـّالت بحـدّة
ـ أتريدان أن تـّصل هذه الأحداث إلى الصـّحف غـدا ؟
ارتبـكـّت ماريّ و وقفـت هي الآخرى أيضـا لكّن لمّ تتقـدّم ، لأنهـّا ببسـاطـّة لّيست فـّعلا فـّرد بهـذه العـّائلة
و كمـّا قـّالت إليزابيث هي ليسـّت سوى مجـّرد فـّتاة مؤقتة لـذّا
بينماّ ظهر ويّليام فجـأة خـّارجّا من إحدى الـغّرف فـرأى الشـجـّار ليتجـه إلى حيـّث يـّقف الأربـّعة و
قـّبل وصـّوله ابتـعدّ كـّايل عن نـّايت و كـذّلك فـّعل الآخر ، زفـّر بـّغيض من تّصرفـّات كايل غـير مدروسـّة
و قـّال بـصـّوت عـّالي مـّرح محـّاولا إخفـاض الجـوّ المشحون
ـ أهـلا بـمـاري و نـايت أهـلا ، كـّيف لكمـّا أن تـّخفيـا هذه النبـأ السـاّر عني أنـّا صديقكمـّا الوحيد ؟
نـّظرت إليه مـّاري براحة شديدّة ففقطّ و بوجودّ ويّليام تشعرّ بالـراحةّ ، نـّظر إليها جـارها متسـائلا
عنّ عينيها الخـّائفتين ثمّ قـّال بإبتسامة لطيّفة وسيعة مصّفقا بكلتا يديه
ـ ما الذّي تفعلونه هنا جميعا و الموسيقى المدهشة في الأسّفل ، دّعونا نحتّفل
ابتسمتّ ماريّ بسعادة لأنهّ يحاّول تلطّيف الجـّو فاقتربت من ويليام و وضعت ذراعها بذراعه مرتبكة
لكنها حاولت التمثيل فقـّالت باستياء
ـ أرأيت يـّا ويليام ؟ لقدّ أعّلن خطوبتنـّا و هو يّرفّض حتّى أنّ يّشاركني الـّرقّص ألا يستحقّ العـّقاب ؟
ركـزّ نـايت نـظره نـّاحية مـاري متمـّعنا فّي حركاتها فهي تـّقن دورهـّا لـدّرجة جـّعلته يّشعر بالـذهـّول ،
و هو الـذّي ظـّن أنهـّا سوف تـّبقى مـّرتبكة طـّوال الحـّفلة و فـّعلا هي كـذّلك لكّن على الأقـّل نـجّحت في
إخفـاءه . تـقـدّم منهـّا ثـمّ وضـّع يدّيه حـّول كـّتفيها مـّبعدّا ذراع ويـّليام و مـّقربـّا إياها منه كـادّ أن يقبلها
لولا أنها وضعت يدها على فمهـّا و ابتـعدت عنه ، قـال نايت بغـيض
ـ ماذا بـك ؟ إنه عـربون اعتذاري ؟
أحمرت وجنتيها من الخـجـّل و تـحـدّثت بلهـجة صـّاخبة و غـيّر متـزنة
ـ ماذا ؟ ما الذّي تـّقصده ؟ من قـال أنني كنت غـاضبة ؟ أنـّا
ركـضت مسرعة إلى الأسـّفل فتنهـد نايت بـبـرود ، من قـال أنها كانت تـجيد التـمثيل ؟ لـمسة واحدة منه
كـفيلة بجّعلها تفقـد الوعـّي ، تـحدّث بـبـّرود شديد إلى مـّاري التي تـّركض في الرواق غـّير مـّلتفة للخـّلف
ـ انتـظري ، هـّل أنـت واثقـة أنك لسـّت غـّاضبة ؟
صـّرخت بـإحـّراج
ـ لا
بـعدّ أن إختـّفى نايت و مـاري من أمـّام أنـظار الـثـلاثة ، تـغـّيرت ملامحّ ويـليـام الودّية و الـلطيفة إلى
أكـّثر جـدّية و صـّرامة ، كـّان يـّقف مستنـدا على الجـدّار الّذي خـّلفه و هو يـنـظر إلى كـلا من إليـزابيث
المنـّفعلة و كـاّيل الهـادئ عـلى غـّير عادته ، استقـام فّي وقفـّته و سـّار من جـّانبهمـّا عـائدا إلى الحـّفلة
بينما هو يـّقول بـّلهجة غـّامضة محـذرة
ـ إنّ نـايت جـّاد فـّي عـّلاقته مـّع مـاري لـذّا إليـزابيـّث ، كـّايل كـّفا عن اللـّعب بـذّيلكمـّا حوله فـأنـّا و
هذه إنّ أرادّ النّيل منكمـّا المـّرة لنّ أوقفـّه

/

كـّانت السـّاعة تشـّير إلى العـّاشرة و النـّصف تمـّاما قدّ أخـذّ خـادمي القـّصر جميـّع الضيـّوف نـّاحية
قـّاعة الطـّعـام ، حـّيث أنه فـّي قـّاعة كـّبيرة جـدّا وجـدّ طـّاولات مستـديرة عليهـّا أغـطّية باللـون الأحمر
ألأجوري و مـّّزهرية بهـّا زهـّور الأوركـيد النـّادرة و قدّ أخـذّ الخـدم كـّل شـخص إلى الطـّاولة المخصصة
إليه بجـّانب الشـّركة المتـّعاقد معهـّا و تـمّ تـجّنب وضـّع الشـّركـّات المتـّعادية بجـّانب بعضهـّا البـّعض .
جـّلست مـّاري مـّع كـّل من نـّايت و إليـزابيـّث ، كـّـايل و ويـليـام ، سيـدّ آل لبيـر و والدّ كـايل تـّوماس
مـّع صدّيق الجـدّ الـعزيز ألبرت .
كـّانوا يتـّناولون عـّشائهم بـهدوء و هـمّ يسـتّمعون إلى حـدّيث جـدّ و سيدّ ألبرت حـّول ذّكريـّات طـّفولتهمّ
أمـّا ويـّليـام الـجّالس على يسـاّر مـاري كـّان يـّريها و بـطرّيقة مضحكة و خـّفية أي شـّوكة تستـّعمل أو
أّي مـّلعقة فـكـّانت تـّنـظر إليه بـتّمعن و تـّقلده
سيـدّ تومـاس ينـّاقش أحـوال العـمـّل مـّع كلا من نـّايت و كـّايل ، أمـّا إليـزابيث فقـدّ كـّانت مـجّرد
مسـتّمعة لجميـّع أحـادّيثهم الجـّانبية ،
تنهدّت مـّاري بـّضجر و وضـّعت الشـّوكة جـّانبا بـّعد أن استعصى عليها حملها بالطريقة الصحيحة
التي أخبرها عنها ويـليام ثـم تـحدثت بملل واضح و هي تزمّ شفتيها
ـ إن لمّ أأكل فستحـّل المشـّكلة ، ويـّل دعنـّا من هـذا
ـ مـّاري مـاذا بـّك ؟ إنه لـّيس بالأمـّر المـّستحيل كـّل مـّا عـّليك فـّعله هو إمسـّاك الـّشوكة جيدا
على الـطّريقة التي أخبرتّك بهـّا توا و سـّوف ينـجح الأمّر ، هـّيا حاولي
حـّاولت مجـددّا رفـّع الـشوكة ثـمّ حمـّلت قـطّعة لحم بـهـّا كـّادت أن تـّقضمها لولا أنهـّا سقـطّت على
فستانها لترتعبّ بشدة فحاولت أن ترجّعها إلى الصحّن لكنها سقطّت أرضـّا بالقّرب من قدّم إليزابيث ،
رمقـّت ماري حينهـّا ويـّليـام بـغّيض فأبتسم هو بـكل ودية ،
مـاري بـبرودّ
ـ حقـّأ ؟
ضحكّ ويـليـام بـقـوة فالتفت إليه الكـّل بينمـّا ماري محـّرجة ، ضـّربته بكوعهـّا في معـّدته فـتوقف
عن الضـحكّ و كـحّ قـليـّلا ثـم قـّال باعتذار بـّعد أن وجدّ أنه محـط أنـظارهم
ـ نـكتة طريفة ،
رمقـته ماري بـإحراج كبير ثـّم وقفـّت بـخجـّل و انحنت بـكّل لبـّاقة .. قـّالت بـإحـّراج شديد
ـ عـذّرا
كـانت تـسير باستقامة و هي تضع ابتسـامة لطيـفة على شفتيها فمـّن يـّرها لـن يصـدق إنها مجرد فتاة
من العامة ، حيـّن اختفت عن أنـظارهم نـّزعت حـذائهـّا و ركـّضت نـاحية الحـمام بينـّما الـخـدّم
يـّرمقونها بكـّل استغـراب
تـّوقفت فجـأة فزادّهم استغـرابـّا، اقتربت من إحدى الفتيات الخادمـّات و قـّالت بابتسـامة بـلهاء
ـ عـذرا ، أين حـمام ؟
ـ من هنـّا سيـدتي ، دعـيني أرشـدّك
سـّارت بـّرفقتهـّا و هـّي تتـألمّ و تنـّظر تـّارة إلى الـطّريقّ و ثـاّنية إلى قـّدميهـّا اللـّتان قـدّ تورمـّتا من ارتـداء الحـذّاء ذو الكـّعب العـّالي

/

كـّان ويـّليـام لا يـزالّ مبتسـّما و هو يـّحتسي القـّليل من النبـّيذ ، فـّرمقـّه كـّايـّل بسـّخرية ،
إنـّه لا يتـّوقف أبـدّا عن الـضحـّك عـّلى شفـّتيه دومـّا و مـّهمـّا كـّان المـّوقف ابتسـامة عـّريضة ،
قـّال بـجفـّاء
ـ مـا الأمـّر ويـّليـام ؟ أخـبّرنـّا لمـّاذا أنـّت بـمزاجّ سـعيـدّ هـكـذاّ ؟ أيـّعقل أنـكّ قـدّ أنهيت اللـحّن
القـّادم و المـّوعود ؟
ـ لـحنّ ماذا ؟ آهـّ تـّقصّد البـّيانو لا لـمّ أنهـّيه بـّعد فـهـذا لـّيس سهـّلا ، لـكّن لمـّاذا تّبدوا مـهتما
بـمزاجّي سيـدّ كـّايل ؟
ـ لا شـّيء إنـّي و فقـطّ قـدّ اعتراني الفـّضول
ويـّليـام بـّودية : حـّقـا ؟
قـّاطعـّت إليزابيث حديثّ زوجّهـّا كـّايل و هـّي تـّضع مـّلعقة من الحسـاّء فيّ فـّمه بينمـّا ابتسـّم هو
بـكـّل هيـّام و قـدّ تنـّاسى كـّلامه ، فنـظّر إليهمـّا الجـدّ بفـّخر من هـذّه العـّلاقة السميـكّة و الودّية ثـمّ
قـّال بمـّزاح
ـ عـّلى الـّرغم من أنكمـّا قدّ تـّزوجتمـّا قـّريبـّا لكـّن أنـّا فـّعلا أتمنـّى وجودّ حـفيدّ
غـّص كـّايلّ و أخـذّ يكـّح بـّقوة فـمـدّ له والدّه القـّليل من الماء ليـّشربه دّفعة واحـدّة ، قـّال بإحـّراج
شديدّ و ذّعر فّي آن واحـدّ
ـ ما الذّي تـّقصده جـدّي ؟ أنـّا لسـّت مسـّتعدا لأكونّ أبـّا الآن
ضحكّ الجـدّ بيتـّر بـّخفوتّ و غـمـّز نـّاحية كـّايل
ـ منّ يـّحضر لّي حفـيدّا أوّلا سـّوف ينـّال نصيـّب الأسدّ ، لذّا
كـّايل بتلاعـّب : حقـّا ؟ إذّا لابدّ أن يكونّ أنـّأ
جـدّ بيتـّر بـسخرية : أجـّل ، أجـّل
ضحكّ الكـّل على مـّزاحّ جـدّهمّ حيّن لمـّح نـّايت وجـّود جـّلبة صـّغيرة بيـّن الخـدّم و ارتباك فيّ
عمـّلهمّ فوّقف بـهدوّء و هو يمـّسح بكـّل لبـّاقة فـّمه ، قـّال ببـّرود
ـ عـذّرا سـأذّهب للبـّحث عن مـّاري فلابدّ لنـّا أن نحـّاول جاهدين
و سـّارّع بالـّرحيـّل بينمـا لـّم يستـّوعب أحـدّ أنّ نـّأيت قدّ قـّال لتـّوه مـّزحة فـهـذّا ليّس من شيمه أبدّا ،
ضحك ويليام بتوتر لرؤيته ملامح الجميع الجامدة من الصدمة
ـ انه يمزحّ ، يـمزح لـمّّ يمر على خطبتهمـّا سوى سـّاعة ها إنه يمزح

/


JAN 03-09-2020 10:51 PM



فـّي غـّرفة بيضـّاء نـّاصعة البـّياض تـحتـّوي على مـرآة كبـّيرة كـّانت ماري أمـّامهـّا واقفـّة و هي تـمسكّ
طـّرف السـّفلي لثـّوبها غـّالي الثمنّ بين يدّيهـّا و هـّي على وشكّ البـكـّاء من شـدّة الإحراج ،
نـظّرت إلى المـرأة بواسـطة عينيهـّا الزجـّاجيتينّ البنيتيـّن ، شـهقـّت بـّرعبّ عندمـّا لمـحتّ طـّلاء أزرّق
عـّلى شعـّرها فأفسدّ التسريحـّة بـأكملهـّا بينمـّا هنـاكّ بـّضعة منه على ثـّوبهـّا فجـّعله يبـدوا كمـّا لو كـأنه
ممسـّحة .
بـدأت بالأنيـّن ، كيـّف لهـّا ان تـّخرج الآن للـحفـّلة ؟ بل ما الذّي سـتّقوله لنـّايت الذّي سـّعى جـّاهداّ لتـّغيير
مظهرهـّا ؟ يـّاله من إحـّراج كـّبير . فجـأة طـّرق بـّاب الحمـّام ثـمّ تـّهاوى إلى مسـّامعهـّا صوتّ نايت
الهـادئ
ـ مـّاري ، هل أنت بالدّاخل ؟ لقدّ أخبـّرتني الخـادمة أنكّ ترفضينّ الخـّروج ، ما الأمـّر ؟
و كـأن أسوء كوابيسّها قدّ تـحّقق فأخـذّت تشتمّ الخـادمة بهمسّ و هيّ تحـّاول العثـّور على شيّء مـّا
أو حـّل ، قـّالت له بنبـّرة عالية و ارتبـاك
ـ لا شيءّ إنهّ لا شيّء
قـطّب نـايتّ ثـمّ قـّال بشكّ
ـ إنهّ لا يبدوا كـّلا شيءّ بالنسبـّة إليّ
فتحـّت صنبـّور الميـّاه و أخـّذت تمسـّح بـّقعة كـّبيرة من الطـّلاء لكـّن و لأنهـّا ترتدّي الكـّعب العـّالي و
لأن الماء و رغـّوة الصـّابون قـدّ تـّسربت إلى الأرضّ فسـقطّت بكـّل قوة ليـصدّر صوّت عمـّلاق ،
شـحبّ وجـّه الخادمتين من الصدّمة و كـذّلك نـّأيت فـأمـّرهم بإخـّلاء المنـطّقة فـّورا و منعّ الضـّيوف
من الدّخـّول ، كـادّ أن يفتحّ بـّاب الحمـّام لولاّ أن مـّاريّ صدته في الجـّهة الأخـّرى ، قـّالت بإحـّراج و تصـّرخ
ـ لقدّ قـّلت أننـّي بخـّير ،
ـ مـّاري لقدّ بتّ الآن تثيرينّ أعصابيّ فابتعـدّي عن البـّاب فوّرا و دعينّي أرى ما الذّي يحدّث بحّق
الجحيمّ
ـ لا
تنهـدّ ثـمّ دّفع الباب بكّل قوته فسقطّت مـّاري للخـّلف ، نـظّر نايت حـّوله بدهشة .. الأرّض مليئة بالصابون
و هنـاكّ طـّلاء أزرقّ فّي الجـدّران أمـّا ماريّ فكـّانت في حـّالة يّرثى لها ، أمسكّ رأسهّ ثمّ قـال بأسى
ـ ما الذّي فعلته ؟
استقـامتّ مارّي فيّ جلستها ، ثمّ قـّالت بتـّوتر و إحـّراج
ـ لقدّ ، لقدّ .. لقدّ جذّب انتباهي عـّلبة صـّغيرة فّي أعـّلى رّف فحـاّولت استراقّ النـظّر إليهـّا ، و بينمـّا أنا
أحـّاول سحّبها نحوي سـقطّ إناء الطـّلاء علي ، فـحـّاولت أن أجدّ شيئا أنّظف نفسي به .. فأخذّت مناديل
ورقّية و عنـدّما أخذّت رفّضت الآلة التوقف عن إخراج المناديل فـحـاّولت إطفائها لكـّنها سحـّبت الثـّوب
بـطّريقة سحـّرية لا أعـّلم كـّيف فتـّمزقّ ، لمّ يكنّ ذنبيّ صدقـاّ أنا آسفة نأيت
نـظّر إليهـّا فطـأطأت ماري رأسها شعورا بالعــّار ، ضحكـّت الخادمتينّ بصوتّ خافتّ بينمـّا رسمّ نايت
على شفتيهّ ابتسـامة هـادئة ثـمّ أمسكّها من ذّراعهـّا ، قـال بحدّة
ـ لا أريد رؤية أحد المصّورين المتطفلينّ و لا الضيوف أيضـّا ، هـّل تسمعان إلى ما أقوله ؟ أمنـّا الطـّريقّ
ناحية غـّرفتّي
أومـأتا بالإيجاب و اختفتا عن أنـظاّره ، نـزعّ سترته و وضعهّا على كتفّي مـاّري التّي أنـزلت رأسها
للأسـّفل أكثـّر و هي تعتـذّر مجددّا بمشـّاعر صادقة
ـ أنـّا آسفة فـّعلا نايتّ لم أكـنّ أقصدّ
تنهـدّ و سحبّها مّعه ناحّية غـّرفته ، أغـّلق البـّاب خـّلفه بإحكام ثـمّ اتجـه إلى غـّرفة صغيرة أخرىّ ،
خـرجّ مجددّا حـامّلا بينّ يديه فستـانّا بسيطّا ذوّ لونّ أزرّق داكّن قـّصير يّصل إلى ما فّوق الـركبتينّ
و معهّ حـذّاء بنفّس موديل الفستان ، وضعهما على سـّريره الكـّبير ذو الغطاء الأسودّ ثـمّ قـال بـبـّرود
ـ إنّ الحمـّام جـّاهز ،
ركضـّت مسـّرعة منفـذّة أوامـّره ، و بـعدّ ربع ساعة أخـّرجت رأسهـّا من البـّاب و هيّ تخبئ جـسدهـّا
بكل إحتشـامّ ثمّ قـالت بـتوتر و ارتباك معّ تلعثم في كلماتها
ـ نـايت هلا تفضلت و مددّت ليّ الملاّبس ؟
كـّان جـّالسـّا على أريكة بيضـّاء فـّاتحـّا حاسوبه المحـّمول عـّلى بيانـّات و مخـططـّات ، يضـّع نـظارتيه
و يبدّوا مرّكزا فيمـّا يـفّعل ، فخـّرجت بكـّل بطء تـّسير على أطـّراف أصـاّبعها و هي تضـّم رداء الحماّم الواسعّ ،
أخـذّت الفستـّان ثمّ
استـدّارت مسـّرعة لكنهـّا سقطّت متعثـّرة
نـظر إليه نايت بطّرف عينهّ ثمّ قـّال بسخّرية
ـ هـّل لديكّ مشكلة في التوازن أم ماذا ؟
وقفّت مسـّرعة و ركضـّت نـّاحية الحمام ثمّ أغلقت الباب خّلفها ارتدّت الفستان على عـجّل و كذلك
الحـذاءّ، بعدمـّا خـّرجت وجـدّت خـادمتينّ ينتـظّرانهـّا لتسريحّ شعرهـّا من جديدّ ، قـالت بـارتبـاك
ـ نـّايت ألن نتـأخر هـكذا عن الحفلة ؟ ربما يجدّر بنا العودة
ـ ما رأيك أن تغلقي فمكّ و تـّقومي بمـّا أمرتكّ به يكفينـّا متاعب
صمتتّ رغمـّا عنهـّا ثمّ استدارت ناحية الخـادمتين لتجّلس على الكرسّي بكل انصياع ، بينمـا أخذّت الفتـاة
ذّات الشـّعر الذهبّي تـّقوم بتّسريحّ شعرهـّا أمـّا الأخـّرى ذّات القـّامة الطويلة و شـّعـّر الأسود القصيـّر جدا
بوضـّع لمساتّ راقية من الماكياج على وجههـّا .
بـعدّ نصّف سـّاعة عنـدّ انتهاء تجهيزهـّا مجددّا ، سـّارت بـّرفقته فّي ذلك الـّرواق الطـّويل إلى تـلكّ
السـّلالمّ نـّاحية مكـّان تواجدّ الضيـّوف .
أثـّناء سيـّرهمـّا الهـادئ و الخـّالي من تـّجاذب أطـّراف الحـدّيث ، كـّانت ماريّ و خلال هـذه المدّة تتمـاسكّ
كيّ لا تـّذّرف دموعهـّا فيتهمهـاّ بالضّعف ، ألا يفهم كمّ أن هـذا صعبّ عليهـّا ؟ أن تـكونّ وسـطّ أناسّ لا
تعـّرفهم و أن تـّضطر لتمثـّيل و أنّ تـّرى عائلتهـّا الوحيدة و المتبقية لها تـّرحـّل كـأنهّا ليسّت فردا منهّم ؟
ألا يـدّرك أنهّ هو الـوحيـدّ الذّي تـّستطيـّع الوثوق بهّ و الاعتمـّاد عليه ؟ أن تستمـدّ القوة منه ؟ كيـّف له
أن يعـّاملها بهـذه القـّسوة ؟ ،
سـقطّت دّمعة يتيمـّة و وحيـدّة فسـّارعت بمسـّحهـّا و هي تـّرسمّ ابتسـامة لطّيفة على شفتيهـّا قـّبل أن
يـدّخـّلا إلى تـلكّ الغـّرفة المـّليئة بالنـّاس ، تـلكّ الغّرفة التّي وضـّع فيها الجميـّع أقـّنعة ، و قـدّ رحـّل
معظم الـّضيوف فـّلم يّبقـّى سـّوى المقـّربين قـّالت بهمّس و هّي تقـّترب من مـكـّان جلوّس عـّائلة آل لبيـّر
ـ أدرّك أننّي لستّ خيـّارك الأول لكـّنكّ هنـّا معـّي ، لذّا هـّلا تـّصرفتّ كمـّا لو كأنكّ فـّعلا تـّحبني ؟
نـّظر إليهـّا نـّايت ببـّرود ، ثـمّ وضـّع يده حـّول كـّتفهـّا و اقتـّرب منهـّا .. قـال بـلهجة جـّافة و حـادّة
بينمـّا مـّلامحّ وجههّ تـّدل على الاستمـّتاع و المودّة
ـ إنّ قـّلت شيئـّا آنسـّة روبـّرت فـأنت تـّنفذينهّ دون نقـّاشّ ، اعتـّبري نفسـكّ بكمـاء هـذّا أفـّضل
جـّلسـّا بجـّانب بعضهمـّا البـّعض مبتسـّمينّ بكـّل لطـّف ، أمـّامهـّا كـّلا من كـّايـّل الذّي يـّضع يدّه حـّول
خصـّر إليـزابيّث التـّي تـّهمّس بشيء مـّا في أذنهّ بينمـّا همـّا يّرمقـّانهمـّا بنـظّراتّ سـّاخرة و حـّاقدة ،
قـّال الجـدّ فـجـأة محدثّا نـّايت
ـ أنـّت لا تـّخبرنّي أنكّ صدّقت مـّا قلتهّ و أجـّبرت هـذه المـّسكينة على فـّعله ؟
التفتّت إليهّ مـّاري و وجّنتيهـّا مـّتوردّتين من الخـجـّل كـّعادتهـّا عندّ تبـّادل الحـدّيث مع كبـّار في السـّن ،
و قـّالت بـتسـّاؤل و فضـّول
ـ عنّ مـاذا جـدّي ؟
رّفع ناّيت حـّاجبّه متذّكراّ ، ثمّ رّسمّ على شّفتيهّ ابتسـّامة سـّاخرة كـأنهّ من الصـّعب تّصدّيق أنّ فتاة مثّلها
سّوف يحدّث شيّء كهـذّا معهـّا فـّقـّال ببرودّ
ـ إنهّ لا شيء ، جـدّي أنـّت تـّعلم أنّ هـذّا ليّس من صفـّاتي
قـّهقه الجـدّ بصـّوت عـالّي غـّير مصـدّق أيـاه فقطّبت مـّاري و نـظّرت إلى ويـّليام ثمّ سـألته فإكتـّفى
بابتسـامة بسيطة و هو يـّقول ضـّاحكا
ـ ما قـّصة تـّغييركّ لمـّلابسكّ مـّاري ؟
إحمـّر وجههـّا كـّامـّلا و تـّلعثمتّ في كـّلمـّاتهـّا ليّضحك ويليام بصوت عاليّ جدا فـّوضع نـّايت يـدّه
على رأسهـّّا و أنـزله للأسـّفل قـّائـّلا بإنزعـّاج تـّام
ـ أنتّ تـّوقفي أن الإحمرارّ عندّ كل كـّلمة ،
ـ مـ مـ مـا الذّي تقصده أنا أنـّا إنهّ فقط الجـّو .
ضحكّ الكـّل لأنّ وجههـّا قد إزداد احمرارا فـكّشر نـّايت بـّغير رضي و وضعّ يده على خـدّها كـأنه يقومّ
بنـّزع ذّلك اللونّ الوردّي منه فشـّهقت عندّما سـّرت رجـّفة بجسدهـّا و قـّالت بـاندّفاع
ـ ما هذا ؟ يدّك بـّاردةّ كالجـّليدّ هـّل تعاني من حمـّى ؟ دّعني أرى ؟
ـ إننـّي بـّخير ، تـّوقفيّ
نـّظر إليهـّما الجـدّ بابتسـامة ، إنهمـّا يتصـّرفانّ بـعـّفوانية الآن .. يبـدوا أنّ نـايتّ فـّعلا قـدّ مضى
في حـّياته ، تنهـدّ بـّراحة يسـّعده أنه أوفى بـّوعده ،

/



JAN 03-09-2020 10:52 PM


ـ تـّفتـّح بـّرعمّ الحـّب ـ




إحـدّى لـّيـاليّ الخـميـّس كـّانـّت السـمـّاء و بهـذّا اليـّوم مـليـئة بـالنـّجوم المـّنيـّرة بينـمّا إختـفى القـمـّر
وسـطّ غـّيوم لنـدّن و ضـّبابهـّا ،
فـّي تـّلك الـشـّقة الصـّغـيرة للآنـّسة روبــّرت مـّاري و التـّي تـّعـّرفّ حـّاليـّا بـّلقب الأمـّيرة مـّاري آل لبيـّر
لأنهـّا استـطـّاعت كسـّر الـجـّليد الـذّي يـحتـّويه قـّلب نـايـّت ، لكـّن و بـالـّرغم من أنهـّا نـجـّحت فـّي
مهمـّتها في نـظّر الإعـّلام و التـّي يـّظن بـّعض رجـّال الأعـمال الـذّين سـّبق لهم و أن تـّعـاملوا مـّع نـايت
ـ أنّ هـذه الشـّابة خـطّيبته تسـتّحق الحـّصول على جـّائزة و شـكـّر لأنهـّا قـدّ استطّاعت أن تـّلين قـّلبه
الصـّارم و بهـذّا قـدّ يـّسهل عـّليهم التعـّامل معه .
لكـّن هنـاكّ وجـهة نـّظر أخـرى ، خـائبة كالعـادّة .. فـّمعـظم عـّامة الفـّتيات يـّظن أنّ مـاري لا تـناسّب
أمـيرا مثـّاليـّا مثـّله و هو يستـحّق الحـّصول على شـاّبة ذات طـّموحـّات عالية لا فـّتاة عـادّية تـّعمل
كـنادلة فّي المـطّعم
و كـاّن هـذّا نـّقـّاش المـوجودّ في الـجـّريدة بـّعنوان كـّبير و عـّريضّ ـ سنـدّريـلا الغامضة تـّتسـلل إلى
القـّصر ـ
لـمّ يـنـّل هـذا اهـتمام مـاري لأنهـّا تـّعلم أن كـّل هـذّا مـجّرد تـّمثيل و لـّيس من المـمكنّ حصـّولهـّا على
قـّلب نـايت ، لـذّا سـّوف تـّدع الأمـّور تـّجري مـّجرى الـّريّاح و سـّوف تـّذهب إلى أينمـّا قدّ تـأخـذها
قـدّميهـّا أو بالأحرى إلى أيـنّ يـأمـّرها الملكّ .
كـّانت مـّاري جـّالسة على الأريـكّة تـقـّرأ روايـّة رومـّيو و جـّوليـّت للمؤلفّ المشهور شيكسبير،
بـكـّل هـدوء و استـمتاع ثـمّ تـّذكرت فـجـأة مـّوقفهـّا مع نـّايت فـّي الحـّفلة عنـدّما انحنى بكـل طـّوله
نـّاحيتها لّيقبلها على جّبهتهـّا بكـّل شـّاعرية
وضـّعت يـدّها على مكـان القـّبلة ، فتـذّكـرت المـّرة الأولى التـي قـّابلته فيهـّا .. عنـدّ انحنائه للمـرة
الأولى و تقـّبيلهـّا بكـّل شـّاعرية أمام الجميـّع مدّعيـا أنهـّا خطيبته ،
هـزت رأسهـّا نفيـّا و قـدّ أحمر وجههـّا بالكـّامل ، كـّيـّف لهـّا أن تـّفكر به بـهذه الـطـّريقة الشنيـّعة ؟
إنهـّا ليسـّت قـّصة حـّب حقـيقية لـكّن لا تـستـطّيع منـع نفسهـّا
ضحـكـّت و هـّي تـّجتـّاح بـخيـّالهـّا ، إنّ كـان نـايت فـّعـلا يـحبهـّا ؟ و إن كـّانت هي فـّعلا سنـدريـّلا
الـحقيقية ؟ أن يحـّبا بـّعضهما بّعضـّا بكـّل جنونّ ، كـروميـو و جـّولييت
شـّعرت بالحمـّاس و قـدّ انتابتها رغـّبة مفـّاجئة في رؤيـّته فـحـّملت هـّاتفهـّا و أرسلت له نصـّا قصـّير
و مـّرحا يـّعبر عن شـّخصيتهـّا
ـ نـّايت أنـّا بـحاجة ماسة لمـّقابلتكّ لدّي شيء مـّهم أريدّ أخبـّارك به ـ
وصـّلتها رسـّالة فـرفعت هاتفهـا و فتحتهـّا ، كــّان المـّرسـل نـايت .. و هـو يـّقول بـكـّل اختصار
[ قـّابـليني غـدّا عـّلى السـّاعة الثـّانية عـّشر عنـدّ الكـّلية ، مـّلاحظة إرتـدّي شيئـّا أفـّضل من مــّلابس
المـّتوسـلين الـتيّ تـملكينهّا ]
قـطّبت و قـدّ اختـفت جمـّيع أحلامهـّا أدراجّ الـريـّاح ثـمّ تمتـّمت بـّغيض و هـّي ذاهبة لتأكد من
مـّلابسهـّا
ـ و منّ قـّال يــّحبه ؟ هـّه كـّتلة جـّليد متـّحركة

/

فـّي غرفة كـّبيرة ، ذّات نـّافذة أخـذّت مسـّاحة الجـدّار بـأكملهّ أغـّلقت بـّواسطة ستـّائر سـّوداء محـّكمة
منـّعت ذّلك الـضّوء القـّليل التـّي تمنـّحه لندّن لسكـّانهـّا منّ التسلل، أمـّام ذّلك المـّكـّتبّ الـزجـّاجي بّه
حـّاسوّب محـّمولّ كـّانت شـّاشته تـّنيـّر فّي الـظّلام
عـّينيهّ الحــّادتينّ ركـّزتـّا عـّلى تـّلك الصـّورة الجـّميلة التـّي أخـذّت تـطفـّوا على الشـّاشةّ بكـّل عـّنفوان
و حـّرية ، ليـّس كـقـّلبه المقـّيد بـّسـّلاسّل و الأغـّلال .
تنهـدّ بأسّى و وضـّع يـّده على عينـّيه ليمنـّعهمـّا من اخـتّلاسّ النـّظر ، بينمـّا شـدّ على قـّبضة يـدّه اليسر
ليستـجمـّع القـّليل من الشـّجاعة .
كـّانت مـّلامحّ وجـّهه التـّي دوما ما بدّت للعيـّان غـّامضة و بـّاردة ، كـاّنت هـذهّ المـّرة متـّألمةّ و حـّزينة
لـّدرجة الثـّمـّالة ، التـّعاّسة التـّي غـّزت قـّلبه لـّم و لنّ تـّختفّي مهما طـّالت السـّنين . فـّي النهاية
استسـّلم لـّرغبته القـّوية و وضـّع أصـّابعه الـطـّويلة أمـّام الصـّورة ثمّ قـّال بنـّبرة مـّبحوحةّ و أليـمةّ
تحـّاكي نغمة النـّاي ،
ـ أخـّبرنيّ ما الذّي يجّب عليّ فـّعله ؟ و أنـّت التـّي تـحـّاولينّ مغـّادرة هـذّا القـّلب بكـّل سهولة ؟ أنـّت
التـّي كـّل شيء بالنـّسبة ليّ ،
صـّمت قـّليلاّ نـّادمـّا على هـذه الهـّفوة التـّي استسـّلم لهـّا بكـّل سهولة ، فـّوقّف و سـّار بخـطـّوات ثـّقيلة
نـّاحية النـافذّة ثـمّ أبـعدّ الستـّار لـّيرى تـلكّ السمـّاء المـظّلمة الممـّتلئة بالغـّيوم الدّاكنة فـدّوى صـّوت
الـّرعدّ في مـّكتبه الفـّارغ و المـّوحش فجـأة
لقدّ انحـّنت السمـّاء بـّعلياهاّ تـّواسيه على حـّاله و تـكبـّر الإنسـّان بـّالرغم من صـّغره على مشـّاعره
. ابتسـّم بـخفـّوت ثـمّ قـّال بنبـّرة هـادئة
ـ كـّنت سـعـيدّا عنـدّما كـّنت الفـّتاة الوحيـدّة لّي و أنـّا الرجـّل الوحيـدّ لكّ ،
كشـّر عن مـّلامحـّه البـّاردة و اختـّفت تـّلك الولهـّة الصـّغيرة التـّي أنـّارت عينيهّ للحـظة ،
و أخـذّ المـطّر يـّسقطّ بغـّزارة ، فعـادّ يحـدّث نفـّسه مجـددّا بحقـدّ و كـّره عمـّيق
ـ كمّ أكـّره نفـّسي التـّي رمـّت بـّعيدّا ، الـتّي أحبـّتكّ .

/

جـدّران بيضـاّء خـّالية من أّي جمـّال ، و نـافذّة كـّبيرة إحتـّلت الجـدّار تـطـّل على حـدّيقة جميـّلة أنساب
عبق زهـّورهـّا إلى دّاخل الغـّرفة ،
فيّ وسـطّهـّا وجـدّ بيـّانو أبيـّض اللونّ بلّ شديدّ البيـّاض ، جـّلس على مقـّعد الذّي أمـّامه ذلكّ الشـّاب ذو
الشـّعر الذّهبي الذّي تـّركه دّون ربـطّة هـذه المـّرة ، يضـّع أصـّابعه الـطّويلة على مفـّاتيحّ البيـّانو ،
غـّلق عينيهّ ذّات لونّ العّشب بكـّل هـدوء ثـمّ صـدّر صـّوت جـميـّل جـدّا ذو نـّغمة رومـاّنسية هـادّئة و
نــاعمة حـّزينة . قـدّ ظـّهرت لكـّنته الانجليزية
ـ أحـّاول أنّ أمحييك بـواسطّة هـذّه الـدموع المتـّسـاقطة ، لكـّي أستـطّيع أنّ أغـّادر جـّانبك ،
تـّوقف فجـأة و هو يـّضع رأسه على بيـانو مصـدّرا صـّوتا فـّضيـّعا ، تـأففّ بـغـّيض ثـمّ صـّرخ قـّائـّلا
ـ أحـّتاج إلى إلهـّام ، تبـّا .. الكـّلمات غـّير متنـّاسقة و المـّوسيـّقى كـذّلك أيضـّا ، كـّيف ليّ أنّ أصـدّر
الألبـّوم التالي بـحّق السـماء ؟
تـّنهـدّ بـعدّم رضـى دّام لدّقائقّ ثـمّ وقفّ بمـّرح و هو يحـّمل ستـّرتهّ ، قـّال بـابتسـّامة لـطّيفة زّينت
شـّفتيه
ـ أنـّا جـّائع ،

/

ّ الفـّتاة الأخـّرى ـ الآنـّسة فـّلور روبـّرت ـ التـّي عـكـّس أختهـّا تمـّاما فـهـّي الآنّ جـّالسة فـّي مكـّتبهـّا
و بيـّن يـدّيهـّا عـدّة أوراقّ تـحـّتاج إلى إطـّلاع عـّام أخـّير قـّبل أن ترسـّلها إلى المـدّير .
تـّعـّرف فـّلور روبـّرت بأنهـّا شـابة وقـّحة بيـّن زمـّلائهـّا و لأنهـّا تـّستمـّر بـّقول الـحقـّيقة دّومـّا دون
مـّجاملات و دّون إدراكّ للعـّواقب و لأنهـّا أيضـّا مجـتّهدة تـّتقن أعمـّالهـّا فـهّي تـّرقت فـّي ظـّرف شـّهر
إلى مـّكتب مسـّاعدة المــدّير الرئيسية .
تـّقدمـّت منهـّا الشـّابة الوحـّيدة التـّي تستـطـّيع تـّحمل مزاجها العـّصبي و تـّصـّرفاتهـّا الـصـّبيانية و
التـّي هـّي صـدّيقتهـّا الوحـيدّة منـذّ أيـّام الابتـدائية، ثـمّ قـّالت بـّهـدوء
ـ فـّلور سيـدّ جيمس يـطـّلب منـكّ إرسـّال أوراّق الآن
ـ مـاذّا ؟ سـحقـّا لقـدّ أخـّبرته أننـّي سـأرسـّلها عنـدّما أنتهـّي من قراءتها ؟ لمـاذا هـّو لحـّوح لهـذه
الـدّرجة ؟
ـ آ دأ أليـّس هـذا واضحـّا ؟ لأنه المـدّير طـّبـّعا
ـ حسـّنـّا حسنـّا أنـّا ذاهبة
وقفـّت و هـّي تـحمل الأوراقّ بينّ يديهـّا ثـم طـّرقت مـّكتب المـدّير جيمس ، وضـّعتها أمـّامه و غـّادرت
بـدونّ أن تتـّفوه بـكلمـّة ، بينمـّا قـطّب سيدّ جيمس من تـّصرفـّها الوقـّح لكـّنه تـجّاهله فـّلا يهـمه هـذا مـا
دامتّ تـّكمـّل عملـّها المـكـّلف به فّي وقته و بأحسن صـورة .
عـّادت تجـلسّ عـلى كرّسيـهـّا ، لحـظة مـّا رنّ هـّاتفهـّا النقـّال . رفـّعته دون أن تـّنظر للاسم ثـمّ قـّالت
بـبـّرود و هـّي تـنظر إلى أظافـّرها
ـ أخيـّرا اتصلت ، كـّنت أتساءل متـّى ؟
ـ عـذّرا آنسـّة روبـّرت أظـنكّ تـّنتـظرينّ اتصالا مهـّما أسـّف لأننـّي قـطـّعت عـليكّ ، لكّن أنـّا بحـّاجة
لمنـّاقشة مـّوضوع مهمّ مـّعك
انتـظرت لدّقائق قـّبل أن تقـّول بـحّقد و هي تـكـّز أسنانها
ـ ويـليـام ؟ ويـليـام دويـل ؟ هـّل أنا محقـّة ؟
تنهـدّ ويـليـّام في الجـّهة الأخـّرى و هـو ينـظر نـّاحية نـايت الجـّالس على مكـّتبه و يـّرمقه بـنـّظرات
حـادة تـّلحّ عليه بإكـّمال الحـدّيث
ـ أجـل إنهّ أنـا
ـ أنـّت أيهـّا الحـقير كـّيف تـّجرأ على أن تـقّوم بـّدعوتنـّا هـكذا ؟ دون إخـّبار أحـدّ بالأمر ؟ من تـّظن
نفـّسك ؟ أيها الحـّقـّير عـديم التـّربية و الأخـّلاق
أبـعدّ ويـليـام الهـّاتف عن أذنه و هو يسمـّع سيـّل من الشـّتائم تـنـطّلق نحـّوه و تـّنعته بكـّل صفـّات ،
فتـّقدم نايت منـه و أخـذّ الهـّاتف .. تـحدّث بنبرة حـّادة مبـّحوحة عـمّيقة
ـ أنـا نايت أل لبيـّر ، آنسـة فـلور روبـرت أريـد منـّاقشة موضوّع مهـمّ مـعكّ
تـّوقفت فـلورا عن الشـّتم ثـمّ أغـّلقت البـّاب و استنـدّت عليهّ ، قـّالت بـهدوء
ـ ما الـذّي تـّريده ؟
ـ ما أريده واضحّ جـدّا ، إنهّ تـعاونكمّا ما أحتـّاجه فـأنا و مـاري خـّطيبين مـّعروفينّ عـّالميـّا و أن
تـّكون خـطيبتي مـّنبوذة من طّرف عـائلتها لهـو أمّر لا أريده
ـ ما الذّي تقصده بمنبوذة ؟ مـاري أختي و أنـّا أحبهـّا أكـثـّر من أيّ شخص بهـذا الـوجودّ ، لكـّن أن
تـّحبهـّا انت فـهذا أمر مستـحيل
ـ فـلور ، ماري خـطيبتي و أظن إن كـّنت أحبهـّا أم لا فـهذا عـائدّ إلي
ـ اسـمّع لا تـّظن و لا لـوهلة أننّي أصـدّق تـمثـّيليتك الـسخيفة بخـّصوص هـذه الخـّطبة المـّزيفة ،
أنـّا قـدّ لا أعـّرف التفـّاصيـّل لكـّن أنا واثـّقة إن مـّاري أختـّي التي أعـّرفها من المستـحيل أن تـّرتبـطّ بـشخص مـّثلك
ـ حقـّا ؟ و ما الـذّي يجـّعلك تـّظنين هـذّا ؟ آنسة روبرت ؟
ـ أظـن أنـكّ أنـّت من أعـطّاها الـ 500 مـليون دّولار ، ألـيس كـذّلك ؟ أخـّبرني ما الذّي تـّريده منهـّا ؟
ـ مـّا أريده لـّيس من شـأنكّ ، كـّل مـّا أمر بـه الآن هـّو تـّعاونك أنت و والدكّ خـّلال حـّفلة الـزفـّاف
الـتّي سنـّقيمهـّا ،
ألجمت الصـدمة لسّان فـّلور و لمّ تستطـّع ان تـّتخـّيل و لو لـلحظة أنّ يـتّم زواجّ ماري الـطّفلة من
هـذّه الـكـّتلة الجـّليدية ذو القـّلب القـّاسي ، قـّالت بارتجـّاف
ـ مـ مـا الذّي تـّقصده ؟
ـ مـّا قـّلته و لنّ أعـيده، أخـّبروني كمّ تـّريدون و أنا مستـّعد لدّفع مقـّابل تـّعاونكم و حضـوركمّ حـّفل
الـزفـّاف و إن لم تـفّعلوا فـ
ـ أنـّت كيـّف تـجـرؤ أن تتـحدث معـّي بهـذه الـطريقة الوقـحة ؟ أنـّا لـّست فقيرة جدا لكـّي أريدّ مـّالك
أمـّا بالنـّسبة لتـّعاوننـّا فـأنت لـّن تـّحصل عليه و لنّ تـّحصل أيـّضا على بـّركتي كـأخـّت لزوجـّتك
أيضـّا ، سـأحـّرص على أنّ لا يـّتم هـذا الـزواج بـكّل تـأكيد
ـ حقـّا ؟ أريـدّ أن أراكّ و انت تحـّاولين ؟
ـ صـدّقني مـّاري لنّ أسلمـّها لـّك و لو عـّلى جـّثتي
صـّرخت فـّي وجـههّ بـكـّل عّصبية ثـم أغـّلقت الهـّاتف و رمـّته على الجـدّار بكّل عـنّف ، بينمـّا ابتسـم
نايت بهـدوء و هـّو يجـّلس على الأريكة واضعـّا قدما على الأخرى بكـّل راحة ، قـّال ويـليـام له بـّغيض
ـ هـّل أعجـّبك ما فّعلته ؟
ـ طبـّعا لقـدّ تـّخلصت على القـّليل من الـملل الذّي أصـّابني ، لكـّن حقـّا أفـرادّ عـائلة روبـّرت فـّريدون
من نـّوعهم
كـّان ويـليـام يـّسند رأسه على كـّوعه و هـّو يـّرمق نـايت مستـّغـّربـّا منه ، قـّال بـتـّعجب
ـ كلمـّا أظنّ أنني و أخـّيرا تـّمكنـّت من فـّهمك فـأنـّا أجـدّ نفسيّ جـّاهلا مـّرة أخـّرى ،

/

رّن جـّرس ذّلك المنـّزل الكبيـّر عـدّة مـّرات من قـّبل رجـّل ربمـّا في منتصـّف الأربعينّ يحمـّل بينّ يدّيه
ظّرف متـّوسط الحـجمّ ، يرتـدّي بـذّلة رسمّية قـدّيمة نوعـّا ما بكـّل إهمـّال ،
فجـأةّ فتحّ البـّاب على يـدّ خـادّمة فأقتحم ذلك الـرجّل منـزّل كالإعصـّار و الغـّضب بـادّي على مـّلامحّه ،
أخـذّ ينـادّي بصّوت عـّالي و حـادّ
ـ روّي ، روّي
آتى من الغـّرفة المقـّابلة الـرجّل المـدعو روّي يمـّيل للبـدّانة و قدّ غـزى الـشّيب شّعره ،
نـظّر باستغراب إلى هـذّا الـذّي اقتحم منـزله عنوة و قـال بتسـاؤل
ـ جوناثان ما الأمـّر ؟
كـّانت مـّلامح جونـاثان غـّاضبـّة جـداّ ممـّا جـّعل روّي يتساءل أكـثر فـأكثـر عن السّبب ليـّقول
جـّونـاثـّان بـحدّة و عصبية راميـّا المـّلف في وجـه صديقه
ـ كـّيف لكّ أن تـّفعل هـذّا بي ؟ كـّيف لكّ ؟ لقدّ صـدّقتكّ و أعطـّيتكّ الثقـّة المـطّلقة أفها هكذا تـّجازيني
يـّا صديق العـمر ؟ هـكذا ؟
ـ مـا الذّي فـّعلته ؟
ـ و مـا الذّي لمّ تـّفعله ؟ كـّيف لكّ ألا تـّخبرني أنّ آرثر رجـّل متـّزوجّ ؟ و هو يـّخونّ زوجـّته أيضـّا ؟
كـّيف لكّ أن تـّغفل عن ذكّر هـذا لّي ؟ و أنـّا الذّي كـّنت أريدّ تـّركّ ابنتي فّي عهـدّتك ؟
ـ صدّيقي أنت تـّسيء الفـّهم فآرثر لّيسّ متـّزوجـّا فـّعلا هو قـدّ تـّزوجّها من أجـّل أن تحّصل على
الجـّنسية الأمريكية و هو مسـّتعد أيضـّا لطـّلاقّ لذاّ لم أرى أن الأمـّر يسترعي كل هـذا الاهـتمـّام
ـ أرجـّوك كـّف عن الكـذّب ، لقـدّ وثقـّت بكّ و أردّت أنّ أرتـّاح بـتـّزويج أبنتي و الاطمئنان عليهـا لكـّن
أنـّت .. أنـّت كـّيف لكّ أن تـّفعل هـذا بي ؟ كيـّف ؟
ـ أنـا أسفّ جون لـمّ أكنّ
قـطّب جـّونـاّثان و هو يـنـظر إلى صـديقه الذّي غـدّره ، ثـمّ اتجـه إلى الخـارج و هو يقـّول بـكـّل هـدوء
ـ عـّقدنـّا قدّ انتهـى و كـذّلك صـدّاقتنـّا
بـّعد ذّهاب جـّوناثان ، قـّام روّي بفـّتح المـّلف بكـّل فـّضول .. وجـدّ صـّور عـدّيدة لابنه آرثر ليسّ مع
فتـّاة واحـدّة أو اثـّنين .. بـّل الكـثّـير و معـّظمّهم كـّان مخـّللا للحيـّاء ،
احمر وجـه السيّد روّي و وضـعّ يده على قـّلبه بـكّل ضـّعف ، أخـّرج حـّبة دّواء من عـّلبة موجودة
فّي سترتهّ و تنـّاولهـاّ على عـجـّل ،
ثـمّ جـّلس على دّرج و تنهـدّ بكـّل أسى و ذّل على مـاّ أوصله ولدّه

/


JAN 03-09-2020 10:53 PM


عنـدّما يـّلتقي الإنسان بتوأم روحـّه ، الـّشخص الذّي يـّفتّرض أنّ يبـّقى مـّعه طـّوال حيـّاته و أنّ يحـّب و يعـّشقه .. أنّ
يستـمّر مـّعه للأبدّية فـّهل سيـّتركّه يـذّهب ؟ هـّل سـأتـّركه أنـا يذهب ؟ جـّوابّي واضحّ .. و على الـّرغم من وضـّوحه
سـأقـّول لكمّ لا ، لنّ أتـّركه يـرّحل مهمـّا كـّلفّني الأمـّر ، سـأبقى بجـّانبه و سـأكتفي بـحّبه ..
ـ أذّن آنسـة روبـرت مـاري ، هـل أنت واثقـة من أنّ سيـد نايت آل لبيـر هو تـوأم روحـكّ ؟ الشـخصّ الذّي انتظرته طـوال
حيـّاتك ؟
بـكـّل سـّعـادة سـأقـوّل نـّعم ، إنّه فـّارس أحـلامّي الذّي انتـظرتهّ يومـّا بـّعد يّوم .. الـّذي خـّزنتّ قـّلبي لّه فّي انتـظاره ،
الـذّي سـأكونّ ممـّتنة إنّ قبـّل بـحـّبي اللا مـحدّود له .. أنـّا أحبـّه
ـ حقـّا و مـّنذ مـّتى ؟
إّن أردّتم أنّ أكون صـّادقة ، مـّن اليـّوم الذّي التقـت عينـّاي بـّعيـنيه حينهـّا شـّعرت بأحاسيس و لأول مـّرة انتابتني ،
شـّعرت أنه الـوحيـدّ المنـّاسب لّي
ـ إذّن أنـّت تـّحبينه ؟
فتـّحت مـاري عينيهـّا بـّذعـّر و أخـذّت تنـظر حـّولها و قـدّ شحـّب وجـهها كمـّا لو كـأن الـدّم قدّ سحبّ منهـّا ، وضـعّت
يـدها على دّقات قـّلبهـّا السـريعة ثـمّ وقفّت بـشـكّ و هي تـّنظر مجـددّا في أركـّان الغـرفة .
إتـجهت إلى المـطّبخ ثـمّ شـّربت كـأس مـّاء و جـّلست على الكـّرسي ، كـّانت في نـدّوى صـّحفية تـسـأل فيهـّا عن
عـّلاقتهـّا بـّنايت و هي أجـّابت و بكـّل صـدّق أنهـّا تـّحبه ، تحّب كـّتلة الجـليدّ المتـّحركة تـّلك ، أخـرجـّت لسانها بقـّرف
قـّائلة
ـ كـّابوس، كـّابوس .. يـّاله من كـابوّس أنـّا أحـبّ شيـطّان مـّثله ؟ مستـحيّل بـّل في سـّابع المستـحيـّلات و لنّ أفـّعـل
سـأنـتظر الـشخّص المنـّاسب . أجـّل المنـاّسب
ضحكـّت بهسـّتيرية ثـمّ تّوقفت فجـأة سـحّبت شـّعرهـّا بعنّف عنـدّما انساب إلى فكرها صـّورة نـايت المبتسم بسخـّرية
لاذعـة و هو يـّعلق على موّقفهـا الآنّ ، قـالت بحدّة
ـ مستـحّيل، أنـا لا أحبـه
عـّادت تجـّلس على الكـّرسي متهـجمة المـّلامحّ ، وضـّعت يديهـّا على وجههـّا ثمّ سحبـّت خـدّيها بكـّل قوة و هيّ
تـقـول محـدثة نفسها مجددا بكـّل واقـّعية
ـ أجـلّ مستحيـّل بـطة سوداء مثـلي لنّ تحظى ببجـّعة ،الأمر مفـهوم ؟
انسـاب الاكتئاب إلى قلبهـّا فسـارعت إلى معلقة الملابسّ و ارتـدّت معـطّفها الأحمـّر و وشـّاحهـّا مع حـذاّء المنـزلي
المنفـوّش على شـكّل أرنـّب ، فتـحّت بـّاب شـّقتها و إتجـهت إلى شـّقة التّي بجـّانبهـّا ، رنّت الجـّرس قـّليلا فخـرجّـت
السيدّة فرانسيسّ منـّزعجة و هي ّ تـّقول غـّاضبة
ـ ماذّا ؟ مـاذا ؟ مـاذّا ؟
ـ أسـّعد صـّباحكّ سيدّة فـّرانسيسّ ، كمـّا تـرّين سيدّتي أنـّا لا أستـطيّع النـّوم و لأننّي لا أستـطّيع قـّررت أنّ أصـّنع كـّوب
شيـكـّولاطـّة سـّاخن يـدّفئني لأن التـدفئة لا تـّعمل ، لكـّن و كمـّا أرى فـأنـّا لا أمـتلكّ الـشيـكولاّتة لذا من فـّضلك هـّلا أعـطيتني ؟
قـطّبت سيدّة فـّرانسيّس بـكّل عصبية ثـمّ صـّرخت بهـّا غـّاضبة و هّي تـّلوحّ بيدّيها بينما ماري تـّحاول تفـاديهـّا
ـ و ما شـأني أنا ؟ ها ما شـأني بـحّق السمـّاء ؟ ألانك لا تستـطيعين النـومّ توقظِ جـّيرانكّ ؟ ثـمّ إن لمّ تـجدي
الشـيكولاتة كما تـدّعين لما لا تـحضري شيئا أخـر ؟
ضحكـت مـّاري ببـّلاهة و هـّي تمـدّ يدّيهـّا فزمـّجرت سيدة فرانسيسّ بـحقدّ و أغـّلقت البـاب في وجههـّا بكّل قوة ثـمّ
فتحـّته و أعطّتها عـّلبة و قـّالت بحدة
ـ بحّق السمـاء لا تـّعودّي لتـطّرقي باب شقتي عنـدّ الثـّالثة صبـّاحـّا مجددّا و إلا أقـّسم أننّي سـأطّردكّ من المبنى ؟
ـ إذّن لا بـأس بالـّرابعة صـّباحا ؟
صـّرخت سيدّة فرانسيس بـجنونّ و دّخلت إلى شـّقتها تشتمّ كـّل ما فيّ طّريقهـّا ، فضحكـّت مارّي بخـّبثّ و هيّ
تمسـكّ العـّلبة كما لو كـأنهاّ شيء ثـمّين يـأتمنّ بحـّياتها الخـّاصة ، إتجـّهت إلى بـّأب الشـّقة التي أمـّامهـّا ثمّ طـّرقته
بكـلّ هدوء تـّضع على شفتيهـّا ابتسامة بسيطة فـخـرّج ويـّليـام مـّرتدّيا بنـطّالا و قميصّا بإهمـّال ، عـّينيه مغـّمضتين و
بالكـّاد يستـطّيع فتحهمـّا قـّال بـتسـاؤل
ـ ما الذّي يحـدّث ؟ لقدّ سمـّعت صـّراخا منـذّ قليل ؟
ـ ويـّليـامّ عـزيزّي أتمـتلكّ قليّل من السـكـّر ؟ أريدّ تـّحضير القـهوة لكّن لا أمتـلك السـكّر و السوبرّ ماركت بـعيدّ جدا
ـ آه أجـّل تفـّضلي، أحضـريه بنفسكّ
أومـأت بـكّل لطّف ثّم اتجـهـّت إلى مـطّبخه بينمـا أكـّمل هو طـّريقه نـّاحية غـّرفته ليّعود إلى النـوم مجـددّا ، وجـدّته
فـأخذّته و كـّادت أن تـّعود لولاّ أنها قـّررت فـتّح الثـلاجة .. وجـدّت تلكّ الحـّلويات المـغـّرية التّي دومـّا ما يقومّ ويليـام
بتقـديمهـّا فقـالت بصّوت عـالي نسبّيا
ـ ويـّل هل أستـطيع أخـذّ حبـة من تـّلك الحـّلوى التي تصـّنعها ؟
لّم يجّبها ويـليام لأنّه كـّان يغطّ في نومّ عـمّيق فابتسمـّت مـاري بـمكـّر و هيّ تردد في نفسها أن الصمـّت من عـّلامات
الـّرضى فـأخذّت الصـحنّ بـأكمله و سـّارعت بالـركض إلى شّقتهـا ضـاحكة

/

فّي ذّلك القـّصر العـمّلاق حـّيث لا يـّكتفي المـّراسـّلون عنّ نبّش أحـّوال أصحـّابهمّ فـّتراهمّ يحـّاولونّ التسـّلل لعـّلهمّ
يجـدونّ مقـّالا صحـّفيـّا يجـّعلهمّ يكـّسبونّ المـّال أو يشتهـّرونّ ، كـّانت عـّائلة آل لبـّير العـّريقـّة تـجّلسّ فّي طـّاولة
مستـدّيرة تتـّناول فـّطـّور الصبـّاح و الصمـّت سـّائدّ بينهمّ كالعـادّة
الجـدّ بيـتر رئيّس شـّركة لبيـر التـّي تسيّر السـّوق بـّرفعة أصبـع و التـّي تـّمتلك كـّمية عـظيمة من الأسهـمّ لربمـّأ تفـيّ
بشـّراء جـزيرة ، يـّعرّف عنه بالقـوة العـّارمة و حـدّة الذّكاء يجـّلس باستقـامة يـتنـّاول حسـّاء
سيـدّ تـومّاسّ ابنـه الـوحيدّ المتبـقي على قـّيد الحيـاة و والدّ كـايل ، يـّمسكّ شـّركـّاتهمّ فّي ألمانيا و لا يـّعودّ إلا نـادّرا
، يتصـّفحّ الـجريدّة باهتـمام
كـّايـل و ابتسـامته السـاخرة المـّوجهة إلى ابنّ عمته كالعـادّة ، لاعـب بيسبول شـهيـّر قـّاد فـريقه للفـّوز لكـنهّ أعتزل
حـّاليـا من أجـّل تسيـر أعمـال العـائلة و أنّ يكونّ اليـدّ اليـمنى لوالدّه و جـدّه .
إليـزابيث دو لاسيـر ، زوجـّة كـايّل بـرازيـلية الأصـّل و عـّارضة مـشهورة أيضـّا فـكـّانت هيّ تتصـّفح مـجـّلة بكـّل اهتمـام
نـايـّت آل لبـير ، ابـن إيليـنا آل لبيـر .. دّرسّ إدارة الأعمـّال و تـّخرجّ فيّ سـنّ الثـامنة عـّشر بـّعد حـيازته على الدكتـوراه
، يـّعـرف بشيـطّان و ذّلك لـحـدّة ذكـاءه كمـا أنه يـّعتبر الـيدّ اليمنى للجـدّ و الذّي يشـبههّ لحـدّ كبيـر فّي تصـّرفاته ،
حـّاليـّا خـطّيبته مـاري روبـرت فـتاة من العـامةّ
فجـأة أمسـكّ رئيسّ الخـدّم ذّلك الرجـّل المـّريب الذّي يتنصـّت من خـّلف شجيـّرات صـّغيرة زرعـّت أمـام شـّرفة غـّرفة
الأكـّل لتـّوحي بمنـّظر خيـّالي ، رمـّق رئيس الخـدّم المـّراسل الذّي يـكـّتب حـّول أفـّراد هـذه العـائلة فّي دّفتره الخـّاص
ثّم قـّال بـلهجة متـّعالية ذات لـكنة بـريطـانية
ـ أيـها السيدّ تـّعال مـّعي من فـّضلك لننـّاقّش أمـّر من يـّوصلك إلى الشـّرطة بـتّهمة تعـدّي على مـّلكية الغـّير و
محـّاولة نشـّر الإشاعات ،
قـطّب الـصـحـّافي بانـزعـاج ثـمّ رفـع آلة التصـّويـر و ضـّغط على الـزر ليـأخذّ عدة صـّور لأفـّراد العـائلة ثـمّ يـّركضّ مسـّرعـا
هـّاربـّا فحـّاول رئيّس الخـدّم أن يـّركض خـّلفه لكنّ كبـّر سنه لم يسـّاعده ، أمـّر الرجـّال بالإمساك به عـّبر اللاسلـكّي
بينمـّا هو يـّلتقط أنفـّاسه و يشـتمّ بلـّغته كـّل صـّحفي سببّ فيّ سوء عـّيشه
قـطّب سيدّ تـوماسّ و وضـّع نـظارتيه جـّانبـا قـائلا بتسـاؤل
ـ أسمّع أحـدّكم ضـوضـاء الآن ؟
أجـاّب الكـّل بالنـّفي فابتسـم هو بهـدّوء معـّلقا على نفـسه
ـ يبـدّوا أننّي كبـّرت بالسـّن يـّا والـدّي
ابتسـمّ الجـدّ بينمـّا أيدّه كـايّل عـلى أنهّ فعـلا قدّ كـّبر بالسـّن و يـجّدر الحصـّول على القـّليل من الـّراحة فـوافقـّت
إليـزابيث زوجـّها و هـّي تـّنصحّ حمـاها برحلة استـجـمامية يـّريح فيهـّا عـّقله ، وقفّ نـّايت بعّد أن وضـّع المنـّشفة
جـّانبـّا ثـمّ إنحنـى بـّلبـاقة و كـادّ أن يـّرحل لولّا سـؤال كـّايل الـسـاّخر
ـ مـاذا بـكّ نـايت ؟ ألم يـّعجّبك موضوع الحـدّيث و قـررت الـذهاب ؟
نـظر إليه نـايت بـطـّرف عينيهّ التيّ احتـدّتا بشـكـّل خـطّير ، فقـدّ كان مـّزاجه منعـدّما هـذّا الصبـّاح و لا تـّنقصه
تـّعليقـّات كـاّيل السـاخرة ، ردّ بـنفـّور لتـظهر نـّبرته المـّبحوحة التـّي تنبـأ بـمـدّى غـّضبه
ـ لدّي عـمـّل لأديـره .
سار بـخـطوات واثقـّة و سـّريعة فقـّالت إليـزابيث فجـأة
ـ نـايتّ سـأذهب لـزيـّارة مـاري إنّ لم تمـّانـع .
تـّوقفّ و عـّاد ينـظّر إليهم ، لقـدّ سـهر البـّارحة فـّي مكـّتبه و لمّ يـّعد إلا صـّباحـّا من أجـّل عـّادات الجـدّ الذّي تنصّ
على تـّواجد أفـّراد العـائلة فيّ وجبـّة الصـّباح و المسـّاء ، قـّـال بـّحدة
ـ مـا شـأني أنـّا ؟ بـحّق الجـحيم هـّلا ..
أمسـكّ رأسه فـوّقف الجـدّ بيتـّر بقـّلق و كـذّلك إليـزابيث الـتّي تقـدّمت منهّ فوضـعت يـدّها على جـّبهته و التـّي
سّارع نـّأيت بإبعـادّها ، قـّال بهـدوء
ـ عـذّرا .
ثـمّ رحـّل مبتعـدا

/

أمسكـّت فـلور بـّعلبة القـّهوة الفـّارغة ثـمّ نـّظرت إلى تـّلك المـّياه التـّي وضـّعتهـّا في وعـاء على المـّوقد المشـّتعل ،
زمـّت شـّفتيهـّا بـغّيض و قـّامت بـّرمي العـّلبة لتـّخرج الحـّليب من الثـّلاجة و تـّشربه لكـّن لم تـجدّ قطـّرة واحـدّة فيه ،
شـتمـّت بانزعاج و جـّلست عـلى المنـضدة قـائلة بأسى
ـ أن تـكونّ فقـيرا لهو أمـّر مـزعجّ بكـل تـأكيدّ ، يـا تـرى هـل مـاري و بـزواجهـّا من ذّلك المتـّعجرف هـّل يـا تـرى تخـّلصت
من هـذه الأشيـاء المـزعجـة ؟
تـقدّم والدّها و جـّلس على الكـّرسي حـّاملا بينّ يديه جـّريدة يـّقرأ العـّناوين ، قـّال باهتمام نـاحية فـلور التي تحـدّث
نفسهـا
ـ مـّاهي هـذه الأشياء ؟
استـدارت فـلور لوالدّهـاّ ، كـّانت بنـيته ضـّعيفة و قـدّ فقدّ قـليّل من الـوزّن ربما لكثرة التفكير بأمورهـمّ التي رفّضت أن
تعـتدّل ، قـالت فجـأة
ـ أبّي سـأذهـب لتـحدث مع مـاري ، أظن أن زواجـهّا من ذّلك الرجل خـطأ عـظيمّ و لابدّ لنـّا من جـّعلهـا تـدّرك هـذا
جيـدّا
تنهـد سيدّ جوناثان ثـمّ قـال بـلهجة غـير قـابلة لنـقاش
ـ حسنـّا أذهبي ، لكـّن و بـّخروجكّ من هـذا الـبيت تـأكدي أنكّ لن تـّعودي إليه أبـدا
وقفّ و وضـّع الجـّريدة جـّانبـّا بقـّوة على الطـّاولة ثـمّ استـدار مـّبتعـدا و هو يقـّول بـحـدّة
ـ إّن تـحّديث عنّ تلك الـوضيـعة ممـّنوع .
بـّعد رحيـله إرتـدّت فـلور معـطّفها و هي تـّعلق بـكّل بـّرود على كلمـّات والدّها الصـّارمة ثـمّ خـّرجت من المنـزلّ ،
إلى العـمـّل و فـكّرة زيـارة مـّاري لا تـّزال تـّدور بـرأسهـّا

/

فّي منـّزل مخـّتلف عنّ عـائـلة غـلوري المـحطـّمة و المتشتتة أو قـّصر الكـّبير لأفـرادّ عـائلة ال لبيـر المـّالكة و التّي
يسـّعى أفـّرادهـا نـحو الثـّروة ، هـذّا المنـّزل كـّان متـّوسط الحـجّم يـّعم بالـدفء و الحـّنينّ لـكّنه عـلى وشـكّ التـّخلي
عن جميـّع هـذه الأحـّاسيس .
فـذّلك الشـّاب ذو الشـّعر الـبني كـّان يـّقف بـكّل خـزي و يتـحدّث بكـّل هدوء نـّاحية ذّلك الـرجّل الذّي يبـدوا فّي
منتـّصف الخـمّسين من العـمّر و الذّي كـّان الغـّضب قـدّ توصّل إلى أعماق أعـماق قـلبه فقـّال بـحدة و عصبيـة
ـ لقـدّ قـّلت لكّ أرحل و أنـا لن أعـيدّ كلامّي مـّرتين ، أرحل و أختفي من أمـّام وجـّهي لا أريدّ رؤيـتك و لا سمـّاع صـّوتك
حـّتى امسـّكته زوجـّته من ذّراعه و هّي تسـّحبه للجـّلوس على الأريكـّة كّي يـّهدأ أعـّصابه لكّن لا
يبـدوا أنّ ما تـّفعله يسّـاعد على الإطلاق ، قـّال آرثـّر بـغـّضب بـّعد أن سـأم من التـّوسل الذّي لا يـّفيده
ـ أنـّأ لمّ أخطـأ ، لمـّاذا بـّحق السمـاء أضـطر من الـزواجّ بـتـلّك القبيحة ذات اللسان الطويل
المـتّعجرفة و أنـّا آرثر غـلوري ؟
ـ و ما الخـطأ فّي ابنـة سيدّ روبـّرت ؟ ما الخـطأ بهـّا ؟ إنهـا أفـّضل منـكّ فهيّ تتـحمل مسـؤولية
أفعالها و لا تـّهرب من المصـّائب تـّزويجكّ إيـاها لكـّان من أعـظم الأخطـاء التي أوشكـّت على
القـيام بها
ـ ما الذّي تقـصده يـا والدي العـزيز ؟ هـلّ أنت تـّفضلها علي أنا أبنك الوحيـدّ ؟
وقفّ سيد روي غـّلوري بـّعصبية ثـمّ أمسكّ آرثر من يـّاقته و هو يقـّول بـّصراخ حـّاد جـّعل زوجـّته تـّرتجـّف
ـ أيهـّا الابن العـّاق عـديم الفـائدة ، أرأيـّت الـصّور التي أرّسلت إلى صـدّيقي جـّونـاثان ؟ أتـّلك صـّور
يفـّترض بي أن أفتـّخر بهـا ؟ و أنا الذّي كـنت أمتـدحه أمـّامك يـّال العـّار الذي ألّحق بي يـال العـّار ،
ابنـي مـّع لّيس فتاة واحـدّة و إنمـّا العـشرات
ـ لقدّ قـّلت لكّ أنهمّ مـجّرد صدّيقـّات فـّلماذا تـّكبـّر المـّوضوع ؟
ـ سحقـا لا أريدّ سمـاع أعـذارك الواهيةّ ، لا تـعد إلى هـذا المنـزل إلا و أنت نـّادم على ما فـعلته ،
قطـّب آرثـر بغّضب ثمّ صـّعد السـّلالم متـفّاديـّا أخته كلـير الواقفـّة بصـّدمة ، إتجـه إلى غـّرفته و أخـّرج جميـّع ثيـّابه
ثمّ وضـّعها في الحقـّيبة و حمـّل حـّاسوبه النقـّال مـّع كـّتبه ثمّ سـّارع بالذهاب و هو يستمـّع لمـحات من
نقاش والدّته مع روي فـّأغلق البـاب خـّلفه بكل قـّوة معـّلنا أنـّه لنّ يـعود موجـودا بينّ أفراد أسرته بـعد الآن
ـ ما الذّي تفعله روّي ؟ هل ستـسمح لابننا الوحيد أن يـّغادر هـكذا بـينما أنت تـنـظر إليه ؟ هل قسي قـّلبك على
أبنائك ؟
تنـهدّ روي ثـمّ مسـّح دموع زوجـّته المنهـّارة قائلا بحـنان
ـ عــزيزتيّ أنـا لا أقـسو عليه ، أنـّا فقط أحـاول أن أرشده لـطّريق الصـّحيح ، لقدّ أصبحّ غـّير مبـّاليّا لمـّا حـوله و
لا يـهتمّ سوى لمـتّعته الخاصة ، أريدّه أن يّصبح رجـّلا نـاضجـّا
ـ لكن ليس بهذه الطريقة روي ، أنا لا أريد لابني أن يبتعد عني
ـ أنـا أعلم عـزيزتي ، لكنـكّ رأيت تـّلك الصـّور المشينة و رأيت أيضـّا تـّصرفه اللامـباليّ حـّول الأمـّر
و عـّدم اعتذاره لّي و رفّضه طـّلب الصفّح من سيدّ جوناثان ، هـّل تظنين أنّ هـذا لائق ؟
تنهـدّت سيدّة تينـا ثـمّ أومـأت بالنـفي و غـادّرت إلى المـّطبخ لكّي تـحّضر القـليل من الشـّاي كّي يـعدّل
أعصـّاب زوجها و تـّطلب منه مجددا إعـادة آرثـر إلى المنـزل ، حـّـتى لو كـان مخـطئ و حـّـتى لو أنّ
طريقته في العـّيش مستهترة و مليئة بالأخطـاء لكنه يبـّقى ابنها و لنّ تـّسمح بـّرحيله عنها

