إن أخطر شيء قامت به الثورة الصناعية هو جعل الإنسان المعاصر إنسان فارغ نفسيًا وروحيًا، ذلك أن كل الحركات الصناعية ما بعد الثورة الصناعية قد جعلت من الإنسان الحديث إنسان إتكاليٌ غير دارك لذاته، فهي بعدما جعلت الأدوات الزراعية هي من تقوم بزراعة الأرض بنفس الوقت قتلت الإنسان وحتى الحصاد الذي كان من مهمة الفلاحين والذي يشكل لهم حلقة روحية وراثية بين الأسلاف فقد تم قتله وسحب الإنسان ومنعه من القيام به وهذا ما جعل الإنسان فارغ إتكالي على أهم موردٍ في الأرض! وكما يقول دافيلا « تَلفظُ الحَضارةُ آخِرَ أَنفَاسِها حينما تَكُفُّ الزِّرَاعَةِ عَن كونها أسلوبًا حياتيًّا وتصيرُ شكلًا مِن أشكال الصِّنَاعَةِ. » وهذا ما حدث بعد الثورة الصناعية التي طوقت وقيدت الإنسان من القيام بأمورهِ المهمة وهذا قد جعل الإنسان يشعر بالفراغ الوجودي فهو ينظر إلى جميع الآلآت تقوم بالعمل الرئيسي وهو جالس لا قيمة له، ونرى الآن التكنولوجيا وجميع حركاتها تقتل شيئًا فشيئًا المعنى الإنساني والوجودي للبشر، وهذا ينطبق على المهام الطبية والحربية والزراعية وكل شيء يعتبر من واجبات الإنسان، لذا لم تكن مهمة الثورة الصناعية سوى قتل الوجود البشري وجعله فارغ.
« […] ولأنَّ المُجتمع الحديث ”ليسَ لهُ مُستقبل“ لِذٰلِكَ لا يُفكِّر – الإنسان النَّفسانيُّ في القرن العشرين– في أيِّ شيءٍ يَتجاوز اِحتياجاته الفوريَّة. »
— كريستوڤر لاتش | ثقافة النرجسيّة
|