منتدى وندر لاند

منتدى وندر لاند (https://woonder-land.com/vb/index.php)
-   دين الرحمة (https://woonder-land.com/vb/forumdisplay.php?f=4)
-   -   الدعـــاء من الكتـــاب و الســنـة (https://woonder-land.com/vb/showthread.php?t=4124)

نسمة شتاء 11-03-2022 08:04 AM

الدعـــاء من الكتـــاب و الســنـة
 
https://www.arabsharing.com/do.php?img=225269
@جلنار | Gulnar;

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

https://www2.0zz0.com/2022/11/03/05/950899274.jpg


الدعـــاء من الكتــــ📖ـــاب و الســــنـــة*

تابع الدعاء الأول

الفوائد المستفادة :

1⃣أهمية القبول حيث إن مدار الأعمال الصالحة عليه، وذلك يقوم على الإخلاص للَّه تعالى، والاتباع لما جاء به الشرع المطهر.

2⃣ دلّت الآية: أنّ على العبد ملازمة سؤال اللَّه قبول أعماله بعد أدائه لها، فقد كان هذا من هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم -: فقد كان يقول بعد صلاة الصبح: ((اللهمَّ إنّي أسألك علماً نافعاً، ورزقاً طيباً، وعملاً مُتقبّلاً))

3⃣ ينبغي للعبد أن يكون في حال عبادته لربه ودعائه، خائفاً راجياً، كجناحي الطائر، فلا يغلّب الخوف، فيقع في القنوط، ولا يغلب الرجاء، فيقع في الغرور، والأمن من مكر اللَّه تعالى.

4⃣التوسّل إلى اللَّه تعالى بأسمائه وصفاته ما يناسب المطلوب والسؤال؛ فإن (السميع) مناسب في سماع دعائهما، و (العليم) مناسب للعلم بنياتهما، وصدق تضرعهما

5⃣ملازمة التواضع والإخبات للَّه تعالى في حال القيام بطاعته ولو بأجلّ العبادات والمقامات.

6⃣أن الدعاء ملجأ ومقصد كل الأنبياء والمرسلين، وأن العبد لا غنى له عنه في كل أحواله الشرعية والدنيوية.

7⃣طرد الإعجاب بالنفس، وعدم الإدلال على اللَّه تعالى بما قام من العمل، فإنّ ذلك مفسد للعمل.


المرجع
شرح الدعاء من الكتاب والسنة
سعيد بن وهف القحطاني
الدعـــاء من الكتــــ📖ـــاب و الســــنـــة

نسمة شتاء 11-03-2022 08:05 AM

الدعـــاء من الكتــــ📖ـــاب و الســــنـــة*

الدعاء الثاني


عَنْ شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم :
" سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ "
رواه البخاري
" َمَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ"
البخاري

نسمة شتاء 11-03-2022 08:06 AM

الدعـــاء من الكتــــ📖ـــاب و الســــنـــة

2️⃣ متى ندعو الله ؟؟

الأصل أن المؤمن يدعو في كل حالاته دون توقف :
▪فإن كان غنيا لا يتوقف عن طلب الرزق وبركة هذا الرزق ودوام النعمة فهي زائلة لولا رحمة الله
▪وإن كان معافي وسعيدا فلا يتوقف عن طلب العون والحوقلة لدوام هذه العافية وطلب العون أن يسخرها فيما يرضي الله
▪وإن كان مهتديا لا يتوقف عن سؤال الله الثبات
↩ومن نقص إيمانه أو نقص فهمه لقيمة الدعاء يرتبط دعاؤه بالشر فقط
في حالتين بينهما الله تعالى كتابه الكريم

⬅الحالة الأولى : إنسان يتوقف عن الدعاء إذا أصابه شر
{لَّا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ }
[فصلت : 49]

⬅الحالة الثانية : إنسان يبدأ بالدعاء إذا أصابه شر
{وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيض}ٍ
[فصلت :51]

💭والغالب على الخلق أن لا تنصرف قلوبهم إلى ذكر اللّه عزّ وجلّ إلاّ عند إلمام حاجة ، فإنّ الإنسان إذا مسّه الشّرّ فذو دعاء عريض.
⬅فالحاجة تحوج إلى الدّعاء، والدّعاء يردّ القلب إلى اللّه عزّ وجلّ بالتّضرّعِ والاستكانة، فيحصل به الذّكر الّذي هو أشرف العبادات. ولذلك صار البلاء موكّلاً بالأنبياء عليهم السلام، ثمّ الأولياء، ثمّ الأمثل فالأمثل، لأنّه يردّ القلب بالافتقار والتّضرّع إلى اللّه عزّ وجلّ، ويمنع من نسيانه، وأمّا الغنى فسبب للبطر في غالب الأمور، فإنّ الإنسان ليطغى أن رآه استغنى

الدعـــاء من الكتــــ📖ـــاب و الســــنـــة

نسمة شتاء 11-04-2022 07:50 AM

الدعـــاء من الكتــــ📖ـــاب و الســــنـــة*

الدعاء الثالث

{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}
[سورة البقرة : 201]

الشرح

بيّن اللَّه سبحانه دعوات لأهل الهمم القليلة، وأصحاب الحظوظ الدنيوية يسألون حظ الدنيا فقط: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ}
↩ثم ثنّى بأصحاب الهمم العالية الذين يسألون خيري الدنيا الآخرة
{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}

وذكر سبحانه هذه الدعوة تعليماً لنا في التأسي بهم وملازمتها مع فهم معانيها وما حوته من جوامع الكلم الطيب

فقدموا توسلهم بأجمل الأسامي والصفات: (ربنا): نداء فيه إقرار بالربوبية العامة للَّه تعالى المستلزمة لتوحيده في الألوهية، فجمعوا بين أنواع التوحيد

وهم يستحضرون كذلك *ربوبيته الخاصة* لخيار خلقه الذين رباهم بلطفه، وأصلح لهم دينهم ودنياهم، فأخرجهم من الظلمات إلى النور، وهذا متضمن لافتقارهم إلى ربهم فليس لهم غير ربهم يتولاهم، ويصلح أمورهم

لهذا ينبغي للداعي أن يستحضر هذه المعاني الجميلة من ربوبيته تعالى العامة لكل الخلق، وربوبيته الخاصة، فإن ذلك يوجب للعبد الخشوع والخضوع، وتذوق حلاوة المناجاة، والدعاء التي لا يعادلها أي شيء

{آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً}
سؤال من خير الدنيا كله بأوجز لفظ وعبارة، فجمعت هذه الدعوة كل خير يتمناه العبد، فإنّ الحسنة في الدنيا تشمل كل مطلوب دنيوي، من عافية، ودارٍ رحبةٍ، وزوجةٍ حسنةٍ، ورزق واسع، وعلم نافع، وعمل صالح، ومركب هنيءٍ، وثناء جميل، إلى غير ذلك

{وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً}
أما الحسنة في الآخرة فلا شك أنها الجنة؛ لأن من لم ينلها يومئذٍ فقد حُرم جميع الحسنات ، فهي أعلى حسنة
ويدخل في حسنات الآخرة كذلك: الأمن من الفزع الأكبر وتيسير الحساب

{وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}
وهذا يقتضي تيسير أسبابه في الدنيا، من اجتناب المحارم والآثام، وترك الشبهات والحرام ، وتتضمن هذه الوقاية أيضاً ألاّ يدخل النار بمعاصيه، ثم تخرجه الشفاعة

ثم بين علو درجتهم، وبعد منزلتهم في الفضل، كما دلّ على ذلك اسم الإشارة *(أولئك)* {أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}

ولما كان هذا الدعاء المبارك جامع لكل معاني الدعاء من أمر الدنيا والآخرة، كان من أكثر الأدعية التى يدعو بها صلى الله عليه وسلم ، فعلى العبد ملازمة هذه الدعوة اتباعاً

الفوائد المستفادة :

تضمنت هذه الدعوة جملاً من الفوائد، منها:
1⃣يحسن بالداعي أن يجمع في دعائه خيري الدنيا والآخرة

2⃣ينبغي لكل داعٍ أن يكون جُلَّ دعائه ونصيبه الأكبر في أمورالآخرة، فجاء في هذا الدعاء سؤال أمرين عظيمين من أمور الآخرة: وأمرٍ واحدٍ من أمور الدنيا {وَفِي الآخِرَةْ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.

3⃣ ينبغي للداعي أن يكون من أصحاب الهمم العالية.

4⃣ أن الإنسان لا يذم إذا طلب حسنة الدنيا مع حسنة الآخرة ، فكل إنسان محتاج إلى حسنات الدنيا والآخرة

5⃣ من حُسن الدعاء أن يجمع في مطالبه بين الرغبة: {آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً}، والرهبة: {قِنَا عَذَابَ النَّارِ}. حتى يكون العبد بين الخوف والرجاء.

6⃣ أهمية الأدعية في كتاب اللَّه تعالى، فهي كافية وشافية من جميع المطالب التي يتمناها العبد في دينه، ودنياه، وآخرته.

المرجع
شرح الدعاء من الكتاب والسنة
سعيد بن وهف القحطاني

نسمة شتاء 11-04-2022 07:55 AM

الدعـــاء من الكتــــ📖ـــاب و الســــنـــة

1️⃣تعريف الدعاء


الدعاء هو العبادة وأفضلها
عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
"الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ" ثُمَّ قَرَأَ: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60]
صحيح الجامع

قال الإمام الخطابي رحمه الله -:
" معنى الدعاء استدعاء العبدِ ربَّه عزَّ وجل العناية َ، واستمدادُه منه المعونة
↩وحقيقته إظهار الافتقار إلى الله تعالى، والتبرّؤ من الحول والقوة، وهو سمة العبودية واستشعارُ الذلة البشريَّة، وفيه معنى الثناء على الله عزَّ وجل، وإضافة الجود والكرم إليه "
⬅وقال أيضا في كتابه "شأن الدعاء "وقوله - صلى الله عليه وسلم -:" الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ "
(معناه أنه مُعظم العبادة أو أفضل العبادة )

والدعاء أكرم العبادة على الله:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
" لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنْ الدُّعَاءِ "
صحيح الجامع

نوعا الدعاء والعلاقة بينهما
الدعاء الذي حثَّ الله عليه في كتابه، ووعد المخلصين فيه بجزيل ثوابه، نوعان:
دعاء المسألة، ودعاء العبادة

↩أما دعاء المسألة فهو: طلب ما ينفع الداعي، وطلب كشف ما يضره ودفعه
↩وأما دعاء العبادة فهو: التقرب إلى الله بجميع أنواع العبادة، الظاهرة والباطنة، من الأقوال والأعمال، والنيات والتروك، التي تملأ القلوب بعظمة الله وجلاله

العلاقة بين النوعين:
دعاء المسألة ودعاء العبادة متلازمان؛ وذلك من وجهين:
الأول:من جهة الداعي فإن دعاءه بنوعيه مبني على الخوف والرجاء.
والثاني: من جهة المدعو فإنه لا بد أن يكون مالكا للنفع والضر.

قال ابن القيم: "كل من يملك الضر والنفع، فإنه هو المعبود حقا، والمعبود لا بد أن يكون مالكا للنفع والضر، ولهذا أنكر الله تعالى على من عبد من دونه ما لا يملك ضرا ولا نفعا
قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ}
[يونس:18]

والمعبود لا بد أن يكون مالكا للنفع والضر، فهو يدعى للنفع والضر دعاء المسألة، ويدعى خوفا ورجاء دعاء العبادة، فعلم أن النوعين متلازمان، فكل دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة، وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة"
(بدائع الفوائد)

الدعـــاء من الكتــــ📖ـــاب و الســــنـــة

نسمة شتاء 11-05-2022 09:16 AM

الدعـــاء من الكتــــ📖ـــاب و الســــنـــة



الدعاء الرابع

عنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنهم أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاتِي ، قَالَ : قُلْ :
"اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْماً كَثِيرَاً ، وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاَّ أَنْتَ ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي , إنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ "
متفق عليه



المفردات:

▪️(ظلمت نفسي )
الظلم: وضع الشيء في غير محلّه، وهو على مراتب: أعلاها الشرك، ويندرج تحته الذنوب الكبيرة والصغيرة

▪️(فاغفر لي )
الغفر: الستر والتغطية، مأخوذة من المغفر، وهو الذي يوضع على رأس المحارب لحمايته من الضرب، فهو وقاية وحماية

▪️(الغفور )
اسم من أسماء اللَّه الحسنى العظيمة، وهو من أبنية المبالغة؛ لأنه يفعل ذلك بعباده مرة بعد مرة إلى ما لا يُحصى 👈🏼والمعنى: الذي يكثر منه ستر الذنوب لعباده المؤمنين، والتجاوز عنها.