/

بـّعد انتهـاء المحـّاضرة غـّادرت مـاري القـّاعة متـّجهة إلى المـّطعم ، و كـّانت هـذا مـّجرد روتيـّن
عـّادي لحـّياتهـّا الـيوميـّة لكـّن مـّؤخـّرا ، روتينـّها الذّي اعـّتادت عليهّ بدأ بالتـّغير تـّدريجـّيا .
فـّي طـّريقهـّا نـحّو المـطّعم وجـدّت كليـّر غـلوري تـّقف أمـّامها مـّانعة إيـّاها من الـتقدّم و وجـّهها
محتـّقن بالغـّضب و
السـخطّ ، عـّلى غـّير عـّادة كليـّر فهيّ لم تهتمّ اليـوم بـأناقتهـّا و لا اشـّراقتهـّا الدائـّمة ، تـّوقفت عن
السـّير ثمّ رسمـّـت ابتسـامة لـطّيفة على شفتيهـّا و هي تـّّرحب بكـّلير بصـّدر رحـبّ
ـ صـّباح الـخيّر كـّلير ، لـما لمّ تـأتي بـاكـّرا لقدّ كـّانت مـحاضـّرة أستـاذّ مـاثيوّ جميـّلة جـدّا
أمسـكـّتها كـليّر من يـّاقتهـّا فـتفـاجـأت مـّاري لكّن لمّ تـبعدّ يدها ، صـّرخت كليـّر في وجههـّا بكـّل عـّصبية
ـ أتـدّعين الجـهّل أم مـاذا ؟ أحـٌّقا لا تـّعلمين السبب ؟
سـّقطـّـت كـّتب مـّاري على الأرّض عنـدّما تـّلقت صـّفعة قـّوية من كـّلير جـّعلتها تـّرتد ّ إلى الخـّلف ،
فإجـّتمع الطـّلاب حـّولهمّ و هو ينـّظرون بـّفضـّول بينمـّا قـّالت مـاري بـّتوتّر
ـ ما الذّي تقـّصديه ؟ أنـّأ لم أفـّعل شيئا ثمّ يـجّدر بـكّ الاعـتذار
كادت أن تـّنقض عليهـّا كليـّر لكـّنهـّا أحكمـّت على قبّضتهـّا محـّاولة السيـطّرة على أعـّصابهـّا
و هـّي تـّقول بحـدّة
ـ لقـدّ قـّلت لكّ مـّسبقـّا و بـوضـّوح أنّ أخـّي لا يـريدّ الـزواجّ بـأختـكّ أليّس كذلك ؟ و طـلبت منكّ
و بـّوضوحّ شديدّ أن تـّحاولي إيجـّاد حـّل لذّلك العـّقد السـّخيف لكـّن ما الذّي بحـّق الجـحيمّ فـّعلته ؟
لمـاذّا أرسلـّـت تـّلك الصـّور إلى والدّي ؟ ألا تـّعلمين أنه طـّرد آرثر بـسببّ أختـكّ المتـّرصدة
المـجنونة ؟
تنهـدّت مـارّي و هي تـحـّاول استيعاب كلمـّات كليـّر فقالت بـهدوء
ـ أنـّا حقـّأ لا أعـّلم عن مـاذا تتحـدّثين ؟ ثـمّ لا تـّقولي عن أختـّي أنهـاّ متـّرصدة أنـتّ تـّعلمين جيدا
أن لا عـلاقة لهـّا بالأمـّر و كلّ هـذّأ بسبب الـدّين
ـ أرجـّوك لا تـّرتدّي قـّناع الحمـلّ الـودّيع فـكلّنا نـّعلم عن دناءتك ، نـّعلمّ أنّك تـّبتزينّ نايت إل لبير
كّي تصّبحي خـطّيبته
كمـّا أعـّلم أنّ أخـتكّ المجنونة تسـعى لنيـّل من أخيّ بـعدّ أن رفَّض اعترافها منـذّ سنين و نـّعلم
أيضّا أنـّا والدّك مقـّامر كبيـّر يحـّاول التّخلص من ديّونه عبـّر بّيع بناته كمـّا لو كـأنهنّ سـافلات ،
قـطّبت مـّاري ثـمّ انـحنت لتـّجمع كـّتبهـّا غـّير مبـّالية لثـّورة غـّضب كليـّر لكـّن الأخيـّرة لنّ يشفع
لهـا الكيـّل إلا عنـدّما يـّعود أخيهـّا الحـّبيب إلى المنـزّل و لسببّ مـّا تـّظن أنّ من صـّنع هذه
المشـّكلة يستـطّيع حلـّها ، و لأنّ المشـكّلة من صـّنع عـّائلة روبـّرت فّهم من يستـطّيعون حّلهـّا ،
وقفـّت مـّاري ثـمّ قـّالت ببـّرود
ـ إذا أنهـّيت كـلامـكّ أنـّا مغـادرة
اتجـّهت إليهـا كليـّر و دّفعتهـّا مجددّا فسقطت الكـّتب مجـددّا ، ابتسمت ماري بـلطّف ثمّ قـّامت
بـدّفع كلـيّر و هي تـّقول بوداعة
ـ عـّزيزتي لا تـّضعي اللومّ على أختي من فـّضلك كمـّا لو كـأنّ أخيكّ مـّلاك خـّالي من الأخطـّاء
فـّهو زيـّر نسـاء و أخـّـتي لنّ تتّشرف بالـزواجّ منه فكـّما أنّ حـّبه فّي المـّاضي أكبر خطأ
صـّرخت كـّلير بـّعصبية ثمّ اندّفعت نـّاحية مـّاري فّي قـّتال شـّرس للفـّتيات ، حـّاول البـّعض التـّفرقة
بينهمّ و إبعادهما عن بّضعهما لكـّن و لمـّزاجّ كلـير الحـّاد فلمّ يستـطّع أحـدّ فعل شيء ،
شدّت كليـّر شعـّر ماري القـّصير بكـّل قّوة نـّازعة بّضعة خّصلات بينمـّا تحـّاول ماري الدّفاع عن
نفسهـّا و هّي تمسكّ كتفـّاي كليـّر مبعدّة إياها .
أخـذّ البعّض يلتقـطّ الصـّور و الفيديوهات بواسطة هواتفهم ، لكـّن فجـأة أتى شابين بعد أن طّفح الكيـّل
بهمّ و فـّرقوا بينهمـّا، أمسـكّ أحدّهم بمـاري و الأخر بكـّلير التّي تكـّاد تجّن قـالت بعصبية و هيّ في ذروة
غضبها
ـ أيتهـّا السـّافلة لا يكـّفيكّ اقتـّراضكّم منـّا المـّال بّل و تـّريدونّ التفـّرقة بيننـّا
لمّ تـّرد مـّاري و قدّ كـّانت في حـّالة مـّخزية جـدّا ، وجههـّا مليء بالخـدوّش و الدّم يسيـّل من شّفتيهـّا بينمـّا شـّعرها مبعثر
فّي كل اتجـّاه و فستـّانها الـّريفي البسيطّ قدّ مـّزق من الأكمـّام و الأسـّفل أيضـّا ، افلت ذّلك الرجـّل لأنهّ لم يـرى
داع من إمساكها فانحنـّت بهـدوء و هّي تقـّول بـّنبرة قـّريبة للبكـّاء
ـ أنـّا أسفه فعلا شديدّة الأسف لأننّي لا أستـطّيع فعـل شيء ، و لأن هـذّا قدّ حدّث بسبب عـائلتّي ،
أيمكنكمّ محـّو تلكّ الصّور و الفيـديوهات ؟ أنـّا لا أريدّ أن أسبب المشـاكّل لخطّيبي من فـّضلكم
ابتسمت كلـّير و نـّزعت هاتفّ أحـدّهم من يدّه ثمّ قـّالت بتـحدّي ناحية ماري
ـ أرى أنكّ خائفة من تسـّرب المـزيد من الاشـاعات حـّولك أليس كذلك ؟ إذّن مـا رأيكّ أن تقـومي بحـّل
تلك المشـكلة لّي و إلا ستـجدينهـّا في الصـّحف غـدّا
ارتبـكّت ماري و هيّ خائفة من ردّ فعل نايتّ ، فانحنـّت مجددّا و هيّ تـّقول بتوسّل و رجاء شديد
ـ أرجـّوا لا ، سـأفـّعل كل شيء سـأحـّاول لا بـّل سـأعيدّه فقطّ أرجوكّ لا تـّدعي هـذا يّصل إلى الإعلام
فجـأة و وسطّ هـذه الـضوضـّاء ، أتى منقذّها .. و الـّشخص الوحيـدّ الذّي تمـّتلكّه بـجّانبها ، كـّان يسيـّر
بـكّل كـّسل و لا يـّخلوا وجـّهه من نـّظرته السـّاخطة و الحـادّة في آن واحـدّ ، على فـمهّ ابتسـامة
سـّاخرة و يـّضع يدّيه فّي جّيب معـطّفه بكـّل ثقة و غـّرور ، مـلامحه المتعـّجرفة و الاستقـّراطية تـّلك
الذّي لا يمتـّاز بها أحدّ سـوى عـّائلة المالكة ، عـّائلة آل لبير
وّقف خـّلف مـّاري ثـمّ رفـّع مسـّتوى وجههـّا إليه ، ألجمت الصـدّمة لسـّانها فقـّال هو بحـدّة
ـ حـاذّري من انحنائك آنسة ماري فـّليس الكـّل يـّفـّهم سّببه ،
تمـّتمت مـاري بـدّهشة
ـ مـا مـا ما الذّي تفعله هنـّا ؟
ابتسمّ نايت بسـخّرية شديدّة ثمّ رفـّع يدّه فـأتى العـّديد من رجـّال يـّرتدون بذّلة سوداء لّيسرعوا نـّاحية
أولائكّ الشبـّاب و الفتيات اللواتي يـّحملونّ هواتفهمّ النقـّالة و قـّاموا بنـّزعها مـّع حـذّف جميـّع ما حدّث
، و إمسـّاكهمّ كيّ لا يهـّربوا .
وضـّع نـّايت رأسه على كـّتف مـّاري و ذّراعيه حـّولهـّا ، مبتسمـّا بكـّل بـّرود و هو ينـّظر إلى كـلير التّي
لا تـّزال واقفة فّي مكـّانها مندهشة ممـّا يحدّث حولهـّا و كّيف قدّ تـّغيرت الأحوال فّي ظرف ثـّانية ، قـّال بـضجـّر
ـ هـّل أنت لا تقرئين الصـّحف ؟ ألمّ أنكّ لا تـّشاهدين التلفـّاز ؟ أولمّ تـّعلمي أنّ هـذه الآنسة الواقفة هنـّا
أمـّامكّ هي خـطّيبتي ؟
تـّلعثمت كليرّ في كـّلامهـّا و حـّاولت الردّ لكـّن رّمقهـّا بنظّرة متـّعالية خطيـّرة و مـحذّرة ، أكـّمل حـدّيثه بـبـّرود
ـ و بمـّا أنّها خـطّيبتي فهي تعّتبر فـّردا من عـائلة آل لبّير لذّا معـّاملتكّ الهمجيةّ و الحـّيوانيةّ هـذّه
لنّ يتـّم غّض النـظّر عـّنها بـّل كونّي واثقـّة أن هـذّا لن يـّعبر مجـّرى الريـّاح ، سـأحّرص على جـّعل
حيّاتكّ جحيمـّا لا يطـّاق و بّل ستتـمنين الانتحار سـّتصـّابين بالجـّنونّ و لأننّي فّي مزاجّ جيدّ فـأنّا أقوّل
لكّ إنّ لمّ تنحني و الآن و فـّورا راكـّعة على ركّبتيكّ لكّي تـطّلبي منهـا السمـّاح سـتـّصابينّ بكّل تـّلك
الأمور التّي قدّ سبّق و ذّكرتها
ارتجـّفت كـّلير من شدّة الصدّمة و سـقطّت على الأرّض كمـّا طّلب منهـّا و كـأنّ أوامرّه غـّير قـّابلة
للـّرفض ، تلعثمت و ألجم لسانها فحاولت ماري التّملص من ذّراعاي نايت لتجّعلها تّقف مجددّا لكنّ صـّوت نايت الهـّامس
جـّعلها تّرتجّف هي الأخرى
ـ كّوني طّفلة مّطيعة قـّبلّ أن أسحـّقكّ الآنّ ،
كـّيف لها أن تتـّركها و هّي كـّانت بمـّكانهـّا و شـّعرت تمـّاما بأحـّاسيسهـّا في هـذه اللـحظة ،
أن تـنحني بكـّل ذلّ ،عـّقدت العّـّزم و أفلتت من ذّراعيه ثمّ اتجهت إلى كليرّ و جّلست مّثلها ، قـّالت بابتسـامة متـّوترة و لطّيفة
ـ أنـّا آسفة لمـّا حدّث لأخيكّ بّسببنـّا لكـّن أرجـّوكّ لا تـّدعي الحّقد يـّعمي طـّريقكّ فـّكلانـّا متشـّابهتينّ ،
جميـّعنا نـّهتمّ لأفـّرادّ عائلتنـّا و كلانـّا نـّحاول أنّ نبقيهـّا متـّماسكة لذّا أرجـّوكّ لا تسيئي الـظّن
قـطّب نـّايت ثمّ إتجـّه إلى مـّاري و رفـّعها عن الأرّض لتـّقف على قدّميهـّا ، قـّال ببـّرود و نبـّرة
مـحـذّرة لمّ يلمحـّها سواها
ـ دّعكّ من محـّاولاتّ كيـّوبيدّ الفـّاشلة في زّرع الحـّب و دّعينـّا نـّغادّر لقدّ تـأخـّرنا بمـّا فيه الكفـاية
أجـّابته مــّاري بانصياع تـامّ ،
ـ حسنـّا ،
استـدار نـّاحية كليّر الـّتي قدّ شـّقت دّموعها خـطـّا رقّيقـّا على خـدّها ، ابتسمّ بسخـّرية ثـمّ قـال ببـّرود
ـ لنّ أنسى هـذّا ،
أمسكّ مـّاري من ذّراعهـّا و سحّبها مـّعه بينمـّا تـكّفل أولائكّ الـرجال بجميـّع الطـّلاب الذّين رأوا
الحـادّثة و جـّعـّلهمّ يصـّمتون للأبدّ بـطّريقته الخـّاصة و بـعدّ أنّ صـعد نـّايت و مـّاري فّي سيـّارته
خـّلف رجـّاله فّي سيـّاراتهمّ ربـّاعية الدّفع كبيـّرة الحـجمّ ،
جـّلست مـاري بكـّل تـّوتر في المقـّعد الأمـّامي بـّجانبه ، كـّان وجـّهها شـّاحبـّا و مـّلابّسها رثـّة كمـّا
أنهّ تـوجدّ بـّضعة قـطّرات دّماء تسيـّل من شفتيهـّا أمـّا عن حـّال قـّلبهـّا فـّكان مّضطّربـّا بشدّة و تنفّسها
أصبّح مسـّموعـّا خـّائفة بّل مـّرتعبة منّ نـّايت ، قـّالت بارتباك
ـ أنـّا آسفة فـّعلا بـّل لا أنـّا شديدة الأسـّف أنـّا
ـ أغـّلقي فـّمكّ
نفـذّت الأمـّر بدون تـّرددّ لبـّضعة دقّائقّ ثـمّ قـالت بتسـاؤلّ لا يـّخفوا من التـّوتر و قد نسيت تماما أمر
الرسالة التي أرسلتها
ـ نـايت لمـاذا أتيت ؟ لّيس كمـّا لو كـأن وجـّودكّ غـّير مّرحب بـّه بّل بالعـّكّس أنـا أتمنى أنّ تكونّ
حـّولي دومـّا ، لّيس بـهذه الـطّريقة أعنـّي أننـّي تفـاجـأت .. أجـّل هـذه هي الكلمة
ضـحكـّت فـرمّقها بـحدّة أكمـّلت حدّيثهـّا و الذّنب قدّ طـّغى على كيـّانها بـأكمـّله ، أنّ تـجّعل نـّايت فـّي
ورطـّة و أن تسببّ الشـائعات لهّ لهو أمـّر لن تـسـّامح نفسها على فـّعله
ـ أنـّا لم أقصدّ ذّلك يـّا نايتّ ، أنـّا فـّعلا لمّ أكنّ أعـّلم عنّ مـاذا تتـحدّث هي بالضـبطّ و فجـأة وجـدّت
نفّسي على الأرض فيّ عـّراكّ معهـّا و الكّل يّصور مـّا حدّث ، و أنـّا ممـّتنة لوجـّودكّ في تلكّ اللحـّظة و
إنقـاذّك لّي لا بـل أنـّا شديدة الامتنان لكّن ما طّلبت من كليـّر فـّعله شيء أنـّا اختبرته و أن تـّكون هي
فيّ موقـّفي ، لمّ أردّ ذلكّ .. لّيس بهـذه الـطّريقة تـّحل الأمور
لمّ يـّلتفت نـّاحيتهـّا قطّ كـأنهّ لم يسمـّعها أو أنّ صوتها لمّ يصّله ، فقـّالت له بـّرجاء و هيّ تضّع
يدّيها أمـّامه
ـ أنـا فـعلا لمّ أقصدّ هـذّا ، أنـا آسفة نايت أرجواكّ قـّل شيئا
أوّقف السيـّارة جـّانبـّا بـطّريقة خـطّيرة جـّعلتهـّا تدّرك كمّ هو غـّاضبّ الآن و أنّ الـكّلام مـّعه فّي
هـذه اللـحظة يجـدّر به التـأجّيل فقـّال ببحـّة و حـدّة
ـ تـّقولينّ لّيس بـهذه الـطّريقة تـّحل الأمـّور ؟ إذّن مـّا الذّي كـّنت ستـّفعلينه إنّ لم أتي ؟ هـل كـّنت ستـّلعقينّ أحـذّيتهمّ
جميـّعا طـّلبّا لمـحوّ الـصـّور ؟
شـّعرت بّشـّيء حـادّ يـّغرزّ في قـّلبهـّا كمـّا لو كـأنهّ خنـجّر ، بدأت دّموعهـّا فّي السقـّوطّ أنّ يجـّعلها بـهذا
الانـحطـّاط لأمـّر موجـّع لحـدّ الثّمالة و مّـؤلمّ لدّرجة الهلوسة ، فقـّال ببـرودّ و هو يـّلف وجهه للجـّهة
الأخرى
ـ إنّ كنت مـّعتادة على القيـّام بمُّثل هـذه التّصرفات سـّابقّا فأنسيها لأنكّ خطيبتي الآن ، و لا أّريدّ مّثل هـذه
السلوكيات المشينة و المـذّلة و المنـحطة
مسحّت مـّاري دّموعهـّا بانكسار شديدّ ثمّ قـّالت
ـ أنـّا أسـّـ
قـّاطـّعها صـّارخـّا بحدة و هو يـّلكـّم المقـّودّ بكّل مـّا يمتلكّ من قـّوة جّعلتها تـّجفّل عدة مـّرات
ـ لا تـعتـذّري سحقـّا، لا تـّعتذّري
شـّحب وجههـّا كما لو كـأن الـدّم قدّ سحّب منهّ بـّل كـما لو كـأنهـّا رأتّ شبـحّا حـّولهـّا ،
أنّ يصـّرخ نـّايت البـّارد و الهـادّئ عـّليهـّا فـّلابدّ أن طّفحّ به الكـّيل منهـّا ، أنّ تّضعـّه دّومـّا فّي مواقفّ
صّعبة ، لابدّ أنهّ يـتمنى الآن لو أنهّ لمّ يقّابلهـّا و لمّ يـّعرفهـّا في حيـّاته قطّ ، استـدّار عـائدّا أخـذّا إياها
إلى منـّزلهـّا الصغير



JAN 03-09-2020 10:55 PM


أسهمّ كيّــّوبيـدّ العـّالقة



صبـّاح يـّوم المـّواليّ ، كعّادة إليـزابيّث استقضت بـّاكّرا و أخـذّت حمـّاما منـعشـّا ثمّ ارتدت فستـّانا جميـّل
من تصـّميمّ شـانيل ثـمّ وضـعّت كريمـّات على بّشرتهـّا المـّائلة لسـّمرة طّبيعية ، بـّعد كـّل هـذّا إتجـّهت إلى
ذّلك السـرير حيّث يـّنامّ زوجـّها و رّبتت على كـّتفه بـكّل حنـّانّ ثـّم همسـّت فّي أذّنه بـّصّوت رقـّيق أنثوي
مـّثير
ـ عـّزيزي استيقّظ حـّان مـّوعدّ ذّهابكّ إلى العمـّل
ـ دّعيني أنـّام قـّليلا فقطّ ،
ـ لا أستطـّيع فإنّ أردّنـّا سّحق نايّت يجّب علينـّا العمـّل بجـدّ ، ألّيس كذّلك ؟
زفـّر كـّايلّ بـغـّيض و وقفّ متجـّها بخـطّوات متـّكاّسلة كيّ يـغّسل وجـّهه أو مهمـّا كـّان ، لقدّ كـّان الجـّو
جميـّلا و المـزاجّ رائـّعـّا فقطّ لو لمّ تذّكـّر اسمّ نايتّ على لسـّانها ، تبّا كمّ سـّيرتهّ تـّلهب النـّيرانّ فيّ قـّلبه
لمـّا يجبّ عليـّه العمـّل دومـّا ؟ و لمـّا يجّب عليهـّا مـّقـّارنتهّ به دومـّا ؟
تنهدّ و رشّ المّياه على وّجهه مـّراراّ كيّ يستفيّق جيـدّا ، حسـّنا ما منّ مـّفر فإنّ أرادّ كّسب ثـّقة جـدّه و
أعضـّاء مجـّلسّ الإدّارة فـّسوفّ يـّحصّل على المنـّصبّ منّ بـّعد جـدّه ، و إنّ أرادّ أن يّفعل ذلكّ يجبّ عليهّ
أن يبـّعدّ ذلكّ الوغدّ من طـّريقه

/

فيّ أحدى ضـّواحي لنـدّن مـدّينة الضـّبابّ ، حيـّث يـّوجدّ ذلك المـّبنى عـّتيق الـطّراز منّذ الـخمّسينيـّاتّ كـّانتّ
ضـّجة تـّصدر منهّ بـكلّ فـّوضى فـمـّا إنّ مـّر شّخص من أمامهّ حـّتى أعـّربّ عن استغـّرابهّ ، فـكيّف يّكون
هـذّا الضجيجّ و جميـّع سكـّانه كبـّار و الآهمّ أن مـّالكته سيدّة فرانسيسّ إمرأة المـّجتمع الـّراقية
لكـّن كيـّف لراحـّة و أنّ يـّعرف المبنّى أبـّوابها حينّ تكونّ مـّاريّ تعـّيش فيه، تـّلك الشّابة ذّات عشـّرين و
تصـّرفاتّ طـّفلة فيّ العـّاشرة منّ عـّمرها فقدّ كـّانتّ تتكئ على بـّابّ شّقتها و تـعـّقد ذّراعيهّا إلى صـّدرها
رافّضة فـكرّة إدّخالّ أيّ أحدّ
بينمـّا و فيّ الجـّهة المقـّابلة كـّان ويـّليام دّويلّ جـّارها يّضع يـّدّق الجـّرسّ بشكـّل مستمـّر و بجـّانبه يـّوجدّ
نـّايت ذّو المـّلامح الـحادة و الوجـّه الشـّاحبّ فـّبعدّ معـّرفته مـّا حـدّث من قّبلّ نـّايتّ أرادّ أنّ يصـّلحّ
الـّوضـّع بينهمـّا فقـّال ويّليام بنبرته اللـطيّفة
ـ مـّاري عـزيزتيّ من فـّضلكّ دعينـّا نحـّل الأمرّ بـطّريقة سّلمية ، لقدّ أتى نايتّ خصّيصّا لـرؤيتكّ
رمـقهّ نايتّ بـحدّة ، كيّف لهّ أن يكـذّب و هو أمـّامه ؟ من أتى لـرؤية مـّن ؟ تنهـدّ بضجـّر و استنـدّ على
الجـدّار الذيّ خـّلفه بـكلّ إرهـّاق فّي الجـّانب الآخر كـّانت ماري جـّالسة فيّ الأرّض تضمّ ركبتيهـّا إلى
صدّرها و قدّ أحمر وجهها كـّاملّا كمـّا أنّ عينيهـّا منـّتفختينّ بشدّة و تـّظهر هـّالاتّ سوداء تحّت جّفنيهـّا ،
تّوجدّ أيضا بقّعة بّنفسجيةّ بخـدّها ، كـّان منـّظرها كمـّا لو كـأنّها شخّص قدّ رمي فّي منتصّف اللّيل من
حـّانة بـعدّ أن تسّبب في إزعـّاج الزبائنّ ، رّفضت أنّ تقابله لمنـّظرها الأليمّ أولاّ و لأنهّا خجلة من ماّ حـدّث
سـّابقّا ثّانيا ، قـّالت بّصوت عـّالي
ـ أعـّلم جيـدّا أنه لمّ يـأتي من أجلّي إنهّ غـّاضبّ مني
نـّظر ويّليامّ بـاستيـّاء كيّ يتسللّ الندّم إلى قـّلبهّ لكنّ نايت تجـّاهله تمـّاما و بـخـّطوات كـّسولة كـّاد أن
يـّرحلّ لولا ذّراع ويّليام التي رّفضت تـّركه فـّرد عليهاّ بنبرة سـّعيدةّ لا تـّلاءم المـّوقفّ تماماّ
ـ لاّ بـالطّبع لاّ إنهّ يشـّعر بالذّنب و قدّ آتى شّخصيـّا لرؤيتكّ و تأكد بـأنكّ بخير
ابتسّم نـّايت بّسخريةّ لاذّعة ، هو يّشعر بالذّنب ؟ فـتـّحدثّ بصّوته المـّبحوحّ الهـّادئ ذوّ لهـجّة متـّهكمة
ـ أجـّل جـدّا
فتحـّت سيدة فرانسيس بّاب شقتها و خـّرجت و قد كانّت تـرتدي معطّفا اسود اللون جميـّل و قبـعة لطّيفة
بنفّس اللونّ ، عندمـّا رأت كـّلا من سيدّ ويليام و سيدّ نايتّ يقفـّان خـارج شّقة مـاري تـّقدمت منهم بفّضول
ـ ما الأمـّر؟
ابتسمّ ويليـّام بلبـّاقة شديدّة محّييـا إياها ثـمّ قـّال بـلهجة مـّرحة و مشـّاكسة
ـ أحـّاول القيـّام بـدّور كيـّوبيدّ بينّ شجـّار المتحـّابين هـذّا ، لكّن لا أستطّيع أن أرمّي بسهمي إنّ كانت
مـاري ترفّض فتـحّ البـّاب ، أليس كذلك ؟
ضحكّت سيدّة فرانسيس ثمّ أخرّجت مفـتاّح الثـّاني لشـقة و سلمـّته إلى ويليـامّ ثـمّ قـّالت بنـّبرة لطـّيفة تحدّث
فيهـّا شابينّ و سـّرعان ما انقلبت إلى عّصبية بمجّرد توجيهها الكلام إلى ماري
ـ يـّاله من أمـّر نبيلّ تـّحاول القيـّام به ويـّليامّ لو لم أكـّن مستعجـّلة لدّعوتكم إلى فنجـّان شاي لكنّ للأسفّ
، مـــاري أيتهـا المتسـّولة حـّاولي الخـّروج من جـّحركّ ذلك قـّليلا و التسوقّ كيّ لا تـأتي إلينـّا فّي
منتصّف الليّل لتـطّلبي أشياء خيـّالية ،
ودّعتهما بلطّف ثمّ زمـّجرت بغّيض و رحـّلت بينمـّا تـّقدم ويـليامّ و فتحّ البـّاب بكـّل سهولة ، عندّما شـّعرت
ماري بالنورّ يتسلل إلى مخبـأهـّا قـّامت من أرضية المـطّبخ و طّلت برأسهـّا بـّاحثة عن النـّور لمـّا وجدّت
كـّلا الشـّابين يقـّفان أمـّامها ، صـّرخت بّرعب ثمّ كـادّت أن تسرع هاربة إلى غرفتهـّا لولا أنّ ويليـّام
أمسكـّها من خصّرها و ثّبتهـّا على كـّرسي ، قـّال بدّهشة و هو يـّنـظر إلى وجهها
ـ إنهـّا كالخـّريطة ، تـّبا أكل هـذّا من فـّعل تـلكّ الفتاة ؟
شّـعّرت مـّاريّ بالخـجّل و قدّ تـّوردّت وجنتيهـّا إحـّراجاّ ، فـقّامتّ بتـّغطيّة وجههاّ كمّ هوّ سّخيـّف مـّوقفهـّا
الآن لذّا صـّاحتّ
ـ لاّ
كتـّم ويّليامّ ضحكـّته ثمّ ردّ عليهاّ بكلّ خبـّث
ـ إذّن أهيّ من فـّعل نايت ؟ كـّنت أعّلم أنهّ مخيـّف لكّن ليسّ لهـذّا المستوىّ و أناّ الذيّ كنـّت أتساءل عن
سّبب عـّدم فـّتحكّ البـّاب
أومـأّت مـّاريّ نفيـّا ، ثمّ قـّالت بكلّ اندفاع و حمـّاس بينمـّا وقـّوف نـّايت إلى جـّانبّها لا يـّزالّ ثـّابتـّا فيّ
طيـّاتّ ذّكريـّاتها
ـ لا إطـّلاقّا بلّ هو منّ سـّاعدنيّ ليتـكّ رأيتّ ملامحّ زمـّلائيّ أقّسم أنّ قـّلوبهمّ قدّ تـّوقفت عنّ العـّمل لوهلـّة
، كـّان بمثـّابة فـّارسّ
صـّمتت بذّعر عنـدّما لمـّحتّ ابتسـّامة نـّايتّ السـّاخرة و كـّادّت أنّ تّرحلّ لولا إمسّاك ويّليامّ معصمهـّا
فـّجعلها تـّعودّ لتـّجلّس بمكـّانهاّ مـطّيعة ، قـّالّ بكلّ مـّرحّ
ـ نـّايت من فـّضلكّ هـّلا أحضـّرت ليّ علبـّة الإسـّعافّات الأولّية منّ شّقتي ؟ إنهّ فيّ الدّرجّ الثّانيّ بجـّانب
رحـّل نـّايت متمتّما ببّضعة شّتائمّ ، إنهّ يـّعلمّ تـّماماّ أيّن مـّكان العـّلبة لذّا لا داّعيّ لجميـّع هـذّا الشـّرح
المفّصل و فيّ حينّ خـّروجّه اختفت هـّالة المـّرح منّ حـّول ويّليامّ و قدّ أظهرتّ عينيهّ مـدّى قـّلقه الـشدّيدّ
و خـّوفه فـوضـّع يدّيهّ على وجّنتيّ مـّاريّ بكلّ لطـفّ و تـّحدثّ بـّلهجةّ هـّادئة خـّافتةّ و قـّلقة
ـ هـّل أنتّ بخير ؟
ضحكـّت مـّاريّ بخجـّل و وضـّعت يدّها على رأسهاّ بكلّ تـّوتر ثمّ ابتـّعدتّ قـّليلاّ عنهّ قـّائـّلة بّمرحّ و سـذّاجة
ـ بالطـّبع و لمـّا لا أكـّون بـّخير ؟ أنـّا بـأفّضل حـّال و أنـّا ممتـّنة فـّعلا لـوجودّ نـّايت فيّ تـّلك اللحـظّة فـّلولاهّ
لمـّا كـّنت أعـّلم لمـّا قدّ أّفـّعله لقدّ أنـّقذنيّ فـّعلاّ
تـّنهدّ ويّليامّ ثمّ أبـّعدّ يـدّيه ، كـّانّ بالفـّعل قّلقـّا فـّهي فـّتـّاة كـّالـزجـّاج تـّمامّا إنّ دّفعتّ انكسرت إلى أشّلاء و
لاّ شيءّ قدّ يـّعيدّها إلى طّبيعتهـا لذّا هو فـّعلا ممتّن لـوجودّ نايتّ فـّقـّال بـنبرة جـدّية
ـ مـّاريّ أنـّأ أعّلم جيـدّا أنّ كـّونكّ خـطّيبة نـّايتّ ليسّ بالسـّهل على الإطـّلاق و أعـّلم أنّ نـايتّ لّيس
بالشّخص اللـطّيف أبدّا الذّي قدّ يمـدّ يـّده لّيسـّاعدّ أحـدّا لكنّ من فّضلكّ هــّلا بـّقيت بجـّانبه ؟ هـّلا أكـّملت
هـذّه المـّسرحيةّ معـّه ؟
رمشّت باستغراب شديدّ منّ كـّلامهّ الغـّـّامض فّلما هيّ قـدّ تتـّخلى عنّ نـّايتّ ؟ ألّأجّل كـلامه ؟ بالطـّبع لاّ
فـّهي لّيستّ بجـّاحدة للمـّعروفّ و أيّضـّا هنـّاك شيّء أخـّر يمنعهّا من تـّركه ، لذّا أجـّابتّ بـّكلّ هـدوءّ و
جـدّية
ـ لنّ أرحـّل حتّى يطـّلب هو منيّ الابتعاد
قـطّب بكـّل استنـكـّار ، هيّ لا تفّـهمّه .. لا تفـّهمه على الإطـّلاقّ فّليسّ هـذّا مـّا يـّعنيه أبدّا ، أتّى نايتّ حـّاملا
العـّلبة بكلّ ضجّر ثمّ رمـّاها على وّيلّيام بكلّ بـّرودّ ، ليجّلس على الأريكـّة حيّنها رفّع ويّليام حـّاجبه
باستياء ، كيّف له أن يتصّرف بهذه الطـّريقة الفـّظيّعة بـّعد كل الذّي قـّاله ؟ لذّا حمـّل هاتفّه و تـّظاهرّ
بالـّرد قـّائّلا بكلّ سـّعادة
ـ حبّيبتيّ لقدّ كّنت فّي انتـظاّر اتصالك ، أنّا متـّفرغّ الآن ..
ثمّ وقفّ و هوّ ينـظرّ حوله ، على شـّفتيه ابتسـّامته المشـّهورة التيّ سـّحرتّ قّلوبّ الفتياّت ثمّ ذّهبّ
مسـّرعاّ بينمـّا زفّر نايتّ بغيضّ ، أوراّقه مكشـّوفة تماماّ لكنّ لنّ يّفعل ماّ يريدّ
بـّعد مّرور خمسّ دقّائقّ على رحيّل ويّّليام الّشخص الذيّ يّخلقّ جواّ من المـّرح و الـّراحة للجميـّع شدّت
ماّري قّبضتّيها بكلّ تّوتر ثمّ اقـّتربت منّ نـّايت مـتّرددّة و وقفـّت أمامه ، ثمّ أنزلّت رأسهاّ متـّجنبة احتـّكاكّ
نظّراتهماّ و همسـّت بـهدوء
ـ أنـّا آسفة ، لكـّننيّ هـكذّا .. أنـّا فـتّاة استغرقت ثّمانيةّ عشّر عـّاماّ كيّ تجمـّع الشجـّاعة الكـّافية لمغـّادرة
منـّزلهاّ و عـّامينّ لكيّ أسترجّع أختيّ لكنّ لمّ أستـطعّ ، أناّ ذلكّ النـّوع من فتيـّات اللواتّي يهربنّ عندّما
تتفـّاقمّ الصّعاّب من حـّولهنّ ، أنـّا جبّـانة و لستّ فخـّورة لقّول هـذاّ لكنّ هذّه هيّ أنـّا ، و بالـّرغم منّ
طبـّاعي المستأصلة فـأننيّ أحـّاول و بشـدةّ أن أكونّ قـّوية مثـّلك لا أهـاّب شّيئا ، أحـّاول بشدّة أنّ لا
أحـّرجكّ لذاّ أرجوّك أعـ
تنهـدّ ، كيّف هيّ تتجّنب نـظّراته و تنـزلّ رأسهـّا بكلّ ترددّ ؟ إنهّا بالفـّعل جّبانة و ضـّعيفة الشّخصية ، إتجـّه
إلى المـطبّخ و أحضّر علبةّ الإسعافات الأولية فـأشّار لهاّ بالجّلوس ، لتـطّيعه دونّ تـّردد ، فّردّ بـّهدوءّ لأولّ
مـّرة كـّان قدّ حـدّثهاّ بهذهّ النبرة الهـّادئةّ و بمـّزاجّ مـّعتدلّ سـّاكنّ
ـ لـّستّ أهـّابّ شيئـّا و إنمـّا أواجـّه مـّخاّوفيّ
وضـّع ضـمـادّات على شـّفتيهـّا و بالقـّرب من عينهـّا حّيث تّقع تـلكّ البّقعة البنفسجية ، لقدّ بـدّا مـّركزا و
بشدّة فّي عـّمله ، فقدّ كـّان يّضع تـلكّ الضمـادّة بـّرفق شدّيد على وجههـّا لذّلك تـّوقفت عن التنـّفس كّي لا
تـّزعجـّه ، إنتهـّى فـأخـذّت شـهيقـّا طـّويـّلا ثـمّ ضحكـّت و قـّالت بّفضولّ
ـ بالنسّبة ليّ فـأناّ أخـّاف والدّي أوّلا و الحشـّرات ، تجمـّع الناّس و الأماكنّ الضيـّقة و المرتفعة أيضـّا ،
ماذا عنكّ نايت ؟
ابتسمّ بهدوءّ و فـركّ المـّرهم على خـدّها، فـاحتدّت عينيهّ و ازداد غموضّهما فاستغـّربت مـّاري من تـّغّير
ملامـّحه ، ردّ ببـّرود يّشابه الصّقيعّ
ـ بّشر الذّين يعتـذّرون و الذّين يتـّظاهرون بالـطّيبة أنـّا أكـّرههمّ
لماذا قدّ يقول شيّئا مّثل هـذا ؟ بّشر الذّين يعتـذّرون ؟ شّهقتّ بذّعر و أمسكّـت يدّه بكلّ خوفّ ثمّ أشّارت
على نفسهـّا قّائلة
ـ أنـّا ؟
قّطبّ بإستنـكاّر منّ نـظّراتها التيّ تتـّوسل لهّ كيّ يّقول لا ؟ فنـزعّ يدّه من حضّنها بجـّهد و وقّف مستعـدّا
لرحيّل لكنهـّا سّارعت و سحّبته منّ قميصه فّاختـّل تّوازنه و سقطّ الاثنين أرضّا ، كـّحتّ ماّري محـّاولة
التنّفس بينماّ أمسكّ نايتّ رأسهّ بّكل ألمّ ،
فتحّت مـّاريّ عينيهّا بصدّمة عنـدّما رأتّ وجـّه نايتّ القـّريبّ منهـّا ، بينمّا فتحّ هو عينهّ اليمنى بكّل كسـّل ،
لمـّا و دومـّا عنـدّما يكونّ بجـّانبها تـّحدثّ أمورّ مثّل هـذّه ؟ لابدّ أنها الكـّارما أو شيّء من هـذّا القّبيل فردّ
بحـّقدّ على سـّؤالهاّ سـّابقّا
ـ أجـّل ،
ضحكـّـتّ بتوتّر ، إلى متـّى سوفّ تستمـّر بـّتّصرفّ هكـذّا ؟ يـّال الإحـّراج لكنّ ليسّ لدّيها تـّلك القـّوى
العّظيمة التّي تسمـّح لهاّ بإسـّقاطّ نايتّ لذّا وضـّع يدّها على جّبينه بـّعدماّ لاحـّظت تلكّ الهّالاتّ السّوداءّ
تحّت عينيه و التّي بالكـّاد ظـّاهرة ثمّ شـّهقتّ ، كـّان بـّارداّ كالجليدّ تمـّاماّ فـّقـّالت بـّقلقّ
ـ هل أنـّت مـّريّض ؟
شّتمّ بخـّفوت و هو يحـّاول الجـّلوسّ مـّبعدّا جسّده عنهـّا ، أيّ وضـّع هـذّا الذّي يتحـدّثان بهّ ؟ فّي حينّ أنّ
مـّاري لمّ تـّباّلي أبدّا و لمّ تـّحمرّ وجـّنتيها كـّعادّتها بلّ استقـّامتّ فّي جـّلستهاّ مستنـدّة على ركّبتيهّا كـّفتاة
مـطّيعة و انـحّنتّ قّليلّا ، يّاله منّ سـّخف فـّهو قدّ أتى منّ أجلّها لرؤيتهـّا و الاطمئنان عليهـّا بينماّ هيّ لمّ
تـّهتمّ أبدّا و أمـطّرته بـأسـئلتهاّ الغـّبية
ـ أنـّا أسّفة
أدّار وجّهه للجـّهة الأخرىّ ، ألمّ يـّقل لهّا أنهّ يكـّره الأشخـّاص الذّين يـّعتذرونّ أكثّر شيءّ في الـوجودّ
فـلماذا بـّحق السمـّاء هيّ تعتـذّر الآن لكنهاّ أكمـّلت حـدّيثها غـّير مبـّاليةّ بـتهجمّ مـّلامـحّه
ـ لقدّ أنقـذّتني سّابقّا و أناّ لم أقّل شكـّرا و لقدّ عـّالجتني و أناّ ثـّانية لمّ أقّل شكـّرا ، فّي الحـّقيقةّ نّـايتّ
أنـّا
قـاطّعهـّا بـّنبرتهّ المتـّهكمة و الـجـّاحدّة
ـ أجـّل و كـأننيّ أهتـمّ، دّعيناّ من الكـّلام فـّكلمّا تـّفوهتّ بـحّروف أكثّر كلمـّا وقّعت مصـّائّب أكثـّر
زمت مـاري شفتيها بانزعاج تام و لمّ تـّقل شيئـّا ، لطـّالمـّا كـّانت وحـيدّة فّي شقتهـّا حّيث تـّبقى هنـّا لأيـّام و
أسـّابيـّع دونّ لمحة من نـّور ، تـّبقى هنـّا لوحـدّها فتكـّتفي سيدّة فـّرانسيس بالاطمـّئنان عليهـّا أحيـّانـّا لكـّن
الآن و منـذّ أن دّخل نـّايت لحيـّاتهـّا لقدّ تـّغير كـّل شيء
لقدّ صـّارت تتحدّث أكـّثر ، تـّخرج أكثـّر و تبـّتسمّ أكثـّر .. قدّ لا يـّعلم هو لكّن ما قـدّمه لهـا أكثـّر ممـّا
يتخـّيله هو فكّيف تستـطّيع هي تـّركه بعـدّ كل هـذّا ؟ ويّليامّ لا يـّعلم فـّعلا ما الذّي يتحـدّث عنهّ ، ابتسـمتّ
بلطّف و صـّفقت بيدّيهاّ بمرحّ و فـّرحـّة ،
لاّ يـهـمّ إنّ كـّان والدّها يـّرفّضها و أختهـّا تخـّلت عنهـّا ، كـذّلك فـّعلت والّدتها .. لا يـّهم إنّ لمّ يكنّ لدّيها
أصدّقـّاء مـّادامّ نـّايت بـجـّانبها فـّهي سـعيدّة ، هـذّه اللحـظاّت التيّ يـّقضيـّانها مـّع بّعضهما فّي الحـدّيث أو
حتـّى فيّ الشجـّار بـالنسبةّ لهـّا
لا تـّقدرّ بثّمن
بينمـا كـّانت مـّاري منـّشغلة فّي الابتسـّام و التـّفكيّر كـانّ نـّايت قـدّ وقفّ و نفـّض الغـّبار عن مـّلابسه ثمّ
أحـّضر معـطّفها الأحمـّر الذّي دومـّا مـّا تـّرتدّيه و رمـّاه عليهـّا فـأمسكـّته بـّدهشة ليـتحـدّث بـّنبرة مـّاكرة
و خبيـّثة
ـ الآن دّعينـّا نـزورّ آل لبيـّر الأحبـّاء
يـّعيشّ البّعضّ فيّ الحيـّاة كـّعابّر سّبيلّ يـّسيـّر إلى حيّث تـّشير بـّوصلته أو إلى أينّ يـقـّول قـّلبه فـيّلتقيّ
بـأنـّـاس فيّ رحـّلتهّ ، أولائكّ النـّاسّ مخـّتلفونّ فيّ أرائـّهمّ و بتصـّرفاتهمّ ، لا يستـطيّع التنبؤ بتـحركـّاتهم ،

/

كـّان سيدّ رويّ يجـّلس منكسّا على كـّرسيهّ واضـّعا رأسه بينّ ذّراعيهّ و قدّ أهلكهّ التفـكيّر و أتـّعبهّ ،
فقـدّ كـّان يـّنـظرّ إلى شـّاشة الحـّاسوبّ حيثّ قدّ ظهـّرتّ فيهّ ابنته المحبّوبة كلّير تـّقومّ و بكلّ غـّباءّ فيّ لوم
مـّاري على أخـطاّئه هو
كيـّف لهـّا أنّ تكونّ بهـذّا السـّخف ؟ فمـّا دّخل مـّاريّ في طـّرده لآرثر ؟ إنهـّا مـّجردّ فتاةّ ضـّعيفةّ لا تـّقدّر
على إيذّاء نـملّة، كمّ هو متـّعب فـّعلا تـّربية أبّنائه
فـّرفعّ عينيهّ العـّسليتيـّن نـّاحيةّ ذّلك الـرجّل ذوّ العـّضلاتّ ، كـّان أسّمر البّشرة و ذّو شـّعر أسودّ مـّبعّثر
يـّرتدّي بذّلة عـّمل رّسمية ، فقـّال لهّ سيدّ رويّ بـّهدوءّ
ـ أنـّا لا أعّلم كـّيفّ أعتـذّر ، رجـّاء أوصـّل أسّفي الشديدّ إلى سيدّ نـّـايتّ لبيّر و أخـّبره أنّ هـذّا التصـّرف
لنّ يّمر بـّسهولة سـأحرّص على معـّاقبتها
انحنـى فـّرانسوّا اليـدّ اليمنـّى لنايتّ بكلّ لـّباقةّ ثمّ عـّادّ للـوقّوف باستقامة ، تـّحدّث بـّنبرة هـّادئة مبـّحوحـّة
ـ أرجـّوا أنّ تتـّحكمّ فيّ سّلوك أطفّالك أكّثر لأنّ سيدّي قدّ غـّض البّصر هـذّه المـّرة فقطّ لاحــّترامه الشديدّ
لكّ
أومـأ سيدّ رويّ بكلّ خـجلّ و إحـّراجّ متـّوعدّا فيّ دّاخله على أنّ تنـّال كلّير تمّاما مـّا تـّستحـّقه ، كيـّف لهـّا
أن تتـجـرأ على العـّبثّ مـّع مـاري و هيّ الآن خـطّيبة ذّلك الشيطّان ؟ طـّوالّ سنـّوات عـّمله حـّاول تـّجنبّ
قدّر المستـطّاع الاحتـّكاكّ به لكنّ خّـربتّ ابنته كلّ شيء ، ألا تـّعلمّ ما الذّي هـّو قـّادر على فـّعله ؟
فجـأةّ تـذّكر صـّور آرثرّ ، تـّلك الـّصور التيّ كـادّت أن تسببّ لهّ بـأزمـّة قـّلبيةّ أو ربمـّا بالمـّوت حـّتى فـّرفّع
عينيه سّريـّعا إلى فـّرانسوا الذّي قدّ تـأهبّ لرحيـّل و قـّال بـّصدّمة
ـ أيـّعقل أنكمّ أنتمّ من أرسـّلتمّ تـّلك الصـّور إلى سيدّ جـّونـّاثان ؟ والدّ مـّاري ؟
ابتسـمّ فـّرانسوّا ببـّرودّ مخـّيفّ ، أليسّ ذّلك واضحـّا و جـّاليا للعـيّان ؟ فــأخذّ ذلكّ الحـّاسوبّ من مـكّتب
رويّ و وضـّعه فيّ حـّقيبتهّ ليـّرد عليهّ
ـ تـّلكّ كـّانتّ مجـّردّ ملاحـظّة بسيـطّة كيّ لا تـّعبثّوا مـّع آنستنـّا الصـّغيرة، ... يومـّا هنيـّئاّ سيدّي

/

وضـّعت تلكّ الشـّابة ذّات الشـّعر الأحمـّر الطـّويل يدّيهـّا على ركّبتيهـّا و هي تلهثّ منّ شدّة التـّعب و تنـّظر
نـحو تلكّ البنـّاية البالية و التي تشّبه منـّزلهمّ في دّرجة القدّم ،
تـرتدّي معطـّفا و وشـّاحـّا مع نـظّارتينّ تـغـطّي فيهـا مـّلامحـّها و كّي لا ينتبه لهـّا أحدّ، لكّنّ هي لا تـّعلم
و أنها و بارتدائها لمثّل هـذه المـّلابّس فهي تـّجذّب الشكوكّ من حـّولها،
اختبأت خـّلف الجـدّار جيدّا عنـدّمـّا لمحـّت شـّابا طـّويلا ذو شـّعر أشـّقر يـّخرج من المبـّنى ، وقّف فّي
الأسفـّل و وضـّع سمـّاعات على أذّنيه ثمّ شـّغل المـّوسيقى بـّصوت مرتـّفع ، همسـّت الفـتاة بـّغيض
ـ ويـّليـامّ دّويـّل ، الرجـّل الذّي يتدّخل فّيما لا يـّعنيه دومـّا ، ما الذّي يـّفعله شخّص مثله هنـّا ؟ ظننته من
المشـّاهيـّر .
مـّر فتى صـّغير أمـّامهـا يـرتدي الزى المـّدرسي و يـأكّل حـّلوى فـأمسكـّـته من يـّاقته ليندّّهش ، كـادّ أن
يصّرخ لولا أنهـّا قـّالت بغيض
ـ هششش أنـّا لن أختطّفك ، اسمـّع أريدّ منكّ أن تخـبّرني ما الذّي يـّفعله ذّلك الشـّاب هنـّا ؟ أتعرفه ؟
نـظّر الفتى إلى ويـليـامّ المنـدّمج مع الأغنية ، ثمّ عـّاد بـعينيه نـّاحية فـّلور و قـّال بـمـّلل
ـ أنـّت هي المـرأة العـّاشرة التي تـأتي لتسـأل عنه لكـّن أؤكـدّ لكّ أنه لنّ يهتمّ بكّ فـقدّ سبّق و أتت
له نسـاء أجـّمل منكّ و رفّضهن ،
قطّبت فـّلور بـّعصبية شدّيدة ثمّ قـّالت بـعنّف و هي تـّهزه يمينـّا و شمـّالا
ـ و لمـاذّا أهتمّ بأخرّق مثله ؟ أتـظنني بتـلكّ البـّلاهة و الغـّباء لأقّع فّي حّب متعجّرف مثله ؟ لا يـّعقل ،
هـّل أنت تـظن أنني مـتّرصدة ؟
زّّفر الفـتى بـّغيّض و قدّ بدأ رأسه بالدّورانّ فـنـّزع يدّيهـّا عن يـّاقته و نـّفضّ ملابّسه باهتمام شديدّ قـّائـّلا
ـ لا أعـلمّ لست أنا من يسـأل عنه يا آنسة
شـّتمتّ فـلور بـّغضب بـعدّها رسمـّت ابتسـامة لطّيفة مصـطّنعة على شفتيهـّا و هي تـّربت على كـتّف الفتى
ـ حسنـّا شكـّرا لكّ على لا شيء ، سـؤال أخـّير لكّ هـّل لا زاّلت مـاّري روبـّرت تعّيش هنـّا بهـذا المـبنى ؟
ـ أجـّل فّي الطـّابقّ الثّاني أظّن الشـّقة الأولى على الـيمينّ ، أتعرفينها يـا آنسة ؟
دّفعته جـّانبـّا و هيّ تـّقول له بغيّض بينمـاّ عينيهـّا مركزتين على ويـّليام
ـ و ما شـأنك أنت ؟ أليّس لدّيك مـدّرسة ؟
قـطّب الفتى و رحـّل تـّاركـّا إياها، بينمـّا هنـاكّ شيء وحيـدّ فّي بـاله .. لمـاذّا سكـّان هـذا الـحّي بـهذه
الغـّرابة ؟ و لمـّا هو لا يـزال يـّعيش هنـّا ؟ و لمـّا جميـّعا يمسكونه هو ليـسألونه عـّوض أصدّقاءه ؟ لقدّ
فكّر جدّيـّا فّي كسّب بـّعض المـّال مقـّابل سردّ القـّليل من المعـّلومات عن جيـّرانه ، أنّ يكونّ مخبـّرا فّي
هـذّا الحيّ لأمرّ ممتـّع
تنهـدّت بـّغيّض ثمّ سـّارت عـائدّة لأن وجـودّه قدّ يـّعرقلّ خطّتهـّا ، لا بـأس سـتّعودّ مجددّا عندمـّا لا يـكون
ويـليـام هنـّا

/

فّي مقـهى عـادّي ، حيُّث يـوجدّ القـّليل من الزبـّائن لأنّ الـيوم لا يـزال فّي بـدّايته
كـّان يجـّلس على إحدى الكـّراسيّ في إحدى الطـّاولات المنتشرة بـكثّرة شـّاب ذو شـّعر بـّني بجـّانبه فتـّاة
تشبـّهه ، لقدّ كـّناّ كـّلا من كلـّير و آرثـّر عـّائلة غـلوري .
تنهـدّ آرثـّر بـتفكـّير عمـّيق ، الآن بـعدّما طـّرده صدّيقه الـوحيـدّ من ذّلك النادّي الذّي كـّان مـلجـأه الوحيـدّ
و الذّي كـّان يـنـّام فيه طـّوال الأيـّام المـّاضية فـإلى أينّ يلجـأ الآن ؟ رفـّيقـّاته معظمهن يمـّلكنّ صديقـّا
و كليـّر أخته لنّ تستـطّيع إيـوائه فـّهي لا تـزالّ تـدّرس بالجـامعة ّ و لا تـّمتلك مـّالا كثـّيرا لتـّعطي إيـاه ،
فجـأة طـّرأت فيّ بـّال كليـّر فـكّرة عندّما كـّانت تمسكّ بكـّتفهـّا الذّي ألمـّها بـعدّ ّذّلك العـّراك الطـّويل ،
ضحكتّ ثمّ قـالت بمكـّر و حقدّ
ـ آرثـّر أنت تتذّكر مـّاري أليس كذلك ؟ أختّ مترصدّتكّ المجنونة
نـّظر إليهـّا آرثر بواسطّة عينيه العّشبيتين و المّلل يتـأكّله ، كّيف لا و الحدّيث يدّور حـّول فـّتاتي روبـرت ،
فقـّال بضجـّر و هو يـّحرك المـّلعقة فّي ذلكّ الكـّوب المليء بالقهوة
ـ كيـّف لي أنّ أنسى ؟ غـّيري دّفة الحدّيث فـأنـّا بالكـّاد أصبحّت أتـحمّل سيـّرة أسميهما الآن
لمّ تهتمّ لطّلبه و لمّ تسمـّع إلى ما قاله حتّى بـّل أكملت ما بجّعبتها من كـّلام و نبـّرة الحقدّ قدّ طغتّ على
صـّوتها
ـ مـّاري يـا آرثـّر ، مـّاري تلكّ الفتاة الجبانة التيّ كـّانت دومـّا مـّا تختبئ خـّلف فـلور أصبحـّت اليـّوم
خطيبـّة الـرسمية لنـّايت آل لبيـّر ، ذّلك الـرجّل النـّابغة الذّي تخرجّ في السـادّسة عشّر من عمـّره و
استـّولى على جميـّع مـّلكيـّات دوغلاسّ
قطّب آرثّر و قدّ بدّأ الأمرّ يسترعي اهتمامه ، كيـّف لاّ و نايتّ هو الموضوع ، كشـّر عن أسنـّانه المصـطّفة
و البيضـّاء ثمّ تحدّث بفضّول قـّليل
ـ كيـّف نـّالت تلكّ الحمقـّاء من عـّبقري مثله ؟ هل أنت واثقة أنّ هذه لّيست إشـّاعات ؟ لأننّي أشكّ بهـذّا
فـّعلا
ـ لاّ ، صدّقا لا ، لقدّ رأيت بـأمّ عيناي و هو يدّافع عن مـّاري عندمّا حـّاولت أنـّا أنّ أصلحّ مـّا أفسدّته أنت
، لكّن هـذّا لّيس مـّا أنـّا بصددّ قـّوله ، أنـّا أريدّ أن نستغـّل تلكّ الغـّبية جيدّا مـّا دمنـّا في هذه الفـّوضى
بسبب والدّها
ـ أنتّ محقّة ، العبّث معهـّا سهلّ جدّا كـأخذّ الحـّلوى من فـّم طّفل لكّن نـّايت لّيس كذّلك ، هوّ إن أرادّ سوفّ
يمحي عائلة غـّلوري من وجه الكـّرة الأرضية كـأنهاّ لمّ توجدّ قطّ
صمّتت كليّر قّليلاّ و قدّ عـّادت بـذّاكرتها إلى الخّلف ، حيثّ ما أمـّرها نايتّ بالركوعّ أرضـّا و هي نفـذّت
أوامره بـّغير إرادّتها ، كـأنها مجّبرة على تـّنفيذها فقـّالت بـرجاء
ـ لكّن آرثّر ، لقدّ تسببت فـّلور بطّردكّ من المنزل و حّرمانكّ من جميع أموالكّ أفـّلا تـّريدّ ردّ الاعتبـّار
لكّرامتكّ ؟ بحّق الجحيمّ إنهمّ مجـّرد فقـّراء فلمـّاذا أنت خـّائّف منهم لهذه الدرجة ؟
تهـّات عينـّاه فّي الـواجهة للحـظّات و هو يـّراقب المـّارة ، و على شـّفتيه ابتسـّامه لا تـكادّ تـظهّر ، أختهّ
قلقة عليهّ و لدّيها الحّق بذّلك فـهو اعتاد العيشّ الرغيدّ و بدونّ أموال والدّه فـّلا يستـطّيع تـّدّبر أمره كمـّا
و أنّ جميع أصدّقاءه يتـّهربونّ منه و رفيـّقاته معظمهنّ نسـّاء متزوجـّات و لّسن مستعـدّات لجعـّله يدّخل
بيوتهنّ هكـذّا ، قـّال بهدوء
ـ أنتّ لا تـّعلمين من هو هـذّا الذّي تتحدّينه يا كـلّير
تغّيرت ملامحّ كـّلير للحـّظات متـّرددة ثمّ ضّربت بقّبضتها على الطـّاولة و هي تقـّول نـّافية
ـ لاّ ، أنـّا أريدّ النيـّل منهمّ جميـّعا كّيف لنـّا الاستسـّلام و نحن لمّ نجّرب بـّعد ؟ دّعنـّا نفـّعل ما باستطاعتنا
لإسقاط عائلة روبرت لقدّ سئمت فـّعلا من التصـّاقهم كالجرار فّي أسفّل أقدّامنا
رفّع يدّيه دّلالة على أنه اقتنع بكـّلامهـّا فابتسمـّت بسـعادّة و حمـّلت هاتفـّها لتتصّل بحّبيبهـّا ققد اشتاقت
اليه ، تنهدّ آرثّر و أخذّ يفكّر عمـّيقا ، إنهّ ليسّ بالشخص الحقـودّ لكنّ إن تعدى أحدّ على ممـتّلكاته فهوّ
هالكّ لا محـّالة . يمكنّ القول أنّه ردّ دينّ .. ردّ الاعتبـّار لذّاته المـذّلولة و المحـطّمة التّي أخذّتها عائلة
روبرت منه



JAN 03-09-2020 11:00 PM


حـّروفّ منّ نـدمّ



وسـطّ لمحـّات الـظّلام و غـّروب الشمّس الداّفئةّ مـّا بينّ طيـّات لنـدّن المـّعمرة ، فيّ تـّلك الغـّرفة
الصـّغيرة ذّاتّ الألوانّ البّاهتةّ و الجـدّرانّ المتآكلة كـّان هوّ يجـّلسّ بكلّ يـأسّ و أسى على حـّاله فيّ
زّاوية صّغيرةّ لا تكـّاد تـّرى ينـظرّ إلى رقّاص السـّاعة و هو يتـّقدمّ فيّ كلّ ثّانـيةّ معـّلنا العـدّ التنـّازليّ
لنهـاّية هـذاّ اليومّ و بـدأ يّوم آخرّ
روتينيّ ، كمّ يّشفقّ على نفـّسه الآن ؟ كـمّ هو يـّكره نفـّسه الآن كمّ هو يـّبغض يّحقدّ يمقـّت هـذاّ الوضـّع
الذّي فيهّ الآن أنّ تـّـرى يدّيكّ و هما بلاّ فـائدّة، تلكّ اليدّ السمراء العاملةّ التّي لطّالما جّرت خّلف الدّنيا
لتكّسب بّضعة دّنانير تطّعم
بهـّا فمّ صاحبّها المتشّقق من أعبـاّء و همـّومّ التي يحمّلها على كتفّيه ،
صـّاحّبها هو ذّلك الرجـّل الأسمـّر ، الذّي طغى شبحّ الكـّبر على ملامّحه و بالـّرغم من أنهّ لا يـزاّل فّي
نهـّاية الأربعينات إلاّ أنهّ يبدّوا ككهـّل قضت عليه الشيـّخوخة ،كـّان ينـّظر بعينّين بنّيتينّ شـّاردتينّ إلى
تلكّ الـورقة الجديدّة من التـّحاليّل التيّ قدّ سلمهاّ له الطـّبيب تـّوا و التّي تستـدّعى بقـّائه فّي المّستشفى
للقـّاء العـّلاجّ الضـّروري و اللاّزم ،هـذّه المرة لا مـّجال إلى الرفّض و لا حـتّى الهـّرب فقدّ أهلكه
المـّرض و أتعبته المقـّاومة و أنهكـّه التمثيـّل بـأنه بخيّر ،
هـذّه المـّرة ، إنهـّا المـّوت
جـّلس على الأّرض فّي تلك الـزاوية كعـّادته عندّ تلقّيه أخبـّارا شنيـّعة ثمّ وضـّع ذّراعه على وجهه و
نـّزلت دّمعة وحيدّة يتيمـّة ، دّمعة رجـّل مـّريضّ
دمـّعة شخصّ محتـّاجّ ، لّيس محتـّاجـّا إلى المـّال و لا حتـّى الذّهب .. إنهّ فقطّ بحـّاجة لتـلكّ اليدّ الحـّانية
التيّ تمسحّ على ظهره و تحّضنه بكـّل دفء لتقيه من هـذّا العالمّ القـّاسي و لتـّخبره بصـّوت رقيـّق
حـّنون أنّ كلّ شيء سيكون
بخيـّر، و أنهـّا هنـّا معه
أجـّل إنهـاّ تلك المـرأة التّي يحّن لها الكـّل عندّما مـّروره بصدّمات من هذه الدّنيـّا ، تـّلك المـرأة التيّ
لطـّالما سـّاندّته ،لطـّالمـّا وقفـّت بجـّانبه .. لطـّالما أحبـّته لكنهّ أبـّعدهاّ بكلّ قـّسوة عنهّ أبعدّها غـّير آبه
بـدّموعهـّا أوّ حّبهّا له الذيّ يسّكن كّيانها
يـّا تـّرى لوّ أسّرع إليهـّا الآن ، لوّ ركضّ حـّافيّا شـّوارعّ لندنّ لها فـّهل ستقّبل بهّ ؟
بالـّرغم من الجـّروحّ التي سببهـّا لهّا هل ستقبل به و هو الآن شخصّ عـّاجز على حـافة النهـّاية ؟
تنهـدّ و مسـّح دمـّعته بكـلّ ألمّ ، ثمّ وقفّ مستنـدّا على سـّريرّه لـّيحملّ ذلكّ الدّفتر الأخـّضرّ الصـّغيرّ ،
أمسكـّه بـأنـّامله المـّرتجفّة ليخـطّوا حـّروفـّا منّ نـدّم بينماّ شّفتيه تهمّسانّ بكـّلمة واحـدّة فقطّ
ـ أنـّا أسّف
دّخلت فـّلور إلى غـّرفة والدّها الذّي أصّبح لا يـّغادّرها إلا قـّليلا فـّلمحته يـّكتبّ شيئـّا فّي دفّتره الخـّاص
بالدّيونّ ، الذّي لا يـّقترب منه أحـدّ فوقفّت فّي مكانهـّا باستقـامة و قـّالت محدّثة إيـّاه
ـ أبّي لقدّ صـّار الفـّطور جـّاهـزا منـذّ فـّترة ، ألنّ تـّنزل ؟
رّفع عينيه البنيتين اللتينّ قدّ ظـّهرت من تحّتهمـّا هـّالات من السـّوادّ و قدّ كـّانت معـّالم المـّرضّ بـّادية
عليه ، نـظّرامطـّولا إلى ابنتهّ الكبـّرى و الشخّص الوحيدّ الذّي تبقى بجـّانبه بـّعد أنّ غـّادره الكـّل ، ثمّ
قـّال بـجّفاء
ـ لا أريدّ ، لدّي رحـّلة عـّمل يجّب عليّ أنّ أجـّهز لهـّا لذّلك أحضـّري الطـّعام إلى هنـا ثمّ و في المـّرة
القـّادمة أريدّك أن تسـتأذّني قـّبل الدّخول ، أفهمت ؟
قـطّبت فـّلور بانزعاج من مـزاجـّه المنعـدّم هـذه الأيـام ثمّ استـدّارت راحـّلة دون أن تـّقول لّه شيئـّا و
هي تتمتـّم مـّعلقة على كـّلامه لكن فجـأة عـادّت إليه ثمّ قـالت بقّلق
ـ أبيّ هل أنت بخير ؟
كـّح سيدّ جوناثـّان قـّليلا ثمّ مسحّ بيدّه على وجهه الـشـاحب جـدّا و أومـأ بـرأسه دّلالة على الإيجاب ،
ثمّ ابتسمّ بهدوء لوهلة و قال
ـ أنـّا بخيـّر بـّل أحّسن حـّالا ،
رمّقت فلور والدّها بطّرف عينهـّا ثمّ اتجّهت إلى الأسـّفل و لمّ يـّخبوّا عليهّ قـّلقهـّا الشديدّ ، فـابتسمّ هـذه
المـّرة بسّخرية علىّ حـّاله ، بالـّرغم منّ كـّل مـّا فـّعله لا زالتّ بجـّانبه كالغـّراء تمـاّما

/

ضبـّاب لندنّ قدّ قشـّع نـّورها تمـّاما كـّقلبهّ الذّي فقدّ الأمـّل ، يضـّع البيـّانو على الأرّض و بـأنامّله
الطـّويلة يّداعبّ مفـّاتيحه بـّلا هـّوادة بـّاحثّا عنّ كلـّماتّ تصّف حـّاله فيّ هـذّه اللحـظّة ،
تنهـدّ بحـزنّ ثمّ أغّلق عينيه و استلقى بـّجانب آلته ، لمـّاذا يّشعر بـّهذا الكـّم من الألم ؟ كـانّ ألافّ الإبر
تـّغرز فيّ قـّلبه ، مـّا سّره يـّا ترى ؟ صـّمت قـّليـّلا ثمّ همسّ بـّصوتهّ الهـادّئ اللطـّيف يحـّاكي نـّغمة النـّاي
فّي جمـّاله
ـ أشـّعر أنّ كـّل يّوم هو نفـّسه و هـذّا يحبطنيّ لكنني المـّلام ، لقدّ جـّربت كل شيء لأهـّرب لكنّ هـا أنـّا مجـدداّ
أطـّاردكّ مجـددا
مجـددا و مجـددا .. أنـّا وقعـّت فيّ حبـكّ
مجـددا و مجـددا .. حـّاولت ألا أخبـّرك
أشـّعر أنّ كل يّوم هو نـّفسه ، إنهّ يسحبّني للأسّفل مثـّقلا أنفــاسي لذا هـّا أنا مجددا أطـّاردك مجددا ،
لمـّاذا أنـّا أخبـرّك بـهذا ؟
مجـددا و مجـدداّ لقدّ وقـّعت فيّ حبكّ
تـّوقف عن العـّزف و على شـّفتيه ابتسـّامة حـّزينة ، إنسـدّل شـّعره الأشّقر على جـّبهته بعـّشوائية و
ارتجفت أصّابعه فلمّ يـّعد قـّادرا على الجـّلوس حتى ، فجـأةّ رنّ جـّرس منقـذاّ إيّاه من دّوامة أفكـّاره
التعيسة تـّلك فـّوقف و بّخـطّوات سـّريعة فتـّح البـّاب ليـّرى آخر ّشخصّ قدّ تـّوقعهّ
كـّانت تـّلك المـرأة شديدّة الأنـوثةّ بمـعطّفها الأسـود و شّفتيها الحـّمراوتين متوكزتين بينمـّا رموشها
الكـّثيفة قدّ زادّتها جـّمالاّ ، إنهـّا إليزابيثّ لبيرّ تلكّ المـرأة التـّي يكـّرهها فعـّبس غـّير قـّابل على
استقـّبالها و قـّال بـّبرود
ـ ما الأمـّر ؟
بـّعد فّترة كـّان يجـّلس ويـّليـّام بكـّل هدوء على الكـّرسيّ و بينّ يدّيه فنجـاّن شـّاي سّاخن ، أمـّامه كـّان
تـّقف إليـزابيثّ بـّحضورهـّا الطـّاغي و ابتسـّامتهـّا المشـّرقة ، بتنـّورتها الحمراء القصيـّرة و قميصها
الأبيّض العملي ، أمالت رأسها قـليلا
ناحية ويـليام و هي تقول بّرقة
ـ صـّوتكّ الحـّزين قدّ انسـّل إلى أعّماق قـّلبيّ ، يّا ترى من هيّ تلكّ النـجمة التي احتلت سمـّائكّ ويـّليام ؟
رفـّع حـّاجبه دّلالة على استنكاره لـحدّيثها الفـّارغ هـذّا ، و لما قـّد يحّب هو إحـدّاهن ؟ فـّحـّرك المـّلعقة
بـدونّ اهتمـّام و هو يـّردّ عليها
ـ دّعينا منّ المجـّاملات و الأحـّاديث التـاّفهة و لنـذّهب إلى المـّهم ، ما سّبب زيـّارتك ؟
زمـّت شّفتيها بـّطـّفولية و جـّلست أمـّامه واضّعة قـدّما على الأخرى بكلّ راحـّة ثمّ همسـّت و عينيهـّا
ثـّابتتينّ عليه
ـ لقدّ اشّتقت إلى صـدّيقيّ ،
ـ نحنّ لم نكنّ قطّ ،
قطـّبت و قدّ بدأ صّبرها يّنفذّ من احتـّقاره لهـّا فأخرجّت من حّقيبتهـّا علبة سيجـّارة ، لتضـّع واحدة بينّ
شفتيها مّظهرة عـدمّ استـلطّافها لطـّريقته الفـّظة تـّلك فـّقـّالت بـّطّريقةّ هادئة
ـ حسنـّا ، أريدّ منكّ أن تـّدّبر ليّ لقاءا مـّعه
ابتسمّ ويـّليام و نـّزع السيجارة الفاخرة بّرقة من بين أصّابعها ثمّ وضـّعها بكّل قسوة على الصحّيفة
مطفـئا إياها ليّقول بـبرودّ
ـ و لمـا يجّب علي بحق السماء أن ألبي لكّ طلّبك
تنهدت إليزابيث بضجّر ثـمّ اقتربت من ويليام و وضعت كلتا ذراعيها حول رقبته ، لتهمسّ بصوت مثـّير
ـ أذّكر أنكّ كنت معـجّبا بّي ويـّلي ، ما رأيكّ لو
قطّب ويليام و هو يستـمعّ لهمسها الذّي يصبحّ أكثر خفوتا شيئا فشيئـاّ و عندما أنهت حديثها دّفعها
جـّانبـّا ضـّاحكا بّسخرية شديدّة
ـ أنا كـّنت مـّعجبا بكّ ؟ أرجوكّ أخبريني فـذاكرتي لا تـّسعفني ، إليـزابيث جميـعنا نعلّم بـألاعيبكّ المـاكرة
لذّا لا أحدّ ستنطلّي عليه خدّعتكّ ، أخدعني مرة عار عليك أخدعني مرتين العار علي
زمت إليزابيث شفتيها بانزعاج و رمت نفسها على الأريكة لتقول بأسى
ـ أوه لماذا تنفكون ذكر ألاعيبي ؟ أنا بريئة
رسمّ ويليام على شـّفتيه ابتسامة سـّاخرة متهكمـّة ، أتـّظن أنهّ و بـّنبرتهاّ هـذّه سـّوف تنجحّ في
استمـّالته ؟ يـّالها من إمـرأة حـّمقاء ليـتّحدث باحتقـّار
ـ و هل يـّقول القـاتل عن نفسه قـّاتلا ؟ أخرجي من منزلي لا أريدّك ان تدنسيه بحضوركّ ،
زفرت بغّيض و حمـلت حقيبتهـّا لتخرجّ لولا أنها توقفت قـبّل أن تقوم بفتح البـّاب لتـّقول بلهجة تحذيرية،
ـ ألستّ واثقـا جدا ويـلي ؟ أناّ الآن أستطيّع أن أمحييك من الوجودّ ، القوة التي أمتلكهاّ و النفوذّ الذّي
أملكه لا يقدر بثمن ، تمـاماّ كمـّا عـّلمت بموقع عّّيشكّ استطيع أيضـا أنّ أضّع موقـّعـا لموتكّ
فتحّ ويليام البـّاب على مصارعيه ثمّ ابتسم بسخرية شديدة و دّفعها خـّارجـّا لتكـادّ أن تسقطّ لولا أنها
تماسكت في اللحظة الأخيرة ، قـّال ببرود
ـ على من تكذّبين إليزابيث ؟ أنـّا هو الـوحيدّ الذي لا تستطـّعي الاقتراب منه ،

/

يدّيه تّقبضّان على المقّودّ بكلّ راحّة بينمـّا عينيه الدّاكنتين تـّراقّبان الطـّريقّ بـّعدم اهتمام ، و المـطّر
يّهطـّل بـّقوة فيّ ذلكّ اليومّ المعتـّم من أّيام لندّن العـّديدّة ، فّي حينّ أنهّا تـّجلسّ بجـّانبه بهـدوءّ محـّاولة
التـّصّرف بلّباقة فـّلا زالّت ذّكريّات حـّفلة الخـطّوبة تـّداهمّ عقّلها و مـّواقفها المـّحرجةّ كـّالشّوك يّغرز فيّ
قّلبها ، تنـظرّ منّ خـّلال النـّافذة إلى المـّارة متـّسائلة يـّا ترى هل هـمّ يـّلعـّبون دّورا وهميّا فيّ حيـّاتهمّ
مثّلها ؟ و هلّ يتقـّاضون أجـّرا منّ أجلّه ؟
إنهـّا تـّعلم جيـدّا أنّ نـّايت لمّ يصطحّبها مـّعه رغّبة فيّ تـّمضية الـّوقت معّا أو لتـّعرف عّليها أكّثر فـّهو
أفّضل من ذّلك ، لكنّ السببّ الخّفي الذّي جـّعله يـأخذّها لا يـزالّ غّير مـّعروف بالنّسبة لهـّا حتى الآن
لذّلكّ انسّاقت خـّلف فـّضولهاّ و حـّاولت أن تـّفتحّ مجـّالا للحـدّيث مـّعه لـّعلّها تصّل إلى نقـّطة تـّوضحّ لها
لمـّا هـماّ ذّاهبين لزّيارة عـاّئلة لبيّر العـزيزة

