عرض مشاركة واحدة
قديم 08-16-2020, 10:56 PM   #53
فِريـال
مشرفة طلبات التصميم ومعارض الأعضاء
-ORILINAD


الصورة الرمزية فِريـال
فِريـال غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 15
 تاريخ التسجيل :  Feb 2020
 العمر : 29
 المشاركات : 26,681 [ + ]
 التقييم :  38750
 الدولهـ
Iran
 الجنس ~
Female
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
إبتسِمـ
لوني المفضل : Black
شكراً: 22
تم شكره 4 مرة في 4 مشاركة

مشاهدة أوسمتي







الفصل الثاني عشر: السيد بيرت.(الأخير)


وصل نيو وبجانبهُ سيندي وهو يحملُ ايفرين التي تُحاولُ إقناعه بأنها تستطيع السير وحالتُها ليست بتلك السوء:
"صدقني... بابا يُبالغ وحسب! أستطيع السير مادُمتُ أستندُ على يد أحدهم!"
ازدرد جوليان ريقهُ وهو يراقبُها بِشوق واضِح، نظر نحو آيرس وهو يومأ برأسه كما ولو يقول "أعتمد عليكِ!"
لتبتسم الأخيرة كما لو تلقت أمرًا مُباشرا من سيدها! رفعت يدها تُشيرُ لنيو وتكسب إنتباهه:" هُنا هُنا! لنجلس هُنا!"
كانت حماستُها قد لفتت إنتباههم أكثر من يدها المرفوعة، عقد نيو حاجبيه، فإبتسمت له وهيّ تُرطب شفتيها مُستمتعة
وتُشير نحو السيد بحاجبيها! لم يكُن نيو بِحاجة لمُترجم كايفرين التي لم تفهم الجو! تنهدت سيندي مُبتسمة
وهي تُشاهد نيو يتركُها على الأريكة المُقابلة للسيد بجانب آيرس وهو يجلس على مسند الأريكة يسار ايفرين!
وصل اليكس وهو يسأل:" تريدون إقامة حفلة المبيت في غرفة بيرت حقًا؟ أشعر بِأنهُ قد لايُعجبهُ الأمر!"
نظر نحو السيد جالسًا، في حين تمتمت آيرس مُبتسمة:" لن أستغرب ذلك!"
سأل نيو بدافع تحريك الجو:" أتظنين أنهُ يُخفي أسرارًا مُحرجة فيها!؟"
سألت سيندي بِفضول:" أسرارا مُحرجة؟! من بيرت؟ الإنسان الآلي لا يملكُ شيئاً!"
قهقه نيو بِثقة:" أنتِ فتاةٌ لطيفة حقًا لإعتقادكِ أن بيرت لا يملكُ أسرارًا مُحرجة! الجميع يملِك!"
إستفسرت ايفرين عاقدة حاجبيها:" أسرار؟ أتقصدُ كـ( بيرت يُحب الطيور الزرقاء)!"
نظر الجميع نحوها وقد كانت علاماتُ التفكير بادية على ملامحُها وهي تقول:" أو( بيرت يخشى الأماكن الضيقة)؟
هاء وجدتها... (بيرت يحب رائحة الكُتب)! هذا يبدو كسر مُحرج!"
قالت آيرس بِتسائل:" يُحب رائحة الكُتب حقًا؟!"
أومأت ايفرين لتقول سيندي مؤيدة:" لقد سمعتُ هذه من قبل... لذلك كان يُمضي وقتهُ في المكتبة كثيرًا
ولذلك لديه واحدة في البيت!"
سأل السيد بإستغراب:" لكن كيف تعرفين هذه الأمور؟"
حكت ايفرين شعرها بِتفكير:" لا أعلم كيف! رُبما من يوم كُنا أطفالًا وعلق ذلكَ في بالي!"
جلس اليكس على الأريكة الثُلاثية بِجانب سيندي وهو يقول:
"طيور زرقاء، رائحة الكتب... هذه اهتمامات وليست أسرار!"
أيدهُ نيو مُضيفًا:" فكروا بِشيء مُحرج أكثر وقد يُناسب بيرت!"
قالت آيرس بَعد تفكير:" ينامُ بسرعة! يُحب إزعاج الآخرين!"
أظلمت ملامح نيو وهو يقول:" خيبتم ظني جميعكم!... سر محرج يُشبه صورة يُخفيها أو يحتفظ بها لحبيبته الأولى وماشابه!"
نهضت آيرس وهيّ تُفكر بِعمق، ضرب اليكس طرف حذاء نيو يُنبههُ فنظر الأخير للواقِفة....
نظر للخلف وهو يقول:" كأن آني تأخرت؟ وكذلك بيرت!"
كان السيد ينظر نحو آيرس متوسِع الأحداق وكذلك سيندي... تردد صدى كلمات نيو في رأسها حين قال لآيرس
" لو كنت مكانكِ لما تمكنتُ مِن إخبار الشخصُ الذي أحب حقيقة أعرف أنها قد تُحزنه!"
ترددت عبارة نيو (الشخصُ الذي أحب) في أذنيها كرنين ألف جرس في الوقتِ ذاته!
تحركت شفتيها وهي تعلقُ نظراتِها في ملامِح آيرس بحثًا عن ردات فعل تؤكد هذا الشك:
"لا تكُن سخيفًا يا نيو! فلن تجد شيء مُشابه! بيرت لم يقع في الحُبِ يومًا! لن أستغرب
اذا كان لا يعرف ما تعنيه عبارة (الوقوع في الحُب)!"
تحررت ملامحها وبدا عليها شيء من السعادة التي بذلت جهدها لتُخفيها في حين ايفرين تُحملق بِمن حولها بِعدم فهم...
توتر نيو وهو يدعي الغباء:" أوه توقعتُ شيء كهذا أيضًا! لكن كنتُ أضرب مثالًا وحسب!"
إقترب بيرت بعد أن وصل الجناح برفقة آني وهو يسأل:" ما هذا! أنتم تجلسون هنا؟!" نظر نحو نيو
مردفًا بِسُخرية:" كُنت أتوقع مِنكَ.. على الأقل أن تكُون قد كشفت كُل صغيرة وكبيرة بِترتيب الغُرفة!"
جلست آني بِجانب اليكس على مسند الريكة ترددُ بسخرية مُماثلة:" على الأقل!"
نظر بيرت نحو الواقِفة الوحيدة غيره:" أكنتِ ذاهبة؟"
أجابتهُ بِتوتر:" أ...أجل! عن إذنكُم!"
إنسحبت تحت مرئى زرقاوتاه وهو يتبعها لِحيث إختفت خلف باب الغُرفة الأبعد.... قالت سيندي بِسخرية
وهي تنظر نحوه حيثُ يقف بين نيو وآني:" جاهل!"
كانت لحظة صمت، لفتت الأنظار لها فإستنفرت تنهضُ وهيّ تسحبُ آني:" سنعود مع آيرس!"
ودخلت الغُرفة وهي تتنفس كمن ركض في سباقٍ وبأقوى ما لديه! إلتقطت نفسًا عميقا لِتقول بعدها:
"اللعنة! لا شيء يسيرُ معي بشكلٍ طبيعي مؤخرًا!"
قالت آني بِسُخرية:" هذه أنا! ثُم ما دخلي لتأتي بي إلى هُنا!"
نظرت نحوها وهيّ تسأل:" هل كنتِ تعرفين أنكِ ستبيتين هُنا؟!"
أومأت مُوافِقة:" أخبرنا بيرت سننامُ هُنا فأحظرت معي حقيبة تركتُها في سيارة مارتن حين أحضرنا!
مهلًا.. أين أجدُ مارتن الآن؟"
رفعت سيندي الهاتف الذي بِجانب سريرُ آيرس والتي يبدو أنها دخلت لِحمام الغرفة سابقًا:
"عفوًا... هل مارتن بِجانبكِ؟.... لوسمحت مارتن، يبدو أن آني تركت حقيبتها في السيارة حين أحضرتها... هل يُمكن؟"
لم تكمل فقد كان واضحًا أنهُ فهم طلب الأخيرة! رمت آني جسدها على السرير مُرددة:
"حياةٌ سهلة! هذا لا يُناسبُني حقًا! كيف تتحمل آيرس ذلك؟!"
قهقهت سيندي مُردفة:" أنتِ أول شخص يشكو من الحياة المُرفهة أقابله في حياتي..."
أدارت جسدها لتنام على بطنها مُسترخية:" ليست سيئة... ولكِنها لا تُناسبُني! أحب أن أفعل كُل ما يعنيني بنفسي!"
أحضر مارتن الحقيبة بنفسه وطرق باب الغُرفة ودخل بعد أن أذنت لهُ سيندي، أخذت آني الحقيبة
وهي تشكره عدة مرات من شدة إمتنانها! إستأذن وغادر لتخرُج آيرس مِن الحمام مُباشرةً..
كانت مُلتفة بِمنشفةٍ بيضاء وتُجفف شعرها بأخرى أصغر حجمًا...:" أنتما هُنا؟"
فتحت آني الحقيبة وهيّ تُجيب:" سأستعملُ الحمام إذا لم يكُن لديكِ مانع!"
إبتسمت وهيّ تُبعد المنشفة عن شعرها وتُعاود التجفيف بِها:" إطلاقًا... خُذي راحتكِ."
دخلت آني الحمام وقالت سيندي تجلسُ على السرير مُبتسمة:" أنتِ تُحبينهُ حقًا! ما الجيد بِه على أي حال؟!"
نظرت لها عاقِدة حاجبيها:" عفوًا؟"
حركت إشارتها حول خصلة مِن شعرها الأشقر:" حديثُ فتيات ليس إلا.... ما الذي يُعجبُكِ به؟ أقصدُ بيرت!"
توردت وجنتاها ووقعت المِنشفة التي كانت كانت تُجفف شعرها البندقي بها، من يدها....
حركت شفتيها مُحاولة الإجابة عبثًا، ضمّت نفسها وهيَّ تتمسك بالمنشفة حول جسدها بإحكام:" لِما تسألين؟"
أشارت نحوها بيمينها بعد تركِ شعرها:" مِن المُدهش أنكِ تُحبينهُ لتلكَ الدرجة!" ضيقت زرقاوتاها مُكملة:
"ثُم أنتِ لم تُنكري حتى! يا للجُرأة!"
تمتمت آيرس بإحراج تضمُ نفسها بِتوتر:" لم أذنب بشيء لأخفيه! أنا أ..."
توقفت قبل أن تُكمل الكلمة إثر فتح الباب فجأة.. نوعًا ما، عرفت أنهُ يقِف خلفها! عديم الصبر الذي
يدخلُ بعد الطرق مُباشرةً! لم تلتفت إثر الإحراج بل التقطت مَسامعها صوتهُ يقول:
" أتفضلن النوم معًا؟ أم ننام في غُرفتي بشروط نيو السخيفة عن حفلة المَبيت؟!"
أجابت سيندي بِغباء:" وايفرين؟"
قال بِملامحه الجامدة:" ستنامُ في غُرفتي بالتأكيد!"
نهضت وهيّ تُجيب:" إذًا لنُجرب شروط نيو! يبدو مُمتعًا!"
تنهد بِملل:" ما المُمتع بالنومِ في أكياس نوم التخييم على الأرض؟!"
وقف سيندي مُتقابلة مع بيرت وآيرس بينهُما:" ماذا! أهو جاد؟!"
أومأ بتعب لتُردف بضيق:" إذًا ما باليَدِ حيلة!"
تراجع يُغادر وقبل أن يُغلق الباب عاد وأردف بِجمود:" آيرس... الجو بارد! ستمرضين هكذا!"
أغلق الباب مُباشرةً غير آبه للموقف، كأنهُ شيء عادي! جلست آيرس مُحمرة تمامًا بعد أن عجزت عن الوقوف...
إبتسمت سيندي مُستمتعة:" أرأيتِ كم بيرت غبي؟! بحق السماء من بين عشرة ملايين نسمة في هذه المدينة،
ما الجيد بِه على أي حال؟!"
توسعت حدقتا الأخيرة وهيَّ تنهض بِصدمة:" ماذا تعنين بِ(ما الجيد بِه)؟" نظرت للأرضية التي إبتلت
بقطرات عشوائية مِن شعرها:" بيرت... إنسانٌ لطيف، مُراعي لِمشاعر الآخرين ، يشعرُ بالمسؤولية تجاه من حوله،
يعملُ بِجُهد طوال الوقت والكثير مِن الصفات الحميدة الأخرى... كيف تسألين سؤالًا كهذا وأنتِ من تعرفينهُ لِفترة أطول مِني؟"
إبتسمت سيندي تقفُ أمامها بعد أن عدمت المسافة بينهُما بالتقدم:" دعيني أعرفكِ على بيرت الذي أعرفه!
باردُ المشاعر، غير مُبالي، إنطوائي، يُثير الأعصاب بأبسط تصرفاته، سادي، فاشل بمُعاشرة الناس،
تريدين المزيد؟ جاهل بِمسائل الحُب و...!"
رفعت آيرس يدها لِخلف عنقها هاتفة:" هذه أمور غير مُهمة وأغلبها طريقة نظركِ نحوه! وأمور قابلة للتغير
وخاصة هو إستعاد ذاكرتهُ وبدأت مُعظم الصفات التي ذكرتِها تتغير تدريجيًا! لا أقصد أنها صفات لا تُعجبني بِه،
بل لكونهُ يُعجبني كيف ما كانت صفاته! لا أحد كامل الأوصاف كما تعرفين... كُلُنا لنا صفاتٍ غبية وغريبة!"