▪️(الرحيم )
اسم من أسماء اللَّه الحسنى الكريمة الدالة على كثرة الرحمة، والتعطف على عباده المؤمنين


وفي تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه هذا الدعاء إشارة إلى إيثار أمر الآخرة على أمر الدنيا الزائلة، وخصّ الدعاء بالصلاة؛ لأنها بالإجابة أحقّ، فهي محلّ المناجاة بين العبد وخالقه، فيجدر بنا العناية به استناناً واقتداءً بالحبيب صلى الله عليه وسلم

الشرح :

هذا الحديث عظيم القدر، من تدبَّره وتمعَّن فيه ظهر له من جلالته؛ لأن فيه الاعتراف بغاية التقصير، والإقرار بنهاية الكمال لله تعالى، وطلب العفو، والتجاوز الموصل إلى حصول النعيم الأبدي.

((اللَّهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً))
هذا اعتراف من العبد إلى ربه بالتقصير بملابسته ما يستوجب العقوبة أو النقص، وإن الإنسان لا يعرى عن التقصير ولو كان صدّيقاً.

((ظلماً كثيراً))، أكده بالمصدر، ووصفه زيادة في التذلّل والخضوع للمولى سبحانه وتعالى
وهذا تعليم للداعي أنه ينبغي حالة دعائه أن يظهر غاية التذلّل والخضوع لربه؛ فإن ذلك أقرب للإجابة، وأكثر ثواباً وجزاء.

وفيه دليل على أن الواجب على العبد أن يكون على حذر من ربه تعالى في كل أحواله، وإن كان من أهل الاجتهاد في العبادة ، إذ كان الصدِّيق مع موضعه في الدِّين لم يسلم مما يحتاج إلى الاستغفار إلى ربه تعالى منه ، فمن باب أولى من كان دونه.

((ولا يغفر الذنوب إلا أنت))
أي لا أحد يقدر على ستر الذنوب، والتجاوز عنها إلا أنت وحدك، ففيه الإقرار بالوحدانية للَّه تعالى، واستجلاب المغفرة منه.

((فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني))
دلّ تنكير ((مغفرة)) على أن المطلوب غفران عظيم ، ووصفه بكونه من عنده - سبحانه وتعالى - بيان لذلك العظم؛ لأن الذي يكون من عند اللَّه تعالى لا يحيط به وصف

والمعنى: هبْ لي مغفرة تفضلاً، وإن لم أكن لها أهلاً بعملي؛ لهذا أضافها إليه ((من عندك)) فإنها تكون أعظم وأبلغ، فإن عظم العطاء من عظم المُعطي

وقدّم ((ظلمت نفسي)): وهو الاعتراف بالتقصير والذنب على سؤال المغفرة (فاغفر لي )
أدباً جميلاً، كما قال ذلك أبوانا: آدم وحواء:
{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرِينَ}

ولا يخفى حسن ترتيب هذا الحديث، حيث قدّم الاعتراف بالذنب، ثم الوحدانية، ثم سؤال المغفرة؛ فإن الاعتراف بذلك أقرب إلى العفو والثناء على السيد بما هو أهله، وأرجى لقبول سؤاله.

((إنك أنت الغفور الرحيم))
إنك أنت مشعر بالتعليل، أي اغفر لي، وارحمني لأن من دعاك يا ربنا، ولجأ إليك، وسألك المغفرة والرحمة، تغفر له وترحمه؛ لأنك كثير المغفرة، وكثير الرحمة بنا يا ربنا

🎗فتضمّن هذا الدعاء الجليل توسلين عظيمين:

1⃣ توسل بظلم النفس بتقصيرها وضعفها
وهو من التوسّلات الجليلة التي يحبها اللَّه - عز وجل -

2⃣ توسّل بأسماء اللَّه تعالى الحسنى

ولا يخفى حسن المقابلةً في السؤال والطلب فـ (اغفر لي) مناسب (للغفور)
و (الرحيم) مناسب لـ (وارحمني)، وهو مناسب لما أمر اللَّه تعالى به في الدعاء
بأسمائه الحسنى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}

💭قال الكرماني: هذا الدعاء من الجوامع؛ لأن فيه الاعتراف بغاية التقصير، وطلب غاية الإنعام، فالمغفرة بستر الذنوب ومحوها، والرحمة إيصال الخيرات ودفع النقمات
ففي الأول طلب الزحزحة عن النار(اغفر لي) وفي الثاني طلب إدخال الجنة(وارحمني)
وهذا هو الفوز العظيم
المرجع
شرح الدعاء من الكتاب والسنة
سعيد بن وهف القحطاني

نسمة شتاء 11-06-2022 08:05 AM

الدعـــاء من الكتــــ📖ـــاب و الســــنـــة*



الدعاء الخامس

{رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}
[سورة البقرة : ٢٥٠]


الشرح

(رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً )
أفض علينا صبرا يعمنا، ويملأ قلوبنا ثقة بنصرك، ويحبس نفوسنا على طاعتك

وقولهم هذا يدل على المبالغة في طلب الصبر من وجهين:

▪️أحدهما: أنه إذا صب الشيء في الشيء فقد أثبت فيه بحيث لا يزول عنه وهذا يدل على التأكيد.
▪️والثاني: أن إفراغ الإناء هو إخلاؤه وذلك يكون بصب كل ما فيه، فمعنى أفرغ علينا صبرا، أى أصبب علينا أتم صب وأبلغه حتى تتحقق فينا صفة الصبر كأحسن ما يكون التحقق


أما الدعوة الثانية فقد قالوا فيها ( وَثَبِّتْ أَقْدامَنا )
أى هب لنا من كمال القوة والرسوخ عند القتال ما يجعلنا نثبت أمام أعدائنا، ونتمكن من رقابهم دون أن يتمكنوا منا. فهذا الدعاء كناية عن أن يمنحهم- سبحانه- الثبات عند الزحف، وعدم الفرار عند القتال.

وفي قوله: ( وَثَبِّتْ أَقْدامَنا) تعبير بالجزء عن الكل، لأن الأقدام هي التي يكون بها الفرار، فتثبيتها إبعاد عن الفرار، ومتى حصل الثبات كان النصر متوقعا، والصبر متحققا.

ومعناها قوِّ قلوبنا على جهادهم؛ لتثبت أقدامنا فلا ننهزم، والأقدام إنما تثبت عند ثبوت قوّة القلب واليقين، والعبد محتاج إلى اللَّه أن يثبّت قدمه في ثلاث مواطن: (( أن يثبته في مواطن القتال إذ لو لم يثبته اللَّه لفرّ، وأن يثبته اللَّه عند الشبهات؛ إذ لو لم يثبته اللَّه لزاغ، وأن يثبته اللَّه عند الشهوات، إذ لو لم يثبته اللَّه لهلك ))


ثم ختموا دعاءهم بأن قالوا: ( وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ)
أى اجعل الغلبة لنا عليهم، لأننا مؤمنون بأنك المعبود المستحق للعبادة وهم يكفرون بذلك.

والمتأمل في هذه الدعوات الثلاث يراها قد جمعت أسمى ألوان الأدب وحسن الترتيب

فهم قد صدروا دعاءهم بالتوسل بوصف الربوبية فقالوا ( رَبَّنا ) أى يا خالقنا ويا منشئنا ويا مربينا ، وفي ذلك إشعار أنهم يلجئون إلى من بيده وحده النفع والضر، والنصر والهزيمة

ثم افتتحوا دعاءهم بطلب الصبر عند المخاوف لأنه هو عدة القتال الأولى، وركنه الأعلى، إذ به يكون ضبط النفس فلا تفزع، وبه يسكن القلب فلا يجزع

ثم التمسوا منه- سبحانه- أن يثبت أقدامهم عند اللقاء لأن هذا الثبات هو مظهر الصبر، ووسيلة النصر، وعنوان القوة.

ثم ختموا دعاءهم بما هو ثمرة ونتيجة للصبر والثبات وهو النصر على الأعداء.


الدعـــاء من الكتــــ📖ـــاب و الســــنـــة

نسمة شتاء 11-11-2022 07:55 AM

الدعـــاء من الكتــــ📖ـــاب و الســــنـــة*

الدعاء السادس

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي، وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي هَزْلِي وَجِدِّي، وَخَطَئي، وَعَمْدِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي "
(متفق عليه)

▪الإسراف: مجاوزة الحدِّ في كل شيء

نسمة شتاء 11-11-2022 08:02 AM

الدعـــاء من الكتــــ📖ـــاب و الســــنـــة*

الدعاء السابع

{رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}
[سورة البقرة : 286]

( ربنا لا تؤاخذنا إن [ نسينا ] ) أي : إن تركنا فرضا على جهة النسيان ، أو فعلنا حراما كذلك ، ( أو أخطأنا ) أي : الصواب في العمل ، جهلا منا بوجهه الشرعي .

( ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ) أي : من التكليف والمصائب والبلاء ، لا تبتلينا بما لا قبل لنا به .
وقد قال مكحول في قوله : ( ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ) قال : الغربة والغلمة ، رواه ابن أبي حاتم ، " قال الله : نعم " وفي الحديث الآخر : " قال الله : قد فعلت " .

وقوله : ( واعف عنا ) أي : فيما بيننا وبينك مما تعلمه من تقصيرنا وزللنا ، ( واغفر لنا ) أي : فيما بيننا وبين عبادك ، فلا تظهرهم على مساوينا وأعمالنا القبيحة ، ( وارحمنا ) أي : فيما يستقبل ، فلا توقعنا بتوفيقك في ذنب آخر ، ولهذا قالوا : إن المذنب محتاج إلى ثلاثة أشياء : أن يعفو الله عنه فيما بينه وبينه ، وأن يستره عن عباده فلا يفضحه به بينهم ، وأن يعصمه فلا يوقعه في نظيره . وقد تقدم في الحديث أن الله قال : نعم . وفي الحديث الآخر : " قال الله : قد فعلت " .

وقوله : ( أنت مولانا ) أي : أنت ولينا وناصرنا ، وعليك توكلنا ، وأنت المستعان ، وعليك التكلان ، ولا حول ولا قوة لنا إلا بك ( فانصرنا على القوم الكافرين ) أي : الذين جحدوا دينك ، وأنكروا وحدانيتك ، ورسالة نبيك ، وعبدوا غيرك ، وأشركوا معك من عبادك ، فانصرنا عليهم ، واجعل لنا العاقبة عليهم في الدنيا والآخرة ، قال الله : نعم . وفي الحديث الذي رواه مسلم ، عن ابن عباس : " قال الله : قد فعلت " .

وقال ابن جرير : حدثني المثنى بن إبراهيم ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، أن معاذا ، رضي الله عنه ، كان إذا فرغ من هذه السورة ( فانصرنا على القوم الكافرين ) قال : آمين .