هـّزت رأسهاّ نافية هـذّه الأفكـّار المـّزعجـّة محـّاولة أنّ تـّكسب بّعض الجـّرأة فـحسّب زيـّارتها الأخيرة
لقّصر لبيّر فـّهي لمّ تكنّ بذلكّ الشخصّ المحّبوب الذّي يبحـّث عنه الجـميـّع لذا يجـّب عليها أن تـّحسن
صّورتها أمامهمّ و تتـّصرفّ بـكلّ احتـّرافّفـّرفـّعت أصّبعها الصـّغير هـّامسة بـّنفسهـّا أول الأشياء يجبّ
عليها أنّ لا تـّسقطّ على رأسهـّا أو يّختل تـّوازنها ثمّ رّفعت السّبابة مـّركزة ثـّانيّا يجبّ أن تتحـدّث بلّباقة
و احتـّرام شّديدّين أمامّ جـدّ بيتر فـّهو يمّقتها ، ثـّالثـّا يجبّ أن تجـّعلهم يّصدقون أنهمّا بالفـّعل ثّنائيينّ و
رابـعـّا حسنـّا كلّ ما يجّب عليها فـّعله هو إحسان التـّصرف و حسّب هـذاّ فقط
لطـّالما كـّانت جيـّدة في إطـّاعة الأوامـّر إلا مـّؤخـرّا و هـذا يّفسر حـّقد والدّها عليهـّا فـّهي كـّانت تـّطيـعه
فيّ كلشيءّ لكنّ و بتـّمردها قدّ أعلنت الحـّرب لكنّ و بتذّكر والدّها ألا يملكّ نـاّيت أبّا ؟ لمّ يسّبق له و أن
تـّحدث عن والدّيه
. حسّنا ليسّ كما لو كـأنهّ تحدّث عنها بّخصوص أي شيءّ لكنّها مستـّغربة عدّم رؤيتها لهمّا ؟
لدّيها فـّضول لمـّعرفة من يكونـّان هـذّين الشّخصين الذّين ربيّا رجـّلا فـّولاذّيا كـّنايتّ ، فـاستجمعـّت
شجـّاعتها و أغّلقت عينيها بـّخوف قـّائلة مسـّرعة فيّ كلماتهاّ
ـ نـّايت أنا لم ألتقي بوالديكّ أبدا لذا أنا أتساءل أين يكونان و أّي من الأشخّاص هما ؟
انتـظرّت لكن لمّ يجّبها فاستدارت ببطء ناحيته ، كان ينصّت للموسيقى غـّير مبّاليّا بهّا .. تنهـدتّ و عـّادت
تنـظرّ إلى المـاّرة من جـديدّ ، إنّ أرادّت أن تـّعرفّ منّ يكون هو نـّايت يجّب عليها البحّث بنفسها لا أن
تسـأله هو ،
بـّعد بّرهة وجـدتّ أنهـّما قدّ وصـّلا إلى القصـّر ، فّهاهي البـّوابة تـّفتحّ أوتومـّاتكيّا بـّعد أن تـّعرفت على
مـّلامحّ نايتّ ليكملّا سيـّرهما وسطّ تلكّ الأشجـّار الطـّويلة و التي يتمّ الاعتنـّاء بهّا بشّكل ممتـّاز ،
دّار حـّول نـّافورة على شـكلّ وردّة جميـّلة تلتّف حـّولها فّرشـّات بالـّرغم من أنهماّ في فّصل الشتـّاء ،
حيـّن ركنهـّا و خـّرج حـّاملا معـطّفه على ظـّهره لتتـّبعه مـّاريّ .. تـّحدثّت بارتباك
ـ ناّيت هـّل جـدّك غـّير نظـّرته اتجاهي أمّ لا زالتّ نفسها ؟
تـّوقف ممـّا جـّعلها تـّرتطمّ به فـاستدار نـّاحيتها يـّرمقها بـّنظراتهّ الحـّادة ثمّ أمسكّ معّصمها و وضـّعه
بـذّراعهّ ليـّرسمّ ابتسـّامة بـّاردة على شـّفتيه مـّجيبا إيّاها
ـ و هل فـّعلت أنتّ شيئّا يستحقّ الثنـّاء ليّغير نـظرته ؟ علىّ أيّة حـّال دّعينـّا نمثّل بجدّية هـذّه المـّرة
صّمتت على مّضض ، لقدّ فـّعلت عدّة أشياء تستحـّق الثّناء فيّ حيـّاتها لكنّ الآن لا يتبـّادر إلى ذّهنها أيّ
شيءّفـزمتّ شّفتيها باستياء و سـّارت مـّعه ، دّخـّلا ليجـدّا أنفّسهما فيّ غـّرفة كبيّرة و واسـّعة مزينةّ
بـّنقـّوش ذّهبية فيّ جـدّرانها و يـّوجدّ أريكـّات منّ أجـّود الأنـّواع فيّ الـوسطّ مـعّ مـّائدة دّائرية و لمّ يكنّ
هنّاك أيّ أحدّ فـأكمـّلا طـّريقهماّ و فتـّح نـّايت بـّابّا ليجـدّ أنفسّهما فيّ غـّرفة الأكـّل حيّث يتـرأسّ الجـدّ
الطـّاولة التيّ وضـّع عليها أشّهى أنـّواع الطـّعام و بجـّانبه كـّايل المتـّململ بينمـّا خـّلفهما يوجدّ صـّف
من خـّادمات الـلواتي ينتـظرّن بّفارغ الصّبر أوامرّ من أسّيادهن فيّ حـّين أنّ رئيسّ الخـدّم يـّقف على
مبـعدة ثـّلاثة خـطّوات من السيدّ بيتر ،
عنـدّما فـّتح نـّايت البـّاب إتجـّهت جمـّيع الأنـظاّر نـّاحيته فانحنى الخـدّم احتـّراما لتنحنـّي مـّاري أيّضـّا
بّسرعة ، سـّار بـخـطّوات كـّسولة إلى مقـّعده و جـّلس
نـظرّت مـّاري من حّولها بـتوتر ثمّ وقفتّ بجـّانب نـّايت و عـّادت تنـّحني بّسرعة و هيّ تتـّحدثّ بـّطـّريقة
شديدّة الاحترام و التـهـذّيب
ـ مـّرحبـّا سيـديّ أرجـّوا أنّ لا تـّمانـّع انضمامي لكمّ
سـّحبها نـّايت من فـّستانهاّ فجـّلست بينمـّا قطـّب كايل مستنـكّرا فـّعل نـّايت ؟ مـّا الذّي يـّريده بجـّلبها إلى
هنا ؟ ما الذيّ يحـّاول إثبـّاته ؟ هـذاّ غـّريبّ و ليسّ من صـّفاتهرفـّعت مـّاري شـّوكة و الـّسكين بّعناية
متـّذّكرة طـّريقةّ ويّليام فيّ الشّرح ، يجبّ عليها أنّ لا تخـطأّ ثمّ غـّرزت سكينّ في شـّريحة اللـّحم ممـّا
جـّعل مـّرق يـّرشها قـّليلا على وجّهها ، فـّرمشّت قـّليلا و نـّظرت بـّنصّف عينهاّ إلى نايتّ لتجـدّه شّـاردّا
فابتسمت و عـّادت تنـظرّ بنفس الطـّريقة إلى الجـدّ و كـّايل لتجـدّ أنّهما يـّراقّبانها بـّبرودّ ، ضحكـّت و هي
تضـّع يدّها خـّلف رأسها قـّائلة
ـ إنّ الأكـّل لذّيذ جـداّ ها ها ،
قطـّب كـّايل مشـّمـّئزا، مـّلابسهـّا معـدّمة اللونّ من كـّثرة الاستعمال و لا تـّضع أّي مـّاكيـّاج على وجهها
كمـّا أنّ شـّعرها متشعث قـّليلا ، مـّا الذيّ رآهّ بهـّا ؟ بحقّ السمـّاء إنهاّ فّتاة أقّل من العـّادية ، فجـأة فـتحّ
البـّاب لتـّدخل إليـزابيثّ و بـّخـطّوات واثّقة جـلّست بجـّانب زوجـّها ثمّ تّحدثّت بـّلهجة لطـّيفة
ـ أعتـذّر على تـأخري جـديّ فـّجـّلسة التـّصوير قدّ استغـّرقت وقّتا أطـّول من المـّعتادّ
أومـأ الجـدّ بـأنهّ لا بـأس ليكـّمل الجميـّع أكـّلهم ، بـّعد فترة تـّوقفت مّاري عنّ محـّاولة تـّقليدّهم و لمّ تـّغب
عنها نـظرّات الاحتـّقار منّ قّبل أّسرة لبيّر فـّواضحّ جـدّا أنهّم لا يريدّونهـّا ، ارتشّفت العـّصير متمـّنية
وّجودّ ويليـّام فيّ هـذّه اللحـظّة ،أنّ تجـدّ شخصّا يـّواسيها
صحيحّ أن نـّايت هـّنا بجـاّنبها لكّنه لا يّبـّالي فعّلا ، أحيّانا تـّظنه لا يّهتم إنّ كانوا يّصدّقونهما أو لا ، لا
يّهتم بهـذّه المـّسرحية و لا بّها فجـأة تـّحدثت إليـزابيث ممّا جـّعلها تـّفيق من غـّيبوبتهـّا
ـ آوه أعـّذريني مـّاريانا لمّ أركّ ، كيّف حـّالك ؟
عـّلى من تـّكذب ؟ لقدّ رأتها و رمّقتها بـّحقدّ إذن لمـاذا هـذّه النبرة اللطـّيفة ؟ بينمـّا ردّ عليها نـّايت ببـرود
ـ مـّاري، اسمـها مـّاري
أّصدرت إليـزابيث صّوتا دلالة على استدّراكها خـطأهاّ لمّ يكن فـّعلا خـطأ بّقدر ماهو مـّتعمدّ ، لكنّ مـاري
ابتسمت بّمرح و ردّت
ـ أنـّا بخيرّ شكـّرا لّسؤالكّ ،
نـظر إليها كاّيل لثّواني قـّبل أن يـّقول بّسخرية
ـ أجـّلبتها لأنكّ خـّائف من زيّارة إليزابيث لها ؟ هـّل زوجتـّي بـّذلك الـّرعب ؟
كـّاد نايت أّن يـّرد عليه لّولا رّنين هـّاتفه ، رّفـعه و هو مقـطبّ الحـّاجبين ليّرى اسمّ فـرانسوا يـّعلوا
شـّاشته ، فـّوقفّ و انحنى بـّخفة لجـدّه ليّغـّادر مسـّرعا بينما ابتسمت ماري بـّسذاجـّة و بـّقيت فيّ مكانهاّ
، كانت تـّرغب فيّ الذهاب
خـّلفه لكنّ هـذا ليس بتصرف لائّق فـّأمسكّت بـطّرف الكـأسّ تـّلعب به حين تـّحدث سيد بيتر ببـّرود
ـ كمّ دّفع لك ؟
شحـّب وجـّه ماري منّ طـّلاقته فيّ الـسؤال و نـظرّت نـّاحيته غـّير مـّصدقة ، كّيف له أن يسّـأل هـكذا
بـّدون أيّ خـجلّ أي احتـرام و عينيه تـّوقدّان غـّضبا ، فـأجـّابت ماري متلعثمة
ـ أرجـوا المـّعذرة سيد بيتر ؟
أعـّاد سـّؤاله بـكلّ حـدّة و عـّصبية
ـ لقدّ قّلت و بـّوضوح كمّ دّفع لك نـّايت لـّتصبحي حّبيبته ؟ أنـّا أعلمّ ذوق حـفيدي جـيدا و منّ المـّستحيل
أن يـخـّتار إمـرأة مـّثلك كـزوجة له لذا أخبريني الآن ، هل تمـلكين ما تـّهددينه به أو هو من طـّلب منك
القـّيام بـّهذه التـمثيلية الـسخيفة ؟
وقفـّت مـاري بّصدمة ، ثمّ أجـّابته
ـ و لمـّا قدّ أهـدده ؟ مـّا صعـّب في تـّصديق بـأننيّ خـطيّبته ؟ يـّا سيدي أنتّ مخـطأ فعـّلاقتنا لّيس مّثل
مـّا تظـنه ..
ابتسمتّ إليـزابيثّ ببـرود و هي تـّشاهد تـوتر مـاّري و احمـّرار وجـّنتيها الـشديدّ ، لتـّدّخل مـّوضوع
النـّقاشّ بّنبرتها الهـادئة المثيرة
ـ جـديّ ، أرجوك لا تّخـاطبها بـهذه اللهـجةّ فـّربمـّا نحن لا نـّعلم ذوق نايت جيـدّا كمـّا أنني واثّقة أنّ لا
أحدّ قد يّقدر على إجبار نايت على فـّعل شيء ما
صمـّت جـدّ بـّغير رضى لّيس من أجلّ إليزابيثّ لكنّ لأنّ الـوقت غيّر مناسب لحديثّ مثل هـذا ، إنهّ
مستـغّرب كيف لم يّستطّع الحـّفاظ على ربـّاطة جـأشه لكنّ تّصرفّات نايت البـّاردة جـّعلت يّقوم بـّتصرف
مثّل هـذا ، إنه لا يـّريد أن يـّعيشّ كذبة من أجـّل إرضـّاء الغـّير إنهّ يـّريده أنّّ يّشعر بالسـّعادة ، إنهّ فقط
يّريد أن يكون حـفيده سّعيدا فـّهل هذه أمنية يّصعب تحقيقها ؟ بينماّ لم تّستطـّع مـّاريّ أن تـّتحمـّل أكثّر
فـّردّت عليه
ـ يـّا سيدّ بيتر أنـّا أعّلم أننّي لّست بالفّتاة المّثالية التيّ تـّرغب بهاّ كـّابنتك فيّ القـّانون لحـّفيدكّ لكنّ أنـّا
أحـّبه فـّعلا و منّ المستحـّيل أن أؤذي نـّايت إنّ كنت تـّريد أن تصّدق أو لا هـذا شّـأنكّ لكنّ أنّ تـّصف
عـّلاقتنا بـزيفّ و التـمثّيل فـهـذا مـّا لا أتحـّمله ،
قـطّب سيدّ بيتر و وقفّ يـنـظر إليها بـّحدة ، كـّيف تـّجـرأت أن تّرد عليه و هو رئيسّ هـذّه البّلاد بـأكملها ؟
ألا تـّعلم معّ من تتـحدث ؟ كـّاد أنّ يـّرد لولا أنهاّ قـاطعته بـّصدق
ـ أنـّا أعلمّ أنكمّ جـميعا لا تـّريدوننيّ لكن لو أنكّ تمنحني فـّرصة يـّا سيديّ فـأناّ أعـدّك أننيّ لن أخيبّ ظنكّ
، سّوف أفّعـل المسـتحيّل من أجـّل سـّعادته
صّمتت عنـدّما لمـحت نايتّ قـّادما فـّرمقت سيدّ بيتر بّحدة هي الآخرى ، لا تـّعلم لكنّ لأنه يشّكل تـّهديدا
.. لأنه يستطيّع أن يّبعد نايت عنها فـّهذا يجـّعلها ثّائرة بطّريقة لم يّسبقّ لها أنّ شّعرت بّها فـّأمسكـّت
بـّحقيبتها الصّغيرة بشدّة محـّاولة ان تستمد القليل من القوة ليّقول جـدّ ببـّرود
ـ حتى لو عنى ذلك تـّركه
إلا هـذاّ ، كلّ شيء إلا هـذا .. حينّ جلسّ نايت فيّ مقـّعده و قدّ لاحـظّ نـظرات مارّي المتوترة و مـّلامح
بيتر المحتقنة بّشتى أنواع الغـّضب ، أكلّ قطـّعة من فّاكهة المانجو و تحـدثّ
ـ هل هناك خطبّ ما ؟
أومـأّت ماري نـّفيا و على شّفتيها ابتسامة لـطّيفة محـّاربة دموعهـّا ، لما يّتم رفّضها منّ قّبل الكـّل ؟
والدّها و والدّتها أختهـّا و أصدّقائها ثمّ الآن عـّائلة خـطّيبها ، إنهّا ليسّت بّالفتاة السيئة فلمّا لا يمنحونهـّا
فّرصة ؟ لما لا ينـظرون إلى معـدّنها الحـّقيقي فـّخلف هـذّه الملابسّ فتاة تتـّوق للحصّول على عـّائلة و
الآن بـّعدما وجـدّت نايتّ يحـّاولون أخـذّه منهـّا ، إنهّ الـوحيدّ الذي وقفّ بجـّانبها و بالـرغم منّ بّروده
لكنـّه يبـقى الـوحيدّ و لنّ تـّبتعدّ عنه و لنّ تتـّركه إلا إذا طـّلب هو ذلكّ ، تحـدّث كـّايل بـّسخرية
ـ إلـيزابيثّ دعينـّا نـّرحل
وقفّت إليـزابيّث بـّكلّ ثّقة و احتضّت ذّراع زوجـّها ليّغـادرّا بينمـّا نـظرّات مـّاري تتـّبعهما ، تـّلك الثّقة
التي تتمتـّع بها إليزابيثّ تتمنى لو أنها تمـّتلكها لكـّانت حّياتها أسّهل الآن فهمسـّت
ـ يـّال تـّعـاسة ،
نـظرّ نـّايت بـّبرود إلى مقـّعد كايّل و إليزابيثّ الفـّارغين ، أحـّاولا أهانته تـّوا ؟ و ما الذي يّعنيه مغـّادرة
طـّاولة الطـّعام بينما يوجدّ ضيّف مهم بينهم ؟ فـاستـدار نـّاحية جـدّه الذيّ يّرتشف قهوته التركية بـّكل
آدابّ و قـّال بصّوت عّالي حـادّ جـّعل كـّايل و إليزابيثّ يـّقفان
ـ أفّهم من تـّصرفاتكمّ قـّليلة الـّلباقة و عديمة التـهذّيب هـذّه أن مـاري لمّ تنلّ إعجابكم، أليس كذلك ؟
رمقـته ماري بصدّمة في حـّين أكـّمل هو حـدّيثه بـّنبرة غـّاضبة جـّعلتهم يّدهشونّ فـّعلا فـّنادرا مـّا يّظهر
ملامح عدى البرود،
ـ لا بـأسّ فـالكـّل مـضطر لتحـّمل آخر و رأيكمّ لا يـّهمني تمـّاما كـّوجودكمّ و
استـدار إلى جـدّه و قد احتـدتّ عينيه بـّشكل خـطيّر ثمّ ابتسـمّ بسـّخرية، و اسّتقامّ ليّظهر طـّوله ليمسكّ
بـيدّ ماريّ و يـّقول بـّخبث
ـ إنّ كان الأمر لا يـّعجبكم فـّلما لا تـّحاولون مـّنعي ؟
يـّعلم تـّماما أنّهم لا يّستطيـّعان فعل شيءّ له لكنّ جـدّ بيتر يـّقدر ، فـّرد عـّليه كـّايل بـغّيض محـّاولا التكتمّ
عن مشـّاعره و إظهـّار صـّفات اللامبّالاة على وجـّهه
ـ و لمـّا قد نفـعل هـذا ؟ إنهـّا حيـّاتك أنتّ و لا دخـّل لناّ
رفـّع نايت حـّاجبه بسّخرية ، إنـّه يعلم تماماّ أن كايل يـّريده ان يكون لوحده في حـّرب النفوذّ هذه و
باتخاذه ماري خـطّيبة له فقدّ أفسدّ معـظم مخـططّاته و هو يـّظن أنه سّوف يكون دورّ ماري كـخطّيبته فقطّ
لا أكثّر و لا أقّل لكن ما لا يـّعلمه أنّ أفكـاّره أبّعد من هـذاّ و لمّ يجب كـّايل كعـّادته بّل سّحب مـّاري و
خـّرجا من غـّرفة الأكـّل وسطّ عدم رضى الكـّل مسـّرحيته أبّعد ممـّا يتـّوقع الجميـّع ، أبّعد منّ التـمثّيلية
و أبّعد من لـّعب أدوارّ سخـّيفة بالكـّاد تنطلي على أفّراد أسرته

/

لمّ يكن يّتوقع هـذّه التـّصرفات الخـّرقاءّ من ابنيه الذّي قدّ حـّاول تـّربيتهمّا على النـحوّ الصـّحيح ، حـّاول
أنّ لا يـجعّل المـّال يـّعمي قـّلوبهمّ و أنّ يجـّعلهم يتصـّفون بالخـّلق الحسّن و الأفكار العـظّيمة ، تلكّ
الأفكـّار التي تـّوصلهمّ إلى القـمةّ أولاّ و إلى محبّة النـّاس لهمّ ثـّانيـّا و إلى فـخّره هو ثـّالثّا لكنّ الآن و
هـاهي ابنته تـّجـّلس أمـّامه تـّمسك بين يدّيها هـّاتفها النـّقال الجـديدّ فيّ الأسـّواق تـّحدثّ حبيّبها بكـّل
لطـّف ،
إنهّا عـّكس مـّا تمنى فّابنه زيـّر نسّاء لا يـكفّيه زواجه من إمـرأة روسية و لا حـتى لـّعبه مـّع رفّيقاته
الـمتـزوجـّات بينمـّا أبنته قد أعماها شّهرة شّركتهم فـتـّرى صّفات الغـّرور تـّكسوها من أعلى رأسها
إلى أخمص قدّميها ، كمّ هو مـّخزي ، و الآن ما الذي قدّ يفـّعله ليصّلحهم ؟ فحـّاول الحـدّيث مـّع كلّير
ـ عـزيزتي ضـّعي الهـاّتف جـانبـّا أريدّ التـحدثّ معك فيّ مـوضوع مـّهم
أشـّارت له أن يـمنحـّها بـّضعة دّقائقّ فتنهـدّ بـأسى ، بالـّرغم من أن نايت رجـّل قـّاسيّ يّصفونه
بالشيـطّان لكنّ يعـتمدّ عليه ليسّ كـإبنه آرثر فإنّ أراد البحثّ عنه الآن لوجدّه في إحدى النـوادي اللـّيلة
مـّخمورا ، أنتظر و انتظر حتـّى تـّكمل كـّلامها لكنّها لم تـّفعل قـطّ فـّوقف بـّبرود و أمسكّ هـّاتفها لـّيرميه
فيّ حـّوض الأسمـّاك وسطّ دّهشتها ،
عـّاد يـجّلس مـكانه وضّعا قـّدما على الآخرى و بين يـّديه كوبّ شـّاي سـّاخن يـّدفيه فّي هـذاّ الجـو
المـمـطّر ، رمقّهـّا بـّغـّضب عـّارم و قد نسى جميـعّ خـططه فيّ جعلها تـّعترف بما فـّعلته بـنفسهـّا و قـّال
بـّعصبية
ـ أخبريني الآن ما لمـاذا هـّاجمت مـّاري ابنة سيد جـوناثان بتلكّ الـطّريقة و فـّورا ؟ ألا لا أريدّ أعـذارا
واهـيةّ بل أسبابا مقـنعة أفهمت ؟
صـمّتت كلير للحـّظات فيّ وضـعيتها و قدّ شـحبّ وجهها كمـّا لو كـان الدمّ بـأكمله قدّ سحب من جسمهـّا
لكنّ تـذّكرت مـّا قـّام بّه سيدّ جوناثان روبـّرت عـّندما أخرجّ أخيها الـوحيد من منـزله فقطّ لأنه لمّ يـّرد أن
يتزوجّ ابنته العـّاقة تـّلك لـّيغزوالـحقدّ وجههـّا فقـّالت بـّحدة
ـ ماذا فـّعلت ؟ لقدّ أعطّيتها مـّا تّستحقه تـلكّ الحـّقيرة فـّبسببهـّا قدّ طّرد آرثر منّ المنـزلّ ،
قـطبّ سيدّ روي محـّاولا الحـّفاظ على أعـّصابه ، بينمـّا أتتّ سيدّة ليكسي مـّسرعة و بين يدّيها منـّشفة
عنـدماّ سمعـّت أصواتهما العـّالية فقـّالت بـّتوتر خائفة
ـ ماذا ؟ ما الذي يجـّري الآن ؟ ما الذي حـدّث ؟
تـّجاهلها الـّسيد رويّ و هـو يـّرمق ابنته بـّغير رضى، و ردّ عـلى كلاماتها الوقحة في نـظره بـّعصبية و
صّوته يـّعلوا شيئا فشيئا
ـ كيفّ تّقولين أنها السّبب فيّ طـّرد آرثر ؟ أهيّ من طـّلبت منه مصّاحبة النـّساء أمّ أجبّرته على الزواجّ
من فـّلور ؟ أهيّ من كانتّ تدّفع بّالمشروب فيّ فمه كلّ ليلة ليعـّود مخـمورا ؟ أمّ هي من أقّنعته بـّتركّ
الشـّركة و التـّسول خـاّرجا رّفقة زمرة من الفـّاشلين ؟ بـأي حق تتهمينها ؟ إنهّ رجـّل فـّاسد نال ما
يستحقه
قطـّبت كلير و قد ثار غّضبها ، كيف له أن يـحتقر ابنه لهاته الدرجة ؟ فـّردت بّصوت غاضب أكثر من
والدها
ـ حقـّا ؟ إنك تـّعلم بـأنه شـّاب مستهتر قـّبلا فـلما لم تـّطرده مسبّقا قبل أن يـأتي ذلكّ السّافل إلى بيتنا ؟
احمر وجه سيد روي و احتقن بـّعصبية فلم يسهل عليه التنفسّ و أصّبحت ضّربات قلبه تـتبـاطأ لخرج من
دّرج دواءه و يّأكل حّبة ثم يـّرتاحّ قـليلا ، تنهـدّ بـأسى و أجاّبها
ـ لأننيّ تـأملت و بزواجه من فلور سوف يستقيم ، أنه سوف يصّبح رجـّلا يعتمد عليه لكنني أهمـّلت
مستقبل فلور و خنت ثقة صديقي الذي ائتمني على ابنته فـأقل شيء أفعله له هو جعل ذلك الفتى يّعلم
بّسوء تّصرفاته وقفت كلير بـّغيض و مرت من أمامه لتسّرع إلى غّرفتها في حين جلست سيدة ليكسي
بجانبه تـهدئه بـحنان كي لا يتطور الأمر و يّصاب بنوبة قـّلبية



JAN 03-09-2020 11:01 PM



/

تـّوقفت تـّلك الشـّابة ذات الشـّعر الأصّهب المنـسدّل على ظهّرها أمـّام تـّلك الـشّقة الصـّغيرة ذات الـّرقم
406 ، تـّرن الجـرّس مـّرارا و تـّكرارا دونّ أن يـّرد عليهـّا أحـدّ و عنـدّما شّعرت باليـأسّ يتسـلّل إلى
قـّلبهـّا جـّلست على الأرضّ مستنـدّة على الجـدّار الذي خـّلفها و تـّضع قـدّما على الأخرى بـكلّ راحـّة ،
أمسكـّت بـّهاتفها النـّقال و نـظرّت إلى كمّ تـّشير السـّاعة ،
لقدّ أتّت منـذّ حـّوالي سـّاعة إلاّ ربـّع و لمّ تـفتحّ ماري مهمـّا طـّرقت أو رنتّ الجـّرس ، أظنّ أنه الـوقتّ
المنـّاسب لاستسـّلامها لكنهّا لم تـّستـطّع الـرحيل و هي لم تـّرها حـّتى يبـدوا أنّ و بّسببّ عدم تـّقبل
والدها لّزيّارة مـاري ذلكّ يـجّعلها لا تـّجدها في كل مـّرة تـّحاول أن تـّزورها، حسـّنا هي لنّ تـّرحل سـوف
تـّبقى و تنتـظـّرها حتى تـّحصل على استفسـّار منها،
كيـّف لها أن تتـزوج بـنايت آل لبيرّ و من أينّ قـدّ جـّلبت الـ 500 مـّليون دّولار و كيـّف أصّبحت خـطّيبته
و أينّ بالضبطّ قدّ تـعّرفت على ويليـّام و نايت فتصـدّيق أنهّ حبيبها صّعب خصوصـاّ و أن ماري فـتاة غير
اجتمـّاعية منـذّ أن كانت رّضيعة
أغلقت عينيها ثمّ فتحتهمـّا لتجدّ ويليـّام يّقف على مبـّعدة متـّر منها ينـظرّ إليها باستغـّراب و بينّ يديّه
مفتـّاحه قـّالت له فلور بّسخرية
ـ يـّا رجـّل هل تتـّعقبني أم مـاذا ؟
صـمتّ ويليام مفـكّرا للحـظات في كـّلامها ثمّ أومـأ نـّفيا و على شفتيه ابتسامته المشـهورةّ التي
يستعملها مع النـّساءّ ثمّ قـّال بمرحّ
ـ لمّ أركّ منذ مـدّة طّويلة آنسة روبرت ، كيـّف حـّالك ؟
وقفّت فلور و نـّفضت الغـّبار عن مـّلابسها بينما ملامح البرود تعلوا وجهها ، كمّ تـكرهه لقدّ خـدّعهما
هي و والدها و الآن يّرسم هذه الابتسامة البلهاء على شفتيه كما لو كـأنه بـّريء لمّ يّفعل شيئـّا لذاّ
ردّت بـّغيض
ـ كنت أفّضل حالا عنـدّما لمّ أركّ لكن الآن أشّعر بالغّثيان ، على كلّ حـّال ما الذي تـّفعله هنا ؟ أتريدّ
أن تـّملئ رأسّ أختي بالمـّزيد من ألاعـّيبك السخيفة ؟
رفّع حـّاجبه بـاستنكـّار من كلامهـّا ثمّ وضـّع المفتاح أمام أنـظارها و هو يـّقول بـّغيض
ـ أنـّا أعيشّ هنا و تلك هي شّقتي التي تـجّلسين بجـّانبها كمـّا أنني لا أظن أنّ الشّخص الذي يـحاول
ملء عقّل ماري بالألاعيب هو أنـّا ،
تـأففتّ فـلور و مرتّ بجـّانبه لتـّدفعه متـّعمدة بينما رمقها ويليام باستغراب ثمّ هز رأسه و تنهـدّ بكل قلة
حيلة ليتجه إلى شقته ، حيـنّ رن هـّاتف فلور فجـأة و يّعلوا الشـّاشة اسمّ والدّها ، ارتبكت لفترة عندما
انتابها شعور أنه يّعلم أين هي الآن لكنّها نفت هـذه الفكرة سـّريعا و ردّت عليه بـّهدوء
ـ أهـّلا والدّي، ما الأمـّر ؟
فيّ الطـّرف الآخر كـّان سيدّ جوناثانّ يكحّ باستمـّرار و قدّ أهلكه التـّعب بينما قدّ ازداد وجهه شـّحوبـّا
و هـّالات حول عينيه سّوادا و قدّ قـّال بـّنبرة خافتة متعبة
ـ فلورا أحضري لي رويّ فـّورا
ثمّ أغلّق السـماعة حينّ أهلكه التعبّ ، رّفعت فلور حاجبها مستنكرة فعلته هذه ثمّ تذمرّت بـّكره و هي
تغير وجهتها منّ البّقاء أمام شقة ماري حتى عودّتها إلى منـزلّ السيدّ غلوري رويّ الـرجّل البـّائسّ

/

بـّعد مرورّ أسبـّوع على زيـّارة مـّاريّ لقّصر لبيّر ، عـّادت الأوضـاعّ إلى طـّبيعتها كـّما لو كـأنّ زيـّارتها
لمّ تحـدّث قطّ حيثّ أنّ إليـزابيثّ لم تـهتمّ فعـّلا بـوجودّ هـذّه الدّخيلة و لا كـّايلّ مـّا دمـّت مجـردّ إمرأة مـّارة
فيّ حيـّاة نايتّ لنّّ تـّوجدّ أيّ مشـاكلّ

بالـّرغم منّ أننـّا أشخّـاص مخـّتلفون نـّعّيش بـطّرق مخـّتلفة و لنـّا شخصّيات متـّنوعة لكّن سيجدّ الحـّزن
طـٍّريقـّا نحو حيـّاتنـّا ، لتـجدّ أن مـعّظم البشـّر يتخبـطّون في مشـّاكل لا حًّصر لهـّا ، مشـّاكل بالنسبة لنـّا
نحنّ قدّ تكونّ بسيطة و لا تستـحّق
الاهتمـّام و للبعضّ إنهـّا كل شيء و بّسبب هذه المشكّلة لنّ يستـطّيع التقدّم أو حـتّى المضي قدّما فّي
حيّاته فكـّان ذلكّ الشـّاب ذو الشعـّر البني المـّصفف بشكل رائـّع ، و تلكّ السترة الجلدّية الجّميلة معّ
سـّروال الجيـّنز و حـذّاء تصميمه مشـّابه لسترة فكـّان رمـّزا للأنـّاقة و الجـّاذبية الخّاصة ، إنهّ ذّلك
الـبيسبـّول الشهيـّر سيدّ كـّايل آل لبيـّر الذّي قـّاد فـٍّريقه للنّصر
يجـّلس فّي مكـّتب فخمّ جـدّا ، و خـّلف هـذّا المـكّتب يـوجدّ ذلكّ الرجّل ذو شـّعر الأسودّ الحـّالك فابتسـّامتهّ
السـّاخرة فنـّظرته المليئة بالكبـّريـّاء و عينيهّ الزرقاوتينّ شديدتا الدّكنة ، يرتـدّي قميصـّا رمـادّي اللونّ
خـطّى بقلمه مسـّرعا على الـّورقة ليتشكّل إمـّضائه المميـّز، ثمّ سحّب الملّف الأخر ليّعطيه نـّظرة
تفحصيه بينمـّا لا يبـّدوا عليه الاهتمـّام بتغّير ملّامح كـّايلّ إلى السخطّ و الغـّضب، فقـّال الأخير بحدة
ـ يـا إبن العمة ، متى تعيرني القليل من وقتك ؟
ـ حينمـّا تستـأذّن لدّخول
رفع كايل حاجبه دلالة على استنكاره فوضع يده فوق مكتب نايت الزجاجي و طٍّرق بواسطة أصابعه
عليه فـتوقف نايت عن الكتابة بقلة صبر و عقد ذراعيه منتظرا ، فابتسم كايل واضعا قدما على الأخرى
بغرور
ـ كما ترى فنحن لم نتبادل الكلام منذ فترة و قد قادني اشتياقي الرهيب نحوك دون دراية لذا ، أخبرني يا
ابن العمة ، كيف حالك ؟
تنهد نايت ببرود ثم نزع نظارتيه و وضعهما جانبـّا ، يفضل استماع الى كلام ماري الفارغ بدل
استفزازات كايل ، فتجاهله كعادته حيث ان نظره لا يزال مركزا عليه ليكمل كايل حديثه
ـ إليزابيث ترسل تحياتها لكّ ،
رنّ هاتف نايت فـّامتدت يدّ كايل و التقطه قبلّ أن يقوم نايت برفع إصبعه حتى ، ابتسمّ كـايل مستفزا إياه
ثمّ نـظر إلى اسـمّ المتصـّل كان صديقه ويليـامّ و صـورته تعلو الشاشة ، رّفع السمـاعة ببرود و نظراته
تلاحق نايت ثمّ ردّ بابتسامة
ـ أهلاّ ويليـّام ،
قطّب ويـليام باستغراب ثم نـظر إلى شـاشة هاتفه متـأكدا أنه اتصل بنايت لا أحد غـّيره ، تنهد بخفوت و
تخلخلت أصابعه شعره الأشقر الذهبي ليقـول بـتعاسة
ـ أهلا كـّايل ، هل تقوم بإزعاجّ نايت مجددا ؟ كم مرة أخبرتكّ ان تتـركه و شـأنه ؟
ـ و لا مرة ، اسمـّع أنّا ضجّر لدّرجة الموتّ و أريدّ الذهاب إلى الحانة بـّرفقتكمـّا و لأنكـما لمّ تقيما لّي
حفّلة وداع العـزوبية فلا تستطيعان الرفّض
أجـّابه نايت بّسخرية لاذّعة و هو يـأخذّ الهاتف من بين يدّيه ،
ـ لا داعيّ ، جميـعنا نـّعلمّ انكّ فـعلت بدون حاجة لمساعدتنـّا ،
ضحكّ ويـليام في الطّرف الآخر و كـادّ أن يـّرد لولا أن نايت قطّع الاتصـّال و أطفـأ هاتفه ليـرميه جانبـّا
ثمّ يـأخذّ ملفـّا أخرا ليدّرسه ، قطّب كايّل بانزعاج و وقفّا مـغادّرا قـّائلا بـّصوت عالي
ـ أنا أنتـظرّك ، لا تتـأخر

/

شـّهر أكتوبرّ ، حّيث تهبّ ريـّاح لندّن فيّ كل الأرجـّاء فيهـطّل المـطّر بدّون توّقف و تتسـاقطّ حبـّات الثلجّ
الصـّغيرة تلكّ فيّ الأرضّ ، و لهـذّا كـّان يـّرتدّي معطّفه و يضـّع الوشـّاح حـّول رقّبته مـّانعـّا أيّ منفذّ
للهـواء بالمـّرور ، أنفه محمرّ و خدّيه كذّلك رّن الجـّرس عدّة مـّرات حتىّ فتحّت سيدّة فرانسيسّ بـّابهـّا
أخيـّرا و نـظّرت مطـّولا إلى ويـّليـام ، يرتجّف فيّ مكانه من شدّة البـّرودة فقـّالت باستغراب
ـ ويـّل ما الأمر ؟
ـ سيدّة فرانسيس التدّفئة لا تـّعمل و الشبكـّة كذّلك أيضـّا ، لذّا هلّ يمكنكّ مناداة سيد بول لكّي يّصلحها ؟
قطّبت سيدة فرانسيس ثمّ أومـأت بالنفيّ و هي تقـّول بلهجة جمعّ فيها كلّ الأسى و الشـّفقة ، كّيف لا و
الموضوع يّخص جـّارها الوسيمّّ ؟
ـ للأسف زوجي ليّس هنا و أنـّا ذاهبة إلى إجتمـّاع سيدّات الحيّ الآن كمـّا أن إصـّلاح التدفئة يستغـّرق
أيـّاما خصوصـّا لأن الأنابيبّ قديمة
طـأطأ رأسه بخذّلان فتحّسرت فرانسيسّ ثمّ أمسكّت مفتاح شّقتها و قدّمت إليهّ لتضع بين يديه البـّاردتين
و اللّتين تكادّ أن تتجمدّا ، قـّالت بابتسامة
ـ إبقى في شقتّي ريثّما يقومّ بول بإصلاحّ التدفئة ،
أبتسم ويليـام ، ابتسامته الجذابة المشهورة بين النـّساء و التيّ أطاحّت بالعدّيد ثمّ عـّانقها بـّخفة و هو
يّشكرها صـّادقّا بينمّا خّجلت سيدة فرانّسيس و ضّربته بحّقيبتها طّالبة منه الابتعـّاد ضـّاحكة
فدّخل إلى الشـّقة و جّلس على الأريكة ثمّ لفّ نفسه بذّلك الغطـّاء الموجودّ هناك ، من الجميل ان يمتلكّ
الإنسان جيران يـّراعونه و يسعون لراحتّه ، فجـأة أعطّـته سيدة فرانسيس كوبّ من القهوة الساخنة و
قاّلت مبتسمة
ـ ستـساعدّ على إعادة توازنّ حرارتكّ و إنّ لم تتحسن اتصل بي أو بماري فبالرغم من إنها بلهاء لكنها
ممرضة جيدة ،
ـ حسنا سيدة فرانسيس إنني ممتنّ لكّ و لا أريدّ أن أتعبك أكثر من هذا
ـ عـزيزي أنتّ بمثابة ابن لّي لذا لا تقل مثل هذه الامور مرة أخرى و الا سـأغّضب
ابتسم ويليام و لم يقّل شيئـا فـّربتت فرانسيس على شعره الأشّقر المتموجّ و رحـّلت مسرعة إلى
الاجتمـّاع ، بينمـّا استلقى ويليام و هو يضّع يده على عينيه بكل تعب مفـكّرا فـّيما حـدّث سّابقا زيـّارة
إليـزابيثّ تـّقلقه و ثـّورانّ فـلورا أيضّا فـّتنهـدّ بـّأسى ، لمـّا هو محـّاط بـّنسـّاء مخيفـّات مّثلهن ؟ يجـّب
عليه التـّصرف فـّورا قـّبل أنّ تتـطورّ الأمـّور إلى مـّا لايحمـدّ عـّقباه

/

فيّ تلك الطـّريق الطـّويلة التـّي عـّبرتهـّا بـّاحثة ، لمّ تـّكن تعلّم أنهـّا و خّلال تـّلك الفـّترة التـّي أمضتهـّا
مـّلبية طّلب والدّها بجّلب روبرتّ له ، لمّ تكّن تـّعلم أنّ مـا أحتاجه فعـّلا هو وجودّ ابنتيه بجـّانبه يّخففان
منّ ثقـّل المـّوت ، و من هـجّرانّ روحـّه
لجسدّه مـدّ يدّه إلى هـّاتفه محـّاولا الوصوّل إلى رقّم احدّيهما ، لكّن كّيف ؟ كيـّف و هـّاتين العينينّ قدّ
غشاهماّ الـظّلامّ و هـّاتين الشّفتينّ اللتـّان اعتـاّدتا على تلفتّ بوبرّ من الشتـّائمّ طـّوال الـّوقت همـّا الآنّ
تنـّاجّيان للفّظّ كلمة واحدّة فـقطّ ، واحدة فقطّ لا غـّير هـذّا الجـسدّ الذّي كـّان معه طوال رحّلته بّهذه الدّنيـّا
هوّ الآن على وشكّ تـّركه ، فصـعدّ إلى السـّريرّ بصـّعوبة و قدّ أهلكته المقـّاومة لا فـّائدة الآن ـ لا فـّائدة
فـّلا مجـّال للـهرب منّ المـّوت .
ابتسـمّ بـألمّ موجـّع ، ثـمّ و تـّدريجّيا تـّوقف عنّ المقـّاومة و تـّوقف عن انتـظاّر فّسكّنت أصـّابعه بالقـّرب
من قـّلبه و تسّربت البـرودّة إلى عـٍّروقه فانكسر ذّلك الأمل الذّي حـّمله للحظة مـّوته فيّ أنّ تّفهمه ابنتيه
، تتفهـّما سّبب قـّسوته و جفـّاءه بدّون أن يّضطر للكـّلام ـ تلكّ اللحـظة لمّ تـأتي أبدّا

آنتهـى ـ حـّروف منّ نـدمّ ـ حـّروف لمّ تـّقّل أبـداّ



JAN 03-09-2020 11:02 PM


هـّجران الـروح لمـّولاها



كـّان يومّا ممطـّرا من أيـّام أكـّتوبر الجميـّلة ، فزّينت الأرّصفة بحّبات من ثـّلج نقـّية ببيـّاضهـّا و بجـّانبهّ ورّيقات ذّبلتّ لتنمـّوا
بمكـّانهـّا ورودّ أجمـّل و أشدّ عبقا ،تّقفّ فـّلور الابنة الكبـّرى أمـّام منـّزل السيدّ رويّ و تـّرن الجـّرس منذّ ثـّواني قّليلة حتى
تفتحه كلير غلوري التي ما إن رأتّ فلور أمامهّا حتى كّشرت بّغضّب و كـّادت أن تـّغلق البـّاب لولاّ يدّ الأخيرة التي منعتهـّا ،
قـّالت بلهجة محذرة و بـّاردة
ـ هلّ عمي روي موجود ؟
قطّبت كلير و رفّضت أن تخبرها بـأي شيء ، فقدّم سيدّ روي من الخّلف لينظر ناحية فلور باستغراب ؟
ألّيس جوناثان الآن يّرفضّ أنّ يكلمه ؟ مـّا سبب وجودّ ابنته هنا إذّن ؟ و لمّ تطّل فلور من تساؤلاته بلّ قـّالت بتهذيب
ـ عمي روي لقدّ أرسّل والدّي فيّ طّلبكّ لرؤيته وجها لوجهّ،
ـ مـاذا ؟ إذّن لمـّا لم يّرسل بذّلك عـبّر الهـّاتف ؟
ـ لا أعلمّ لمـّا لا تـسـأله بنفسكّ حين تّصل ؟
فكـّر معـّمقا فيّ السبّب الذّي قدّ يجـّعل السيدّ جوناثان يتـّحدث معه مـجددا ؟ فـّجون ذوّ كبـّرياء عـّالي و إنّ أراد سوف
يّرمي بّصداقتهم المتينـّة أدّراج الـّرياحّ من أجلّ كـّرامته و لنّ يكون السببّ جيـدّا لكنهّ دّخل لكيّ يـّحضّر أشيـّاءه وسطّ نـظرّات كلير
المعـتّرضة ، قـّالت بـحدة تـّكلم فّيها فـّلور اللامبّالية
ـ لمـاذاّ لا تتـّركوننّا و شـأننـّا ؟ أنتـمّ كّكلابّ بالـّرغم منّ أنّ أصّحابها يّطردونها إلا أنها تـّعود بذلّ لتـّلعب بأذّيالهم من
حـّولهم
رفـّعت فلورا نـظرّها إلى كلير ببّرود و قدّ بدا أنها تـّمسك أعّصابها كيّ لا تتـّهور لكنّ فيّ النهاية لم تسّتطعّ أن تـّبقى محافظة على
هدوءها لتمدّ يدّها ناحية رّقبة كلير و تـّدفعها إلى الجـدّار الذّي خلّفها بكل قـّوة ، اقتربت منها بغضبّ و النيّران مسـّعرة تـّجول بـّكل
قّطرة في دمّها لتـّتحدثّ بنبرة مخيّفة
ـ جرّبيّ أن تـّقولي هـذاّ مجدداّ لأريكّ ما الذي يّمكن للكـّلاب أن تـّفعل إنّ أرادت أن تـّنقلب على أّصحابها
ثمّ دّفعتها لتـّسقطّ أرضّا بإحتـّقار و كره حيّن أتى العـمّ روي مسّرعا و لمّ يلحـظ تـّلك المعـّركة التي حـدّثت تـّوا منّ أفكـّاره العـّميقة
اتجـّاه صـّديقه ، تـّبعته فـّلور ببـّرود و هي تـّرمق كليرّ بّسخرية شديدّة ، كـأنهّا تـّقول أينّ قّوتك التيكنتّ تتّسلحين بها ؟

/


قـّصر آل لبيّر ، الذّي شيدّه الـزمن جمـّالا تلفه الورودّ من جميـّع الأنحـّاء و تعـّلوه أشجـّار ذّات نسيّم عليـلّ ، فّي أحدّى غـّرفه الكثيـّرة بالطـّابع الثـّانيّ
، كـّانت ذّات ديكور يـّختلف عن القّصًر اختلافـّا تامـّا و جـّو ، فالرياح عاتية تهب مزمجرة فتلطم نوافذّها فـّاتحة إياها و أبوابهـّا مغلقة إيـاها مصـّدرة
صوتاً مخفياً ترتعد له الفرائص ، بدء المطر ينهمر بغزارة ؛ و الأنواء تنطّفئ و تعـّود للانـّارة كمـّا لو كـأنها لـّعبة الغمضة ، برد قارص يزلزل الإقدام
ذّلك الـّجناحّ ذو الجـدّران الـسّوداء الـداّكنة و الفـّارغ الموحّش ، ذات السقف الخشبي الرائع والمرسوم باليد والذي يعطي بعدا أعمق ورقي محددا مقياس
هذه الغرفة وكذلك إحتوائها أنتيكات فرنسية وقطع أثاث مطبوعة بنقوش حيوانية و سـّرير واسـّع صّنع بواسطة خشب الماهوغني يشد الانتباه ،
السجاد التابستري جميـّل ينمي عن ذّوق رفيـّع ، مستلقـّيا على الـسّرير و فيّ حـّضنه حـّاسوبه المحـّمول بينمـّا يده التيّ زّينها بّساعة كبيـّرة من
المـّاركة المشهورة رولكّس تخـطّوا على لوحة التـّحكم بـّكل سهولة ، قطّب ثمّ تنهدّ و هو يـّفركّ رقّبته من التعبّ ، فجـأةّ فتحّ بابّ الجنـّاح
ليدّخل جـدّه فقـال نايت ببرود
ـ ما الأمر ؟
تقدّم الجدّ بيتر منه ثمّ جلّس على الـّسريرّ بجـّانب نايتّ اللامـّبالي و قال مباشرة محدُّثـا إيـاهّ و نبرة الصـّرامة تعـّلو كلاماته
ـ ماهي خـطّتكّ هذه المرة نـاّيت ؟ ما الذّي تريدّه بحق السماء ؟
احتدّت نـظراتهّ الموجهة نحو جدهّ بشـكّل مخيّف و ارتفـّع حـّاجباه دّلالة على النكـّران بينمـّا تـّقوسّت شفتيه بـّعبوس ، ليكمل بيتر حديثه
ـ أريدّ أن أعلمّ ما إنّ كنت استعملت تلك الفتاة كتمويه لكّي لا تـّلبي لي طّلبي ؟
تنهدّ نايت بغّيض عندّما علمّ الموضوعّ و أكمـّل الكـّتابة مجيـّبا جده
ـ و لماذا انت حانّق هكذا ؟ ألست أنت من تـريدّ زواجي بـأي طّريقة كـّانت ؟ لقدّ أخبرتني و بّكل وضوحّ سـّابقـّا و أنا أقّتبس منكّ
' أريدّ منكّ أن تتـّزوجّ مهما كـاّنت الفتاة أريدّك أن تـّعيشّ حيـّاتكّ '
هـزّ الجدّ بيتر رأسه بـّعدم رضي ثمّ أشـار على نايتّ بحنقّ و هو يقـّول يـائسـا
ـ لكن لا أراكّ متغـّيرا، عندما أردّت منك الـزواجّ ذّلك بـّقصدّ أن تتـغير و تصبّح إنسـّانا أن تشـّعر أكّثر و تحّب و تـّثق بالنـّاس
لا أن تبقى منغـّلقا على نفسكّ
لمّ يتحدّث نايتّ فـرمقه جده بـّاستنكـّار ثمّ وضـّع يدّه على كتفه و قـّال بتسـاؤل
ـ الا تـّحبهـا ؟ مـاري ؟
ابتسمّ بسخرية شديدّة ، يحّبها ؟ فتاة مثـّلها ؟ بلهـّاء و غـّبية ؟ حمقـاء لدّرجة الجـّنون ؟ تّصّف نفسها بالمتـّرصدة
و تعيشّ في عـّالم الأحلام ؟ تـّبحث عن فـّارسّ أحلامهـّا و تـّغّضب عندّ تـّقبيلها ؟ أي إمرأة هذه ؟ أجـّابه
ـ أجـّل ، أنـّا غـّارقّ فيّ حبّها تمـّاما و أريدّ الـزواجّ منهـّا
ـ أنـّا أنتـظّر إذّن ، و متى قدّ حددّت موعدّ الزفـّاف إذن ؟
ـ قـّريبـّا جداّ ، أقّرب مما تتصـّوره
صمتّ الجـدّ على مضضّ ، لا يـدّري لما لكـّن دائمـّا إذا كان موضوع الحـديّث نايتّ فإنهّ يّحّاول فّهم المـّعنى خلف كل كلمة يّتفوه بها
إلا أنّ محاولاته دائما ما تبوء بالفّشل بينما قـّال نايت ببّرود غير مهتم لشّرود بيتر
ـ لديّ رحـّلة عـملّ بـعدّ سـّاعة لذا أستـأذنكّ
وقف الجدّ بهدوء و خـّرج ، لقدّ طرده بـّطريقة مبّاشرة متى .. متى سيذوب هذا الجليدّ ؟ هز رأسه بـّأسى و هو
يهمس لنفسه
ـ أخـّاف أن يستمر للأبدّ

/

ظـّهرّت الشمـّس من خـّلف تـّلك الغـّيومّ ببطـّء كـأنهـّا خجّلة من تـأخّرهـّا و غيـّابهـّا الطـّويل فرّفعـّت هـّاتفهـّا و التقطت صـّورة
لهـذّا اليـّوم الغـّير عـّادي ثمّ نـظّرت إليهـّا ،وضـّعت يدّها على قـّلبهـّا الذّي يستمـّر بالخفقـّان ، متـألمّـّا و متـّنبـئـّا بمصيـّبة قـّادمة ،
فقـّادّهـّا قـّلبهـّا إلى حّيثمـّا يـّريدّ ، أو إلى أينمـّا هي تـّريدّ لكّن عقـّلهـّا يـأبى تـّركهـّا و كبـّريـّائهـّا المـّجروحّ يـّرفضّ إفـّلاتهـّا ،
قدّميها تسيران بخطى مضطربة و لا تّعلم لمـّا ، يدّيها ترتجّفان بشدّة غّير قادّرة على إمساكّ قلم و لا تّعلم لمـّا ، قّلبها يّنبض بّسرعة
كـأنهّ شهدّ الموتّ بينّ هاتينّ العينينّ و لا تّعلم لما فّوسط تّلك الضّجة فيّ هـذا الدّرس الذي تّعتمد عليه معظم علاماتها قدّ وقفتّ بإضّطراب
لا تدّرك ما الذي يجّب عليها فّعله ، أنفاسها تخنقهاّ و أفكاّرها ترعبها حينّ تقدمتّ منها كليّر مكتفة ذراعيها و ملامحهاّ يغزوها الاحتقار متـذّكرة
ما الذي فّعلته أختها فلور صّباحا بهاّ لتّقول بـسخريةّ و حقدّ
ـ ألمّ تسمـعّي الأخبار مـّاري ؟
رمقتها ماري باستنكار و رفّضت التحدث معها بـعدّ آخر موقفّ لها معهاّ لكنّ كليرّ آبت إلا الانتقام عندما لمحتّ ماري تخـّرج كتّابها لكيّ
تذاكر لهذا الامتحان المهمّ و قدّ خطـّرت فيّ بآلها فـكرّة قدّ تكونّ كذبة تفوهت بهاّ لحظة غّضب لكنهاّ حقيقّة،
ـ أنتّ تجلّسين هناّ لا مبّالية بينماّ والدّيك يّرافقّ الموتّ ،
تّوقفت ماري عن المـذاّكرة و قدّ شحبّ وجههاّ بشدّة ، كيّف لا و الموضوعّ يخصّ والدّها فـّعادتّ تّقف و هي الآن تّعلم
ما سّبب إضـّطرابّها و قـّالت بتوتر
ـ مـّا الذّي تـّقولينه أنت الآن ؟ والديّ ما بـه ؟
ابتسمتّ كلير بّخفوت و هي تتـذّكر مجيء فلور و طلّب سيدّ جوناثان لرؤية والدها ثمّ رفّعت كّتفيها بلا مبّالاة
ـ لقدّ آتت آختك و آخبرتنا أنه يّحتضر
نـظرّت إليها غّير مصدّقة فكّيف لوالدهاّ رجلّ القاسيّ أن يّصبح مّريضا بينّ ليلة و ضحـّاها ؟ لكنهاّ قدّ قالتّ أنه يحتـّضر ؟
ماذا إذاّ كـّانت صّادقة ؟ لكنّ الامتحـّان يترتبّ عليهّ نصّف عـّلامة هـذا الفّصل لا تّستطيّع المغـّادرة و من جـّهة آخرى ماذا
إذا كان حـّقا يّحتضر ؟ قد لا يتسنى لها رؤيته مجددا ؟
-

وضـّعت يدّها على قـّلبهـّا الذّي يستمـّر بالخفقـّان ، متـألمّـّا و متـّنبـئـّا بمصيـّبة قـّادمة ، فقـّادّهـّا قـّلبهـّا إلى حّيثمـّا يـّريدّ ،
أو إلى أينمـّا هي تـّريدّ لكّن عقـّلهـّا يـأبى تـّركهـّا و كبـّريـّائهـّا المـّجروحّ يـّرفضّ إفـّلاتهـّا ، فـو بغضون سـّاعة من الركض لمّ تـّدركـّها
، وجـدّت نفسهـّا تـّقف أمـّام ذلّك المنـّزل الذّي وعـّدت بـّعدم المجيء إليه ثـّانية ، تـّرددّت كثيـّرا قـّبل أن تـّقبل على تـّقدم خـطّوة واحدة
للأمـّام لولا سـّماعهـّا فجـأة لصّراخّ أختهـّا المتـألمّ لحدّ الوجـّع ، و بالـّرغم من سـّماعهـّا لصوتّ بـكـّاء فـّلور المـّرير و العـّالي إلاّ
أنّ قدّميهـّا لا زاّلتـّا تـّرفضـّان الدّخول ،هـذّا غـّريبّ فـّعلا ، فهبّت نسـّمة ريـّاحّ من خـّلفهـّا كـأنهـّا تحّثهـّا على الاستمـّرار لتعقدّ العـّزم
و شدّت بّقبضتها على فستـّانهـّا المتـّراقًّص مـّع نغمّات الّرياح لتخطوا خـطّوة فخطّوتين فـّثلاثّ لتجدّ نفسهـّا تفتحّ بــّاب منـّزلهـّا قدّيمـّا
مـدتّ يدّها المـّرتجّفة بّترددّ لكنهاّ أنـزلتها سّريعـّا مديّرة رأسها ، لا تّستطيّع سوف يّرفضونها مجـدداّ هي لن تـّقدر على تحملّ رّفض
الكّل لها حينّ انتقل إلى مسامعها صّوت صّرخة فلور المستغـّيثة و المتـّوجعة فـفتحتّ عينيها على وسعهماّ قّلقا و دفّعت كبرياءها جـّانبا ،
ذلك الكبّرياء الذّي لا طالّما حـذّرها نايت من رميه و الذيّ لطالما أنبهاّ لأجلّه قدّ رمته
فصـّعدت الـّسلم ركضـّا إلى حيّث استغاّثة أختها المـّتألمة، إلىّ حيثّ يـأمرهاّ قّلبها بالذّهاب ، إلى حيّث نـّادتها روحّ والدّها المـوجوعّة نـّظرت
من خـّلال عينيهـّا البنيتينّ الواسـّعتين إلى جّسم فـّلور المـّرتمي على جّثة والدّها و التّي تهـّزه باستمرار رافـّضة تـّركه بالـّرغم من محـّاولة
روي المستميتة لدّفعهـّا جـّانبـّا ،تقدّمت بـهدّوء إلى دّاخلّ غـّرفة والدّها ، التّي لمّ تدّخلهـّا منذّ سنينّ ، و كمّ انتابتها من مشـّاعـّر حّينهـّا
، مشـّاعرّ نسّتهـّا .. الدّفء ، الحـّنينّ ، الأبوّة ، العـّائلة
وقّفت أمـّام جسـدّ والدّها الممـّدد بـّلا حـّراكّ و شّفتيه قدّ انقّلبتا للـونّ الأّزرقّ ، ثمّ وضـّعت يدّها على كّتف السيدّ روي و قـّالت بـّعدم استدّراك
ـ ما الذّي يحدّث ؟
و بينّ سـّؤالهـّا البريء و الجـّانبي تسمـّع صـّوت فـّلور المبـّحوحّ الحـّزينّ و هي لا تـّزال تهـّز ذّراع والدّها بقـّوة واهية
ـ لقدّ أحضـّرت عمي روّي ، أرجوكّ أفق ، أبّي أعدّك أننّي لنّ أضـّع كـّوب القـّهوة على الطـّاولة و هو سـّاخن ، أعدّك أننيّ
سـّوف أتوقفّ عن إعـّادة كّلامكّ بسـّخرية من خـّلفكّ و أعدّك أنني سـأعيدّ مـّاري إلى المنـّزل و أعدّك أنني سـأبقى بجـّانبكّ
و لن أترككّ أبدّا ، لذّا فقطّ افتحّ عينيكّ هـّاتين من أجـّلي ، أرجوكّ لا تـّرحـّل
سـقطّت مـّاري على ركّبتيها و قدّ خّذلتها قدّميها بّذهول و صـدّمة قدّ ألجـّمت لّسانها ، ما الذيّ تقصدّه
فلور بّلا تّرحل ؟ أفعلا هو قّد ذهب ؟ لكنّ إلى أينّ ؟ ما الذّي تتفوه أختهاّ من تّفاهة ؟ إنهّ هنا أمامهمّا
فّلما تّصرخ هـكذاّ كما لو كـأنّ الحّياة قدّ انتهت ؟ بينماّ احتّضنها عمّ روي بّخفة و هو يّهمس بّنبرة خاّفتة
ـ لقدّ تّوفي
الذّهول قدّ سـّيطـّر على ذّهنهـّا ، فّي هذه اللحـّظة بالذّات أدركـّت أنّهـّا فقدّت فـّردّا أخـّر من عـّائلتهـّا دون أنّ يتسنى لهـّا وداعه
، دّون أن يتسنى لهـّا طّلب الغـّفران منه ، دّون أن يتسنى لهـاّ أنّ تـّشرحّ لهّ ، لقدّ تـّوفيّ هكـذّا ببسـّاطة ،
، لقدّ فقدّت فردّا من عـّائلتهـّا ، أمسكـّت بيدّيه و قـّبلتهـّا كـّانت تعّلم لوّ قدّمت مـّرارا لطّلب الغّفران لماّ
استطّاع رفّضها و لنّ يخّيب ظّنها بّه لكن لمّ تكنّ لدّيها تلكّ الشجـّاعة و هو يـّعلم ، إنهاّ لم تستطـّع أن
تواجّهه فـّلما رحّل هـكذا دونّ أن يّدّعها تجّلس في حّضنه و لو لمـّرة واحدّة ؟ أنّ تنـادّيه بـأبيّ و هو
يبتسمّ بكلّ لطّف ، أهـذّه أمنيّة كبّيرة ؟ أهيّ مستحيّلة ؟ أن تكونّ وسطّ عـّائلتها و أن تبتسمّ بكل سـّعادة أهي مستحـّيلة فّعلا ؟
حـّاولت فـّلور إسناده على الوسـّادة التّي خّلفه كيّ توقظه فتـّقدمّ عمّ رويّ و صـّفعهـّا بـأقصى قـّوة
يمتـّلكهـّا ، فنـّظرت إليهّ فـّلور لّوهلة بسيـّطة من الـّزمنّ ثمّ عـّادت تنـّظر إلى جسّدّ والدّها الممـدّد بـّلا
حـّركة ثمّ إلى أختهـّا التيّ قـّادها القدّر
مسحـّت دّموعهـّا بهـدّوء ظـّاهري و تمّتمّت بـّكلمات شـّكر بسيطّة لعمهـّا تـّشكـّره لإيقـّاظها من
غـّفوتهـّا ، أو منّ جـّنون الذّي أصـّابهـّا ، بـّعدهـّا تـّقدمـّت إلى أختهـّا الـّصغرى مـّاري و وضـّعت يدّيها
على كّتفيهـّا
إلتفتت إليهـّا مـّاري المـّنصدمةّ و بعينيها الكثير من التساؤلات ، لتجّتنب النـّظر إليهـّا فليسّ كمـّا لو أنها
تمتلكّ الإجـّابات بنفّسها ، فـّلم تستـطّع مـّاري التـّفوه بشيء ، كمـّا لو كـأن الدّموع قدّ جفـّت و قّلبها
قدّ تّوقف عن العـّمل ، كمـّا لو كـأن الكّلمات تلاّشت و العبّارات إختفت
إنهّ والدها من تـّوفى الآن ـ و هيّ لا تـزاّل على خّصام مّعه، هلّ من شيء يّستحّق الثـّراء أكّثر من هذا ؟ كيـّف لها ان
تـّطلب منه السمـّاح الآن ؟ إنهـّا النهـّاية
بعـدّ مرور يـّوم واحـدّ ،
تـّكلفّ العـمّ روي بكـّل شيء يخّص صدّيقه الوحيدّ و العـّزيز ، منّ جـّنازتهّ البسيطـّة المقّتصرة على أفردّ
العـّائلة فقطّ المكـّونة من ابنتيهّ و زوجـّته السـّابقة سيـّليـّا التّي و بعدّ اختفـّاء دّام أعوّاما عـّادت لظّهر
فّي فترة الظهيرة
مـّرتدّية فستـّانا أسودّ طويّل و قفـّازينّ مع قّبعة بنفسّ اللونّ أيضـّا ، تـّقف على مبعدة من الحضـّور و
مكـّتفية فقطّ بإلقـاء نظرة أخيـّرة على زوجها السـّابق من بـّعيد .
لمّ تحتمّل ماّري منـّظر والدّها و التـّراب يـّرمى عليهّ ، التـّراب الذّي خّلق منه هاهو الآن يـّعاد إلى أصـّله
فأغلقت عينيهـّا بشدّة
أمـّا فـّلور ، كـّانت تّقف على مقـّربة من والدّها تّرفع ذّلك التـّراب و تـّرميه عليهّ بدّون أّن يـّرف لهـّا جّفن
، أجـّل قـّلبهـّا لا يحتـّمل فقدّان فردّ أخر من عـّائلة روبرتّ ، أجّل قّلبها لم يعدّ يتحمل كل هذا البعدّ و
هذه اللعنة التي قيدّتهم فلم يصّبح شخص الا و اسم عائلته روبرت يبتعد أقصى مسافة عن إخوته آو
والديه ،
جـّلست مـّاري على الأرّض بـعدّ انتهاء كل لمـّراسمّ و مغـّادرة الجميـّع لتـجّلس فـلور بجـّانبها و هي
تحمـّل ذّلك الدّفتر الأخضّر الصـّغير بينّ يدّيهـّا ، وسطّ هذا الهـدّوء الذّي عـّم المقـّبرة تحدّثت ماري بنبـّرة
لطّيفة محـّاولة تـّخفيف عن أختهـّا التي أخذت كل شيء على عاتقها
ـ مضّى وقت طّويل منـذّ أنّ جلّسنا إلى جـّانب بّعضنا هـكذّا، لقدّ اشتـّقت إلى تـّلك الأيّام
أومـأت فلور بـّهدوء و التفتّ ماري ناحية أختها بّشرود، لمّ تطّلب منه أن يّسامحها بـّعد و هو لا يـّزال
غـّاضباّ منها ، ابتسمت و أشـّارت على الدّفتر لتقـّول بنـّبرة مبحـّوحة حزينة
ـ أتـّعلمين ما هــذّا يـا ماري ؟
أومـأت ماّري بالنفّي مسّتغربة فـأكملّت فـّلور كـّلامهـّا ،
ـ إنهّ سببّ الذّي دّفعــّني للابتعـّاد عنكّ ،
رمّشت مـّاري بّعينيهـّا البنّيتينّ اللتـّان و على وّسعهـّمـّا أّصبحتـّا غـّير قـّادرتين على الانفتـّاح ، ثمّ مـدّت
أصـّابعهـّا الطـّويلة و أمسكـت بذّلك الدّفتر الأخـّضر ، الّسبب الذّي دّفع فـّلور بـّعيدا عنهـّا ثمّ فتحتهّ ،
الـّصفحة الأولى كـتب عـّليه بخطّ واضحّ دّفتر الدّيون ، قـّالت بتسـاؤل
ـ الدّيون ؟ أهـذّا الدّفتر يخّص والدّنـّا ؟
أومـأتّ فـّلور بالإيجاب ثمّ قـّلبت الصفحـّة الأخـّرى ، لمّ يكنّ دّفترا لدّيونّ بـّل دّفتـّرا كـّتب فيهّ جميـّع
مـّشـّاعره و رحـّلاتهّ ، جميـّع مـّا لمّ يستـطّع التـّفوه به يـّومـّا ، مـّا لم يسمحّ له كبـّريـّاءه بقـّوله ، نـّظرت
إلى اسمهـّا المّزينّ على اليسـّار
ـ عندّما أتتّ تلكّ الطـّفلة الصّغيرة إلى منـّزليّ ، كمّ شـّعرت بالفـّرحة العـاّرمة لـرؤيتهـّا فقطّ ، كّنت أريدّ
منهـّا العـّودة و أريدّ منهـّا أن تـطّلب منيّ الـعودة لكّن يـّا بؤس سـّعادّتي عندّما أخّبرتي أنهـّا أتتّ لأخذّ
فـّلذة كبّدي الأخرى منّي ،
أنـّا أريدّ مسـاّمحتهـّا ، و أربت على رأسهـّا لأخبّرها أنّها لمّ تـخطـأ أبدّا و مـّا حدّث في المـّاضي كـّان
مـّجردّ غـّفوة لكّن لا أستطيـّع بالـّرغم من أن هـذّا القّلب سـّامحها لكّن الكلمـّات تـأبى بالخـروج
مـّررت عدّة صّفحـّات و دّموعهـّا قدّ بدأت في التجـّمع ، أمـّا فـّلور فـّتنهدّت بـأسى و أخذّت الدّفتر عنهـّا
لتكمـّل بّصوت عـّاليّ ،
ـ اليـّوم لكّن يـّكون اليـّوم الذّي سـأرحـّل فيهّ بّل إنهـّا بدّاية لنهـّايتي، تـّلك النهـّاية التّي كّنت فّي
انتظارها لتـأتي و توقّظني من سّباتي العمّيق و هـجّرانيّ لكّن و عنـدّما أتتّ وجدّت نفّسي أنهّ ما كـّان
أبدّا يجّب علي انتظارها،
تلكّ اللحـّظة التيّ توقظني من طّغيانّي و الحقدّ الذّي طغّى على قّلبي مـّا كان يجّب عليّ انتظارها ،
بّل السـّعي خّلفهّا و المحـّاولة جـّاهدا أيضـّا
فالآنّ و بعدّ أن أدّركني المـّرضّ فـأصبحّت أصـّابعي هـذّه التّي تطـّاولت على الكـّثير من النـّاس عـّاجزة
عنّ كـّتابة كّلمة فـّما بّالكنّ بجّملة ؟ أو رسـّالة ؟
وأنـّا الآنّ أريدّ أنّ أعتـذّر إلى كّل مـّن أخطـأت فّي حقّه يـّوما مـّا و بالأخصّ إلى ابنتـّاي ، أكثّر من أوجّعتهمّ و ألمتهّم ،
إلـّى فـّلور ، تلكّ الطّفلة الصـغّيرة التيّ لطـّالمـّا حمتنيّ و بالـّرغم من أننّي كنت طّاغيّا و لا أنفكّ شتمها
أو ضّربهـاّ في بعضّ الأحيـّان إلا أنهـّا كـّانت تـّنظر إلّي بّشفقة و رحمـّة ، و بالـّرغم من أننيّ حـّاولت
كثيـّرا إبعـّادهـّا لكّنها كـالغـّراّء ، غـّراء جميـّل
أعـّلم أنكّ يـّا فـّلور ، مستـاءة من أمكّ لأنهـّا تـّركتنيّ و أعّلم أنكّ حـّزينة لأننّي ظّلمت مـّاري بّشتى
الطـّرق و أعـّلم أنكّ تـفهمينّ جيدّا لمـاذّا فـّعلت كل هـذّا ، أنـّا أسّف فـّعلا ، فقدّ حـّاولت تـّزويجكّ من
آرثّر باعتقادي أنه الرجّل الصـّالح الذّي سيحميكّ منيّ و من الجميـّع لكننّي كنتّ مخطأ
أنـا أسفّ
إلى مـّاري ، ابنتي الثـاّنية .. أنـّا أعلمّ أن لا ذّنب لكّ فيمـّا حدّث بالمـّاضي و أنـّا أعلمّ أنكّ ما كـّنت

تدّركين مـّا تفعلينهّ لأنكّ صـّغيرة ، و أنـّا أسّف أيضـّا لأننيّ طردّتك من المنـّزل الذّي لمّ تعّرفي بهّ حبـّا و
لا دفء ، أنـّا أحبكّ يـا طـّفلتي الصـّغيرة ، أحبكّ جدّا لدّرجة جّعلتني أبعدّك عنّي كّيّ لا أؤلمك أكثر
أمـّا عن قّصة الـ 500 مليـّون تـّلك فـّلا وجودّ لهـّا بـّل هيّ مجرّد كذّبة منيّ كيّ ترضى فـّلور بالـزواجّ من
آرثّر و كّلانـّا أنا و سيدّ جورجّ غلوري نعّلم بهـذّا ، لذّا لنّ تـضطّرا لأنّ تّقلقّا بشـأن الدّّيون من الآن فّصـاعدّا ،
لقدّ اخترعت قّصة الـ 500 مليـّون دّولار لأننيّ رأيت فّي آرثر الـّرجل المنـّاسب الذّي سّوف يـّنقذّكنّ و
سـّوف يّقف بجـّانب فـّلورا ،
أنـّا أسّف لذّا مـّاري ، أعّلم أنّه لّيس لدّي الحّق فّي طّلب أيّ شيء منـكّ ، لكـّن أرجوكّ أعدّلي عن
هـذّا الـزواجّ و أتـركّي رجّل أل لبير و شـأنهّ ، أعّلم أنه هو الذّي دّفع المـّال و أعّلم أن مـّا تكّنينه لهّ ليّس
حبّـا ، لذّا أرجـّوكّ عّيشي حّياتكّ و لاّ تـّقبلّي بـأنّ تـكونّ خـادّمة
أنـاّ أسّف يـا ابنتـّاي فـّكل مـّا قّـاسيتنهّ كـّان بّسبب رجـّل أحبّ امرأة ،
رجـّل أحبّ امرأة و امرأة أحبتّ ذّلك الرجّل بـالرّغم من عـّيوبه ، لكّن بخيّانتنـّا لمّ نتعـّادل
ذّلك الرجّل كـّان والدّكم و تلكّ المرأة هيّ أمكمّ سيليّا ،فلمّ أعلّم قيمتهّا إلا بـعدّ رحّيلهـّا و بعدّ رحّيلهـّا تـّركتني
محّطّما مشتتـّا ، لمّ أدّرك معنى أنّ تفقدّ شخصّا يحّبك من أعمـّاقه قّلبه و يهتمّ بكّ قّبل الاهتمام بنفّسه ، لذّلك لا
تـّلوموهـّا على ماّ فعلت ، لقدّ كانت مجّروحة من رفّضي لحّبها بعدّ كل تلكّ السنينّ
أنـّا أسفّ لأنكنّ لم تّختبرنّ شعـّور العـّائلة
أنـا أسفّ لأننيّ لم أكّن لكّن أبـّا تستنـدّن عليهّ ، و أنـّا أسفّ لأننيّ أقول هـذّا الكـّلام بـّعد فوات الأوان
و أنـّا أسـّف على كلّ شيء
شـّعرت الفّتاتين بّصدمة عـّميقة من مشـّاعره ، لمّ تـكن لتـّظنا و لو لّيوم فّي حّياتهما أنّ هـذه هيّ
أحاّسيسّ والدّهما الحـّقيقية ، فـبدأّت دّموع فـّلورا بالسـّقوط و قدّ تـّهاوت جـدّران قّوتها من حـّولها فـّلم
تـّجدّ أي منجى سّوى حـضن أختهـّا الّصغرى لّيلمها بّكل حـّنان ، كلّتاهما قدّ عـّانتّا و قدّ حـّان وقـّت
وضـّع النقـاطّ على الـحرّوف لقدّ حان وقـّت لمّ شّمل عـّائلة آل لبيّر من جـديدّ بـّعد فـرّاق دامّ سنينـّا ،
بينمـّا وضـّع مـّاري يدّيها حول ظّهر فـّلور تّطـّب عليها بكّل خّفة عنـدّما هـمسّت بّصوت خـّافتّ و بـّعيدّ
ـ لكّن فـّلور لما قدّ يكتّب كلمـّات مثّل هذّه ؟ كـأنه كّان يـّعلم بـأن أجّله قدّ اقترب
تـّوقفت فـّلور عن النـّحيب كمـّا لو كـانّ كلمـّات ماريّ الـّهامسةّ قدّ أيقظتها من نـّوبة انهيارها الـوشيكة
فاعتدلت في جّلستها و رفعتّ يديها عاليا إلى السمـاء لتقول بنبرة لطيفة و رقيقة
ـ لأنه كـّان يـّعلم فّعـّلا ، والدّنا أصيبّ بسـّرطان الدّم اللوكيمـّيا منذّ ثـّلاثّ سنينّ قبّل رحّيلكّ بـّعامّ واحدّ
و أنـّا اكتّشفت ذّلك لهـذّا أردّت الـّوقوف بجـّانبه ، لأنّ والدّنا العـّنيدّ يرّفضّ تـّركنا جّانبه و لأنه والدّنا
السيدّ جونـّاثان روبـّرت فكّان عنيدّا جّدا لإخّبارنـّا ،
تلعثمت مـّاريّ في أحّرفهـّا ثمّ نـّظرت إلى قّبر والدّها ، لتقول بأسى
ـ لمـّا لم تـّخبريني بذّلك ؟
ـ لمّ أعلمّ كيّف أخّبرك ، فـأنتّ كنت مخّتفية لمدّة عامينّ و لمّ نستـطّع أن نـّعرف مكـّانكّ ثمّ أنتّ ظّهرت
فجأة في الآونة الأخيرة و لمّ أعلمّ حينهـّا كيّف قدّ انقـّل لكّ هذه الأخبـّار خصوصّا لأنّ والدّي يّرفضّ أن
نتقـابل نحن الاثنين
تنهـدّت فـّلور ثمّ مدّت يدّها ناحية مارّي ، أمسكتها الأخيرة بإحكـّام لتقّف و تـّلقي نـظرة أخيرة على
المكـّان ، ابتسمـّت بهـدوء و شدّت على يدّ فـّلور لتبتسمّ هي أيضـّا ، فقــالت ماري بّنبـّرة حـّاولت قدّر
الإمكان جعلها مرحـّة
ـ لا تـّقلق والدّي لقدّ تمّ لمّ شمـّل عـّائلة روبّـرت ، و سّّوف لنّ نفتـّرق أبدّا مهمـّا كانت الأسّباب و مهمـّا
طـّال الـزمـّان ،
صـّرخت فـّلور بّصّخب و هي تـّرفع يدّيهمـّا عـّاليـّا في السمـّاء ،
ـ إلى الأبدّ ،
كـّانت نـّظرات تلكّ المـرأة الصّهباء تـّلاحّقهمـّا باستمـّتاعّ و تـّنظر إلى حّركاتهمـّا الواهية فّي رفّع
معنوياتّ بعضهما بّعضـّا ، صّوتّهما و بـّفعل الريـّاح ينتقـّل إلى مسـّامعهـّا ليطمئنّ قـّلبها أخيـّرا على
ابنتيهـّا ،
ابتسمـّت هي أيضـّا بهدوء و أنـّزلت القـّبعة على رأسهـّا أكثّر لتـّغدوا مـّلامحها غـّير واضحة للعيـّان ثمّ
رّفـّعت مطريتها و غـّادرت المـكـّان ، لّيس للأبدّ لكنّ لأنّ يحينّ الوقت المنـّاسب للغـّفران ،

/

بـّعد مـّرور أّسبوع على وّفاة سيدّ جوناّثان روبـّرت ، كـّانت كلّير تـّجلس فّي مقـّهى عـادي تـّمسك بينّ
يدّيها كوبّ قّهوة تـّركية سـّاخنة و تتأمل المارة بمـّلل منتـظرّة وصـّول آخيها الذي أصّبح في الآونة
الأخيرة من صّعب رؤيته ، حـّين تـّقدم ذلك الشّاب ذو الـّشعر الّبني منهـّا و جلّس بـضجرّ أمامهـّا قـّائلا
ـ ما الأمرّ الطـارئ ؟
نـظرّت إليه كليّر ببـّرود ، لقدّ اتصلت به قـّائلة أنّه يوجدّ شـيء طارئ يجب عليها التحدث معه و هـاهو
الآن يـأتي لّيسـألها ما الأمرّ بـعد مرور أربعة أيامّ ؟ لقد أصبحّ آرثر فعلا مهمـّلا لكنها لم تهتم فـعلا فهذه
هي شخصيته لذلك ردتّ بابتسامة
ـ لقدّ توفي جون روبـّرت
قطبّ آرثر و نـظف أذنها كأنه لم ّيسمع الخـّبر جيـدا ثمّ رمش بـعينيه عدّة مرّات ، هل ذلك الـرجل قدّ
توفي ؟ لكن لطالما رآه بّصحة جيـدةّ ، هـز كـّتفيه بمللّ و أجّابها بـعدم اهتمام
ـ إذنّ ، أتـردين منيّ أن أعزي أبنتيه أم ماذا ؟
هـزت كلير رأسها نّفيا بـّقرف و مجـردّ كرة مصّافحة عائلة روبرت تصّيبها بالغّثيان ثمّ همـّست بـّحدة
ـ أجننت ؟ لا طـّبعا لكنّ بما أنّ ذلك الـعجوز قـدّ توفي أخيرا فـهو عقبةّ قد أزيلت من طـّريقنا و الآن نستـطيع أنّ تعذّب
ابنتيه و نقتلهما و لن يّقول أحدّ شيئا
صمتّ آرثر قليلا متـعجّبا من كـّلير بالـّرغم من أنهّ هو منّ طـّرد من المنـّزل و هوّ منّ حرمّ من النقـودّ و
جميـّع أملاكـّه إلاّ أنه لّيس غـاّضبـّا مثـّلها ، ابتسـمّ بسخـّرية حسنـّا غّضبها يّكفيّ لشخصّين أوّ أكثّر ،
قـّال ببـّرود
ـ إذّن ؟
زمـّت كليّر شّفتيها باستياء منه ثمّ وقفـّت و أنهـّت قّهوتها بّرشفة واحـدةّ لتمسكّ بـحّقيبتها و هي
تـّقول بـّغيضّ
ـ لا تـّهتمّ ، عـندماّ أجدّ خـطّة سـوفّ أعلمكّ
و سـّارت مسـّرعة ، رّفع آرثر كـّتفيه متجـّاهلا إيّاها و نـظرّاته مـّركزة على تـّلك النـّادلة الجـّميلة التّي
تصّب لهّ العـّصير