همهمت سيندي مُستمتعة:" لو كُنت مكانكِ، لوقعت بحبِ نيو! فهو لديه صفات أروع من بيرت!
ألا تظنين أن نيو أفضل لكِ من بيرت! فهو دائمًا يبذلُ جهده ليراعي مشاعركِ، وهو ليس غبي مثل صاحبُنا!
لم تري وجهه، لم تهتز لهُ شعرة حتى!"
توسعت حدقتا آني التي سمعت كلامهُما لتقول بِصدمة:" أأنتِ جادة؟ أأنتِ تظنين أن نيو أفضل من بيرت كحبيب!"
أومأت سيندي بغباء تحت صدمة الآخرتينِ... خرجت آيرس من صدمتها والتفتت لآني تبادلها النظرات مطولًا
لتبتسم بإستمتاع مُرددة:" ولكِن ما الجيد بنيو؟!"
وقفت آني وكانت ترتدي ملابس دافئة وُمريحة باللون الأزرق، بِجانب آيرس تعيدُ سؤالها:" صحيح، ما الجيد بنيو؟!"
شهقت بعدم تصديق:" بجدية تسألان وأنتما تعرفانهُ أكثر مني؟ نيو ذكي للغاية، لطيف، إبتسامته مُريحة للنفسية
مع أني كنت مرعوبة مِنه في البداية، يهتم بِمن حوله، مُنفتِح، مراعي لِمن حوله، بارع بِصنع العلاقات والصداقات،
لديهِ معارف كثيريون مِن الأصدقاء غيرنا، ومن الواضِح أنهُ يفهم ويتفَهم مَشاعر الفتاة الواقعة بالحب أمامه!"
أطلقت آني ضِحكة ساخرة قصيرة وهيّ تردُ عليها:" تخلصي مِن الغشاوة التي صنعها نيو بِلطفه معكِ! فهو أيضًا سادي!
ويحبُ إزعاج الفتيات الصغيرات، فضولي يحشرُ أنفه بِخصوصيات الناس، لا يعرفُ كلامه ولا يفهم ماذا يعني إحراج الآخرين بِه!
تُريدين المزيد؟ تركتهُ حبيبتهُ السابقة بِسبب إبتساماتهُ البلهاء طوال الوقت!"
توسعت حدقتا آيرس وهي تسأل:" أيوجد مجنونة تتركُ أحدهُم بِسبب إبتسامه الدائم؟! لحظة كان لديهِ حبيبة حقًا!؟"
أومأت آني مُردفة:" تخيلي!"
تنهدت سيندي وهيّ تقول:" هذه أمور تافهة وبسبب طريقة تعاملهُ معكِ! ثُم كون المرء مُبتسم ليست صفةً سيئة!
تلكَ المُغفلة هيّ الخاسرة! بربكِ أتفضلُ أن تعيش مع مُتهجم الوجه لايُعجبهُ العجب!"
قهقهت الفتاتان على كلامها، وخاصة آيرس، أليس ذلكَ مُشابِه لِما قالتهُ قبل قليل؟!
نظرت نحوهما بِعدم فهم لتُردف آني:" عزيزتي آيرس... بيرت أفضل لكِ من نيو وأمثاله!
وأنتِ سيندي، إذا كان يُعجبُكِ نيو إلى هذه الدرجة... فسيُسعدُني أن أخبركِ أنه غير مُرتبط حاليًا!"
توسعت حدقتا سيندي وتوردت وجنتاها حتى أذنيها! كانت تُحاول حث آيرس للكلام عما يُعجبها في بيرت
فإنتهى بها تقارنهُ مع نيو وتلقى ما قد يُعجبها بِه!
قالت بإحراج شديد:" سُحقًا لكليكُما أيتها الماكرتان! كنتُ أعني..... وآآآه هذا مُحرج!"