نسمة شتاء 11-12-2022 07:56 AM

الدعـــاء من الكتــــ📖ـــاب و الســــنـــة

الدعاء الثامن

" اللَّهمَّ اغفِرْ لي ما قَدَّمتُ وما أَخَّرْتُ، وما أَسْرَرْتُ ومَا أعْلَنْتُ، وما أَسْرَفْتُ، وما أَنتَ أَعْلمُ بِهِ مِنِّي، أنْتَ المُقَدِّمُ، وَأنْتَ المُؤَخِّرُ، لا إله إلاَّ أنْتَ"
(البخاري )


الشرح
وفي رواية مسلم قيده بقوله بين التشهد والتسليم
فعنْ عَلِيٍّ بن أبي طالب رضي اللَّه عنْهُ قال: كانَ رَسُولُ اللَّهِ إذا قام إلى الصَّلاةِ.....ثم يكونُ مِنْ آخِر ما يقولُ بينَ التَّشَهُّدِ والتَّسْلِيم: " اللَّهمَّ اغفِرْ لي ما قَدَّمتُ وما أَخَّرْتُ، وما أَسْرَرْتُ ومَا أعْلَنْتُ، وما أَسْرَفْتُ، وما أَنتَ أَعْلمُ بِهِ مِنِّي، أنْتَ المُقَدِّمُ، وَأنْتَ المُؤَخِّرُ، لا إله إلاَّ أنْتَ"
(رواه مسلم)

((اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت))
يعني ما تقدم من ذنوبي وتأخر منها

والمراد بقوله (وما أخرت) أي أن يحفظه الله فلا يقع منه ذنب في المستقبل، أو أن الله لا يؤاخذه بما سيقع منه من الذنوب في المستقبل، حيث سيوفقه لتوبة نصوح
(( وما أسررت، وما أعلنت، وما أسرفت))

وما أسررت يعني ما عملته خفية، وما أعلنت يعني ما أظهرته وعملته علناً، وما أسرفت أي ما جاوزت فيه الحد والمراد هنا الإسراف في ارتكاب المعاصي
((وما أنت أعلم به مني))

لأن الإنسان قد يعمل السيئة والخطيئة ويعرف أنه عملها، فيستغفر منها، وقد يقع في معاصي لا يشعر بها، ولا يعلمها، وقد يظنها حسنات ، ولكن الله يعلمها فهو يسأل الله جل وعلا أن يغفرها له
(أنت المقدم وأنت المؤخر) أي تقدم من تشاء، وتؤخر من تشاء

فتقدم من تشاء من عبادك وتوفقه لما يدخله إلى الجنة، وتقدمه إلى الخير وترفع مقامه ، وتؤخر من تشاء من عبادك إلى النار، وتبعده عن الخير.

الدعـــاء من الكتــــ📖ـــاب و الســــنـــة

نسمة شتاء 11-13-2022 08:13 AM

الدعـــاء من الكتــــ📖ـــاب و الســــنـــة


الدعاء التاسع

{رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ}
[ آل عمران : 8]



المفردات:

▪لا تزغ 👈🏼الزيغ: الميل عن الاستقامة والانحراف عن الحق
▪الوهاب: اسم من أسماء اللَّه تعالى الحسنى من صيغ المبالغة، والهبة هي:
((العطية الخالية عن الأعواض والأغراض))



الشرح:

{رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا}
صدروا دعاءهم بربوبيته تعالى التي هي أفضل وأعلى الغايات، وهو استقامة القلوب على ما يحبه اللَّه تعالى ويرضاه، والثبات على ذلك

↩فقالوا: يا ربنا، ويا مدبر أمورنا، لا تُمِل قلوبنا بعد الهدى الذي أنعمت به علينا

توسلوا بسابق إحسانه وإنعامه بعد التوسل بربوبيته دلالة على أهمية مطلبهم لربهم، وأنهم في تضرع كبير لهذا المطلب المهم

⬅فتضمّن هذا المطلب الجليل سؤال اللَّه تعالى الثبات على الدين القويم، والصراط المستقيم الذي عليه النجاة في يوم الدين، ولا يكون ذلك إلا بالتوفيق من اللَّه تعالى رب العالمين.

لهذا كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم -: ((يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ))
صححه الألباني

↩وجاء عنه صلى الله عليه وسلم -: ((اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ))
مسلم

{وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً}
ومن جميل تضرعهم وتوسلهم سألوا اللَّه تعالى بلفظ الهبة إشارة إلى أن ذلك منه تعالى تفضل محض دون شائبة وجوب عليه سبحانه وتعالى

وسألوا ربهم {رَحْمَةً} بالتنوين والتنكير دلالة على التفخيم والتعظيم
أي رحمة عظيمة واسعة شاملة التي تقتضي حصول نور الإيمان والتوحيد والمعرفة في القلب، وحصول الطاعة في الجوارح والأركان.

💭فالرحمة من آثارها التوفيق، والدوام على الهدى في الدنيا، والنعيم الأبدي في الآخرة؛ ولهذا كثرة الأدعية في كتاب اللَّه لهذا المطلب الجليل.

{مِنْ لَدُنْكَ}
جُعلت الرحمة من عنده؛ لأن تيسير الأسباب منه جل وعلا تفضلاً وتكرماً، وفيها معاني التعظيم والإجلال للَّه تعالى، وهذا من حسن دعائهم، وأدبهم مع ربهم - عز وجل - التي ملأت قلوبهم حباً وتعظيماً له - جل جلاله -.

{إنَّكَ أنْتَ الوَهَّابُ}
عللوا طلبهم، وأكَّدوه بخصوصية الهبة المطلقة الكاملة للَّه تعالى، التي لايعدّها عادٌّ، ولا يحدّها حادّ، إيماناً منهم بكمال صفاته تعالى، ومن جملتها هباته تعالى؛ لأن هبات الناس بالنسبة لما أفاض اللَّه تعالى من الخيرات شيء لا يُعبأ به.

وقالوا في الآية التالية: {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ}
حيث استحضروا عند طلب الرحمة أحوج ما يكونون إليه، وهو يوم تكون الرحمة سبباً للفوز الأبدي، فأعقبوا بذكر هذا اليوم دعاءهم كأنهم قالوا: وهب لنا من لدنك رحمة، وخاصة يوم تجمع الناس

الفوائد المستفادة

تضمنت هذه الدعوة المباركة كثيراً من المنافع والفوائد:

1⃣ أن سؤال اللَّه تعالى الثبات على الإيمان هو أعظم مقاصد الشارع المطلوبة.

2⃣ ينبغي للعبد أن يستحضر دوماً نعم اللَّه تعالى عليه، وخاصة نعمة الدين.

3⃣ أهمية التوسل إلى اللَّه تعالى بنعمه {بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا}.

4⃣ إنّ الإنسان لا يملك قلبه؛ لأنه بين إصبعين من أصابع الرحمن يُقلِّبه كيف يشاء، فيسأل اللَّه ألاَّ يزغه

5⃣ أن التخلية تكون قبل التحلية، يعني يُفرغ المكان من الشوائب والأذى، ثم يطهر، دلَّ عليه قوله: (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا) ثم قال: {وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً}.

6⃣ أن العطاء يكون على قدر المعطي؛ لقوله تعالى: (وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً)، هذا من باب التوسل بحال المدعو، ومن باب التوسل بصفات اللَّه عز وجل

7⃣ أن كل الخلق لا غنى لهم عن دعاء ربهم - عز وجل - في جلب المنافع، ودفع المضار.

فبعد هذا الوصف الجميل لهم، يجدر بالعبد السالك إلى طريق اللَّه المستقيم أن يحرص على هذه الكلمات اليافعات، والدعوات المباركات، ويستحضر هذه المعاني، والمطالب العالية

المرجع
شرح الدعاء من الكتاب والسنة
سعيد بن وهف القحطاني

نسمة شتاء 11-13-2022 08:15 AM

الدعـــاء من الكتــــ📖ـــاب و الســــنـــة


الدعاء العاشر

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ
كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ:
"اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ دِقَّهُ وَجِلَّهُ وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ"
مسلم

ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو بهذا الدعاء في السجود



المفردات

▪( دِقّه ) أَيْ دَقِيقه وَصَغِيره وقليله

▪( وَجِلّه ) أَيْ جَلِيله وَكَبِيره وكثيره

↩و قِيلَ إِنَّمَا قَدَّمَ الدِّقّ عَلَى الْجِلّ لِأَنَّ السَّائِل يَتَصَاعَد فِي مَسْأَلَته أَيْ يَتَرَقَّى وَلِأَنَّ الْكَبَائِر تَنْشَأ غَالِبًا مِنْ الْإِصْرَار عَلَى الصَّغَائِر وَعَدَم الْمُبَالَاة بِهَا , فَكَأَنَّهَا وَسَائِل إِلَى الْكَبَائِر


( وَأَوَّله وَآخِره ) الْمَقْصُود الْإِحَاطَة بالذنوب كلها

( عَلَانِيَته وَسِرّه ) ما أعلن وما أسر من الذنوب التى لا يعلمها إلا الله
فالمقصود عِنْد الناس وَإِلَّا فَهُمَا سَوَاء ( السر والعلانية ) عِنْده تَعَالَى ( يَعْلَم السِّرّ وَأَخْفَى)



الشَّرْحُ

هذا الدعاء وتكرار ألفاظه من باب التبسط في الدعاء والتوسع فيه لأن الدعاء عبادة فكل ما كرره الإنسان ازداد عبادة لله عز وجل

ثم إنه في تكراره هذا يستحضر الذنوب كلها ما اعلنه و ما أخفاه وكذلك دقه وجله وهذا هو الحكمة في أن النبي صلى الله عليه وسلم فصل بعد الإجمال فينبغي للإنسان أن يحرص على الأدعية الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها أجمع الدعاء وأنفع الدعاء

المراجع
"عون المعبود شرح سنن أبي داود"
شرح رياض الصالحين
(ابن عثيمين)

نسمة شتاء 11-14-2022 07:40 AM

الدعـــاء من الكتــــ📖ـــاب و الســــنـــة

الدعاء الحادي عشر

{رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}
[ آل عمران : 16]

الشرح :
بعد أن ذكر اللَّه عز وجل حُبَّ الناس الشهوات من النساء والبنين وغيرها من ملذات الدنيا، وإيثار بعضهم لهذه الدار على الآخرة
↩أعقب بذكر الدار الحقيقية التي لا يفنى نعيمها ولا ينفد، التي أعدها لأصحاب النفوس الزكيَّة، الذي كان من جليل أعمالهم وأقوالهم:
{يقولون ربنا إننا آمنا}
جاء بصيغة المضارع (يقولون) الذي يدلّ على الاستمرارية والتجدد في سؤالهم، وتضرّعهم بهذه الدعوات.
{ربّنا إننا آمنا}
توسّلوا إلى اللَّه تعالى بربوبيته التي من مقتضاها الإجابة والعناية
وذلك أن ربوبية اللَّه تبارك وتعالى ربوبيتان:
▪عامة: لجميع الخلائق بالرزق، والتدبير والإصلاح
▪وخاصة: لأوليائه التي تقتضي الحفظ، والعناية، والإجابة، وإصلاح أحوالهم وشؤونهم في دينهم ودنياهم
فهم توسّلوا بهذه الربوبية العليّة التي من مقتضاها إجابة دعائهم.
{إنَّنا آمنَّا}
أكدوا إيمانهم بـ ((إنَّ)) المؤكدة، دلالة على قوة إيمانهم، وصفاء توحيدهم من كل أدران الشرك والشك، أي آمنّا بك وبكتابك وبرسولك، وبكل ما جاء منك
↩قدموا توسلهم بإيمانهم باللَّه قبل سؤالهم؛ لأنه من أعظم الوسائل التي يحبها اللَّه - عز وجل -، أن يتوسّل العبد إلى ربّه تعالى بما منَّ عليه من الإيمان، والأعمال الصالحة، إلى تكميل نعم اللَّه تعالى عليه، بحصول الثواب الكامل، واندفاع العقاب
{فاغفر لنا}
الفاء هنا للسببية، أي بسبب إيماننا فاغفر لنا؛ لأن الإيمان لا شك أنه وسيلة للمغفرة، وكلما قوي الإيمان قويت أسباب المغفرة
والمغفرة: مأخوذة من الغفر، وهو الستر والوقاية
↩فمغفرة الذنوب: سترها في الناس، والعفو عن عقوبتها
((ذنوبنا)) المراد كل الذنوب من الصغائر والكبائر.
{وقنا عذاب النار} أي اجعل بيننا وبين النار وقاية تجنبنا هذا الشر الأليم.
تضمنت هذه الدعوةالتوفيق إلى الأعمال، والأقوال، والأخلاق التي تقي عذاب النار، والفوز بدار القرار.

الفوائد:

1⃣من صفات المؤمنين إعلانهم الإيمان باللَّه تبارك وتعالى.
2⃣أنّ من صفات المتقين عدم الإعجاب بالنفس، وأنّهم مقصرون لطلبهم المغفرة من اللَّه تعالى.
3⃣جواز التوسل بالإيمان {ربّنا إنّنا آمّنّا}
4⃣أهمية البسط في الدعاء، فإنّ سؤال المغفرة يغني عن سؤال الوقاية من النار، إلا أنه في باب الدعاء ينبغي البسط فيه
5⃣أهمية التوسل بالعمل الصالح في الدعاء، وأنّ من أعظم أنواعه على الإطلاق التوسل بإيمان العبد بربه تعالى.
6⃣ينبغي للداعي أن يحرص في أدعيته على سؤال المغفرة، والوقاية من النار، فمن تحصَّل بهذين المطلوبين فاز في الدنيا والآخرة.
7⃣أنه كلما أكثر العبد في التوسل كان أرجى في قبول دعوته، فقد توسلوا بوسيلتين:
بأسمائه تعالى الحسنى {رَبَّنَا}.
بالعمل الصالح {إِنَّنَا آمَنَّا}.