JAN 03-09-2020 11:03 PM



نـزعّ نـظاّراته بّضجر و وضـّع يديّه فيّ جيّب سـّرواله بكلّ مـّلل بينمـّا عينيه الخّضراوتين تـجّولان فيّ المـكاّن حيـنّ لمـحّ وجـودّ مـديّر أعمـّاله
يّقف على مبـعدّة منه منتـظراّ إيـّاه ، تـّقدم منه بـخـطّوات كـّسولة راسمّا على شّفتيه ابتسـاّمة مـّرحة ، رفـّع أصبعيه و ضـّرب جـّبهة مـديّره لّيقول بّمشاكسة
ـ أينّ ذهب عـّقلك ؟
نـظرّ إليهّ مدير أعمـّاله بـّعدم استيـعـّاب ، كيّف لّويليـّام أن يكونّ هـنا أمامه بـّعد أن رّفض الـظهور عّلنا ؟ احتضـّنه بـّخفة و هو يـّرد عليه بّفرح
ـ يّا رجـّل لقدّ اشتقت إليكّ كثّيرا ،
ضحـكّ ويليـام و هو يـّربت على ظـّهره ، بالـّرغم من أنهّ يكره شّركته لضغـطهمّ الدائمّ عليه لكنّه يبقى المكانّ الوحيدّ الذي يشعر بالانتـماء إليه
، نغـماتّ الموسيقى تصّدح في الأرجـّاء و رنينّ النـّاي الـّرقيق مـّع أوتـّار الغـيتار الـذّهبية كلّ شيء هنا يجـّعله يّشعر أنهّ جـزء من هـذه العـّائلة
الـكبيرة ، تـّرك المـديّر و ملامحـّه المـّرحة قدّ غـزت وجهه بكلّ عنفوان و حـّرية
ـ إذنّ ما الأمـّر الطـّارئ الذّي لا يحتـملّ التـأجيـّل و الذيّ يجـّب علي حـّضوره شّخصيـّا ؟
ارتبك المـديّر و قدّ كان ذلكّ جـّاليا عليه فالتفت إلى الخـّلف حيثّ يّقف شـّاب ذو شـّعر بنيّ مصـّفف بـّعنايةّ فـّائقة و بنيةّ قوية يحمـّل غيتارّا
كـّان يـنـظرّ إليهـماّ بـبرودّ و نوع من الـّسخرية حين أشّار له المـديّر أن يـتقدمّ فـأطـاّع طّلبه ليّقف أمامهمـّا ، قـّال المـديّر بـّتوتر
ـ ويـّليام هـذا أوسكـار ... احمّ شـّريككّ فيّ الأغنيةّ القـّادمة
رّفع ويّليام حـّاجبه باستنكار و هو ينـظرّ إلى ذلك الـّشاب المـدّعو بأوسكار فـمنّ طـّريقة ملابّسه و جـّلوسه يبـدوا كـّمغني روكّ كيّف
له أن يّنتجّ أغنية قـّادمة معه ؟ قـّال ببّرود
ـ مستـحيلّ ، أخـّبر الـرئيسّ أنني أرفّض هـذا الإدّماجّ السّخيفّ
ابتسمّ المـديّر بتوترّ و رّفع عينيه إلى الأعـّلى محـّاولا أن لا يـنـظرّ إلى ويليام مبّاشرة كيّ لا يـزيدّ توتره و ردّ عليه
ـ حسنـاّ ذلكّ مستـحّيل نوعـّا مـّا لأنّ الـرئيسّ قدّ أعلنّ شّراكتهما لّصحافة ، صـّدقني لقدّ أخبرته أنكّ تـّرفضّ فـكرة الإشتـراكّ
مع أي شخصّ لكنه كـّان غـّاضبّا قـّليلا لأنكّ لم تـّكتبّ أغنية بـّعد و لقدّ أخبرك معـّجبيك أنّ ألبومك التـّالي سيـخرج بـّعد شـهرينّ
لكنكّ أستغرقت ثّلاثة أشهر و نـحنّ لم نـرى أي تـّطور بّعد لذا كمـّا ترى
زفـّر ويّليام بـّغيضّ ، كيّف له أن يّقرر مـّصيره هـكذا دون أنّ يكون له أيّ رأي في المـّوضوعّ ؟ بينمـّا تـّقدم منه أوسكار و وضـّع غيتاره
أمامّ ويّليام ليّقول بّنصف ابتسامة
ـ لست مـّوافقا على أن أكون شـّريككّ أيّضا فـأسلوبكّ لا يـّعجبني لكن مـّا دامّ أنّ الأمرّ قد وصّل إلى الصـّحافة فـأناّ لست مـسّتعدا أنّ أدخل فيّ
دوامة من الـنكـّران و الأسـّئلة اللانهـاّئية لذا لننتهي من الأمر فقـطّ
رمـّقه ويـليام ببـرودّ ثمّ رفـّع يده لـّصافحه ، مادامّ أن الأمر قـدّ وصل إلى الصـّحافة فما بيـدّه فـّعل شيء الآن سوى تـّقبل
أوسكـّار

/

فيّ إحدى تـّلك الأمـّاكن المـظلمـّة حيثّ لا يـّعرف الـنور طـّريقّا لها ، مسـتّودع كبيـّر مليء بـصّناديّق تـّحتوي على نفّس الـتّصميمّ
بالـّرغم منّ إخـّتلاف وجهة الصـنادّيق ، رسـمّ ذلكّ الـرجّل ذو الـّبذلة السـّوداء على شـّفتيه ابتسـّامة سـّاخرة بينمـّا يـدّه تـّقبضّ على رقـّبة
ذلكّ الشـّاب دونّ رحـمةّ ، همسّ بـأسى مصطـّنع
ـ يـاّل الأسـّف كـّانت سـّمعتكمّ مشـّرفة لكنّ لقدّ انتهت أمجـّادها ،
رمقـّه شـاّب بـّحقدّ و هو يحـّاول التمـلصّ من قـّبضته لكنّ فـّرانسوا لمّ يـّعطيه أيّ مجـّال للـهـّرب أوّ حتىّ التـّحرك فـّهاهو
قـدّ سددّ لكـمة جـعّلته يّفقد وعـّيه ، ثمّ رفـّع هـّاتفه و قـدّ علّت مـّلامحـه الـّبرود و الـصـّرامة حيـّن إنتـّقل إلى مسّامعه صـّوت سيدّه المـّبحوحّ و الهـادئ
ـ ما الذيّ اكتشـّفته فـّرانسوا ؟
ركـّل فـّرانسوا الشـّاب بـّسخريّة و رفـّع بيدّه اليسرى ورقة كبيّرة بهاّ مخـططّ لمشـّروع يبـدوا فيّ غاية الضـّخامة ،
ـ لقدّ كانّ شككّ فيّ محله سيدّي فـشّركة جـونسونّ حـّاولت أنّ تـّستغـّفل شـّراكتنا و تبيـّع نفسّ التصـّميم لنـّا و لمجمـّوعة فوتوشيـّبا
تنهـدّ نـّايت بـّبرودّ ثمّ رمـىّ ذلكّ الـملفّ أرضـّا لـتتخـّلل أصـاّبعه الـطّويلة شـّعره الـحّريري النـّاعم ، لقد ّضجـّر من هـذه المـّؤامـّرات
الفـّارغة و يـّا ليتها تـّنجحّ ؟ كلّها تـّبوء بالفـّشل قـّبل الـخطوةّ الأولى حتى ، هل أعـدائه فـّعلا بـّهذا الـّضعف ؟ قـّال ببـّرود
ـ فـٍّرانسـوا اهـتمّ بالأمـّر سـّوف أغـّادر ليّلة إلى لنـدّن و لحينّ عـّودتي أريدكّ أنّ تـّضع سيدّ جونسون الصـّغير بينّ قبضتكّ
أومـأ سيدّ فرانسوا بإحـترّام كمـّا لو كـأن نايتّ يراه و هـذاّ لشدّة وفـّاءه ثمّ أجـّاب بـّنبـرة خبيـّثة و مـّاكرة
ـ أوامـرّك مـطاّعة سيدّي

/


JAN 03-09-2020 11:04 PM



هفـّواتّ الماّضي بينّ مستقبـّل الـغدّ




فيّ أحد المنـازلّ العـّديدة المـّوجودة بـّذلكّ الحـّي البسيطّ ، يّغلبّ لـون الـّرمادي على جـدّرانه بـدّاخله فيّ الطـّابقّ الثـاّني حيثّ تـّوجدّ تلكّ الصـّهباء
الجـّالسة بـكلّ هـدوء علىّ سـّرير والدّها تمسكّ بينّ يدّيها دّفتره الـّصغير ، منّ يـّراها لمّ يصـدقّ أنهاّ و قّبل أسّبوع كـّانت مـّنهارة تـّرفض تصـّديق
أنّ والدها قدّ توفي أمامهـّا حّقيبة سـّوداء متوسطّة الحـجمّ ذات قـفّل مميز قدّ جـّلبها الـّعم رويّ
أمـّا تـّلك الفتاة ذات الشـّعر البـّني الأشـّعث القّصير كـّانت تجـّلس فوقّ المنضـدّة و على شّفتيهـّا ابتسـامة لطّيفة، متبـّادلة شّتى أنواع الأحـّاديّث مـعّ
عمـّهمّّا روي، بنـّبرتهـّا المـّرحة و شّخصيتهـاّ السـّاذّجة
ـ لا أصدّق عميّ فحتى بـّعد كل هذه السنين لا تـّزال كمـّا أنتّ بلّ تـّغيرت لتصبحّ أكثّر وسّامة ، هلّ سيدّة ليكسيّ لازالت تصآب بالغّيرة من آجلك ؟
الكـّل يـّعلم أنهاّ تحـّاول نـّزع هـذاّ الجـّو الحـّزين من قـّلوبهماّ و كـّلاهما يـّعلمان أنهاّ الأكثّر حزنـّا بينهم ، فـهي لمّ تـّذرّف و لو دمعّة ابتسـمّ العـمّ
رويّ بـهدوء و جـّلسّ أخيـّرا على الكـّرسي بـّعد أن تـعّبت قدّميه من الـّوقوف ليكـّمل حـدّيثهما الجـّانبي الذّي يـّقطـّع صّمت المـّوحشّ
ـ أجـّل لا تـّزال لكّن إن كـّان أحدّ منـّا قدّ تـّغير كلّيا بهذه الـّغرفة هو أنتّ مـّاري ، بالكّاد تـّعرفت عليكّ عند الوهلة الأولى
ابتسمتّ ماريّ بغير استيعاب لكّلماته الغآمضة و هي بالكـآدّ قدّ عـرفت المعنى منّ خلفّها
ـ أنـّا ؟ لا أظن ذّلك ،
أجـّاب بمـّغزى و هو يـّرمقهـّا بنـّظرات لمّ تستطـّّع مـّاري تفسيرهـّا و لمّ تـّلمحها قطّ
ـ كـّليـّا ، أهـذّا لأنكّ أصبحـّت خطيبّة ذّلك الـرجّل الشهيـّر نـّايت آل لبير ؟
ضحكـّت مـّاري و هي تـّشير بيدّهـّا دلالة على أنه يمـّزح بـلا شكّ، ثمّ اقتربت منه أكثـّر و هـذّه عـّادتهـّا عندّ الارتبـّاك أو التـّوتر
ـ نـّايت ؟ لا هـذا مستـحّيل
ـ الجـّرائدّ تـّقول عنكمـّا سنـدّريـّلا و الأمـّير ، معـطّية بذّلك عـّنوان لقّصة حبّكمـّا لذّا أنـّا أظنكّ فـّعلا تـّغيرت بعدّما التـّقيته
مـّاري بـّتوتر : و كيـّف ذّلك ؟ أنـّا
ـ لقدّ أصبحـّت أكثـّر انفـتاحـّا يـا ماريّ و قدّ لا تـرينّ ذلك بّنفسكّ لكنّكّ تـّغيرت عن نفسكّ المـنـطّوية تـّلكّ ، كـّنت لا تتـجـرأين على فّتح حدّيث
مـّع أحد و ها أنت الآن مـّكونة الكثير من الأصدّقاء و قدّ حللت مشـّكلة والدّك مع الديونّ حتى لو كان الأمروهميـّا ، لذا أقول لكّ بلى أجدّك
قدّ تـّغيرت ، و الفّضل يـّعود إلى خطّيبكّ نايت
صمـّت روي و لمّ يـّقل شيئـّا بـّعد هـذّا، فـنـظّرت مـاّري إلى النـّافذة بـّشرودّ و هي تـفكّر أحقـّا قدّ تـّغيرت ؟ ربمـّا ، لا بل أكيـدّ فإبتسمت بـمرحّ
تـّاركة هذا الأمر جـّانبـّا
ـ فـلورا هل وجدّت ما تـبحّثين عنه ؟
هـزت رأسها دلالة على النفـّي ثمّ تـّوقفت عن النّبش في أغـّراّض والدّهما الـّراحـّل و استلقت على الـّسرير بـتـّعب، فجـأة رنّ الجـّرس فـّسـارعت
مـّاري بالقفـّز و الذّهاب لفتّحه محـّاولة التـّهرب من نـظرّات رويّ الخافتةّ ذات المعانيّ و الكّثير من التساؤلات
حّينهـّا رأتّ شّخصـّا لمّ تكّن لـتتـّوقع مـجيئه أبدّا ، نـّايت يّقف مستنـدّا على الجـدّار و ذّراعيه معـّقودتّين ، يـّرتدّي معـطّفا أسـّودّ تمـّاما مثّل شـّعره
الحريري المنسـدّل على جـّبهته الشـّاحبة و وشـّاحـاّ رمـّاديّا كعـّينيه اللتـّان تقـدّحان بـّرودّا و جمـّودا ، ابتسمـّت مـّاري بـّعدم استيعاب و قدّ انتـّقل
إلى مسـّامعهـّا صوّته الحـّاد و الغـّاضب
ـ أينّ إختفيت بّحق الله ؟ و لمـاذّا هـّاتفّك مـّغلقّ ؟ أتـّعلمينّ كمّ تـّطلب منيّ الـبحّث عنكّ من وقـّت ؟
سـألتهّ ببـّلاهة كمّ من وّقتّ فـرمّقها بـّحدةّ لتتدّاركّ سـّؤالهـّا الـغّبي و تتّراجـّع إلى الخـّلف مفسحة لّه بالمـّرور فـظّهـّر خـّلفه
ويـّليام المبتسمّ بطـّلته المّشرقة ، كانت عاجزةّ عنّ التعبيرّ فـنايتّ خطيّبها الوهميّ قدّ بحثّ عنها ، حيّنها شعـّرت بشيّء يّعصر قّلبها و كمـآ لو
كـأنّ قدّميها لمّ تعدّ تحملانّ وزنها و عندّما لاحـظّت فـلور تـأخر مـاري في المجيء صّاحت بّصوت عـّالي من الغـرّفة المـجاورة
ـ مـّاري ، من هنـّاك ؟
لمّ تستطعّ ماري أن تجّيبها و لو بـحرّف واحدّ فدّهشتها منّ قدوم نايت و ويليام إلى منزل والدها أكّثر من أيّ ، تّقدم ويـّليام و ألقى عليهـّا
الـّتحية بمرحّ لكّن لمّ يجدّ منها تـّجاوبـّا فقـّال نايت بسخرية
ـ أو تـّظنين أنكّ تستـطّعين الهـّروب من قـّبضتي ؟ حـّتى لو وصّلت إلى النّصف الآخر من العـّالم فـأنا سـأجدّك
دمـّعت عينيهـّا فجـأة فـّتـّوتر ويـّليام و تـّبادل نّظرات الاستـّغرابّ مـّع صدّيقه ، لكّن الأمرّ المفـاجئ أنهـّا مـّاري نفسهـّا الخّجولة التّي كّانت
انطوائية فيما مـّضى قدّ رمّت نفسهـّا بينّ ذّراعي نـّأيت ثمّ بدأت بالبكاء المـّرير
خـّرجتّ فـّلور من الغـّرفة مسـّرعة متـّعثرة في خـطّواتها و خّلفها السيدّ رويّ ، لكنهمـّا تّوقفـّا عندّما وقّعت أعينهـّما على منـّظر مـّاري كّيف
قّبضتها الصـّغيرة تشدّ على معطـّفه راّفضة تـّركه ، كيّف لدّموعهـّا المنهـّمرة أن تبـّلل صـّدره ، كيـّف هيّ تخبـأ رأسهـّا فّي حضّنه إنها صـّغيرتها
مـّاري فتحدّث نـّايت بحدّة محدّثـّا فـّلور و نبـّرة تهـدّيد شدّيد اللـهجةّ ،
ـ ما الذّي فعلته ؟
قطّبت فـّلور و رغـّبت في تلكّ اللحظة لو أنهـّا تـّنتـّزع أختها الصـّغرى من بينّ بـّراثنه بقّصوى شدّيدة ، فقـّالت محدّثة أيـاه بغّضب
ـ بل قّل ما الذّي فعلته أنت ؟ أيّن كـنت أنت عندّما أتممنا مـّراسمّ دّفنّ والدّنا ؟ هل كـّنت بـجّانبها ؟ دّعني أتذّكر ؟ أجّل بل لمّ تكّلف نفسكّ عناء
الحـّضور حتّى
ألجّم لسّان ويّليـّام من الصدّمة و ألتفت مستديرا ينـّظر إلى ناّيت ، مـّاري والدّها قدّ توفى ؟ فطّغت علّيه مّلامحّ الحّزن بينمـّا انسحّب عمّ رويّ
من المنـّزل تـّاركـّا شـؤون عـّائلة روبّرت خّلفه ، فقـّال ويّليـّام بهدوء
ـ أقدّم تعازي الشدّيدة و بالـّرغم من أنهّا متـأخرة ،
ابتّسمت فـّلور بّسخرية فرمّقها ويّليـّام باستنكّار ، هذه الفتـّاة تـّبدوا مـّتلبدة المشـّاعّر و لا تـّروقه على الإطلاق أبـّعد نـّايت مـّاري ممسكّا إيـاها
من كّتفيهـّا ثمّ نـّزل إلى مسـّتوى عينيها الزجاجيتين اللّتان قدّ عكّستا مـّدى الألمّ الذّي تمّر
به ثمّ قال ببـّرود و نبـّرته المبحوحة قدّ انطّلقت كالسّهم إلى قّلبهـّا
- لمـّا تّدعين الحـّزن ؟ لّيس كمّا لو كـأنكّ تحّبينه، ألسّت أنت من كّنت تتفادّينه ؟ يبدوا أنكّ قدّ صّرت ممثـلةّ بارعةّ لكنّ من الأفـّضل أن تّفصلي
عمـلكّ عنّ حيـآتكّ الواقّعية، دّعنا من هـذّا فـأنا قدّ أتيت لأخبركّ أنّ موعدّ الـّزفافّ فيّ نهاية هـذّا الشـّهر لذّا كوني على
صّـاح وّيليـّام محـّاولا تحـذّيره و عبوسه واضحّ للعيـآن
ـ نـّايت
بينمـّا تّوقفت ماري عن البكـّاء فـّورا كمـّا لو كـأنّ دموعهـّا قدّ جفّت، ماذا كانت تنتـظرّ منه بالضبطّ ؟ أنّ يربت على رأسها بدّفء و يّخبرها
بـأن كلّ شيء سوف يكون بخيّر ؟ هـذّا نايت قّلبه من جـّليد ، شّعرت حّينها بالخزّي و الشّفقة على حـّالها ،
ما الذّي كانت تّفعله ؟ لماذا عندّما رأته تسّاقطّت الجدٍّران من حولهـّا ؟ فقـّالت و العـّبرة تخنٌّق رّقبتها
ـ أنتّ محقّ كالعـادّة ، فـأنتّ تـّعلمّ كل شيء ، منّ أكون و معّ من أكون أو أيّن أكونّ ، أينّ أعيشّ و أينّ أذّهب و عـّائلتي لكنّ
.. لكّن
شدّت قّبضتها بـقوة واهّنة و صـّرخت بـّوجهه بينما دّموعها قدّ شكلّت خـطّا، خـطاّ منّ عينيها إلى أقّصى وجنّتيها
ـ كونكّ تـّعرف هـذّه الأشيـاء لا يعـّني أنكّ تـّعلم ما بّقلبي
ثمّ نـّظرت إليه بحـّزن و ركّضت إلى الأعـّلى، لتغّلق باب غـّرفتها بـأخرّ ذّرة طـّاقة تمتلكهـّا ثمّ بـدأت فيّ البكـّاء المـّرير، لقدّ ظنتّ و عندّما تخّلت
عنها عـّائلتها ، أنّ الشخّص الوحيدّ الذّي سيّفهمّها و يهونّ عنها هو نـّايت ، ظّنت أنه بالرّغم من برودّه و ردودّه السـّاخرة فخّلف هذا الجـّدار
إنسـّان مّثلها يبحّث عن الأمـّان و الحّب ، عن العـّائلة لكنّ ربمـّا فعلا غطّاء الكّتاب مثّل محتواه
بينمـّا رفّع نايت حاجبه دّلالة على استنكار تصّرفها ثمّ أخرجّ يده من جّيب معطّفه التيّ رفّضت ساّبقـّا أن تبـّادلّ ماري الحنانّ و وضـّع بطـّاقة جميـّلة
مـّزخرفة على الطـّاولة فـّرمقته فلور بحقدّ ليّقول ويّليام بـترددّ
ـ نقدّم لكّ تعـازيّنا الحـّارة لفّقدان والدّكمّ و لنحنّ شديدو الأسّف لأنناّ لمّ نسمّع بهـذّا سّـابقّا
نـّظرت إليه فلور من أخمصّ قدّميه إلى أعلى رأسه بّسخرية ثمّ كحّت قّليـّلا و هي تشّير على البـّاب ،
ـ منّزلنا يّـعذّر وجودّكما ، غـّادرا
استـدّار وّيليـّام ليّتجه بخطوات بطيئة نـّاحية المخـّرج و هو يّرددّ في نفسه كمّ يكّره أختهـّا الحقودّة هـذّه ، يّكرههاّ و لا يحّب التعـّامل معهـّا و
لولا الواجّب لما كـّان تحدّث معها أبدّا و لكنّ من الآن فصـّاعدا يبدوا أنهّ سيكونّ لدّيهما الكثّير من اللقـّاءات الغـّير سـّارة ، بينمـّا قـّال نايتّ ببرودّ
ـ و نحنّ لا يّشرفنا التواجدّ في منـّزلكّ
قطّبت فـّلور بعّصبية ثمّ أمسكـّت بالكـّرسي الذّي أمامهـّا و قدّ ارتفّع عن الأرّض قـّليلا لتـّقول بحـدّة و غّضب
ـ إننّي أحضّر اجتماعاتّ تّخص السيطرة على الغّضب لذّا إغّضابي قدّ لا يكونّ أفّضل شيء تّفعله ،
عـّاد ويّليـّام أدّراجه و أمسكّ نايت من ذّراعه لّيقوده خـّارجّا قّبل أن يّقول شيئا يزّيد من الطّين بله ، بينمـّا رمقّت فـّلور نايتّ
بكره و حقدّ .. لنّ تسمحّ لأحدّ أنّ يقفّ بينها و بينّ أختها بّعد الآن ، حتّى لو عنى الأمّـر القّيام بشتى أنـّواع الأسـّاليب و جميـّع الطّرق ملتوية
كّانت أو مبـّاشرة ، خبيثة أو بريئة
لاّ لن تسمـحّ له بـأخذّ ماري من بينّ يدّيها بـّعد فـراقّ دامّ أعوامـّا ، لنّ تسمحّ لشخصّ مثّله أنّ يـرتبطّ بّفتاة مثّل ماري

/

فّي قّصر آل لّبير المشـّهور
بغـّرفة الاستقّبـّال المـّوجودّة في جناحهما الخاّص كـّانت تّروح و تجيّء فّي مسيـّرة طّويلة من التـّفكيـّر و هي تقّضـمّ أظـّفرهـّا بغّيض غّير
آبـّهة بجّلسة التقّليم التـّي أقـّامت بها صـّباحا ، ما الذّي يجّب عليهـّا الآن فـّعله ؟ كّل شيء يبـدوا بـّعيدا عن متـّناول يدّها كمـّا لو كـّأن منّصبهـّا
الآن غـّير كـاّفيّ لتّلبية مـّطالبهـّا الصـّغيرة
زفّرت بـّقّلق و اتجـّهت إلى غـّرفة النـّوم ، عـّّبرتها و صـّوت كّعبهـّا يكّسر صّمت المكان فيّ كّل خـطّوة تخطّوهـّا ، تـّوقفت أمـّام مـّرآة كبيـّرة و
نـّظرت إلى نفسهـّا بواسطّة عينيهـّا العّشبيتينّ ، شّعرها الأسودّ المسترسل على ظّهرها بكّل أنوثة و فّسـّتان السـّهرة الأحمرّ المتنـّاسق معّ جسدّها ،
شّفتيها المثّيرتينّ بطـّعم الكـّرز و رموشّّها الطـّويلة السّاحرة ، بّشرتهاالسمـّراء الخـّالية من آي شـّائبة ، همستّ بخفوت
ـ أّليس هـذّا كـّافّيا ؟
دّخل كـآيل فّجـأة و رمـّى سّترته الجـّلدية على الأرضّ بلا مبـّالاة ثمّ استلقى على سّريرّ مغـّلقـّا عينيه بتعب ، قـّال مستاء
ـ ذلك الـعجوز الماكر ما إن يـّعلم بـأن قدمي قدّ وطـأتّ أرضّ شّركته حتى يّسرع فيّ طلّبي كما لو كـأنّ جميع الموظّفين غيّر مرئيين
لمّ تهتم فـعلا بتـذّمره فهذا هو كايّل إنّ سار خطّوتين بغير إرادّته قـّال تـّعبت لذلكّ نـظرّت إليه بـطرف رمّوشها ثمّ همست له بـكلّ هدوء
ـ هل نـآيت في الشّركة ؟
لمّ يجّبها كـّايلّ بّل وضـّع الوسادة على رأسهّ و جذّب الغطـّاء ليخلدّ إلى النـّوم غّير مبـالي بّغيرتها الشديدّة من نايت ، دومـّا ما تـسـأله عنه
و تحّثه على الذّهاب إلى العمـّل خوفّا من فقدّانه لنصّيب الأكبّر فيّ الأسهمّ لكّنه فعلا لا يهتمّ ، لدّيه كل مـّا يحـّتاجه من مـآل لكنّ لدّيه أيضّا هذه
الـّرغبة الجّامحة فيّ التّفوق على نـّايت لّيس لأجّل المـّال أو الأسّهم لكّن فقطّ لأنه يحتّاج إلى ذّلك

/

فيّ منـّزل متوسطّ الحجمّ ـ حّيثّ تّعيش عـّائلة غـّلوري بمجـدّها
يتـرأسّ طّاولة الأكـّل السيدّ رويّ بجـّانبه زوجـّته المـّحبوبة ليكّسي و أيّضـا ابنتهـّما الفـّاتنة كلّـير حّيث يّعمّ الصمـّت أيّضـا هذا المنـّزل و لّيس لّعدم
وجـّود أفّراده و إنمّا لتـّوتر الجـّو العـّارمّ منذّ رحّيل آرثـّر ـ بسمة ليكّسي و سندّ كليّر
تحدّثت ليكّسي بّقلق و هي خـّائفة من طّرح هـذّا المـّوضوع مجددّا على زوجـّها ،
ـ عـّزيزي مـّا رأيكّ أن نعـّيد آرثر ؟ أظّنه قدّ تّعلم دّرسه الآن لقدّ مرت فـّعلا فترة طـّويلة و أنا لا أحتـّمل بّعده عنّي
تّوقف روي عن الأكـّل و وضع الملعقة جـّانبـّا ثمّ قـال بغّضب مكبوت
ـ لقدّ توفيّ صديّقي منذّ ثّلاثة أيّام و أنت تتحدّثين عن إعـّادة ابنك ؟ لقدّ أوضحّ أن لا رغّبة له بالاعتذّار من جوناثان و أنا أوضحّـت لكّ أنني من
المستحّيل أن أدّخله إلى بيتي
تحدّثت كّليـّر بغضب هي الأخرى أيّضا
ـ ألمّ يمتّ جوناثان ؟ حسنا إذن لقدّ حلتّ المشكلة فمادام لا يوجدّ شخصّ ليعتذرّ إليه لا داعيّ فعـّلا لطّرده ، أليسّ كذلك أمي ؟
صـّاح رويّ بّصوته العـّاليّ و قّبضته تـّضرب الطـّاولة فتنـّاثرت قطّرات من الحسـّاء في الأرجـّاء
ـ أتّقولينّ أنه إن توفّي الشخصّ فلا داعيّ للاهتمام ؟ أينّ ذهبت أخلاقك ؟ إنيّ فـّعلا محتّار إن كـّنتم أبنائيّ حقـّا ؟ من أينّ
أتتكمّ هـذه القسوة ؟
صّرخت سيدة ليكّسي بحـّزن
ـ أترّيد أن تفعل مثله ؟ أتريدّ أن تّطرد آرثر مّثلما فعل هو معّ ماري ؟ أتريدّ أن تّبقى على خّلاف معه حتى ممـّاتك ؟
صمّت العمّ رويّ بـهدوء و لمّ يجدّ أي كّلامه يّقوله بعدّ جمّلة ليكّسي ، أجّل إنه مدّركّ لخطـئه لمّ يكن يجدّر به طّرده لكّن هل يعيدّه و هو
لمّ يتّعلم شيئا ؟ لمّ يّتعلم أنّ يّكون رجّلا نبيّلا يّقدر النسـّاء كمـّا يقدّر والدته ؟ أنّ يكّف عن الشّرب المستهتر والحّفلات الماجنة ؟ ما فائدة ان كان بجانبه
ما دامت هذه الّصفات تّعزوا حيّاته ؟
هو يحبّ ابنه و يّريده معهّ ، لكّن لّيس قّبل أن يّتعلم دّرسه أولا

/




JAN 03-09-2020 11:05 PM


جـّدران غّرفة وردّية اللونّ بّسرير صغير مّزين بّشرائطّ بيضّاء و غطـّاء أزرّق كلونّ السمـّاء الصّافي ، خـّزانة كّانت تحتـّوي على مّلابسهـّا و
لا تـّزالّ اعتادّت عندّما تسـتاء أنّ تـأتي إلى هذه الغـّرفة و تّبقى هناّ حتّى تّحن أمهـّا سيّليـّا و تجّلب لها مـّا تّريده ، و الآنّ بالرغمّ من أنهـّا حزينة و مستـاءة
جـدّا لكّن لا أحدّ يّشفق عليهـّا ، رّفعت يدّيها إلى السّقف حيّث علقت قدّيما عليه صورة فّرقتها الغنـّائية المشّهورة ، هل هذا ما يعنيه ان تكون كبيرا ؟
طّرقت فّلور البّاب ثمّ دّخلت و بّينّ يدّيها صّينية فيّها عجت البيضّ و مشّروب الطـّاقة ، جّلست على السّرير بجـّانب مـّاري لتّضع الصّينية بينهمـّا و قدّ
زينت شّفتيها بابتسامة جميّلة
ـ أسّعدّ صبّاحكّ عـّزيزتي ،
ردّت ماّري التحّية بهدوء و شّربت العصّير دّفّعة واحدة ثمّ أعـّادته إلى مكانه فنـّظرت إليها فـّلور مـطّولا باستغراب فقـّالت عندّما لمحّت مّلامحها التعيسة
ـ ماذاّ بك ؟
صمّتت مارّي و لمّ تجّبها بّل رّفعت تلكّ البطـّاقة التي تركّها نـّايت سّابقّا و عادّت لتّفكير العمّيق كمـّا لو كـأن الليلة السّابقة لمّ تكنّ كاّفية ، كشّرت فّلور
بغّيض عندّما لمحّت اسم أختهّا مـّاري روبّرت قدّ ربطّ بزخـّارفّ جميلة بجـّانب نـّايت لبير ، قـّالت بحدة
ـ أنتّ ، لا تّخبريني أنكّ تفكرينّ جدّيا فّي ما قّاله ذّلك المـّعتوه ؟
رّفعت مـّاري حـّاجبها باستنكـّار ثمّ وقفّت و فتّحت النـّافذة لتستدّير ناحية فّلور مجددّا و على وجهها نـّظّرات جدّية
ـ بالطـّبع سـأفكرّ بذّلك ، أليسّ هو خطّيبي ؟
فـّلور بحدّة : خطّيبك المـّزيف ، المـّزيف إنّ كنت قدّ نسيت
شدّت ماري على قّبضتهـّا، هيّ تـّعلم هـذّا جيـدّا و لا تحـّتاجّ لأي أحدّ كيّ يذّكرها فقـّالت بهدوء و تـّردد
ـ أنتّ لا تـّعلمين شيئا فـّلور ، لا تـّعلمينّ ما نـّايت بالنسبة لي ، إنهّ مصـدّر قـّوتي و منه استمدّ شجـّاعتي و بجـّانبه فقطّ أشعر بالأمانّ ، أيضـّا و
أمامهّ فقطّ تّتلاشى كلّ جدّرانّ طـّاقتي هوّ منّ جّعلني أعودّ كيّ أستـّرجـّعكّ ، هو منّ سـاندّني و إنّ كان حتّى هو غيّر مدّركا لذّلك ، إنهّ من
صّرخت فلورّ بعصبية و أحدّاث البـّارحة تّمـّر من بّين عينيهـّا كمذّكر حّي ،
ـ هل أنت بّلهاء أم ماذا ؟ إنهّ يعـّاملكّ كمـّا لو أنكّ أحدّ جرذانه يستعمّلك متى ما يشـاء ، ألا تـّملكين كّرامة ؟ بعدّ كل الذّي حدّث و كل الذّي عشته
تتّصرفينّ كمـّا لوّ أنكّ ، سحّقا
نـّزلت دّموعهـّا ، إنهّا تّعلم ، لقدّ قـّالت أنهاّ تعلم فلا داعيّ حقّا لا داعي لجّرحها أكثّر ، تحدّثت بنـّبرة خـّافتة تّعلو تّدريجّيا مع كّل حّرف يخرجّ من بينّ شفتيها
ـ لمّا ؟ لما لا أملكّ كرامة ؟ أخّبريني فّلور هل الكّرامة تّعني لكّ أنّ تتّخلي عنّ من سـّاعدكّ جانبـّا ؟ عنّ ابنتكّ و عنّ زوجكّ ؟ كماّ فعل والدّي ؟ لما
الكرامة فوق كلّ شيء ؟ أنـّا سّعادّتنا هي الأهمّ
كّشرت فّلور ، صّحيحّ أن والدّها قدّ أبّعد أمهمـّا عنّهما لكّن هي لا تّهتمّ لما فّعله فقـّالت بّبرود
ـ ما فعله والدي من شـأنه هو ، و أنـّا فّعلا لا أهتمّ لأنّ لي أفعالي لأحاّسب عـّليها و لن أنـّظر إلى مـّا صنعه الآخرينّ كلمحة لمستقّبلي ، و إّن
كنت فّعلا تهتميّن لوالدّنا هكذّا فلما لا تنفذّين وصيته ؟ ألمّ يّنصحكّ أن تعيدي الـ 500 مليون دولاّر إلى صّاحبه و تّعيشي بّسعادة ؟ فمادامتّ سّعاتنا فوق
كلّ شيء كمّا تّقولينّ لما لا تفعلي ذلك ها ؟
نـظرت إليها غـّير قـّادرة على قـّول أيّ شيء ، لما كل هـذا التعـقيدّ ؟ لمـّا الكبريـّاء و السـّعادة ؟ لماّ الكـرّامة و الـّراحة يتنـّافسان ؟ لمـّا هي مضـطرّة
على الاختيار ؟ وقفـّت بـّهدوء ثمّ أمسكتّ بـّمعطفها و خـّرجت من ذلك المنـزل غـّير آبهة بمنـاداة فـّلور المستمرة لها

/

وحيـداّ كعـّادة فيّ شـّقته يجـّلس على الأريكـّة و يشـّاهد التـّلفاز بـّعدم اهتمام مفـكّرا بمـّا حدث سـّابقـّا و كـّلام نايت القـاسي ، تـنهدّ بغيضّ و هز رأسه نفيّا
.. فيّ أحيان كثّيرة يتملكه الذّنب لأنهّ و بسببّه قدّ تـّعرفت ماري على نايت ، بّسببه أصّبحت الأوضـّاع على ما هي الآن ، يـتذّكر جيـداّ كـّلمـّات نايتّ الـّباردة
و السّاخرة عنـدّما حـّاول أن يـّوقفه و أنّ يمنعه من دّخول فّي دوامة من الأكـّاذيبّ و الألاعيبّ المنـمقةّ عنـدّما أخبّره أنّ يـّجد شـخصّا آخر غير مـّاري اللـطيّفة ،
كان منغمساّ فيّ أفكاّره حينّ رن هاتفهّ لكيّ يّوقظه من غـفّوته ، نـظرّ إلى إسمّ المتصـّل ثمّ كشـّر بـّكره إنهّ أوسكـار صـدّيقه لهـذه الفترة من الزمن فقطّ قـّرر
تجـّاهله ثمّ وقفّ هامسّا
ـ لا يمكنّ أن أدّع الأمورّ تـّسوء أكثّر من هـذّا ، يجبّ عليّ التـّحرك
أمسكّ بمفتـّاح سّيارتهّ و ركضّ خـّارجا من الـّشقة ، يجبّ عليه فّعلا التـّحرك فلو إستمـّر الـوضع على ما هو عليه الآن سوف يّخسرّ نايت وجودّ ماري
بجـّانبه و إنّ حدثّ ذلكّ قدّ تـجّعلها إليزابيثّ نقـطةّ ضـّعف له و هـذا ما لن يّسمح بـحدوثه أبداّ

/
بـّعد مـّرور أسبـّوع آخرّ
فّي قّصر لّبير ـ حيّث يوجدّ العـديّد من الأّسرارّ و الكّثير من المّناوراتّ ، إنه كّنز يّعّشق كّل صحاّفّي لإيجـّادّه و كـّل صّحيفة لّسردّ قّصته ، ففّي تّلك القـّاعة
الكّبيرة التّي تضّم أفـرادّ هذه العـّائلة الكـّريمة ، كـّان الجـدّ بيتر يجّلسّ مبتئسا الطـّاولة و بجـّانبه على اليسـّار يجّلس كـّايل رّفقة زوجته المحّبوبة و الفّاتنة
إليـّزابيّث
كـّانّ صوتّ المّلاعّق هو الوحيدّ الذّي يتجـرأ على إّصداّر نغمته بهـذّا المكـّان الموحّش ، عندّماّ رّفـّع بيّتر عينيه إلى مقّعدّ نايت الفـّارغّ ثمّ رّمق رئيس
الخدّم ليّتقدم إليه مّسرعا و قدّ كادّ أن يّتعثر بخطّواته ،حيّنما إقترب كّفاية من سيدّ بيتر ، قـّال له الأخير بنبرة جّمهوريةّ عـّالية كمـّا لو كـأنّه مّلك يخـاطّب حّاشيته
ـ أّين هو نـّايت ؟
أخرجّ رئيس الخـدّم بـطّاقة مزّينة و مـّزخرفة جميّلة بـّأطّرافّ ذّهبية و وضّعها بينّ يدّ بيترّ ليمسكها الأخيّر و يّفتحهـّا ، كّي يجـدّ بطـّاقة دّعوة لحّفل زفّاف نايت
و التـّاريخّ فيّ الأسّفل ابتسمّ بـهدوء و راحة ثمّ نـظّر إلى رئّيس الخدم مجددّا معطّيا إياه الإشارة لتكّلم و كذّلك فّعل
ـ سيدّي ، سيدّ نايت قدّ ذّهب منذّ يومّين إلى فرنسـّا لأنه يوجدّ خلل بشركات الموجودة هنـاكّ و لقدّ طلبّ مني أن أعطيكّ هذه الدّعوة حـّالما أجدّك متـّفرّغـا
ـ حسنـا إذن ، لما لم تخبرني يا كـايل أن نايت قدّ ذهب في رحلة عـمّل ؟
وضـع كـايل المـّلعقة جـّانبا و قدّ كشـّر بـكّل قّرف من ذّكر فقطّ سيرة نايت المحبوبة لدّى جده ثمّ قـالّ بعدم إهتمام
ـ أنت تـّعلم أنه لا يخبرني بشـيء،
ابتسم الجـدّ و نـظّر إليهمـّا ثمّ قـّال بـّفرحة لمّ بستـطّع إخفـاءهـاّ
ـ نايت سوف يتزوج في الـثامن و العشرين من هذا الشهـّر ، أليّس هذا خبّرا مفـّرحا ؟ كمّ أنا سعيدّ لأنه قّرر إنهاء وحدّته تلكّ و جّلب رفيقة تشـاركه حياته
رفعت إليزابيث عينيها بّصدمة ناحية الجدّ بعدما كـانت غّير مهتمة بما يحدث من حولهـّا ، و شّحب وجههاّ فـّنـظرت إلى كـّايل ، بينمـّا وقفّ الجدّ و غـادّر
مسـّرعا كّي يبّشر جميـّع أصدّقائه بزواجّ الـشـاب الذّين يطّلقون عليه اسم الجليدّ ، كمّ هو متـّشوق لرؤية الصدمة على ملامحّ أوجههم عـندّ اختفائه ، قـالت
إليزابيّث بتّوتر و عّصبية
ـ كيف سوف يتزوج بـحق الجحيم ؟ هـذّا غير مقبول أبـدّا
نـظر إليها كايّل ببـّرود ، رؤية تصرفاتها الغـّاضبة و أفكـّارها الغير عـّقلانية يجّعلانه يّشعر بالغيرة من هـذا النايت ، كّيف هي تّظهر جميع هذه المشـّاعر
لنايت أما إن كان الأمر راجّعا له فّستتصرف ببـرودة كما لو كـأن الأمر لا يعنيها ، لكزته في خصره و قالت هامسة
ـ أتعلم ماذا يعني هذا ؟ يعني أنه إن مات نايت فجميع ممتلكاته و أسهمه سوف تنتقل إلى تلك الحقيرة ، أنا لن أسمح بهذا
شـّعر بالغـّيرة تـتـّصاعدّ كالنيّـران فيّ قـّلبه المّحب هـذاّ و قدّ عـجّز عنّ إخفـّاء ملامحّ القهر و الغيضّ التي عـّلت وجهه فـّوقف و ردّ عليها بحـدّه
ـ افعلي ما تريدين ،
شعرت بالدهشة و هي تراه يسير مسرعا إلى المخرج و بّرفقته خادمين ، إنه لنادر فعلا أن يتركها تّفعل ما تشاء فهو و دوما ما يكون بجانبها مهما كان
مخططها و الآن يتركها ؟ شتمت بالبرازيلية لكنها ابتسمت فجـأة باستدراك الآن بعدما تّركها كايل تـفعل ما تشـاء ، الآن سوف تلجـأ إلى خططّها المثّيرة و
الخطيرة ، لا حـدّود لتفكيرها ، ضحكت بـخفوت و هي تهمس قـاّئلة
ـ سوف تموتينّ يـا ماريّ قبّل أن تطـأّ قدّميكّ القّصر ، و قبـّل أن يّقترن إسمكّ بنايتّ لنّ تري نـّور هـذّه العـائلة أبدا و لن تحضي بنفوذي أبدا ، سـأحرّص
على جعلكّ أشلاء
/


JAN 03-09-2020 11:06 PM



شـآبتـّر الخـّآمس عـّشـّر
ٌُ ~ نسـّاء يــّعلمن مـّا يــّردن ~




فيّ أحدى ضـّواحي مديّنة الضّباب لنـدّن حيثّ كـآن الشّفق يـّزن السمـآء بـّلونه العجّيب ، سقطّت ورقّة وردّية منّ بينّ أغّصان تلكّ الشجّرة العـمّلاقة
إلى شّرفة غـّرفتها الصـّغيرة ، أغّلقت عينيها بإنزعـّاج تآمّ و قدّ آثار ضـّرب فّلور المسّتمر لها آخر خيطّ من أعّصابها فـّوقفت بـّغيضّ و رمـّت الغطاء
أرضا بكلّ أسى ثمّ خـّرجت عـآبرة ذلكّ الـّرواقّ لتـّصل إلى الصـآلة ،جـّلست بـّقوة على الأريكّة و شـّغلت التلفاز لتنظرّ إليه بكآبة عندّمـّا رمّت فلور
كّلمـّاتهـّا أمـّام مـّاري ، كـآن ذلّك بمّثابة إنذار أخيـّر و وحيـدّ ينبئها بـأنّ لا تـّقدم على هـذه الخـطـّوة و أنّ تتـّركّ عـّائلة لبّير و شـأنهـّا ، أنّ تختفي من أمامّ
نظّري نايتّ للأبدّ و تمضّي قدّما في حيّاتهالكّن هنـّاك سـّر ، سّر صّغير لا يعلمّ به أحدّ سوهاّ و هي خـآئفة من أن تكتشفه نسمة الهـّواء حتّى ، ذّلك السـّر هو
من يتأرجح بينهّا فكّرها البسيطّ عـّالقّآ بينّ خّياراته المتـّاحة لكنّ ألمّ يحنّ الوقـّت لكشّفه ؟ تنهـدتّ بـّبرود حينّ تفـاجأّت بـمجيء فـّلور من الخـّلف و بين يدّيها
فنجانيّ قـّهوة سـّوداءّ وضـّعتهما على تلكّ الطاولة المزينة بشراشّف وردية ثمّ ابتسمت بحماس متـّابعة المسلسل بينمـّا نظراتها و في الحقيقة متصلبة على
أختها الصـغرى كيّف تجعلّ ماريّ تتخلى عن نايتّ و هي متمسكةّ به بشدة ؟ ألا تـّوجدّ طـّريقة لتـّركه ؟ ليسّ كما لو كـأنهّ ملاك خالي
من الأخطاء لكيّ تتـّعلق به لكنهّ شيطآن بـّهيئة بّشريّ ، شخصّ آنانيّ نرجسيي من أجلّ مصّلحته قآم بّخلق فّوضى و هآته الفّوضى من شـأنها أن تدّمر ماري
، همسـّت فـّلور بـّحدة
ـ إبليسّ
هـّي لنّ تسمحّ لهـآ باتخاذ قّرار خـاطّئ و الذّهاب معّ ذّلك المتعجّرف المعـّتوه إلى لعّبته الخـّاصة ، بطّريقة أو بـأخرى لنّ يحدّث هذّا ، ستعيدّ الـ 500
ملّيون بنفسها إليه و حينها ستقول له باحتقار وادعا ،التفتت إليها ماري باستغرابّ
ثمّ قـالت متسائلة بعدمـّا رّفعت فنجان قهـوة إلى مستوى شفتيها الوردّيتينّ و قدّ حاولت أن تبعد هذا الصّمت المطّبق
ـ هـذّا غـّريب ، كيـّف قدّ غـّيرت رأيكّ فيّ المجيّء إلى العّيش بّشقتي بـّعدما كـآن رفـّضك قـآطّعا غّير قـآبل لثّنيه ؟
ابتسمـتّ فلور بلطّف ، لنّ تدّعها فيّ شقتها لوحدّها كي يـأتي ذّلك المعتوه و يـجّعلها تّقبل دون تّـردد بهذا الزّفاف اللعينّ ، سوف تبّقى هنا فرّدت على أختها
ـ أهذّا يعني أنكّ لا ترغّبين بوجودّي ؟
أومأت مـاري نافية و قدّ أحمرت وجنتيها من الإحراج لآن نبرة فـلورّ كانت مستاءة قليلا فـردّت بخفوت و تـّوتر ـ لآ طـّبعا لقدّ أسـأت فهميّ كليـآ ،
فـأناّّ أتتـّوق للعـّيش معكّ كعـآئلة مجـددا لكنّ فقطّ تـّغيركّ لـرأيكّ هو ما آثـار استغـرابي
مـّررت فـّلور إصّبعها على حـافة فنجان القهوة بكلّ هدوء و عينيها تّراقبان ماريّ المتوترة بينما شفتيها تنطّقان بـّمغزى من خلفّ كلماتهاّ
ـ سنعيشّ للأبدّ معـاّ و لنّ يهمّ المكـآن
ابتسمت ماريّ بـلطفّ و ارتشفت القّليل من فنجانهاّ فيّ حين كادّت أن تـّعود لّشّرودها و بّئر أفكارها لوّلا رنينّ جرّس المنـزلّ فجـأة مما جـّعلها تـّقف
بّسرعة و قدّ ظهرت عليّها ملامحّ التـّرحيبّ و السعادة بينما قالت فلور بـّنبرة قدّ كان غير الرضا فيها واضحا ،
ـ أتتـّوقعين زائرا ماري؟
ضحكتّ بّسرور و هيّ تقوم بّفتحّ البّاب ليّظهر منّ خلّفه ويّليام بّقامته الـّرشيقة و تقاسيم وجهه الـّوسيمة ، شّعره الأشّقر ربطّ بعضهّ و تـّرك بّعضه حيثّ
أن عينيهّ تجّولان بماري محـاولاّ تّقييم حالها الآن قّبل إلقاء التحية، كـآنّ هـذّا الشـآب الذّي يّقف هنـا هو أول صديق مـاري قدّ حضيت به لذاّ سوف تبقى
تكّن له دومـا محبة و الوفـآء ، فاقترب و احتضنها بـخفة قـائّلا
ـ أنا آسف لأننيّ لمّ أكنّ هناكّ عندما تـّوفي والدّك، لمّ أكن أعلمّ
شـّعرت بالخـّجّل و التـّوتر لكنهـا وضّعت يدّها خّلف ظهره متـّرددة و هي تـّرتجّف ثمّ قالت بهدوء و لطّف
ـ أشكـّركّ فما قّلته الآن يكّفيبجانبه كانت تقفّ سيدة فرانسيس و مهما جاهدتّ في إخفاء دموعها رثاء على حال جارتها الصغرى لم تستطّع
فالتفتت نصّف التفاتة و قـّالت بلهجة متكبرة مصّنعة و هي تمدّ يدّها مليئة بّشتى أنواع الحّلويات و عـّلبة قهوة
ـ خـذيّ هآته الأشيـاءّ أناّ لا أعطيّها لكّ لأنني أشّعر بالشّفقة نحوكّ فلا تّسيئي فّهمي بّل أناّ أقدّمها لكّ فقطّ لكيّ لا تـّطّرقي أبوابّ الغـّير على الـراّبعة صّباحا
، لديّ عمـّل لذاّ وداعا
أمسكّتهمّ ماري متفاجئة منّ رحيّل سيدّة فرانسيسّ و اضطرابها الشديدّ ، فـّوضع ويليام يدّه على كـّتف مارّي و هو يتـّقدم عـابرا ذلكّ الـرواقّ الصغير قـائّلا بتهكمّ
ـ لقدّ كانتّ تبكيّ عندما علمتّ بّوفاة سيدّ جوناثانّ و طلّبت منيّ القدومّ معهاّ كيّ تستجمعّ الشجاعة الكّافية لتعـّزيكّ لكن يبدوا أننيّ كنت بلا فـائدّة
فضحكّت الأخيرة و وضّعت جميـّع الأشياء فّوق المنـّضدة القـّريبة منهآ لتدّع ويلّيام يدّخل بينمـّا ظهرت فلور آتية من غرفة المعيشة ، عندمـا رأى ويليـام
فـلور تّوقف و امتنع عن التقدم أكثّر فقـالت ماري و هي تشير على أختها بابتسامة
ـ ويل أعرفكّ بفـلورا روبـرت أختي الكبـرى ، فـلور هـذا ويليام دويـّل جـاريّ و صديقي المفـّضل
ابتسمت فلور بتكّلف و مـدّت يدّها مكّرهة نـحوه فـأمسكهـّا ويليـام ثمّ ضـغطّ عليها بـخفّة و كـذّلك فـّعلت هيّ بينمـّا حّرب النـظّرات قدّ أعلت البـدآية ، إنهاّ لا
تـّعلم أنهمـّا قدّ تعـارّفا و كـّرهـا بّعضهمـّا بعضـّا فقـآل ويـليام بلهجته العـابثة و المبطّنة بّسخرية مخفّية
ـ لي الشـّرف فـلورا ، لكّ جمـآل فـّريد من نـّوعه
رمّقته بـحدة ، و رغـبت فعلا حينها بـّقول له أنه لا داعي لتملقـها لكنّ وجود مـاري عـّرقل كّلماتها و اضطرت لردّ عليه بلبـاقة و تهذيب إن أرادت
رّبح مـاري إلى جانبها
ـ بّل لي الشّرف سيدّ دّويل ،
صّفقت ماريّ فجـأة بّمرح ثمّ أمسكتّ كل واحدّ منهما منّ ذّراعه و عينيهاّ تـّلمعانّ بّشدة، لتـّتحدثّ بّحماسّ جّعلهما يجّفلان رّعبا
ـ ألّيس من الـّرائع لو أنّ أعز أصدّقائيّ يتـزوجّ من أختيّ ؟ سيكونّ ذلكّ مدّهشا هـكذاّ لنّ أفقدّكما أبداّ
رّمق ويليام بعينيه المشدوهتينّ فلور و قدّ تمنى حينهاّ لو أنهّ يبّقى عـازبّا أو يّصبح راهبّا طّوال فترةّ عيشّه في حينّ أرادّت فلور أن تلقى حتفهاّ قبّل مجيء
ذلكّ اليومّ المشئوم فحتّى لو بقي ويليام الرجل الوحيد فيّ هذاّ العـالمّ فلنّ تلتفت إليه ، ضحكتّ ماريّ و هي ترى ملامحّ الصدمةّ عليهماّ ثمّ قـّالت بسذاجّتها
المعتـادّة و هيّ تدفّعهما إلى غرفة المعيشة
ـ أوه يـا إلهي لقدّ نسيتّ أنهّ لديّ محاضرة مهمـة على سـّاعة الحادّية عشّر ، يجبّ عليّ الاستعداد ها لا تعيرانيّ اهتماما
ثمّ أسرعتّ راكضـّة إلى غـّرفتها و فكـّرة ربطّهما معهاّ قدّ بدأت تدورّ بخلدّها لترسخ شيئا فّشيئا بّعقلها ، فتقدمّ ويليامّ بلامبـالاة و جلّس على الكرسيّ بينما
قدّ خابّ ظنه قـّليلا فكيّف سيتسنى له الحديّث مع ماري و إقناعها بـّفكرة الزفافّ مادامتّ هآته العـمّلاقة هيلك بجانبها ؟ سكبّ القّليل من القـهوةّ لنفّسه و
التقط قطعةّ حلوى ليبدأ فيّ مشاهدةّ التلفاز بانسجام مصطنعّ فـوقفّـت فلور أمامه و هي تعلم تماما أنه يحاول تجنبّ الكلامّ معها ،قالت بنبرة هامسةّ و حـادة
ـ إنّ كنت قدّ أتّيت لإقناعّ ماري بـزواجّ من صديّقكّ المتعجرّف فـّلا تحلمّ حتىّ بذلكّ لأننيّ لن أسمحّ لكّ أبدا
قطبّ ويّليام بـّاستياء منها ، ما الذيّ هي قدّ تـّعرفه عن نايت لتناديه بالمتعجرّف ؟ و منّ هي لتـّقول هآته الكلمـآتّ عديمة الأخلاقّ له ؟ لكنّ و بالرغم من
فـّظاظتها و بالرغمّ من نظرتها التيّ تقطّر بحاراّ منّ كراهيةّ فقدّ بـادرّها بابتسامة لطيّفة
ـ و منّ أنت حتىّ تخبرينيّ بهذا ؟ أظنّ أن مارّي شآبة راشدّة يحقّ لها إختيـّار ما تريدّ و أناّ هناّ حتى أطلّب منهاّ تأنيّ قبّل الاختيار لست مثلكّ أحاول أن أمليّ
عليها ما تفعله بـّعد أن دّخلت حياتها منذّ أسبوعين
أمسكتّ فلور بّقبضتها و قدّ كادتّ أن تفقدّ أعّصابها فّعلا فابتسامته تستفزهاّ لهاويات الجنون لكنهاّ تحاملت على نفسهاّ و أجّابته بنبرةّ متهكمةّ
ـ حقـّا ؟ أتلومني لأننيّ أردتّ أن أبعدّ ذلكّ الرجلّ المتشكلّ بهيئة إنسانّ بينماّ هو خالّي من أيّ صفة تمدّ للإنسانية منّ طريقّ أختي ؟ ذلكّ الرجلّ الذي تدعي
أنهّ صديقك .. ذلكّ الرجلّ الذي لم يعرّ حزن ماري أيّ إهتمام بل تهجمّ عليها بكلّ همجية ضـآربّا بمشاعرها عرضّ الحائط ؟
وقفّ ويليامّ فـّورا ، كيفّ لها أن تهين نايت هكذا أمامه ؟ فـّكشّر عن أسنانهّ ثمّ استدارّ ليتنفسّ بعمق بعدهاّ وجه نظراته ناحيتها و هو يقول بّبرود
ـ ما مشكلتكّ بالضبط ؟ بلّ من أنت حتى تهيني نايتّ هكذا بينما أنتّ لست أفضّل منه ؟ أنتّ يا إمرأة من تدّعي إنقاذّ ماريّ في حينّ أنك لا تباّلين فعلا بما تـّريد هي
، أليس هذا أيضّا نوعاّمن ضّرب مشاعرها بالحـائط ؟
صمتّ لدّقائّق ثمّ ابتسمّ بلطفّ و هو يـّكمل حديّثه محاولاّ استمالّة عطفّها
ـ نحنّ بّشر يّا فلور و لسناّ ملائكّة، نحنّ نخطـأ و نتعّثر و نفّشل فّلا أحدّ مناّ كاملا لذّلك منّ فضلكّ امنحي ماريّ و نايتّ فرصةّ
استاءت كيّف استطاع أن يّلين قّلبها قّليلا ناحية ذلكّ المدعو بنايتّ فـّأمسكت بّمعطّفها و وشـاحها لتّغادر مسّرعة ، لقدّ خطـّرت فيّ بالها فكرة

/

جّالسا على كرسيه في مكّتبه الكّبير ذلكّ ، جـدّران غـرفته مغطاة بزخّارف ذهبية تمتد إلى سقفّ حيث وجدت ثرية عـملاقةّ ، مكتبة لا بـأس بها تحتوي على
عدد كبير من الكّتب و نـافذة من أسفل الأرضية إلى الأعلى تطّل على حديقة منّزله فيّ فّرنسا ، وّضع نظارته جانبا و هو يفّرك عينيه بإرهاق ، بينمّا جرائدّ
عديدة تحتوي على نّفس الصّورة الملتقطة ، صـّورة لرئيسّ شركة جونسونّ و بجانبه تـّقرير عنّ تمـّويل خفيّ سـّاعد جونسون للوصّول إلى ماهي عليه الآن،
وٌّقف ببرودّ ثم رمـى الصّحيفة جانّبا و قدّ صّر على أسنانه بكّل حدة لّيخرج صوّته البّـارد و المّبحوح كمّا لو كـأنهّ صدى في تلكّ الغرفة الواسعة رّفع هـاتفّه
و ضغطّ على أرقامّ محفوظة في ذاكّرته
ـ .. حّاول الاتصال الآن بصوان و أقترح عليهم شراكتنا ، سوف يّقبلون بالفعّل ، أينّ هو ذّلك المـّعتوه ؟ حسنّا أعتمدّ عليك فرانسوا
تنهد بحدة بعد إنهاءه للمكالمة ، يا لها من لعبة سخيفة تدخله فيها جونسون ، ألا تعلم أنه يمتلك بالفعل السوق ، أولائك البلهاء يحاولون إدخال عائلة لبير
بشـأنها العظيم في لعبتهم السخيفة عديمة الخبرةرفّع سّترتهّ الجلديّة الّبنيةّ و وضـّع قّبعته على رأسهّ ثمّ سـّارع بالخـّروج ، يجبّ عليه أنّ يخـطّوا الخـطّوة
الأولى ناحيّة شـّركة جونسّون قّبل أنّ يـّعلم أيّ أحدّ بذلكّ ، ركبّ سّيارتهّ اللامبّرغيني الجديدّة و التيّ استوردّها فرانسواّ منّ أجلّه منذّ ما يـّقاربّ يّومين فقطّ
لّيكون محطّ استعمالها بّفّرنسا ثمّ أداّر المقودّ باحترافية ليتجّه إلى حيثّ تـّلحّ عليه أفكـّاره الذّهاب
بـّعد مـّرور سـّاعتينّ تمكنّ من الـّوصول فيهّا إلى حيّ مهجور بني فيهّ مصنـّع تّهالكّ من شدّة قدّمه ، ركّن سّيارتهّ أمامّ البـّوابة ثمّ خـّرج و سار وسطّ قطّرات
المـطرّ المنهطّل بكلّ كسّل بينماّ عينيهّ تـّقاومانّ النومّ فتـّح البـآب بركّلة قـّوية ثمّ وضـّع يديّه فيّ يجبّ سترتهّ ببرودّ ، و كشّر عن أسنانهّ مستعداّ للمواجـّهة
بينماّ قـدّ ظهرت حالة الخـطرّ من حـّوله و احتدّت ملامحّ وجهه بكلّ تقاسيمهاّ ، كـّان المصنـّع مليّئا بصـّناديقّ عدة و فيّ حالة فـّوضى ، معظمّ هذه الصـّناديق
كانت مرميةّ و قدّ فتحتّ لتـّظهر بّضاعتها بشكلّ واضحّ لنايتّ تّوقف عنّ السّير عندماّ وصلّ إلى وجهته و ركّز عينيهّ بتقّييمّ شـاملّ على ذلكّ الـّرجل الذيّ
ربطّت قدّميه و يدّيه إلى الكـّرسي فيّ حين كانّ التعبّ واضحا عليه و بجانبهّ توجدّ صينية أكلّ صدئة ، رمقّه نايتّ باحتقار ثمّ قـّال بـّنبرة حادةّ
ـ لقدّ التقينا أخيـّرا وجهاّ لوجّه يـاّ ... رئّيس
ببطّء شديدّ قّاوم ذلكّ الشـّاب تّعبه و ألاّم جسدّه المرّهق لينـظرّ إلى نايتّ بـّحقدّ دّفين ، ثمّ همسّ بّصوت خـّافت كالأفعى
ـ لمّ أكنّ لأظن أبداّ أنّ هـذّه هي طّريقتكّ فيّ اللعبّ سيدّ نايتّ ، بل بالأحرّى ظننتكّ شخصـّا مستّقيماّ آسفاه فقدّ خابّ أملي بكّ
عمّ السكونّ قـّليلا ، عندماّ أتى فـّرانسوا فجـأةّ ليّقفّ بإحتـّرام و استعدادّ خلفّ نايتّ ، فيّ حينّ تـّقدم الأخير بـّكل برودّ ناحيّة ذلكّ الشـآب ، سددّ قّبضته
إلى مـّعدته بكلّ قوة فإرتدّ الكرّسي للخلّف و سقطّ لّيعم الغـّبار فيّ كل مكانّ ،إنحنى و أمسكّه من ذّقنه لّيقول بـّصبّر
ـ لستّ هنا لدّردشة معكّ ، أخّبرني كيّف حصّلت على مستندّات المشّروع ؟ كيّف تجـرأتّ على خيانتيّ أناّ ؟
رمقّه الشـّاب بـّغيضّ ثمّ قـّال بّصوتّ غـّاضب و عّصبي
ـ أتظننيّ بهذه البّلاهة لأكشّف عن أوراقّي لعّدوي ؟ بربكّ
قـطبّ نايتّ و رّفع يدّه على ذّقن شـّاب ، سحبّ مندّيله و قـّام بّمسحّ يديّه ليّرميه بعدها بينماّ يّراقبّ فرانسوا الوضّع محاولّا كتّم ضحكـّته ، لقدّ بدأ يّفقدّ أعصابه
و عندماّ يّفقد نايتّ أعّصابه تحدثّ العـجّائبّ ، عـدّل من وضّعية الكرّسي و تحدثّ
ـ إسمـّع أتظن أن أوراقّك فعلا مهمة بـّعدما قدّ خسرتّ ملايين الأسهم و أصبحتّ مدانا بالبلايين ؟ يجبّ عليك فيّ هذه اللحظة أن تتوسّل لعقدّ شراكة معي
لعلني أنقذكّ لكن لا بـأسّ فلا بدّ أن رأسكّ قدّ تـأذى تماماّ كجسدّك لذلكّ سوف أعطيكّ فّرصة آخيرة ، فإن أخبرتنيّ منّ الذيّ تجرأ اللّعب بذّيله من حولي
سوفّ أساعدك بانتشال مؤخرتكّ من الأرض
نـظرّ إليهّ جايسّون بّعينيهّ الـحادّتين و لو أنّ يديّه لمّ تكوناّ مربوطّتين فقطّ ، لوّ أن قدّميه لمّ تكوناّ مشلولتينّ عنّ الحركّة فيّ هـذه اللحـظّة فقطّ لأراه منّ
يكونّ فعلاّ رئيسّ شّركة جونسونّ لأمسكّ بّفمه هذا الذيّ يّقطر سّما و قطـع لسّانه لإشّلاء ، لكـّنه ابتسمّ بسّخرية لاذّعة و هو يـّرد عليه بّكل ّثقة لا تلاءم موقفه
ـ بّل من هـّؤلاء الذّين يّلعبون منّ حولكّ ، نحنّ ذّئـّاب يّا نايتّ و الذّئابّ لا تـّخرجّ لوحدّها
تـّقدم منهّ فـّرانسوا و بينّ يدّه عصى حديدّية التقطها قّبل فّترة ، كـّان يّسحبها على الأرضّ لتصّدر صّريرا مزعـّجا يصّم الأذانّ ، رفّعهاّ فجـأة و هوى بّها
على قـّدم جايسونّ اليمنى بكلّ قـّسوة لّيمتزجّ صوّت أنينّه معّ صوتّ انكسّار عـّظمه ،
تخّللت أصّابع فـّرانسوا شّعر الشـّاب الأشّقر و دّفعه لّيكون بّمستواه ، حيّث أن المسّافة بينّ وجهيهماّ لا تـّكاد تبعدّ سنتمترينّ و لّيتحدثّ بّنبرة مخّيفة حـاّقدة
ـ هلّ أجلّب لكّ قـّلما و ورّقة لكّتابةّ أسّمائهمّ أمّ يجدرّ بيّ أنّ أصنعّ حبّرا منّ دمكّ ؟ يـّا فتى
لمّ يكنّ يملكّ جايسون فيّ هذا الوقتّ سوى نـظرّاتهّ التيّ قدّ تّشفع لهّ غـّليل بركّان حقدّه ، أنّ يكونّ لعبةّ بينّ أيادّيهم هو أّسوء مصّير قدّ سقطّ فيه ،
فّهمس بّنبرة سّاخرة بّالرغم منّ آلامه
ـ قدّ تبدواّ يّا نايتّ الآن قّويا ، متملكّا و لا تهـّاب شيّئا لكنّ صدّقني سّوف يـأتيّ اليومّ الذيّ تّخسر فيه كلّ شيء .. هـذاّ الجّبروت و هـذاّ الكّبريـّاء و هـذّه الكـّرامة
، سّوف يّسقطّ قناعّ بّرودكّ يوماّ و سوفّ أحرصّ على أن أكونّ أناّ منّ يّدفعك للحّضيض
لكـّمه فـّرانسوا فـّإندّفعت الدماّء من فمه ، فيّ حينّ أدارّ نايتّ ظّهره لهّ و ليّتجه بخـطّوات كسّولة نـّحوّ المخـّرج عندماّ تّوقفّ فجـأة و استداّر نصّف دورة ينظرّ فيها
إلى جايسون ، ابتسمّ بـّهدوء و أشّار لفرانسوا كيّ يّنزع الحبّال ثمّ تـّحدث بنبرة سّاخرة محّتقرة
ـ يسّرني أنّ أراكّ تحـّاول
شّعر جايسون بالدهشةّ و هو يرى نايتّ يرحلّ غيرّ مباليّ به و بجانبّه يده اليمنى و حاّرسه الشخصّي فـّرانسوا ، طرّيقة سّيره الكّسولة و ملامحّ وجههّ البـّاردة
جّعلته يشّعر كما لو كـأنهّ حشّرة قذّرة منّ المستحيلّ لها أبدا أن تصل إلى مكانته ، لقد أحتقره و استهان به ، استهزأ به هو رئيس شركة جونسون ، وقفّ بإرهاق
و بخـّطوات متمايلة سريعةوصـّل إليهما ، حيثّ كان نايت يهمّ بالّرحيلّ و هو يّصعد إلى متن سّيارته ، صّرخ بّقوة و حقدّ قدّ أعمى بّصيرته و حتىّ فكـّره بينما على شفتيه
ابتسامة شماتة
ـ هلّ يعني لكّ إسمّ ديـّمتري شيئا ؟
تّوقف نايتّ بّصدمة و إلتفت مسّرعا إلى حيّث كانّ جايسون يّقف ، ملامحـّه قدّ تغيرت و لأولّ مرة رأى فرانسوا نايت يظهر تعبيرا على وجهه عدى البرود ،
كانت عينيه تنطّقان بّالصدمة و الدهشةّ .. ثـّواني حتى تحولّت هـذه النظراتّ المشدوهة إلىّ نيّران وقودّها الغّضب ، سّارع نحوه و أمسكه من يّاقته ليّرفعه عن
الأرّض ، صّرخ بّحدة و نبرةّ عالية مزمجرةّ
ـ أّين هو ؟ أخبّريني أينّ هو قّبل أن أفصّل رأسكّ عن جسدك ، أينّ هو ؟
ضحكّ جايسون بّقوة و قدّ أعجبّه فقدانّ نايت لأعـّصابه ، لمّ يكن ليتخيّل أبداّ أنّ تّفوه باسم ديـّميتري فقطّ قدّ يّوقظ مشـآعره أو يجـّعله بهـذا الشكلّ فّأكملّ
كلامه قـّائلا بخبثّ
ـ ديميتري هو قـّائد القطيّع

/

فّي منـّزل غّلوريّ ، على عكّس آرثّر الذّي لمّ يـّعدّ بإمكانهّ إيجـّاد لّقمة العيّش ، كّان السيدّ رويّ يّترأس الطـّاولة و يـحتّسي النبيذّ بكّل هدوءّ لـّوحده بّعد
أنّ رفّضت زوجّته ليكسّ أنّ تكّلمهّ ، و فيّ ظّل انسجامه الشديدّ معّ الأنبـّاء رّن جـّرسّ منـّزله فأشّار للخـّادمة بـانّ تفتحّه نفذتّ أمرهّ ثمّ بـّعد بّرهة أتتّ و
انحنت بأدّب و لبّاقة
ـ سيدّي تّوجدّ شّابةّ فيّ الخّارجّ تـّقول أنهّا تدعى فـّلور روبّرت و تّريدّ أن تراكّ فـّهل أدّخلها؟
أشـّار لها بيدّه فـأسّرعت و أدّخلت فـّلور التيّ تقدّمت منهّ و صاّفحتهّ باحترام لتجّلس أمـّامه على الكـّرسيّ ، فقـاّل العمّ رويّ بتسـّاؤل
ـ ما الأمرّ فلور ؟ هل حدّث شيء مـّا ؟
أجـّابتهّ فلور بّنبرة بـّاردة و هيّ تضعّ يدها على الطـّاولة لتسندّ رأسها عليهّا بينماّ قدّ بدى عليهاّ الملّل الواضحّ
ـ لا لّم يحدثّ شيء، لقدّ أتيتّ فـقطّ لأنهّ لديّ بضعة أسّئلة أريدّ منكّ الإجـّابة عليهاّ
أومـأ لهّا مشّيرا لكيّ تكّمل كلامها و قدّ استرعتّ انتباههّ ، بينما فتحت فلور حقيبتها و أخرجتّ بضعة مستنداّت لتّضعهما على الطـّاولة بجـّانب كـأس
العمّ روي تمـّاما ثمّ قـّالت بـّهدوء
ـ لقدّ وجدتّه هاتّه الأوراّق فّي مكتّب والديّ و كلّ ما أريدّ منكّ الآن هو أن تخبرني ما الذي قد تعنيه هذه الأّوراق ؟
حمل رويّ الملّف بفّضول ثمّ فتحـّه ، ابتسـّم بـّهدوء و هو ينـظرّ إلى ذلك الـّعقد الذيّ زينه توقيع جوناثانّ و بجـّانبه توقيعه هوّ ، لقدّ كان عـّقدا وهمّيا
عندماّ أرادّ كلاّهما أن يزوجّا أبنائهما منّ بعضهماّ البّعض ، نـظرّ إليها للحظات ثمّ ردّ قـّائلا
ـ ما الأمر ؟ لقدّ ظننت أنكّ تّعلمين أنه مزيفّ ؟
تنهـدّت فلور بـّغيضّ ثمّ أشـّار على بـّند المبـّطل لهذا العقدّ حيثّ كتّب بوضوحّ إن أرادّ جوناثان التملصّ منه فّيجب
عليه أن يدّفع الـ 500 مليونّ دولاّر كتـّعويضّ لخسّائر التي ألحقّها بّعائلة غلوري ، فعـّادت تتـّحدث مجددا
ـ أناّ أعلمّ ، كّلانا نعلمّ و ماّري تعلمّ أيضّا لكنّ و بسّبب هذا العقدّ المزيّف جلّبت ماريّ الـ 500 مليونّ دولارّ و أظنكّ تـّعلم تمـّاما مصدرّ هذه الأموال ؟
أومـأ عمّ روي بالإيجاّب ، إنهّ واضحّ تماما أنّ ماريّ قدّ جلبت هاتّه الأموالّ من خطيّبها نايتّ لكن ما الأمر الذي تـّريد فلور أن تـّصل إليه لا يزّال
مبّهما بالنّسبة له ، فّعقدّ يديه بـجاّنب صدّره لتـكملّ فلور كّلامها بـّغيض
ـ أريدّ منك أن تجدّ حلاّ يجّعل ماري تعدّل من فكرةّ الزواج بّهذا المدعو نايت ، أظنّ أنّ قّصة الـ 500 مليونّ دولاّر تخفيّ أكثّر مماّ نعرفه لذلكّ أفّضل
أن تنسحّب ماريّ من هذه الزيجةّ
قطـّب رويّ بعدم استيعابّ لكّلماتهّا ثمّ صّاح بّاستنكـّار بّعد أن تـّدارك الوضعّ
ـ هل أنتّ مجنونة أم ماذا ؟ منّ هذا الذيّ يّرفضّ أن يكونّ نسيبّا لّنايت ؟ أرجوكّ لا تتدّخلي فلور فـماري و مماّ رأيته هيّ تحبّ ذلك الرجّل حبّا جماّ و
بـّفرضك لرأيكّ فـأنتّ تـّحطّمين ما بنيته أنت و أختكّ تواّ ، لا تنسيّ أنّه تمّ إعادة لمّ شملكما منذّ شهرّ تقريبّا و أن تتدخلي فيّ خصوصياتها قدّ يهدمّ العلاقة التي بينكما ،
ـ لكـّن .. سيدّ رويّ أنتّ لا تـّفهم فـّنايت ليسّ كما يبدوا
ضّربّ رويّ بّقبضته على الطاّولة فـّتّوقفت فلور عن الكلامّ و رمقته بكل دهشةّ ليّكمل هو حدّيثه بـّهدوء
ـ أناّ أعلمّ عن الإشـّاعات التي تدورّ حوله ، أنهّ رجلّ أنانيّ بّلا أخلاق يّسعى لتدميّر كل من يّقف بطـّريقه و أعّلم أيضّا أنهّ لّن يترددّ فيّ القّضاء عليكّ إن
حاولت إعتّراضّ زواجه من ماريّ ، فـحسّب ما رأيتّ فهو يّحب ماريّ
تـأوهتّ فلور بـّتعّب و وضعت وجهها بين يديها غير مصدقة ، لقد سمع منتصفّ الكلام فقطّ فلو جلّس روي حتى النهاية لرأى كمّ هو وضيع ذلك الرجلّ
فوقفّت بـّغيضّ و أمسكت حقيبتها لتـّخرج مسرعة ، لما لا يساندها أحد ؟ كلهم يعلمون أنه سيء الطباع فلما لا يقفون فيّ وجه هذا الزفاف ؟
بينماّ وقف روي و حملّ ذلك الملفّ لكيّ يضعه فيّ مكتبه و يـّخرج هو الآخر بعدّ أن ضاقت به أجواّء البيت، خـّلف حديث هذين الاثنين كانّ هناك مستمع ثـّالث.
. تسللتّ ببطء إلى مكتبّ والدها ثمّ أغلقّت البّاب خلفهاّ بإحكامّ لتتجّه إلى حيثّ كان الملف مرميّا بإهمال و على شفتيها ابتسامة نصٍّر و أخذتّ تفتحّ درجاّ تلوّ
الأخّر بّفضول ، الآن بـّعدما قدّ وجدتّ هـذاّ الملفّ يجبّ عليها أن تّسرع لإحداث ضّربة ، ضّربة تـّجعل تلكّ المدعوة بماريّ تـّرتجفّ رعـّبا ، سوفّ تجّعلها الـماردّ
الخّاصّ بها ، هيّ تـأمر و تلكّ تنفذّ