توجهت آيرس للخزانة وإرتدت بيجامة نومٍ صفراء مرسوم عليها بِنقوشٍ بيضاء... في حين رفعت آني
شعرها نحو الأعلى تمامًا وربطتهُ بِربطة صغيرة مُلونة....
خرجت سيندي قبل ذلك مُحرجة وعادت لغُرفتها المُعتادة كُلما جائت للمبيت في منزل السيد جوليان...
إرتدت ثياب نومٍ زهرية وماتزالُ وجنتاها بنفس اللون! دخلت الغُرفة حيثُ كان نيو ينظر حوله بإهتمام
كما ولو يبحث عن شيء! في حين يجلسُ اليكس على الأريكة الثنائية البيضاء والوحيدة في الغرفة بِملل،
وبيرت يجلسُ مع ايفرين على السرير!
-هذه لا تبدو كحفلة مبيت! كلٌ في عالمهُ يطير...

إقترب نيو لها وهو يسأل:" بِجدية أحقًا لايوجد شيء يُخفيه بيرت في غرفته؟!"
توردت وجنتاها تنظرُ جانبًا ثم لبيرت بِملل... أجابت بإبتسامة:" ربما يُخفي شيئاً حقًا لكن ليس في غُرفة نومه!"
حدق نيو بِها بتركيز لتُجيب بنبرة مُستفزة:" رُبما في المكتبة!"
نظر بيرت نحوها بِغير تحريك رأسه وعلى ثغره إبتسامة مُستفزة:" خيالكِ واسع!"
وكأنه يقول واحدة بواحدة، إستفزيني أستفزك!.... دخلت خادمتان وبسرعة قُمن بفرش حقائب النوم على هيئة دائرة....
رمت سيندي بنفسها على إحداها وهي تقول:" مُتعبة!"
تزامن ذلك مع دخول آني وآيرس.... كلتاهُما انبهرتا لِجمال وبساطة الغرفة... جدران بنية وأرضية خشبية،
الأريكة، أبواب الخزانة والسرير جميعهم باللون الأبيض الناصع... الستائر أيضًا كانت بيضاء وشفافة،
بالكاد تحجبُ الضوء الخارجي....
رمت آني نفسها لتُصبح بين سيندي يمينًا وآيرس يسارًا.... لكن التعب الذي غلب الأغلبية منعهُم من البقاء
مستيقظين طويلًا... نزلت ايفرين لتنام بجانب سيندي وبيرت بجانبها ثم اليكس ونيو.... كانت الأفرشة تُشكلُ حلقة....
آني أول المُستسلمين ثم ايفرين وسيندي وبعدهما بيرت واليكس.... رفع نيو جِذعه ونظر حولهُ
والغرفة في إضاءة خافتة جدًا...
-أتسمون هذه حفلة مبيت؟ يفترض أن تُحاربوا النوم!...

همس:" مُستيقظة؟"
أومأت آيرس وهي تلتف على بطنها:" مُرهقة، لكن لا أريد النوم..."
إبتسم ينظرُ للأعلى:" تقصدين، لايمكنُني النوم!"
نظرت نحوه بِغيض:" أنت تقرأني دائمًا!"
قهقه بِخفة:" أول مرة تدخُلين الغُرفة؟"
همهمت مُجيبة ليلتفت نحوها وقد كانت أقرب الفتيات له:" وهو؟"
توسعت حدقتاها لتقول عاقدة حاجبيها:" ماذا تقصد؟"
قال ساخرًا:" هل دخل لغُرفتكِ؟"
أجابت بِغباء:" في المشفى..."
نهض مُضيقًا عينيه:" أتمزحين؟ أقصد هُنا!"
توردت وجنتاها:" هذا لاايعنيك!"
إبتسم إبتسامة عريضة:" هذا يعني حدث! الأبله بالكاد يطرق الباب نقرة واحِدة! لا تقولي لا!"
أخفت وجهها تحت الغطاء:" هذا لا يعنيك!"
عاد لينام على ظهره مُحافِظًا على إبتسامتهُ.... بعد عدة دقائق، نهضت تتأكد من إستيقاظه أوعدمه، لينظر لها مبتسمًا...
قالت بتردُد:" لدي سؤال!"
ركز معها لتنهض مِن مكانها وتتجه للباب تحت إضاءة الغرفة مُنخفضة... لحق بِها للتوجه نحو السُلم لتجلس
في المُنتصف وقد كان المكان الوحيد المُضاء! جلس خلفها بِدرجتين لتقول وهي تتلمس أصابع قدميها:
"بيرت لايهتمُ لأمري! أليس كذلك؟"
نظر نحو السقف مُجيبًا بِشرود:" مُحتمل!"
توسعت حدقتاها بِصدمة، كانت إجابة سريعة وصريحة... لم يُحاول التبرير أو منحها أي أمل! عضت شفتها السفلى
وهيّ تُردف:" لا فرصة لي؟ كُنت أعرف ذلك وأدركه! أنا وهو... مُختلفان تمامًا! وأنا بالكاد مُجرد صديقة عادية! اليس كذلك؟"
نظر نحوها مُبتسمًا:" لما لا تسألينه؟ كما تعرفين أنا وبيرت لسنا بذلكَ القرب الذي نُخبر بعضنا بأمور كهذه بعد!
لذلكَ أنا لا أعرف... لاتستبقي الأحداث ولاتستعجلي! لديكُما الكثير من الوقت لتتعرفا على بعضكُما...
دعي الوقت يُلقي سحره!"

سألت بحذر:" ما الذي تعنيه؟"
نهض ونزل الدرج ليجلس بِجانبها:" إصبري... ولاتستعجلي... دعي الأمور كما هيّ،
سيأتي يوم يتغير كُل شيء كما هو مُقدر."
وضع يدهُ على رأسها مُبتسمًا... بقيت تفكر كثيرًا....
-الصبر!
نهضت تنفضُ البيجامة وترتبها، نظرت لهُ وهو جالس مُردفة:" أنت فتىً لطيف والحديثُ معكَ سهل! لذلكَ سأخبرُكَ بِذلك!"
صمتت مُبتسمة فعقد حاجبيه بعدم فهم.... أكملت تهمسُ في أذنه:" لقد مدحتكَ سيندي كثيرًا!"
غمزت له فنهض يقولُ بِغباء:" ألستُ شخصًا رائعًا؟ رُغم أنها بالكاد تعرفُني!"
أصابتها خيبة أمل إذ لم يفهم قصدها الحقيقي فقالت بإنزعاج:" أنت أغبى مِن بيرت بأشواط!"
تجاوزتهُ بعد ذلكَ ليقول مُستفسرًا:" لِما قلتِ ذلك؟"
عادت للغُرفة مُتضايقة مِن غبائه وبقيَّ يفكرُ بالأمرِ جيدًا....
-هذا مُستحيل! ولكن....



دخل جيسون بيته بِتعب، كان الصمت هو الجو العام في الأرجاء إذ خلد الجميع للنوم....
بقيّ يحاولُ النوم عبثًا، أن يكون غير قادر على رؤية ايفرين حين يدخل غرفتها كان يُسبب له فراغ ليس لهُ مثيل!
لطالما كانت هُنا... متى ما أراد الإطمئنان عليها يجدُها متوسطة سريرها الناعِم....
في تلكَ الليلة... لم يستطع النوم إلا وهو يملئ أنفه بِما تبقى مِن عبقها على سريرها المُزين بالدُمى المحشوة.