المرجع
شرح الدعاء من الكتاب والسنة
سعيد بن وهف القحطاني

نسمة شتاء 11-15-2022 07:42 AM

الدعـــاء من الكتــــ📖ـــاب و الســــنـــة*

الدعاء الثاني عشر

عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال : كنت أخدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كلما نزل، فكنت أسمعه يكثر أن يقول :
" اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ "
رواه البخاري

المفردات
▪(الهمّ ) المكروه المؤلم للقلب على أمر مستقبل يتوقعه
▪(الحزن) المكروه المؤلم للقلب على أمر قد مضى.
▪( العجز) تخلُّف العبد عن فعل الخير لعدم القدرة.
▪(الكسل ) ترك العبد فعل الشيء مع القدرة عليه.
▪(الجبن ) هو مهابة الأشياء، والتأخّر عن فعلها.
▪(ضَلع الدين ) أصل الضلع : الاعوجاج، والمراد به هنا ثِقل الدين وشدّته، الذي يميل بصاحبه عن الاستواء.
▪(غلبة الرجال) شدّة تسلّطهم وقهرهم بغير حق

الشرح

استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الأمور؛ لأنها منغصات للحياة، من جميع الوجوه، في النفس، والجسد، والعقل، والقلب.
((اللَّهم إني أعوذ بك من الهم والحزن))
استعاذ منهما لما فيهما من شدة الضرر على البدن، وإذابة قواه، وتشويش الفكر والعقل، والإنشغال بهما يفوِّتان على العبد الكثير من الخير ،وانشغال الفؤاد والنفس عن الطاعات والواجبات، هذا إن كان الهمّ والحزن في أمور الدنيا

أما همّ الآخرة، فهو محمود؛ لأنه يزيد في الطاعة، ويبعث النفس على الجدّ، والعمل، والمراقبة، قال النبي صلى الله عليه وسلم :
((مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا: هَمَّ الْمَعَادِ، كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ، وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ في أَحْوَالِ الدُّنْيَا، لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَتِهِ هَلَكَ))
صححه الألباني

وقال النبي صلى الله عليه وسلم :
((مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ))
حسنه الألباني

((والعجز والكسل ))
العجز والكسل يفوّت على العبد كثيراً من الواجبات من أعمال الصالحات التي ترجع إليه بالنفع في دينه ودنياه وآخرته

((والجبن))
وهو مهابة الأشياء ويؤدي إلى عدم الوفاء بكثير من الواجبات وحقوق اللَّه تعالى، كالقتال في سبيله، وعدم الجرأة في الصدع بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وعدم مخالفة هوى النفس والشيطان

((وضلَعَ الدين))
أي شدّته وثقله، حتى يميل بصاحبه عن الاستواء والاعتدال؛ فلهذا استعاذ منه صلى الله عليه وسلم لما فيه كذلك من شغل العبد عن القيام بالعبادة على الوجه الأكمل، والوقوع في المحذورات الشرعية مثل: الإخلاف في الوعد، والوقوع في الكذب.
واستعاذ النبي صلى الله عليه وسلم ((من غلبة الرجال))
وهو تسلّطهم، وظلمهم، وغلبتهم بغير الحق، مما يؤدي إلى وهن النفس، وضعفها، وإلى الذلة والهوان، فيفتر عن الطاعة والعبادة ؛ لما يوقع في النفس من الخور والأحزان، والأوهام، الذي قد يؤدّي إلى الحقد، والانتقام.

فينبغي لكل مؤمن أن يُعنى بهذا الدعاء الجليل، فنحن في أشدّ الحاجة إليه في زمننا هذا، وقد تكالبت علينا الهموم، والغموم والأعداء من كل مكان، فنسأل اللَّه السلامة في ديننا ودنيانا.

المرجع
شرح الدعاء من الكتاب والسنة
سعيد بن وهف القحطاني

نسمة شتاء 11-16-2022 09:40 AM

الدعـــاء من الكتــــ📖ـــاب و الســــنـــة


الدعاء الثالث عشر
{رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ}
[آل عمران : 38]


الشرح
هذه إحدى دعوات زكريا عليه السلام لما رأى أنّ اللَّه يرزق مريم فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، طمع حينئذٍ في الولد
وكان شيخاً كبيراً قد وهن العظم منه، واشتعل الرأس شيباً، وكانت امرأته مع ذلك كبيرة وعقيماً، لكنه لكمال إيمانه، وحسن ظنه بربه بكمال قدرته تعالى، ونفوذ مشيئته وحكمته، أقبل على الدعاء من غير تأخير ، فسأل ربه، وناداه نداء خفياً، كما في قوله تعالى في سورة مريم: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا}

{رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ}
جاء الطلب بلفظ الهبة؛ لأنّ الهبة إحسان محض، ليس في مقابله شيء، وهو يناسب ما لا دخل فيه للوالد؛ لكبر سنّه، ولا للوالدة؛ لكونها عاقراً لا تلد
↩فكأنه قال: أعطني من غير سبب معتاد ، لأنه لم ينظر عليه السلام إلى الأسباب والمسببات بظروفها العادية؛ بل نظر إلى خالقها، وموجدها، ومكونها، وهذا هو الإيمان الصادق الخالص للَّه ، وعلى قدر حسن ظن العبد بربه ينال من كراماته و فضائله التي لا تعدّ.

{مِن لَّدُنْكَ}
أي من عندك، إضافة العندية إلى اللَّه تعالى ليكون أبلغ وأعظم؛ لأنّ هديّة الكريم عظيمة وجليلة تليق بمقام العظيم الكريم.

{ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً}
في تقييد الذرية بالطيّبة إشارة مهمّة أنّ العبد لا يسأل اللَّه تعالى الذرية فقط، فلابدّ أن يقيّدها بالصلاح والطيب التي يُرجى منها الخير في الدنيا والآخرة
↩فالذُّرِّيَّة الطيّبة، هي الطيّبة في أقوالها، وأفعالها، وكذلك في أجسامها، فهي تتناول الطيب الحسّيّ، والطيِّب المعنوي

{إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ}
تعليل للسؤال: أي إني ما التجأت إليك، وسألتك إلا لأنك مجيب الدعاء، غير مخيّب للرجاء، فختم الدعاء بأحسن ختام من التوسل بأسمائه تعالى الحسنى، وصفاته العُلا التي تناسب الدعاء
⬅ فجاءته البشارة العاجلة عقيب السؤال، كما أفاد ذلك حرف التعقيب (الفاء) في قوله: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران :39]

المرجع
شرح الدعاء من الكتاب والسنة
سعيد بن وهف القحطاني

الفوائد
تضمّنت هذه الدعوة المباركة فوائد، وحِكَماً، منها :
1⃣ إنّ جميع الخلق مفتقرون إلى اللَّه عز وجل ، حتى الأنبياء لايستغنون عن دعاء اللَّه تعالى في كل أحوالهم، دلّ على ذلك قوله تعالى: {دعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ}

2⃣ إن من أعظم التوسل إلى اللَّه عز وجل بالدعاء هو اسم (الربّ)
لقوله: (ربّه)، ولم يقل (اللَّه)؛ ولهذا أكثر الأدعية مصدرة بـ (الربّ)؛ لأنّ إجابة الداعي من مقتضى الربوبية؛ فلهذا يتوسل الداعي دائماً باسم (الرب)

قال النبي صلى الله عليه وسلم -: ((يمدّ يديه إلى السماء: يا ربّ، يا ربّ))
3⃣ إنه لاينبغي للإنسان أن يسأل مطلق الذرية؛ لأنّ الذريّة قد يكونون نكداً وفتنة، وإنّما يسأل الذريّة الطيّبة

4⃣ إنّ حُسن الظنّ من حسن العبادة، وأنه تعالى يجازي عبده، ويعطيه على قدر حسن الظنّ به، دلّ عليه قوله تعالى: {هُنَالِكَ دعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ}، حيث أقبل على الدعاء مباشرة لحسن ظنّه
بربه تعالى، كما جاء في الحديث القدسي عن ربّ العزّة والجلال:
((أنا عند ظنّ عبدي بي، وأنا معه إذا دعاني))
البخاري

5⃣ إنّ من تمنى أمراً عظيماً، أو رأى شيئاً جليلاً يتمناه، عليه أن يقبل على الدعاء في لحظته، ولايؤخره، دل عليه قوله تعالى: {هُنَالِكَ دَعَا}
ففي ((تقديم الظرف (هنالك) للإيذان بأنه أقبل على الدعاء من غير تأخير))

6⃣ إنه ينبغي للإنسان أن يفعل الأسباب التي تكون بها ذريته طيبة، ومنها الدعاء؛ دعاء اللَّه تعالى، وهو من أكبرالأسباب

7⃣ فيه دلالة على أن الدعاء يردّ القضاء، وذلك أن من الأسباب العادية، أن العقيم والعجوز لاتلد، فلمّا دعا اللَّه تعالى أن يرزقه الولد، جاءت البشرى مباشرة، كما أفاد قوله تعالى: {فَنَادَتْهُ المَلائِكَةُ}
عقب دعائه مباشرة، دلّ على ذلك بـ ((الفاء السببية))، والتي تفيد التعقيب والترتيب بدون مهلة.

8⃣ إثبات سمع اللَّه - عز وجل -، وكرم اللَّه تعالى، وقدرته، وجه ذلك: أنه يسمع الدعاء، ويجيب من دعاه، وقادرعلى الإجابة

9⃣ أهمية التوسل بأسماء اللَّه الحسنى (إنك سميع الدعاء)، وأنها من أعظم الوسائل إلى إجابة الدعاء، حيث اختاره عليه وسلم دون غيره من الأسماء.

🔟 إنه كما يُتوسل إليه تعالى بأسمائه، كذلك يُتوسل إليه جل وعلا بأفعاله، فقوله: {هَبْ لِي}، توسّل بصفة الهبة، وهي صفة فعلية ، وهي مشتقة من اسمه (الوهّاب).
1⃣1⃣ أن في ذكر هذه القصة العجيبة، وما تضمنته من دعوة جليلة حتى لا ييأس أحد من فضل اللَّه تعالى ورحمته، ولايقنط من فضله سبحانه

المرجع
شرح الدعاء من الكتاب والسنة
سعيد بن وهف القحطاني

نسمة شتاء 11-17-2022 07:26 AM

الدعـــاء من الكتــــ📖ـــاب و الســــنـــة

الدعاء الرابع عشر

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ البُخْلِ، وَأَعوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ، وَأعُوذُ بِكَ أنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ العُمُرِ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ "
البخاري

الشرح

((من البخل))
الذي هو ضد الكرم؛ لأنه يؤدي إلى عدم الوفاء بكثير من الواجبات المالية، كالزكاة، والإنفاق على من يلزم عليه الإنفاق، كالوالدين، والزوجة، والذرية، وغير ذلك .

((من الجبن))
وهو المهابة للأشياء، والتأخّر عن فعلها، وهو ضد الشجاعة؛ لأنه يؤدّي إلى عدم الوفاء بكثير من الواجبات كفرض الجهاد في سبيل اللَّه تعالى، والصَّدْع بالحق، وإنكار المنكر، وكذلك عدم الجرأة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك، وبشجاعة النفس وقوتها تتم العبادات على أكمل وجه، ومن ذلك نصرة المظلوم، والجهاد في سبيل اللَّه .

((أن أُردَّ إلى أرذل العمر))
أن يُردَّ إلى أرذل العمر، وهو البلوغ إلى حدٍّ في حالة الكبر، وهو ما يسمى بالخرف، يعود معه كالطفل في سخف العقل، وقلّة الفهم، وضعف القوة البدنية والعقلية، فيصبح عالة على غيره .

((من فتنة الدنيا))
أي الافتتان بالدنيا في شهواتها وغرورها، فإنها تنسي الآخرة، وتدخل في هذه الاستعاذة المهمّة كل الفتن حال الحياة في هذه الدار.