/

فيّ إحدى تـّلك الغـّرف العـديدّة ، كـّانت هي تـّجلسّ على أريكة واسعة واضـّعة قدّما على الآخرى و قدّ بدى عليهـّا الإنغـّماس فيّ أفكـّارها الخاصة ،
فتـّارة تـبتسمّ و تـّارة آخرى تـّعبسّ بشكلّ واضحّ ، مـدتّ ذّراعها و سحبّت هاتفها الـّبعيدّ عنها إلى حضّنها ثمّ أخـذتّ تـّدور بينّ أسمـّاء المسجـّلة ، يّا ترى من
هو الأنسّب لمهمتهاّ ؟
حسنـّا لا بـأسّ بهـذاّ الـّرجلّ فهو بـّعد كلّ شيء يدّها اليمنى كمـّا أنهّ يّفضل أن تعطيّ مهمتها إلى شخصّ تـّثق جيدّا به كيّ و إذاّ انكشفت ألألاعيبها فّلن يّقوم
هذا الشخصّ بّفضحها ، يجبّ عليها أن تتوخى الحـذرّ أكثّر و يجبّ عليها أن تـّقدم على خـطّوتها الآن مـّا دامّ نايت لّيس هناّ فيستحسنّ كونهّ بعيداّ ، هكذاّ
سترتـّاح فيّ تـّنفيذّ خطتهاّ
اقتربّ منهاّ فجـأة محتّضنا إيّاها من الخـّلف بّقوة و بكلّ اشتياق فالتفتت إليزابيثّ ناحيته و على شـّفتيها ابتسـّامة بـّارعة الجمـّال ، مـّرتدّية فـّستان حـرّيريّا قـّرمزي
يّصل إلى منتصّف ركبّتيها جـّعلها كمـّلكة لا تـّقاوم بينماّ همسّ كايل فيّ أذنها بـّنبرة كسـّولة عـاّبثة
ـ لقدّ اشتقت إليكّ كثيـّرا عـّزيزتي ،
قـّبلها على خـدّها بـّخفة ثـّم قفـّز بّبسـّاطة ليستلقي واضعـّا رأسه على حـّضنها، فـّتخللتّ أناملهاّ شـّعره البنيّ بـكلّ لطّف لتـّقول هي هـّامسة
ـ أنـّا أيضـّا عـّزيزي ، كيـّف كان العـّمل ؟
كشـّر عن ملامحـّه بضّيق فبدا حيّنها كماّ لو كـأنه طـّفل فيّ الـّخامسة ، يكونّ مستمتـّعا باللعـّب بأشيـّائه عندماّ فجـأة يتـّم أخذّ لعبته منـّه مـذّكرينه بـّواجباته
فـأجـّابها بـتّعاسة
ـ أيجبّ عليكّ دوماّ أن تفتحيّ هـذا المـّوضوع ؟ لقدّ أخبرتكّ مسبّقا العـّمل يّبقى فيّ مكانهّ ، لذاّ من فـّضلكّ غـّيري دّفة الحديّث
ردتّ عليه إليـّزابيثّ بـّضيق هي الآخرى و قدّ سحبّت يدّها منّ خصـّلاته
ـ لماذاّ أنت هـكذا ؟ أنـتّ تـّعلم جيـداّ أنني أريدّ أن أسـّاعدكّ فـّلو تـّخبرنيّ بّصفقـّاتّك لسـّاعدتكّ لنيّلها ، لديّ معـّارفّ عدةّ
تنهـدّ كـّايلّ و وضـّع ذّراعه على عينيهّ ، العمـّل فيّ شـّركة مـّع جـدّه بمثـّابة الذّهابّ للإعـّدام بإرادّتكّ فـّهو شديدّ و قـّاسيّ مـّا إن يـّعلم بتـّواجـّده فيّ
مكتـّبه حتّى يّرسل له مـّلفات لا تحصى و يـّطلب منه الذّهاب إلى مقـّابلات عـّدة قدّ نسي مّعظمها عمـّا كانتّ تـّدور ، بّتصرفـّات جـّده عديّمة الـّرحمة
جـّعلته يـّظن أنّ نايتّ سوف يـأخذّ منصبّ الـّرئيس لا محـّالة ، تـّحدثّ فجـأة و هو ينـّهض مسـّتقيما لّيعتدل فيّ جّلسته
ـ ما الذيّ قدّ فعلته بمـّا يّخص موضوع خـّطيبة ذلكّ السـّافل مـّاري ؟
هـّزت رأسها نفّيا و رفـّعت كّتفيها دّلالة على عدمّ فعلها لشيءّ فـّوقف كـّايل و أخـذّ هـّاتفه الموجودّ على الطـّاولة ليّستعد إلى الـّرحيلّ و هو يّقول
ـ يجبّ عليكّ الإسـّراع فـّلا يوجدّ لديّنا الكثّير من الـّوقت

/


JAN 03-09-2020 11:07 PM



بينّ جدران الـكّلية الكبـّيرة ، فّي إحدى القـاعات المنتشرة بـكّثرة كـآن هو بجانب أخته جـّالسّا و علاماتّ الضجّر على وجهه الـجمّيل ، و كذّلك كليـّر لمّ
تكنّ تـّقل عنهّ تهجمـّا بعدّما قدّ نقلت له مـّا قاله والدّه بجّميع حواّفره ، المحاضرة قدّ انتهت منذ مدة لكنهمـّا لا يـزاّلان عالقان هنـّا، لنّ يتحّركا قبّل إيجاد
حّل لمشّكلة عائلتهما الصـّغيرة تلكّ و لنّ يسمحّا بـجثـّمان رجّل مّيت أنّ يعرّقل سـّعادتهمّا ، و مهمـّا كّلف الأمـرّ ، كـآن ينتـّظران ظهورّ مـّاريّ ، فـّكلير
لا تّعلم أينّ تعـّيش و الفـّرصة الوحيدّة لإمساكها هيّ عندّما تكّون بّين قّضبان الكّلية ، فجـأةّ قدّ رأتّ كليـّر مـارّي تمـّر منّ الـرواّق قبّل أن تسقطّ جميعّ
كتبهـّا و تضطّر للجّلوس كّي تّجمّعهم ،أسّرعت كليّر إليهـّا ثمّ رفعت نفّس الكتاب الذّي كـآن بيدّ ماري لتنـظّر إليها الأخيرة بعينيها الواسعتين ،
رمّشت مـاري قـّليلا قّبل أن تنـّزع الكـتاب بّقوة و قّد أضطرب قلبها ، فابتسمت كليـّر بـبرود و دّفعتها لدّاخل القـاّعة لتّغلق البـاّب خلّفهما بّهدوء و هي
تقّول بلهجة مهددة
ـ لدّينا حدّيث لمّ نكمله صّغيرتي مـاري ،
بّلعت ماري رّيقها بـّتوتر ثمّ وقفّت و قـّالت بارتباك
ـ ألمّ تسمعي ما قاله نايت عن الاقتراب مني ؟ أتردينّ الموت فعلا ؟
ابتسمت كلّير و على شفتيهّا مكـّر ، ثمّ وضعت يدّها على كتّف ماري المرتجّفة و أمالت رأسها قّليلا
ناحيتها لتّهمس بّخفوت
ـ عـزيزتيّ ، جميـّع الصـّحف قدّ نشّرت أنّ خطيبكّ البـّطولي قدّ ذهب في رحلةّ عمّل إلى فرنّسا لذّا حبيبتي ، هذّا حدّيث خاّص جداّ فدّعينا لا نشّركه به
تّقدم آرثّر منهـّا بهدوء فنـّظرت إليه بذّعر ، كـان يّكفي وجودّ فردّ واحدّ من عـاّئلة غلوري لكنّ الآن ما الذّي سوف تفعله ؟ وضعّ آرثر يدّه على
كّتفها الآخرى ثمّ قـالّ باستياء
ـ مـاّري ، كّيف لكّ أن تفعلي هذا بّي ؟ ألنّ تـرأفّي بّقلبكّ الذّي أحّبكّ طواعية ؟
ابتعدّت مـّاريّ عنهمـّا بّسرعة ثمّ ضّغطّت على زّر هاتفها الموجودّ بّدّاخل جّيب معطّفها، ثمّ قـّالت بتّرددّ
ـ لما أنـّا ؟
أجـّابتها كلّير بـّبرودّ
ـ لأنـكّ الحّلقة الأضّعف طّبـّعا ، يّسهل خدّاعكّ ، الآن مـّاريّ صـّغيرتنا مـّاريّ دّعينا ننتّقل إلى الأهمّ ،
نـّريدّ منكّ أن تنفذّي لنا أمـّرا مـّا
قطّبت مـّاريّ عندمـّا اجتاحتها كّلمّات نـّايت سّابقّا ، كّيف قدّ غضّب منهـّا ؟ و كمّ كـان مـّؤلمـّا سمّاعّ تّوبيخاتهّ فقـّالت بـّخفوت
ـ أنـّا لستّ مطّالبة بفّعل أي شـيء لكّما ، لذّا دّعاني أرحّل
رمّقتها كلّير بـّغضّب ثمّ نـّظرت لآرثّر فاقترب هو منّ مـّاري و أمسكّها من ذّقنها بّقوة جّعلتها تّجفّل ، فقـّال بـّحدة
ـ أنتّم السّبب فيّ جعل والدّي يطّردني من المنـّزل و يحّرمني من جميـّع مصّروفي بّشتمي و حّرماني من رؤية عـّائلتي
لذّا لا تّقولي أنكّ مطـّالبة لأنكّ لست كذّلكّ ، بّل أنتّ مجّبرة عـزيّزتي على تـّنفيذّ أوامـّرنا
رمّقته مـّاريّ بـّاشمـئـزازّ شديدّ ثمّ رّفعت يدّها و دّفعته لكّنه لمّ يتحّرك أنشا واحدّا من مكـّانه ممـّا جـّعلها تـّرتبكّ فرّفعت قّبضتها بـّخفة و
أّغلقت عينيهـّا للوهلة ثمّ فّتحتهمـّا مجددّا
حّينهاّ كـّانتّا مشّبعتينّ بالكبـّريـّاء ، بنـّظرة عمّيقة من التـّعجرّف و الآنـآنية كمـّا لو كـأنهاّ لست مـّاريّ فإرتبكّ آرثّر لكنّ هذّا لمّ يمنعه من
إبـّعادّ يده لتّقول مـّاري بهدوء
ـ أنتّ مخطـأ ، جميـّع ما حدّث لّك لّيس بّسببّنا بّل لآنّ تصّرفاتكّ اللا أخلاقية و إنحـطّاطكّ همـّا سّبب جّعلكّ في هـذّا الموقفّ تبحّث عن
شخص لتّلصّق بهّ أخطـّائكّ أنتّ كيّ لا تّشعر بالذّنب و كيّ لا تضطّر للاعتذّار ،
ـ أجّل سّلوكيّ هو خطئي أنـّا و أنّا فقطّ لكنّ من أنتّم حتّى تّعاقبوني ؟ من أنتمّ حتى تحّرموني من عائلتي ؟
إرتبكّت مـّاري ثمّ عـادّت تـّغلق عينيهـّا محاولة التفكّير فيّ نايتّ كي تستمدّ منه القوة مجددّا بينمـّا نـّظرت إليها كلّير ّغيّض و كـّادّت أنّ
تّقوم بلكّمها لولا أنّ آرثر أوقفها بإشـّارة من يدّه ، يّغضبه كيّف تّرد عليه ، فقـّال بحدة مكمـّلا كّلامه
ـ و أنتّ مجبرة على إصلاح خطأ والدّك بـمّا أنه قدّ توفي ، أفهمت هذا ؟
كـآنت تّفكر ، كيّف يجّب عليها أن تتخّلص من هذه الـورطّة قبّل تـّطور الأمورّ لشيء لا يحمدّ عقـّباه فطـأطـأتّ بـرأسهاّ قـّليلاّ ثمّ رفعته و قـّالت بـّتردد
ـ ما الذّي تريدّ مني فعله ؟
ابتسمتّ كليّر بـحقدّ و وضعت يدّها على رأّس مـّاريّ لتنّثر شّعرها بكّل خشونة و قسوة قّبل أنّ تنظّر إلى عينيهـّا و هي تقّول بـتسـاؤل
ـ أتستطعن إعادة والدكّ و أن تطّلبيّ منه ألا يدّخل أنفه فيّ شـؤون الآخرين مجددا ؟
دمعّت عّيني مـّاريّ فـابتسمت كليّر بانتصار ، هاّ قدّ عادّت ماري الضّعيفة إلى جـّانبهمّ و هي التّي ظنت أنه و بعدّ خطّبتها قدّ تغيرت فـضّربت
خدّها بّرفق لتّقول بكلّ شّفقة
ـ لا أظن ذّلك ، حسنـّا مـا رأيكّ أن تطّلبي من خطّيبك المشهور أن يّرسّل لنـّا عشرة مّلايين أو أكثّر ربمـّا مئة مليونّ حتى يـؤسس آرثّر عمله
الخاص و يّعترّف والدّي بنجاحه لتعودّ عـائلتنا كما كانتّ لكن آكثر ثراء
شهّقت مـاّري من كمية المّبلغ الكّبيرة و قدّ شحّب وجهها ، هي لنّ تستطّيع أن تطّلب هذا من نايتّ مهماّ قدّ فعلوا ، فّرفعت رأسهـّا بكبـّريـّاء و قـاّلت
ـ لا
أمسكّت كلّير بّقبضتها قّبل أن تندّفع نحوها و تّلوي رّقبتها تلكّ ، أمـّا آرثر فّرمقها بـحدّة ثمّ نـّظر ناحية أخته ، ليّقول بغضب
ـ من أنت لكّي ترفّضي ؟ ألم أخبركّ أنكّ مجبرة ؟ أيتها الغّبية الحّقيرة ، كلّير أخرّجيّ ما بجّعبتك
ابتسمت كليّر ببرودّ ثمّ أخرجتّ ملّفا من حّقيبتها الصّغيرة من مـاّركة المشّهورة شـانيّل و رّمقت مّاري بإستهزاء قّبل أن تّرمي ذّلك الملّف
بين يدّيها ، فـأمسكته الآخيرة بترددّ ثمّ فتحّته و دّقات قلبها تّرفضّ الصّمت كـّانت تّوجدّ نسخة من العقدّ المزيّف الذّي كانّ جّوناثـّان سّوف
يجّبر فلور على توقيعه مـّا إن أكمّلت المسرحية و سندّات عنّ ملكّية و أّيضـّا بضعة تسّجيّلات قـّامت كليّر باخراجها من الكـّاميرات المنصّوبة
فّي منزّلهم و تمّ تسجّيل فيها كلّ محادثة كـّانت بينّ والدّها جوناثان و العمّ روّي ، نـّظرت إليهمّا مـّاري بإستنكـّار
ـ لقدّ صّرناّ نعـّلم أنّ هذا العقدّ مزّيف من وصّية والدّي الأخيرة لذّا ما الذّي تحاولونّ الوصول إليه ؟
لمّعت عيناي آرثّر بالانتصـّار و هو يّسحبّ المّلف من بينّ يدّيها لّيقول بلهجة عـّابثة و مهددّة فّي نفّس الوقّت
ـ أنـّا أعلمّ و كلّير تـّعلم و أنتّ تـّعلمين و أختكّ تـّعلمّ لكن يـّا ترى هل الصّحافة تـّعلم ؟ ما إنّ يخرجّ هذا المّلف إلى العامة فـّيا ترى كّيف
سّتكون نّظرة المجتمـّع إلى محبوبة الجمـّاهير سنـدّريلا ؟ تلكّ التيّ نالتّ قّلب نـّايت يتـّضحّ أنهّا ليسّت سوى دّجالة تسعى لمـاّله ، و قدّ خدعته من
أجّل الـ 500 مّليون دّولار المـّزيفة ؟ مـّا رأيهمّ أن هـذّا الـعقدّ كـّان مـجردّ تـّزوير من أجّل الحّصول على شّفقة أميّرك فيّ مسـّاعدّتك ؟ أخّبرينيّ
يـّا أيتها الحلوة اللطّيفة ماري ؟
شّحبّ وجّهها كّليـّا كمـّا لو كـأنّ دّماء عـّروقها قدّ سحّبت فـنـّظرت نحوه بـّعينيها البنّيتينّ الزائغتين من الصدّمة و بّلعت ريّقها مرارّا و تكّراراّ قـّبلّ أن
تـكّمل كلّير كّلامها و هيّ تّلتف حّول مـّاريّ كإلتفاف الأفعى حولّ فريستها
ـ لقدّ خاّب ظنيّ بكّ فعلا يـّا ماري ، لّم أكنّ أظن أنكّ بهـذّا الانحـطّاط و لدّيك كّل هـذّا المـكّر لكنّ فعلا لقدّ خدّعتنا كّلنا
ارتجّفت مـّاري كـّورقة في الخـّريفّ و أنـّزلت رأسهـّا إلى الأسّفل بينمـّا دّموعها على وشكّ السـّقوط ، ما الذّي يمكنها فعله الآن ؟ كّيف يمكنهاّ
قّلب الطـّاولة لصـّالحها ؟ لمـاذّا تـأزمت الأمور إلى هذه الدّرجة ؟ سّوف يّغضب نـاّيت ، مسحّت دّموعها ثمّ قـّالت بـّخفوت
ـ حسنـّا لقدّ فهمت ،
ضربت كليّر خدها بّخفة و غمزت لآرثّر لأنّهما قدّ نجحا ، فجـأةّ رّفعت مـّاريّ نـّظرها نـّاحيتهم و قدّ تـّغيرت ملامحـّها الخـّائفة المـّرتعبة إلى التمـّاسكّ
، ثـمّ قـّالت لهمّا بـّتوتر
ـ إنّ أردّتمـّا أنّ يّغفر لك يـا آرثر عمّي رويّ خطـئكّ فـسأتحدّث له و أترجاه لكنّ فقطّ لا تـّدخّلا نـّايت ، أرجّوكمـّا لا تّعبثـّا معه
قطّب آرثّر و ضّرب خدّها بّخفة قـّائّلا و لهجة التـّلاعب تّغزو كّلماته العـّابثة
ـ لمـّا ؟ هل تحّبينه مـّاري ؟ أأنت خـّائفة عليه منا ؟
ابتسمّت بشجـّاعة و شدّت حّقيبتهـّا إلى صّدرهـّا ثمّ ردّت على كّلماته العـّابثة بلهجة أشدّ قوة كلمـّا كـّانت تتحدّث عن نايت فيها
ـ خـّائفة عليكّما منه و لّيس منكمـّا ، أنتمّا لا تـّعلمان مـّا نايت قـّادر على فعله و لا أنتمـّا تـّعلمان مـّا قدّ تـّورطّان نفسيكمـّا فيهّ لذّا نصيحتيّ أنّ لا تّلعبـّا معه
زّفرت كلّير بغيّض عندّما قدّ طّال الحدّيث عن المعـّتادّ ، فـّقـّالت بـإنـزعاجّ
ـ هل أنت غـّبية أم ماذا ؟ أتريدّين من نايت خطيبكّ أن يكتّشف لعبتك الـوقحة في سلبّ أمواله ؟ أيتهـّا الخـّرقاء ماذا يوجدّ بدّاخل رأسكّ ؟
فجـأةّ رنّ هاتفهاّ فيّ جيّب معطّفها لتّدّخل كليّر يدّها و تخّرجه ، كـّان اسمّ نـّايت ينيـّر الشّاشة كمـّا لو كـأنهّ قدّ عـّلمّ بـّفعلتهما الشنيعة هذهّ فارتجفت أوصـّال
كلّير فقطّ من فـّكرة سمـّاعهم لحّوارهم لكن هدأت عندّما تـّذكرت أنه لا يجّب عليه أبدّا أن يسمـّع ما دّار هنـّا إن كـّانت مـّاري ترّغب فّي سـّلامتها الخـّاصة ،
فّضغطّت على زّر التجـّاهل و رمّت الهاتف مجددّا لدى مـّاري لتقول بـّعدم اهتمام
ـ لقدّ تغّيرت مـّاريّ ، لكنّ لا يـّزال أمامكّ الكثير لتجّارينا نحن
خرجّ كلا من آرثر و كلّير صّّوت ضحكاتهما تّملئ القـّاعة بينمـّا أمسكّت ماري الهاتفّ جيدا و جـّلست بهدوء على الكـّرسي ، أفكـّار عديدّة تدورّ في رأسهـّا
مؤخرا و لمّ تلقى لها جواّبا كذلكّ العـدّيد من الجملّ التي بّقت عـّالقة في ذّهنهـّا
ـ أنت ضـّعيفة مـّاري ، مـّاكرة مـّاري ، حفّل الزفـّاف فيّ نهاية هذا الشـّهر ، لقدّ توفيّ والدّك مـّاري ، كّفي عن التـظاهر ، أعملّي بّوصية والدناّ ماري ،
مـاري لا تتـّركي نايت مهما حدث ،
هـزّت رأسهـّا نفيـّا و تخللت أصـّابعها شّعرها البني القّصير بّعدم حيلة، لما هيّ الحلقة لأضّعف ؟ لماّ دوماّ ما ينالّ بغض الغّّير بالرّغم من أنها تحاولّ
جاهدة كسّب حّبهم ؟ كمّ تشعر بالّشفقة على نفّسها الآن ، ما الذي قدّ يقوله نايت عندما يعلمّ ما حدث ؟ لقدّ أخبرها سّابقّا أنها خـطّيبته و هي تمثـّله
عندما يّكون غائبا ، لكنّ الآن .. همستّ بصوتّ خافتّ مشجـّع و قدّ رسمتّ على شفتيها ابتسامة بسيطـّة
ـ قدّ أكون غبية سـاذّجة و ضـّعيفة لكن أنـّا لا أستسـلمّ بـّسهولة مهمـّا تطّلب الأمـّر،

/


الـهواء المنعش يحّرك يّاقة مـّعطّفه بإتجّاه الـّريـّاح و المـطّر الخّفيفّ يّضـفي جّوا من الـرومانّسية و الهدوءّ ، أغّلق عينيهّ الـزرقاّوتين الداكّنتين بتعّب
و أرخـّى رأسه على الكـّرسيّ محـّاولا التنّعم بّقليلّ من الراحةّ لكنّ هيمتاه فهـّاهمّ يعلنونّ عنّ رحـّلته إلى لندّن الجميلّة زفّر بّغيضّ و وضـّع القّبعة على
وجههّ فـتقدّم أحدّ الـرجّال ذو البدلات السـّوداء منهّ و إنحنى بـّخفة لكّي يـّقول بـكلّ لبـّاقة و تهذّيب
ـ سيدّي ، لقدّ تـّمّ الإعلان عن رحّلتك
فتحّ نايت عينيه و نـّظر إلى ذّلك الـرجّل ذّو الـّقامة الطّويلة ، عندّها قدّ احنى جميع الحراسّ رؤوسهمّ و عمّ الصمـّت فـقـّال نايت لذّلك الرجّل القـّريب منه
ـ أليّس جميـّلا لو أننـّا نستطّيع البقـّاء هنـّا أكثر فـرانسوا ؟
أومـأ فـّرانسوا و لمّ يّقل شيئـّا فتنهد نايت و وقّف لتّعادل قـامته طولّ قامة فـّرانسوا و إتجه إلى طـّائرته خّلفه أربعة حرّاس قـّائدهم المدعو بفـّرانسوا ،
جّلس فيّ مقـعده و عـّلامات الضجّر بـّادية على وجهه ، فجـأة سمـّع جّلبة في الخلّف لمّ يهتمّ بل وضـّع سمـاعات في أذّنه و همّ بالضـغطّ على زّر الموسيـقى
قّبل أن يـأتيّ رجّل مجنونّ مّلابسه ملطّخة بالدماء و سترتهّ قدّ فسدّت أمسكّ بياقة نايت و أشهرّ بذلكّ المسدّس على رأسه غيّر مبّالي بّصراخ الركّاب أوّ
موظفّاتّ ،و قـّال بـّنبرة غـّاضبة و حادّة
ـ أيّها السـّافّل ، كيّف تتجـرأ بوضّع يديكّ القذّرتين على والدّي ، أيهاّ الشيطان ..لقدّ أصبحّ مقعـداّ ألا تّوجدّ في قلبكّ رحمة ، سّوف أقّتلك
نـظرّ إليه نايتّ بعينين بـّاردتين خـّاليتين منّ أيّ تعـّبير ، كماّ لو كـأن حيّاته ليسّت مهددةّ للخـطرّ فيّ هـذه اللحـظةّ بل ابتسـمّ بـّغـّرابة و هو يـّرفع يدّه بسّرعة
خـّاطفة أجفّل عليها جايسون ليجّعل المسدسّ لدّيه ثمّ قـّال بـّسخرية
ـ أخبـّر نيكولاّس أننيّ أنتـظره ، و إنّ أرادّ أن يهاجمني مـّرة آخرى فـّلا يّرسل كلابه
رمقـّه جايسون بدّهشة ، كيفّ التقط المسدسّ بّسرعة و كيّف رماه ناحية فرانسوا ليمسكه و كيّف أصبحّ فيّ غـّضوان ثـّواني محـّاط بّالشـّرطة و العـّديد
منّ الحـّراسّ لقدّ حان وقّت سّقوطه و هذه هي النهاية ، حيّن تقدمّ نايتّ بهدوء نـّاحية فـّرانسوا و همسّ بـّبرود
ـ لا تـّدعهم يمسكونه
أومـأ فّرانسوا بـالإيجـّاب ثمّ أشـّار لرجـّاله كيّ يـّقوم إثّنين منهما بالسيّر خلفّ جايسونّ الذيّ تـّقوده الـشرطّة رغمـّا عنه بينماّ عادّ نايت للجّلوس فيّ
مكانه ثمّ وضع سّماعات الأذّن و شـّغل الموسيقى لـّيغلق عينيه ، احتدّت ملامحّه بّقليل من الغّضب ذلكّ المدعو بجايسونّ متهورّ أخرقّ فعوضّ أن يستغـّل
إطّلاق سّراحه راحّ يجولّ فرنساّ حاملا مسدّسا فيّ جيبّ سترته ، تنهدّ و دّلك جّبينه قـّليلا فقدّ بات يّظن أن فـّكرة تركه و شـأنهّ ليستّ بالفكـّرة الـجيدّة ربما
كان من الأفّضل لو أنهّ تركه محبوسا في ذلك المصنع لمدة أطول، فيّ حينّ كانّ معظم ركـّاب الـّرحلة فيّ الدرجة الأولى ينـظرونّ إلى نايتّ بإستنـكار و
إستغـّراب شديد ، كـأنه لمّ يتعرضّ لتهديدّ توا ؟ هل هو معـّتاد على مواقفّ مثل هـذه فيّ حياته اليومية أمّ ماذا ؟ كـذلّك فـّرانسوا كـّان يجـّلسّ خلفّ نايتّ
يـّقـرأ كـّتاباّ بإنسجـّام ، هـزتّ المـّوظفات رؤوسهن نفيّا و قدّ كـّانت هـّالة عدمّ الاقتراب منهما واضحـّة تماما

/

لمـّا وضـّع الليل بسـّاطه و أنـّارت النجومّ طـّريق ضـّائع السّبيلّ ، عندمـّا دّقت سّاعة ثـّانية عـّشر أبوابهّا و كـّتب التـّاريخ يومـا جديدّا مليـئّا المفـاجـآت ،
فيّ تلكّ الـشّرفة ذات الظّلمة الحالكةّ كـّانت تّقف بـّهدوء و بين شفتيها آخر سّيجارة ، تمسكّها بإحكـام و تّضع يدها على جّبينها بّقلقّ و تـّوتر ثمّ رفعت
الهـّاتف و اتصّلت به ، مسـّاعدها الأيمنّ ، كـّان يّقف كـّايلّ خلف الستـّائر يستمـّع إلى حدّيثها إنه فيّ غـّاية الفّضول لمعرفة خطّطها لكنّ للأسّف قدّ خاّب
ظنه عندما سمـّعها تتكلمّ بلغتهـّا الأمّ فـعـادّ خـّائب الأرجـاء إلى السّرير ، لقدّ أرادّ أن يعلمّ إلى أيّ مدى قدّ تـّذهب إليزابيث لكنّ يبدوا أنهّ لنّ يـّعلم إلا إنّ
أرادت أن تـّخبره هو ، بـّعدّ لحـظاّت أتّت نـّاحيته و سحّبت معـطّفها ثمّ قـّالت باهتمام و هي تصّلح شّعرها الأسودّ و تـّضع ملمّع الشّفاه على فمهـّا
ـ كّايل عـّزيزي لدّي عملّ مهم الآن لذّا ألقـاكّ فيما بـّعد
كـّادت أن تـّرحّل لولا إمسـّاك كّايل لمعّصمها، نـظرت إليهّ بتسّاؤل فـّقـّال هو بـّنبرة خـّافتة و حـذّرة
ـ إليزابيث أنتّ لا تـّقومينّ بشـيء خطير أليس كذلك ؟
إستدارت إليه و رمّقته بعينيها المثيرتينّ ثمّ ابتسمت و أرسلتّ له قّبلة كعادّتها العـّابثة ثمّ غـّمزت و قـاّلت بـّصوت يحـّاكي النايّ رقة
ـ لا تـّقلقّ عليّ كـّايل ، أنا إمـرأة تعلم تمـّاما مـّا تريد
قطّب و إقترب منها ثمّ أمسكها من ذّراعها بـّهدوء لكنها قّبلته مسرعة فيّ خده و سـّارعت بالرحّيل غـّير آبهة لّقلقّ كـّايلّ ، إنها تـّريد من زوجها نّيل
حصّة الأسدّ عند وفاة الجدّ و إنّ لمّ يتمّ ذلكّ فلن تسمحّ لأحدّ أن يكونّ بجانبّ نايتّ قبل أن تسلبّه هي جميـّع الأموال التي بحّوزته كّل ما يهم الآن هو المّال
و المـّال ثمّ المـّال

/

مـّرت أيـّام و لا تـّزال جـاّلسة فيّ شقتها بنفسّ المـّكان على تلكّ الأريكة تنـّظر إلى نفّس البّقعة بينمـّا فـّلور تـّروح و تجيء من أمامهـّا دون جـّدوى ،
إنهـّا لا تـعّلم سّبب عـّزلتها و لمـّا هي تفـّعل هـذّا بنفسهـّا ، لكّن الأغـّلب أنها تـّريد أخـذّ قّرار حـّاسم بّحياتهـّا فإمـّا تـّسليم المـّال و العودة إلى مـّا كان
مـجرى المياه عـلّيه سـّابقّا أو القـّبول و ركوبّ السّفينة وسطّ تلكّ الـّرياح العاصفة
جّلست أمامها و لوحتّ بيدّها فلمّ تستجّب لها مـّاري ، وضـّعت قدّما على الأخرى و احتست القّليل من كـّوب الشـّاي ثمّ نـظرت إلى النـّافذة سوف تقومّ
ببيعّ منزلهمّ و تجمـّع المـّال ، بعدها سوف يغادران لنـدنّ ليّعيشا حياة هادئة خـّالية من الأخطـّار إنّ مـاريّ ستختـّارها هي بكّل تأكيد لأنها طّفلة ضعـّيفة
لكّي تّمثل شيئا بمثلّ هـذا الحـجمّ ، لقدّ انتصّرت هي علّيهمـّا كّلا من نايتّ و ويّليـّام لدّيها الأفّضلية ، فجـأة تحدّثت مـّاريّ بهدوء
ـ فـّلور ، أظنّ أننّي قدّ وقعت في الحّب
كحّت فلور و كـادت أن تسكّب الكوبّ على السجـادة لولا أنها تمالكت أعصّابها في آخر لحـظة و نـظرت بعينّين واسعتين إلى أختها التّي قدّ ارتسمت
عليها ملامحّ الجدّية ،
ـ أي حّب ؟ من تّحبين ؟
نـّظرت إليها مـّاري عميّقا قّبل أن تنطّق بكّلماتهّا، تلكّ الكلماّت التّي بقت مـطّولا بدّاخل قّلبها الصـّغير ،
ـ أحبّ نايت
شهقّت فلور من الصدمّة و لمّ تستطعّ أن تنطّق بحرفّ ، ما الذي تّقصده بـأنها تحّب نايت ؟ و هل هو بشّر لتحبه ؟ فـأكمّلت ماري حديثّها
ـ بحّضوره أشـّعر بـّالقوة كـأننيّ قادرة على فعلّ المستحـّيل ، عندمـّا يكون موجـّودا نبّضات قّلبّي تّدّق بجّنون و أصبحّ عـّاجزة عن التعبّير ،
أنـّا لا أقدّم على الـزّفاف لأننيّ مجّبرة بّل لأننيّ أريدّ التعّرف عليه أكثّر و أنّ أحبه و أنّ أفهمه أكثّر ، فنايتّ هـذّا ليسّ بالشـّاب السيئ كمـّا يظن الجميع
لقدّ أنقذني من دّين والدّي حتى لو كـّان مزّيفا و أنقذّني من بينّ مخاّلب كليّر حتى لو كـان غيّر مهتمّ ، أنهّ من سّرق قّبلتي الأولى بالـّرغم من أننيّ أنا
من كنت أحتاجه في البـدّاية لكنهّ هو من يحـّتاجني أيضـّا بجـّانبه
قطّبت فـّلور غّير مصدقة كّلمات مـاّري و أنصتتّ حتى النهـّاية بينمـّا ابتسمت مـّاري و أسندت رأسها على يدّها البّيضـّاء النـّاعمة ثمّ قـّالت بـّحماسّ
و هي سـّعيدة لإعتـرّافها
ـ لطـّالمـّا كـّنت جـّبانة لكنّ و بمجيئه هو استجمعّت شجـّاعتي فّي رمشه عيّن و أنا التيّ حاولت طـّوال عـّامين كيّ أكّسب الجـّرأة الكافية التي قد تجعلنيّ
أقدم لزيـّارتكمـّا لذّا لا تـّقولي عنه لّيس بّشـرا بّل هو بحـّاجة لّشخص من يّفهمه و أنّا سـأبذّل جهدي لذّلك
ثمّ أكمـّلت كـّلامهـّا و قدّ ظهرت نبرة المرحّ فيّ جمّلتها البسيطة هذه
ـ ألا تـعّلمين أن ماري إذا وجدّت فـّارسّ أحلامها لن تتركه بّل ستـطّارده إلى نهاية العـّالم حتى يّعترفّ لها بـّحبه ، إنهاّ مـّعركة يجّب عليّ خوضهـّا كيّ
لا أندّم مستّقبلا لأنني لمّ أحـّاول ،
تنهدّت فلور ثمّ أمسكت بيدّ مـّاري ، قـّالت بـهدوء
ـ ماّري مـّازال لدّيك الوقت لتـّراجّع ، و إن تـّراجعت سـأحرّص بنفّسي على إيجـادّ فتى أحلامكّ لا بّل سـأجدّه لكّ لذّا من فـَّضلك أتركّي ذّلك المعتوه
و شـأنه لا تـّطارديه أرجوكّ إنه أكثّر مما تـّقدرين على تحمله
ضحكّت مـّاري و احتضنت أختهـّا بّفرح لأنها قدّ أخرجتّ أخيرا السّر الذّي أرهقهـّا ثمّ أحكمت قّبضتها و قـّالت صـّارخة
ـ سـأتزوجّ ، وداعـّا للـعزوبية
و أخذّت تدّور في الأرجـّاء بكّل جنـونّ فـسـّارعت فـّلور بإمساكها لتّسقط الاثنين أرّضـّا ، ثّبتتها فـلور و قـّامت بمسّ جبينها لا توجدّ علامات على
أنها الحمى إذن فماذا هذا ؟ قـّالت باستنكار
ـ متى أحببته ؟
ـ عندّما التقيته لأولّ مرة ، كـّان حبّا من أول نظرة
زفّرت فلور بّغيضّ ، هذه الفتاة مجنونة بحقّ كيّف تحـّب شخصّا مثّله ، بـّارد المشـّاعر و أناني من الدّرجة الأولى فقـّالت للمرة الأخيرة تحاول
إقناعها في العدول عن رأيها
ـ هل أنتّ واثقة ؟
أومأت مـّاري بـرأسها مرارا و تكـّرارا ثمّ وقفت فّوق الأريكـّة الممتـّلئة بّشتى أنواع الأوراقّ و ملّفات دّروسها لتكملّ كّلامها بتشجيـّع و نـّبرة فـّرحة
ـ أنـّا إمـرأة تـّعلم تمّاما ما تـّريد
وضعت فلور يدها على ذقنها بانزعاج و استلقت على الأرّض لتغيّر قناة التلفاز و هي تهمس باستياء شديد
ـ بّل طفلة لا تـّعلم تمـاما مـّا تـّريد ، نبّضات قّلبها تدّق كلما رأته قالت حبا بّل خوفّا منه يـّا بلهـّاء ، أيّ حب هـذّا ينتجّ بعدّ أن عمـّلها كالخدم ؟ لديها عقدة نفسية
تبّا ، أتظنه حيّوان أليّف كّي تعتني به ؟وّقفّت عندّما طّفح الكّيل بهاّ و ارتدّت حذّائها ثمّ قـّالت بـبرودّ محدّثة ماّري
ـ سّوف أذّهب إلى العمّ رويّ كيّ نـّجدّ شيئا نفعله بّخصوصّ المنـّزل ، لذّا قدّ أعّود متـأخرة
ثمّ أغّلقت البّاب خّلفها بكّل عنّف ، بينمّا ابتسمت ماّري بّسذاجّة إنهـّا لا تّدركّ أن فلور لا تستلمّ بكّل بسّاطة بّل هي سوفّ تّذهب كّي تجدّ فكرة أخرى
تقنعها بالعدّول عنّ رأيهاّ فهيّ لن تسمحّ لها أبدّا بأخذّ زوجّ مثّل نايت ، لقدّ كانت تـّعلم جيداّ أن ماري تـّحب نـّايت لكّنها كـّانت تـّأمل و لآخر لـحـظّة أن
يكون هـذاّ مـّجرد وهمّ أو سّراب ، الجميـّع يّعلم أنها تـّحبه من العـّم رويّ إلى ويـّليـّام ، من سيدّة فرانسيس و زوجـّها إليها هيّ

/

يحمّل حّقيبته الصّغيرة على ظهره و يّضع نـّظارتيه غـّاليتا الثمّن، كـآن مستاء جدّا لأنهّ موجودّ فيّ حيّ قذر مثّل هـذّا ، هو الذّي اعتادّ على جميـع
أساليب الـّرفاهية و كّل مقّومات الحّياة الجيدّة يضطّر للعيشّ هنا ؟ نـّظر إلى محـّفظته حيّث قدّ أعطّته كلّير آخرّ نقدّ تملكّه بـعدّ أن رّفض والدّهمّا أنّ تسحّب
أيّ مبلغّ نقدّي من حسّابها و قدّ قّام بإغّلاقه تماماّ لأنهّ يعلم تماماّ إن كليّر لنّ تسمحّ لأخيها أبدّا بالعيّش المبتذّل و الفقير جدا
دّخل ذّلك المبنى و كانت السـّاعة تشّير إلى الراّبعة مساءا ، إتجه إلى الشقّة الأولى و طّرق البّابّ بقوة قّبل أن يّقوم بمسحّ يده بكّل قرّف ، و عكّس توقعاتهّ
فيّ أن يخرجّ عـجوزّ رثّ المّلابسّ و قدّيم الفكّر ، خـّرجتّ سيدة ترتدّي فستاناّ جميـّلا أزرّق اللونّ داكنّ و شّعرها مصّفف بعّناية على شكّل وردّة معّ ابتسامة
لطّيفة قـّالت
ـ أوهّ أظن أنكّ أنتّ الجـّار الجديدّ ألّيس كذلك ؟
أومـأ آرثر بـّعدّم اهتمام و هو يجّول بعينيه في المكـّان ، لو لمّ يكنّ في ضيقة ماّليه لمّا فّكر أبدّا باللجوء إلى هذا المبنى القذّر ، فأكمّلت السيدة كّلامهاّ بحماّس
ـ لقدّ أخبرني زوجّي بـأنّك سـتـأتيّ لذّا تّعاّل لأريكّ الشّقة بالرغمّ من أنهّا قديمةّ لكنّ لا تّزالّ تحتّفظ بأناّقتها ،
تقدّم خّلفها إلى تلكّ الشّقة التيّ تحدّثت عنهـّا ثمّ فتحتّ البّابّ بكّل هدوء ، ليدّخل آرثّر و علامات الدّهشة على وجهه ، كّانت عكّس المبنى تماماّ فهي مـّرتبة جدّا
و مـؤثثة كمـّا أنهّ لا تـّوجدّ ذرة غّباّر بها ، نـظرّ إليها و قال بتسـاؤل
ـ لمّ يّقل زوجكّ ليّ أنهـّا مؤثثة ؟ هلّ هذاّ يعنيّ أن السّعّر لّيس كمـّا هو مذّكور فيّ الإعّلان أيّضا ؟
ابتسمّت السيدّة بلطّف ثمّ وضعت يدّها على كّتفه و قـّالت بـحـّنانّ
ـ لقدّ أخبرنيّ زوجّي عنّ أوضـّاعكّ و عنّ طّردّك من الملهى الذّي كنتّ تعيشّ فيه لذّا فقمناّ نحنّ بمـّا نستطّيع فعله ، أعّلم أنها ليستّ من مستواكّ
لكّن إنهاّ أفّضل من لا شيء ألّيس كذّلك ؟
نـّظر إليها آرثّر بّعدم تصدّيقّ ثمّ أومـأ بّرأسه ، كمّ يّكره الشّفقةّ لكّن لا بـأسّ مـا دامّ لا يمتّلك حّلا أخر يّلجـأ إليهّ ، يـّا ليتّ مـّاريّ تـّقدمّ لهمّا المـّالّ
فيّ أقّرب وقّت ممكنّ ، قّبلّ أن يّصل إلى الحّضيضّ ،

/


JAN 03-09-2020 11:08 PM



فّي الشّقة المقـّابلة حّيث كـّان ويّليام ينعمّ بنومّ هانئ عندّما رنّ جّرس فجـأة متسّببا باستيقاظه فحكّ شعره بـّكّسل ثمّ قّام بـّرفّع تلكّ الخّصل التّي
تّساقطّت على وجهه بكلّ إهمـّال و اتجه إلى المدّخل ، فتحّ بّاب بهدوءّ ليرى إليّزابيثّ تقفّ خّلفه بّمظهرها الأنيّق و ابتسامتها المثّيرة فّرفع حـّاجبه
دّلالة على الاستنكـّار ثمّ كادّ أن يّغلقه لوّلا أنهّا دّخلت ، رمتّ معطّفها بينّ يدّيه ثمّ قـّالت بّصوت هـّادئ و رقّيق
ـ هلّ اشتقت إليّ وّيلي ؟
تنهدّ بّقلة حّيلة و رمى معطّفها على الأرضّ ثمّ اتجه إلى غّرفة النومّ و أغلّق الباّب خّلفه بالمفّتاحّ ليبتسمّ بكّل هدوءّ ، غطّى نفسه جيدّا و كـّاد أن يخلدّ
مجددّا إلى النومّ لولا صوتّ إليزابيث المـّزعجّ بجـّاذبيته
ـ ويّليام ، أنـّا ذاهبة لرؤية مـّاري فّهل تذّهب معي ؟
قطّب ويّليام بّغيض و جـّالت فيّ باله فكرة الاتصال بكّايل كّي يرى أفعال زوجته الطـّائشة لكّن وّقف مجددّا و فتحّ الباب مجددّا و نـّظر إليها بإستياء شديد
ـ ما الذّي تريدينه ؟ إنّ كانتّ لديكّ شكوى فلماذا لا تّذهبي إلى أحضّان زوجكّ ؟
جّلست إليّزابيث على الأريكة مظهرة سّاقيها الطويلتين و بّشرتها النّاعمة فزّفر ويّليام و رّفع نـّظره إلى السّقف محـّاولا اكتساب القـّليل من الصّبر
لمواجهتها ، لتتحدّث إليزابيثّ بكّل بـراءة
ـ لا أريدّ أن أشتت فكّره فيكّفيه مجـّاراة نايتّ الآن ، بالمنـّاسبة أتّعلم قّياسات خصّر ماري ؟
رمّقها بـبّرودّ و اتجه إلى المـطّبخ ليّضع إبريق الشـّاي على الموقدّ متجـّاهلا نـّغزات إليّزابيث الوقحة ، كمّ يّقلقه وجودهـّا ؟ و فجـأة رنّ جرّس المنـّزل
فّصرخّ ويليام بكـآبة
ـ بربكّ ، من هـذا الذّي يأتي على الـواحدّة لّيلا ؟
سّارع بفتحّ البّاب لّيرى نـّايت بّقامته الطويلة و شحوبّ وجهه الدّائم ، نـّظراته الحادة و المشبعة بالكبريـاّء و ملابسه الـسوداء الكـّئيبة ، شّعره الحـّريري
الذّي احتلّ جبّهته و أنفه المّسلولّ ، كـّان يبدوا كعـّارَض أزيّاء مشهور ، و كـّاد أن يدّخل لولا أن ويّليام قدّ دّفعه للخـّارج و على شفتيه ابتسامة مرتبكة
فّرمقه نايت باستغراب ليّقول بتوتر
ـ نايتّ ، آهـ لدّي رفقة الآن و ربمـّا هذا ليّس بالوقت المنـّاسب كمـّا تّعلم
نـظرّ إليه نايتّ بعينين نـّاعستينّ و مـّلامحّ مـّرهقة ، يّضع يدّيه فيّ جيبّ ستـّرته و لا يبّدوا أنهّ بـّخير فـّعلا ، فـتّحدث بنبرة خـّافتة مبحـّوحة
ـ أهـذه هي الـطّريقة التي تستّقبل فيها صدّيقكّ من سّفره ويّليام ؟
ابتسمّ ويّليام بإرتباكّ أشدّ خـّائف من فكّرة أنّ يجدّ نايتّ إليـزاّبيثّ لديه أو أنّ يلتقي بهـّا فقطّ فـّسـّارع إلى شّقة مـّاري المـّقابلة و رنّ الجـّرس دّافعا نايتّ
أمامهّ ، فّتح الباّب منّ تّلقـّاء نفسهّ و هـكذّا قدّ كّشف سّبب إقتّحامّ الكّل لّشّقتهاّ ، لأنهّا لمّ تـّغلق البـّاب يّوما فربتّ على كتفّ نايت قـّائلا
ـ ابق هنـّا إلى غـّاية التـّخّلص منهـّا ، لا تّقلق لنّ يستغرقّ الأمّر أكّثر منّ نّصف سـّاعة اسّتغل الوقتّ لتعويض ما فاتكمـّا ،
ابتسمّ ويليّام بتوترّ خوفّا من أنّ تخّرج إليزابيّث في أيّ دقيقة من الآن و دّفعه إلى شّقة مـّاريّ بينمـّا لا يّزال نايتّ مرتاباّ لتصّرفاتهّ الغّير مدروسة
ثمّ اتجه إلى شّقته ركّضا بالّرغم من أنهّا لاّ تبّعد سوى مسّافة مّترين ، دّخل و أغلّق البّاب خلفه بّالقفّل و نـّظر إلى إليزابيثّ المبتسمّة بخّبث ، كـّانت
واّقفة في الـّرواقّ و يبدّوا أنهّا سمعتّ كلّ شيء ، زفّر ويّليامّ بغّيض فّاقتربت منهّ إليزابيّث بخّفة و وضعت كّلتا يدّيها خّلف رّقبته ، قـّالت بصوتّ مثيّر و هـاّمس
ـ أعذّرني عزيزيّ لكّنكّ لستّ من مسـّتواي ، أتتذّكر هـذه الكّلماتّ ويّليام ؟
احتدّت نـّظراتهّ و دّفعها بكّل قسوة إلى الخّلفّ ثمّ قـّال بـغضّب و قدّ اختفى مرحه أدراجّ الـريّاح فإنّ إليزابيث تّعلم جيدّا نقاطّ ضعفه
ـ لما لا تخبريني ما تريدينّ باختصار فإن كانت غايتك منذ البداية ماّري لماذا أتيت إلي إذن ؟
إليّزابيّث ببرودّ
ـ ما بكّ ياّ رجّل ؟ كمّا لو كـأننيّ قدّ نشرت السمّ فيّ جسمكّ بمجردّ ملامستي لكّ كما أنتّ تـّعلم جيدّا لمـّاذا أتيت إلى هنـّا فلا داعي لسـّؤال
أمسكّ ويلّيام قّبضته خاّئفا من أنّ يلوي رّقبتها فوّرا و الآنّ دون تـّردد أو ندّم بينمـّا ابتسمتّ إليزابيّث بـّسّخرية منهّ ، كّيف يّسعى للحفـاّظ على أعصـّابه
فّرّفعت معطّفها و نـّظرت إليهّ بكّل برودّ لتقّول بخبّث
ـ محّاولاتكّ لنّ تجدّي نفّعاّ و أنتّ تـّعلم ذّلك جيدّا ، أعنّي مـّاريّ و نايتّ ؟ فقطّ اسميهمّا ليسّ لائّقينّ بجّانب بعضهمـّا البعضّ و مهمـّا فعلت لكّي تقّربهمـّا فلنّ تنجّح ،
همسّ ويّليامّ بـّعد أن استرجّع القّليل من هـدوئه ،
ـ كيّف أفّعل ذّلك و لقدّ نجّحت بالفـّعل ؟ فـنايت سوفّ يتزوجّ ماري يّا إليزابيّث ، و خـططكّ أنت لنّ تنجّح سّأقّف لكّ أنا بالمّرصاد
ابتسمت إليزابيث بتحدي ثمّ وقفّت على أصابع قدميها لتّقبله بسّرعة على خده ثمّ غمزتّ له بواسطّة عينيهـّا العسليتينّ كثيرتا الرموّش و قـّالت بخفة
ـ سنـّرى ذّلك ،
خرجّت فّقطّب ويّليام بعصبية و ضّرب الجدّار الذّي أمامهّ بكّل غّضب ، تخّللت أنامّله شعره الأشّقر الذّهبيّ لمّ يسمحّ بهـذّا أبدّا ، أبدّا ، لنّ يسمحّ لها بإيذّاء
نايتّ مجددا
/
فّي الشّقة المقـّابلة ،
شـجرة كرز كبيـرة ، طـويلة ذات وريقـات وردية تسـاقطت من خلال تـلك النافذة الـمفتوحة على الأرضية ، في غـرفة بسيطة لم يـوجد فيها سوى سرير
و مكتب مع دولاب للمـلابس ، إن فـتح البـاب ظهر رواق ضيق منه صـالة بـأريكة واحدة ، يـطل عليها المـطبخ الصغير .
كــان الـتلفـاز مفتوحا على قـناة تـذيع الأخبـار و إن تـمعن بالنـظر لأسفله وجدت شـابة ذات شـّعر بني مسترسل على ظهرها بقـوام ممشوق و عيـنين
بنفس لون شعرها، بـشرتها البيضاء صـافية .. كـانت وسط أوراق عـدّة ، ممـاّ يظهر أنها كّانت تـذاكر بـطريقة أقل ما يقـال عنها فـوضوية و قدّ وضّع
غـطّاء على جسّمها الممددّ فيّ الأسّفل ،
بينمـّا كّان هوّ يقفّ بكّل صّبر أمامّ عّتبة البّابّ راّفضـّا التّقدمّ خطوة واحدّة للأمـّامّ ، تنهدّ بـّتعّب عندّما شّعر بالدّوار فاستسّلمّ رّغبته الشديدّة في الاستلقّاء
و اتجّه إلى صـّالة المعيشةّ حيثّ ينّبعث صّوت المـذّيعّ بكّل هدوءّ
تقدّم من الأريكّة و كـّاد أنّ يسّقطّ لولاّ أنهّ تماّسكّ في آخر لحظة ، حـّول عينيهّ الدّاكنتينّ إلى الشيّء الذّي عـّرقل سيّره فـرأى مـّاريّ كعادّتها الفـّوضويةّ
مستلقية على الأرضّ ،
جـّلس بهـدوءّ ثمّ سحّب الغطّاء من فوقهـّا و وضـّعه على قدّميهّ الممدّدتين على الـمـّائدة الزجـّاجيةّ ، غّير القـّناة و هوّ متذّمر من هـذّا التلّفاز الصّغيرّ
الذّي لا يستـطّيع أنّ يرى فيهّ شيئـّا واحداّ ، عندّما وصّل إلى قناةّ الإخبارية رفّع الصّوت قّليلاّ مصغيـّا
ـ فّي أنبـّاء عـّاجلة و مثّيرة لدّهشة ، إنّ شركّة جونسّون الفـّرنسيةّ قدّ خسرّت حجمـّا هـّائلاّ من أسهمـّها ممـّا أدىّ إلى سـّقوطهاّ المبـّاشر في الحّضيضّ
و هـذّا كلّه فيّ ظرفّ ثّلاثةّ أيّام فقطّ ، يشـّاعّ أنّ السببّ هو إلغـّاء شـّركة لبيرّ تعـاّملها معهـّا و إلغـّاء الشـّراكةّ قبّل الإعـلان عن التضخمّ الكّبير الذّي
راحّت من خّلفه معّظمّ الشركات
ابتسمّ بسّخرية لاذّعة و هو يتذّكر ذّلك الـّشابّ المجنونّ الذّي حـّاول قّتله هـذه الليـّلة ، لقدّ كانّ هو رئيسّ شركّة جونسـّونّ ، كمّ أنبـأهّ نايتّ من مـّرة على
ضّرورة الانتباه لخـّطواته لكنّه لمّ يصـّغي ، ألمّ يخبّره مـّرارا أنّ يـتّوقفّ عنّ حيـّاكة المـّؤامـّرات ؟ و أنّ يكتفيّ فقطّ بّعقده مـعهم ؟ هـذّا ماّ يحدّث لكّل من
يجـّابهه فـإنّ أوامـّره فقطّ يجبّ ألاّ تـّرفّض
أغلقّ عينيهّ بتـّعبّ ، ثمّ أماّل رأسهّ على الوسـّادة التّي خلّفه و قدّ استغرّق فّي نـّومّ عمّيق حّين دّخل وّيليّام الشّقة بــّاحثّا عنهّ ، اقّترب منهّ و قدّ
رسمّت شّفتيه ابتسامّة حـّزينة ، قّلبه يـّؤلمه لدّرجة الجـّنونّ و لا دّواءّ يقيه من هـذّا الألمّ ، وضّع يدّه بهدوء على جّبينّ نايتّ البـّاردّ كالجّليدّ ثمّ همسّ بـخفّّوت
ـ لنّ أسمحّ لها بإيذّائكّ مجددّا و هـذّا وعدّ
عندّ كـّان الصّباحّ في أوجّ مجيّئه و شـّمسّ الّمشرقة منبـئة بقّدومّ أمـّل جديدّ، قدّ رحّل ضّبابّ لندّن المّغشّي على جوّ سكّانهّا فعلى قّلوبهمّ و أنـاّرتها شمّس
السمـّاءّ بّأشّعتهـاّ المنـّبثقة من الأعـّالي
نـّادّر الحدّوثّ بّلندّن ، وريّقـّات الشّجّر قدّ تسللتّ إلى أنّفهـّا محـّاولة مدّاعبتهـّا بكّل حّنـّان لتوقّظهاّ من نـّومها حيّث دّخلتّ فـّلور شّقة متّسائلة عنّ سّبب
تركّ البـّابّ مفّتوحّا لتكمّل سيّرها إلى غـّرفة المعيشّة ،
و بمجردّ مـّا أنّ سقطّ نـّظرها على مـّاريّ المستلّقية بالأرّض و نـاّيت النـّائمّ على الأريكّة بينماّ حبّات العـّرقّ قدّ تسللتّ إلى وجّنتيه فّشيئّا إلى رّقبتهّ ،
حتى صّرختّ بّرعبّ و رّفعّت حّقيبتها كّيّ تّقومّ بّضّربه لولا أنّ قدومّ ويّليام من المـطّبخ قدّ منعهـّا ، قـّال بإزعـّاج
ـ سحقّا فـّّلور كدّت أنّ توقّظيهمّ
استدارتّ ناحيتهّ و كادّ أنّ يغمى عليهـّا فجـّلست على الكرّسي بّقلة حّيلة محـّاولة جمـّع الكّلماتّ لتخّرج من شّفتيها ، وضّع صّينية على الطـّاولة التيّ
أمامهّا ثمّ ابتسمّ ببراءة ، قـّالت بكّل غّضب
ـ ما الذّي تظن نفسكّ فّاعلا أيها المنحرّف برّفقة صدّيقك ؟ كيّف تجرؤان على الدّخول إلى شّقة مـاّري فّي غّيابي ؟ هيّا قّل أعذّاركّ الواهية
ـ ليسّ الأمرّ بذّلك السّوء فّلور فقدّ أرادّ نايتّ زيـّارة ماريّ البّارحة و عندّما وجدّها نائمة لمّ يّرغبّ في إيقاظهاّ لذّلك جّلس على الأريكّة في إنتـظّار صّحوتها
كّمّا ترينّ لكنه غّفى
رمّقته بـّعدم تصدّيق ، ثمّ تنهدّت و أخذّت كوبّ الشّاي لتّشربه دّفعة واحدّة فبّعد زيّارة منزلهمّ الموحشّ و قضّاء ليّلة واحدّة كـّادتّ خلالها أن تصّاب
بالجّنونّ هي الآن تحـّتاجّ إلى أكبّر كمية من الـطّاقة ، ابتسّم ويّليام و قـّال بـّمرح
ـ لقدّ شربتّ توّا منّ كوبّي ألا يـّعني هـذّا أننـّا متـّوافقّان ؟
لمّ تـّردّ عليهّ بـّل إكّتفت بإرجـّاع الكّوب بينمـّا لاّ يـّزاّل ويّليّام يّثرثّر كـّعادّته ، ربمـّا فلوّرا ليّست الشخصّ المنـّاسبّ للحدّيث معه لكنّ هي الـوحيدة
المتوفّرة الآنّ و هو يـّرغّب أيّضـّا بالتّخلصّ من هذه الأفكـّار السّلبية و نسّيانها أيّضا
ـ ألسنـّا فيّ الـعّشرين من الشهر؟
ـ إذّا ؟
أجـّابها بـحمّاسّ بـّالـّغ و هو يّشير على الثـّناّئيينّ النـّائميّن بكّل عـّمق ،
ـ لقدّ بـّقّي أسّبوع على زواجّهما ، هـذّا رائعّ سـأكونّ أشيبنه و أنتّ وصيّفة الشّرف
لمّ تتعبّ نفسها بالنظّر إليهّ أو حتىّ الردّ عليهّ بلّ قّامت بّضربه بقدّمها فّي ركبتهّ ليتـأوه متألمّا كمّ هيّ قاسيّة، وسطّ تلكّ الضوضـّاء قـّام نايتّ بفتحّ
عينيه فجـأة و شحبّ وجهه بشدّة كما لو كـأن تدفّق الدماءّ قدّ أنقطع عنّ السّيران لّيقفّ بسرعة مستنداّ على المنضدّة فّي حينّ لمّ تقوى قدّميه على
حمـّله لّيعودّ إلى مكـّانه جاّلسا مستندا على الأريكة و قدّ ظهرت عليهّ معالمّ الألمّ فـأمسكّ بـرأسه حينّ داهمه صداّع شديدّ و قـّال بنبرة خافتّة مبحوحّة
ـ أينّ أنا ؟
تّوقفّ ويّليام عن الابتسّام و أسّرع فيّ خطواتهّ كيّ يّصل إليهّ ، حبّاتّ الـعّرق التّي قدّ اتخذّت نايتّ ملجـئا لهـّا ، وسطّ هذه الجّلبة استيّقظت ماّري ثمّ و
بكّل هدوء جّلست على ركّبتيها و وضعتّ يدّها على جّبينه ، حيّنها قدّ سّرت القّشعريرة فيّ جميـّع أنحـّاء جسدّها من شدّة بّرودّته ، كمـّا لو كـأنّه لّيس
حيّا فـّقـّالت بّقلقّ
ـ إنهّ محمومّ بشدّة ، أظنّ أننيّ أملكّ الدواء
كـادّت أنّ ترحّل لولا قّبضة نايتّ التي اشتدت حول معصمهاّ ، أومـأ بالنفيّ فـابتسمّ ويليّام بارتباكّ و هو يتحدّث
ـ لابدّ أنهّ من تـّغير الجوّ، من فرنسـّا إلى لندّن لا بـأسّ ماّري سوف تّزول هذهّ الحـّمى سّريعـّا
نـظرّت إليهما ماريّ بإستيـّاء منّ استهتارهماّ الشديدّ بّصحته فـّوقفت و بخـّطواتّ غـّاضبة إتجـّهت إلى غـّرفتها كيّ تـّغير مـّلابسها و تـّستعدّ
جيـّدا بينمـّا لا تـّزالّ فّلور مندّهشة من عدّم مـّلاحظة مـّاريّ لوجودّ أشـخّاصّ غّريبّين فّي شّقتها ؟ لابدّ أنهّا تمتلكّ تحصينـّا ،

/

تحتّ تـّلك البنـّاية القـديمّة التيّ أصّبحت و فجأة مرّتعـّا للمشـّاهير منـذّ قدومّ ويلّيام دّويلّ إلى هـذّا الحـّي ، لذّا لّيسّ غـّريّبا أن توجدّ سيـّارة
مضللة سـّوداّء بهـذّا الجـّانبّ يّقودّها رجّل يـّرتدّي بذّلة رسمية سـّوداء و يـّضع نـّظارتينّ مخفّيا لوجـّهه فقدّ بات هذا منـظرّا عاديّا لسكانّ الحيّ ،
رنّ هاتفّه فـرّفعه بسّرعة ليجّيب بكلّ صّرامة
ـ أجّل سيدّتي أنـّا فّي الموقـّع تمـّاماّ كـّما طـّلبت
فابتسمـّت تلكّ السيدّة ببـّرودّ و أغـّلقت السمـّاعة بكلّ رضى ، جـيدّ عندّما يكّون لدّيك أتبـّاعكّ يّقومونّ بكلّ أعـّمالكّ القذّرة ، همسـّت بنـّبرة
خـّافتة و رّقيقة فمنّ يسمـّعها لنّ يصدّق أنّ خلّف هـذّا الصوتّ الأنثوي المثّير عـّقلّ ممتـلئ بـأفكـّار خـطّرة ،
ـ ثـروتكّ ملّكيّ يـّا أميـّري و لنّ يـأخذّها أحـدّ غـّيريّ
فتحّ كـّايلّ درجّ مكتـّبه بـّاحثـّا عن مـّلفّ يخصّ إحدى سنـداّت عندّما انسلتّ يدّ إليزابيّث إلى خصّره ، دّهش ثمّ رّفع حـّاجبه قـّائّلا بمـّرح
ـ لقدّ أخفتنيّ ليّزا
زمتّ إليزابيثّ شّفتيها بلونّ الكرزّ و بـّقتّ ممسكـّة إياه راّفضة تـّركهّ ، فاستنـكّر كّايلّ تّصّرفها و لمّ يكّن فيّ مقدّرته رؤية مـلامحّ وجههاّ لأنهّا قدّ
دّفنتهّ بقّميصهّ ، تحدّثت بـّهدوء و نبّرة خـطّرة
ـ لا داعّي للخـّوفّ عـّزيزي ، مـّادّمت أنـّا بجـّانبّ سيكونّ كلّ شيء تمامّا كمـّا نـّريدّ
ضحكّ و دّفعهاّ بـّخفة لكيّ يكملّ بحّثه قـّائّلا بمـّزاح
ـ ألا يفترّض بّي أنا من أقّول هـذه الجـّملة ؟
ابتسمـّت إليـّزابيّث و قدّ غـادّر فكّرها إلى حّين تـّابعها الخـّاصّ ، يـّا ترى هل ستـنجّح خـطّتها في التـّخلصّ من مـّاري ؟ سوفّ يكونّ الأمّر واضحـّا
للصّحافة أنهـّا مّحاولة اغتيال لكنّ و لأنّ شركة جـّونسونّ قدّ أفلست بّسببّ نايتّ و لأنّ رئيسها قدّ هـددّ نايتّ في الطـّائرة بكّل وضوحّ فّسوف تّلصق
التـّهمة بهمّ ، هـذّا ما هي بّارعة فّي فّعله ، الكذّب و الخـدّاع

/





JAN 03-09-2020 11:10 PM


الشـآبتر السـّادس عـّشر
موعدّ بينّ الأشـواك




في تلكـ الحانة التي تعجّ بكل أولئكـ السكارى ..!
حيث وقف معظمهم يرقص بجنون على وقع أنغام تلك الأغنية الصاخبة .. التي تصدح في أرجاء المكان ,
طالبةً من الجميع أن ينسوا همومهم ويسلّموا أنفسهم فقط للإيقاع ..!
يترأس هذا - الشغب - ذلكـ الشاب صاحب تصفيفة الشعر المرفوعة لأعلى, وملامح وجهه المرتاحة التي
توحي لجميع من حوله بأنه يعيش أرغد عيش .. ويهنأ بحياته ويستلذ بها .. يستلذ بكل لحظة منها !!
لا يعلمون أنّ وراءه تلكـ الزوجة , التي تخطط وتنفذ بدلاً عنه !
فـ هاهو كايل .. يمرح ويفرح بدون ضجـر و لا كـلل , بعد أن أخبرته إليزابيث بما تنوي فعله للقضاء على نايت ,
وماري البريئة الوديعة أيضاً !
وما هي سوى إشارة من اصبعه حتى أتى ذلك النادل مسرعاً , كيف لا يفعل و كايل قد دفع للحانة ليكون هو
ملكـ الليلة وكل ليلة بدءاً من الآن ..فـ هاهو يأمر ذلك النادل , بصوتٍ عالٍ مفعمٍ بالحماس
- قدّم الشراب لجميع الموجودين هنا .. فهو على حسابي !
تصاعدت صيحات الفرح , وتهليل الموجودين باسم كايل من بين ضحكاتهم الثملة !
لتتراقص ابتسامة الانتصار تلك على شفتيه .. في كل ثانية يزيد فرحه , في كل ثانية يزيد سلطة ,
فـ كيف لا ؟ ونايت يخسر شيئاً يقترب شيئا فشيئا من خسارته أملاكه باسم شركة جونسون ,
التي تبين أنها ليست سوى درع لإليزابيث وأفكارها الشيطانية ! لم تدم ابتسامة الانتصار طويلاً ..
حتى حلت تلكـ الابتسامة الخبيثة والنظرة الشيطانية مكانها !
ليقول في نفسه , بخُبث
ـ قريباً يا نايت , قريباً , سأراكـ راكعاً أمامي حيث كل ملكك وسلطتك لي
إليزابيث .. شكراً على وجودكِ في حياتي , أنتي وأفكاركِ هذه !

~ . ~ . ~

كان فرانسوا ذلك الشاب ذو الملامح الفرنسيةّ الأنيقة و الشخصّية الصـّارمة الجادّة يجلس بكل ضجر في
واجهة المقهى يرتشف القليل من الشايّ ، و على غير عادته لم يكن يرتدي هذه المرة بذلة رسمية سوداء
و لمّ يضع أيضّا سماعات على أذنه و لمّ يحمل هاتفه بين يدّه في كل ثانية يترقب فيها اتصـّالا من طرفّ عملائه
لكنّ أنّ يجلّس بلاّ أيّ تخطيطّ مسّبق لهو أمرّ لمّ يّقم به قـّبلا لذّلك و بالرغم من أن رئيسه طلّب منه أخذّ عطلة
غيّر أنه لمّ ينصت لهّ فهاهو يـّراقبّ مبنى الذيّ دخل إلى نايت من واجهة المحل لأنهّ من المستحيل تّركه بـّعد
جنون رئيس جونسون فيّ الطائرة ، فجـأة لمحّ ذلّك الشـّاب ذو الشعر الأشقّر و الملامحّ المسترخيةّ يتـأبط ذراع
فتاة يبدوا واضحـّا عليها المّلل ، عـّرفه فرانسوا على الفورّ فهو صديقّ الوحيدّ الذي يثقّ به الرئيس ،
ابتسمّ بسخريّة إذنّ فالإشـّاعاتّ حقيقّية ، ويّليام بالفعل زيرّ نسـّاء لكنّ ما الذيّ يفعله خارجا من المبنى عندما
ذهب نايت لزيارته ؟ أيّ صديق هذا ؟ أكملّ ارتشافّ الشّاي بهدوءّ مفكرّا ، لماّ ليسّ لدى نايت سوى هـذا الأبله
كصديّق له بالرغم منّ أنه يستطيّع الحصّول على أيّ أحدّ ؟ حسنـّا قدّ يعودّ الأمرّ لشخصّيته السيئة ، و ماّ موضوع
هذه الخطبة المفاجئة ؟ كيفّ يعقل لنايت أن يمتلك وقتا للحب بينما هو لا يمتلك وقتا لنوم فيه حتى ؟ ثم أليس
هدفه هو كايل إذا لما إختار فتاة ريفية أن تكون خطيبته ؟ أحيانا من الصعب فهم شخص كنايت
فجـأة اتسعت عينيه من الصدمة و سارع بالنظر إلى حيث تقبع شقة ماري ، هل الفكرة التي طرقت رأسه الآن
معقولة ؟ بالطبع كيف لم يلحظ هذا سابقا .. فبعد أن قضى أسبوعا في فرنسا برفقته لقد اتضح القليل من طريقته
في العمل
لابد أن نايت يعتقد أن كايل قد يحاول قتله في أية لحظة من أجل الحصول على السلطة و تولي العرش من خلف
جدهم بيتر و إن حصل كايل على مبتغاه فوصية نايت مهما كان محتواها فهي ستبقى غير مهمة لأنه سيتخلص
منها بكل تأكيد لذا ربما نايت يحاول الزواج من ماري من أجل هذا ، فإن توفي هو ستنتقل أملاكه كلها إليها و لن
يهنـأ كايل بـأملاكه أبداّ إذ أن ماري سوف تظهر في الحلبة لتنافسه و برفقتها بالطبع ويليام ، لكن هل يثق نايت
بها لهاته الدرجة كي يجعلها اليد اليمنى من بعد موته ؟
قطبّ فرانسوا و اسند رأسه على ذراعه القوية بكل ضجرّ ، هذا نايت غريب جداّ لما الشركة مهمة كي يخـاطر
بحياته و حياة من حوله من أجلها ؟ فجـأة جلس أمامه ويليام و على شفتيه ابتسامته المشهورة الجذابة بينما
تساقطت خصلات من شعره الذهبي على جبينه لتعطيه مظهر الشاب اللا مبـالي ، وضع بيانو جانبا على الجدار
حين تقدمت فتاة التي كانت معه ، صهباء و ذات ملامح عدائية شرسة ،
رمش قليلا و قد بدأتّ المعلومات تنتقل بسرعة إلى ذهنه ، هذه الشابة إنها عاملة عادية لأحدى الصحف المحلية
تدعى فلور روبرت أخت ماري روبرت الكبرى التي تحرى عنها سابقّا ، ما الذي تفعله برفقة ويليام دويل ؟
هل وقعت هي أيضا بسحره يا ترى ؟
كانت كل هذه الأسئلة تدور في رأسه بينما وجهه لا يزالّ بـّاردا لا يكادّ يظهر أية ردّة فعل ، ابتسم ويليام
و أشـار على فرانسوا قائلا بمرح
ـ فرانسوا أعرفكّ بفلور روبرت ، فرانسوا اليد اليمنى لنايت
رمقته فلور بعينين حادتين تنبـآن بمدى عمق كرهها له ، بالرغم من أنها لم تقابله إلا توا لكن و بمجرد سماعها
لكونه أحد أتباع نايت هذا سبب كافي لجعلها تضعه في خانة لائحة أعدائها ، فمدت يدها بتصميم ليمسكها فرانسوا
و على شفتيه ابتسامة بسيطة إذ أنه ظن أن هذه مجرد مبادرة ودية منها لكن ما إن أمسك يدها حتى بدأت فلور
بالضغط على أصابعه بكل قوة تملكها كـأنها تقول أن ماري ليست لوحدها في حين جذبها ويليام ناحيته و هو يقول بإرتباك
ـ فلور أرجوك أتركي يده أنت تـؤلمينه ، كوني طفلة مطيعة
قطبت بعصبية و فعلت ما طلبه ويليام منها بغير رضى ، فبعد أن سحبها ويليام رغما عنها من شقة أختها فقط من
أجل أن يكون الاثنين لوحدهما و هي تشعر بغيض شديد و الأشد من هذا أنها مجبرة على البقاء معه ،
ابتسم فرانسوا بخفة مراقبا نظرات فلور المشبعة بالكراهية نحوهما ، فلم يكن ليظن يوما أن ويليام سوف يصبح
مكروها من قبل إمرأة بينما قال ويليام ببراءة
ـ لماذّا تكرهيننيّ ؟
فكرت فلور كم هو صبياني هذا الرجل فمن يراه الآن لن يصدق أبدا أنه يصبح شخصا آخر في الحانات ، يصطحب
برفقته العديد من النساء و يـأسرهن تارة بغمزاته و تـارة بكلامه المعسول المنمق اللبق ، فقـّالت بنبرة هادئة غاضبة
ـ أنت شخص منافق بلا ريب ، هذه الابتسامات الساذجة الدائمة تجعلني أشعر بالاشمئزاز
رمش عدة مرات محاولا أن يستوعب كلماتها ، أهذا يعني أن أختها ماري دائمة الابتسام منافقة أيضا ؟
نـظر مركزا إلى عينيها العسليتين غير قادر على ترجمة ما تخفيه من شعور من خلفهما مستمعا إلى بقية حديثها
ـ أنت تخفي شيئا خلف هذه السعادة أليس كذلك ؟
تنهد ويليام و وضع أسند رأسه بيده بينما رمقها فرانسوا بدهشة ، ربما قد حان الوقت للبوح بسّره ،
هذا السرّ الذي يّرهق كاهله و يجعله غير قادر عن التنفس حتى فقـال بنبرة هامسة و خافتة بعدما إقترب من فلور
ـ أنا يا فلور ، أنا قاتل مأجور
رمقته بعدم استيعاب فضحك بشدة على شحوب وجهها و الرعب الذي اكتسى ملامحها ، لتقف فـّلور بكل
عـّصبية و قدّ أمسكته من ياقته و هو من شدة ضحكـه لم يستـطّع الـمقـاومة ، كادت أن تلكمه بقوة لكنها تنهدت بيـأس
و كادت أن تسير مستعدة لرحيل بينما ويليام لا يزال متمسكا بذراعها و بنبرة كوميدية بحتة صاح قائلا مرددا كلمات من أغنيته
ـ لا تتركيني يـا حبيبتي لا تتركيني أعاني و حبك يسري كالدم في عـروقي
حاولت فلور إبعاد يده الملتفة حول ذراعها بكل وحشية و هي تشتمه بما كان في مقدمة لسانها تلك اللحظة
ليعم الضجيج في المحل ، مسببا الإزعاج
ـ أنا لا أمزح أيها الأبله ، من الآن فصاعدا أنت ممنوع من أن تطأ قدميك شقة أختي أيها اللعوب ، لن أسمح لك
بالاقتراب منها أبدا ، يا سادة هذا الرجل الذي هنا زير نساء لا تدعوه يقترب أبدا منكم
شهق ويليام و قد حطمت سمعته فقفز تاركا آلته خلفه و هو يركض مسرعا خلف فلور التي لاذت بالفرار ،
كيف تجرؤ على قول هذا عنه بعدما كان لطيفا معها ؟ بينما ابتسم فرانسوا ببرود ، أفعلا سيكون يد العون لنايت ؟
أفلا سينتقم من أجله إذا قام أفراد عـائلته بقتله ؟ هـذا الآن يبدوا مستحيلا ، نظر إلى فنجان الشاي قائلا بمتغاض
ـ أوه لا ،