فيّ الصباح الباكر نهض بيرت من النوم ووالده يُوقظه.... سألهُ ومايزالُ شبه نائم:" أين الفتاة؟ أين ذهبت؟"
فتح عينيه وهو يُمررهُما على ايفرين وسيندي ثُم آني... توسعت حدقتاه مُدركًا بِمقصد والده ليُبعد الغطاء عن نفسه،
وهو يسأل نيو:" أين آيرس؟" نظر حولهُ مِن جديد:" وأين اليكس؟"
قالت سيندي بِتوتر:" لا أعلم! لم نجدهما حين إستيقظنا...ثُم عرفنا أن...."
أردف جوليان بِحزم:" لِما لم تُخبرني أن هُناكَ مَن يبحثُ عن آيرس؟"
نهض خارجًا مِن غرفتهُ وتوجه نحو خاصتها.... كانت مُرتبة وفارغة.... نزل السلالم يُنادي مارتن وهو مايزالُ
بِبيجامة النوم الفضية.... وقف في مُنتصف السلالِم مواجهًا لرجالٍ ببزات زرقاء موحدة...
تقدم أحدهم وهو يُظهر شارته:" أأنت هو بيرت كينت؟"
أومأ مُلحقًا:" ماذا هُناك سيادة الضابط؟"
تنهد الأخير وبدا مَهمومًا:" سلمنا آيرس كوربي!"
توسعت حدقتاه هاتفًا:" عفوًا؟!"

إقترب نيو مِن خلفه ووضع يده على كتف بيرت مُردفًا بهمس:
"يقولون أن والدها قام بِالإبلاغ عن إختفائها مُنذ شهرين ونصف!"
نظر نحو نيو بِصدمة ثم لوالده الذي وصل لتوه، قال بشيءٍ من الغضب:" أتسخر مِني؟ ذلك الرجُل....
ليس كأنهُ لايعرفُ بمكوثها في المشفى مُنذ يوم الحادث!" نظر نحو الضابط مُردفًا:" إنهُ سوء فهم ليس إلا! فـ....."
رفع الضابط صوته بحزم مُظهرًا ورقة بيضاء مختومة بعدة أختام:" معنا إذن بتفتيش القصر والقاء القبض عليك!
فوالد آيرس كوربي والوصي القانوني لها يوجهُ لكَ تُهمة إختطاف والتلاعب بأفكارها بشكلٍ مُباشر!"

توسعت حدقتاه وهو يراقب عناصر الشرطة ينتشرون بحثًا عنها في كل أركان القصر... الغُرف، المكتبة، المطبخ،
غرف الخدم، صالة الضيوف والجلوس، قاعة الحفلات، السيارات، المسبح، الحديقة والمُلحق....
آيرس لم يكُن لها أثر يُذكر! في أثناء ذلك تحدث مع نيو بهدوء:" أتعرف؟"
نظر لهُ نيو بثقة، فعرف أن الأخير يعلم بِمكانها! تنفس الصعداء وهو متأكد أنها في أمان... قال لهُ والده بحذر:
"ما الذي يجري؟ لما لم تُخبرني بأن لها أقارب؟"
نظر نحو الأرض بإنزعاج مُردفًا:" لم تكُن لتُغير معرفتك شيئاً!" نظر نحو نيو وهو يُحدثهُ:
" إذهب وأخبر مارتن أن يُحضر نسخة من أوراق وفواتير المشفى والمدرسة!"
نظر نيو جانبًا بغير قول شيء، فعرف أن مارتن هو من أخرجها.... تنهد بقلة حيلة مُردفًا:" حين يعود... أخبره!"
كانت الخيبة واضحة على ملامح الرجال فقال الضابط يوجه كلامهُ لبيرت:" يُمكنك تغيير ملابسك قبل مُرافقتنا....
إذا كُنت تعرف مكانها فإخفائه لن يجلب لكَ سوى المشاكل!"
توجه للطابق العلوي بِرقفة أحد رجال الشُرطة، غير ملابسهُ في الحمام وخرج مقتربًا من ايفرين،
مسح على رأسها مُبتسمًا:" حين يأتي والدكِ... لاتخبريه عما حدث! إتفقنا؟!"
أومأت بتفهم مُرددة:" حسنًا... ولكن هل كُلُ شيء بخير؟"
نهض مُقبلًا جبينها:" سيكونُ كذلك! مُجرد سوء فهم صغير."
مرر زرقاوتاه على سيندي وآني مُبتسمًا بثقة.... يبدو أنهُ لن يتخلى عنها لمُجرد تهديد الضابط له!
وبمُجرد أن وضع أول خطوة لِخارج البيت بِرفقة الضابط، صُدم بجيسون عند الدرج...
وصدم الأخير مِن الموقف ليسأل بإستفسار:" ماذا هنالكَ حضرة الضابط؟"
أجاب الضابط مُتنهدًا:" ومن تكون أنت؟"
إقترب السيد جوليان مِن الخلف مُجيبًا:" مِن العائلة!"
توسعت حدقتا بيرت ولكن ليس كجيسون.... أهو قرر فجأة الإعتراف بِه صهرًا لعائلة كينت؟ أم ايفرين أثرت بِه؟!
أجاب الضابط بِتبرم:" السيد بيرت كينت مُتهم بإختطاف الآنسة آيرس كوربي المفقودة مُنذ ما يُقارب ثلاثة أشهر!"
سأل جيسون بِحدة:" متى قُدم البلاغ؟"
نظر في ملف الدعوة بين يديه:" صباح الأمس!"
قهقه جيسون بِسُخرية:" أتذكر الرجل أن له إبنة مخطوفة بعد مرور الشهور الثلاث؟! هذا سخيف!"
نظر نحو بيرت ثم عاد للضابط بعد أن صعد الأدراج الخمس:" أتسمح أن أحدثهُ بالأمر لأفهم مايحدُث؟"
نزل الضابط السلم قائلًا:" خمس دقائق!"
وقف بيرت بين جيسون و أبيه ليسألهُ بِحذر:" ما الذي حدث حقًا؟!"
أجاب السيد جوليان:" تعرضت للحادث سيارة! ملفُ المشفى موجود!"
عقد حاجبيه:" ثم؟"
قال بيرت بشيء مِن الغضب:" يكفي أن تعرف أن والدها حقير ويسيء مُعاملتها ولايهتم سوى بالتسبب بِمشاكل لها ولنا"
أكمل والدهُ عنه:" ولوالدتها أيضًا! فهيّ عارضة الأزياء سابقًا السيدة كورتني لينكس.."
توسعت حدقتا جيسون:" آيرس إبنة كورتني؟"
سأل بيرت عاقدًا حاجبيه:" أتعرفها؟"
أومأ مُستغرقًا بالتفكير... هو بالتأكيد يعرفها.... الوجه الدعائي لشركة الطيران خاصته.... أردف مُحدثًا جوليان:
" دع الأمر لي! سأنهي الأمر قبل تفشي الخبر! إنتبه لايفرين وحسب!"
قال السيد وهو يرفع هاتفه:" هل أتصلُ بكوفين؟"
نفى برأسه:" لا بأس سأتصل بِه لاحقًا إذا لزُم.... أين ملفُ المشفى؟"
قال بيرت بعد أن رفع الصابط يده مُناديًا:" نيو يعرفُ كل شيء!"
تقدم خطوتين ليعود قائلًا بِحدة:" لن أسامحكُما... كلاكُما إذا سلمتُما آيرس بِسهولة!"
توسعت حدقتا والده لوقع كلماته في حين أومأ جيسون مُردفًا:" لم أسمح يومًا لقاصر أن يعاني
من عائلته من قبل! رُبما لا تعرفُ إمكانيات ما يُمكنني القيام به بهكذا مواضيع...!"
جيسون لهُ تبرعات وإهتمامات كبيرة بأمور الأولاد الأيتام والذين يُعانون الإضصهاد من عائلاتهم!
لم يخسر قضية مِن قبل فمعه مُحامون أوفياء ولديه علاقات عديدة مع مسؤولين في مراكز الرعاية وناشطون إجتماعيون....
ركب بيرت السيارة مع الضابط بهدوء والأخير إحترم تعاونهُ فعاملهُ بشيء من الإحترام.