((من عذاب القبر))
مما يعرض له عند مساءلة الملكين، وما ينشأ عنهما من فتنة عظيمة، ومشاهدة أعماله السيئة في أقبح صورة كما ثبت، وضيقه، وضمّته، فعذاب القبر ينشأ بعد فتنة الملكين، فتضمّن السؤال سؤال اللَّه تعالى العصمة منه بالتوفيق إلى صالح الأعمال المانعة من عذابه

المرجع
✏شرح الدعاء من الكتاب والسنة
سعيد بن وهف القحطاني

نسمة شتاء 11-18-2022 07:40 AM

الدعـــاء من الكتــــ📖ـــاب و الســــنـــة

الدعاء الخامس عشر

{رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ(194)}
[آل عمران ]


الشرح
هذه الدعوات الجليلة من أهل الإيمان، ينبغي للعبد أن يقف رويداً عندها بالتأمل والتدبر بما حوته من عظيم المنافع
{رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا}
أي داعياً يدعو إلى الإيمان، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقيل: المنادي هو كتاب اللَّه تعالى، وكلاهما صحيح

{أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا}
في هذا إخبار منهم بمنَّة اللَّه عليهم بالإيمان، فقدَّموا هذا التوسّل ليكون وسيلة إلى الغاية العظيمة المرجوَّة عندهم من المغفرة والنجاة في الدار الآخرة.

{رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا}
أي بسبب إيماننا اغفر لنا ذنوبنا، وهذا من حسن توسّلهم إلى اللَّه تعالى، حيث توسّلوا للَّه بأفضل أعمالهم، وهو إيمانهم به تعالى، والإيمان به يعني الإيمان 👈🏼بوجوده وربوبيته وألوهيته وأسمائه، وصفاته، وأفعاله
↩ففي تكرير النداء إظهار لكمال التضرع والخضوع، وهذا الذي ينبغي أن يكون عليه الداعي من الضراعة والرغبة والرهبة في دعائه إلى مولاه - عز وجل -، فإن ذلك أرجى في الإجابة والقبول.

{رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا}
الذنوب طلبوا مغفرتها، والسيئات طلبوا تكفيرها
⬅لأن الذنوب هي: الكبائر، والسيئات هي الصغائر

{وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا}
طلبوا المغفرة من صغائر الذنوب، بعد أن سألوا المغفرة لكبار ذنوبهم، و يدلّ هذا على بسطهم في دعائهم لهذا المطلب الجليل

{وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ}
طلبوا الوفاة مع الأبرار وجملتهم، فتضمن هذا الدعاء سؤال اللَّه التوفيق لفعل الخير، وترك الشرّ، الذي به يكون العبد من الأبرار.

{رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ}
وفي تكرير النداء بربوبية اللَّه تعالى إظهاراً لكثرة تضرعهم، وإلحاحهم المؤمّل منه الإجابة والقبول، وهذا يدل على كمال إيمانهم، وعبوديتهم لربهم جلّ وعلا.

↩فسألوا اللَّه تبارك وتعالى أن ينجز لهم ما وعدهم به على ألسنة الرسل من النصر والتمكين في الأرض، والفوز برضوان اللَّه تعالى، وجنانه في دار الآخرة، ثم أكّدوا ذلك متوسّلين أنّه( لا يخلف الميعاد) لكمال صدقه في قوله ووعده، وكمال قدرته جلّ وعلا، كما قال:
{فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ}
[ إبراهيم : 47]

ولأن إخلاف الوعد إما أن يكون لكذب الواعد، وإما أن يكون لعجز الواعد، وكلا الأمرين منتفيين عن اللَّه جلّ وعلا

الفوائد
تضمّنت هذه الدعوات الكثير من الفوائد المهمّة والجليلة:
1⃣ إن سؤال اللَّه تعالى في مطالب الدِّين والدار الآخرة هي أفضل المطالب، وأعلى المراتب في الدعاء.

2⃣ فضيلة البسط في الدعاء على الاختصار؛ لأنه مقام عبودية، فكلما كثّره وطوّله العبد ازداد عبودية، وقربةً، وشوقاً إلى اللَّه تعالى؛ ولأنه يدلّ على الإلحاح الذي هو من موجبات الإجابة، فكل هذه الأسباب وغيرها تجعل الدعاء أكثر استجابة وقربة إلى اللَّه تعالى.

3⃣ يحسن بالداعي أن يذكر بعض منن وآلاء اللَّه تعالى عليه حال دعائه لقوله:
{أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا}.

4⃣ إنّ ذكر الإنسان لعمله الصالح لا يحبطه، لقوله: {أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا}.

5⃣ جواز التوسل في الدعاء بالأعمال الصالحة؛ لقوله {فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} عطفاً على قولهم: {رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا}

6⃣ أهمية التوسل إلى اللَّه بأسمائه كما في تكرارهم في توسلهم لهذا الاسم الجليل ((الرب))

7⃣ وكذلك التوسّل إليه تعالى بصفاته، كما في قوله: {مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ}، وهي صفة فعلية.

8⃣ من حسن الدعاء ذكر علّة السؤال؛ لقوله: {إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} أي: ما سألناك أن تعطينا إلا لأنك لا تخلف الميعاد.

9⃣ مشروعية التوسّل إلى اللَّه بصفاته المنفية كما في: {إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ }، فيتوسل بها كما توسل بصفات الإثبات.
وفيه إثبات ما أثبته أهل السنة: أن الصفات المنفية لا يُراد بها مجرد النفي، وإنما يُراد بها النفي مع إثبات كمال الضدّ.

🔟 فيه ظهور كمال أسماء اللَّه تعالى وصفاته ... من سعة الكرم، والفضل، والعلم، والسمع، والإجابة، والقدرة

1⃣1⃣ ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ بالعشر الآيات الاواخر من سورة آل عمران إذا قام من الليل
فعن ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ بَاتَ لَيْلَةً عِنْدَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ خَالَتُهُ ، قال : (فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الْآيَاتِ الْخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ، ثُمَّ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي)
متفق عليه

المرجع
شرح الدعاء من الكتاب والسنة
سعيد بن وهف القحطاني

نسمة شتاء 11-19-2022 07:58 AM

الدعـــاء من الكتــــ📖ـــاب و الســــنـــة

الدعاء السادس عشر

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ، وَرَبُّ الْأَرْضِ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيم ِ"
البخاري ومسلم

↩عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللَّه عنْهُما أَنَّ رسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم كَان يقُولُ عِنْد الكرْبِ : « لا إِلَه إِلاَّ اللَّه العظِيمُ الحلِيمُ ، لا إِله إِلاَّ اللَّه رَبُّ العَرْشِ العظِيمِ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّه رَبُّ السمَواتِ ، وربُّ الأَرْض ، ورَبُّ العرشِ الكريمِ »
متفقٌ عليه

المفردات:

▪العظيم:
هو اسم جليل لربنا عز وجل يدلّ على عظمة الذات، والصفات لله جلَّ وعلا، وهو من صفات الذات والفعل كذلك، دلّ عليه قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ أَمْرُ اللَّه أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّه يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا﴾
(الطلاق : 5)

▪الكريم :

هذا الاسم للَّه تعالى يدل على سعة خيراته وفضائل كرائمه التي لا تحد ولا تعد فهو الجامع لأنواع الخير والشرف والفضائل، فمن كمال كرمه تعالى أنه تعالى يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما فارغتين دون عطاء، وهو يدل على صفة الذات والفعل .

▪الحليم :
وهذا الاسم يدل على الصفح والأناة، فاللَّه تعالى لا يعجل العقوبة على عباده مع كثرة ذنوبهم و عصيانهم، بل يرزقهم ولا يحبس أفضاله عليهم، وهو من صفة الأفعال .

▪العرش :
هو سرير الملك وهو أعظم المخلوقات، فوق جميع العباد استوى عليه تعالى استواء يليق بجلاله وعظمته، واستوائه جل وعلا من صفاته الفعلية التي تتعلق بمشيئته [فاستواؤه على العرش معلوم، والإيمان به واجب، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة]
أما علوّه تعالى فهو من الصفات الذاتية.


المرجع
شرح الدعاء من الكتاب والسنة
سعيد بن وهف القحطاني
شرح الدعاء السادس عشر (دعاء الكرب)
هذا حديث عظيم جليل القدر، ينبغي الاعتناء به، والإكثار منه عند الكرب، والأمور العظيمة، قال الطبري: كان السلف يدعون به ويسمونه دعاء الكرب
↩فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوله عند كربه وإذا حزبه أمر أي: إذا نزل وألمَّ به أمر شديد
سُمِّي بدعاء الكرب لأنه ذِكْرٌ يُستفتح به الدعاء ثم يدعو بما شاء، ولأنه كذلك يتضمن الدعاء لأنه في سياق بيان الحال

والدعاء يكون بالطلب الصريح، ويكون بالطلب غير الصريح من شكاية الحال: من ضعفٍ، وعجزٍ، وغير ذلك، المتضمن للسؤال بالكشف عن ما ألمَّ به العبد من ضر
وهذا الدعاء المبارك فيه كلمات إيمان عظيمة وتوحيد، وتعظيم، وإخلاص للَّه عز وجل بالإفراد له تعالى: بالألوهية، والربوبية، والأسماء والصفات

↩وفي هذا الحديث: دلالة واضحة على أن أعظم علاج للكرب، هو الإيمان، والتوحيد الخالص للَّه تعالى، وأن ترديد هذه الكلمات العظام مُذْهِبٌ للكرب، والهمّ، والغمّ، فما دفعت شدائد الدنيا، وأهوال الآخرة بمثل التوحيد، فإذا قالها المسلم مُتأمِّلاً لمعانيها مُتفكِّراً في دلالاتها: سكن قلبه، واطمأنّت نفسه، وزال عنه كربه، وشدته ، فلا يثبت الكرب والهمّ أمام كلمات التوحيد والتعظيم الخالص للَّه تعالى رب العالمين

⬅واقتران اسمه تعالى: ((العظيم الحليم)) دلالة على كمال آخر غير الكمال في إفراد أحدهما، ففي اقترانهما دلالة كمال عظمته مع حلمه تعالى عكس البشر، فإنه قد يكون عظيماً، وليس بحليم، وقد يكون حليماً وهو ذليل، فهو تعالى لم تمنعه عظمته من الحلم بخلقه، ولم يكن حلمه جل وعلا عن ضعف وعجز، بل عن كمال العظمة والجلال، وكذلك سعة حلمه مع كمال عظمته جل وعلا، فهو العظيم الحليم على الإطلاق.

↙ووجه ذكر اسمه تعالى ((العظيم))؛ لأنه تعالى لا يتعاظم عليه شيء مهما كان، ومن ذلك تفريج الكروب والهموم، فكأنه يقول: يا رب أنت العظيم الذي لا يتعاظم عليك شيء، وأنت الحليم فلم تُعجِّل عليَّ عقوبتك مع كثرة ذنوبي، وأنت رب السموات والأرض، ورب أعظم مخلوقاتك عرشك العظيم، أسألك أن تَفْرُجَ عنِّي: كربي، وهمّي، وغمّي.

↙ووجه ذكر اسمه تعالى ((الحليم)) في هذا الدعاء المبارك: لأن كرب المؤمن غالباً يكون بسبب تقصيرٍ في حق ربه؛ فإن المصائب بسبب الذنوب قال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾(الشورى: 30) وقد يكون حصول الكرب بسبب الغفلة.
وفي تكرير ذكر العرش لأنه أعظم المخلوقات ، والموجودات وتنبيهاً على عظم شأن خالقه عز وجل فإن من كان كذلك لا يعجزه أي أمر مهما كان.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة»
الألباني

المرجع
شرح الدعاء من الكتاب والسنة
سعيد بن وهف القحطاني

نسمة شتاء 11-20-2022 07:57 AM

الدعـــاء من الكتــــ📖ـــاب و الســــنـــة

الدعاء السابع عشر

{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}
[الاعراف : 23]

↩هذه الدعوة المباركة من دعاء أبوينا عليهما السلام، فهي دعوة مهمة لما حوته من كيفية التوبة من الذنوب والمعاصي، فذكرها ربنا جل جلاله ؛لتكون لنا نبراساً وهدياً مستقيماً، نستهلّ به دعاءنا في حياتنا الدنيا.