/


بعد رحيل ويليام و فلور ، أسفل ذلك المبنى عند حلول الساعة العاشرة تماما تم إقناع نايت أخيرا بمغادرة الشقة
، واستطاعت ماري أن تفوز بموعد مع خطيبها و لأن نايت كان محموما فسحبه معها ليس بالأمر الصعب إذ لم يكن
يستطيع رؤية ما حوله جيداّ أو حتى تفكير معمقا في أفعاله فـظن ويليام أن هذه فرصة مناسبة لا تحدث إلا نادرا
و جعل ماري ترافقه في نزهة صغيرة لطيفة ربما
تلف ذراعها حول ذراعه بكل حماس مرتدية فستانا أبيض اللون مع سترة من قماش وردية و حذاء بنفس اللون هذه
المرة حاولت جاهدة أن ترتدي أفضل ما تملكه في دولابها لكي تجاري أناقة نايت و أيضا لتجعل هذا الموعد مثاليا ،
وقفت أمام سيارته الرياضية السوداء و أمسكت بمفتاحه لتجلس خلف المقود واضعة معصمها عليه و قدمها الآخرى
لا تزال تطأ الأرض ، غمزت له بكل مرح بينما كان يرمقها مكشرا ثم همس بصوت مبحوح
ـ ما الذي تعتقدين نفسك فاعلة بحق الله ؟
ضحكت بتوتر من نبرته الحادة و الذي بالرغم من مرضه فلا يزال قادرا على إثارة الرعب في قلبها ، لذلك تحدثت
بنبرة مرتبكة حاولت قدر الإمكان أن تجعلها مرحة
ـ ما رأيك ؟ هل يناسبني دور الفتاة الجانحة ؟
رمقها بنظرة تفحصيه شاملة ثم ابتسم ساخرا و دفعها بعيدا ليستلم مقعد السائق في حين سارعت ماري
للجلوس بجانبه بعد أن شغل محرك السيارة خائفة من أن يتركها خلفه ، نظرت إليه حيث كان يرتدي قميصا أزرق
خفيف و يلف وشاحا بطريقة لا مبالية على عنقه ، قبعة رمادية افلت منها خصلات سوداء لتنساب على جبهته الشاحبة ،
أفعلا لا بـأس بالخروج و هو في هذه الحال ؟ يبدوا مريضا بشدة ربما لم يكن يجب عليها أن تنصت لويليام ، وضعت يدها
بتوتر على جبينه فالتفت مسرعا ناحيتها كما لو كـأن كهرباءا قد سرت في جسده ،
ـ نـايت ، هل أنت بخير ؟ تبدوا شاحبا أكثر من المعتاد ربما يجدر بنا زيارة الطبيب، قد يكون الأمر جدياّ
نـظر إليها بعينين واسعتين قد بهت لونهما الأزرق الداكن لكنه لم يقل شيئا بل استدار ليراقب الطريق هامسا
بشتيمة ما إذ يبدوا أن ذكر الطبيب لم يثر إعجابه فتنهدت ماري و لم تعد تعلم كيف تتصرف معه ، ضحكت بتوتر
محاولة تغير الموضوع و هي تقول بحماس
ـ إذن إلى أين سنـذهب ؟
ـ إلى الجحيم
مـرت نصف ساعة استمرت ماري فيها بإلتزام الصمت و الشعور بغيض شديد منه ، إنه الموعد الأول الذي يحظيان
به بعيدا عن التمثيل أو الحفلات المرفهة لكنه يستمر بقول كلمات قاسية و التذمر ، مهما قالت و مهما فعلت فلن
ينظر ناحيتها كم هو صعب أن يكون الحب من طرف واحد ، همست باستياء محدثة نفسها
ـ لو أننيّ ذهبت مع فلور و ويليام لكان ذلك أفضل للجميـع ،
عادت تنـظر إلى نايت ، هناك هذه الهالة التي تنبأ بعدم الاقتـراب لا تنفك الظهور أمامها فتجعلها تستسلم قبل
المحاولة حتى ، فكرت قـليلا لو أن ويليام هنا لشعرت بقليل من الراحة لكن لا يجب عليها الاعتماد عليه للأبد فهي
سوف تصبح زوجة نايت و لن يكون ويليام معها طوال الوقت لذلك يجب عليها أن تقترب منه ، ضحكت بتوتر و صفقت
يديها قائلة بحماس
ـ أوهـ ما رأيك في لعبة الحقيقة ؟ فبماّ أنه لم تسنح لنا الفـرص في التعـرف على بعضنا أكثر لما لا نـقوم بهاته اللعبة ؟
رمقهـا للحظـات محاولا استيعاب الفكـّرة ثم عـاد يّراقب الطـريق بكل ضجر ، رفع يده بهدوء مشـيرا لها أنه موافق فظهرت
على شفتيها الورديتين ابتسامة مليئة بالسعادة ، تحدثت بنبرة فرحة
ـ إذن السـؤال الأول لي ، نايت أخبرني عن والديك فـأنا لم يسبق لي و أن رأيتهما أبدا
كان مستمرا في قيادة السيارة بينما المـطر يهطل خـارجا فـأصبح الشـارع خـاليا من المشـاة أو أي آثر للحيـاة ،
تسللت قطـراتّ لوجهه الشـاحب و إزداد لون عينيه بهوا أكثر فـأكثر ليهمس بـصوته المبحوح الخافت
ـ كلاهمـّا ميتين ، بما أنه دوري فيجب علي أن أسـألك أليس كذلك ؟
أومـأت ماري بخجل و هي تشعر بالأسف لطرحها مثل هـذا الـسؤال كبداية للعبتهما لما تستمر بالفشل ؟
كان يجب عليها أن تستنج ذلك بما أنها لم ترهما سابقا لكن غبائها سيطر عليها لكنها لن تسمح بـمثل هذا
الجو أن يتكرر مجددا ، سمعته يتحدث ببرود
ـ أنت، أفعلا كـانت قبلتك الأولى التي أخذتها ؟
بعينين متسعتين كان ينظر إليها منتـظرا جوابها بينما علا اللون الوردي وجنتيها بإحراج ، حـاولت الإجـابة لكن لم
تـخرج من فمها كلمة سليمة إذ أصبحت تتأت و تلعثم بتوتر كمـا لو كـأنها طفل يحاول تعـلم نطق الحروف لأول مرة
أما نبضـات قلبها كانت تدق بجنون و خيل لها أن نايت قد يستطيع سماعها، فابتسم بسخرية على ملامحها عندما
استطاعت أخيرا تكونين جملة سليمة و بنبرة مندفعة قالت
ـ لا ، لم تكن قبلتي الأولى أنا على الأقل لا أعتبرها كـذلك أعني من ناحية التقنية أقصد الجسدية هي كذلك لكن
من الناحية العـاطفية ليست كذلك ، أتفهم ما أعنيه ؟
لم يجبـها بل إكتفى بابتسامة خفيفة مستهزئة زيت شفتيه لثـواني لم تدم فسرعان ما اختـفت في حين قررت
مـاري تجاهل شعورها بالخجـل و الإحـراج لتسـأله بكل حمـاس
ـ سـؤال الثـاني من فـضلك أجب سيدي ، لما تتنـافس مع كايل على مركز الرئيس بالرغم من أن هنـاك من
الأموال ما يكفي الجميع ؟
أعتلى فجـأة البرود ملامحه بعد أن كان مسترخيـا و احتدت عينيه بشكـل خطير ، ها قد سـألت سـؤال آخر
لم يكن يجدر بها التفوه به يالها من غبية لما لا تنفك إفساد الجو؟ ، نايت شخص غـامض مهما حاولت جاهدة
أن تفهمه فـلن تنجح ، يـا ترى ما كمية الأسـرار التي يخفيها خلف هـذا البرود ؟ تحدث بنبرة متـألمة قليلا و قد
أهمل حـاجزه العالي لثـواني
ـ إن سقطت تفاحة فـاسدة بفم أحد أصدقائك هل ستقتلينه قبل أن يتسرب السم أكثر لجسده أم تتركينه ؟
رمشت باستنكار و لم تستطع أن تـلمح المعنى الخفي من خلف هذه الجملة ، هاته الكلمات المتـألمة و النـظرة الحزينة ،
ما الذي يعنيه ؟ أيقصد أن كايل بمثابة تفاحة فـاسدة في الشركة يحاول أن ينزعها قبل أن يقوم بشيء سيء
لجده أم ماذا ؟ هـزت رأسها نفيا دلالة على عدم فهمها ، لكنها قـالت بـبساطة
ـ و لما أنا مضطرة لقتله ؟ لما لا أحذره فقط ؟ أو أسـاعده ؟ هذا سيكون أفضل
نـظر إليها بدهشة ثم ضحك بـخفوت ، تحـذره ؟ لما لم يفكر بهذا قبلا ؟ مد يده ناحية رأسها و عبث بشعرها
قـليلا ليقـول بـسخرية
ـ أشك بـان في هـذا الرأس عـقلا ،
عـاد يقود بـهدوء فـوضعت يدها مكان ما لمس به شعرها و قد تـوردت وجنتيها خـجلا و إحـراجا، اكتفت بابتسامة
مرحة تـعبر فيها عن مدى سعادتها و هي تصيح بحماس
ـ دعنا نـمرح ناي

/

تلك السيارة السوداء المضللة تتبعهم من بعد بسابق الإصـرار و التـخطيط على الخلاص منهـا ، حين رن هـاتف
ذلك الـسائق ذو الملامح المخفية فـربعه ببرود و قام بإرسـال تلك الصور التي التقطها سابقا إلى سيدته إليزابيث
بينما كانت هي جالسة على الكرسي ، إذ أن لديها جلسة تصوير مهمة و لن تستطيع أن تتابع الأمور عن قـرب
لذا انتابها هاجس فشلها حين وصلت عدة صور لماري و نايت كلاهما يقفان أمام المبنى ، قطبت بغضب لم يكن
هذا في خطتها فهي لا تريد قتله بل القضاء على خطيبته فقط .. رفعت كـأس النبيذ و رمته بـأقصى ما تملك
لتتناثر أشلائه في الأرض بعدما ارتطم بالجدار متناسية مكانها ، استدارت إليها زميلاتها العارضات بدهشة لكنها
لم تهتم فعلا لرأيهم ففرصة كهذه لن تعاد مرة أخرى و يجب عليها استغلال إفلاس شركة جونسون إلى جانبها
مادام الخـبر سـاخنا ، وقفت ببرود لكن عادت تجلس في مكانها فلا يجب على خطواتها أن تكون واضحة للعيان
فقامت بإرسال رسالة نصية قصيرة إلى تابعها تـطلب منه إعلامها بجميع تحركاته .
لن تفشـل .. بكل تـأكيد لن تفشـل
لقد اعتقدت أن خطبة نايت كانت مزيفة و لن يجـرؤ على توثيقها بـزواج علني لكن الآن لقد تعدى جميع الحـدود
فكيف لفتاة ريفية مثلها أن تتوج كزوجة له ؟ لا يحق لإحداهن أبد ان تكون سيدة لبير غيرها و إن اضطرت لقتلهن ،
همست بنبرة قلقة
ـ أرجوا أن أنجح لا بل يجب علي النجاح
نـظرت بواسطة رموشها الطـويلة و عينيها السـاحرتين إلى لا مكـان قد شردت في أفكـارها بـعيدا ، عنـدما
جرفتها الذكريـات بـعيدا لا يمكنها أن تـهزم أبدا خصوصـا أمـام ذلك الـعجوز و نـايت ، بـعد أن قطعـت هـذه الطـريق الطـويلة
و وصـلت أخيرا إلى هدفها فلن تسمح لأحد أن يهزمها

/




JAN 03-09-2020 11:10 PM


أحدى قـاعات الدراسـة كـانت تـجلس تـلك الـشابة ذات الـشعر الأشقر الذهبي المنسـدل
على ظـهرهـا بكل تـموج في إحـدى المقـاعد المنتشـرة بكـثرة ، تـحمل بين أنـاملها الطـويلة دفتـرا
تـسجـل فيه محـاضـرات التي كـانت غـائبة فيهـا ، رموش طـويلة و عينين سـاحرتين ، تـلك الشـابة هي
كليـر غلوري ابنة أشهـر مقـاول في لندن بـأكملها ، يمتلك شـركته الخاصة و أخت أكبر زيـر نسـاء
كـانت تـكتب بـعدم إهتمام عنـدما لمحت صـورة صـغيرة تسقط من ذلك المـلف الموضوع جـانبا ، حملتها و
نـظرت إليهـا .. كـانت صـورة عـائلية قـديمة ، آرثر يجلس في الأرض ممسـكا بالكـرة و يضـع ذراعه حول
فـلور المبتسمة بكل مرح بينمـا هي و ماري تضحكـان و فمهما مـليء بالحلوى في حين أن جونـاثان و
روي يقومان بالشواء أمـا سيدة ليكسي كانت تـبتسم بكل سـعادة مـراقبة إيـاهم ، التقطت هذه الـصورة
من قـبل والدة فلور و مـاري ، قبـل ثـمان سنوات .. لكن فـعلا كم تـمر الأعوام بسرعة ، هاهم الآن كل
واحد فيهم منشـغل بـمشـاكله
تنهـدت كليـر بغيض و أعادتها إلى مكانها ، لما وضـع آرثر الـصورة في الملف ؟ إنها قديمة كمـا أنه يـكرهها
لأنها تذكره بـإعجـابه الأول فلور ، همست بـبرود
ـ سيليا ؟ أتسـاءل كيـف ستكون ردة فـعلها عنـدما تـعلم بـأحـوال أبنتيها المثيرة لشفقة ،
أسندت رأسها على الطـاولة بـتعب و أغلقت عينيها ، عـائلة روبرت مليئة بالمشـاكل من أسفل جذورها
إلى أعـلاهم فكيف استطاعت ماري أن تحـافظ على ربـاطة جـأشها وسط كل هـذه الجلبة ؟ لو كـانت هي
لانهارت من أول عـقبة تلقـاها لكن ربمـا هي تتحمل الآن لآنه يوجد بجانبها نايت شيطـان بنفسه فلن
يسمح لأحد بإذائها
كم تتمنى لو تحض برجل مثـله ، قـوي الشخصيـة شـديد الغـموض و قـليل الكـلام كمـا أن جـاذبيته لا
حدود لها إنه بمثـابة فـارس أحـلام لجميع النسـاء ، همست باستياء
ـ لو أنني تـلقيت دعوة لزفـاف سيدة إليزابيث و سيد كـايل لكـان الآن لي ،
شهقـت فجـأة لمـا أدركت أنها نسيت كـتابة بـقية الملاحـظات، كيف لها أن تنغمس في ذكرياتها لهـذه
الدرجـة ؟ ابتسمت فجـأة بهدوء و هي تحدث نفسها
ـ كم اشتقت لتلك الأيـام كـان كل شيء بسيطـا خليـا من أي تـعقيد يـا ترى هل كان ذلك سحر سيليا ؟

~.~.~

عندما أسدل الـظلام ستائره و أغلقت جميع أنوار الـسماء بـأشعتها، في أحدى الأماكن المهجورة بإحدى الـقرى البـعيدة
كان يقف ذلك الشـاب ذو الشعر البني أمام أحد المباني القـديمة و شحوب وجهه واضح للعيـان،
يـرتدي قبـعة و معـطفـا ليخفي ملامحـه بينما يـحمل بين يديه رسـالة بيـضاء لم يذكر فيها الكثير من الأشيـاء ،
تـقدم أكثر بخـطوات متـرددة خـائفة ثم فـتح البـوابة .. صـناديق فـارغة كثيرة و أرض ممتلئة بالغـبار بينما توجد
عدة أوراق مرمية ،
خـطوتين ، ثـلاث ثم عـشر وجد نفسه يقف أمام كرسي خشبي يبدوا و عكس هـذا المكان حديث الوضع به
قـليل من الدماء الجـافة ، اتسعت عينيه بـرعب عندما لاحظ وجود عصى حديدية بها أثـار لدماء و كاد أن
يعود أدراجه لولا سماعه لصـوت سـاخر بـارد و مرح في آن واحد
ـ آوه ، هل سوف تـرحل بهذه البساطة ؟ لكنني لم أضفك بـعد أرجوك أجلس
ظهر من وسط ذلك الـظلام شـاب لم يكن يلمح منه سوى ظله الذي استطاع الغـروب أن يرمي أشعته عليه
قبل الـرحيل ، ظل طويل و نبرة بـاردة متهكمة ذكرته بشخص ما ، قـال بـصوت غـاضب
ـ ما هـذا ؟ لو كـنت أعلم أن مكان اللقـاء بهذا المستوى من الانحدار لما أتيت ثم أتظنني شخصـا غبيـا لأجلس
بجانبك أحتسي القهوة بعد رؤية هذا المنظر ؟
تـقدم شـاب آخر يلف قدمه بقـطعة قمـاش و يسندها بـعصا حديدية ، ابتسـامة خبيثة تـغزوا وجهه الـوسيم ،
ذو شعر أشـقر و عينين واسعتين حـاقدتين ، قـال ببـرود
ـ لا تـقلق فنحن لا نـؤذي أتـباعنا ما داموا يحسنون التصـرف أليس كذلك سيد ديميتري ؟
ابتسم شاب ذو الظل الطويل بسخرية شديدة و أومـأ بـرأسه ، فـاتجه الشاب ذو الشعر الأشقر ناحية ذلك
الـكرسي الخشبي و حمل العصا الحديدية بين يديه بكل اشمئزاز ، قـال بغيض
ـ أقسم أنني سوف أنتقم منك نايت ، كما تـرى يا سيدي فهنا قـرر نايت العفو عن حياتي و أريد أن أرد له
الجميـل فما رأيك بمفـاجـأة ؟
صمت سيد ديميتري قلـيلا و قد اتضح أنه هو الشـاب ذو الظل الطويل في النهاية ، صوب عينيه الحـادتين إلى
ذلك الشـاب الجديد الذي يرتجف في مكانه خوفا من أن يصيبه شـرهم و قـال بـصوت هادر متعـالي
ـ لا تكن غبي جايسون فالصـحافة لا تـزال تـسلط ضوئها عليك لذا دع التهور جانبا و لنهتم بالأمور بطـريقة ذكية ،
الآن يـا أيها الشـاب الصغير مرحبا بك في القطيع
شحب وجه الشاب ذو الشعر البني بشكل ملحوظ و كم تمنى لو أنه لم يتبع تعليمات تلك الرسالة المشئومة،
كم لام فضوله المجنون في تلك اللحظة و كم تمنى العودة بالزمن ، فيبدوا أنه من الآن و صـاعدا ستنتهي أيام
حياته الـطبيعية

~.~.~

بـعيدا عن الانتقـام ، بـعيدا عن الكـراهية و الحقد كـان الاثنين يـجلسان جـنبا إلى جـنب و تشاهد التلفـاز
بانسجام تـام و بالـرغم من أن الفـلم كان قـديما و خـاليا من أي مميزات لكنه استرعى انتباهها بطريقة أو
بـأخرى ،
بينما كان هو يحمل أوراقا وضعت عليها نوتات موسيقية و يبدوا عليه الانزعاج ، اقترب أكثر من فلور غير آبه
بنظراتها الحـادة كـأنها تترقب منه تصرفا واحد لتتهمه ، قـال بـفضول
ـ فلور ، ما رأيك ؟
سحبتها منه ببرود و بالـرغم من أنها لم تـفهم شيئا من تلك النوتات المكتوبة بكل فوضوية قـرأت كلـمات أغنيته
بداخلها ، كـانت متـناغمة مليئة بالمشـاعر كـأنها تتحـرك و كـأن الحيـاة قد دبت فيهـا ،
الكلمات التي تخفي ارتباكنا ، الدقائق التي نحدق فيها ببضعنا ،
الوقت الذي نمضيه سويا ، أتمنى أن يستمر لمدة أطول
يدك الممسكة بيدي حتى ودعتني في المـحطة الأخيرة
لطفك الغير مبالي يجعلني سـعيدا
و إن كانت هـذه قصة خيـالية فعلى الفور سوف أحلق معك صـانعا أحلامـنا
كل وقت ، كل يوم ، كل شيء
فحتى لو لم أقل هـذا لك بـطريقة مناسبة ، أدركي أنك مكاني المميـز
نـظرت إليه ، لا يمكن لكلمـات مثل هـذه أن تخـرج من فم شخص بمثل هـذا الـبرود كيف استطاع أن يكتب أغنية
كـهاته ؟ ابتسمت بـلطف و لم تستطع أن تـخفي هـذه المرة تعـابيرها المسترخية ، لو كـان شخص آخر لظنته
واقعا في الحب لكن و بما أن هذا صدر من قبل ويليام فتصديق ذلك مستحيل ، لذلك أجابته بنبرة متعالية غيرصادقة
ـ ما هـذه القمـامة ؟ أتسمي هاته أغنية ؟ أأنت فعلا مشهور ؟ يـال خيبة الأمل
شحب وجه ويليام و اختفت ابتسامة التي زينت شفتيه ، أمسك بتلك الورقة بين يديه بـفقدان أمل ، لقد
أعاد الكلمات مرارا و تكرارا و لم ينجح يبدوا أنه مجبر على إنشاء أغنية ثنائية مع أوسكار في النهـاية ، وقف
بـإنكسـار و كاد أن يرحل لولا أن فلور أمسكت قميصه من الخلف في أخر لحـظة ، استدار ناحيتها فـوجدها
مبتسمة بكل مرح
ـ لكنها من أروع ما قـرأت ، أريد أن أكون أول من يستمع إليها ويليام
رمقهـا بدهشة غـير قـادر على تصديق أن أغنيته قد نالت إعجاب فلور ، التي تعتبر نفسها منافسته ، فابتسم
بـراحة كـأن جبـالا قد انزاح من فوق كتـفيه اقـترب منها و احتضنها بقـوة ثم أخذ يدور بها في الأرجـاء بينما
صـوت ضحكـاته يتـعالى ، بـعد أشهـر من عـناء ، بـعد أيـام و ليـالي من السـهر قد استطاع أخيرا أن يكتب أغنيته
هـكذا ربما قد يستطيع أن يقنع شركته بـفسخ عقد شـراكته مع أوسكار ، لن يضطر للعمل معه ، ضحك بـفرح شديد
و تـرك فـلور لتسقط على الأريكة ممسكة بـرأسها ، ركض ويـليام إلى غـرفته صـارخا بـحماس
ـ في وجـهك أوسكـار ها ها
نـظرت فـلور إلى الأرض و وضـعت يدها على قـلبها بينما وجنتيها محمرتين بشدة ، نبضـاته المجنـونة تـكاد
تـكون مسـموعة لكل من في المبـنى ، ما هـذا الشيء الذي داهمهـا فجـأة ؟

~.~.~

كان نايت مستلقيا بكل راحة على ذلك العشب الأخضر و رائحة الأزهار العبقة تنسل بكل لطف إلى أنفه
بينما الـرياح تداعب شعره الحريري الأسود ، عينيه مركزتان على مغيب الشمس ، في حين كان صوت الأمواج
من أسفل المنحدر يـأتي كسيمفونية هادئة منومة
بينما ماري تقطف الأزهار بكل سـعادة ، من هـذا المكان العجيب الذي قد وجده نايت بالرغم من أن الـرحلة قد
استغـرقت الـيوم بـأكمله لكن لا بـأس مـا دام المـكان بهذا الـسحر الخيالي
ركـضت إليه و وضـعت وردة حـمراء صـغيرة على شـعره ثم ضحكت و أخـرجت هـاتفها لتلتقط بسرعة صـورة له ،
جلست بجانبه و استنشقت الهواء الطلق ثم عادت تنظر إلى نايت به من سحر هـذا المكان ما يجعلها غير
قادرة على إبـعاد عينيها عنه ، ربما سكونه الشـديد أو ملامح وجـهه الجـذابة
ربما الهالة التي حوله ، توحي بنوع من الإستقراطية القديمة و كبرياء موجع لحد الثـمالة .. ربما عينيه اللتّـان
تـنطقان بعـبرات شتى و غمـوض خـطير ، ربما جسمه الـرياضي و ربمـا الأسـرار التي يخفيهـا ،
عـادت تضحك على نفسها من بلاهتـها و وضـعت صورته خـلفية لهـاتفهـا ، يـاله من أمير نـائم جميـل قد
حضيت به و يـا ليته يبقى سـاكنا هـكذا فـما إن فتح فـمه حتى تتـشوه جميـع تـخيلاتها المـثـالية ، تـذكرت فـجـأة ويـليام و
فلور لقد قـال ويليام أنه سوف يذهب بموعد مع أختها لكن من الصعب تصديق كلماته المفعمة بالإرتباك ، قـالت بمرح
ـ أتعـلم نايت ، أنا قـلقة قـليلا على ويـليام و فـلورا فـهما لا ينسجمـان جيدا مـع بعضهما البعض
رمقهما ببـرود ، بـعد ان استمتعت و قـطفت جميع الأزهار ثم رقـصت حول المكـان و غنت بحمـاس تـقلق الآن عليهما ؟
أتـمزح ؟ لقد نستهما كليـا ، تـنهد بغيض و استدار إلى الجهة الأخرى كي يصبح وجهها مقـابلا لـظهره
و قد بدى الآن واضحا أن لا رغبة له بالحـديث معها فابتسمت ماري و عـادت تحـاول فـتح مـجالا للكلام مـعه
حتى و لو لثـواني
ـ نـايت ، لدي هـذه الـرغبة الـجـامحة التي تـحثني على محـاولة مـعرفتك ، أريد أن أعـلم ماذا تـحب و مـاذا تـكره
، لمـا اخترتني ؟ لما كل هـذا الـوجوم ؟ إنها أسئلة عـديدة تـجول ببالي
ابتسم بسخرية و وضع يديه خلف رأسه فوقفت ماري باستياء لكنها لم تـيـأس حتى لو كـانت المحـادثة من
طـرف واحد ، ركضت ناحية ذلك المـنحدر و وقفت على الحافة ثم استدارت ناحيته تنظر إليه و ذراعيها ممدودتين
بجانبها بينما الـرياح تهب حولها ، ابتسامتها و شفق يغطيها
ـ هيـه ألا يبدوا هـذا المشهـد مـألوفـا لك ؟
جلس بضجر و وضع يده على خـده بينما عينيه تراقبانها بكل ملل فـابتدأت هي بالغـناء مجددا ، أغنية سيلين ديون
المشـهورة ، ابتسم بـخفة عـندها قـالت بـكل درامية
ـ جـاك ، جـاك ..
شـعرت بالـراحة عندما لمحت ابتسامته و بالـرغم من أنها بالكـاد تـظهر على شفتيه لكنها مجرد بصيص أمل ،
مجرد أمل لمـاري أنه و في يوم مـا قد تستطيع كسر هـذا الجـليد المحـاط حول قلبه فـضحكت و عـادت تلتفت
نـاحية الـبحر، الأمواج تتلاطـم بعضها البعض قد وصـلت قطرات منها إلى حيث تقف ماري فقالت بهدوء و نبرة جدية
ـ نايت ، عنـدما يحين الـوقت المنـاسب أريد أن أخبرك بـشيء مـا لذلك إلى أن يحين ذلك الـوقت أرجوا أن تنصت فيه
إلى كلامي حتى النهاية ، إلى أن يحين الـوقت المنـاسب للاعتـراف بحبها له ، هل سيستمع إلى النهـاية ؟ هل سيتقبل
مشـاعرها بـصدر رحب أم يرفـضها ؟ نـظر إليها ببـرود ثم وقف ، اقترب من ذلك المنـحدر فبـدأت الـرياح بتحريك معـطفه في
كل اتجاه و خصلات شعره أيضـا ، رفع يده و وضعها على جبين ماري قـال بغموض
ـ أتعلمين و أن بـمقدرة هاته الـيد فقط أن تدفعك ؟
أمسكت يده الباردة تماما كـقلبه الخالي من أي دفء و اقتربت هي بنفسها من الحافة أكثر و على شفتيها
الـورديتين ابتسامة مفعمة بالحيوية و الأمل ، أمالت رأسها قـليلا و قـالت بمـرح
ـ لا بـأس فـأنا أثق بك
تنهد قد أخرسته بكلماتها البلهاء هذه للمرة الثـانية ، فـرفع أصبعه السبابة و أشار على السيارة المركونة
بـعيدا حيث أنها كانت مركونة باستقامة إذ أراد نايت أن يستند عليها خلال فترة جلوسه ، وضعت يدها على
جبينها كحركة عسكرية و ركضت إلى السيارة ، جلست على مقعدها منتظرة قدوم نايت ، إذ كان يلتقط معطفه
و يسير بخطوات كسولة جدا كـأنه غير راغب بالقدوم ،
فجـأة ظهرت سيارة مظللة من الـعدم بسرعة جنونية محـاولا استغلال فرصة وجود ماري لوحدها فالتفتت الأخيرة
لتراها و قد كانت قادمة من جهة اليسرى لسيارة حيث تجلس هي ، رفعت حاجبها باستنكار و قد تذكرت قيادة
نايت الجنونية عندما يكون غاضبـا كتلك المرة التي حضرت فيها حفلة الخمسين السنوية ، بينما شحب وجه نايت
بشدة فصـاح بنبرة حادة
ـ مـاري ، أخرجي فـورا
قطبت ماري و قد استاءت من تغير مزاجه بهذه السرعة ، فقد كان توا هادئا و مبتسما أما الآن فيصيح بها كمـا لو
كـأنها خـادمة له ، أجابته بنبرة متهكمة مسـتاءة
ـ لمـا ؟ كي تـذهب و تتـركني ؟
صـرخ بغـضب و عينيه تـراقبـان تلك السيـارة المسرعة مع نية مسبقة في القتل ، لقد بدى واضحا أن السائق يريد قتلهم من
إنحراف سيارته عن الطريق المفترض أن تسير عليه و سـرعته الجنونية ،
ـ مــاري
نـظرت إليه ماري بتسـاؤل و عينيها الـزجاجيتين الواسعتين تنـطقان بمدى استغرابها ، فهذه هي المرة الأولى التي ينطق فيها اسمها
هكذا مشبعا بالقلق فاحمـرت وجنتيها خـجلا بينما دخل نايت إلى السيـارة مسـرعا ، أمسك بـمعصم ماري و حاول سحبها ناحيته لكن
الوقت لم يسعفه ، فـلف ذراعيه حـولها و أغلق عينيه حين اصطدمت تلك السيارة بهما لكي تنقلب مرارا و تكرارا قبل أن تسقط في
ذلك المنحدر ، ترددت كلمـاتها العفوية كالصدى في أذنه

لا بـأس فـانا أثق بك

رفـع ذلك الـرجل هـاتفه بـعد أن رمى نفسه قبل حدوث الاصطدام و قـال بنبرة بـاردة مشبـعة بـرائحة الانتصـار
و نشـوة الفخر
ـ سيـدتي ، لقد تـمت المهمـة بنجاح


JAN 03-09-2020 11:12 PM



شـآبتر السـآبع عـّشر
ـ غـّريبة كيّفية الخّلاص ـ


بمغيب الشمس الهادئ و اضمحلال النهار تدريجيا .. شعت ابتسامتها بسعادة غريبة و قد خلى ضميرها من أي تأنيب ،
فـرفعت كـأس النبيذ عاليا بفخر عجيب مقيمة حفلة وداع أخيرة برفقة زوجها لحصـولهما على جميع نفوذ عائلة لبير
العظيم لهما و لوحدهما و فقط لهما بـعد رحيل الشخص الوحيد الذي كان مـعرقلا لهدفهما ، همست إليزابيث بنبرة ساخرة
ـ على الـرغم من أن نايت لم يكن أبدا هـدفي لكن من الجيد ضرب عصفورين بحجر واحد أليس كذلك عـزيزي ؟
رمقته من خلف رموشها الطويلة بنظرتها الجذابة الساحرة و قد شـغلته ملامحها الجميلة عن أي شيء آخر فأومـأ بهدوء
موافقا إياها ، اقترب منها ببطء عندما و فجـأة قد دق باب جناحهما ، فسارعت إليزابيث بدفع النبيذ جانبا و رفع كايل ملفا كان
مرميا بجانبه لكي يتظاهر بقراءته فيجب أن لا يشك أحد بهما ، ليدخل الجد بيتر و علامات الاستفسار قد ملأت وجهه فقال باستنكار
ـ أيـعلم أحدكم أين من المعقول قد يكون نايت ؟ فرئيس الحرس فرانسوا لم يسمح له بمرافقته أتظنون أن مكروها قد أصابه ؟
زفرت إليزابيث بغيض بينما قال كايل مكشرا عن أسنانه و قد ضاق به الكيل من نايت فحتى بـعد موته هو يرفض تركه ، إنه الآن
لشديد السـعادة لقتله ،
ـ و لمـا قـد نـعلم أين يكون ؟ كم مرة أخبرتك أن نايت يعـمل وحيدا و خير دليل هو فصخه لعقدنا مع شركة جونسون بفرنسا دون أن يستشير
أي أحد منا
قطب الجد بأسى ، إن كايل محق فحتى لو كـان الخطأ من طرف شركة جونسون فهو لا يحق له فعل أي شيء بدون استشارته ، أومـأ برأسه
إيجابا و قد بدى متـضايقا فعلا من تصرفات نايت الغير مفهومة ليعود إلى جناحه مفكرا بعمق ، و في حين لحظة خروجه تنهدت إليزابيث بكره
و هي تتحدث بكل برود
ـ كان يجب علينا قتله هو أولا
ضحك كايل بـقوة على عبوس وجهها ، فعلا للأسف فهما لا يستطيعان فعل شيء له فجميع الخدم مخلصون له و هو محاط بحراسه طوال الوقت
لذا قتله لن يكون سهلا لكن ليس مستحيلا فقال بمكر
ـ دعي حادثة نهاية نايت تنتهي كي لا توجه أصابع الاتهام لنا ثم ربما بعد سنة سنقتله أو أقل لنرتاح من وجـوده
وافقته فورا و أخرجت الزجاجة لتضعها على الطاولة بينما شغل كايل مسجل الأغاني فوقفت إليزابيث ليمد كايل يده ناحيتها ، شد أصابعه على
خصرها النحيف بكل رقة في ين وضعت هي رأسها على كتفه و أنغام الأغنية الهادئة تنساب شيئا فشيئا إلى قلوبهما مصاحبة بنشوة الانتصار ،
غـريب كيف طغت هذه الموسيقى على قلوبهم بكل سهولة في حين قتل فرد من أسرتهم لم يجعل عين تدمع أو أسى يلمح حتى لو لفترة بسيطة
من الزمن فـأغلقت إليزابيث عينيها العسليتين ببطء منسـجمة مع خـطواتها السـلسة في الرقص ، حدق بها كايل بهدوء ثم أشاح نظراته إلى
الشـرفة و قد كان وجهه حينها خـاليا من أي تعبير

~.~.~

بـعد أن قـام ويليام أخيـرا بكـتابة أغنيته الموعودةّ ذهب مسـرعا لزيـارة مدير أعماله و لم تستطع رؤيته منذ ذلك الحين ، كـانت تقف أمام شـقة
ماري حاملة المفتاح و عينيها متجهتين إلى حيث يعيش ويليام ، رفعت حاجبها باستغراب و هي تميل رأسها واضعة يدها على قلبها
ـ إنها المرة الأولى التي ينتابني فيها هذا الإحساس ،
فجـأة دخل آرثر المبنى حـاملا أكياسا بين يديه و يضع السماعات في أذنه ، كان يبدوا غـير مباليا فرمقته فلور باستنكار ، أين ذهب كرهها
الشديد له ؟ و ماذا عن مزاجها المتعكر دوما ؟ ثم لما تشعر بخيبة الأمل ؟ .. نـظرت جيدا إلى آرثر الذي تجاهلها كعادته ثم صاحت برعب و هي
تستند على ركبتيها مبعثرة خصلات شعرها الأصهب
ـ يـا إلهي إنني أنتـظره ، لابد أنني جننت بحق
بينما تـوقف آرثر أمامها مستنكرا حركاتها المجنونة ، أخـرج من إحدى الأكياس عـلبة مثـلجات صغيرة و قدمها إلى فـلور ، قـال بـبرود
ـ يبدوا أن زواج أختك القريب قد أثر عليك كثيرا خصوصا و أنت لديك عقدة الأخوة لذلك سـوف أعطيك هذه ،
أمسكت فلور العلبة بصدمة ، إنها نكتها المفضلة فراولة ..عادت تنـظر إليه و هو يضع يده على شعره بقليل من الإحراج و عـزة النفـس،
ـ لا تفهميني خطـأ فـأنا لا أريد أن أكون صديقك أو شيء من هذا القبيل ، أنا فقط أريد أن أكون صفحة جديدة معك
زمت شفتيها بعبوس واضح للعيان لكنها لم تعد العلبة بل أخذتها معها و هي تفتح الباب بـكل عصبية ، صـاحت بـصوت حاد محتقن الغضب
ـ غبي ، لا تظن أنني سـأعجب بك الآن
ثم أغلقت الباب خلفها بكل قوة خيل له أن جميع من في حي سمعها ، بقي يحدق في المكان الذي كانت جالسة به بيـأس ، كانت تبدوا وديعة
و لطيفة جدا أما الآن فقد عـادت فلور الشرسة و العتيدة ، يا ليته لم يعطها العلبة لكان استمع قليلا برؤية ملامحها المضطربة ،
هز كتفيه بعدم اهتمام ثم قـال ببرود
ـ ليس كما لو كـأنني أحبك يـا غبية ، المرة القادمة سـأخبرها أن تعطيني ثمن العلبة المثلجات تلك ناكرة الجميل
إتجه إلى شقته ببطء مفـكرا ، بـعد أن طرده والده صـار يعرف من أصدقائـه الفعليين و الذين يعـادلون الصفر حاليا و صـار يـعلم أيضا مدى
صعوبة العيش ، كيف أن يجني النقود بعرق جبينه ، شغل التلفاز ببرود لتـظهر صـورة رئيس شركة جونسون و نسبة انخفاض أسهمها الضخمة
التي تقدر بالملايين ، ثم كتب بـخط عـريض هجوم من قبل شركة لبير لتـظهر صورة آخرى تخص نايت ، أنف مسلول و شعر كحلي لامع غطى
على معظم ملامحه ، عينين داكنتين حادتين خـطرتين ، في منتهى الجاذبية و بغاية الوسامة ، شـرب آرثر قليل من المياه و هو يقول بسخرية
ـ لا يـزال مصدر الإشـاعات
انسلت لذاكرته لمحة صغيرة ، عنـدما كان بالثانوية في السنة الأخيرة إلتقى بكلا الشـابين كايل و نايت و ويليام، لكن و بالرغم من ذلك كان هم الأربعة
الأكثر شهرة و بالـرغم من أنهم لم يقوموا بمحادثة فعلية مع بعضهم البعض إلا أنهم كانوا يعلمون تماما من يكون الآخر ، كـايل لاعب البيسبول الشهير ذو
صيته الخاص بين النساء ، ابن خالته نايت الذي بالرغم من كونه التحق في السنة الثانية إلا أنه سرعان ما أصبح مشهورا أيضا عـبقري نال الدكتوراه
في الأعمال بسن الخامسة عشر و عاد من بريطانيا فقط بطلب من جده ذلك الوقت ، ويـليام سجل في المدرسة بالسنة الأخيرة كان رفيق نايت المخلص ذو
صـوت مدهش و مظهر جـذاب ،
قطب ببـرود و أمـال رأسه للخلف نـاظرا إلى السقف ، الكل قد صنـع دربه بنفسه إلا هو لما لم يفكر بذلك قبلا ؟ كل كان المال فعلا يعمي عينيه عن الحقيقة ؟
حقيقة أنه اعتمد على والده طوال فترة عيشه ، همس بخفوت
ـ لو أنني درست قليلا لكانت لي شركتي الخاصة
فجـأة رن هاتفه فتنهد بضجر ، إنه يعلم تماما من المتصل فبعد طرد والده له لم يـعد أحد يريده سوى أخته كلير أو والدته ، رفـعه إلى مستوى نظره و قد
صدق حدسه فهاهو إسم كلير و صورتها تعلوا الشاشة بأكملها ، أجاب بصوت بارد
ـ مرحبا ،
بـعد فترة كان يجلسان كلاهما في إحدى المقاهي الموجودة بالحي يشربان قهوتهما بغيض و غبن ، فكلاهما حتى الآن لم يريا ماري و كـأنها تجاهلت
تحذيرهما و هذا يثير غضبهما ، أن يكون المرء بلا نقود أمر صعب فعلا ، تحدث آرثر
ـ آه لقد نسيت أن أخبـرك ، فـلور تعيش بنفس المبنى الذي انتقلت إليه
شهقت كلير برعب و إلتفتت حولها لتنظر إلى ذلك المبنى الذي يقصده آرثر بريبة و قليل من الخـوف ، همست له بـنبرة متوترة مرتبكة
ـ لا تقل أنها لا زالت تـطاردك ؟
أومـأ بالنفي و قد تذكر ويليام جاره أيضـاّ ، فخلال فترة عيشه البسيطة هنا وجد أن و حول هـذين الاثنين شيء غريب فهما يمضيان الكثير من
الوقت معا ، و بمعرفته الجيدة لفلور فهي لا تستطيع أبدا الإنسجام مع الشباب ، هـز رأسه نافيا هذه الأفكار من باله فيجب عليه أن يركز
في كيفية جمع المال بهذه الفترة ، قـال بعمق
ـ ربما يجدر بنا الذهاب إلى نايت و إطلاعه على أسرار خطيبته العـفيفة ؟ لا لن ينفع هذا فذلك الرجل شخص خبيث و شيطان ماكر ما إن نسلمه
ما بحوزتنا حتى ينهي حياتنا
نـظرت إليه كلير بملل شديد و أجـابته
ـ و هـا نحن نعود إلى نفس النقطة ماري ، إنها الهدف الأضعف من بينهم لذا يجدر بنا فقط استدراجها هي فقط هـذا أفضل لكي نحافظ على
أرواحنا و كي لا نعبث مع أفراد لبير ، هم خطيرون بما فيه كفاية
توقفت سيارة سوداء طويلة أمام المقهى لينزل منها ويليام بابتسامته الدائمة ، برفقته رجل يرتدي بذلة سوداء ضخم الجثـة ، نـظر
إليه بهدوء ثم ابتسم مرحبا و هو يتقدم منه
ـ أوه يالها من مصادفة جميلة ، آرثر أليس كذلك ؟
أراد آرثر أن يتجاهله فهو يجذب الكثير من الانتباه كما أنه يثير أعصابه نوعا ما لولا أن كلير قد ضربته في كوعه بعصبية ، فقطب ثم
رسم على شفتيه ابتسامة ساخرة قائلا
ـ مرحبا يا صاح ، لا أراك برفقة فـلور ؟
قهقه ويليام و قد تذكر ملامح فلور العصبية و شتائمها النارية ، ألقى التحية على كلير بينما لا يزال ذلك الرجل واقفا خلفه منتـظرا إنهائه
لحديه فتحدث بنبرة مرحة
ـ لا أظن أنها ستقبل الخروج معي بعد ذلك اليوم ، بالمناسبة من هاته المرأة الجميلة ؟ لما لا تعرفنا عليها ؟
وضع الرجل يده على قميص ويليام من الخلف بـبرود ثم سحبه ليقف على قدميه و قد اتضح في النهاية أنه فـرانسوا ، اليد اليـمنى لنايت ..
إنخفض فرانسوا و تحدث بخفوت مع ويليام لثواني فابتسم الأخير و أشـار عليه بإرتباك
ـ هذا فرانسوا ، إنه ممتع إن أراد ذلك لكن الآن مزاجه معكر بعض الشيء لذلك أرجوا أن تـعذرونا على تطفلنا ، أراك لاحقا آرثر .. آنستي
عاد يتحدث مع فرانسوا بخفوت و سار الاثنين مبتعدين تدريجيا عنهما ، بينما رمقه آرثر بحقد فـهذا المدعو بويليام شخص مثير لريبة ، ما الذي
يفعله برفقة ذلك الرجل ؟ و ماذا عن فلور ؟ فهي لم تكن أبدا نوعه الخاص من النساء ، يبدوا أن هناك شيء يدور حول عائلة روبرت و نايت
أيضا ويليام معني بالأمر لأنه صديقه لكن ما هـذا الشيء الذي يدفع العبقري لتحرك ؟

~.~.~

سـكون فضيـع و هدوء ، تهب نسمات الرياح في كل اتجاه حاملة برفقتها صوت ذلك الأنين الخافت المتـألم الذي يصدر من تلك البقعة
الصغيرة فاقترب بفضول ليرى إمرأة ربما ببداية الأربعينات تبكي و قد وضعت ورودا حمراء شديدة الجمال على ذلك القبر ، فابتسم و
هو يقف بجانبها قـائلا بكل لطف ـ كنت أتساءل متى قد تظهرين سيليا
رفعت سيليا إمرأة في غاية البساطة و بمنتهى الرقة نظرها إلى روي صديقها فيما مضى ، عينين عسليتين زجاجيتين تعكسان مدى ألمها و
شعر بني ناعم مع شفتين ورديتين صغيرتين ، ابتسمت بحزن ثم أجابته بنبرة متحشرجة
ـ هل لي بمكان غيره يا روي ؟
جلس بجانبها مستندا على ركبتيه و وضع هو الأخر ورود بيضاء اللون شديدة الصـفاء ، ثم رسم على وجهه ملامح حزينة وحيدة لتذكره رحيل
صديقه ، تحدث بمرح متـألم
ـ لم يـعلم يوما كيف يبقي أحباءه حوله ، على كل حال ماهية أخبارك سيليا ؟ لم تردني أية رسالة منك
لم تجبه بل اكتفت بصمت موحش و قد أبت شفاهها بقول أنها بخير بعد موته ، كيف تكون بخير و قد رحل حب حياتها عن هذه الدنيا قبل أن تستطيع
عينيها رؤيته ، قبل أن تقول له أنها تحبه للمرة الأخيرة ، فضحك روي فجـأة محاولا سحب هذا الجو التعيس بعيدا عنهما و أكمل حديثه بينما الذكريات
تنهل عليه من جميع الجوانب
ـ أتذكرين يا سيليا يوم راهن الجميع بـأنك و أنت وحدك فقط قادرة على كسب قلب هذا العتيد الغبي ؟
ـ كنت ساذجة حينها ، لم أدرك أن المحبة لا تفرض يـا روي فقد أخبرتكم أنني قادرة على جعله يقع في غرامي لكن أنا من وقعت في عشقه فهيامه
فصار كل شيء بالنسبة لي
هز روي كتفيه فليس بيدهم حيلة ، ثم قال بخفوت
ـ عند أيامه الأخيرة كان لا ينفك لسانه ذكر اسمك فخلته يهذي و لم أفهم أنه و أخيرا قد زرع حبك في قلبه لم تذهب محاولاتك سدى
ـ بعد فوات الأوان بعد أن تحطم كل شيء
تنهد ثم أخرج من جيب سترته البنية هاتفه و وضعه أما سيليا فنظرت إليه مستفسرة ، أمسكه مجددا بغيض و أراها صـورا عـديدة لجوناثان لم
يكن مبتسما في معظمها كذلك فـلور محاولا إبهاجها فابتسمت أخيرا بلطف ، ليتحدث روي بمرح
ـ ألن تسـأليني عن أبنتيك ؟
لم تجبه ، بل لم تستطع إيجاد الشـجاعة لقول نعم لأنه بكل بساطة لم يعد لديها الحق بالسؤال عنهما عندما قررت تركهما في رعاية والدهما ،
عندما قررت ترك جوناثان بالرغم من حبها الكبير له ، هي فقدت القدرة على التدخل في شؤونهما ،
عندما لمح روي ملامحها المترددة شعر بالغضب ، طريقتهما في إظهار حبهما لأبنائهم فعلا غريبة ، فصـاح بنبرة عـالية حادة
ـ سيليا كفي الرثاء عن حالك رجـاء و أنظري إلى ابنتيك و لو قليلا ، انصحيهما .. أخبريهم بمدى حبك لهن ، لا تكتفي بقلق فقط و النظر من
بعد كما لو كـأنك ارتكبت جريمة لا تغتفر ، بحق الله لما أنتم أفراد روبرت بهذا السخف ؟ جوناثان ، فلورا و أنت أيضا ؟
رمشت بدهشة و هي تراقب وجهه المحمر من الغضب و نبرته الحادة ، فلم يسبق لروي أن حدثها بهذه الطريقة إلا عندما قررت الرحيل و ترك
عائلتها ، عـاد يتكلم بعصبية
ـ تبا سيليا لقد حاول جوناثان إيقاف ماري من إرتكاب غلطة عظيمة بحياتها لكنه لم ينجح فهي لا تـزال تسير على خطى مليئة بالأشواك
نظرت إليه بإستغراب مستنكرة قوله ، ماري ؟ أيتحدث عن ماري ؟ طفلتها المطيعة التي دوما ما تنفذ أوامر الغير بدون تردد رفضت الانصياع
لرغبة والدها ؟ لو أنه قال فلور لكان الأمر معقولا لكن ماري ؟ قـالت بـتوتر
ـ ما الذي تتحدث عنه ؟
رمقها بأسى ، إن كانت بهذا القلق فلما لا تزورهما ؟ فتحدث بنبرة هادئة خافتة
ـ ماري سوف تتزوج من نايت لبير ، إبن سكارليت
فتحت عينيها على أقصى اتساعهما و وقفت بصدمة ، ماري سوف تتزوج من ابن سكارليت ؟ بينما أخذ روي هاتفه الذي قد سقط على الأرض
ثم استدار راحلا قـائلا ببرود
ـ لقد فات الآوان بنسبة لك أيضا لإنقـاذها ، ابنتكما و إبنها قد اجتمعا في النهاية فما الذي أنت قادرة على فعله الآن ؟

~.~.~

كان موعد عودة فلور من عملها فهاهي ترتقي السلالم بتعب حاملة بين يديها كيسا من مـأكولات جاهزة التحضير و شيكولاته لأختها الصغرى فلابد
أنها قد عـادت ، أخرجت المفتاح من حقيبتها البنية و رفعت عينيها لتـجد ذلك الشاب الذي يقف على مقربة منها ، ذو شعر بني تتخلله خصلات رمادية
حاملا غيتارا ، أمالت فلور رأسها قليلا بإستغراب ثم قـالت بإستغراب
ـ أتبحث عن ويليام يا سيد ؟
نظر إليها أوسكار بعينين ساخرتين رامقا إياها من أسفل قدميها إلى أعلى رأسها فنبرتها و ملابسها لا توحي أبدا بـأنها قد تكون من رفيقات ويليام
العديدات فهل أصبح ذوقه في النساء منعدما أم ماذا ؟ أجابها بنبرة متعالية مغرورة
ـ و أيعقل أنك تعلمين أين يكون يـا .. آنسة ؟
زمت فلور شفتيها بإنزعاج لقد ظنت أنه سيكون مثل ويليام لبقا في التعامل و لطيفا لكن مما يبدوا فهو مغـرور و لو علمت بكبريائه لما تجرأت بالحديث معه
، لذلك رفعت حاجبها باستنكار و هي تضع كلتا يديها على خصرها بجرأة و تحدي ، قـالت بلهجة حادة
ـ أجل أنا جارته فلورا روبرت ، ماذا بك ترمقني باستصغار هكذا كـأنني لم أنل إعجابك لأنني لم أطلبه في الحقيقة
شحب وجه أوسكار من الصدمة و انفلت من لسانه ما بدى كشتيمة من الدرجة الأولى مما جعل فلور تدهش من ألفاظه فرفعت أكمامها بقليل من
الاستعداد و هي تقول بنبرة غاضبة
ـ ويليام مشغول خلال هذه الفترة و قد لا يكون قادرا على مقابلتك لذا أترك له ملاحظة على ورقة و إرمها من أسفل الباب يا أحمق
تلعثم للحظات غير قادر على إيجاد شيء يصف به هذه المـرأة ، إنها كالمدفع .. ترمي ما بجعبتها دون أي إهتمام للآخرين ، حين استعاد هدوءه تحدث
ـ لست أنا من يحدد مواعيد للقاء الناس بل العكس تماما ،على آية حـال أخبريه أن مدير قد رفـض فصل العقد و أيضا أغنيته ، أخبريه أيضا أنني أنا
شخصيا أوسكار قد أتيت للعمل معه على ألبومنا الجديد
شهقت فلور بصدمة و سارعت برمي كيسها أرضا لتمسك أوسكار من ياقته بـعنف ، صـاحت بغضب
ـ لما ؟ إنها أغنية جيدة و كلمات من أفضل ما يكون كما أنها تمس القلب قبل الأذن فلما لم يقبلها مدير ؟
نزع قميصه من بين يديها بحدة و إستدار مغادرا بينما بقيت هي واقفة بدهشة فيّ مكانها غير قادرة على تصديق أنهم رفضوا أغنية ويليام ، لما ؟
لما بالرغم من أنها كانت رائعة ؟ أليس هذا ظلما ؟ ماذا عن ويليام ؟ لقد كان سعيدا جدا بإنهائه إياها بعد شهور من التعب و العمل ، لقد كان سـعيدا

~.~.~

كان منظرهما يجذب الانتباه ، رجلين طويلا القامة أحدهم شديد الجاذبية و الآخر شديد الضخـامة حيث بدا على كلاهما الجدية و التصميم ، في تلك
الطـاولة المعزولة بذلك المـطعم الهـادئ ، تحدث فـرانسوا بنبرة رخيمة عملية للغاية
ـ أعذرني على طلب رؤيتك المفاجئ هـكذا سيد دويل ،
أومـأ ويليام بهدوء ،الجميع يعلم أنه هو صديق نايت الوحيد و عاداه فلا أحد يهتم بـه إذ أن نايت ليس بذلك الشخص المحبوب لا من قبل أفراد أسرته
أو زمـلائه في العمل فـقال هو أيضا بملامح جدية خـالية من أية تعبير
ـ أخبرني فرانسوا ، ماهو الـظرف الطارئ الذي استدعى رؤيتي فـقد بدأت تثير الرعب بي
تنهد فرانسوا بألم و أخرج من حقيبته صورا ثم نشرها بكل ترتيب على الطاولة حسب التوقيت الظاهر أسفل كل صورة ، وضع أصبعه على صورة
محددة ليرى ويليام سيارة سوداء مضللة مركونة في أسفل المبنى و التاريخ يشير إلى البارحة ، قطب حاجبيه بعدم استيعاب و قال
ـ ما الأمر ؟
أمسك فرانسوا صورة أخرى لنايت و ماري كلاهما يقفان أمام سيارته و تبدوا على ماري ملامح الإستياء بينما توجد آثار لتلك السيارة خلفهما ،
همس بهدوء مخيف
ـ لآن سيد نايت يرفض أن نتـدخل نحن الحرس في خصوصيته فـأنا قد وضعت جهاز تعقب بهاتفه دون علمه و ذلك لكثرة أعدائه
شهق ويليام بذعر ، لو أن نايت يعلم أن تحركاته مراقبة من قبل فرانسوا لسوف يقوم بعدمه دون تردد غير آبه بأسبابه حتى لو كـانت لصالحه ،
لكن هذا ليس مهما الآن فـأشار له أن يكمل حديثه بينما هو يربط الخيوط ببعضها البعض
ـ قبل يومين بحدود الساعة السابعة و النصف مساءا انقطعت الإشارة فحاولت الإتصال بسيدي لكنه لم يجب و بحثت عنه في كل مكان اعتاد الذهاب
إليه و لم أجده و قد كان آملي الوحيد أن يكون برفقتك لكن
شحب وجه ويليام و وضع يده على رأسه غير مصدق لما يحدث من حوله و قد اتضحت أخيرا الأحداث ، لقد كان مشـغولا جدا بـأغنيته الجديدة و لم
يـعطي نايت أي أهمية فقد أتى له ليتحدث معه لكنه طرده ، لكن أن يصل الأمر لمؤامرة تحاك لقتله ؟ أهذا معقول ؟ فـأكمل فرانسوا بتردد
ـ بـعد أن عجزت عن إيجاده قررت القيام ببحث صغير فالتقطت هذه الصور عبر القمر الصناعي و وجدت أن هـذه السيارة كانت تتبع سيدي بخفاء ،
لا أعلم فعلا كيف لم يلحظها بالرغم من أنه يدقق في أصغر الأمور
زّفر وّيليامّ بـّغيّض ثمّ قـّال بكّل غّضب
ـ سحقا ، أنه ذنبي فلم يكن علي أبدا أن أجبره على الخـروج مادام بتلك الحالة ، تبا و الآن كيف نجده ؟ لما تنفك أشياء كهذه تحدث له ؟
هل من المعقول أنه قد اختطف ؟
ظهر توتر على وجه فرانسوا و قد كان ذلك واضحا من خلال نظراته التي تتجول في الأرجاء دون أن تركز على شيء ، قـال بتردد
ـ أنا فعلا لا أظن أن أحدا سيجرؤ على اختطاف نايت فالعالم أجمعه يعلم أن نايت وحيد نفسه و لن يتهم أحد بحياته أو بموته لكن جميع
شكوكي تدور بإتجاه شركة جونسون أظنهم يحاولون الإنتقام أو رد دين لما فعله لهم سيدي
جمع ويليام تلك الصـور و وضعهما بملفها الخاص ثم قال بهدوء متمالكا أعصابه ،
ـ فـرانسوا نحن وحيدين فـي هـذا لذلك حـاول تغطية على نايت و إن سـألك أي أحد عنه قل أنه بـرفقتي و دعنا نبحث عنه و عن ماري
وقّف فـرانسوا ثمّ انحنى بّلبّاقة و غـّادّر بينمّا بقى ويّليامّ هنـاكّ تـّراوده أفكـّار سّوداءّ و موحّشة عنّ فقدّان صدّيقه الوحيدّ و خطّيبته

JAN 03-09-2020 11:12 PM



مصائب كثيرة و متاعب أليمة تـأتي مع أخيلة الليل و سرعان ما تضمحل بمجيء الصباح حين فصل الموت أعناقهم تـرأفا بشبابهما الموعود ،
مدت يدها إلى الأمام تـريد أن تقبض بـأصابعها المتوجعة يده الباردة و قد تصاعد الدم من شفتيه الأرجوانيتين فجمدت أجفانه و قد خيـل لها
أن ملاك الموت قد نـاله فـزحفت و الدموع تـراود مقلتيها و الخوف يسحق قلبها
وضعت أناملها المجروحة على وجهه الشفاف الشاحب بـأمل وحيـد و أوحد في نجاته ثم صـاحت بصوت يحاكي رنين أوتار الفضية ،
صد نزلت دمعة محرقـة استقطرتها شفقة من أجفانها على حالهم متذكرة أحداث البارحة
اقترب بسرعة منها و أحتضنها بين أضلعه ليجعل لها مـأوى ، كيف تمسك بها رافضا تركها بينما هما يسقطان من تلك السيارة إلى أسفل
المنـحدر ، كيف تدحرج على الأرض بين تلك الصخور الصـلبة لافظا آخر آنفاسه ، كيف سحبها من وسط ذلك الحطـام و الدم شق طريقه من فمه ،
كيف ابتسم بألم في النهاية
تحاملت على ألامها و جلست بجانبه ، بالرغم من أنه يكرهها إلا أنه فضل حياتها على حياته ، من خلف قميصه الممزق رأت صدره المائل للازرقاق
فـأطلقت صيحة موجوعة و قد فقدت آخر قطرة آمل في نجاته، بكت و هي تضـع رأسها على صدره بقلة حيلة محتضنة إياه ، لقد أحبته .. لقدّ كآن
آول شـآب نبضّ قلبها بجنون في حضوره ، تـراه عينيها من بين الجموع الغفيرة وحـده فقط ، لكن الآن و قد فاضت روحه ما الذي تبقى لها لتفعله ؟
حينها بمعجزة فتح عينيه الداكنتين كـآنتا تشبهان السماء عند أحلك لحـظاتها ظلما و قد شحب لونهما لكن بهما من نبض الحياة ما يكفي لبقائه
على هذه الأرض مقاتلا ، عم سكون لم يتجـرأ على خرقه سوى بكاء ماري المرير على صدره ، فجمـع ما يكفيه من قوه ليتحدث بنغمة صوت
رخيمة و لفظات متلاحقة
ـ مـاري أبعدي جسمك المترهل عنيّ
نظرت إليه غير مصدقة ثم رمت نفسها بقوة عليه لتحتضنه بين ذراعيها ، تغدقه بالامتنان و الشكر لنجاته و صوت بكاءه قد شع كرنين الصدى في
ذلك المكان الموحش فكح بـألم و بالرغم من محاولته العديدة لفك يديها عنه إلا أنه لم يستطع ، عندها استسلم و ترك يده تستقر بكل لطف على
ظهرها ، فقـال بهدوء
ـ ماري
أمسكت بوجهه الممتلئ بشتى الخدوش لتنظر إليه ثم عادت لتحضنه مجددا و بغصص موجعة تقطع ألفاظها ردتّ عليه
ـ لقد ظننتك ميتا ، يـا إلهي كم أشكرك
رمقها بنظراته الباردة فابتعدت عنه و رفعت يده لتضعها بحجرها رافضة تركه بـأية طريقة كانت ، كـأنها لا زالت غير مصدقة أنهما قد نجيا من
موت عنيف بينما تحامل هو الآخر على نفسه و اعتدل في جلسته ليتـأوه ممسكا بصدره ، قـال بنبرة حاقدة و قد ظهرت نظرة الكبرياء و الانتقام
لتعلو ملامحه الشاحبة
ـ ستدفع ثمن هـذا أضعـافا
صاحت بقلق
ـ ماذا ؟ نايت هذا ليس وقت التفكير في الانتقام فـأنت بالكاد تستطيع الجلوس و قدمك مصابة أيضا ، لن نحصل على المساعد بهذه الطريقة
بالرغم من أنه يرفض الإعتراف بهذا لكنه لن يخطوا إلا خطوتين و سيخر ساقطا على ركبتيه هذا بغير وجودهم في أسفل المنحدر و الوصول إلى
الطريق العام يتطلب وقتا كما أنه يشعر بحمى شديدة تجتاح كيـانه تحثه على ترك كل شيء ، نظر بعينين واهنتين إلى ماري قلقها لم يجعلها تلحظ
إصاباتها الخـطيرة و المتفـاوتة لكنها أفضل حـالا منه ، فـأجابها بهدوء
ـ اذهبي للحصـول على المساعدة و أنا سـأبقى هنا
أومـأت نفيا و فكرة التخلي عنه قد أرعبتها ، فرمقها بحدة و قد باتت أعصابه بالفوران كم يغضبه موقفه هـذا .. أن يكون عاجزا في لحـظة التي يحتاجه
الغير و أنّ لا يّستطيعّ حمايتهاّ ، تلكّ الوحيدّة التيّ رضّت بكل بلاهةّ أن تقفّ معه ،و كون أحد تجـرأ على العبث معه و محـاولة قتله لهذا يدفعه للجنون ،
همس نبرة آمرة غير قابلة لنقاش
ـ لا يمكنك قول لا
نظرت إليه بعينيها الواسعتين و الدامعتين مترجية إياه أن يتركها بجانبه على الأقل حتى تطمـئن عليه ، بينما دماء قد جفت على جبهتها في حين أن
قدمها ملتوية و فستانها قد أصبح كخرقة بالية اضمحلت به دمائها ، استسلمت مسرعة لكبريائه الشديد و تحدثت بدون وعي لما تقوله
ـ لكن نايت ، ألا يمكننا الذهاب معا ؟ هكذا سأطمئن عليك ، أنا لا أريد أن أجرب شعور فقدانك مجددا
رفع حاجبه ثم سحب يده من حضنها ببرود ، إن أضلعه تـألمه لكن يستطيع البقاء حيا لحين عودتها فكل ما أوقده من سباته هو صوتها المـزعج
الباكي ليكشر عن ملامحه ، و قد احتدت عينيه بشكل خطير ، فرد بنبرة رخيمة غامضة
ـ أحدهم حاول قتلنا و قد نجونا لذا تركي في أرض جافة لن يقتلني ، غادري من أمامي فقد سئمت فعلا من رؤية وجهك و أريد أن أرتاح
ثم عاد ليستلقي ببرود و قد وضع تلك الصخرة كوسادة له فرمشت ماري بعينيها مرارا و تكرارا قبل أن تقف بتصميم ، يجب عليها الذهاب فهذا ما
تستطيع فعله الآن ، قالت بقلق
ـ سوف أعود قريبا نايت لذلك لا تنم
أشار بإصبعه على اتجاه الذي من المفترض أن تذهب به ، ترددت قـليلا فجلست مجددا و وضعت يدها على شعره الحريري الأملس فاستدار
بقليل من الغضب ليندهش عندما وجدها تبتسم له بكل لطف بينما جسدها بـأكمله يرتجف خوفا
ـ أنا بكل تـأكيد سـأعود ، إنتظرني أرجوك
عادت تقف و سارعت بالركض ، قد نست ألامها فيجب عليها أن تسرع قبل أن تفقده حقا ، حين توقفت فجـأة و نظرت إلى الخلف حيث كان نايت
مستلقيا على الأرض بقلة حيلة يضع يده على صدره و يتنفس بكل صعوبة ، إنها فعلا تـرغب في البقاء بجانبه فهي لا تملك القوة إلا بحضوره ،
لكن الآن عليها أن تتشجع من أجلهما معا

~.ْْ~.~

في غرفة مليئة برجال عدة يبدون أنهم من الحرس الخاص يحملون خلف ستراتهم مسدسات كاتمة لصوت يترأسهم ذلك الرجل ضخم الجثة
و عينيه الخضراوتين تراقبان ساسة الحاسوب الكبير بكل عملية و تفكير ، إنه مستعد لفعل أي شيء لإسترجاع سيده حتى لو عنى ذلك إقتحام
شركة جونسون و قتل رئيسهم أمام أعين الملأ
أشـّار على بـّقعة مـّا فتّم تّقـّريبّ الصـّورة ، نـظّر إلى رقّم السيـّارة بـعدّهّا اتصل بّشبّكة مـّراقّبة السيـّاراتّ و الطـّرقّات ثمّ بـدأّ بـّمـّراقبةّ الـمكـّانّ
من جديدّ لـّعله يلمّح سّيارة نّايت من بينّ هـذّه الـزحمـّة و أينّ بالضبطّ كـّانت وجـهته بجـّانبهّ يجّلس ويّليامّ و عينيهّ قدّ أغدّقتا بالقّلقّ ، لّيس مجددّا
.. لنّ يسـّامحّ نفسه إنّ حدّث لهمّا مـكّروهّ ، شتمّ بـغّضب ثمّ زفّر فقـّال فّرانسوا بـّهدوء
ـ سيدّ ويّليامّ ، لمّ يتبقى على الـزّفافّ سوى أربـّعة أيّام ما الذّي يجّب عليناّ فعله ما إنّ لمّ يـظهر سيدّي ؟
لمّ يـّعلمّ تمامّا ما الذّي يستوجّب عليهّ فـّعله فـّكلا العـّروسين فيّ عدادّ المفقودينّ كما أنه يبدواّ أن الأمر قدّ خططّ له بـّعنايةّ لذاّ ماهيّ
الخـطوة الصحيحّة ؟
فـّعلا لا يـّعلم ما قدّ يفعلّّ فهذا ليسّ اختصاصه ، لكنهّ قـّال بـّهدوء
ـ نحنّ لنّ نقومّ بإلغائه إلاّ باللحـظة الأخيرة دّعنّا ننتظّرهماّ قّليلّا ، فّرانسواّ راّقبّ تحـّركّاتّ رئيسّ جونسونّ و أعّلم ما الذي كّان يفعله خّلال
ثـلاثة أيامّ المـّاضية إن كانّ قدّ سّافر تحتّ اسم مستعـّار إلى لندنّ ،
أومـّأ فـّرانسوّا بالإيجاب و أمـّر الآخرين بتنفيذّ تعليمـّات ويّليام ، فّي حيّن قدّ وقفّ هو و قـّال متـحدّثا بنبرة رخيمة
ـ سـأحـّاول أناّ أنّ أجهـّز لحّفلة الـزفافّ بهـذّه الأثناء
رمقـّه فرانسوا بـّبرودّ ، ثمّ أخرجّ مفـّكرة رّقمية منّ سّترتهّ و وضـّعها بين يدّي ويّليّام لّيقولّ بـهدوء و جديّة
ـ هـذّه هي الأغراض الناقصة ،
تنهـدّ وّيليامّ و خّرجّ مصّمما على جـعّل فلورا تهتمّ بهـذّه الأشيّاء معهّ فهو لا يمّلك أدنى فكّرة منّ أينّ يبدأ أو كيّف يبدأ لذّا الحّصول على مسـّاعدّتهّا
لأمّر مـطّلوب ، أيّضا فكّرة موّت نايتّ تثّقل كّاهله ، يّا ترى هل هو بّخير الآن ؟
عندّ خروجّه من تلكّ الـّغرفة فيّ تلكّ الشركة العّملاقة لعـّائلة لبيّر الشهيرة ، كـانّ يّسير بكّل ثّقة و جـاذّبيتهّ قدّ طـّغت فيّ كلّ مكـّان لتمّس قّلوّب
الموظّفاتّ بينمّا يبدوا بّاله مّشغـّولاّ ، و كّل أصّابّعّ تّشـّار إليه على أنهّ صدّيق رئيسهمّ الوحيـدّ وّيليـّام دوّيـّل ،
حّين رآه كـّايلّ عندّما كاّن يمّر كعادّته جّولة تفحصيه ، رمقّه بسخّرية و استندّ على الجـدّار الذّي خلفه مـّراقّبا إيّـاه ، لابدّ أنهّ قدّ عـلمّ و بحّلولّ هـذّا
الوقتّ أنّ نايتّ قدّ اختفى أو بالأحرى تّوفيّ و هو يحـّاول الآن إيجـادّ طّريقة لكّي يّعثر على جثتهّ ألقى عليهّ التحّية بكّل بّراءة فـأجّابه وّيليامّ
مستعـجّلا لكّنهّ لمّ يتركّه يذّهب بّل حـّاول فّتحّ حدّيثّا معـهّ و على شّفتيه ابتسامة لطّيفة
ـ ، هل أتى مـعكّ نايتّ ؟
قطّب وّيليامّ و نـّظر إليهّ متمعنّا بـينمّا نـظّرات الموظفينّ تلاحقهمّ و أذّانهمّ تتلهّف لسمـّاع حـّوارهمّ فلمّ يسبّق لـرئيسهم أن تـّرك عمله و غـّادر
غيّر آبه بأمور الشركة خصوصاّ و أنهم يواجهون انتقادات لاذعة بخصوص تركهم لشركة جونسون عندما كانت هي في أوج الحاجة إلى لبيرّ ،
نـظر ويليام إلى كايلّ ثمّ ابتسمّ بكلّ لطفّ مجيّبا إياهّ
ـ لاّ ، لقدّ أتيتّ فقطّ لـرؤية فـرانسوّا لدّي عـمّل أرّغّب فّي أنّ يقومّ به لأجّلي
أومـأّ كّايّل بخّبث ، أجّل لابدّ أنّهمّ يبحّثون عن قّريبه المسكينّ الآنّ .. فـتّركهّ يـرحّل ، ليكّمل وّيليامّ طـّريقهّ باتجاه مكـّان عمـّل فّلورا ، لكنّ لما قدّ
أخفى أمرّ اختفائه و قد مضى عليه ثلاثة أيامّ ؟

~.ْ~.~ْ



JAN 03-09-2020 11:13 PM



شـآبتـّر الـثآمنّ عـّشر ـ
آلا يـّنتهـيّ بـّحـرّ دّمــوعهـّا يـّومـّا ؟

خـطوة تليها خـطوات سريـعة قـبل أن يصدر صوت سقوط عميق، استندت على تلك الشجرة القريبة منها و هي تلهث باحثة
عن قليل من الطـاقة ثم وقفت تعلوها نظرة تصميم و عزم لتعود إلى الركض مجددا ..
كانت ضعيفة و بلهاء لكن جرى هذا قبل أن تستيقظ حياتها من سبات الحداثة العميق و قبل أن ترتفع جناحيها إلى السمـاء و قبل أن
توقظ في قلبها شعلة المحبة و الحب ، لديها الآن سبب أقوى في المضي .. في الـركض لآنقاذ الشخص الذي اختاره قلبها شريكا له
أيام دنّياها المتبقية و سوف لن تستسلم لليـأس
أنيرت عينيها بضوء الأمل عندما وصلت آخيرا إلى الطريق العام فرفعت يديها شاكرة الله ، حينما ارتجفت قدميها فجـأة و سقطت على
ركبتيها أرضا بكل إمتنان ، إنها نهاية مـأساتهم و سوف تجد المساعدة ليهبوا بإنقاذهما فانتـظرت
مقاومة جفاف رمقها ، ألآلام جسدها و رغبتها في النوم لسبيل الخلاص ، انتظرت و قلبها يدق عنفا بينما أمالها تختفي تدريجيا من
شدة خوفا عليه و قد قـارب الظلام على الرحيل و الشمس على الـشروق
حين رأت سيارة قادمة من بعيد فتحاملت على نفسها بعزم و ركضت لتقف مجددا وسط الـطريق مغلقة عينيها الواسعتين، انحرفت
السيارة من طريقها بقوة فلم تفصل عنها سوى أنشا أو اثنين ،
خـرجت إمرأة بجزع متـأملة حال ماري و قد ظنت أنها قد أصابتها يرافقها رجل في منتصف الثلاثينات ، دماء تلطخ ثوبها و شعرها
الأشعث كمـا لو كـأنها شبح ما ، بينما تقدمت ماري منها و قـالت بغصة متوجعة تقطع أنفاسها
ـ أرجوك سـاعديني يـا آنسة ، خطيبي بين الحيـاة و الموت أرجوك أنا أتوسل إليك
تنهدت المـرأة براحة و قد اختفت فكرة كونها مجنونة أو شبحـا من رأسها قـليلا ثم أمسكت بذراع ماري لتجعلها تستند عليها كي
تستقيم في وقوفها ، تحدثت بنبرة قلقة و هي ترمق زوجها بنظرات محذرة
ـ ما الأمر ؟
نـظّرتّ إليها مـّاريّ بـأملّ لتنـّزل دّمعة استقصرتها الرحمـّة و الألمّ منّ أجّفانهاّ السّوداءّ ، لتتحدّث بـّنبرة مـّبحوحّة خـّافتة
ـ لقد تعرضنا لحادث و سقطت السيارة من أعلى المنحدر فأصيب خطيبي و لا يستطيع الـحركة أرجـوك سـاعدينا، سـأكون ممتنـة لك للأبد
أومـأت المرأة بالإيجاب و عـادت تنظر إلى زوجها ، ركنا السيارة جانبا و أسرعا خلف ماري التي كانت تركض بخفة كما لو كـأن
قدميها لم تلامسا الأرض قط و بكل رشـاقة قد آثارت الرعب في أنفسهما ، فكيف لشخص بكاحل ملتوي و جروح لا زالت تنزف أن
يركض هكذا كما لو كـأن هناك قوة خفية تحركه و تحثه على الاستمرار ؟ استغرق الأمر وقتا حينها بدأت الريبة تنتقل شيئا فشيـئا إلى
قلبي المـرأة و الرجل ظنا أنها مجنونة أو ربما قـاتلة لكن أنينها المتـألم المنـاجي باسم حبيبها كـان بمثـابة الأمل الوحيد لهما بـأنها
ربما ذات عقل سليم
حين وصلا إلى حيث تلك البقعة الخالية ، كانت هناك آثار لحطام سيارة في نهاية المنحدر فكيف استطاع هـذين الآثنين أن ينجوا من
السقوط في الهاوية ؟ .. اتجهت ماري مسرعة إلى ذلك الشاب المستلقي على الأرض و يبدوا كما لو كـأن روحه في آي ثانية ستفـارق
جسده ، أمسكته من معصمه و احتضنته بخفة لتسمع دقات قلبه المتبـاطئة
شفتيه المـائلتين لزرقة و شحوب وجـهه الفـظيع بينما عـينيه مصـوبتان نـاحيتها ببرود قد اختفى منهما شعلة الحياة ، يهمس متـألما
بكلمـات عدة حيث تضاءلت مقاومته لتعادل الصفر تقريبا ، همست بنبرة خافتة بـأنين متـألم
ـ نايت لقد أحضرت المسـاعدة ، أرجوك لا تتركني حسنا ؟ لقد وعدتني
تقدم الرجل واضعـا نايت بكل بطء و حذر على ظهره بمسـاعدة كلا من زوجته و ماري كي لا يصيب جروحه بإلتهاب أو يزيدهم سـوءا
في حين أمسكت ماري بيده البـاردة بكل لطف و خوف في آن واحد ، إنها خـائفة من أن تفقده بـعد أن وجدته .. السبب الذي يدفعها بالاستمرار
في العيش ، بينما بدأت تلك المـرأة بمواساتها و هي لا تعلم فعلا ما الذي قد تقوله لتخفف من وطئه الفـاجعة التي حدثت لهما ،
عـادت تهمس مجددا بـرجاء أخير
ـ نـايت أصـغ إلي ، أنت كل مـا أهتم له .. و أنـا أحبك فلا تمت رجـاءا
فتح نايت عينيه الزرقاوتين و قد بهت لونهما المميز بكل تعب ، رفع جفونه ليحدق بها لفترة لست بطويلة ، فلمح دموعها التي غـزّت كل
وجههاّ و صوتهاّ المنتحب بكلمات لم يّفهمها حينها فـأغلق عينيه بتعب مفكراّ ، ألا ينتهي بحرّ دموعها يوماّ ؟