إقترب نيو لحيثُ جيسون وجوليان يراقبون خلو الساحة الأمامية من السيارات، أردف جيسون وهو يراقبهُم:
"نيو جونز، أين الملف؟"
حدق به مُردفًا:" مع مارتن!"
عقد حاجبيه بِتسائل:" ومن مارتن هذا؟"
فأجابه بسُرعة:" سائق بيرت!"
نظر نحو السيد جوليان:" وأين نجده؟ مهلًا آيرس معه صحيح؟"
توسع حدقتا السيد مُرددًا:" ألِهذا إختفى ولم أره مع أن بيرت في البيت؟ وذلك الشاب الضخم؟"
وضح نيو بإشارة اصبعه مُفصلًا الوضع:" حين وصل عناصر الشرطة، جاء مارتن لغُرفة بيرت حيثُ كُنا نائمين...
كنت واليكس مستيقظين... حينها قررنا أن نُخرج آيرس كي لا يتفاقم الأمر! فحملها اليكس لسيارة السيد جوليان
وخرجا من البوابة الخلفية التي قُرب المُلحق... لذا، حاليًا آيرس مع اليكس ومارتن."
إتصل جوليان بِمارتن مُباشرةً وهو يسأل:" أين وضعتَ ملف المشفى الذي جاء بيرت بِسيرته؟"
كان الأخير مُتوترًا لِسرعة الأحداث لكنهُ أجاب بِوضوح:" في حقيبة سوداء والموجودة في سيارة بيرت...
حيث أضع كُل الأشياء المُهمة والمُتعلقة بآيرس تحسبًا!"

توجه جيسون برفقة نيو بعد أن أصر على الذهاب معه لشرح المزيد من التفاصيل التي قد تكون مُهمة....
في حين يتفحص جيسون ما يُمكنهُ من الملفات التي بين يديه.... طلب جيسون رقمًا بهاتفه المحمول:" آرليا.. كيف حالكِ؟"
أتاه صوت أنثوي رقيق مُزج مع شيء من القوة على مُكبر الصوت:" أوه جيسون... لم تتصل بي مُنذ فترة! ألديك عمل جديد؟"
إبتسم جيسون وهو يُراقب الطريق:" عمل سهل جدًا! لكِن مُستعجل للغاية!"
أتاه صوت نهوضِها ووقوع بضعة أشياء:" الآن؟"
أيد لتُردف وبدا عليها أنها تتجهز إذ فتح باب وأغلق ففهم جيسون أنها تستعدُ للقدوم حيثُ يطلبُ وهي تقول:
" دقيقة... لا تفصل الخط..."
بعد فترة عادت وتحدثت بِراحة:" ماذا يكون هات التفاصيل!"
أتى صوت باب يُغلق ويُقفل ليردف بالتفاصيل بإختصار:" فتاة في السادسة عشر، والداها مُطلقان ووالدها الوصي،
تعرضت لحادث وأسعفها أحد أقربائي وإهتم بأمرها ريثما شُفيت والآن بعد مايُقارب ثلاثة أشهر،
رفع الوصي دعوة يتهم المُنقض الشاب بالإختطاف! يبدو أن الوصي غير مؤهل إذ وحسب الشهود يعامل الفتاة بعنف!
وهذا واضح في تقارير المشفى! مكتوب بالحرف الواحد (علاوةً عن الكسور الخطيرة في الساق واليد اليمنى،
لديها جُرح سكين سطحي وعلامات ضرب وخنق!) ورفيقي الشاب أكد لي أنها قالت أن الوصي هو الفاعل
في محاولةٍ منه لقتلها... تبدو قضية من النوع الذي تُحبين!"
كانت تستمع بإهتمام وصوت القيادة أصبح واضحًا... أجابت بِحماس:" سأمسح الأرض بوجه ذلكَ الوصي المُستهتر!"
تنهد بِراحة مودعًا لِحين... نظر نحو نيو الجالس بِجانبه وهو يُراسل اليكس بتركيز، رد جيسون يطمئن نيو
رغم أنه لا داعي لذلك:" سيكون كُل شيء بخير، الأمور ستجري كما نُريد... لكن..."
التفت نيو نحو جيسون عاقدًا حاجبيه بِعدم فهم ليُكمل الأخير:" قد لا تتمكن آيرس من البقاء في بيتِ، بيرت ووالده!"
توسعت حدقتا نيو ليقولَ بعدها بِحدة:" بيرت لن يقبلَ بعودتها!"
قهقه جيسون مُستمتعًا:" لم أقصد أن والدها سيستعيدها بسهولة ليُعاملها بسوء!"
ركز نيو بحديث جيسون الذي أردف مُكملًا بثقة:" إنها بارعة! لطالما كانت آرليا بارعة بهذا النوع من القضايا!
ستُحاصر الوصي وتجعله يتنازل! لكن الفتاة ستُجبر أن تُنقل وصايتها لوصيٍ جديد!"

تمتم نيو بعدم تصديق:" وصيٍ جديد!"
أومأ جيسون مُجيبًا.... هذه ليست أول مرة له مع قضايا مُشابهة، لقد نشأ في الميتم وكبر وهو يُجاهد
أن يكون عونًا للأطفال الذين يمرون بِظروفٍ صعبة.... سواء من فقدوا ذويهم أو من يُتخلى عنهم في رعاية الميتم،
أو الذين تُجردهُم الحكومة مِن أهلية العناية بأبنائهم... تعرف على الكثيرون مِنهُم... ساعد الكثيرين....
ووقف بجانبهم ولو ليس حضورًا بِنفسه...