المفردات:

▪(الربّ): هو المربّي، والمدبّر، والمُصلح، والسيّد والمالك، والمنعم
▪الظلم: وضع الشيء في غير محلّه المختصّ به، إمّا بنقصان أو زيادة، أو بعدول عن وقته، أو مكانه، والظلم يقال في مجاوزة الحدّ، ويستعمل في الذنب الكبير، وفي الذنب الصغير
↩ويطلق الظلم على الشرك؛ لأنه أعظم الظلم، وأقبحه، قال تعالى مبيِّناً لوصايا لقمان لابنه:
{يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان ]

▪المغفرة: هي ستر الذنب، والتجاوز عنه

الشرح:

{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}
↙قالا لربهما: يا ربنا فعلنا بأنفسنا من الإساءة إليها بمعصيتك، وخلاف أمرك، وبطاعتنا عدوك ما استحققنا عليه العقوبة ، وإن لم تغفر لنا بمحو أثر الذنب وعقوبته
و ترحمنا بقبول التوبة والمعافاة من أمثال هذه الخطايا لنكون من الهالكين فغفر الله لهما ذلك
{وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى}

وهذه سنّة اللَّه تعالى التي لا تتغير في الصادقين المسرعين في توبتهم إليه بالعفو، والتجاوز، والصفح، وإن كان الذنب عظيماً.

قال ابن كثير رحمه اللَّه: وهذا اعتراف، ورجوع، وإنابة، وتذلل، وخضوع، واستكانة، وافتقار إليه تعالى، وهذا السرّ ما سرى في أحد من ذرّيته إلا كانت عاقبته إلى خير في دنياه وأخراه
⬅فمن أشبه آدم بالاعتراف وسؤال المغفرة والندم، والإقلاع، إذا صدرت منه الذنوب، اجتباه ربّه وهداه، ومن أشبه إبليس إذا صدر منه الذنب، لا يزال يزداد من المعاصي؛ فإنه لا يزداد من اللَّه تعالى إلاّ بُعداً

وفي تقديم طلب المغفرة على الرحمة دلالة دقيقة على أن الرحمة لا تنال إلا بالمغفرة
↩و استدلّ بالآية على أن الصغائر يعاقب عليها إن لم تغفر

الفوائد المستنبطة من الدعاء :
1⃣إن تقديم الاعتراف بالخطأ، وظلم النفس قبل طلب المغفرة هو أرجى في قبول المغفرة والإجابة

2⃣ أهميّة التوسّل بربوبية اللَّه تعالى حال الدعاء، كما في تصدير دعائهم بـ (ربّنا) الذي يدلّ على التربية، والعناية، والإصلاح، ومن ذلك إجابة دعائهم.

3⃣ جمع هذا الدعاء المبارك أربعة أنواع من التوسّل :
▪الأول: التوسّل بالربوبية (ربنا).
▪الثاني: التوسّل بحال العبد: (ظلمنا أنفسنا).
▪الثالث: تفويض الأمر إلى اللَّه جلّ وعلا: {وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا}.
▪الرابع: ذكر حال العبد إذا لم تحصل له مغفرة اللَّه ورحمته: {لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}))
4⃣ منّة اللَّه تعالى على آدم بقبول التوبة، فيكون في ذلك منّتان:

الأولى: التوفيق للتوبة
والثانية: قبول التوبة

وهذه منه عامّة لكل من يتوب إلى اللَّه تعالى، فينبغي للعبد أن يشكر ربه إن وفّقه للتوبة.
5⃣ تضمّنت هذه الدعوة أخلص شروط التوبة النّصوح، وهي: ترك الذنب، والندم عليه، والعزيمة مستقبلاً على عدم العودة إليه.

6⃣ هذه الدعوة من أفضل الصيغ في طلب المغفرة؛ لأن ربّنا علّمها أبا البشر، وجُعِلت قرآناً يُتلى إلى قيام الساعة.

7⃣ من كمال الدعاء أن يجمع الداعي حال دعائه بين الرغبة والرهبة والتوبة:
{وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.

8⃣ من حُسن الدعاء وأدبه أن يكون بصيغة التعريض المتضمّنة للطلب.

9⃣ إنّ مطلب المغفرة، والرحمة من أهمّ المطالب.

🔟 يُستحبّ للدّاعي أن يذكر سبب الدعوة التي يدعو بها:

{وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.

1⃣1⃣ فيها بيان أن الذنب ينبغي أن يستعظم وإن كان صغيراً؛ فإنه في حقّ العظيم عظيم.

2⃣1⃣ إنّ الدعاء ملجأ جميع الأنبياء والمرسلين، وأنه لاغنى لأحد عنه من الخلق أجمعين.

المرجع
شرح الدعاء من الكتاب والسنة
سعيد بن وهف القحطاني

نسمة شتاء 11-21-2022 08:13 AM

الدعـــاء من الكتــــ📖ـــاب و الســــنـــة


الدعاء الثامن عشر

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِكَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ إِذَا أَصْبَحْتُ، وَإِذَا أَمْسَيْتُ، قَالَ:

" قُلْ: اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي، وَشَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ "
↩ قَالَ : " قُلْهَا إِذَا أَصْبَحْتَ، وَإِذَا أَمْسَيْتَ، وَإِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ "
صحيح الترمذي

وفي رواية لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما :
أن أبا بكر الصديق، قال: يا رسول الله، علِّمني ما أقولُ إذا أصبحتُ، وإذا أمسيتُ، قال:
"يا أبا بكر، قُل: اللهم فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، لا إله إلا أنت، ربَّ كل شيء ومليكَه؛ أعوذ بك من شر نفْسي، وشرِّ الشيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي سوءًا، أو أجرَّه إلى مسلم"
الترمذي


الشرح
هذا دعاء عظيم مشتمل على التعوذ بالله من الشرور كلها، من مصادرها وبداياتها،ومن نتائجها ونهايتها

وقد بدأه بتوسلات عظيمة إلى الله جل وعلا بذكر جملة من صفاته الكريمة الداله على عظمته وكماله.

((عالم الغيب))
أي يا عالم الغيب أو أنت عالم الغيب والشهادة.

(عالم الغيب والشهادة )
والغيب: المعدوم

والشهادة: الموجود المدرك كأنه يشاهده.

وقيل: الغيب ما غاب عن العباد، والشهادة ما شاهدوه، وقيل: الغيب السر، والشهادة العلانية، وقيل: الغيب الآخرة، والشهادة الدنيا، وقيل: عالم الغيب والشهادة؛ أي: عالم ما كان وما يكون
↩أي عالم ماغاب عن الخلق وما شاهدوه،لأن الله يعلم الحاضر والمستقبل والماضي، ويعلم ما كان، ومالم يكن لوكان كيف يكون،ولا يخفى عليه شيء.

((فاطر السموات والأرض))
فاطرهما أي خلقهما عز وجل على غير مثال سابق

((رب كل شيء ومليكه))
أي: رب كل شيء و مالكه

والفرق بين الرب وبين المالك في هذا الحديث :
أن الرب هو الله الموجد للأشياء الخالق لها
والمليك هو الذي يتصرف فيها كيف يشاء

(أشهد أن لا إله إلا أنت )
اعترف بلساني وقلبي أنه لا معبود بحق إلا أنت

(أعوذ بك من شر نفسي)
إنما استعاذ بربه من شر نفسه ؛ لأن النفس لها شرور فالنفس أمارة بالسوء، ميالة إلى الشهوات واللذات الفانية.

((ومن شر الشيطان وشركه ))
سأل الله أن يعيذه من شر الشيطان ومن شر شركه

((وشركه)) أي: شرك الشيطان، يروى هذا على وجهين

أحدهما: شِرْكه بكسر الشين وسكون الراء؛ ومعناه ما يدعو له الشيطان، ويوسوس له من الإشراك بالله سبحانه

والثاني: وشَرَكه بفتح الشين والراء، يريد حبائل الشيطان ومصايده وهي الشهوات والشبهات
وفي رواية ابن عمرو
((أن أقترف))

أي أكتسب وأجر على نفسي سوء
((أو أجُرَّه))
أي أو أجر السوء على مسلم

المرجع
الكلم الطيب

نسمة شتاء 11-22-2022 07:42 AM

الدعـــاء من الكتــــ📖ـــاب و الســــنـــة

الدعاء التاسع عشر
{حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}
[التوبة : 129]

(حسبنا اللَّه) أي: كافينا

الشرح
هذا الدعاء المبارك الذي أمر سبحانه وتعالى نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم أن يقوله إذا تولى عنه المعرضون ولم يقبلوا بما جاءهم من الحق والهدى ولم يقبلوا منه النصيحة ولا الموعظة ،أمره أن يستعين باللَّه عليهم في الدعاء والتوكل عليه
و ينبغي أن نعلم أن الدعاء يُطلق على نوعين اثنين:

1⃣دعاء مسألة وطلب.

2⃣ دعاء العبادة وهذا يدخل في كلّ ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء، والنهي عن دعاء غير اللَّه
والثناء على الداعين يتناول هذين النوعين، وكلاهما متلازمان، فالداعي دعاء المسألة يستلزم دعاء العبادة، وبالعكس

فالداعي *دعاء العبادة* هو مُتعبِّدٌ للَّه تعالى، داعٍ لله بلسان مقاله، ولسان حاله قبول تلك العبادة، والإثابة عليها

والداعي *دعاء المسألة* هو كذلك داعٍ للَّه تعالى بلسانه وحاله إن اللَّه يقبل دعاءه، ويثيبه عليه.

{حَسْبِي اللَّهُ}
أي كافيني ربي من جميع ما أهمّني.

{لَا إِلَهَ إِلَّا هُو}
لا معبود بحقٍّ إلاّ هو، تضمّنت هذه الكلمة العظيمة التي عليها الفلاح والنجاح: نفي وإثبات

↙(لا إله) نفي لكل الآلهة التي تُعبد من دون اللَّه تبارك وتعالى
↙(إلاَّ هو) إثبات في تخصيص العبودية له جلّ وعلا بالحق، دون أحدٍ سواه.

{عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ}
التوكل: هو اعتماد القلب على اللَّه وحده، وسكونه، وعدم اضطرابه؛ أي: اعتمدت عليه، ووثقت به وحده في جلب ما ينفع، ودفع ما يضر، وفي تقديم (عليه) للحصر والقصر:
أي لا أعتمد إلا عليه وحده عزَّ شأنه

والتوكل يقوم على ركنين:
الركن الأول: اعتماد القلب على اللَّه تعالى.
الركن الثاني: العمل بالأسباب.
يقول الإمام ابن القيم رحمه اللَّه:

⬅التوكل على اللَّه تعالى نوعان:
▪أحدهما: توكل عليه في جلب حوائج العبد، وحظوظه الدنيوية، أو دفع مكروهاته، ومصائبه الدنيوية.
▪الثاني: التوكل عليه في حصول ما يحبه، ويرضاه من الإيمان، واليقين، والجهاد، والدعوة إليه.

↩وفي النوعين من الفضل ما لا يحصيه إلا اللَّه تبارك وتعالى، فمتى توكّل عليه العبد في النوع الثاني، حقّ توكله كفاه، والنوع الأول تمام الكفاية، ومتى توكل عليه في النوع الأول دون الثاني كفاه أيضاً، لكن لا يكون له عاقبة المتوكل فيما يحبه ويرضاه

{وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}
أي هو مالك أعظم المخلوقات على الإطلاق وعليه استوى كما يليق به جلّ وعلا، فما دونه من المخلوقات داخلون في ربوبيته، وملكه من باب أولى.

↩وهذا الدعاء، وإن كان من باب الإخبار، إلا أنه متضمّن للسؤال والطلب، وكأنّ حال السائل يقول: اكفني يا ربي من كل شيء يهمّني، ويخيفني

فتضمّن هذا الدعاء كمال حُسن الظن، واليقين باللَّه، وتوحيده، والتوكّل عليه، والثناء له، فهو المستحقّ أن يفزع، ويرجع إليه في كل الأمور.

تضمّن هذا الدعاء فوائد كثيرة، منها:
1⃣ أنّ على العبد أن يستفرغ كل ما في وسعه من الأسباب الشرعية وغيرها في تحقيق مقصوده، ثم يتوكل عليه جلّ وعلا، وهذا من كمال التوحيد.