/

كانت تجلس خلف مكتبها و تضع نظارتين لترى الأوراق بوضوح ، بينما تحك شعرها بيأس من هـذه الكمية المتراكمة فطوال فترة جلوسها لم
تنهي سوى بضعة أوراق تعد على اليد كل هـذا بسبب ويليام إنه السبب فهو يعرقل سير أفكارها في المنحى الصحيح و لما تفكر بّه بكثرة ؟
هزت رأسها بغيض و عادت تحـاول أن تكتب شيئا كي لا تتأخر أكثر في عملها لكن هاهو ويليام يتسلل مجددا إليها
هل عـلم بـأن أغنيته قد ألغيت ؟ و أنه مجبر على كتابة أغنية ثنائية مع ذلك المدعو بأوسكار ؟ لما ؟ لقد كانت واثقة أن الكلمات جميلة جدا و
ستنال بكل جدارة المرتبة الآولى و ستكون في الصدارة إذن لما رفض مدير أعماله هذه الأغنية ؟ فجـأة رن هاتفها بإسمه فلم ترغب أن تتحدث
معه و أرادت فعلا أن تغلق السماعة بوجهه لكن توقفت قليلا مفكرة ، ربما علم بالأمر إذن لابأس بالرد عليه هذه المرة فقط ، فحملته بتكبر
واضح و ردت
ـ مرحبا
ابتسم ويليام شاكرا الله عندما قد رفعت السماعة أخيرا و هو قد خال نفسه أنه سيضطر للبحث عنها أو سحبها من مكتبها ، لذا قال بمرح
ـ أهلا فلورا ، أريد لقائك إن أمكن
قطبت حاجبيها مستغربة ، نبرة مرحة ماذا ؟ ألم يعلم بعد ؟ ظنت أنه بحاجة لمن يواسيه لكنه يبدوا بحال جيدة فكادت أن تقفل السماعة لكنه
أكمل كلامه بجدية كما لو كـأنه قد قرأ أفكارها
ـ لدينا بعض الأعمال لننهيها فلور ، حفلة الزفاف
تنهدت و رفعت ساعتها تنظر إليها ، لا ضرر في لقائه فهي ليس لديها أي شيء لتفعله بـعد الآن ، سابقا كانت تحضر العشـاء لوالدها و قبل
ثلاثة أيام كانت تسرع بالمغادرة لتعوض ما فاتها هي و أختها أما الآن فظل غياب ماري ، لم يبقى لديها لفعله سوى العمل و النوم
فتحدثت بنبرة كسولة خاملة
ـ حسنا لا بـأس ، تعال لاصطحابي عند الساعة الرابـعةّ مساءا
و مـاّ إنّ أنهت جملّتها حّتى فتحّت صدّيقتها بّاب مكتبها و بّرفقتها ويّليامّ قدّ كانتّ واضحة علّيها ملامحّ الإعجاب ، شهقتّ و ابتعدّت بكّرسيّها ،
كّيف له أنّ يـّعلم أينّ تـّعمل ؟ أهو دّجـّال أم مـاذّا ؟ بينما ابتسمّ وّيليامّ بسّذاجة و اقتربّ منهـّا ، قّبلها على خدهاّ بعفوية ثمّ قـّال بكلّ تّعب
ـ يّا إلهي زحمة السيّر تستغّرقّ وقتـّا أطّول منّ سيّر مشـّيا على الأقدّام ، دّعيني أرتاحّ قليّلا ثمّ لنذّهب ،
رّمقتها صدّيقتها بـخبّث فـأشّارت لها فلوّر بأنّ تبتعدّ فوراّ قّبل أن تقذّف كومّة هـذّه المّلفات فّي وجهها ، فتحدّثت بلهجة حاولت أن تجمعّ فيها
أعّصابها بينما كست حمرة طفيفة وجنتيها
ـ كيّف تتجـرأ على المجيء إلىّ مكان عمليّ أولا ثمّ تقّبيلي ثّانيّا و الاتصّال بّي ثاّلثّا ؟ إنّ كنت لمّ تلحظ فنحن لّسنا أصدقاءا
زم شفتيه باستياء من نبرتها الحادة العالية و همس لها بكل مرح على شفتيه ابتسامة جذابة كادت لتأسر نسـاء
ـ ماذاّ لقدّ ظننت أنناّ أصدقاء فعلا،
تجاهلته ، فابتسم بسخرية و أخرج من جيبه صورة لماري و نايت كي يضعها أمام نظريها ، رفعت حاجبها مستغربة فقـال بنبرة باردة
بـعد أن رأى أنه لا يوجد حل آخر
ـ لقد تم اغتيال كلا من ماري و نايت قبل ثلاثة أيام و حتى الآن لم نجد لهما آثرا لذا أنت سوف تقفين الآن و ستساعدينني على التحضير
لهذا الزفاف اللعين قبل أن أفقد عقليّ كليا
شهقت برعب و وقفت بسرعة فلم تدري إذ كيف خطت تلك المسافة بينهما لتجد نفسها أمامه أمسكته من معصمه محاولة أن تتأكد مما قد
سمعته أذنيها توا ، قبل أن تسـأله أي شيء أجـابها بنبرة حزينة متـألمة
ـ نحن لا نعلم شيئا ، لا مكانهما و لا أين ذهبا و لا حتى من قتلهما أو حاول قتلهما ، نحن بكل بساطة لا نعلم ما إن كانا لا يزالان على قيد الحياة
و أين كان من فعل ذلك فخطته هي عرقلة سير الزفاف لذلك نحن لن نسمح بهذا بكل تـأكيد
صمتت و قد شحب وجهها من شدة الصدمة فاستندت على المكتب خلفها و وضعت يديها على وجهها محاولة إخفاء تلك الدموع الضعيفة التي
قد أفلتت من مقلتيها ، كان يجب عليها أن تكون أكثر حذرا .. كان يجب عليها الإعتناء بها أكثر بينما وضع ويليام ذراعه حول كتفيها و جذبها
نحوه بألم ، همس بكره
ـ دعينا نهتم بهذه الحفلة اللعينة أولا ، التي المضيفين الرئيسين فيها مفقودينّ

/

بعد مرور يوم آخر ، و قد بدأ العد التنازلي للزفاف الموعود بقصة حب أسطورية كأنها تعود للعصور الوسطى ، قصة أحب فيها شـاب غني
فتاة فقيرة كرواية المشهورة سندريلا و الأمير و توجا حبهما بزفاف لكن هذه المقتطفات لم تكن حقيقية على الإطلاق
أجل فكلا من الأمير و سندريلا قد توفيا الآن و ثورته مع مقعده قد احتلت هي ، هي فقط ابتسمت بخبث ياله من أمر جميل أن تكون مغدقا بالثروات
في كل ناحية ، أن تسير على فضة و تشرب من ذهب و تـأكل الألماس فقط ، شعور جميل لن يختبره أحد سواها
ضحكت بسعادة غـامرة
لقد نالت منه قبل أن ينال منها ، نقطة لصالح إليزابيث .. لا بل جميع النقـاط لها و المنافس الوحيد المتبقي هو ذلك العـجوز، كل ما عليها فعله
هو إيجاد خطة مثالية لقتله بعد أن تهدى الأوضاع قليلا ربما بـعد عام من الآن سيكون ميتا و ستنعم هي بكل الثروة ، بكل مال لبير
لكن ألن يبقى شخص واحد ؟ آه آجل زوجها ؟ كايل ؟ لا بـأس ببقائه إلى جانبها .. سوف يغدقها بكل من المال و الحبّ ، إنه زوج صالح فعلا و
كذلك هي ، هي أيضا زوجة صـّالحة تريدّ سعادته .. همست بخبث بينما صوت ضحكاتها يعلو بكل فخر و تكبر
ـ و سـعادته تكمن في كوني راضية
لقد حققت مرادها في فترة بسيطة من الزمن ، كان يكفي أن تملك إسم لبير إلى جانبها و ها قد فعلت ما فعلت ، مسكينة هي ماري فهي لم ترى
نور هذه العائلة أبدا و لن تشعر بهذه الفرحة و لا هـذه القوة مطلقا ، تحدثت بنبرة ساخرة رقيقة مدعية الشفقة
ـ مسكينة هي آجل لكن لم يكن عليها أخذ شيء من أملاكي تلك الحقيرة

/

لم تعلم كم ليلة مرت و هي بهذه الحالة السقيمّة أو كم من دقيقة مضت منتظرة خروج ذلك الطبيب من غرفة العمليات ليبشرها بنجاته ،
بعد أن عالجت الممرضة جميع جروحها كانت تجلس على الأرض مقرفصة و قد غالبها النوم في الممر حين خرج ذلك الطبيب و على شفتيه
ابتسامة نجاح و فخر ، فخر لأنه أنقذ روح شخص ما .. هزها بلطف من كتفها ففتحت مقلتي عينيها برعب ليتحدث بنبرة فـّرحة سعيدة لهذا الإنجاز
ـ تهانينا سيدتي ، زوجك بخير لكنه يحتاج إلى الراحة
دمعة نزلت بكل هدوء شاقة طريقها عبر خدها المتورم ثم أومـأت بسعادة و تبعته إلى حيث يقودها ، و بعد أن تم نقله إلى غرفة آخرى
كآنت تجلس بجانبه على السرير تنظر إلى شحوب وجهه تارة و إلى صدرّه المليء بالشّاش المعقم و الملّفوف بعناية ، أمسكت يدّه الموصولة
بّالمصل و وضعتها في حجرها كمّ هي شاكرةّ الآن لنجاته و أن تسمع نبضّاته لهو أعظمّ شيء تمنته بهذا العـالم ، وجودّه فقط إلى جانبها يكّفيها
فقـالت بنبرة رقيقة هامسة تحاكي نغمة الناي
ـ لا أعلم ما الذي كنت قدّ أفعله إن لمّ تدخل حياتي ، وجودكّ هو أفضل شيء حدث لي
تنهدت براحة غير مصدقة نجاتهما سّالمين من هـذه الحـادثة ، ثم احتضنته بخفة خائفة من أن توجعهّ بلمساتها الحـّانية ، عليهاّ أن تستغل جميع
هذه اللحظات فبمجرد أن يستيقظ سوف يبعدها كعادته فرفعت أصابعها و أزالت بضعة خصلات من على عينيه ، ثم حركت شعره الأسود الحريري
بهدوء .. لن تتركه أبدا من الآن فصاعدا لن تتركه و هذا وعد إلى نفسها
نظرت إلى مذكرة معـلقة في الجـدارّ ، إنه الخامس و العشرين من شهر أكتوبر أهذا يعني أنه لم يبقى سوى ثلاثة أيام لزفافهما ؟ ضحكت بمرح
، زوجين مليئين بالخدوش تمكنا من حضور حفل زفافهما بعد محاولة قتلهما ، أجل إنه عنوان مضحك
فتح عينيه الزرقاوتين الداكنتين بتعب ليجد وجه ماري ممتلئا بدموع كعادتها لكن ليسّ حزنا أو ألما و إنماّ فرحا لنجاتهما ، تسللت رائـحة أدوات
المـعقمة إلى أنفه فـأدرك من خلالها أنهما في المستشفى إذن يبدوا أنها قد وجدت المساعدة الملائمة ، و كانت تجلس بالقرب منه تمسك بيده
رافضة تركها و تنـظر إلى توقيت الأسبوعي بكل شرود فبقي صامتا عندما عادت لتراقبه
وجدت أنه قد استيقظ فشهقت بعدم استيعاب لأنه لم يمضي الكثير من الوقت على خروجه من غرفة العمليات ، ابتسمت بكل لطف إنه مكافح
حتى النخـاع فكشر نايت بوجهها قـائلا و البرود يغلف كلماته
ـ لا تضعي مثل هـذا التعبير السخيف على وجهك ، إنه يجعلك تبدين بلهاءا
رفعت حاجبها باستياء ، أهذه هي طريقته في إظهار قلقه عليها ؟ لآنها لا تبدوا نافعة على الإطلاق ، ردت بنبرة متهكمة
ـ شكرا عزيزي لسؤالك أنا بخير و سعيدة لأنك بخير أيضا
تنهد و رفع ظهره ببطء قبل أن تلامس قدميه السيراميك شديد البرودة ، بينما ماري تراقبه بكل ترقب ، ثم وقفت أمامه قـائلة بشكّ
ـ ما الذي تحاول فعله ؟
نـظر إليها بجدية و قد ظهر بريق الإنتقام في عينيه فإرتجفت قليلا حيث آثار الرعب بقلبها ، أيعقل أنه سيحاول الإنتقام الآن ؟ لكنه بالكاد
يستطيع السير ؟ هل ستضطر مجددا لرؤيته و هو يعاني ؟ أن يواجه الموت مرة آخرى ؟ بينما همس هو بنبرة حادة قوية
ـ و ما الذي تخالينني أفعله ؟ سوف نعود
شحب وجهها بشدة ، و لم تعد قدميها قادرتان على حملها .. لما لا يفهم قلقها عليه ؟ بدأت دموعها بالنزول مجددا ، و بغصص متوجـعّة
بـنظرات متـألمة و بنبرة حزينة صـاحت به
ـ أنت لن تفعلّ هذا بي ، ألا تدرك ما انعكاس تصرفاتك المتـهورة عليك ؟ حسنا مادمت تحاول التصرف بعناد فكذلك سوف أفعل أنا لذا أنت
لن تغادر أبدا سوف تبقى هنا حتى أنا أسمح لك بالرحيل ، أيها الغبي ألا تدرك أنك قد كسرت ضلعين أحدهما قريب جدا من قلبك ؟ و نجاتك
معـجزة فلا تصعب الأمور و ابقى مستلقيا
ضيق عينيه بعدم رضى و احتذت نظراته بشكل خطير جعلها تبتعد لا إراديا عنه ،تغـيرت ملامحـه الجدية إلى الغضب فرد عليها بلهجة شديدة
التحـذير و التهديد
ـ أتظنين و بإنقاذي لحياتك سوف تتغير الأمور ؟ أنت مخـطئة يا هـذه بل سوف أبقى دوما الرجـل الذي اشتراك و أنت دومـا المرأة التي وضـعت
قيمة نقدية لنفسها فلا تحاولي أمري
صدمت من كلماته و تلعثمت غير قادرة على إيجاد شيء تقوله ، لقد ظنت أنهما أصبحا على وفاق الآن ، بينما كاد هو الآخر يسقط لولا أنه
وقف متحاملا على نفسه مستندا على طرف السرير ثم كشر بغيض شديد ، لامحا نـظراتها المصدومة و شحوب وجهها الفظيع، كما لو كـأن
الموت قد إختطفها في تلك اللحـظة فـابتسم بإستهزاء متحدثا
ـ أنت تتسـاءلين عن سبب إنقاذي لك أليس كذلك ؟ حسنا سـأخبرك إذن ، ليسّ لأنني طيب القلب و لا لأنني أشفقت عليك بل لأنني بكل بساطة
سئمت من الحياة ، سئمت من العيش فأفضل طريقة للمـوت كانت هي بدفع نفسي اتجاهك
خـطت بضعة أمتـار لتصل إلى باب الغـرفة و تـقف أمامه بتصميم ، ثم أمسكت مقبض بكل قوة امتلكتها في تلك اللحـظة و علت ملامحها
صفات الهدوء بابتسامة صغيرة لطيفة تخللت شفتيها الورديتين ، بينما زادت حدة غضبه هو ليصرخ بـنبرة عالية مبحوحة
ـ أنت تمـاثلين فتيات الهوى فكلاكن تضعنّ قيما لأنفسكن و تنفذن أوامر أسيادكنّ بلا نقـاش لكن الفرق هو أنهن يعتـرفن بأصلهن لكن أنت لا
، تـظنين أنك شريفة .. أتعلمين ؟ أنا أكره هؤلاء الناسّ الذين يدعون الطيبة و الشـرف أكثر من أي شيء آخر
وضعت يديها على أذنيها مغلقة عينيها الواسعتين بشدة ، لتنحدر دمعة يتيمة على خدها و هي تهز رأسها نفيها ، لماذا يفعل هـذا ؟ لماذا
يتصرف هـكذا ؟ لما يقول هذه الكلمات الجارحة كمـا لو كـأن لسانه قد اعتاد على نطقها ؟ أفعلا لا تعني له أكثر مما وصفها به ؟ فتاة هوى ؟
فتحت عينيها مجددا بثّقل و نـظرت إليه ، حينها لمحت شيئا مختلفا بملامحـه الوسيمة .. فبين تقـاسيم وجهه الحـادة و بين شفتيه المـطبقتين بتعب
، خلف عينيه الداكنتين كان هناك أسى و قهر ، فابتسمت بلطف
نايت شـاب لطيف لكنه يـرفض الإعتراف بذلك ، لذا لا بـأس إنه لا يعني ما قـاله تواّ .. هذه هي طريقته في إظهار قلقه فلما هي تشـعر بهذا
الظلام يلتف حول قلبها و يعتصره بكل قوة ؟ حين ارتخت عضلاتها و سقطت أرضـا بلا حـراكّ، لا بـأس إنه لا يعني ما قـاله توا ، هو فقط مستاء
لأن شخصا ما حاول قتله ..
سوف تـأخذ غفوة بسيطة و عندما تستيقظ ستجد نفسها مجددا في ذلك المكان ، حيث العشّب النديّ و الرياح العـاتية ، الأزهار العبقة
و رائحـة المياه المنـعشة .. و ابتسـامة نايت اللطيفة الهـادئة نحوها

/

كان فرانسوا يقف أمام ذلك المنحدر مراقبا أشلاء تلك السيارة في كل مكان ، آثار العجلات و الدماء لكن لا توجد جثة ،
أهذا يعني أن سيده لا يزال حيا ؟
نزل إلى الأسفل برفقة رجاله و تبع خطوات ماري المتعثرة و الغير مدركة لما حولها ، إلى غاية وصوله إلى الطريق العام ،
آثار عجلات سيارة آخرى و انحرافها ظاهر للعيان ، طريقة إيقاف السائق لسيارته تنم عن تفاجئه بوجود شيء ما عرقل حركته ،
ابتسم براحة شديدة و أشار لرجاله بجلب سياراتهم رباعية الدفعّ ، سوف يغـادرون إلى أقرب مستشفى بهذه المـدينة
كـّان فّرانسـّوا يـقّف أمامّ ذلك المنحـدّر مرّاقبّا أشّلاء تلك السيـّارة فيّ كلّ مكّان ، أثّار العـجّلات و الدمـّاء لكنّ لا توجدّ جثـّة ،
أهـذّا يعني أنّ سيده لا يزّال حّيـّا ؟

/

لقد أخذا قياسّ خصرّ ماري و اختارا فستان زفاف مناسبا سوف يتم جلبه خصيصا من إيطاليا لأجلها فكرت فلور قليلا ، سوف يبدوا رائعاّ
على أختها .. هذا إن استطاعت ارتداءه و إن كانت حية ، نـظما كيفية جلوس المدعوين و تكفلا بتوزيع الدعوات ، و بالرغم من أن أمل فلورا
ضعيف و هي لا تعلم لما تقوم بهذا لكن لديها إيمان ، أمل أنهما سوف يجدانهما قريبا ، يقال أن الغبي لا يموت بسهولة ؟ و ماري غبية نوعا ما ،
صحيح أنه مثل سخيف لكن هذا ما خطر في بالها الآن .. تنهدت بأسى
عندما أتى ويليام مسرعا من الغرفة المجاورة ، ابتسم حالما رآها و قال بسعادة عـاّرمة لنجاة صديقه الوحيد
ـ فلورا لقد وجدهم فرانسوا ، إنهما في المستشفى و كلاهما على قيد الحياة
وقّفتّ و هيّ عاجزة عنّ التعّبير فّحملت معطّفها و كـّادت أنّ ترحّل لوّلا أنّ ويّليام قدّ أمسكها منّ ذّراعها ، أومأ بالنفّي ثمّ ابتسم بّشقاوة
ـ يجّب علينا التحضير لحّفل الزفّاف فـلورا ، دعي فرانسوا يهتمّ بهـذّا فهو عمله في النهاية
عادّت تجّلس على مقـعدّها، ما دامّت أختها بخّير فهي ليّست بحاجةّ لأي شيء آخر ، يكّفيها فقّدان والدّها ، من الآنّ لنّ تقوم بــتأنيبها أو
نهرها عنّ ما تـّفعله سوف ساندّها و تنصحّها ، يكّفيها وجودها على هذه الأرضّ حية تـّرزق


JAN 03-09-2020 11:14 PM



شـآبتـّر التـآسـّع عشـّر
حـــــــّب حـّلو مـّر المـذّاق

حاولت عبثّا حاولت و رغما عني اجتهدت لكي أعلم لما قد ثبّت حبه في قلبّي كسيران الدمّاء فيّ عروقي ، و لما صـّارت كل نبضة تهمس بإسمه خفية
، و لما قد نبتت بذور العـواطف فيّ صدري ، لما أحببت شخصّا قاسيّا مثله ؟ مهما اقتربت أبعدني عنه مـائة خطوة للخلفّ كـأنه ابتلاء .. مصيبة حلوةّ
مرة المـذاقّ و هل يوجد طعم بمثل هـذه الصفات ؟
فتحت عينيها الـواسعتين بجهد ، رائحة الدواء المعقم و ذراعها مـزينةّ بأنبوب يّصل إلى دمهاّ كي يزودّها بالتغذية الملائمة ، مـرتدية فـستاناّ أزرق
اللون خفيف على جسدهاّ النحيل .. جلست بتعب و نـظرت حولهاّ بالرغم من أن المكان يشبه المستشفى لكنّه ليس كذلك على الإطلاق ، إذن أين هي ؟
نـزعتّ المصل بقوة و وقفت فأصابها الدوران لتعود كي تجلس على السرير بقلة حيـلة ، حين فتح باب الغـرفة و دخلت فلور بابتسامتها السعيدة ،
سـآرعت لاحتضانها بينما ماري ساكنة بلا حراك ، كلام فـلور يبدوا مبهما و الصورة مشوشة فلا ترى شيئا سوى الجدران المتمايلة همست بنبرة خـافته
قلقة متعـبة و بكلمات متلاحقة
ـ هل .. نايت ؟ بـ .. بـخير ؟
حالما انتهت من جملتها أنضم إليهما كلا من ويليام و نايت ، فـنـظرت إلى حضنها بهدوء يبدوا أن كل شيء بخير الآن ، فعـادت تغلق عينيها مجددا
ليغمى عليها .. أمسكتها فلور و وعدلت من وضعية الوسادة ثم غطتها جيدا ، بينما لم يصدقّ نايت أنها قد انهارت فقد بدتّ قوية جدا خلال بحثها عن
النـجدة أو عبر منعه من مغـادرة المستشفى ، تـقدم منها بخطوات متـرددة ثم أمسك بيده المضمدة البـاردة يدهاّ الدافئة ، شدّ عليها بقوة عندما تحدثت
فلور بقلق
ـ ما الذي حدث بالضبط نايت ؟ أنا لا أفهم شيئا ..
راحت أحداث الحـادث تعاد في ذاكرته مرارا و تكـرارا قبل أن يبتسم بكل استهزاء و سخرية ، لقد حـاولوا قتله هـذا ما جرى ، إنه لفي غاية الشـوق
لمعرفة هوية القاتل الذي تجـرأ على وضع شبـاكه عليه هو ، جلس في الكرسيّ الذي بجانب ماري و قال بشرود بينما عينيه الداكنتين مصوبتان نحوها
ـ ويليام ، نادّ فرانسوا فورا
أومـأ بالإيجاب و سـارع لمنـاداته ، خلال لحـظات كان يقف أمامه بكل إحترام .. ابتسم نايت ببرود و قد احتدت عينيه بشكل مخيف أكثر من المعـتاد ،
همس بنبرة مبحوحة ماكرة
ـ قلّ ما بجّعبتك فرانسوا
ـ سيدّي ، لقدّ علمنا من مصادر موثوقة أن رئيس شركة جونسون لم يغادر فرنسا قط كما أن السيارة التي قامت بالاصطدام بك تم شراءها من سـوق
العام قبل أسبوع من الحـادثة و السائق لم يعثر عليه بعدّ ، لذا سيدي لقد أبعدنا احتمالية رئيس جونسون و لم يبقى أمامنا سوى ..
ثم صمت على مضض ، وقفت فلورا بإنزعاج و غادرت الغرفة عندما علمت أنها المعنية الوحيدة التي لا يجب عليها سماع بقية الحـديث ، عند خروجها
أكمل فـرانسوا كلامه ببرود
ـ سيدي ، بقي أمامنا احتمالات عدة تستهدفك بشـأن اقتراب زفافك منهم راسكلانكوف و شركات التي تبعت جونسون و سقطت معها ، إنهم حوالي تسعة
أو عشرة شركات ليست بذلك الثـراء لكن لها مبلغا محترما و أسهما أيضا .. سيد كايل آل لبير
زفّر ويّليام بـّغيض ، و هل يمتلك ناّيت أصدقاءا ؟ بينمـّا ابتسمّ هو بّسخرية و نظـّر إلى مـّاري ، قــّال بـبرودّ
ـ كون السيارة قد اشترت قبل أسبوع من الحادثة يجعلني غير معني ، فأنا كنت في فرنسا و موعد عودتي كان مجهولا كما أن شركات لن تخاطر بخسارة
سمعتها إلى جانب أموالها لذا استبعدهم جميـعا ، الشخص الوحيد الذي كان يخطط لقتله في ذلك اليوم هو ماري ، لذا أريد منك أن تتحقق من تحركات
السيارة قبل الحادثة فلابد أنه كان يراقبها منذ مدة ، صمت للحـظات و همس بنبرة حـاقدة مبحـوحة كاتمـاّ غضبه الجامح
ـ أيضـّا .. فـرانسوا حـاول جلب ذلك السـافل لي في أسرع وقت ممكن
أومـأ فرانسوا بالإيجاب و غـادر مسرعا في حين ابتسم ويليام بهدوء ، أجل هذا هو نايت الانتقام يسري كالدم في عروقه و لن يرتاح له جفن إلا
بجلب ذلك الرجل حيا يرزق له ، تنهد و قد تذكر شيئا مهما قد أغفله طوال هـذه المدة .. لم يبقى الكثير لموعد الزفاف ، كم هذا مرهق ، حالما رأت
فلور فرانسوا مغادرا كـادت أن تـهم بالدخول للاطمئنان على أختها لولا سماعها لصـوت ويليام المتحدث
ـ ماهو رأيك نايت ؟ أخبرني بصراحة فـأنا أظن أنك تعلم تماما من خلف هـذه الحـادثة
صّمت نايتّ و لمّ يّقل شيئّا ، لّيس قّبل أن تتأكد شكوكه فـعادّ بعّينيه يجّول حولّ مـّاريّ و تنهدّ بـهدوء ، يبدوا أنهّ اكتسّب نقطـّة ضـّعف أكثر مما هي
نقطة قوة .. شدّ على قّبضته بكلّ قوة ، عندما لمحـه ويليامّ ليهمس له قـائلا بلطف
ـ نايت ، لم يكن خطـأك ..
التفت إليه نايت بعينين باهتتين و ملامح خالية من أي تعبير قد تّساقطت خصّلات من شعره الأسود على جبهته مـانعة ويليام من معرفة أفكاره لكنه
آكمل حديثه بنبرة أشد ليونة
ـ نايت ، لم يكن بوسعك فعل أي شيء لذا أنا واثق أن ماري لن تلومك ،
رمقه ويليام بأسى ، كم يكره نـظراته الخـالية من معاني الحياة كـأنه لا يملك حقا في العيش تمعن النظر ناحيته ليرى إمساكه المحكمّ ليد ماري ،
تنهد بغيض و همس بصوت خافت
ـ أبله

/

بـعدّ مرورّ يّوم آخر كـّان قدّ آتى موعدّ الـزفّاف فـأصّبح الخدمّ فّي ضجة عـّارمةّ يحّاولونّ تصليّح كلّ شيء و جـّعل المكـّان مثّاليّا حسّب أوامـّر
ويّليامّ أمـّا فـّرانسوا فكّان بـّرفقة نايتّ الذّي لمّ يـظهرّ للعـّيان أبدّا ، يحـّاولونّ الـحصّول على بـّضعة إجابات غّير مبّالي بزّفافه ، مـّاريّ تـّجّرب
فستانّها الأبّيضّ و فـّلور بجـّانبهـّا ، إليزابيّث و كاّيل يتساءلان عنّ هذه الجّلبة التّي يقومّ بها وّيليام و قدّ أصابهما الشكّ في موتّ مارّي و نايتّ ،
آرثّر قدّ بدأّ فيّ الخوّف منّ تجاهل مـّاري لطّلباتهّ فأخذّ يحـّاول تدّبير لقّاء معهـّا مهمّا كلفه الأمرّ

/

فّي سـّاعة حـادّية عشـّر ، كانّ نايّ قدّ ارتدى بذّلتهّ الرسميةّ السودّاء بكّل إهمـّال تـّاركّا ربطّة عنّقه و قدّ غـّادره ذّلك الشحوبّ بينمّا لمـّعت عينيهّ
بخـطّر محدّق و زيّن فمـّه بإبتسامة سّاخرةّ لا تنبـأ بخيّر ، أنفهّ المسلول و شـّعره ألكحلي الحرّيري المنسـدّل على جّبهتهّ قدّ رّفعه هـذّه المـّرة
بتصفيفه أكّثر عصّرّية ،
دّخلّ إلى القـّصر بجـّانبه ويّليامّ و قدّ كـّان الاثنينّ يتنافسانّ فيّ الجاذّبية ، بّشعره الأشّقر المـّرفوعّ و بدّلتهّ الـمرتبة بـّعنايةّ ، خّلفهماّ فـرانسوّا
بـّرفقتهّ رجـّاله و همّ يسيّرونّ قدّ أثاروا الضجة من حـّولهمّ بينمـاّ بدأ الضّيوف بالوصـّول ،
حيّن لمحـّه كـّايلّ ، سقطّ كـأس النبيذّ الذّي يمسـّكه من الدّهشة ، أهـذّا فـّعلا نـّايت ؟ إنهّ بالكـّاد قد أصيب بـخدّش ؟ ما الذي يـّعنيه هـذّا بحّق الجحيمّ ؟
ألمّ يّرسل الرجّل لهمّا صـّور للحادثة مرفقة بفيديو لكيفية سقوط تلك السيارة اللعينة من أعلى الجرف ؟ أمسكّ قبّضته بإحكـّام لمـّا اقترب منهّ نـّايت ،
تـّبـّادلا النـظّرات ، و لو أنّ النـظرة تـّقتل لكـّناّ كّلاهمـّا ميتينّ عندّما أتت إليزابيّث من الخـّلف بحّلتها الـّبهية فسّتانّ أحمـّر جميـّل يّظهر تناّسق جسدها
كعـّارضة أزيّاء مشـهورة و شعـّرها مـّرفوع على شكّل ذّيل حصّان ، رأتهّ فاتسعتّ عينيهاّ و شّحب وجههّا لتـزدادّ ابتسامة نايتّ اتسـّاعّا ، قـّال بـبرودّ
ـ ألاّ توجدّ تحيةّ أو تهنئة ؟
حيّنها ارتبكّت إليزابيّث ثمّ تقدّمت منهّ و احتضنتهّ بخفّة لتعودّ مكانهـّا بينمّا كّشر كـّايّل و تجّاهله مغـّادر باتجاه أصدّقاءه فقّالت بلطّف
ـ عـذّرا ، تّعلم جميـّعا أننّا معـّارضونّ لهـذّا الزّفافّ و تـّقديمّ تهنئة لهو أمرّ صـّعب جدّا عندماّ لا تـّكون صـادّقا بمشـّاعّرك ، لكنّ على كلّ حـّال
أنّا أتمنى لكّ السـّعادة من أعمـّاقّ أعمـّاق قّلبيّ
نـظّر نايتّ حـّوله مستخفّا بـأقوالهّا و عندّ انتهاءها من الحـدّيث ، وجهّ عينيه الداكنتينّ نحوهاّ وردّ عليهّا بسخّرية بينمّا وّيليامّ يكّتم ضحكته
ـ لا أعـّلم ماذا أقولّ لقدّ جـّعلتنيّ عاجـزاّ عن التعبيّر بكّلامكّ المنـّمقّ هـذّا ، شكـّرا على المحّاولة
كـادّ أن يرحّل لولا أنهاّ أمسكته منّ معصمه ، نـظّرت إليّه برجّاء رجـّاء أنّ لا يجـرحّ مشـّاعرها بردودهّ الحـّارقة ثمّ اقتربت منهّ أكثٍّر لتهمسّ قـّائلة بـّرقة
ـ هلّ أنتّ حقا تحّّبها نـّايت ؟ لأننيّ أعّرفكّ جيدّا ، أعّرفكّ عندمـّا كنـّت ذلكّ الشّاب المحبّ الذّي يطـّير بـجّناحيه إلى سماء المحبّة و الآن بـرؤيتكّ هكـذّا
أجدّك مـجردّا من الأحّاسيسّ فـمن الصـّعب علينّا فـّعلا التصدّيق بـأنكّ تحبها
ابتسمّ ساخّرا و قدّ نـظّر إليها فيّ عينيها مختـّرقّا صميمّ قّلبها ، ثمّ رّفع يدّه بهدوء و سحّب ذّراعهّا ليّقول بكلّ بـرودّ و قسوة
ـ بمجردّ أنكّ تّعرفينني منذ سنينّ هـذّا لا يعنّي أنكّ تّعرفينني جيدّا إليزابيُّث و إنّ كنتّ لا تّعلمين فـأنّا لّست ذّلك الشخّص الذّي يّغيره الحّب ،
و رحّل مسّرعاّ بينمّا ذّهب خّلفه فـرانسوا ، فـّرمق ويّليام إليزابيّث بّسخرية دوماّ ما تكونّ هكذّا ، فانحنى بـخفّة و لبّاقة ليّرفع رأسه و يتحدّث
ـ دّعي هذاّ اليومّ يمّر بسـّلام ، منّ فضّلكّ
ثمّ ابتسمّ بكلّ جـّاذبية أثارت معظمّ فتيات القـاّعة ، بينماّ أمسكّت إليزابيثّ أعصابهاّ بكلّ غّضب و هيّ تـّرمقهّ بنـظّراتّ لا خيّر منهاّ ، لوّ بيدّها
لقّتلته منذّ أمدّ لكنّ لنّ تستفيدّ شيئا سوى تلطّيخ يدّها بدمائه القذرة

/

فّي حيّن أنّ مـّاريّ ترتدّي فّستان كـأنهّ سحّابة بيّّضاء يدّاعبها لمـّعانّ عينيهّا المنـّيرتينّ و أشـّعة الشمّس بشّكل حوّرية ، رّفعّت شّعرها على
شكـّل وردّة بسيطّة و تـّركتّ بّضعة خّصلاتّ منسدّلة على وجههاّ ، تجّلس بهدوء على الكرسيّ و على فمها الوردي ابتسامة مرتبكة
في حّين أن فـّلور تّقف أمامهّا بثّوبها الأزرّق المخّمليّ و قدّ تركّت شعرها منسدّلا على ظهرهـّا و بـالرغم من أنهاّ وعدّت نفسها على أن
تسّاندّ ماّري في جميـعّ خطواتهاّ ، وجدّت أنهّا عـّاجزة على الابتسـّام أو إدّخاّل ذّرة سـّعادة إلى قّلبها
إنهـّا تسلمّ أختهّا الصـّغرى الوحيدّ مـرهفةّ الإحساس و ضّعيفةّ القـّرارات إنهّا بالنّسبة لهاّ مخّلوقة طـّاهرةّ لمّ يدّنس حّضورها سوىّ وجودّ الحّول
منّ غيّرها و محاّولتهمّ التأثير بهاّ ، إلىّ نايتّ ذلّك الرجّل القّاسي ، الذّي يّحنوا الـّرقّاب و تنقّبضّ الأنفّاس منّ وجودّه بنفّس البّقعة معّ غّيره ،
إنهّ شيطّان مّتشكل بهيئة إنسّان وضـّعت سيدة فرانّسيس يدّها على رأسّ مـّاري متمنيةّ الحظّ الوفّير لهاّ فيّ حيّاتها القادمةّ ، عندّما رنّ جرّس
الشّقة فـقّالت فلور ببرودّ
ـ لابدّ أنهمّ قد آتوا لأخذّناّ ،
فتحّته على مصّراعيه و نـّظرت إلى القادّم كـّان فرانسوا شخصّيا بعدّ أن أوصّاه نايتّ على إتباع جميعّ خطوات ماريّ و حّراستها بحياته ، تقدّم
و خلّفه العديدّ من الرجـّال عند رؤيته لماري انحنى بكلّ لباقة و قّال
ـ سيدّتي لقدّ حان الوقتّ لأخذكّ إن كنتّ تسمحينّ ،
ـ حسنا انتظر لحظة فقطّ
ركّضت بّفستانهـّا ناحيةّ غرفتهاّ فلمّ تجدّ شيئا لتـأخذهّ ، زفّرت بغّيض نايتّ اشترى جميـّع المّلابسّ و الأشّياء كّل ما عليها فعله هو الذهاّب ،
لكنّ أفعلا لا يوجدّ شيء قّيم لدّيها ؟ ذّهبت إلى ثّلاجتهاّ و فتحتهّا فلمّ تجدّ حلويّات ويّليام اللذيذةّ لذّا عادّت مجددّا أمام فـرانسوا و قـّالت باهتمام
ـ هـذّه هي المرة الأولى التي أراكّ فيها، مـّا اسمك ؟
تنهدّت فلورا ، إنهاّ تحاوّل تـأخيّر موعدّ ذهابها فـأشارّت فلورا عليه ببرودّ قـّائلة
ـ هذّا فرانسوا قائدّ ساّبق في البحّرية و رئيسّ الحّراسّ كماّ أنهّ المساعدّ الأيمنّ لخطّيبكّ المـزعّوم ، لقدّ سّبق و سـألتّ ويّليام عنه لذّا هيا لنرحّل
و ندّع هذا الزفّاف اللّعين ينتهي بحّق السماّء ، نـّظر إليها الجميّع و هي تحمّل حقيبتها بـعّصبية و تغّادر أولاّ فابتسمتّ سيدة فرانسيسّ و تـّبعتها
بينماّ قـطّّبت مـّاري و ركّضتّ خلفهمّا قّائلة باستياء
ـ لحظـّة، ألستنّ تنسينّ شيئا ؟ ماذا عنّ مشهد البكاّء ؟ انتظرا لحظة .. أريد أن أذرف دموعا
ابتسمّ فرانسوا بخفوتّ و أشّار لرجـّالهمّ بأنّ يسيّروا أمام و خلف بجانب ماري ، أغّلـقوا بـّاب الشـّقة و اتجهوا إلى تلكّ السّياراتّ المركونّة خـّارجاّ ،
أّربعة أحدّهاّ لعروسّ و أفّرادّ عائلتها بينمّا الآخرينّ لحّراستها و لمّ يـخلوا الشـّارع من المصّورينّ المتـطّفلينّ الذّينّ يحاولونّ التـقاطّ صورا لمكانّ
عيشّ مـّاري و إلى أينّ سوفّ تعيّش الآن في أكـناّف عـاّئلة مشبعة الثـّراء
لمّ يسمّح لهمّ فرانسوا بأخذّ الصـّور و كذّلك فـّلور فقدّ وّقفتّ أمامّ ماّري مغّطية إيّاها بالكّامل و تنـظرّ إليهم بمتغاض ، بينمـّا ماّري لمّ تبدوا مّبـاليةّ أبدّا
جّلست فّي مقعدّ المّخصص لهاّ و بجانبهاّ كلا من سيدّة جورجّيا و فـلورّا ، حيّن انطّلق موكّبها

/

جّلس المدعونّ على الطنافس الحريرية و الكراسي المخملية ؛ حتـى غصتّ تلك القاعةّ الواسعةّ بـأشكّال النـّاس و سـعّى الخدمّ بـأنيّات الحلوّى
و الشّراب فتصّاعدّت رناتّ الكـؤوس المتهافتة معّ هتافّ الغبطةّ ليّأتي الموسّيقيونّ و يّسلبونّ الأنفّس بـأنغامهمّ السحّرية و يبطـّنونّ الصدّور
بـألحـّانهمّ الشجّية المنسوجـّة معّ أوتـّار النـّاي و همسـّات الكمـّان يتـرأسهمّ ويّليامّ بـأّصابعهّ التيّ تترّاقّص بكـّل عـّفوان و قدّ أصبحّت فيّ عـّالمهاّ
الخاّص صّانعا موسّيقى آسرة تخطّف الأفكـّار فّالعـقولّ منّ ذلكّ البّيانو
حيّن فتحّت البواّبة و قدّ دّخلت مـّاريّ ببسـاطّتها قدّ أشـعّلت تلكّ القـّاعة صمتـّا و دّهشة ، شّفتيها المبتسمّتين و وجّنتيها المتـّوردّتين ، فّستانهاّ
الأبّيض الحّريري المنسدّل على جسمهّا كالحـّورية تمـّاماّ و رموشّها الطـّويلةّ معّ عينيهّا اللامـعّتين بـّرغبةّ فيّ الحّياة ، يـّرافقّها العمّ رويّ
و خّلفهمّا فـّلور التيّ قدّ بدأتّ تتّقبلّ الأمرّ تدّريجيّا عندماّ علمتّ أن كلّ ما ّيهم هوّ سـّعادة أختهاّ ماري و سـّعادتها تكمّن فيّ كونهاّ بجانب نأيت
فّي نهــّاية ذّلك البلاطّ كّان يّقف نـّايتّ بجـاذّبيته المعـّتادة منتـظّرا إياهاّ ، أغلق عينيه لبرهة محاولا أخذ قسط من الـراحة عندما شّعر بجسده يفقد
توازنه سارع ويليام في إسناد صديقه العـزيز بـعد أن ترك الموسيقى و قد ظهرت عليه تعـابير القلق بينما هذه الحركة لم تستطعّ أن تخفى من خلف
عينين كايل الحادتين ، و قد كانا كلا من ويليام و كايل واقفين بجانب نايت بصفتهما اشبينه و صديقه
اقـّتربّ العمّ رويّ و سلمّ يدّ مـّاريّ إلى نـّايت بكلّ استياء منّ مصيّرها لكنهّ أجّبر نفسه على الابتسـامّ ، ثمّ عـّاد أدّراجهّ إلى حيّث تجّلس سيدّة فّرانسيّس
بدموعهاّ الحّزينة و بّولّ ، خّلفهما السيدّ بـّاولو سيدّ المـطّعم و سيّليا بالـرغمّ من أنهاّ لمّ تكنّ تملكّ دعوةّ لكنّ تمكنّ رويّ من إدخاّلها بطّريقةّ مـّا
، فيّ الجـّهة الآخرى ، يجـّلس الجدّ بيتر بجــّانبهّ صدّيقه و إبنهّ تومّاس و كـّليّر أيّضا مّع آرّثر بّرفقة صدّيقته الجديدّة عـّارضة أزّياءّ على صّلة بإليزاّبيثّ
، و سيدّة ليكّسي أيّضا فكـّان الفـّرق واضحـّا فّي الطـّبقة الاجّتمـّاعيةّ ـ
وقّفتّ فـلوّر جاّنبا إلى جّنب معّ إليـزاّبيثّ ، فّي حينّ انحنى نـّايت بخـّفة و قـّبلّ مـّاري على خدّها ، ابتـّسمتّ له فـأشّار ويّليام لرجّل بـأنّ يبدأ كـّلامهّ ،
يقـرأ نذورّ الزواجّ لمّ تّسمـّع مـّاريّ منّه شيـّئا إلى حينّ لفظّ رجّل فأجّفلت و نـظّرت إليهّ بـتوترّ
ـ قبّل أنّ يتمّ هـذّا الـزواجّ إن كـّان هنـاكّ معّترضّ فليّقل أو ليّصمت إلى الأبدّ
نـّظر الكّل إلى أنفسهمّ لكنّ لم يتجـرأ أحدّ بّقول كلمهّ ، ليّس كـّايلّ و لّيس إليزاّبيثّ ، لا فّلورا و لا حـّتى آرثر أو كلّير ، لا رويّ فلمّ يكنّ أحدّ منهمّ موافقّا
لكنّ معظمهمّ صـّامتّ لأجلّ ماّري و الآخـّر لأن ليّس بيده فّعل شيء ، حيّن وقفت سيدّة سيليا فجـأة بقوة مصدّرة ضجيجاّ في القـاعة ،
استدارت ماري ناحيتهاّ كذلكّ نايت و قدّ رمقهاّ بنظرة بـّاردة خـطيّرة ، كـّانت تـّرتديّ فستاناّ أسودّا يّزيد من جمـّال بّشرتهاّ البيضّاء و رفّعت شعرّها
البنيّ للأعلىّ بّكل أناقّة ، همستّ بّصوت قـّوي شديدّ الـّوضوحّ
ـ أنـّا أعتّرض على هـذاّ الـزواجّ بـأكمله
فتحتّ فلور عينيهاّ على وسعهماّ بصدّمة و قد استطـّاعتّ آخرا آن تـّميز صّاحبة هـذا الحّضور القـّوي و تـّلك النبـّرة الصـّارمة بينماّ سـّارع رويّ
بالّوقوف راكضّا ناحيّتها محـّاولا منعّها ، تحدثت فـلور بـدهشة
ـ مـاري ، أترينّ ما أراه الآن ؟ أهي فعلا من أظنها تكون ؟
فيّ حين قـّطبت ماري حاّجبيها باستنكـارّ ، بينماّ وقفّ الجـد آمرا جميـع الحـّرس بمنعّ أي صحافي من الدخول و التـواجد بهذه القـاعة ، ابتسمت إليزابيث
بـخبثّ و مـكر أخيرا سيتقدم آحدهم لمنـع هـذه المسرحية السخيفة ، قـالت سيليا بصوت عالي غـاضب
ـ أنا يـا ماري روبرت أمنعك من الإرتبـاط بـهذا الـرجل من عـائلة لبير و لن أسمح لك بإتمام هذا الـزواج بأي ثمن
بدأ الحـضور بتـساؤل عن هوية تلك المـرأة المـجهولة و أثير الضجيج فيّ كل مكان لذا تـقدم نايت بكل برود نـازلا من المنصـة متجها نحـوها
كذلك فـعلت فـلور و برفقتها ويليام ، إتجه الثـلاثة ناحيتها و عند وصولهماّ إنحنى ويليام بكل لباقة و قـال بصوت شديد التهذيب
ـ سيدتي أرجوا منك القـدوم معنا إلى غـرفة لنتحدث بـشكل خاص أكثر ،
نـظرت إليه سيليا بإحتقار ثم رمقت نايت بكل غضب و استدارت بـرفقتهم ، تبعهم الجـد و من خلفه عـائلة لبير بـأكملها كـذلك سيد روي
فـلم يبقى سوى ماري الممسكة بـباقة الـورد ناظرة إلى الحـضور ،
كيف لأمها أن تتجـرأ بقول هـذا أمام المـلأ ؟ ألا تـدرك أن بإمكان هفوة واحدة فقط أن تـجعل نايت
مكانته في الـشركة ؟ و الأهم لما الجميع يتدخل في شؤونها الخاصة ؟ إنها هي من سوف تتزوج و
ليس أحدا أخر .. إنها هي من ستتـألم و ليس أحد آخر لذا رجـاء أن لا يتدخلوا بعد الآن ، لكن هاهي
تقف الآن لوحدها في حين الجميع يناقشون زفافها من عدمه بينما هي الـعروسة تلزم الصـمت ،
رفعـت فستانها الأبيضّ الناعم و أناملهاّ ترتجفّ من شدة التـوتر ، ثم ركضـت عبر تلك القـاعة إلى
الخـارج ، حين شاهد آرثر ما مدى تأثير الصـدمة على الحـضور وقف بثقة و إتجه ناحية المنصة
ليمسك بالمايكروفون و يقـول بنبرة لطيفة مـرحة ،
ـ أيها السـادة و السيدات أرجوا أن لا تـعيروا ما حـدث إهتماما ، سوف نـكمل الزفاف بـعد قليل و
إلى ذلك الحـين إستمتعوا بالحـفلة ، شـغلوا الموسيقى

/

في إحدى الغـرف المتـواجدة بكثرة في ذلك القـصّر ، كـان الجميـع يقّف في موقف متـوتر و حازم قد فـرق ما بين المعـارض و المـؤيد لهـذا الـزفاف
بينمـا كان نايت يجـلس بـكل بـرود على أريكة مستندا ظهره عليها يضع قدما على الأخرى نـاظرا نحوهم بـعينينّ زرقاوتين داكنتين حـادتين



JAN 03-09-2020 11:14 PM



جـد بيتر يتـرأس المكتب و يـرمق سيدة سيليا بـنـظرات مبـاشرة خلفها كـان سيد روي و الذي بالـرغم من أنه يرفض فكرة إعتراض قرار ماري
و لكنه وجد نفسه يقف جانبا إلى جنب مع صديقته القـديمة ، كـذلك كايل قد أظهر اعتراضه التام بينما فـضلت إليزابيث إتخـاذ موقفا حيادياّ
ويـليام يستند على الجـدار و يـوجه نظره في كل فترة إلى شخص ماّ بينما بدى عليه الانزعاج الـواضح قد ضـاق ذرعا بتدخلاتهم اللامتناهية ، بجـانبه تقف
فلور التي فـضلت هي الأخرى أن لا تتحدث ، سوى ترى إلى أين قد تصل نقـاشات كبـار العـائلة بـعدها سوف تهمس برأيها الآن لا يهمـهاّ الـزفاف من عـدمه
، كل ما تـريده هو سـعادة ماري و لأن ماري تـحب نايت فهي فـعلا لا تبالي بآراء الآخرين لكنها مغتاظة فقط لأن آختها الصغرى ستـأخذ شخصا بـارداّ
كـزوج لها ، بـعد مرور فـترة من الصـمتّ الـموحشّ ، تـحدثت سيدة سيليا بصـوت هـادئ بـاردّ قـليلا لكن به صفـة اللبـاقة ، إذ أنها لم تّنس أنها الآن وجها
لـوجه أمامّ سيد بيتر لبير
ـ سيد بيتـر أنا أعتـذر على تصرفي المتـهور سابقا إذ أنه كان خاليا من تهذيب لكن أنا لست نادمة أبدا على ما تفـوهت به ، إذ أنيّ لا أرغب بـأن يقام هـذا
الـزفاف على الإطـلاق
نـظرت إليها فـلور بصدمة ، لقد تـغيرت كثـيرا لقد أصبحـت أكثر جـرأة و أكثر قـوة كـأنها ليست والدتها في حين ردّ عليها بيتر بـبرود
ـ سيدتي العـزيزة ، أنـا أهتم فقط بـما يـريده حفـيدي.. لا أهتم كم من معـارض أو كم من مـؤيد له كل ما يهم هو رغبته و بـالرغم من أنني لست أنا بنفسي
موافقا لكن و لأجله التزمت الصمت
قطبت حاجبيها بـغيض و تحـدثت بـنبرة غـاضبة
ـ أنـا لن أقف مكتوفة اليدين بينما حفيدك يـأخذ ابنتي لن أجـعل المـاضي يعـيد نفسه سيد بيتر ، إن كانت ذاكرتكّ لا تـسعفك فـدعني أنعشها ، أنا سيليا زوجـة
جوناثان روبرت ذلك الـرجل الذي تـعرفه جيدا
صمت الجـد بيتر بدهشة ، بـعد أن ذكرت هـذا .. سيليا تلك المـرأة التي كـانت تأتي له باكية ألآلاف المـرات قد كبرت لتصبح بـهذا الكبـرياء الشديد ؟ إنه لا
يصدق ذلك ، قـال بصدمة
ـ أنت سيليا ؟ مستحيل ، كيف سمح زوجك لابنتك بـزواج من نايت إذن ؟
ردت ببرود و غيض
ـ لم يسمح بذلك قط ، ماري تتصرف من تـلقاء شأنها و لم تـعطي إهتماما لرأينا فلو فـعلت فـلما وجـدتها قد وطـئت قصرك أبدا لكنها عـنيدة ، أيضا جوناثان
لم يعد زوجي منذ زمن لذا أرجوا منك أن توقف هذه المهزلة من فضلك
تنحنح الجـد قـليلا و قد إرتبك ، إنه يـدين لها بالكـثير فـقد كان هو و إبنته سكارليت سببّا في تعـاستها لكن أن يمنع زواج نايت فهـذا مستحيل لذلك رد بـلهجة
مترددة نوعا ما
ـ أنا بالفعل أسف لما سببته سكارليت من طيش لكن أنا لست مخولا بـإيقاف هذه الـزيجة ،
وقفت سيليا بـعصبية و ضـربت الـمكتب بيديها بكل قـوة إمتلكتها و صـاحت بـنبرة غـاضّبة ، بينما قد إحـمر وجهها منّ ثوران أعصّابها
ـ كيف تقول ذلك ؟ لقد أخذت سكارليت سابقا مني زوجي و الآن تـريد مني أن أسلم ابنتي لابنها هل جننت أم فقدت عـقلك ؟
همس ويليام بـصوت سـاخر متـهكم نـّاحية فـلور الصـامتة
ـ أظنّ أن جننت أو فقدت عقلكّ لهما نفسّ المـعنى ،
تـنهدت فـلور بـأسى فـشحب وجه ويليام و قد تـذكر أنّ تلك المـرأة تـكون والدتهاّ ، إنها لم تحببهّ سابقا و الآن بعد الـسخرية من والدتها سـوفّ يزدادّ
عـمق كراهيتهاّ له ، تـّبا كم هو أبله هـذا مـا حـدث نفسه قـائلا ، قـال كـايل بـبرود
ـ مهـلا لحـظة ، لقد جـعلتمونا فيّ حـالة من الذهول .. فل يّخبرني أحدكم ما عـلاقة عمتي سكارليت بوالد ماري ؟ أعني ما الأمر بـحق الله ؟
تـقدمت منه فـلور بهدوء و وضعت يدها على كتـفه لتبعده عن مـرمى رؤيتها لـوالدتها و تحدثت بـلا مبالاة
ـ والدي كان معـجبا بـآنسة سكارليت و رغب بالـزواج منها لكنها لم تـقبل قط ، أعني أنه لم يكن من نوعها المـفضل لذلك سيدة سيليا كانت تشعر
بالغيرة و ما إلى ذلك من إحباط مما أدى إلى طلاقهما ،
اقـترب ويليام ببـطء من نايت الجـالس على الأريكة و انحنى قـليلا ليهمس بـكل مـرح فيّ أذن نايت كاتماّ ضحكاته
ـ كلا من الوالد و الابنة رفضا ، أعتقد أنك و لوالدتك نفس الـذوق هاهاها
كشـر نايت بحدة معـربا عن انزعاجه فالتزم ويليام الصـمت و هو يـعود تدريجيا بكل بـطء إلى حيث كان واقفا منذ فـترة و قد نـدم على حس فكاهته الغير
مناسب ، نـظرت سيليا إلى فـلور بدهشة ثم قـالت بـعدم استيعاب
ـ فلور ، أنت ؟ لما لم تمنعي أختك من ارتكاب هـذه الحماقة ؟
تجـاهلتها تماما و هي تـعود مجددا لتـقف بجانب كلا من نايت و ويليام ، قد كان واضحاّ من نـظراتهاّ أنها ليست بجـانبهاّ أبدا و لن تـكون فتنهدت سيليا
بـغيض ، عندما قـال كايل ببرود
ـ أرى أن هـذا ليس سببا يجعلك تمعنيها، أعني إن قلت أن مستواكم مادي كان أو ثقافياّ فقدّ أوافقك لكن هـذه هي الحماقة بعينيها و أعذريني لقول هـذا
صمتت سيليا للحـظات ثـم تـحدثت بـنبرة حـزينة متـألمة
ـ أنت لا تـعلم أبدا ما الذي قد حـدث فـلا تـقل عن معاناة الغير حماقة ، بالـرغم من أنني أحببت جوناثان حتى الـنخاع و بالـرغم من أنني زرعت حبه في
قلبي كما لو كـأنني ولدت به إلا أنه لم يلتفت قط نـحوي ، كانت سكارليت دوما و أبدا مركز اهتمامه فإن تـألمت أو حزنت أو حتى مرضت فـهو لن يهتم
بي على الإطلاق .. أنت لا تـعلم كم كانت حياتي مليئة بالذل بسببها ، لقد فعلت المستحيل فقط لتبتعد سكارليت من أمام مرأى جوناثان فحدثت سيد بيتر
و ترجيته لكن للأسف بـاءت كل محاولاتي بالفـشل ، في النهاية استسلمت و انفصلنا مسلمة إياه ابنتاي
تنهد الجـد و نظر إلى سيليا بـحزن ، إنه يعلم تماما مدى ألمها فكم من مرة قـدمت في منتصف الليل طالبة منه تـحرير زوجها من تعويذة حبه لابنته ،
كم من مـرة كـانت تـأتي و تحدث سكارليت طالبة منها أن تـمنحه و لو القليل من حبها .. في النهاية و بعد مرور سبعة سنوات فقدت الاتصال بهذه العائلة
للأبد ، و هاهي الآن تعود لتـظهر مجددا ، قـال روي بـلطف
ـ سيليا ، أعتقد أن ماري واثقة مما تريده فـهلا وثقت أنت بها أيضا ؟ الأمر مختلف هـذه المرة فـنايت يحب ماري أليس كذلك ؟
التفت الجميع نايت ، شعره الـداكن الحـريري المنسدل على جبهته و بشرته الـشاحبة تماما كوالدته ، عينيه الـحادتين و نـظرته الخـطيرة كلها يذكرها
بماضيها الأليم ، بقتالها المستمر في حب من طرف واحد ، فجـأة وقف هو بـبرود و كسل ثم قـال بـبحة
ـ لست مجبرا على تبرير مشاعري لكمّ ، كل ما يهم بالنسبة لي أن ماري موافقة و لست أبالي برأي الغـير لذا إن انتهيتم من جلسة إفصاح المشاعر
هـذه دعونا نعد إلى حفلة
صمت كلا من روي و سيليا بـصدمة من رده المفعمّ بـشتى أنواع الـجمود بينما شعر الجد بالإحراج من رده في حين ابتسم ويليام ببلاهة فمهما كان
الموقف شديدا و عصيبا نايت لن يعترف بمشاعره ، خرج من الغـرفة فصـاحت سيليا بـغضب عـارم
ـ ما الذي قـاله ؟ رأيي لا يهم ؟ ماذا ؟ ماذا ؟ أنـا بكل تـأكيد لن أقبل به كـإبن في القانون هـذا الـرجل بليد الأخلاق و الأحاسيس ، سوف لن أقبل به أبدا
أتفهمون ؟
ضحكت فـلور فجـأة فـشاركها ويليام الـضحك و هما يـخرجان خلفه ، أليس واضحا ؟ كل ما يريده أن تـكون ماري بجانبه فقط ، بينما تـنهد كايل بـأسى
و خرج الجميع في النهاية ، راضيين أم رافضين الـزفاف سيتم
في نهايةّ الـرواقّ كانت هي تـجلس بكل ألم مسندةّ رأسها على ركبتيهاّ و فستـّانها قدّ تناثر في الأرضّ من حولها كسحبّ بيّضاء شديدة البهـّاء ، فاقتـرب
بهدوء و خـطواته تضاهي الرياح في خفتهاّ ثم انحنى مقرفصاّ و وضـع ذراعه حـولّ كتفيهاّ المـرتجفتين، أمال رأسه قـليلا ناحيتها و نـظر إلى عينيها
الـواسعتين الممتـلئتين بالـدموع، زينت شفتيه ابتسـامة خـافتة لا تـكاد تـظهر و هو يتحدث ببحة
ـ أنت لن تتخلصي مني بهذه السهولة
التفت نـّاحيته، كـان وجههاّ ممتـلئاّ بالـدموع و عينيهاّ تنـطّقان بـمدىّ الحـزن الذيّ تـّشعر بهّ وجنتيهاّ الوردّيتينّ و أنفهّا المـحمرّ بـّشدة، ابتسمت بـلطف
فـوضع يده على وجهها قـائلا بإنزعاج
ـ لقد قلت لك سابقا ألا تـضعي هـذه التعبير السخّيف مجددا على ملامحكّ
فجـأة قفز ويليام من الخـلف واضعاّ على كتّف كل منـهماّ ذراعيهّ ، ابتسمّ بـسـعادّة عـّارمة و قـال بـنبرة خّبيثة
ـ ما الذي تّحاولان فـعله ؟ ألا تستطيعـّان الصّبر بـّعد مّراسمّ الـزفافّ ؟
بّقبضتهّا الـصغيّرة و القـّوية قـّامت بّضربه على رأسهّ حّينما ثـّارت أعصّابها من مـزاحه الغـيرّ ملائمّ فيّ كل المـواقفّ ، عندماّ استدار لّيلمح من هـذا
الذي تجـرأ على تسديد ضّربة له سّارعت فـلور بإمساكه من ربطـّة عنقه و هي تّصيح بعصبية ملوحـّة بّقبضتها أمامه
ـ أيهاّ المنـحرفّ، أختيّ لن تّفعل مثل هـذه الأشياءّ الطـاّئشة و ألم أخبركّ سّابقّا أن لا تّقترب منّها ؟ أنت و أفكـّارك الغيّر أخّلاقية
ابتسم ويليام بإرتباك ثم احتضنها بّخفة و وضـّع يدّيه حـّول خصّرها لّيرفعّها فيّ الجـّو مـديّرا إياهّا فيّ جميـّع الإتجـّاهات ، قـّائلاّ بمـّرح
ـ أعـّلم أنكّ قدّ شعرت بالـغّيرة لأننيّ لم أحتضنكّ معهماّ ، لذاّ سـأمنحكّ حضّنا خـّاصاّ ها ها ها
كاّنا كلا من نايت و ماريّ يقفان بجّانب بعضهمّا يراّقبان فـّلور و ويليامّ باستغراب فمنذ متى تّحسنت علاقتهما إلى هـذا المستوى ، فجأة لكـّزته ماريّ
من ذّراعه فنظر إليها بّنصفّ عينيه ، وجـدّها تمدّ يدّيها نـّاحيته بـكلّ حماّس فـسـارع بالـمغّادرة و هو يقول بـبرود
ـ مستحيـّل ، دّعوناّ نـذهب للقـّاعة فّالضّيوف بإنتـظارناّ
عنـدماّ لم يّسمع أصّواتهمّ ، استـداّر بـمّلل ليجـدّ ويلّيام ممسكـّا بـماريّ و يدّور بهاّ فيّ الأرجـّاء بينماّ هي تـّضحكّ بسـّعادة و فّلور تّصرخ بـأنّ ينزلّ
أختها فوراّ و هي غـّير قّادرة على استعادّة تـّوازنهاّ ، ابتسم بـخفوت
بالـرغم من أنهاّ مجردّ تمّثيليةّ لكنهاّ تـّبدوا حـّقيقية جـداّ ، و أنّ يكون هوّ محـّاطا بّهـذا الكمّ من الأشخّاص الذّين يّساندونه ، ضحك قليلا ببحـة عندما
اختل تـوازن ويليام و سقط الثلاثة على الأرض ،
يكفيّ وجـود هـؤلاء الثـلاثة فقط بجـانبه ،

/

ـ مـّاري روبـّرت هلّ تـّقبلينّ بنايتّ لبيرّ زوجّا لك في الصحة و الـمرّض فّي السـّعادة و الحـزنّ
إذّا سـألها أحدّ هـذّا الـسؤالّ قّبل شهرينّ سّوف تـّقول بكلّ إحـّراج، أناّ لن أتزوجّ أبدّا لكنّ الآن و قدّ سـّلبها قّلبها فـتدّريجّيا كّيانها بـأكملهّ، ابتسـمتّ
بمحّبة و قدّ لمـّعت عينيهّا
ـ أجـّل
استدار نـّاحية نـّأيت و أعـّادّ نفّس السـّؤالّ ، لمّ يستـّغرق نـّايت دّقيقة للإجـّابة بّل قـّاطعّ الرجـّل مخـّبرا إيـّاه بالإيجاب ، ليـّقتربّ ويّليام و بـحـّوزتهّ
الخـّاتمينّ ، وضـّعه نايتّ فيّ يدّ مـّاريّّ ببـرودّ ثمّ انتـظرهاّ هيّ كـّانت تحـّاول إدّخال الخـّاتمّ في إصبـّعه لكنّ ارتجافها منعها من ذّلك ، مـجردّ لمسّه يّجعل
قّلبها يّضطّرب و أنفّاسها تّحبّس فـكّيف لها أنّ تّكون بـهذا القـّرب منه ؟ حـتى سـّاعدها ويّليام ثـمّ عـّاد إلى مـكـّانه و على شـّفتيه ابتسامة سـعيدّة ،
ـ الآن أعّلنكماّ زوجاّ و زوجـّة ، يمكنكّ تـّقبيل الـعّروس
أفّلت نايتّ يدّه و كـّاد أنّ يـمتنـّع عنّ هـذّا الفـّعل بـّعد تلكّ المحـّاضرة الطـّويلة حولّ الأدبّ و الحّب لولا اقتراب مـّاري منهّ فجـأة ، وقفّت على أصـّابع
قدّميها و قّبلتهّ بكلّ بسـاطّة و خـّفة فيّ حينّ شحبّ وجهه منّ الصـدّمة بينمـّا تهافتت التهـّانيّ بكّل ضجةّ فّي القـّاعة و ارتفعت الكـؤوس حيّن شهقـّت فـّلور
غـّير مصدّقة أن هـذه فعلا أختهاّ ، و تـّعلى ضحكّ ويّليامّ بينمـّا ابتسمّ كـّايل لأولّ مـّرة بدون أيّ خبّث أو مـكّر لكنّ بضحكـّة على هـذّه الـعّروسّ الجـريئة
و نـّايت الشـّاحبّ ، أخرجّت مـّاري لسانهاّ بكلّ شـّقاوة حينّ كشـّر نايتّ عن مـّلامحـه و قدّ أحرجته ، بينمـّا نـّزل ويليام إليهماّ مهنـّئا من أعمـّاق قّلبه
و بكلّ صدّق أيضّا ، أتتّ فلور من الخـّلف و ضـّربت ماّري على رأسها قّائلة بـسخرية
ـ ما كانّ ذلكّ توا ؟
تـّقدم الجدّ بيتر و خّلفه صدّيقه المقّرب و أبنه توماّس مهنئـّا و كـذلّك كـّايل و إليـزاّبيثّ بينمـّا لا يـزاّل نـّايت شـاحبّا ، ضـّربه ويّليام على ظهره بـّقوة
فـأجّفل كـأنهّ قدّ عـادّ للحيـّاة ، رمقّ ماري بـبرودّ فإبتسمت هي بكلّ سذاجة ، فقـّال بحدّة
ـ ما كـّان ذاكّ تـّوا ؟ ألستّ أنـّت من كـّان يّثرثر قّبلا عنّ معـّاني
عندمّا لمحّ ابتسامتهّا زفرّ بـبرودّ فـلا فـائدة منهاّ ثمّ تـحدثّ قّليلا مـع جدّه و عمـّه ، يـّالها من إمرأة سخّيفة بينمـّا أسرعت مـّاريّ لكّل من سيدّة فـّرانسيسّ
و بولّ متحمـّسة تـّريهمّ الخاتمّ و قدّ تزوجـّت في النهاية عـكسّ توقّعاتهمّا و ّ آرثـّر يبوحّ بإعجـّابه لفتاة أوّلهاّ جمـّالا تيها و دّلالا ، و ذّلك شّاب صدّيق كّايل الـلعّوب
يّستعدّ لمحادثة حسناء مستحضرا إلى حافظته أعذب الألفاظ و أرقّ المـعانّي ، الـعمّ رويّ يطّلب من الموسيقيين إعـادّة مـّقطـّع قدّ ذّكره بـّشابّه و رفيّق دّربه بينمـّا
كلّير تـّنظر بأطّراف أجفانها إلى ويّليام المنسجّم فّي حدّيثه مـّع فـّلور و إليزابّيث قدّ سّلبّ لبّ عقلّها
حيّن تـّقدمّ نايتّ من مـّاريّ مـدّ ذّراعه نـّاحيتها بكلّ لّباّقة ، فاحمرت وجنتيها و الجميـّع ينتـظّر أنّ يـزفّ العّـروسينّ إلى قـّاعة الـرّقص فـأمسكّتها بإحكـّام ليسحبّها ،
وضـّع يدّه على خصّرها و يدّها هي على كـّتفه ، ابتسمـّت بهدوءّ بالـّرغم من أنّ هـذّه مجردّ تمّثيلية و هـذّه التمنيات بالسـّعادة الأبدّية مزيّفة كـذّلك تـلكّ النـّظراتّ
الفـّرحة الموجـّهة لهمـاّ لكنهـّا سـّعيدّة ، فضحكـّت بـّسذاجة على نفّسها لينحنيّ نايتّ ناحيتهاّ ، قـّال ببرودّ
ـ أشّربت شيئاّ ماّ قبّل القدومّ إلى هنـا ؟
رمشـّت قّليلاّ و لمّ تـفهمّ المـّعنى الخفّي من كّلامهّ فـظنتهّ يحـّاول أنّ يفتحّ مجـّالا للحدّيث معهـّا لكّي تجيبـّه بابتسامة وسيـّعة و بلهاّء
ـ لاّ ، لمـّا ؟
أجـّابها بّسخريتهّ الدائمـّة و اللاذّعـّة
ـ لقدّ رأيتّ أنكّ تتصّرفينّ بـجنونّ أكثّر من المعتـّاد ،
قطـّبت حاجّبيها باستياء ثمّ ضـغطّت على قدّمه فتـأوهّ بـألمّ و نـظّر إليها شرارا، فضحكتّ عليهّ بلّ و حـّتى أنهاّ احتّضنته بـخفّة ، رمقهّا نايتّ بعدمّ استيعابّ
أهيّ فعلا مـّاري ؟ فحـّاول إبعادها عنهّ و هو يـّرى بطّرف عينهّ الصحّافة تلتقطّ بضعة صورّ لهماّ ، قـّال من بينّ أسنانه
ـ ماري ابتعدي عني فورّا ، ما الذي أصّابك ؟
و قدّ انتقل إلى مسامـّعه أصواّت رجاّل الأعمـّال يتهامسونّ بكلّ ضجةّ حوله ، عندّ انتهاء الأغنيةّ كادّ أنّ يسـّارع بالمغـادّرة لولا أنّ ماري أمسكتّه من ذّراعه
و تـّبعته فيّ الجهة الآخرى ، كانّ ويّليام و فلورّ ، سيدّة فرانسيس و زوجهـّا يجلسونّ حول طـّاولة يحمـّل بـّعضهم الـعّصير و الآخرّ قطـّع حلوى شهية المذاّق
قدّ قطـّع أحادّيثهم الجانبيةّ صوتّ ضحكاّت ويّليام المتـعّالية فرمقته فلور بغّيض قامتّ لكزه حينهاّ قّال بألفاظ متقطعة من شدّة ضحكه
ـ انظروا إلى نايتّ ، ألا يبدوا متورطّا ؟ أقسمّ أنه الآن يقول في نفسه لقد ارتكبّت أكبّر غلطة في حيـّاتي يـا ليتني كنت أنا من أعترض على هذا الزفاف
وافقه سيد بول فوراّ بينما عـاّدت فلور تلكزهّ و هي تخبره أنّ لا يقول أشياء سيئة عن أختهاّ ، حينّ اقتربت منهّم كليّر ، ألقت تحيةّ بكلّ رقّة على ويّليام الذيّ
بادرها بابتسامة لطيّفة ثمّ عـرفت عن نفسها قائلة
ـ أدعى كلير غلوري ، لقدّ أريت أنهّ من اللباقة أنّ ألقي التحية عليكم أرجواّ أن لا أكون قد أزعجتكمّ
زمـّت فلور شّفتيها و هي تلاحظّ نظرات الإعجاب فيّ عينيها ، و ويّليام الساذّج يّبتسمّ بكلّ براءة فـقّالت بإنزعـّاج
ـ بلى، لقدّ أزعجتنا لما لا تـذهبي إلى أينّ اختفى أخيك
رمقتها سيدة فرانسيس بلومّ من عدمّ تهذيبها بينمّا ابتسمّ بولّ يخبثّ و هو يلاحظّ شعبية ويّليامّ الكبّيرة ، من الجميّل أن تحضي بفتيات يتقاتلنّ لأجلّك ، رفّعت
كليّر حاجبها كـأنها تقول و ما شـأنكّ لتقفّ فلور و تمسكّ ذراّع ويّليام بتملكّ ، فوقّف هو الآخر بـبراءةّ لتّقول فلورّ بـحدةّ
ـ ويّليامّ خطّ أحمرّ لا تـّقتربي منهّ أيتهاّ الحقّيرة
أمسكتّ كليّر بفستانهاّ الأرجوانيّ الفخمّ بكلّ عّصبية ثمّ قّالت بـتكبّر
ـ و من أنتّ لتتحدّثي ؟
قطّبتّ فلور بـغّضب ، فقطّ من فكرة إستيلاءّ كليّر على ويّليام فّصحيح أنهاّ لا تـطّيقه و تكرّهه فيّ أغلبّ الأوقـّات لكنهّ شخصّ لطّيف و لنّ تسمحّ لساحرة
كـ كلّير بـأنّ تسّحبه لقّبضتها فمرّت من أمامها و دّفعتها عمدّا محدثّة ويليامّ
ـ دّعنا نتـأكدّ من قّائمة الحضّور
فـّوق فيّ جنـاحّ الخاّص بهمّا ، كـّانت إليزاّبيث قدّ رمتّ ذلكّ الكـأسّ بكلّ عّصبية على الجـدّار فـكيّف لخـطّتها المثّالية أن تفشلّ بمنتهى السـهولة ؟ ألمّ يكنّ ميتـّا ؟
إذن مـاذاّ عن ذّلك التسجّيل الذّي أرسله الـرجّل ؟ و هـّل عـادّ من المـّوت للانتقـام أم ماذا ؟ حسنـّا لا يهمّ سوفّ تجدّ خـطّة آخرى محكمـّة لأخـذّ نقودّه و منصّبه
من أمامّ عينيهّ ،
المـهمّ الآن هو أنّ لا يـّعلم أنهاّ هي خـّلف كلّ شيء ، يجّب أن تـّبقي جميـّع أسّرارهاّ فّي بئر عـميّق و لنّ يجدّها أحدّ ، لكنّ كيّف نجا من ذلك الاصطـّدام الدموي ؟
شتمتّ بـّعصبيةّ ثمّ تخللتّ أصّابعها شعرها الأسودّ المموجّ الـطّويلّ بكلّ قّهر
لمّ يـّعدّ فيّ يدهاّ فعل شيّء في هـذّه الفترةّ لكنّ لا تظهرّ أوراقها للعـّيانّ، لقدّ حانّ دورّ كـّايلّ فيّ التقـدّم و رفـّع سّيفه عـّاليّا ، إنهـّا حـّرب السـّلطة و النفوذّ يجبّ
عليها أنّ لا تستبـّعدّ مهماّ حـدّث ، كـّرقعة الشطّرنجّ ، هيّ المـّلكة و هو المـلكّ بينماّ نـّايت الملكّ و مـّاريّ بجانبهّ ، هيّ تـّفعل المستحّيل للحصوّل على الـّرقعة لهماّ
و هو يـّحاّربها بالمـّثل ، تنهدّت بّغبطة ،
فيّ تلكّ القـّاعة الكبّيرة التيّ عجّت بّضيوفّ من مـّختلف أنحاء البّلدانّ ، كانّ يّقفانّ بجاّنب بعضهماّ و هي تتأبطّ ذّراعهّ مظهرة ابتسـّامة بسيطّة على شّفتيهاّ
الوردّيتينّ حينّ لمحتّ بّقعة دماّء صّغيرة قدّ ظهرت على قّميصّ نايتّ الأبيّض ، شهقتّ بخفوتّ فإلتفت إليهّا الحّاضّرون الواّقفون مـعهم بينماّ قطّب نايتّ حاجبيه
و قدّ ضـّاع ذّرعا بّتصّرفاتها الصّبيانيةّ ، قـّالت بارتباك
ـ عـذّرا ،
كيّف تستطيّع أن تسحبهّ منّ وسطّ هذه المجموعّة دون أّن يلاحظّ أحد ؟ كيّف و هو العـّريس و هذه ليّلة زفّافه ؟ زفّرت بـّغيض و قدّ سئمت فـّعلا من هـذه
الأجواء، أنّ تـّرغم نفسها على التصّرف بمودّة و أنّ تنسى كلمـّات نـايت اللاذّعة و التيّ لا زاّلت تدورّ في رأسهاّ ، إنّ كلاماتّه شّبيهة بالسّمّ ينسل بّدقة إلى
القّلب فّيضعفه و قدّ يميت إنّ أكثّرت الجـّرعة و هيّ خاّئفة من أنّ ترتكّب أن شيء فيؤنبها عّليه و خـّائفة من أن تتصّرف على طّبيعتهاّ فـيجّعلها تذّوق الوّيلات ،
كلّ هـذا لأنهاّ أرادّت مـعرفة و التـّعرف على الشخصّ الذّي تحبّه فـهل هذه جّريمة ؟
نـظرّت إلى فلورا و ويليامّ يّسيران منّ بعيدّ و واضحّ من شكّلهما أنهماّ يتشاجّران فابتسمتّ بـخفة ، لمّ تسنحّ لها الفـّرصة للحدّيث معهما فـكادّت أن ترحّل
لولا أنهاّ تذّكرته ، أمسكتهّ من ذّراعه و هي تـّرجوا أن لا يّخيب ظنها و يّرفض
ـ عـزيزيّ دعنـاّ نـّلقي التحيةّ على أصدّقائنا هناكّ
نـظّر إليها بـبرودّ ثمّ انحنى بخفة و غـّادر بّرفقتهّا ، لا تـّدري لماّ لكنّ تشعر بأنهّ هدوء ماّ قّبل العـّاصفة و بعدّ ابتعادهما مسّافة كاّفية قـّالت بتقطيبه تعلوا وجهها
ـ لقدّ بدأت تتّسرب الدماّء من قميصكّ لابد أنكّ أجهدتّ نفّسك و وجهك بدأ يميل لشحوبّ أيضّا ، فهـّل أنتّ بخير ؟
لمّ يّقل شيئـّا بل نـظرّ إلى بدلته التي تظهر عليهاّ بقّعة قدّ بدأتّ تكبّر فأومـأ على أنـّه بخيرّ ، لكنّ لم يكّن فعلا واعّيا لماّ حوله ، رمقـّته بـقّلق لمّ تستطّع أن تـّخفيهّ
حين ـظهر كـّايل فجأة أمامهماّ بـعدّ أن كانّ يّراقبه من بعدّ قـّالت ماري بسرور
ـ كاّيل تماماّ الشخصّ الذّي أريـدّه ، إنّ كنتّ لا تمـّانعّ هلا تـّفضلت و أنهيتّ الحفّلة عناّ ؟ نايتّ مصابّ بالحمى و لا يستطيّع إنهاء السهرة
بقّي واّقفا بتهجمّ ينـظّر لهماّ ، فلمحّ بـقعة الدماءّ تـلكّ إذنّ لقدّ اصطدّم بـهمّ فـّعلا ذلكّ الرجلّ و ظنّ أنه أودى بحياتهمّ لكنهمّا نجيّا بـأعجوبة هـذاّ ما يستطيّع
تحّليله منّ تصّرفات نايتّ الليلة فهوّ لا يبدوا فعلاّ بوعيهّ فـقّال بهدوء
ـ حسنـّا لا بـأس فهي مملة على كلّ حـّال ،
ثمّ اتجـه إلى ويليامّ مضيّف الحفلةّ ، بينماّ أمسكتّ ماري بنايت جيدا و صـعدّت به إلى الأعلى فبـعدّ إرشادات الخدمّ وجدتّ نفسها تقفّ فيّ ذّلك الـّجناحّ ذو
الجـدّران الـسّوداء الـداّكنة و الفـّارغ الموحّش ، ذات السقف الخشبي الرائع والمرسوم باليد والذي يعطي بعدا أعمق ورقي محددا مقياس هذه الغرفة
وكذلك إحتوائها أنتيكات فرنسية وقطع أثاث مطبوعة بنقوش حيوانية و سـّرير واسـّع صّنع بواسطة خشب الماهوغني يشد الانتباه ، السجاد التابستري
جميـّل ينمي عن ذّوق رفيـّع ، أجـّل إنهّ جنـّاحه الخاّص بلّ شديدّ الخصوصّية ، أسندته و اتجها إلى الأريكة كيّ يجلّس عليها بكلّ راحّة ، وضـّع يده على
جبينه مبعداّ شعره الأسودّ ثمّ قالّ بـبرودّ
ـ كانتّ هذه أسوء حفلة أقمتها بحياتيّ أكملها ، لابدّ لأنكّ موجودّة فيها
نـظرّت إليه صامتة و لم تّقل شيئّا متعجبة منهّ، كيّف يمكنهّ أن يردّ بهذه السخريةّ و العـجرّفة كمّ هو شخصّ فّريد منّ نوعـّه عندماّ يّمرض يّهينّ
جميـّع من حولهّ كيّ يبعدهمّ عنهّ بينما و الإنسانّ الطبيعي يّسعى لإيجـادّ أولائكّ الأقلية الذّين يستدّرون بجانبه
جلّست أمـّامه غّير قـّادرة على فعلّ شيء سوى النـظّر إليهّ ، لقدّ نستّ الكثّير من كّلامه فلماذا لمّ تستطـّع أن تنسى كلمـّاته فّي تلك المرةّ ؟ عندمّا
كاناّ بالمشفى ؟ ألانها هزتهاّ في صميم ؟ ربمـّا ، زفـّرتّ بـغّيض و رفـّعت قدميها فوقّ المـّائدة الزجاجّية ، صّفقت بيديها مـّعا فجـأة ثمّ وقفّت باستقـامة ،
ابتسمـّت بكلّ بساطة لقدّ تعرضت للاغتيال و نجت بكل أعجوبة و بـّفضّل نايتّ فّارسّ أحلامها فلماذا هي تعيسة في يومّ زفافها الموعودّ ؟
لا هيّ لن تحّزن ، مـّاريّ ليّست هـكذا على الإطّلاق فـّشمرت عن سـّاعديها و رسمـت ابتسامة وسيـّعة على شـّفتيها ، مجردّ قوله ذلك الكلام فهـذا
لا يعني أنهّ يعنيهّ لذاّ وقفّت بكلّ شجـاّعة ثمّ قـّالت لنايتّ المستغرّب من تـّبدلّ ملامحها وجهها فيّ كلّ ثانية
ـ زوجيّ الـعزيزّ لا تـّظن أننيّ سـأستسلمّ بهذه البسـاطة، أنـّت ملكي
شحبّ وجههّ من الـّرعبّ و قدّ ظنّ أنهّ قدّ تملكها شبحّ مـّا ، تصّرفاتهاّ الـغّريبة دومـّا ما تـّثيرّ استغـّرابه و جمـّلها التيّ لمّ و لنّ تكونّ دوماّ في محلهـّا هيّ
مـّا تجـّعله قّلقـّا أو منـزعجّا بالأحرى منهـّا فقـّال بـّبرود
ـ اسمـعّي أيّ مشهد درامي تحاولين تـّقليده الآن فقدّ فشلت
قطبّت حاجبيها و قدّ أحبطّت عزيمتـّها لكن حقّا ما الذي كانت تتوقع منه قوله ؟ حبـكّ قدّ ملكنيّ فـّكلّْ لكّ ؟ لكنّ هـزّت رأسها نفّياّ دلالة على عدمّ اهتمامها بمـّا
يّقوله فـّعلا ثمّ قـّالت بـّفضول
ـ من أينّ نـجّلب الدواء ؟
تجـّاهلهاّ كـعادّته ثمّ اتجـّه إلى ذّلك الدرجّ الذّي بجـّانب سريرّه ذو الـغطّاء المخمّلي الأسودّ ثمّ فتـّحه ، أخـرجّ الضمـّاداتّ و دّواء الذّي وصـّفه له الطـّبيبّ
ليتنـاّوله دّفعة واحدّة فاتجهتّ إليهّ مـّاري و أخذّت الضمـادّة من بينّ يديهّ ، ابتسمت و غمزت بعينها قائلة بكل مرح
ـ افتحّ قميّصكّ
رمقّها بـّبرودّ ثمّ حـّاول أنّ يمدّ ذراعه باتجاهها و يـأخذّ أشياّءه لكنهّا ابتسمتّ بـدهاءّ و أبـّعدتها أكثّر ، خـّلف ظّهرهاّ تمـّاما فردّ بحدّة
ـ سحقـّا ماري ، عـطّني إيـّاه
هـزتّ رأسها نفّيا فتطـّايرّت خصّلات شعرها البنيّ معهـّا بكلّ عنفوان و مـّرح فزفر بعصبية و الألمّ يـّعتصره ثمّ رّفع جسمـّه بأكملهّ ليأخذّه حينّ سقطّت
مـّاري على سـّريرّ ليسقطّ هو فّوقهـّا فـوضـّع يدّه على صـّدره بكّل ألمّ بينماّ شـّهقت هيّ آخرى
نـظّرت إلى عينيهّ الداكـّنتين اللتـّان قدّ احتدّتا و قدّ لمـّعتا بـّلون السمـّاء العـّاصفة عندّ غـّضبها احمـّرت وجنتيهاّ خـّجلا و كـادّت أن تبتـّعد لولا أنهّ أمسكّ
بيدّها الملقـّاة بجانبهاّ ، ثمّ تحدّث بهمسّ خطيّر
ـ إنّ استمـّررتّ بـّأفـّعال طّائشة مثّل هـذّه فـأناّ لنّ أضمـّن لكّ سلامتك ، لذّا مهماّ كان الذّي تحـّاولينّ فـعله فـتّوقفي
نـظرت إليه بعينين واسعتينّ محدقتينّ غيّر قابلتين على فـهمّ المعنى الخّفي من كّلامه فتنهد بقلة حيلة و وضـع رأسه على كتفها فدهشت ماريّ و
استدارت ناحيته لكنّ ملامحّه لمّ تكنّ ظاهرة لهاّ ، قـالت بـقلق
ـ نايت ألا تستطيع إحتمال الألم ؟ هل يجدرّ بنا الذّهاب لطّبيب أم استدعاءه ؟ دعنيّ أرى يـا ألهي أيعقل أن جرحّ قدّ فتـ
همسّ بشيء ما مقـاطعّا إياها ، تـوقفت عنّ الحديثّ و رمشّت مرارا تكرارا قبلّ أن تحـاول الـوقوف لكنّ يدّيه المـطّبقتين على ذّراعيها قدّ منعتها من
الحـّراك ، ما الذيّ يحاول قوله ؟ همس بّصـوت مـّبحوحّ ذوّ آنين مشـآبّه لّنغمة النـآي
ـ أنا آسف
فتحت عينيها البنيتين على وسعهما غيٍّر مصدقة و نـبضات قلبها تدق بجنونّ فإحمرت وجنتيها خجـّلا و ترددّت قبل أن تمدّ يدها لكنّها تغلبت على خوفها و
وضـعت أناملها على شـعره الحريري الأسودّ لتحـركه بخفة و هي تتحدث بنبرة محبـة
ـ و لما الإعتذار ؟ أنتّ بطلي
بقيّ فترة على وضعيته تلكّ حينّ تحاملّ على ألامه و وقفّ بّبطء مستندا على السريرّ ، أمسك رأسه عندما داهمه صّداعّ قوي فتمايلّ فيّ حركته قـليلا ،
بنظراته التائهة في المكان ثمّ قال ببرود
ـ دعيناّ نغـادرّ ، لا يجبّ علينا أن نتركّ ضّيوفنا لمدّة أطـّول
رمقته بإستغراب و هو يـتجه نحو المخرجّ غير آبه لما حـدّث تواّ أمّ كانّ ما حدثّ تواّ من محضّ خيّالها فقط ؟ لكنّ لقدّ سمعته يّهمس و بنبرة مضجعة
بالندمّ اعتذاره ؟ أيعقل أنها قدّ اخترعت ذلكّ لآنها ترغب و بشدة بسماع هذه الكلمة منه ؟ إذا .. ؟ شهقت برعب و هي تقف مسرعة لتركض خلفه