دخل جيسون مقر الشرطة حيث تم تقديم البلاغ وقابل المُحامي إميلياس سوير، أحد مُحامي شركة كينت للألعاب....
وهو رجُلُ طويل القامة من أصلٍ إفريقي ذو إبتسامة لطيفة، يرتدي بذلة شرابية ويجمع شعره المُظفر للخلف....
بعد فترة ملحوظة دخلت سيدة طويلة القامة عريضة الأكتاف، ذات شعرٍ أسود وعينان خضراوتان،
بِبشرتها الناصعة التي أخفت عُمرها الحقيقي لتبدو كسيدة بالكاد ثلاثينية... إقتربت لحيث وقف جيسون
بِجانب المُحامي إميلياس سوير والفتى الشاب نيو جونز يتحدثون عن القضية... قدمها جيسون للمُحامي:
"إسمح لي... السيدة آرليا كويد، موظفة خدماتٍ إجتماعية... آرليا، هذا مُحامي بيرت كينت، السيد إميلياس سوير."
توسعت حدقتا السيدة للحظة لتصافح المُحامي بإبتسامة:" أتطلع للعمل معكَ!"
نظرت نحو جيسون نظرة عميقة وهيّ ترسم إبتسامة لطيفة على شفتيها ذات مُلمع شفاة بلون الكاكاو الفاتح...
كان الأمر كتحريك حجرين على رُقعة الشطرنج! فقد كان المُحامي إميلياس بارعًا بالدفاع عن رب عمله
وقد طالبت السيدة كويد الضابط بلقاء والد آيرس!
إن السبب الوحيد للإطالة هو عدم تواجده فيّ القسم الشرطة.... بِمُجرد وصوله أدخلهُ الضابط لغرفة مُتوسطة الحجم
جلس فيها بيرت بجانب مُحاميه، مُتقابلًا مع الضابط ومايك كوربي! في حين وقفت السيدة كويد تُحادث الشاكي:
" سيد كوربي... هُناك سؤال خطر ببالي حين قراءة ملف المشفى.... لماذا الآن؟! واجهت إبنتك الحادث في بداية سبتمبر...
وبقيت في المشفى طواله وخرجت بعد إنقضاء أكتوبر فوقه وفي الثالث من نوفمبر تحديدًا!"
رفع المعني حاجبيه بعدم فهم لتُردف الأخيرة بإبتسامة زعزعت استقرار مايك:" لِما لم تُعلن عن إختفاء إبنتك
بعد مُضي يوم أو يومين! كيف أوضح السؤال.... ألم تعلم أن إبنتك ترقدُ في المشفى؟ ألم تكُن تعرفُ أنها
وصلت لِحافة القبر وعادت للحياة بِفضل مُساعدة هذا الشاب الصالح الذي إعتنى بِها وخصص لها أفضل الأطباء
وفي أفضل مُستشفى خاص مُتوفر في المدينة؟ كيف أعبر عن الوضع... أليس ذلك إهمالًا واضحا أيها الأب الرائع!"
قطب حاجبيهِ بِنفاذ صبر:" هذا لايعنيكِ أيتُها الإمرأة الفضولية! فقد عرفتُ عن ذلك وبعد يوم عدت لأصدم
أن هذا الشاب أخرجها من المَشفى! وشيء طبيعي أن تخضع إدارة المَشفى لِمن يدفع!"
نهض بيرت غاضبًا لكن السيدة وقفت خلفه لتضع يدها على كتفه مُجيبة:" إذًا إبنتك ذهبت معه! فقد
وجدت نفسها مدينة له بحياتها! أليس هذا إحتمالا أكبر مِن كونها أختطفت؟!"
رفعت نظرها للضابط مُبتسمة ومرر المُحامي إميلياس ورقة من الملف الذي كان على الطاولة:
" السيد بيرت دفع فواتير المشفى، هذا أكيد فقد قدمت الشركة شيكًا بأتعاب الأطباء! ولكن كيف تُفسر
كونها تُزاول الذهاب للمدرسة التي تدفع شركتنا لمقعد آيرس كوربي الدراسي وللسنتين المُقبلتين؟!"
توسعت حدقتا الضابط يقرأ الورقة المُوقعة من مُدير المدرسة مُرفقة مع فاتورة بإسم الشركة!
ولايزالُ مايك كوربي في حالة من عدم التصديق....
قهقهت السيدة مُستمتعة وهي تُردد وهي تقف خلف بيرت والمحامي إميلياس:" ما أسمعه عن حالات الإختطاف عادةً...
يتم طلب فدية مُقابل المخطوف! لم أسمع بِخاطف يدفع فواتير المخطوف عبر شركة ذات صيت وإسم عالمي
ويصدف أن يكون مالك ومدير الشركة!"
توسعت حدقتا مايك الذي إعتبر بيرت مُجرد شاب مُدلل لغنيٍ ما! إزدرد ريقه وهو يسأل:" من أنتِ أيتُها المُحامية!"
نظر إميلياس نحوها مُردفًا بإبتسامتهُ اللطيفة:" لسوء حظك ليست مُحامية!"
كتفت يديها وهيّ تُظهر ورقة مُوقعة مِن قبل مكتب الخدمات الإجتماعية التابع للدولة:" سيد مايك كوربي،
أنا رسميًا أجردكَ مِن وصاية آيرس كوربي! بِتاريخ اليوم الرابع عشر مِن نوفمبر، الآنسة آيرس كوربي البالغة 16 عامًا،
أصبحت رسميًا تحت وصاية الولاية لِعدم أهليتكَ لِهذه المسؤولية!"
توسعت حدقتا بيرت ينظرُ نحوها بِعدم تصديق في حين نهض مايك وهو يضربُ الطاولة بكفيه مُفرغا إستيائه...:
" ما الذي تهذين بِه! آيرس إبنتي، مِن لحمي ودمي! لايُمكن لأحد تغيير هذهِ الحقيقة! أتظُنين أن قولكِ شيء
كأجردك مِن الوصاية يعني أني سأتنازل عن حقي بإبنتي؟!"
مررت السيدة الورقة نحو الضابط مُتجاهلة صياح مايك في حين همهم الضابط وهو يتأكد من صحة الورقة:
" هذه الورقة رسمية بالفعل! حتى أن ختم وزير الأمور الإجتماعية موجود! من المُذهل حصولكِ عليها اليوم مِن بين جميع الأيام!"
ليست صُدفة ولا خُطة! لم تمُر ساعتين ونصف مُنذ إتصل جيسون بها! ببساطة دبرت الأمور خلال وقتٍ قصير!
فقد قال جيسون أن الموضوع يخصُ أحد أقربائه وهذا نادر! وفوق ذلك، أمر مُستعجل!...
نهض الضابط وهو يُحادث المُحامي:" على هذا الحال، الدعوة تبطل! فهيّ شكوى كاذبة!"
هاج مايك هاتفًا بالضابط:" كيف تقول أنها شكوى كاذبة؟ هذا الشاب إختطفها!"
تنهد الضابط مُجيبًا:" الفتاة تُزاول المدرسة الإلزامية! هُناك أوراق المشفى والمدرسة وهذه أيضًا!
إبنتكَ ليست مخطوفة وأنتَ لم تعُد الوصي... سحقًا! مجرد مضيعة للوقت!"
توسعت حدقتا مايك في حين قالت السيدة تحت إستغراب بيرت من سير الأمور بهذه السلاسة غير المُتوقعة:
" إستسلم سيد كوربي! وكن ممتنًا إذ لم ترفع الولاية دعوى الشروع بالقتل ضدك لهذه اللحظة!
إذا قاومت أكثر، ستُجبرني على القيام بأمر لن تكون نهايته سوى محاكم لانهاية لها."
رمى مايك نفسه بِعدم تصديق، وقد وقف بيرت على وقع كلماتها الأخيرة...
-هذا الـ... حاول قتلها حقًا!
كان ينظرُ نحوه بحدة... نهض المُحامي وهو يجمعُ الأوراق يهمُ بالمغادرة بعد أن صافح الضابط...
دفع بيرت ليحثهُ على الخروج من غرفة التحقيق الخاصة بالضابط... كان غاضبًا والألم يعتصر قلبه بقوة...
وقفت السيدة يساره والمُحامي يمينه، إستأذن المُحامي سوير ليُجري آخر إجراءات القضية
ويتأكد من عدم بقاء ملفها نشطًا... في حين إقترب جيسون مُبتسمًا وهو ينظر في ساعته الفضية
وبجانبه نيو الذي كانت السعادة واضحة على ملامحهُ حين إقترب لحيث يقف بيرت...:
" كان هذا أسرع ما قمتِ به لليوم آرليا! أنا مُنبهر... شكرًا لكِ لن أنسى لكِ وقوفكِ بجانبنا...."
إبتسمت له مُغمضة العينين لتُضيف وهيّ تنظرُ نحو بيرت:" لا تُقلل مِن قُدرات الرائعة آرليا كويد!
ليس عليك شكري فقد كان ذلكَ واجبي!" أكملت حديثها مُحدثة بيرت:" لا داعي للقلق...
سأتأكد من عدم تعرضهُ لكَ أو للفتاة مهما حدث! سأجعلهُ يندم أشد الندم لإستهتاره بِمسؤولية الوصاية وإستغلالها!"
تنفس بيرت نفسًا عميق زفره بِبطء وهو يُلين ملامحهُ:" يُسعدني سماعُ ذلك..."
إستدار ليُغادر بِرفقة نيو الذي ودع جيسون والسيدة... قال بعد أن وقف بعيدًا
-:" شكرًا لكِ على وقوفكِ بجانبي اليوم، أمي!"
توسعت عيناها لمعرفته عن من تكون في حين أخفت أشعة الشمس مِن المدخل خلفه ملامحهُ...
أكان يبتسمُ لها، أم كانت ملامحهُ عادية... هذا أمر لم تتمكن من تحديده!
لم تكُن يومًا تنوي أن تكون أمًا بسبب رغبتها بأن تقف بِجانب أكبر عدد مُمكن من الأطفال عديمي الأهل،
ولم تكُن تريد أن تُنجب طفلا لايربى مع كِلا والديه! لكن تيردا أقنعتها بِجملة واحدة
"أتمنى أن يكون أخًا رائعًا... مُتشوقة للإهتمام بِه!" لم تتوقع أن يغدو الشاب المُميز الذي يسير مُبتعدًا عنها!

-وحده... إكتشف الطريق، سار به، وتميز به! الإبن الذي لم أتوقع أن يغدوه..... كان يسير عني مبتعدًا.










بعد مضي سبعة سنوات...