2⃣ إنّ التوكّل سبب لكفاية اللَّه تعالى للعبد، كما قال - عز وجل -:
{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}

3⃣ فضل كلمة التوحيد، فإنّ فيها النجاة في الدنيا والآخرة.

4⃣ أهمية التوسّل إلى اللَّه تعالى بتوحيده، والتوكل عليه، وربوبيته تعالى لأعظم مخلوقاته.

5⃣ أن الدعاء كما يكون بصيغة الطلب، يكون كذلك بصيغة الخبر.

6⃣ ينبغي للداعي أن يُحسن ظنّه بربه حال دعائه، كما في قوله: {حَسْبِيَ اللَّهُ}، وهذا من التوسّل، والعمل الصالح.

المرجع
شرح الدعاء من الكتاب والسنة
سعيد بن وهف القحطاني

نسمة شتاء 11-23-2022 08:02 AM

الدعـــاء من الكتــــ📖ـــاب و الســــنـــة

الدعاء العشرون

كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَفِتْنَةِ الْقَبْرِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَشَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى، وَشَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ قَلْبِي بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّ قَلْبِي مِنْ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنْ الدَّنَسِ، وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْكَسَلِ وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ "
البخاري ومسلم


المفردات:

▪الفتنة : الامتحان والاختبار
▪المسيح الدجَّال أي كثير الكذب والتلبيس, وهو من الدجل، وسُمِّي بذلك لأنه يُغطِّي الحق بباطله، ((والمسيح)) هو الممسوحة إحدى عينيه، فهو أعور
▪الدنس : الوسخ
▪المأثم : هو الوقوع في الإثم
▪المغرم : هو الغُرم و هو الدَّين
▪باعد صيغة مفاعلة للمبالغة، أي المبالغة في طلب السلامة من الذنوب


الشرح:

هذه الاستعاذات التي كان يستعيذ بها النبي صلى الله عليه وسلم هي من أهم الاستعاذات، وفيها الاستعاذة من أخطر الشرور والأمور في الدين والدنيا والآخرة؛ لهذا كان يستعيذ بها *في كل صلاة بعد التشهد*، وكان يأمر بها، كما جاء عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا :
((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُهُمْ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ))
مسلم
"كما يعلم
هم السورة من القرآن "دلالة ظاهرة على أهمية هذه الاستعاذات، وأنه ينبغي الاعتناء بها، والعناية الكبرى في الإكثار، والعمل بما دلت عليه..

((اللَّهم إني أعوذ بك من فتنة النار))
أي الفتنة التي تؤدي إلى دخول النار

((وعذاب النار)) أي بالإحراق بعد فتنتها

((وفتنة القبر)) وهو سؤال الملكين في القبر، وجاء في تسميتهما عن النبي صلى الله عليه وسلم منكر ونكير ، وهي فتنة عظيمة، لا يثبت عندها إلا المؤمن، قال تعالى:
﴿يُثَبِّتُ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّه الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾[ابراهيم : 27]

وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها نزلت في عذاب القبر( البخاري)
((وعذاب القبر))

عطف العام على الخاص, فعذابه ينشأ منه فتنة بأن يتحير في الجواب، فيعذب لذلك، كما في الكافر، والمنافق، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة، وقد يكون لغيرها، كأن يجيب بالحق، ولا يتحيّر، ثم يعذّب على تفريطه في بعض المأمورات أو المنهيات، كإهمال التنزه من البول، والنميمة، والنوم عن الصلاة المكتوبة، وغير ذلك، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم

((وشرِّ فتنة الغنى))
قيَّد الاستعاذة بالشرّ؛ لأن فيه خير باعتبار، وشر باعتبار آخر، فالاستعاذة من شره يخرج ما فيه من الخير، وشر الغنى: مثل البطر، والطغيان، والتفاخر، والاستعلاء، وإزدراء الفقراء، وصرف المال في المحرمات، والشحّ بما يجب إخراجه من واجبات المال ومندوباته، أو الإسراف، والانخراط في الشهوات.

((وشر فتنة الفقر))
أيضاً قيّده بالشر كسابقه، ففيه خير وشر، وشره ما ينشأ: عنه من حسد الأغنياء، والطمع في مالهم، والتذلّل لهم بما ينقص الدين، ويوجب عدم الرضا بما قسم والسخط، والقنوط لمن لا صبر له

تكملة الشرح

((اللَّهم إني أعوذ بك من شر فتنة المسيح الدجال))
استعاذ منه لأنه هو أعظم الفتن الكائنة في الدنيا؛ ولهذا ما من نبي بعثه اللَّه إلا حذّر منه قومه، وأنذر، قام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوماً في الناس، فأثنى على اللَّه بما هو أهله، ثم ذكر الدجال فقال: ((إِنِّي أُنْذِرُكُمُوهُ وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ، لَقَدْ أَنْذَرَ نُوحٌ قَوْمَهُ والنبيُّون من بعده، وَلَكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ، وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ، أَلَا إِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ))
البخاري ومسلم

فمن صفاته الخَلْقية أنه أعور العين اليمنى .
ومن صفاته الخُلقية أنه خداع، ويُلبس الأمور على الناس بالكذب، فهو منبع من منابع الكفر، ومصدر من مصادر الفتن الكبرى لما يظهر على يده من الأمور الخارقة من ادعاء الألوهية، فهو يضلّ ضعيف الإيمان, وهو من أشراط الساعة الكبرى

((اللَّهمّ اغسل قلبي بماء الثلج والبرد))
وفي رواية لمسلم (( اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد ))
جمع بينهما (الثلج والبرد ) مبالغة في التطهير، أي طهِّرْني من خطاياي بأنواع مغفرتك، وخصَّها لأن بردها أسرع لإطفاء حرِّ عذاب النار التي هي غاية الحرِّ، وجعل الخطايا بمنزلة جهنم لكونها سببها، فعبّر عن إطفاء حرّها بذلك، وذكر أنواع المطهرات المنزلة من السماء التي لا يمكن حصول الطهارة الكاملة إلا بأحدها، تبياناً لأنواع المغفرة التي لا يخلص من الذنوب إلا بها.

((ونقِّ قلبي))
أي نظِّف قلبي من الذنوب، كما يُنظّف الثوب الأبيض من الوسخ؛ لأن زوال الوسخ في الثوب الأبيض أظهر بخلاف سائر الألوان، والقصد من هذا التشبيه أن ينظّف قلبه من كلّ الذنوب كنظافة الثوب الأبيض المنظَّف من الوسخ، فلا يبقى فيه أثر، ولا يخفي في بداية الدعاء بسؤال اللَّه تعالى أن يغسل قلبه، ثمّ كرّر بسؤال تنقية القلب أهمية هذه المضغة، فإنها موقع نظر الرب جلّ وعلا، وبصلاحها صلاح الجسد كله، وبفسادها فساد للبدن كله.

((وباعد بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب))
أي باعد بيني وبين خطاياي من محو ما حصل من الخطايا السابقة، وترك المؤاخذة عليها، والوقاية والعصمة من الوقوع فيها مستقبلاً، وعبّر بصيغة المفاعلة (باعد) مبالغة في البعد بينه وبين خطاياه، وشبّه ذلك ببعد المشرق والمغرب، أو لأن التقاء المشرق والمغرب مستحيل، فكأنَّه أراد ألا يبقى لها منه اقتراب بالكلية

((اللَّهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم))
كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكثر من الاستعاذة من الإثم والمعاصي والذنوب، وما يوجبها من الأقوال والأفعال والأخلاق

فعن عروة أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ وَيَقُولُ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ))، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنَ الْمَغْرَمِ؟ قَالَ: ((إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ))
البخاري

وكذلك كان يكثر صلى الله عليه وسلم الاستعاذة من الدين، وهو إما الاستدانة فيما يكرهه اللَّه، أو فيما يجوز، ثم عجز عن أدائه، أما الدَّيْن الذي احتاج إليه وهو قادر على أدائه، فلا يستعاذ منه، وقد أخبر النبى صلى الله عليه وسلم أن من استدان وأراد أن يردّ ولم يستطع كان معه العون من اللَّه، قال صلى الله عليه وسلم :((إن اللَّه مع المدين حتى يقضى دينه))
الألباني

هذا ما لم يكن فيما يكرهه اللَّه .

ويستفاد من هذا الحديث سدّ الذرائع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ من الدين؛ لأنه في الغالب ذريعة إلى الكذب في الحديث، والخلف في الوعد ، والانشغال عن الواجبات الشرعية، والأعمال الصالحة .

فينبغي للعبد الاحتياط لهذا الأمر، وأن لا يتساهل فيه، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يُصلِّ على صاحب الدين، حتى تكفل أبو قتادة بالسداد عنه، فصلَّى عليه، وأخبر أن الشهيد يُغفر له كلُّ ذنب إلا الدين( مسلم)
المرجع

شرح الدعاء من الكتاب والسنة
سعيد بن وهف القحطاني

نسمة شتاء 11-25-2022 08:27 AM

الدعـــاء من الكتــــ📖ـــاب و الســــنـــة

الدعاء الحادي والعشرون

{رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا برَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ(86)}
[سورة يونس : 85 - 86 ]


الشرح

{رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}
أي: لا تسلّطهم علينا فيعذبونا حتى يفتنونا عن ديننا، ولا تجعلنا فتنة لهم يفتنون بنا غيرنا، فيقولون لهم: لو كان هؤلاء على حق لما سُلّطنا عليهم وعذبناهم
↩سألو السلامة والعصمة في دينهم لهم ولغيرهم، وهذا يدلّ على قوة إيمانهم على ما هم فيه من الشدَّة والكُرْبة، وبعد أن دعوا اللَّه تعالى في أن يصون دينهم عن الفساد والهلاك، أتبعوه بسؤال اللَّه السلامة لأنفسهم من الهلاك والضرّ، فقالوا:
{وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}

أي: خلّصنا بواسع رحمتك من مجاورة القوم الكافرين
⬅وتخصيص التوسل برحمته؛ لأنّ بها يحصل المطلوب، ويزول المكروه، وفي هذا دليل على اهتمامهم بأمر دينهم فوق اهتمامهم بسلامة أنفسهم؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من مصائب الدين؛ لأنها أشد المصائب والمهالك ، فكان يقول :
((وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا))
حسنه الألباني

الفوائد:

ينبغي الاستعاذة من الفتن لشدة خطورتها على الدين، فقد كان صلى الله عليه وسلم يأمر بالاستعاذة منها: ((تعوَّذوا باللَّه من الفتن: ما ظهر منها، وما بطن))
مسلم
↙وكان صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه قبل السلام:
((اللَّهُمَّ إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات))
البخاري

المرجع

شرح الدعاء من الكتاب والسنة
سعيد بن وهف القحطاني

نسمة شتاء 11-26-2022 08:22 AM

الدعـــاء من الكتــــ📖ـــاب و الســــنـــة

الدعاء الثاني والعشرون

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَنْ تُضِلَّنِي، أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ "
متفق عليه


المفردات:

▪((لك أسلمت وبك آمنت))
أي لك انقدت، واستسلمت، لحكمك وأمرك، وبك آمنت ، وفيه إشارة إلى الفرق بين الإيمان والإسلام، وفي تقديم الجار والمجرور ((لك)) دلالة على الاختصاص، أي أخصّك بالانقياد والاستسلام دون أحد غيرك.

▪((وعليك توكلت)): فوّضت أموري كلّها إليك.

▪((وإليك أنبت)): أي أقبلت بعباداتي وطاعتي لك، وأعرضت عما سواك.