/

كـّانت فّلور جـّالسة تمسكّ كـأس بينّ يديها و تنـظر من حولها بّضجر تام قدّ افتقدت وجود أختها الصغرى بجانبهاّ حينّ لمحتّ من بينّ الجموعّ عمهاّ رويّ
و بـرفقته سيليا ، ألا تزال موجودة فيّ الحفلة ؟ الآن فقط قد لاحـظت أن روي كان معها في كل خـطوة قد خـطتها ، أيعقل أنها كـان على اتصال معها طوال
تلك السنين الماضية ؟ يجدر بها الحصول على تفسير لما يحدث هنا ، وقفّت كماّ لو كـأنّ نحلة قدّ لكزتها ثمّ أخذتّ تسير بخطواتّ سريعة جدا باتجاههما ما
الذّي تـّفعله أمها برفقة روي ؟ و لما لم تظهر طوال تلك السنين ؟
وقفّ فجـأة آرثر في طـّريقها فـتّوقفت هيّ عندما كـّادت أن تصطدم بهّ ، نـظّرت إليه شررا لكنهّ رّفع الهـدّية بكل براءة فيّ يده قائلا
ـ أتعلمين أين هي ماري ؟ أريد أن أسلمها هدّيتي
شتمتّ بّصوت عـّالي لماّ أختفى أثر سيليا كـأنها لمّ توجدّ قطّ ، فـرفـّعت فستانها الطـّويل الأزرقّ و ركضـّت مسّرعة غّير آبهة بآرثر المنصدّم من تصّرفاتها
الغير راقية كيّف كان معجبّا بها يوما ؟ ، بينما اتجهت هي إلى حيثّ كان يّقفانّ ،
حتى روي قدّ اختفى ، لكنّ لما قد أتت ؟ تنهدّت ثمّ عـادتّ أدراجهـّا إلى حيثّ يّقف آرثر ، قـّالت له بـاشمئزاز
ـ لطالما كنت نـذير شـؤم و بـؤس ، ما الذي قّلت أنك تـريده ؟
ابتسمّ بصّبر ثمّ أعـّاد كلماته على مسامعهاّ بكلّ هدوءّ حينهاّ وجهتّ فلور نـظرها ناحيّة نايتّ الذيّ يّقف مودعـا الحضـور ثمّ قالت بلا مبالاة
ـ يمكنك تسليمها لنايت هناك
رمقهـّا بـغّضب ثمّ استدارت راحـّلة فـأمسكها من معصمها بكل قوة مما جعلها تجفّل قّليلا ، أرخى قبضته و قال بابتسامة بسيطة تعلو شفتيه
ـ أناّ أفّضل أن أسلمها لماري شخصّيا ،
أومـأت ببرودّ و أشـّارت على أحدى الخـادّمات كيّ تـأخذه إلى حيُّث يريدّ بينما عـّادت هي تجـّلو بنظراتها هنا و هنـّاك بّاحثة عنّ أمهـّا أو روي ،يجبّ
عليها أن تّجدّ تفسّيرا واضحـّا لما كـّانا مّعا ؟ لا بدّ أنهاّ قدّ سمعتّ بزواجّ ماري منّ قبل رويّ لكن لما قدّ عـّادت ؟


JAN 03-09-2020 11:15 PM


كـّان ويّليام جاّلسا على مقـعدّ البيانو يـضّغط بـمللّ على النوتـّاتّ و قدّ افتقدّ الصحبّة في الحـّفلة ، نايتّ لا يستطـّيـع أن يبقى مـّعه طوال الوقّت و فـلورّ ستبقى
تلكـمهّ أو تّشتمه بينمـّا كلّير لمّ تعجبّه حقّا و سيدّة فرانسيسّ تستعيدّ ذكريّـات بّرفقة زوجها بّول فجـأة وضـّعت يدّين على عينيهّ ، دّهش و استقـامّ فيّ جلـّسته
ثمّ وضـّع يديّه فوقّهما همسـتّ بطـّفولية و مـّرح
ـ من أنا ؟
ضحك ويليام ثم التفت اليها ، فجـّلست بجانبه و ظهرها للبيانو رفعـّت قدميها إلى جانبّ صدرها بكلّ هدوء بينما عينيها الزجاجيتينّ تـّراقبـّان نايتّ ، فابتسم
ويليام و أنـزلّ رأسه ثمّ قـّال بنبرة هادئة مخمليةّ
ـ مـاري
همهمت دّلالة على سماعها لمناداتهّ فلمّ يـّقل شيئـّا مما جـّعلها تلتفتّ إليه ، رمشّت بعينيها عدّة مـّرت مسـتّغربة فـوضـعّ أنامله على جّبهتها و أبعدّ خصّلة
كانتّ تّضايقها ليّقول بـمرحّ
ـ أعـتنيّ بـنايتّ جيدا من فـّضلك
أومـأت بـرأسها و هي تلاحـظّ ابتسامـّات نايتّ البـّاردة الموجـّهة نحو ضـّيوفه ، بـجاّنبه كـّان جدّه يـّلقي التحيّة عليهّم بحّرارة تـّامة فقـّالت بـهدوء
ـ لا أفهـمّ لمـّا أنت تهتمّ به لهـذهّ الدرجة ؟
تـّغيرت مـّلامحـّه لكنّ سـّرعان ما أظهر ابتسامته الدائمة الجـذّابة، لوّ أنهاّ تـّعلم فهلّ ستبقى ؟ ضحـكّ و قـّال بـلطّفّ
ـ أنتّ لا تـّعلمين مـدّى محبتيّ لذلكّ الأبله الذّي هنـاكّ فلو طـّلب منيّ النجومّ لصـعدّت السمّاء و جلّبتهمّ له
شـّهقت ماري بتعجّب من مـدى إخـّلاصه، هل يوجدّ فعلا أصدّقاء بمثل هـذا الوفـّاء ؟ إنها لا تـّعلم فهي لمّ تحض بصدّيق في حيـّاتها إلى غـّاية تـّعرفها
على ويليّام ، كان بمثّابة البلسمّ لجروحهـاّ فقـّالت بـنبرةّ لم يستطّع ويليامّ أن يفسرها
ـ سـعيدّة لذّلك ، فـّعلا
ضحكّ و وضـعّ ذراعـه على كتـّفيها منـزّلا رأسها إلى الأسـّفل فـإحمـّر وجهها بالكـّامل و بـدأت تـحاولّ ان تبعـدّه لكـّنه قـّال بمشـّاكسة
ـ هـذّا لا يـّليق بكّ مـاري
شـّعرت بالإحـّراجّ الشديدّ فـابتعدّت قّليلا لكنها سـقطّت من على المقـعدّ فيّ الأرّض ، لم تكنّ المسـّافة بالـقصيّرة و لا الطـّويلة لكنّها تـألمتّ فنـظّرت
إليه بـغّيض ليـّقول هو بكل رضى
ـ هـذهّ هي مـّاري التـّي أعّرفها ، تّصرفي هـكذاّ دومـّا
ضحكتّ ماريّ قـّليلا بإحراجّ أيقصدّ بجملته هذه وصّفها بالخـّرقاء ؟ حسنـّا هي نوعّا ما كذلكّ حيّن إمتدّت يدّ ناحيتهاّ كيّ تسـّاعدها على الـّوقوف ،
تـّقدم آرثّر و على شّفتيه ابتسـّامة غـّامضة جـّعلتها تـّترددّ كثّيراّ قبلّ أن تـّقرر تجـّاهل يدّه المـّمدودّة و تـّقف من تـّلقاء نفّسها بينماّ تـّداركّ آرثر الـوضّع
و أعـّاد يدّه خلف ظهرهّ كالنبـّلاء تمـّاماّ ثمّ قـّال بـّكلماتّ بسيطّة
ـ أعتـّذر على إقتحاميّ لحديثكما هـذّا فجـأة لكنّ أريدّ من ماريّ آن تـستلمّ هديتيّ بشـّكل خـّاصّ جداّ لذاّ أرجوا أن لا تمانعّي وقـّاحتيّ هذه
حملت تلكّ الهدية ثم ابتسمت بتوترّ ، لابد بـأن داخلها شيءّ ترتجفّ له يالها من غبية عندما ظنتّ أنّ اليوم مر على خيّر فقـّالت بابتسامة مرتبكةّ سعت لإخفائها
ـ شـ شكـ شكـرا لكّ ،
انحنى بخفةّ و قدّ ظهرت على ملامحه معانيّ الخبُّث و المـكّر ، فتقدّم منهاّ ويليامّ بـاستغراب و عينه على تلكّ الهديّة ، هـذّا غـريب فكيّف لشخص متعجّرف
يحتّقر عائلة روبـّرت أن يقدّم لهمّ هدية ؟ قـّال بفّضول
ـ ماري أفتحيها
صـّاحتّ به نافّية و قدّ شحبّ وجههـّا ، فنـظرّ إليها ويليام بتعجبّ ثمّ انتزعّ الهدية من بينّ يدّيها حينّ حاولت ماري استرجـّاعهـّا كان قدّ فات الآوان
على ذلّك فقدّ فتحها بكلّ هدوء ، نـظّر إلى ملـفّ ثمّ إلى تلكّ الرسالة الصغيرة و قد كتب عليها ثلاثّة كلمـّات ، لديّك أسبوع واحد ، أعـّادها لها قـّائّّلا
ـ مـّاري ، إنّ كنت في مشكـّلة يجبّ عليكّ قول هـذّا لنا كيّ نسـّاعدك لا أن تخفيها كمـّا لو كأنك ارتكـّبت جرمـّا ،
تأملتّ الملفّ بـخوفّ و قلقّ ثمّ رفـعّته بـقوة ممسكة بهّ ، هـذّا لن يتسببّ في سقوطّها هي فقـط بل نايت و عائلتها بـأكملها فـأومـأت بالإيجـّاب ثمّ قـّالت بترددّ
ـ سـّوف أحـّاول أنّ أهتمّ بهذا الأمـّر بنفسّي،
تنهـدّ بغير رضى ، مـاّري فتاة ضـعّيفة جداّ و لنّ تستـطيّع التـّعاملّ معّ أشخاصّ بمثل هذه الدناءة مهما حاولت ، قـّال ويّليام بّنصف ابتسامة
ـ حسنـّا ، بيدكّ أسبـوعّ إنّ تـأخرت سوف أستلمّ أناّ الأمور
شّعـرت بالإحـرّاج الـّشديدّ و هيّ تـّرى إبتسـآمة ويّليام الداّفئة مخـّبرا إياهّا أنهّا يمكنهاّ دوماّ الإعتمـّاد عليه ، فإبتسـّمت بسـّعادة و هي تـّومئ إيـّجاباّ
ـ لكّ ما تـّريدّ
نـّظر إليهـّا مـّليّا و قّد طـّغى صّفـّات اللطفّ علىّ أنـّحاء وجـّهه راّمقاّ إياهـّا بعينينّ داّفئتينّ حـّزينتينّ فـّوضع يدّه على شعـّّرها الـّبني المّصفف بـّكلّ
دّلال و مسّح عليه بـّكل خفـّة كـّما لو كـأنهاّ طـّفلة بالسـّابعة منّ العـّمر فّي حيـّن كـآنتّ هنـآلكّ آعينّ خفّية مـّملوءة بـّالحقدّ غـّزاهاّ الـكرّه و أوقدّتها
نـآر الإنتقـآم تـّراقبهمّ ، همـّس بـّصوت كـّفيحيحّ الأفـّعى
ـ إنعـّموا بـّهذه السـّعادة المـّؤقتة فـّهي لنّ تدومّ
ثمّ وضـّع قـّناعه على وجّهه الشـآحبّ بـّكل هـدوءّ و قدّ سـآرّ بينّ حشـّود الـّضيوف المـّجتمعة إلى حيثّما كـآن ذلّك المـّخرج مـّوجـوداّ مـّتوعدّا بداّخله
أنّ يذّيقه ويّلاتّ الألمّ



JAN 03-09-2020 11:17 PM

أكتفيت الى هنا





JAN 03-10-2020 12:43 AM



أعتـّرافـّات آخـّر الّليل
تـهاوى وشـاح الليل على سمـاء لندن بكلّ بطء نـاشـرا أشـعة نـور قـمرّ كـادتّ تلكّ الغـّيوم الضّبابية أن تخفيه، عندماّ دقّت عـقارب السـاعة
فيّ ذلك المنـزل المـوحشّ معلنة عنّ نهايةّ يومّ آخر وسط دهاليـز الـظلام و خلف تـلك الغـرف العـديدة الفـارغة ، تحديداّ بـغرفة المعـيشة حيث
كـانت نار المـدفئة تومضّ و هي على حـافة التلاشي كانت عينيه السوداويتين تـراقبانها ببرود همس بصوت متـململ
ـ أنا أكّره الإنتـظار ،
تنـاول كـأس من شـرابه المفضل لتلاعبه أنـامل يده بكلّ خفة قبل أن يبتسم بحقد شديد ، وجـه نـظره إلى تلك الـصورة الـكبيرة الـمعلقة و قد
احتوت ثـلاثة أشخـاص فقط ، رجـل في منتصف العشرينيات يبتسم بكل ثقة مرتديا بـذلة رسمية سوداء اللون و بجـانبه رجل ظهرت معالم
الشيخوخة على وجهه البـارد يجلس على كـرسي فاخر واضـعا فتى صغير في حضنه ،
هـذه الـصورة ذات الإيطار القديم المهزئ و غبـار المتـراكم هي آخر ذكرى يمتلكهاّ ، تلكّ الابتسـامة المفـعمة بالثـقة و ذلك الدفء لن يـعودا
أبدا حينما توالت كلمـات فجـأة إليه متـسللة محـاولة زرع الـمزيد من ذلك الـحقد بين كل نبضة يهمس بها قلبه
ـ لا أحد يستطيـع إيقافه، لا أحـد نـد له .. أنت لست نداّ له
شدّ على قبضته بقوة و قدّ تجمعتّ نيـران غضبه فيها ، وضـع الكـأس على الطـاولة الـزجاجية بهدوء منـاقض لأعصابه ثمّ إتجه بخـطوات بطيئة إلى
الـشرفة ليقف مواجها نور القـمر فصـاح بـغضب
ـ سـأهـزمه و ستـرى ذلكّ ، أناّ لن أهـزمه فقط سـأقتله و سترى
إتجـه إلى الغـرفة مسرعـا ثمّ أمسـكّ سترته الـجلديّة السـوداء ليرتديّها بكل خفةّ ثمّ أخرج هـاتفه من جيّبه و ضـغط على رقمّ كان موضوعـا في
قـائمة الاتصـال الـسريع ، لحـظات حتى إنتـقل إلى مسـامعه صـوت شـاب ما بنبرة كسـولة نـاعسة ضجرة
ـ ألا تـفرق بين الليـل و النهـار ديمتري ؟
ابتسم ديمتري بكل بـرود عندما وضـع مفـتاح سيـارته في مكانه المخصص و شـغل الـمحرك بقوة ليصدرّ صوتا عـالياّ لحـظة ما إنـطلق بجـنون
فـأفاق صديقه من نومه و قدّ غـادرّه الكـسل ، قـال ديمتري بـغيض
ـ أنـا فيّ طريقي إليك لذّلك قمّ بفتح البـوابة فـأنا لا أرغب بالإنتـظار بـعد الآن
تنهـد الشـاب بـكره عندما أغلق السـماعة دون أن يترك له الفـرصة لرفض أو حتى القبول فانسل من سـريره الدافئ النـاعم إلى الطـابق الأول
كيّ يـقوم بتنفيذ أوامر ديميتري ، همس بسخرية
ـ و قدّ ذهب النومّ أدراج الريّاح

/

قدّ إختفى لمعـّان الأضـواء تحـّت نـور القـمرّ بينّ نـّوافذّ تلكّ الـقـاعة الـواسـّعة التيّ كانتّ تـّضم حفـّلة زفّاف سـّابقّا حيثّ انتهى الخـدّم
أخيـّرا من تـّنظيفها عندمـّا دّقتّ عـّقارب السـّاعة لتّشير إلى منتـّصف الّليل فوضـعّت تلكّ الآنسة مئزرّ عملهاّ جـانبّا و هيّ تستـّعد لذّهاب
إلى جـّناح المخصّص لهنّ ، لمـّا مـّرت بجانب جـناح العـّروسينّ الجـديدين توقفت أمام البـاب قـليلا و أمالت رأسها دلالة على غير الرضا
ثمّ همست بصوت بـاردّ
ـ سنـدريّلا ؟ يستحسن بك العودة لدياّرك
بينماّ و خلفّ قّضبانّ ذلكّ البـابّ و بينّ صـّمت المـّوحش لتلكّ الـغرفة فبـعد إنتـهاء الليـّلة على خيـّر و بّرز ضوءّ القمـّر فيّ السمّاء عـّاليّا
منـّيرا طّريقه نحوّ الشرفة فـظهـّر جسـمهّ المستلقي على الـسريرّ بكلّ بـرودّ، بينمـّا عينيهّا الـزجـّاجيتينّ تجـّولان بـكلّ استمـتاعّ فيّ كل الأنحـّاء
منّ تلكّ الجـدّران ذاّت الطـّلاء الـرماديّ إلى سجـادّة السوداّء، كلّ شيء هنـّا بالأسودّ و الأبيّض يميلّ لرمـادّي، ما معنى أن يـّعيش الإنسان فيّ
الأسودّ و الأبيضّ فقط ؟ فـوضـّعت أصّابعها الفّضولية على ذلّك المـكّتب المصنوعّ من أجودّ أنواعّ الخشّب ، مستندة على ركبتيهاّ و هي
تكتشفّ عـالم نايت المثير ، ياله من عـالم يـملئه الـغموض يترأسه نايت .. أخيرا سوف تكتشفه ، ابتسـمتّ بكل حماس إنهاّ الطريق لكسّب قلبه
و معـرفته ، لفهمهّ و الشـعّور بألمه حيّن شـّعرت بوجودّ ظلّ ما خلّفها ، كـادّت أن تـّصرخ لولا أنّه وضـّع يده على فـمهاّ ثمّ قرفصّ بهدوءّ
و قـّال ببـرودّ
ـ هلّ ظللت الطـّريق ؟
ضحكت بكل إرتباك غير مصدقة أنها و منذ هذه اللـحظة تعتبر زوجة هـذا الـرجل الوسيم القـابع أمامهاّ ، لابدّ أنها محظوظة فإبتسمت و كادتّ
أن تفلت من بين شفتيها ضحكة سعادة
ـ لاّ ، ألّن تّقولها مجـددا ؟ فأناّ فعلا أرغبّ بسماعها
نـظر إليها بّعينين زرقاّوتين داّكنتين حيثّ قد قـرأ أفكارهاّ من انعكاس شـعورها على وجهها البريء ، فـأمسكّ بذّراعها و سحبهاّ رغماّ عنها
لّكيّ يفتح بـاب غـرفة ما و يـرميها بـداخل غير قـادر على تحمل بّساطة عقلها أكثر من ذلك ، همسّ محدثّا نفسه بّلهجة مغتاظة
ـ ما الذيّ تتحدثّ عنه بحقّ الله ؟
تحسست ذّراعها و هي تـنـظّر من حولّها، إنهاّ غـّرفة ملابسه و التيّ حالّيا هي غـّرفتهاّ هي ، كيّ لا يثيـّرا الشكّ و كيّ لا يضطّر لتحمّل وجهها
طـّوال الوقّت فوضـّع هـذا الحّل المـّثالّي ، و العـّجيبّ أنّ الغـّرفة جميـّلة لدّرجة أبت عينيها تصدّيقها ،
كـّانّت مـختلفة تـماّما عنّ جـناحهّ هو ، جـدّرانها مـطّلية بالذّهبيّ و لدّيها سّرير متوسطّ الحجمّ مـعّ نـّافذة تطّل على الحـدّيقة ، خـزانةّ ملاّبسّ و
مكتّب صـغّير جداّ يحتوي على كتبهاّ المدّرسية ، تنهـدتّ بـغّيض و ركضـّت إلى سـّريرها لتقفزّ عليه
فـكّرتّ قـّليلا و هي تمدّ يديها نـّاحية السـّقف المـزّخرف و الثـّرية العـّملاقة ذّاتّ اللونّ القـّرمزي الـبسيطّ الذّي يـّغلبّ على الذّهبي، لمـاذّا الـوصول
إليه بهذه الـصعوبة ؟ قـلّب نـايت لمـّا هو بهـذه الصـّعوبة و كّل تلكّ الحـواجـز ؟ يـا ترى إن استطّاعت اختراقّها فّهل سوفّ تعـّرف السـرّ الكبير
المخبـأ خلفها ؟
فيّ الجـّهة الآخرى للجـداّر ، كـّان نايتّ يـّضع ذّراعه على عينيهّ مانّعا ضوءّ القمر من التّسلل إليهما و قدّ سكـّنت حـّركاته بـشّكل تـّام ،
همسّ بـّهدوء
ـ هـّل هـذّا فعلا يستحّق العناءّ ؟
هـّل كـّل مـّا قـّام بـّه فـّعلا يستحقّ ؟ أنّ يّصبحّ هـكذاّ فّّي هذه الوضـّعية مكرهاّ من قـّبل الجميـّع و سـّاعّيا للانتقـّام بكل مـّا أوتي من قـّوة ،
نـظّر إلى الـّشرفة و الستاّئر تتحركّ بتنـّاغم مـّع الريـّاح ، فـعاّدت إليهّ نـظرّة عينيه الملـيئة بالحقدّ و الكـّراهية بـّعد أن تّغلّبتّ مشـّاعر الانتقـّام
على ضمـّيره ، و طـّغت تـّدريجياّ على قـّلبه فـعّقله فـكلّ كيـّانه لّيصبحّ مجردّ آلة تـّسعى خلّف ما أخـذّ منهّا لـّيهمسّ بـكلّ لطـفّ
ـ فـّات الأوان

/

بحلّول منتصّف الليّل تمـاما و بداخل شـقة ماري التي أصبحتّ الآن ملكاّ لفلور قد كـانت بدورهـا جالسة في المـطبخ حاملة بين يديها فنجان من
الشاي كي تدفئ نفسها قليلا من نسمّات لندّن الّباردة ، شعرها الأصهبّ منسدل على ظهرها بتموجّ جميلّ يّبرز تفرّد لونّه الطّبيعي و فستانها
الأزرق لا يـزالّ يضمّ جسدها حتى بّعد إنتهاء الحفلة ، هنـاكّ الـعديدّ من الأسئلة تّدور بّعقلها و لاّ يـزالّ الـجوابّ مبهماّ ، و منّ هـذه الأفـكار كـان
يوجدّ سـؤالّ واحدّ فقطّ جـعلّ الـنومّ يّفر هارّبا منّ بينّ جفنيهاّ فـهمستّ به بنبرة متسـائلة
ـ لماّ قدّ عادت والدتي بّعد غيّاب طـال لعقدّ من الزمن ؟ إنه لأمر غّير منطقّي، لماّ الآن من بين كلّ الأوقات ؟
الأمر غريبّ و يثير حيّرتها لكن ما الذي بيدها لتفعله ؟ تنهدت بكل أسى و كادت أن تّستلقي على تلك الأريكة لولا رنين الـجرسّ المفـاجئ فاتجهت إلى
المخرج لتقوم بفتح الباب ، رأت ويليام يّقف خلفه يرتديّ ثيّاباّ مبتلة و ليس واعيا تماما لما حوله ، رمقته بكل استغراب ثم قـالت بنبرة مستنكرة
ـ ويليام ما الأمر ؟ تبدوا كما لو
ابتسم بـكلّ جـاذّبية كعـّادته العـّابثة ثمّ عـّبر ببّضعة خـطّوات ذلّك الـّرواق الصّغير إلى حيّث كـّانت غـّرفة المعـّيشة ليحتـّل تـّلك الأريـكةّ الـّواسعة
بكلّ تعّب، رفـّع الغـطاّء الصّوفي المـّرمي على الأرّض بكلّ إهـمالّ ثمّ استلقى و هو يقول بنبرة مرحةّ
ـ عـذّرا على التـطفّل لكن سـأبقى هناّ الـّيوم
كـّانت فّلورا لا تـّزال ممسكة بّمقبض البـّاب الحديديّ بّدهشة تـّنـظرّ إلى حيثّما مـّا كانّ ويّليام واقفّا منذّ لحـّظات ، تنهدتّ بّقلة حيـلة و إتجـهت
ناحيته متحـدّثة بّقليل من الـغيض
ـ أخبرني أنتّ تخـاف من الظـّلام أليس كذلك ؟ و إلا فلما دوماّ ما تطّرق شّقتنا دوما فيّ الليل ؟
شـغلت التدّفئة و جـلست على الـسجـادّة لّتسحبّ غـطاّء آخر منّ أسفل الأريكة و هي تّشتم ترتيب مـاري الأخرقّ ثمّ سرعانّ ماّ أثّار انتباهها
فـلماّ جـديداّ يّعرضّ حّصرياّ فقطّ لتتّابعه بكلّ انتباه ، عندماّ همسّ ويّليام
ـ فـلور ، هل أناّ غبي ؟ ألستّ جيداّ كفـآية ؟
التفتت إليه مستنكرة كلّماته لتجـدّه يخفي رأسه أسفل الغـطاء و لا يبدوا علّى مـاّ يرام فزفرت بـكل كسل و بالرغم من أنها قد وجدت سـؤاله سخيفا
و لا يقارن بالغموض الذي يلف حياتها لكنها كانت سعيدة لأنها تـعلم الإجابة و متأكدة من صحتهاّ
ـ بالتـأكيد لا ، أنتّ الأفّضل بلا شكّ
استنشّق أكبر كميّة هـواء محـّاولا كّبح جمح أعصابه الـمفلتة ، هناكّ عبأ مثّقل الكهل على قّلبه لا يقدر على إزالته حتى لو تحدث عنه لذا ابتسم
بمرح و هو يستدير إلى الجـهة الأخرى ليتكلم بنبرة استطاعت فلور أن تلمح الحزن بها
ـ من الرائع أن يعتقد أحدنا ذلك،
نـظرت إليه بـدهشة ثمّ و بـخفة حـاولت نـزع الغطاءّ من أعلى وجهه لكنه كـان يقـاوم بشدّة إلى أن سقطت أرضا بـقوة و قد ارتطم رأسها بحـافة
الأريكـة ، فوقفت بغضب و نـزعته عنه بكل قـوة لتصيح بحدة
ـ ماذا بك ؟ إن كنت قد أتيت لتحصل على مدح مني فأنت قدّ أخطأت المكان يا صـاح و ما بال هـذه النبرة الحـزينة من يـراك يعتقد أن زوجـتك قد توفيت
، هيا قف و غـادر فورا يا أبله
رمقها ويليام بـغضب ثم أمسك بطرف الغـطاء ليحـاول جـذبه لكنها استمرت في تشبث به فـصاح هو الآخر بـنبرة غـاضبة
ـ ألا يمكنك الصمت و التربيت على كتفي بحنان يا إمرأة ؟ لماذا تثيرين هذه الضجة كلما تقابلينني ؟
صاحت بداخلها و هل هي تعـلم لتجيبه ؟ هذا الشيء الذي ينبض كلما رآه ، إنه يثير جنونها فردت قـائلة بحدة أكبر و غضب أكبر
ـ كل شيء بك يثير جنوني، أنت السبب في إبعاد ماري عني فلو أنك لم تقابلها لما
ابتسم بسخرية شديدة منّ هـذه المـرأة البـائسة ، تحـاول لومه لكنهاّ لا تعلم كيّف ، تحـاول البكاء على فقدان أختهاّ مرة آخرى لكنّ كبريائها العاليّ
يمنعها ، إنهاّ واحدة من نسـاء اللواتي يدعينّ القوة لكنهنّ لا يمتلكنهاّ فجذبّ الغطاء ناحيته أكثر و ردّ بنبرة واثقة
ـ حقا ؟ لو ؟ و ما الذي ستفيدك لو في حالتك هذه ؟ لما لا تكونين صريحة مع نفسك فلورا لما لا تقولين ببساطة أنك تفتقدين ماري و تمنين لو أنك
قضيت وقتا أكثر معها ؟ لما تحـاولين لومي و أنت لست قادرة على ذلك ؟
شعـرت بنيران الغضّب تتصاعدّ بعـّروقها شيئا فشيئا و قدّ ضّرب وتر حـّساس بنسبة لها فجذبّت هي الآخرى الغـطاءّ بكل قـوة و صّاحت به قـائلة
ـ حقا ؟ لما لا تكون صريحا مع نفسك ؟ ألست تحب ماري ؟ أيها الأبله و قد سلمتها بيدك إلى صديقكّ ، أرجوك أعتني بنايت جيدا ؟ أهذا كل
ما استطعت أن تقوله لها ؟
مزقّ الغـطاء إلى قطّعتين و قدّ تهاوتا على الأرضّ بينماّ تّلاقت نـظّراتهما ببعضها البّعض ، ملامحه المنصدمة و قد شحب وجهه بشدّة ، بينما بهت
لون عينيه اللامعتانّ حينّ إقتربت منه فلور ، أنزل رأسه للأسفل و قد غـطى شعره الأشقر وجهه عندما تحدث بنبرة باردة
ـ أنت مخـطئة ، أنـا لا أحبها ..
أمسكته من كتفيه بقوة و نـظرتّ إليه بكل تصميمّ ، فأشاح وجهه بـعيدا إلى حيثّ تلكّ السماء المـظلمة ، فـهـزته و هي تصيح بغضب لا تعلم ما سببه
ـ لما لا تعترف فقط ؟ لما لا تّقول ما يجّول بقلبك ؟ لما لم تخبّر نايت بـأنك من وجدها أولا ؟ من وقع بّغرامها و منّ عرفّ قيمتها أولا من أخرجهاّ
من قوقعتهاّ و من جّعلها تبتسمّ في أحلكّ أوقاتها ظلمة ؟ لما لا تّخبره أنك كتبتّ أغنية لها ؟ أيها الأبله
قدّ تهـاوت دموعهاّ على وجنتيهاّ الورديتينّ بصّمت ، شفتيهاّ لا تنفكانّ إخباره بمدى حبّه لماري بينما و عميقّا خلفّ قّضبان قلبهاّ كانّ صوتهاّ الصامتّ
يطلبّ بـألم أن ينفي ما قـالته توا ، تنهد ويليام بأسى ثم نزع ذراعيها و التفت مغادرا عندما عادت تصيح
ـ لأنكّ جـبان ، نعمّ لأنكّ جـبان
شدّ قبضته ثمّ استدار بغضبّ ناحيتهاّ ، كادّ أن يخبرها أن لا تتدخل فيما لا يعنيها لكنّ غّضبه ذّهب أدرّاج الريّاح عندما لمحّ وجههاّ الباكيّ فابتسم
بكلّ لطفّ و مسحّ بأنامله الطويلة التي لا طالمّا عـزفّت أوتارا منّ حزّن دموعهاّ ، تحدث بكل دفء
ـ لأننيّ أعلم أنّ من يحتاجّ وجودّ ماري بجانبه أكثر هو نايت ، و لأنني واثقّ أن بإمكان ماري أن تجعله يثّق بالناسّ مرة آخرى ، و لأنني آمل أن
تشفيّ ندوبهّ القديمة و لآننيّ أريده أن يحبها ،و لأنه الوحيد .. الذيّ يحتاجها فلا يمكننيّ أن أخذها
ضحك بـهدوء و هو يّربت على رأسهاّ بخفة ثمّ نـزل إلى مستوى عينيها و غمّز بّكل مرحّ ، فابتسمت فلور بّغير إرادتهاّ فقطّ لأنهاّ أرادت أن تّبعد هـذا
الجـوّ الـحزينّ عنّهما ، قـال بضحكة
ـ كمـّا أنني أمتلكّ فلور إلى جانبيّ أليس كذلك ؟
ضّربته بقّوة على ظهره ثمّ لفت ذراعها حول رأسه عندماّ فتحّ بابّ الشّقة بكلّ برود و دخلتّ السيدّة فرانسيس حـاّملة صّحنا من الحـّلويات بينماّ عينيها
حّمراوتين بشّدة ، وضـعّته على الطّاولة و جلّست على الأريكةّ لتّضعّ فلماّ جّلبته معهاّ كيّ تشاهدّه ، قـّالت بكبّرياء
ـ لمّ يصلحّ بول تلفاز بعدّ لذلك أتيت لأشاهدّ فلما هناّ ،
ضحكّ الاثنين بّخفة و جلّس كلاهماّ بجانبّ سيدّة فرانسيسّ ، يبدواّ أن جميـّع من بهذاّ المبنى يفتقدّها ، تلكّ الطفّلة التيّ آنآرت قّلوبهم لوهلة من الزمن

/

ظّلام دّامس يحيط بتلك الغرفة من كل النواحي فلمّ يتركّ مجاّلا لضوء بأن يتسللّ ، مستلقيةّ فيّ سـّريرها الـحريريّ الـكبيّر و تنـظّر إلى السـّقفّ بكلّ
هدوءّ كيّف تغّير لحـظةّ كلّ الأوقـّات التيّ بـّعدهاّ
شـّعرها الأسـودّ تنـّاثر حـّولها فـجعلهاّ كمـّا لو كـأنهاّ أميرة نـّائمة ، و عينيهـّا العـّسليتينّ تـّراقـّبان القـمّر بـكلّ بـّرودّ و تـّرقبّ ، عـجيّب كيفّ أرادّت أن
تـّقتل نايتّ بشدّة لأخـذّ عـّرشه و جميـّع أسهمه لكنّ الآن بـطّريقة مـّا هي مـّرتـّاحة و مغـّتاظة في نفّس الوقـّت
مغـتـّاظة لأنّ مـّاري من الآن فـّصاعدّا ستشـّاركّها جميـّع نفـوذّها ، و يبدأ النـفوذّ من كلّمة سيدّة آل لبيرّ و لكنّ سبب كـّونها مـّرتـاحة فحتى هيّ لا تـّدري
ما السبب ، استقـامت فّي جلّستها مفـكرة ، يجبّ عليها أنّ تـّخربّ علاقـة ماري بـنايتّ لكنّ كيف ؟ فـماّري ملتـّصقة كالغـرّاء بهّ لكنّ لا يبدوا على
نـّايت أنهّ تـّغير أبداّ لما يـا ترى ؟
تنهـدّت بّغيض ، كمّ تكره كونهـّا لا تـّعلم شيئّا هذّا يجـّعلهاّ في نهـّاية القـّاع فـأغـّلقت عينيها العسليتينّ كثّيرتا الـرموشّ لتتـركّ خـططّها إلى الـغـد
عندّما تـّكلمّ كـّايلّ بـهدوء
ـ إليـزابيثّ ، أتظنينّ أنّ نـّايت قدّ اكتشـّف من حـّاول قـّتله ؟
شـّهقت و استدارت نـّاحيته، كّيف لها أن تنسى أمـّرا مـهما كـهذاّ ؟ يكفّي ما لـديّه من دّلائلّ ضدّهما هّل يجبّ أن يـّجمـّع أكثر ؟ فهـّزت رأسها نفّيا قـّائلة ببرود
ـ لاّ سحقّا ، طّبعا لا سـّوف آمرّ مسـّاعديّ أنّ يـّقضي على القـّاتل قـّبل أنّ يـّصل نـّايت إليهّ ، أنـّا لن أسمـحّ أبدّا بـانّ يصـّل إلينا
صمّت كـّايلّ قـّليلا مفـكّّرا ثمّ ابتسمّ ، حسنـا هذه فكرة جـيدّة حتمـّا ثمّ قـّال بـهدوء
ـ دّعينا نمحى دّلائلّ التي تـّركناها خـّلفناّ ثم نـّشنّ هجومـّا مبّاغتا آخر
ضحكّت إليـزابيثّ موافقـّة إيـّاه ، ذلكّ الـرجّل كانّ مجردّ قـّاتل و قـّتله هو تـّخليصّ للمـّجتمـّع ، لذّا لنّ يعتـّبر هـذّا قـّتلا و إنـمّا تنـظيّف المـتجمـّع من حـّثـّالته ،

/

فيّ الشـقة المقّابلة كّان آرثّر مّستلقيّا بـهدوء علىّ سريرّه و قدّ غادرّ النومّ جفنيهّ ، حّاملا بينّ يديّه ملفّا ماّ و يبدوا عليهّ التفكيرّ العـميقّ ،
حينّ رنّ هاتفه ليّزفر بكلّ غّيض و هو يّعلم تمامّا من المتصّل لاّبد أنهاّ أخته كليّر ، إذ أنهاّ قلقة جداّ عليه
رفـعه ليطفئه لوّلا أنّه وجدّ رقمّا غّريبا يحتلّ شاشّته ، فكرّ قليّلا ثّم زّم شّفتيه بّأسى و هو يّرميه بالدّولاب الصّغير ، إنّ لم تكّن كليرّ فإنها
أحدّ أولائك الفتياتّ اللواتي واعدّهن و الآن ربماّ بّعد تّرك صديّقها لها فّهي تبحثّ عنه ليواسيها ، قطبّ حاجبيه بّكسّل هامسّا
ـ أناّ من يحّتاج إلى المواسّاة هنا ، ألا يّوجد حلّ لمشّكلتي ؟
بالّرغم من أنه يّعلم تماماّ أن ابتزاز ماريّ ليسّ بالحلّ لكنّ ليس بيدّه حيّلة ، فّإن لمّ يسرع بكسب المال فهو لن يعودّ للمنزل و لن يقّبل والده عودته
، فجأة عادّ هاتفه يّرن مجددا ليقف بكل ضجر و يحمله ، رفـع السماعة ببرود و أجاب
ـ بحقّ الله ألا ينظر أحد إلى كم تشير الساعة قبل الإتصال ؟ على كل حال ، من معي ؟
أرهفّ السمـّع عندماّ إلتقطّ صـّوت لشخصّ ما يتنفسّ بعمقّ فزفرّ بغيضّ و رماه على الجـداّر لكيّ يتجه إلى غرفة المعيّشة متمتّما بّنبرة غاضبة
ـ ما هـذا ؟ مكالمات عـّابثة هـذاّ ما كان يّنقصني ،

/



JAN 03-10-2020 12:43 AM



صّباح ذلّك اليّوم داّخل شّقته الصّغيرة و البسيطّة كاّن يّقبع هو ، ذلكّ النجمّ المشهورّ الذيّ قدّ احتل العـالم بّصوته الملائكيّ و
وسّامته الخيّالية مرتديّا بذّلة نومّه الزرقّاء و حاملا عـلبةّ بهاّ أجودّ أنواعّ الحّلويّات ، يـأكلّ حبّة تلوّ الآخرى و يشّاهد التـّلفاز بّأعين شاردّة الوجودّ ،
حيّن رنّ جرّس المنـزلّ بّضجيجّ عّارم أيقّضه من غّفوة أحّلامه ليتنهدّ بكلّ كرّه إذّ لابدّ أنّها فّلور قدّ أتت لتطمئنّ عليه لكنّه فّعلا لا يرغّب منهاّ أن ترىّ
كمّ هو بائس الآن ،
لقدّ تمّ رفّضه كّلا من عـّمله أو حتّى فتاة الّتي أحبّها لذاّ هو بّوضع مـّزريّ قاسيّ ، لكنّ و بالرغمّ من ذلكّ وقّف بّبطء و فتحّ البّاب قّليلا لكيّ يجدّ خلفّه
آخر شخصّ أرادّ حضّوره ، ابتسم بسخريةّ على غيّر عادّته البّشوشة و تحدثّ بنبرة هازئة
ـ أوسكار بّفخامته قدّ أتى ليزورنيّ ، تّفضل بالدّخول أرجوك و عذّرا على الفّوضى فلو تفضلت بأخباريّ لكنتّ قدّ فرشت لكّ الأرضّ ألماّسا
بقيّ أوسكار فيّ مكانه نـاظرّا إليه بكلّ استغرابّ من مزاجه المعكرّ فيّ هذا الصّباح لكن تجّاهله برحاّبة صدرّ و هو يتقدّم بخطواتّ واثقة بينماّ عينيه
تّقيمان المكانّ بنظرة خبيّر ، قّال بّهدوء
ـ لماّ لم تأتيّ إلى الشركة ؟ ألمّ تصّلك رسّائل المديّر الطارئة ؟
رمقّه ويّليام بحدةّ ثمّ رمى نفسه علىّ الأريكة بضجرّ و حملّ عّلبة الحّلوى مجدداّ ليّهز كتفيه دّلالة على عدمّ الاهتمام و هو يصّرح قّائلا بتذمرّ
ـ و لماّ قدّ أذهب إلى الجحيم بّقدماي ؟ ثمّ ألمّ أعطيّ المديّر قّرص أغنيتي الجديدّة و رفّضها ؟ فماذا يريدّ أكثرّ من هذا ؟
تنهدّ أوسكار ثمّ اقترب منه و جلّس على حافة المائدةّ الزجاجّية الداّئرية ثمّ أخرجّ أوراقّا من محفّظته و قدّمها إليه ،
ـ اسمعّ ، أناّ أقدّر عدمّ رغبتك فيّ الظهور عّلنا بهذه الآونة الأخيرة لكنّ ليس كماّ لو كأنكّ تملك خيّارا فّنحن جميّعا مسّيرين تحتّ رغبة المديّر و
إنّ شئنا أو أبينا فّمصيرناّ المهني بينّ يدّيه ، لذّلك أيّ كانتّ المحنةّ التي تواجههاّ فمنّ الأفّضل أن تتجاهلهاّ
راقّبه ويّليام بغّيض شديدّ ، بينماّ ابتسم أوسكار بّجاذبية و رفّع أنامله لتتخّلل شعرهّ البنيّ ذو الخصّلات الفّضية الحّريرية ، توجدّ حلّقة سوداّء صّغيرة
جداّ بأذنهّ اليسرى و على عنقهّ شّعار الشركةّ ، و ما الذيّ يتوقعه من مغنيّ روك ناجح ؟ عّاد أوسكاّر يتحدّث بجدّية
ـ ما رأيكّ أن تّهرب من مشّاكلكّ لبرهة من الزمن ؟ فأناّ لديّ جّولة موسيقيةّ فيّ استراليّا و أناّ أدعوكّ لتذّهب معي ؟ منهاّ سوف تتعرّف على
طّريقتي فيّ العملّ و قدّ نجدّ كلمات الأغنية الملائمة لنّا و لأسّلوبناّ ، أيضّا يمكنّ لمديّر عملكّ أنّ يّخططّ لجّلسة توقيعّ لكّ فيّ استراليّا و بهذّه الطريقة
سوفّ نسكتّ مديرّ الشركة لمدةّ و سوف يتوقفّ عن مضايقتناّ ، ما رأيك ؟
فكرّ ويّليام بهدوءّ ، إذّ أن أوسكار بالرغم من مظهره الآمباليّ أو طّريقته العابثة إلا أنه يأخذّ عمله بجديّة و كماّ قال فّقدّ يكون اخذّ استراحة منّ
مشاكلّ نايت هوّ الأمر المناسّب أيضّا ليسّ لديّه شيء ليخسره ، أومأ بالإيجاّب و قّال بنبرة باردّة
ـ حسناّ، يستحسنّ بكّ أن تكون محّقا
إتجه إلى غّرفته و بـّعد دقّائقّ خرجّ كشّخص مختّلف تمّاما ، مرتديّا قميصّا من الجيّنز الأسودّ أيضّا قّميصّا أبيضّا بهّ كلماّت بّاللون الفّضي و سترةّ
سّوداء أيضّا معّ قّبعة على نحوّ كلاسيكيّ ، ربط جّزءا من شعرهّ الأشقر و تركّ الآخر منسدّلا و قدّ كان قّصيراّ ، وجّنتيه محمرتينّ منّ الغّضب و عينيهّ
اللتانّ كانتاّ تلمّعان مرحاّ الآن هماّ مشبعتينّ بالألمّ المسعور ،
حمّل مفّاتيحّ سيّارته و هاتفهّ أيضّا فوقّف أوسكاّر و تّبعه ، أغّلق الشّقة خلّفه و كادّ أن يرحلّ لولاّ منادّاة السيدّة فّرانسيس له بنبرة قّلقةّ خائفةّ
ـ بنيّ ويّليام ، إلى أينّ أنت ذاّهب ؟
التفت ناحيتهاّ و رأتّ كم كانّ مختلفاّ في تلكّ اللحـظّة ،إنهّ الآن لّيس ويّليام ذلّك الشّاب البسيطّ ذوّ النظّرات الساحرةّ أو الابتسامة الداّفئة الجذّابة ، قّال بّلطفّ
ـ سيدّة فرانسيس سوفّ أغادّر لندّن لأسبوعّ أوّ أكثّر لذلّك أعتنيّ بشقتي أثناّء ذلكّ ، حسناّ ؟ وداعا
رمقّته سيدّة فرانسيسّ بّقليل من القّلق و العتابّ لن يّفهمه أحدّ سوى ويّليام فّاقترب منه ثمّ احتضنهاّ بخفةّ و قّبل وجّنتهاّ لّيرفعّ يدّه عالّيا مّشيرا على أنهّ
الوداّع فّصّاحت جورّجيّا بّقلق
ـ لكنّ ، ويّليام ألا يّفضل أن تبقى هنا ؟ أنتّ لستّ بحالة جيدّة و فلور سوفّ تغضّب إن علمتّ أنكّ ذهبت للعّمل و لمّ تودعّها
ابتسمّ أوسكار و كادّ أن يفلت ضحكّة من بين شفتيه ، أتلكّ المرأة المجنونة التيّ قابلها سّابقّا هيّ فلور ؟ لابدّ أنهاّ هي ، تنهدّ ويليام بّضجرّ و قالّ بلا مبالاة
ـ لا داعّي لذلكّ فهي تّغضب لأتفه الأّسبابّ ، أيضّا أخّبريهاّ أنّ تّوصل سّلاميّ لكلا من نايت و ماّري ،
ثمّ استدار الاثنين راحلينّ بينماّ سيدّة فرانسيسّ تلوحّ له بّابتسامةّ دافئة متمنيةّ له السّعادةّ في قلبهاّ و تهمسّ بدّعوات له ، و فيّ أسفل المبنى لحّظة
وصّولهماّ إلى سّيارة ويليامّ ، قّال أوسكار بّمرح
ـ ويلّ ، هلّ تلك المرأة المدعوة بّفلور ذاّت شعرّ أصهبّ و عينينّ حادّتين ؟
رمقّه ويليام باستغّراب عندّما كان أن يّجلسّ فيّ مقعدّه خلفّ المقودّ ، تّوقف و قّال بّنبرة مّتسائلة
ـ لما ؟ هل قابلتها من قبل ؟
ضحكّ أوسكاّر و اتجّه إلى المقّعد الذيّ جاّنبه ليجّلس بكلّ راحةّ تّاركّا سيارتهّ لعّملاء الشركةّ كيّ يّنقلوها إلى منزله ، تحدثّ بضحكة
ـ أجلّ ، لقّد كادت أن تأكلنيّ فقطّ لأننيّ أخبرتّها أن الشركةّ قدّ رفّضت أغنيتكّ ، أقسمّ لكّ أنهّا كانتّ متوحشّة جداّ و هي تنقّض عليّ
ابتسمّ بّهدوء و قدّ انسلتّ دّفعة قّليلة من السعادةّ إلى قّلبه ، أنّ تدّافع عنه بهذه القّوة إذّن فّلابدّ أنهاّ لا تكّرهه بّل تدّعي ذلكّ ، حركّ المفتاحّ و شغّل
المحركّ ليقول بمرحّ
ـ تلكّ هيّ صديقتيّ

/

صـّباحّا، بـعدّ تـّلك اللـّيلة الحـّافلة بالأحـّداث و المـلّيئة بالأفكـّار الجديدّة منهـّا و القـّلقة و على متنّ ذلكّ الـسريرّ الـّواسـّع الذيّ قدّ ضّم
مـّاري حيثّ فّتحت عينيهّا الواسعتينّ فزعة ، ثمّ تنهدّت بـّراحة بـّعد أنّ أدركّت أينّ هي ، وضـّعت قدّميها على الـرخـّام البـّاردّ ثمّ سـّرعان
مـاّ رفـّعتهما و قدّ شـّهقت، قـّالت بـّرعب
ـ يـّا إلهي مـّا هـذا ؟
لمّ يسـّبق لهاّ في حيـّاتها بـأكملهـّا أنّ تـّرى أرضـّا بهـذّا اللمـّعـّان ، قـّربت وجهها أكثـّر ثمّ عـّادت تشهقّ لـكنّ هـذّه المـّرة بإعجـّاب ، إنهـّا تـّرى
تـّفــّاصيلّ وجههاّ بالكّـاملّ لكنّ أهـذّا يـعني و عنـدّ ارتدائها لتنوره سوفّ تتضحّ ملابسهـّا ، صّرختّ نـّافيةّ و الإعجاب قدّ تسلل إلى قـّلبهاّ ،
إنه لّقّصر فيّ غّاية الإتقانّ
وقفـّت و إتجـّهت إلى خـزانة مـّلابسهـاّ ، فتـّحتهـّا على مرصعيها مستكشفة لتعودّ تشهقّ و قدّ كـّادتّ أن تصـّاب بـذّبحة قـّلبية ، كـّانت المـّلابس من
أفخمّ أنواع الـقـّماشّ و جميـّعها ماركات مشـّهورة جـدّا لمصـّمميّّن و شركـّات عـّالمية ، قـّالت بـّسّعادة عـّارمة لا تـّوصف
ـ يجّب عليّ أن أرتدّي المزيدّ من مـّلابسيّ الـريفية لكّي يـّحضر نايت لّي المـّزيدّ ، يـّا ألهي كمّ هـذّا رائـّع ، إنهـّا نـّعمة
انخفـّضت إلى مستوى الأحـذّية و وضـّعت يدّيها على حـذّاء بالفـروّ يـلاءمّ هـذه الأرضية الـرخاميةّ البـّاردة لكنّ شـديدّ الـجمـّال ، لقدّ سبّق
لها و أنّ رأته على التلفـاّز وضعت بين ذراعيها بكلّ حنـّان ثمّ عـّانقته
ـ لنّ أرتـدّيك أبدّا
و عـاّدت تـّضعه بـعنايةّ فيّ ركنّ الـزاويةّ ، الآن ستـجنّ كليّر بكل تأكيد ، لقدّ كـّانت مـّاري فـّعلا تـّحبّ الـمـّوضة و المـّلابسّ لكنّ ميـزانيتهـّا
لم تّكن تسمـّح لهـّا و الآنّ قـّبلت يدّيها ثمّ رفـّعتهماّ لسمـّاء شـّاكرة ،
أخـّرجتّ فستـّاناّ جميـّل ذوّ لونّ وردّيّ مـّع بـّشرتها البّيـّضاء و ارتدته مـّع حـذّاء ذو كـّعب عـاليّ ثمّ سـّرحتّ شـّعرهـّا بكـّل اتقـاّن لّيصبحّ مموجـّا
بـطّريقة جميّلة و لـطّيفة تناّسبّ شـّخصيتهـّا المـّرحة أكثّر ،فـّتحّت غـّرفتها و كـّادت أنّ ترحلّ لولا أنهـّا تذّكرت
ـ أينّ الحـمام ؟
حيـنّ خـرجّ نـّايت منّ بـاب مـّا و هو يضـّع منـّشفة على كـّتفيه و يـّرتدي سـّروالا فقطّ بينمـّا ضمـّادته قدّ ابتلتّ ، ظهرت حمـّرة طّفيفة بخدّيها
و قـّالت لهّ بتوترّ
ـ صّبـّاح الخيـّر ،
ثمّ مـّرت مـّسرعة منّ أمـّامه إلى الحمـّام ، نـظّر إليهّا لثـوانيّ و قدّ شحبّ وجهه ثمّ تذكرّ أنهّ لمّ يـّعد يّعيش وحيـدّا الآن و وجوّدهـّا يكونّ عـّاديّا
يـّا ليتهّ كـّان يستـطّيع صّنع حـمامّ آخر لكنّ سوف تكّثر التسـاؤلاتّ منّ حولهّ ، جـّلس على الأريكـّة و شـّغل تـّلفاز البـّلازمـّا ليـّضعه فّي قـّناة
إخـّبارية يشـّاهدّ ذّلك المـذّيع المـّضطّرب و هو يـتّحدثّ مجـددّا بكلّ تـّوتر حـّاول جـّاهداّ إخفـائه لكنّ لـّعين خبّير مثّل نـّأيت فبدا الأمّر واضحـّا ،
ـ لقدّ تـّم العـّثور على جـّثـة آخرى لمّ تتضحّ هويتها بـّعد تـّحمل الحـّرف الأول من اسمّ الكـّاف الـخـّاص بالقـاّتل المتسلسـلّ كـّرانـّغ ، و قدّ
رفـّضت الشـّرطة أنّّ تفيدنا بـأّي معلوماّت إلى غـّاية انتهاء التحقّيق و مـّعرفة ملامسـاّت الـقضية لذّلك أيها السـّادة أوصـّدوا أبوابكمّ جيـدّا و
احذروا فّي طـّريقكمّ لأ..
وجـدّ ظل شخصّ مـّا يـّقف أمامهّ فـّرفع عينيه ببطء إلى مـّاري ، كـّانتّ تمسكّ بالضمـّادة و عينيها تـّقدحانّ شـّرا و غـّضبـا ، لمّ يسّبق لها أنّ
كانت فيّ هـذه الحـّالة فـجـّلست على السـجادّة و نزعّت ضمـّادتهّ بـخفـّة ثمّ كـّادت أن تـّضع المـّرهم فـأمسكّ بمعصمها قّابضا عليه بشدّة ، قـّال بـحدّة
ـ ظننّت أني أوضحتّ بـأننيّ لمّ أحميكّ من حـّادث السيـارة و إنـماّ رغـّبت في المـّوت ، لمـّاذا بحق السمـّاء لا تـّزالينّ تتصـّرفين بهـذا الـشكل ؟
تنهـدّت بـأسى، ثـمّ وضـّعت المـّرهمّ بـّقوة على صـّدره لكّي يتأوه و يتـّرك يدّها ، بـدأتّ بـّفركّ المـّرهمّ بكلّ هـدوءّ ثمّ أخـذّت تـّلف الـضمـّادة عنـدّما
شتمّ بـّصوتّ حـادّ جـعل بدّنها يـّرتجّف ، حـّالما استعـادّ قوته دّفعها بـّعيدا و هو يـصّر على أسنانه
ـ كفّي عنّ هـذّا
ثمّ وقفّ فـوقفّت مـّاري أمامهّ بجـرأة ، سّابقّا كـّانت لنّ تتجـرأ على لمـسّ الضمـادةّ لكنّ الآن إنّ بـّقيت خـّائـّفة فلنّ تستفـيدّ شيئّا و لنّ ينفتحّ قـّلبه
لهـّا بكل تـأكيدّ لذّا قـّالت بمـّرح
ـ لمّ يكن عـّليك أن تستفزني أولاّ ، أنتّ تـّعلم أنكّ و بـضمـادة مـّبللة سوفّ يلتهبّ الـجرحّ أكثّر و أنـّا لا أحتـمّل ذلك
رّفع حـّاجبه سـّخرية من كـّلامهـّا ، و استـدّار مغـّادرا بـّعدما ارتدّى قميصهّ حينّ تـبـّعتهّ مـّاريّ و هيّ تضعّ تتـأبطّ بـذّراعهّ ، ابتسـمتّ بـفرحّ نـّقطة
لصـاّلحها عنـدّما قـّال نايت بـّحدة
ـ ما بالكّ بحق الجحيم ؟ كمّ مـّرة يجبّ عليّ أن أقول ابتعدي عني ؟
كـّادت ماري أن تـّرد عليه عنـدّما لمحـتّ كـّايّل يّقف على مـّبعدة منهماّ أمام المصـّعد تـّماما و ينتـظرهمـّا ربمّا برّفقته إليزابيثّ و لمّ يكّن نايتّ قدّ
لحـظهما بـّعدّ فـدّفعّ ماّري بكلّ قسوة و قدّ احتدّت مـّلامحهّ عـندّما تـّوقف فجـأة ، نـظرّ إلى مـاّري ثمّ قـّال بابتسامة بسيطة بالكادّ كانت تظهر على شفتيه
ـ عزيزتيّ ، كفّي عن اللعـّب تعـّلمين أننيّ لا أحبذه
قطـّبت مـّاريّ ، كمّ هو منـّافق ثـمّ هـزتّ كتفيها بعـدّم اهتمـّام لا بـأسّ مـّادام سيتسنى لها استغلال هـذا الوقت في التقـّرب منه ، قـّالت له بـهمسّ
ـ أنتّ شخصّ استغلالي أتّعلم ؟
ضحكّ بكلّ اصطنـّاع و هو يـّضع يدّه على كتفها مقـّربّا إيـاه منهّ فـشهقتّ من شدّة قـّبضته و قدّ تـأوهت بـّخفوتّ عنـدمـّا ردّ عليه بكّل عـّجرفة
ـ أعـّلم ، أو لستّ رائـعّا ؟
بّل بالأحرى شيـطـّان ، لكنّ لم تجـرؤ على قولّ هذه الكلمة لهّ بلّ تمتمّت بـّغّيض ، عنـدّ وصّولهماّ إلى حيثّ يّقف الثـّنائيينّ السـّعيدينّ رحـّبت إليزابيثّ
بماريّ بكل بـّرود و كـذّلك فـّعل كـّايلّ ثمّ صـّعد جـميعهمّ على متّن المصـّعد ،
رّفع نايتّ نـظره للأعلى بتملمّل بينماّ زفّر كـّايلّ بكلّ ضجرّ في حينّ أنّ إليـزابيّث أخذّت تـّقلم أظـّافرها باهتمام و قدّ كـّان يمّلك الثـلاّثة هـّالة عدمّ
الاقـّتراب من حـّولهمّ ، ابتسـمّت مـاري بـبـّلاهة ، مـّا محـّلها من الإعـّراب ؟ صّفقت بيديهّا متجـّاهلة شعورهاّ بالغـّباء و قـّالت بكّل مرحّ
ـ يّاله من يومّ مشمّس جميـّل ، ألّيس كذلكّ نايت ؟
وضـعّ سمـّاعات على أذّنه متـّجاهلا حـدّيثها فقطّبت بـّغيضّ ، ثمّ ضـّربت ذّراعه بـإحـّراجّ كيّ تـّجذّب اهتمامه على الأقلّ ، أنفتح بـّاب المصـّعد
فـّخرج الجميـّع تاركيها خـّلفهم ، بالـرغم من شقتها الصغيرة كانت سيدة فرانسيس تلقي دوما التحية عليها و ويلّيام اللطّيف بحّلوياتّه اللذّيذة ،
زمتّ شفتيها بّتعاسة ثمّ خـّرجتّ ، وجـدّت خـّادمة تّقف أمامهـاّ تنـتظرّ فقـّالت لها مارّي بـفرح
ـ إنهّ يوم جميـّل أليس كذلك آنستي ؟
نـظّرت إليها المـرأة بـّرعب ثمّ أومـأت و دّخلت مسرعة إلى المصـّعد ، حكتّ ماريّ شعرهاّ قـّليلاّ ما الذي حدث توا ؟ لما الجميـّع صـّامت ؟
ضـّربت فخذّها باستنتاج و فكـّرت بّكل سخرية و استهزاء لابدّ أنهّ عـّادة من نوع ما لدى سكان القصّر ، حسنـّا كل مـّا عليها فـعله هو البّقاء متهجمة
الملاّمح و لا تّخرج حـّرفا واحدا من فـّمها هـذّا ، لعلهاّ سوف تصبّح شّبيهة لّسكانه
عنـدّما رأتّ خـادمة أخرى تـرتدّي زيّا مختـّلفاّ ، فستـّانا أسودّ بمريلة حمراء اللون بينما الجميع هنا يرتدّي الأسودّ و الأبيضّ فنـظرّت إليها ماري بـّفضول
، انحنت الخـّادمة بهدوء و قـّالت مـّعرفة عن نفسها
ـ مـّرحبّا سيدّة لبيّر أدعى تاليا و أنّا مرشدّتكّ بهذا القـّصر ،
ضحكتّ مـّاريّ بسـّعادة و قدّ تـّرجمت هـذّا في عقلها على أنهاّ صدّيقتهاّ ، فهي الوحيدّة التي تحـدّثت لها و على شفتيها ابتسامة ، فقـّالت بـّلطفّ
ـ إنهّ يومّ جميّل ،
فـأومأت لها تاليا بكل هدوء لتـشير ناحية غـّرفة مـّا فـّتقدمت ماري و الخادمة تـّرشدها ، إلى غاية وصـّولهماّ ناحية غـّرفة الطـّعـام حيثّ كـّان
الجدّ يترأس الطـّاولة و بجـّانبه على اليسّار أبنه تومـّاس و كـّايل برفقة زوجته أمـاّ نايت فكان يجلسّ على اليمينّ و مـّقعدّ الذي بجانبه فـّارغّ ، لابدّ
أنه مقـّعدها فانحنت مـّقلدة الخادمة ثمّ قـّالت بـّلبـّاقة
ـ صبـّاح الخيّر ،
كـّانت تـّسيرّ بكلّ هدوء مـّراقبة خـطّواتها خشية من فقدانها توازنها كعادتها ثمّ وصـّلت إلى مقـعدها، ابتسمتّ بفخر و دفعت الكّرسي للخلّف كيّ
تجّلس عليه فـسقطّ من شدّة قوة الدّفع ابتسمت بإرباك و انحنت لتسحبه فـجذّب غـطاّء الطـّاولة و كـّاد أن يسقطّ فنجـّان القهوة أيضّا لولا أنّ نايت
أمسكه في آخر لحظة ، وقفّت ماري بسرعة فـّضربت يدّه الممسكة بالفنجّان ليـطّير و يسقطّ فيّ وسطّ الطـّاولة ، تـأوهت ماريّ بـإحـّراجّ ثمّ كـّادت
أن تـّرفع المنشفة و تمسحه لولا أنّ نايت أمسك بمعصمها و أجلسها بكل قوة على مقـعدّها ثمّ تمتمّ بـحدة
ـ بحّق.. كلّ شيء تلمسينه يصّبح كارثة
ابتسمت بتوتر حين سكبّ لها فنجان آخر ، أمسكته بكلتا يدّيها و نـظرّت إلى جدّ بيتر الذّي يـقـرأ الجـّريدة يبدوا باردا كـأحفاده ، قـاّلت بـمرحّ
ـ كيّف حـّالكّ جدي ؟
تـّوقف الجميـعّ عنّ الأكل و نـظّروا إليهـّا فطـأطأت برأسها إلى الأرّض و تمتّمت باعتذار ، لدّيهم عّادات غـّريبة فعلا ، هل لّيس مسموحّ بالحـدّيث
أثناء الأكـّل ؟ يـّال الإحـّراج لكنّ الجدّ بيتر أجـّابها بـهدوء
ـ أنـّا بخيّر ، شكّرا لسـؤالكّ
ابتسمت بلطّف ثمّ ارتشفت القهوة عندّما أعادّتها فورا إلى مكانّها و هي تنفخّ بـخفاءّ، نـظّر إليها نايتّ بطـّرف عينّه لمـّا هي حمقـّاء إلى هـذّه الدرجة ؟
فجـأة سـأل كـّايلّ بسخرية
ـ إذّن نايتّ ، ماذا عن شهرّ العسل ؟ أينّ حـجزتّ ؟
تجـّاهله نايتّ و لمّ يجبّ فـّنـظرّ إليه جدّه بتقطيبه تـّعلو ملامحـّه مهمـّا كانّت العـّداوة بينهماّ كان يجبّ عليه أن يردّ عليه ، فقـّال بحدة
ـ و لما قد يذهب في رحلة ما دام هو من تسببّ فيّ إثارة هـذه الفـضيحة لعيـنة مع رئيس جونسون ؟ أتعـلم أن جميـع الشـركات الأجنبية قدّ صـارت
تخاف التعـامل معنا بسبب تهورك ؟
تـوقف نايت عن الأكل و وضـع المـلعقة جانبا بكل قوة جعـلت الكل يجفّل للحـظة ثم رمق جـده بنظرة حـادةّ هو الآخر ، أمسك بفنجان القـهوة و ارتشف
القـليل قـاّئلا بنبرة بـاردة
ـ عّوض أن تشكرني لإنقـّاذكم من الدمّار هـّا أنت تـّوبخني فقطّ لأننيّ قمت بّما أراه منـّاسبا ؟
احمر وجه الجد بيتر بكل عصبية و قد ثـارت آخر ذرة قد احتفظ بها ، لقد كان ينتظر عودة نايت بفارغ الصبر ليشرح له هذه المشكلة لكن هاهو الآن
يتحدث بكل برود ليعطيه إجابة غير معقولة ، رفع الجريدة الموجودة بجانبه و رماها على وجه نايت بكل قوة ليبتسم كايل بكل سخرية في حين كتمت
إليزابيث ضحكتها ، تحدث الجـد بنبرة عـّالية تّرتفع مع كلّ حرفّ يتفوه به منّ بين شّفتيه
ـ ما الذي تّقصده ؟ لقدّ أصبحت تتمادى فعلا فيّ أفعـّالك ، تفعل ما يحلوا لكّ
رمقـه نايت بـّبرود ثمّ وجه نظرته الحادة ناحيةّ كاّيل المبتسم بسخرية ثمّ قاّل بـحدة ، لابدّ أن هـذاّ من عمـّله إذ لم تنجح خطته في إفساد الزفاف فـيحـاول
تّحريض جده ضده ، تنهد بقلة حيلة ثم ابتسمّ بسّخرية لاذّعة محدّّثّا ابن خـّاله
ـ أليس هـذا سّخيفا كـايل ؟ تـحرض جدي علي ؟ أعني لقد تفوقت على جميع مستويات دناءتك فهنيئا لك
ابتسم كايل بكل سخـرّية مسنداّ خده على ذراعه بكل راحة و يبدوا أن مجرى الحديث قدّ أثار سعـادته في حين تمالك الجـد بيتر أعصابه و هو يرمق
حفيديه بـغضب عـارم ضّرب طـّاولة بّقوة فّجفل جميّع الخدمّ ، قـال بحدة و صوته الجمهوري يترددّ في المكان كالصدى
ـ أتظننيّ دمية ليسيرني أحدكما بكلامه ؟
تنهد نايت بكل برود بينماّ تجاهل كايل كلام جـده و هو ينـظر في الأنحاء بقليل من الضجر ، فـوقف بيتر بقوة لتـظهر قـامته الـرشيقة و مـلامحه
الحـادة التي برغم مـرور الـزمنّ و ظهور التـجاعيد على وجهه إلا أنه لا يـزال محتفظا برونق جـاذبيته ، مـرتديا بذلة رسمية رمـادية تـبرز مـدى
عمق لون عينيه ، عـاد يتحدث بنبرة غـاضبة قـوية
ـ نـايت روفس ماكاروف ، كايل لبير يستحسن بكما أن تـتبعاني إلى مكتبي و فـورا
غـادر الجد بيتر مسرعاّ طاولة الطّعام غيّر قـّادرا على تحملّ حـّرب حفيدّيه المسعوّرة في حين وقف كايل بضجرّ واضـح إنحنى و قبل إليزابيث
بإبتسامة واثقة ثمّ سار خلف بيتر بينما بقي نايت جالساّ و قدّ كان وجهه شاحبا بشدة ، عّينيه الداّكنتين غّادرهماّ لمعّانهماّ فّّوقف ببطّء ثمّ سّار خّلفهمّا ،
نـظرّت ماريّ إلى نايت بّقلقّ منّ شّحوبه المخيّف و كـّادتّ أن تتّبعه لوّلا أنّ إليزابيثّ كانتّ فيّ طّريقهاّ أمـّام المخرّج تمّاما ، تحدثّت ماري بّقلقّ
ـ إليزابيثّ ما الذي يّقصده الجدّ بيتر بّروفس ماكاروف ؟ ما الذيّ يّحدث ؟
رمقّتها إليزابيثّ بنـّظرات نـّارية حـّادة فّلو بإستطّاعتهاّ لقّتلتهاّ الآن و فـّورا لكنّها عـّاجزة بهذهّ اللحـّظة فقطّ ، رفـّعت كّتفيهاّ ببّرود و اقتربتّ منهاّ
لتهمسّ في أذّنها بنبرة ناّعمة رّقيقة
ـ إن كنتّ على أهبة الاستعداد لزواجّ به فهلّ أنت مستعدّة لّغوص فيّ أسرارّ نايت المّظلمة ؟ تّلك الأّسرار الّتي جّعلته على ماهوّ عليه الآن ، تّلك
الأسـّرار التّي أودتّ بحيـّاة الكّثير ، هلّ أنت مسّتعدة لها ... مـآري ؟




الساعة الآن 11:16 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
هذا الموقع يستخدم منتجات Weblanca.com
HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

Security team