كان يجلس خلف مكتبهُ الذي تكدست الملفات المُلونة على زاويتيه، مرّر يدهُ على لوحة المفاتيح ثم تثائب بِتعب
وهو ينظرُ لِلساعة في الزاوية السُفلى لِشاشة الحاسوب العريضة.... طرقت فتاة شابة الباب وكانت ترتدي
قميصا أبيض بلا أكمام وتنورة سوداء تصل لمُنتصف أفخاذها... أدخلت رأسها تستكشفُ المكتب قبل أن تدخل
وصوتُ كعبها يُزعزع سكون الغرفة... خللت أصابعها بين خصلات شعرها الأشقر الطويل لتُعيده لخلف أذنها مُبتسمة:
" ألا تزالُ هُنا؟ إرحم نفسك..."
أطفئ الشاشة وهو ينهضُ مُتمددًا:" لدي بَعض الأعمال المُهمة.... أنا جائع! أتأتين معي لِنأكُل؟!"
قهقت مُستمتِعة:" بعضُنا لديهِ حياةُ خاصة مُثيرة للإهتمام! سأعود لِلبيت، فَزوجي اللطيف طاهٍ بارع وينتظرُ عودتي لِنأكُل معًا!"
خطى بِجانِبها وهو يضعُ يده على كتِفها يُحَمِلُها على السير بِرفقته:" وطبعًا لستُ مدعوًا!"
أجابت مُحافظة على إبتسامتها:" تمامًا!"
خرجا مِن المكتب نحو المِصعد، كان مدى قُربِهما واضحًا، إذا كانت لاتُمانع أن يسيرا أمام الجميع وهو يضعُ يده
على كتِفها في حين يتجاوزانِ الموظفين وماشابه... تركها عِند المِصعد وهو يودِعُها:" إدعوني لتناولِ العشاء
في أحدِ المرات... سيُسعدُني تقييم طبخ زوجكِ عديمُ الذوق! كان عليهِ دعوتي للعشاء ولو لِمرةٍ واحدة!
إعترفي أنكِ لم تُخبريهِ بأنني أهمُ مِنه في حياتكِ!"
قهقهت مُستمتعة وهي تدخلُ المصعد:" واثقٌ من نفسكَ كالعادة!... لن أسمح له بدعوتكَ فلا تحلُم بِذلك!"
إبتسم بإستخفاف:" إذًا طبخهُ سيء كما توقعت وتتفاخرين بِه عبثًا!"
لوحت له مودعة:" بل لا أريدُكَ أن تُفسدهُ كما أفسدكَ نيو واحسرتاه!"
التفت عائدًا لِمكتبه:" هو الخاسر إذًا! تصبحين على خير آني! مُلاحظة، تعرفين أن لا علاقة لنيو...
أحب إزعاجكِ وحسب... يجب أن تفتخري بنفسك فهذا يعني أنكِ إمرأة متميزة!"
تنهدت بيأس وأغلق بابُ المِصعد في نفس الوقت وهيَّ تُلوحُ له وعاد لِمكتبه لتولي المزيد مِن العمل..
ألم يُرد الذهاب لتناول العشاء؟ تأخر الوقت وهو مُنغمس بالعمل كالعادة وتجاوزت العاشرة مساءً لكنهُ
مايزال يُمرر زرقاوتاه بين الملفِ والآخر! خرج مِن مكتبهُ وقاد سيارته السوداء، وصل لِمطعمٍ قريب
حيثُ إعتاد الذهاب كُل ليلة... جلس وطلب العشاء لِشخصين وهو ينظرُ في هاتفهُ بِقلة حيلة!
" أطلُب لي على ذوقك! سمعتُ من صديقي المُقرب أن طعامهُم لذيذ!"

خلال دقائق جلس رجُلٌ أشقر يرتدي قميصا أبيض ناصعا وجينز أزرق فاتِح ويحملُ سُترة جلدية سوداء في يدهُ اليُمنى...
مرر بُنيتاه على الأخير وقد كان شاردًا:" مساء الخير ياصاح... أوي بيرت..."
كسب إنتباههُ ليهتف بِتعب:" أنتَ تُنهكُ نفسكَ بِالعمل من جديد..!"
وصل الطعام وقدمهُ النادل الشاب شاكرًا لإختيارهُما المطعم... أخذ بيرت الشوكة وهو يشرعُ بتناولِ طبقهُ بِكسل:
" لقد رفضت آني تناولَ العشاءِ معنا!"
تجاهل كلامهُ عن كونهُ يُرهق نفسه لكن دفة الحديث أعجبت الأشقر:" أحقًا؟ لايُمكنكَ لومها!"
قهقه بيرت مُدعيًا عدم الإنزعاج ليُردف:" تجعلُ زوجها الغبي، يبدو أروع مِنا!"
أردفَ الأخير بِإستمتاع:" فترة وستمُر! مازالا حديثي الزواج... ستملُ مِنه خلال شهرين بَعد أن تتعرفَ عليهِ أكثر!"
فمط الأخير شفتيهِ مُكملًا:" هيّ لم تأخُذ رأينا حتى!" أومأ نيو ليُكمل بِتذمُر:" ما الرائِع بِه على أي حال؟"
باغتهُ نيو مُستفزًا:" أتغارُ مِنه!"
أوقع بيرت الشوكة لِيُجيبَ بِعدم تصديق:" أغار؟! مِن مَن؟ الأمرُ وما فيه، توقعتُ على الأقل أن تأخُذ بِرأينا!"
نظر نيو نحوه بِعدم تصديق مُصححًا:" لا علاقة لي بالموضوعِ أساسًا! تقصدُ أنها لم تسألكَ رأيك!"
ركز بِيرت كوعه على الطاولة بعد أن أزاح طبق عشائه:" لقد كُنتُ أظن أننا أصدقاء! لقد كانت تُخبرني كل شيء كما أفعل...
ولكِن فجأة تُمرر لي دعوة لِحضورِ الزفاف بِلا مُقدمات! أنا لم أقابلهُ قبل ذلكَ ولو لِمرة في حياتي...
ماذا كان إسمهُ؟ أه جونيور!"
صحح نيو كلام بِيرت مِن جديد:" تقصدُ جيوفاني!"
ردد الأخير بعدم مُبالاة:" أيًا كان!"
إبتسم نيو بِقلة حيلة ليُتابع تناول العشاء وهو ينظرُ لِملامِح بيرت، كان يبدو مُتعبًا، مُنزعجًا ومهمومًا!:
" الأمر هو أنكَ بَعد سفرِها، ثُم وفاة والدكَ.... أصبحت آني أكثر من تُخالِطُها طوال الوقت... لا أعلمُ كيف أصِفُ ذلك....
كُنتُ أحيانًا أعتقد أنكُما قد ترتبطان! مع أنني واثق بأنها كانت بِالفعل تُمثلُ الصديقة الحقيقية لك!"
بدأ الأخير يَعبث بِشعره الأمامي بِملل:" أأبدوا مُثيرًا للشفقة؟ فأنا الآن مُجبر على تناولِ العشاء مَعك!"
تمتم نيو مُعترضًا:" أيها الصديقُ التافِه! لن يطول الأمر فلا تُتابع التذمر!"
أردفَ بِسُخرية:" لِما... أستخونُني أنت أيضًا! فأليكس سافر قبل شهر لِقُبرُس مِن أجلِ المؤتمر ويبدو أن
المكانَ أعجبهُ إذ يُريد مُتابعة العمل كمُصمم في الشركة مِن مكانه!"
قال مُبتسمًا بِثقة:" يبدوا أنكَ ستشتاقُ إلي قريبًا جدًا!"
رفع عيناه بِملل هاتقًا:" ماهذا؟ أتُخطط لِرمي نفسكَ عن جِسرٍ ما؟ أرحني مِن حضور جنازة أخرى!"
قهقه مُستمتعًا وهو يُجيب ساخرًا:" لاتكُن سخيفًا... فأنا سأسير على الدرب الذي إتخذتهُ آني قبلي!
لكِن لاتقلق فأنا لا أدعوك، بل أعلمُك عما أنا مُقبل عليهِ! سنُصبح أقرباء رسميًا!"
تراجع مُتكئًا على كُرسيه بِعدم تصديق:" اللعنة... ماذا بكُم مع إتخاذكُم لِهذه القرارت المُثيرة للغثيان!
لقد كان كُلُ شيء بِخير كما كان سابقًا!" صمت لِبعض الوقت قبل أن يُكمل:" مُنذ تخرجتُ من الجامعة....
ولاشيء يسيرُ كما ينبغي! أليكس سافر وقد لايعود، آني تزوجت بالغبي جيك الذي لم أقابلهُ في حياتي قبلَ ذلكَ..."
-:" تقصدُ جيوفاني!"
أكمل بِملل:" أيًا كان! والآن أنت وسيندي... أتمنى أن تعود كُلُ الأمور كما كانت قبل ستة سنوات، حين كُنا معًا جميعُنا."
-أتسائل إذا كان لابأس بإخباركَ أنها عادت بدون أن تسأل! وماذا ستُفكر إذا عرفتَ أني كُنتُ معها قبل قدومي!
غبي.. إعترف بِمشاعركَ الحقيقية وحسب!
كان نيو يُفكر...
نهض بيرت تاركًا الحساب وهو يقول:" لو أنها لم تُغادر.... رُبما كُنا سنبقى معًا!"
نظر نيو نحوه هاتفًا:" أنت تؤذي نفسكَ وحسب!... ثم اللعنة إذهب لِرؤية ايفرين فهي تسألُ عنك!"