▪((وبك خاصمت)): أي بك أحاج وأدافع، وأقاتل أعداءك بالحجة والبيان والسيف

▪((اللَّهم إني أعوذ بعزتك)): استعاذ بعزته، وهي صفة من صفات اللَّه تعالى الجليلة، وهي مشتقة من اسمه تعالى العزيز، والعزّة يُراد بها ثلاثة معانٍ:

عزة القوة والقدرة
وعزة الامتناع
وعزة القهر والغلبة
والرب تبارك وتعالى له العزة التامّة بالاعتبارات الثلاثة


الشرح:

قدم النبي صلى الله عليه وسلم بين يدي دعائه، جملة من أجلّ العبادات القلبية ومقامات العبودية للَّه تعالى 👈🏼من تخصيص العبودية له تعالى ، فبدأ بالإقرار الكامل له تعالى بالإسلام، والإيمان، والتوكل، والرجوع إليه في كل مهامه وشؤونه الدنيوية، والدينية، والدفاع والمجاهدة لدينه بالحجة والقوة

↙قدم كل هذا قبل سؤاله؛ ليكون أرجى في القبول

((اللهم إني أعوذ بعزتك))
استعاذ بصفة من صفاته العظيمة وهي العزة الكاملة، فمن أراد العزة فليطلبها منه تعالى، قال عز وجل : "مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا"

↩ولا تنال العزة إلا بالإيمان بالله تعالى، والخضوع له والتوكل عليه في كل الأمور، قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ }

وقرن هذه الاستعاذة بـ(لا إله إلا أنت) أي لا معبود بحق إلا أنت مبالغةً في تحقيق العبودية، وطمعاً في الاستجابة

((أن تضلّني))
أي أن تغويني وتضلّني بعد الهداية، ولا يخفى في تقديم هذه التوسلات من الأعمال الصالحات، وإثبات الوحدانية لربّ الأرض والسموات، والتوسّل بكمال الصفات في الاستعاذة من الضلالات👈🏼 أن ذلك يدلّ على أهمية هذا المطلب، وأنه مطلب خطير، قال تعالى:
{وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}

وقال عز شأنه: {مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}
فدلّ على أن الهداية والضلال بيد الله تعالى رب العالمين. فينبغي للعبد أن يسأل الله تعالى دائماً أن يعصمه من الضلالة، وأن يُديم عليه الهداية إلى أن يلقاه يوم القيامة.
▪وفيه دليل على جواز الاستعاذة بصفة من صفات الله تعالى الجليلة▪

((أنت الحيّ الذي لا يموت والجن والإنس يموتون))
تأكيد لانفراد الله تعالى بالحياة: أي أنت الحيّ لك الحياة الكاملة التي لا يعتريها أي نقص المتصفة بكل كمال، المستلزمة لكل صفات الذات، فحياته تعالى لا يعتريها نوم، ولا نعاس، ولا تبيد، ولا تفنى، والخلق كلهم، ميتون ومنتهون، قال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ }، وقال تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَه}

↩ففي هذا الدعاء المبارك جمع في بداياته، وطياته ونهاياته، توسلين من التوسّلات العظيمة إلى الله تعالى:

▪التوسّل بالعمل الصالح [كقوله: ((اللَّهمّ لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت...))]
▪والتوسل بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا [كقوله:((أنت الحي الذي لا يموت...))]

↩لبيان أهمية الاستعاذة من الضلالة، فإنها تورد الموارد المهلكة، وتضيع الدين والدنيا والآخرة وفي العصمة منها، النجاة من كل مرهوب، وحصول كل مرغوب.

المرجع

شرح الدعاء من الكتاب والسنة
سعيد بن وهف القحطاني

نسمة شتاء 11-27-2022 07:58 AM

الدعـــاء من الكتــــ📖ـــاب و الســــنـــة

الدعاء الثالث والعشرون
{فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف : 101]

الشرح
هذه الدعوة المباركة من يوسف الصديق عليه السلام دعا به ربه عز وجل لمّا تمّت النعمة عليه باجتماعه بأبويه وإخوته، وما منَّ اللَّه تعالى به عليه من النبوة والملك، سأل ربه عز وجل ، كما أتمّ نعمته عليه في الدنيا، أن يستمرّ بها عليه في الآخرة، وأن يتوفّاه مسلماً حين يتوفّاه، وأن يُلحقه بالصالحين، وهم إخوانه من النبيين والمرسلين صلوات اللَّه وسلامه عليهم أجمعين

وهذا يدلّنا على أهمية الدعاء، وأنه منهج كل الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، وأنه ملجؤهم إليه في سرائهم وضرائهم، وفي كل أحوالهم، وأنه ينبغي أن يكون الدعاء ملجأ العبد في حياته وجميع شؤونه، وفي كل صغيرة وكبيرة
فصدر دعائه بأجمل الألفاظ، وأكمل المعاني، من أسمائه الحسنى، وصفاته العلا.

فقال: {فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ}
أي يا خالق السموات والأرض، ومبدعهما، ومبتدئهما من غير مثال سابق

{أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}
مالك كل أموري، وكل أحوالي، في الأولى والآخرة. فسأل اللَّه تعالى الولاية الخاصة التي من مقتضاها: العناية، والرعاية

{تَوَفَّنِي مُسْلِمًا}
سأل اللَّه تعالى الثبات على الإسلام حتى يتوفاه عليه، كما قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّه حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
[آل عمران : 102]

وهذا المطلب الجليل كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يسأله ربه تبارك وتعالى:
" يا وليَّ الإسلام وأهله، مسكني بالإسلام حتى ألقاك عليه "
صححه الألباني

ثم سأل ربه تعالى أن يكمل له هذه النعمة في مرافقة الصالحين من أوليائه في جنات النعيم، فقال تعالى: {وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}
ولا يدلّ هذا الدعاء المبارك على أن يوسف عليه السلام دعا باستعجال الموت، فإن هذا لا يجوز في شريعتنا ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم -:
" لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا لِلْمَوْتِ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي"
البخاري ومسلم

الفوائد:

جمعت هذه الدعوة
1⃣ الإقرار بالتوحيد
2⃣والاستسلام للرب عز وجل
3⃣وإظهار الافتقار إليه، والبراءة من موالاة غيره سبحانه
4⃣وكون الوفاة على الإسلام أجلّ غايات العبد، وأن ذلك بيد اللَّه تعالى، لا بيد العبد
5⃣والاعتراف بالمعاد، وطلب مرافقة السعداء

المرجع
شرح الدعاء من الكتاب والسنة
سعيد بن وهف القحطاني

نسمة شتاء 11-27-2022 08:00 AM

الدعـــاء من الكتــــ📖ـــاب و الســــنـــة


الدعاء الرابع والعشرون

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ "
مسلم


المفردات:

▪عصمة أمري: أي ما يعتصم ويستمسك به
▪معاشي: أي عَيشي .


الشرح:

(اللَّهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري)
دعا بإصلاح الدين أولاً؛ لأنه أعظم المقاصد، وأهم المطالب؛ لأن من فسد دينه فقد خاب وخسر الدنيا والآخرة، وسؤال اللَّه إصلاح الدين هو أن يوفق إلى التمسك بالكتاب والسنة وفق هدي السلف الصالح من الصحابة والتابعين في كل الأمور، وذلك يقوم على ركنين عظيمين:

1⃣ الإخلاص للَّه وحده في كل عبادة .
2⃣ والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم

أي بأن يكون ((خالصاً صواباً)).
↩فإن التمسك بهذين الأصلين عصمة للعبد من الشرور كلها، أسبابها، ونتائجها ونهاياتها، ومن مضلات الفتن، والمحن, والضلالات التي تضيع الدين والدنيا .
فنسأل اللَّه أن يصلح لنا ديننا الذي يحفظ لنا جميع أمورنا .

(و أصلح لي دنياي التي فيها معاشي)
أي أصلح لي عيشي في هذه الدار الفانية القصيرة، بأن أُعْطَى الكفاف والصلاح، فيما أحتاج إليه، وأن يكون حلالاً مُعيناً على طاعتك، وعبادتك على الوجه الذي ترضاه عني، وأسألك صلاح الأهل، من الزوجة الصالحة، والذرية والمسكن الهنيء، والحياة الآمنة الطيبة، قال جلّ شأنه: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[ النحل : 97]

﴿فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾: أي في الدنيا بالقناعة، وراحة البال، والرزق الحلال والتوفيق لصالح الأعمال، فالحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت

(وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي)
أي وفّقني للعمل الصالح الذي يرضيك عني، وملازمة طاعتك، والتوفيق إلى حسن الخاتمة حتى رجوعي إليك يوم القيامة، فأفوز بالجنان، قال اللَّه تعالى:

﴿وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَــلٍ مَعْدُودٍ﴾[ هود : 104]
لم يقل تعالى ممدود، بل قال: ﴿مَعْدُودٍ﴾ أي يُعدّ عدّاً إلى هذا اليوم العظيم، فينبغي لنا أن نعدّ العُدّة إلى هذا اليوم.

(واجعل الحياة زيادة لي في كل خير):
أي اجعل يا اللَّه الحياة سبباً في زيادة كل خير يرضيك عني من العبادة والطاعة .
ويُفهم من ذلك أن طول عمر المسلم زيادة في الأعمال الصالحة الرافعة للدرجات العالية في الدار الآخرة، كما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم مَن خير الناس؟ فقال:

((مَنْ طَالَ عُمْرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ))
الألباني
(و اجعل الموت راحة لي من كل شر)

أي اجعل الموت راحة لي من كل هموم الدنيا وغمومها من الفتن والمحن، والابتلاءات بالمعصية والغفلة, ويُفهم من ذلك أن المؤمن يستريح غاية الراحة، ويسلم السلامة الكاملة عند خروجه من هذه الدار، كما جاء في الصحيحين: أن رسول اللَّهِ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَقَالَ: ((مُسْتَرِيحٌ، وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ))، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا المُسْتَرِيحُ وَالمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قَالَ:

((الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللهِ، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ، وَالْبِلَادُ، وَالشَّجَرُ، وَالدَّوَابُّ))
البخاري

قال الحرالي: قد جمع في هذه الثلاثة: صلاح الدنيا، والدين، والمعاد، وهي أصول مكارم الأخلاق الذي بُعث لإتمامها، فاستقى من هذا اللفظ الوجيز صلاح هذه الجوامع الثلاث ..

المرجع
شرح الدعاء من الكتاب والسنة
سعيد بن وهف القحطاني

نسمة شتاء 11-28-2022 08:14 AM

الدعـــاء من الكتــــ📖ـــاب و الســــنـــة

الدعاء الخامس والعشرون

{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}
[ إبراهيم : 40]

الشرح :

{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاة}
أي: يا ربّ اجعلني ممن يحافظ على الصلاة في أوقاتها وأركانها وشروطها، وكل ما يؤدي إلى القيام بكمالها، وخصّ إقامة الصلاة بالدعاء لأهميتها؛ ولكونها شعار الإيمان ورأس الإسلام

{وَمِنْ ذُرِّيَّتِي}
أي: واجعل كذلك بعض ذريتي يقيمها على الوجه الأتمّ والأكمل، وقوله: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} فمن للتبعيض، وإنما خص بعض ذريته بهذا الدعاء لعلمه بإعلام اللَّه له، أن من ذريته من لا يقيم الصلاة، ويكون بعضهم كفاراً، أو فسقة، أو لا يصلّون

↩وهذه الدعوات من خير الدعوات التي يدعو بها العبد المؤمن له ولذريته، فلا أحبّ له من أن يكون مقيماً للصلاة هو وذريته على الوجه الأكمل والأتم.

{رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء}
أي وتقبّل دعائي، ولا يخفى في تكرار التوسل بربوبية اللَّه تعالى لكمال التضرّع والتذلل بين يدي اللَّه تعالى، وإظهار أن كل دعوة من هذه الدعوات مقصودة بالذات

فوائد:

1⃣ أهمية الصلاة، حيث خصّها بالدعاء دون غيرها من العبادات.
2⃣ أهمية التوسل حال الدعاء بربوبية اللَّه - عز وجل -؛ لأن إجابة الدعاء من لوازمها.
3⃣ أهمية الإلحاح في الدعاء، وأنه من الأسباب العظيمة الموجبة للإجابة، حيث كرّر لفظ الربوبية (مرتين).
4⃣ ينبغي للداعي أن يكثر من سؤال اللَّه تعالى قبول دعائه.
5⃣ ينبغي لكل داع أن يدعوا لنفسه ولوالديه ولذريته
6⃣ ينبغي للداعي أن يكون جُلَّ دعائه في مطالب الدين لأنها هي أهم المقاصد والمطالب التي يكون عليها الفلاح في الدارين.
7⃣أن الدعاء هو ملجأ جميع الأنبياء والمرسلين والصالحين بل الخلق كلهم أجمعين.

المرجع
شرح الدعاء من الكتاب والسنة
سعيد بن وهف القحطاني


الساعة الآن 10:59 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
هذا الموقع يستخدم منتجات Weblanca.com
HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

Security team