في ذلكَ الوقت.. كان في السنة الثانية مِن الجامعة... فجأة قالت أنها ستذهبُ للعيش مُستقلة بِذاتها كما أراد لها مِن قبل!
غادرت بعد أن إستمر بِمعاملتُها كما يفعلُ دائمًا.... مِن جهة يبدو باردًا في مشاعره ومن جهةٍ آخرى يمنحُها الكثير مِن الآمال!
وحين تاهت عن موقفه الذي لم يكُن واضحًا يومًا إنسحبت مِن حياته بهدوء!
-اللعنة... اللعنة... اللعنة... لما كان يجبُ أن يحدُثَ ذلك! ظننتكِ تُحبينني حقًا! ظننتُ أن لا بأس إذا لم أقُل شيئاً!
فمادمتِ تهتمين بِي فلابأس! لكن.. لاشيء كان "لابأس"! فقد ذهبتِ ولم أشعُر يومًا بِمرارة الخسارة كما يومها.

لم تمُر سوى سنتين أخرتين جاء موعد والده وتوفي بعد أن عاش خمس سنوات وهو يمنحُ حفيدتهُ الوحيدة
ما فاته مِن حُبه وإهتمامه! لدرجة مُسامحة جيسون لأجلها... الرجُل الذي عاش كُل يوم على أنه الأخير...
عاش خمس سنوات أعادتهُ للحياة بِواسطة الفتاة التي لاتُشبِه أحدا حقًا!


إرتمى في حِضن سريره مُستعيدًا لِحديث سمعهُ في الغُرفة ذاتها وهو يُفكر بِها مُطولًا...
" مُستيقظة؟"..." مُرهقة، لكن لا أريد النوم..."..." تقصدين، لايمكنُني النوم!"..." أنت تقرأني دائمًا!"...
" أول مرة تدخُلين الغُرفة؟"..." وهو؟"..." ماذا تقصد؟"..." هل دخل لغُرفتكِ؟"..." في المشفى..."...
" أتمزحين؟ أقصد هُنا!"..." هذا لايعنيك!"..." هذا يعني حدث! الأبله بالكاد يطرق الباب نقرة واحِدة! لا تقولي لا!"
..." هذا لا يعنيك!"
" لدي سؤال!"..." بيرت لايهتمُ لأمري! أليس كذلك؟"..." مُحتمل!"..." لا فرصة لي؟ كُنت أعرف ذلك وأدركه! أنا وهو...
مُختلفان تمامًا! وأنا بالكاد مُجرد صديقة عادية! أليس كذلك؟"..." لما لا تسألينه؟ كما تعرفين أنا وبيرت لسنا بذلكَ القرب
الذي نُخبر بعضنا بأمور كهذه بعد! لذلكَ أنا لا أعرف... لاتستبقي الأحداث ولاتستعجلي! لديكُما الكثير من الوقت
لتتعرفا على بعضكُما... دعي الوقت يُلقي سحره!"..." ما الذي تعنيه؟"..."إصبري... ولاتستعجلي...
دعي الأمور كما هيّ، سيأتي يوم يتغير كُل شيء كما هو مُقدر."


نهض يمسحُ العرق عن جبينه مُتوترًا:" كيف حدث ذلكَ بِحق السماء؟ لِما كان يجبُ أن يحدُث كل ذلكَ وبِهذه الطريقة؟
لقد كان كُل شيء بِخير... لقد عرفتُ وتعلمتُ الكثير بعد لِقائكِ... كُنتُ مُستعدًا لأن أتغير أكثر وأكثر لأجلكِ!"

لكن، أحيانًا للصمت وترك الأمور كما ينبغي نتائجٌ عكسية! نهض وهو يُمسك هاتفهُ مُتصلًا:" كأنكَ تأخرتَ بالرد؟"
جاء صوتٌ نعس مِن خلف الخط:" أتعرفُ كم الساعة الآن؟"
تجاهلهُ هاتفًا:" أين أستطيعُ لِقائها؟"
نهض الأخير بِعدم تصديق:" ماذا تقصد؟"
هتف بإنزعاج:" أنتَ تعرفُ كُل شيء! وهيَّ تثقُ بكَ لتقولَ لكَ أي شيء!"
تمتم بِعدم إستيعاب لِهذه المُحادثة الغريبة مُنذ بِدايتها:" لحظة عن مَن نتحدث؟!"
رفع صوتهُ غاضبًا:" أقصدُ آيرس أيها المُتحاذق!"
أطلق الأخير ضِحكة خافتة وهو يرُدد:" عجبًا! متى آخر مرة ذكرت هذا الإسم؟!"
أخفض نظرهُ شاكرًا لكونها مُكالمة هاتفية وعدم تمكُن نيو من رؤية ملامحهُ
:" أعفِني مِن المُماطلة وحسب!"
تنهد الأخير بِقلة حيلة:" لقد قابلتُها اليوم وحسب، عادت بعد أن أنهت دراستها... قالت لي،
إذا سأل بيرت عني يومًا ولو صدفة سيعثر عليَّ حيث قابلني أول مرة! ولم أفهم ماتعنيهِ تحديدًا
لكنها تعيش مع والدتها حاليًا..."
نهض ينظرُ نحو الوقت، إنها الخامسة صباحًا! أغلق الهاتِف بعد أن ردد بِصوت أظهر شيئاً مِن سعادته:
" شُكرًا لك... صديقي الغبي!"
تركَ الأخير هاتفهُ وعاد ليتمدد على سريره مُبتسمًا:" أنا صديقُكَ الرائع... أيُها الغبي!"

خرج بِسيارتهُ ولاتزال السماء عتِمة، قادها لِحيثُ بدأ كُلُ شيء... في تلكَ الضاحية، على الطريق العام،
مُقابل ذلكَ المطعم البَسيط.... ترجل يبحثُ عنها وكان المطعمُ مُغلقا ولا أحد في الجوار رُغم وصول
روائح طبخ واضحة... سرت طاقه غريبة في جسده فجأة، نظر خلفهُ فتجمد الوقت! كانت تقف وهيّ تحملُ
كيسا شفافا مليئا بالزهور المُنوعة وهي ليست أقل مِنهُ صدمة، إذ تركتهُم مِن يديها ووقعت تلك
الأزهار الجميلة على الأرض...
رطب شفتيهِ هاتفًا بِعتاب:" أيتها الجبانة! أهذا مكان تُخفينَ نفسكِ فيه؟ بعد كُل هذا الوقت... كان يجبُ أن أتوقع ذلك!"
إبتسمت تِلقائيًا وهي تُجيب مُمسكة لِطرف فُستانها القصير عديمُ الأكمام باِللونِ الأصفر المُشع:" أخيرًا تذكرتَني؟!"
أخفضَ بصرهُ ليُعيد النظر إليها وبكُل ما فيها:" ماتزالينَ هزيلة!"
دمَعت عيناها مُرددة وسط إبتسامتُها اللطيفة:" أأبدو بذلكَ السوء؟!"
أومأ مُجيبًا وفتح ذراعيهِ...
-إذا كنتِ، ماتزالين تملكين ولو ذرة واحدة مِن تلكَ المشاعر.... أرجوكِ.... أنقذي ما تبقى مِن عقلي!

ملئت الدموع مُقلتيها، تشوشت رؤيتها تدريجيًا.... كانت الخُطوات بينهُما، كأنها سنوات من السير والمُضي بلا إطالة الهدف...
وفجأة... أصبح معدومًا... الهدفُ الذي لم يُدرك كيفَ تاه عنه، أصبح بين ذراعيه.

-ذهبتِ لكن مكانُكِ بقيّ شاغرًا... تعلمتُ الكثير بَعد لِقائكِ وحسب....
شُكرًا لك.


*النهاية*







 
 توقيع : فِريـال


التعديل الأخير تم بواسطة فِريـال ; 10-23-2021 الساعة 11:17 AM

رد مع اقتباس