الموضوع: السجين "2"
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-28-2022, 04:13 PM   #7
آدِيت~Edith
https://www.anime-tooon.com/up/uploads/at165286508456371.png


الصورة الرمزية آدِيت~Edith
آدِيت~Edith غير متواجد حالياً





الفصل 3


بترقبٍ وقفت تتأمل الشاب ذو الخامسة عشر
يتأهب ليعاود الهجوم بمحاولةٍ للفوز بعد خساراتٍ متواصلة
في نزالٍ كان الثلاثينيُّ المنتصر فيه .

هتفت بحماس مشجعة : لا تستسلم أخي هذه المرة ستفوز حتماً .

هاجمه بكل ما تبقى له من قوةٍ فركلة هنا ولكمة هناك
ولكنه كان كالعادة يصدها سريعاً ببساطة مما جعله يستشيط غيظاً ويحاول جاهداً حتى تمكن من لمسه بقبضته بيد أن الأخير أمسكها وأسقطه على الأرض ببساطة .

نهض متثاقلاً يعاود المحاولة لكن خصمه ابتسم وهو يقطع النزال قائلاً بسخرية :

هذا يكفي لليوم , لنقل أنك تقدمت قليلاً لقد تمكنت من لمسي على الأقل .

- لا.. لا يكفي لنكمل هذه المرة سأفعلها حتماً سأهزمك .
- لا أظن هذا لا زال أمامك الكثير لتتعلمه .

أكمل وهو ينظر له بجدية : تخلص من غضبك هذا وحاول أن تستجمع عقلك وتركيزك بني , حينها ستتمكن من استخدام قوتك جيداً , تذكر القوة هنا " وأشار لعقله " ليست في قبضتك وحسب .

خرج من غرفة التدريب حيث كانت الفتاة تقف وقد مدت لكليهما منشفته : كنت جيداً لا تعبس هكذا .
تأفف ضجراً دون أن يجيب بينما نطق الآخر بمرح :

إذاً سأستحم أولاً ثم سننطلق لنمرح قدر ما تشاؤون .

- أجل أبي أنا خططت اليوم لنزهتنا جيداً سنستمتع كثيراً.

- طفلتي الجميلة الحلوة أنا رهن اشارتكِ.

- مرحباً آرون ها نحن نلتقي من جديد .

التفت لمخاطبه الذي انضم لهم تواً برفقة ابنه أسود الشعر كمثله تماماً

غير أن الأخير بعينيه السوداوين الناعستين خالف الأكبر بلمعان الزبرجد ,

وضع يده على كتف ابنه يحثه على تقديم التحية فبادر باحترام :

صباح الخير سيدي القائد .

- صباح الخير لك أيضاً بني , سررت بلقائك , وأهلاً بك ميخائيل سعيدٌ أنني التقيتك قبل أن أغادر .

أجابه الشاب بابتسامة لطيفة مرحة :

هذا يذكرني بالماضي بأيامنا الدراسية وأحلامنا وطموحاتنا , تذكر ذلك آرون ؟!
- ومن ينسى , كانت أياماً مذهلة , لقد كبرنا وأصبحت طفولتنا ذكرى محببة , بكل قسوتها بكل مغامراتها , وأصبح المستقبل الآن بين يدي أبنائنا ليرثوا أحلامنا .

أحاط ابنيه بذراعيه يتأملهما مبتسماً , بينما وضع الآخر يده على رأس الفتاة الصغيرة مداعباً شعراتها : طفلة جميلة , مرحباً يا حُلوة سررت بلقائك .

احمر خدي ابنة العاشرة خجلاً وبابتسامتها الوادعة أجابته : مرحباً بك سيدي .
- نادني عمي فقط هل اتفقنا ؟!

أومأت إيجاباً واقتربت تعانق والدها بحياء , بينما رفع الشاب عينيه نحو أزرق العينين بصمت ثلجي مرعب فأسرع الفتى مستدركاً يلقي التحية العسكرية : تحياتي سيدي .

احتجز ضحكة كادت تفلت حين أفزعه بنظرة واحدة فأجابه بمرح:

- كم أنت مسلٍ سي , يبدو أنك لازلت تثابر هاهنا أرجو أن النتائج أصبحت مرضية .

- لابأس به فقد استطاع على الأقل أن يلمسني .

نطق الأكبر بعجرفة بينما الأصغر بدا مستاءاً ممتعضاً.

- أنت تقسو على الفتى آرون .

- هذا هو الأفضل له إن كان يطمح لأن يغدو بمكانتي.

- إذاً سيكون أحد رجالي حين يكبر , مدربك وقائدك لن يتساهلا معك كن

مستعداً , عظيمٌ حقاً أن تتشاركا الشغف ذاته إن صح التعبير ,

على عكسه ابني لا يرغب أن يتبع نهجي بل يرغب أن يكون طبيباً

رغم أن مهاراته في التصويب غاية في البراعة والدقة .

وضع آرون يديه على كتفي الصبي مبتسماً :

سيكون من الرائع أن ينشأ بيننا طبيبٌ بارع , لاشك أنك ستنجح حتماً .

بهدوء خالطه خجلٌ طفيف : شكراً سيدي .. أرجو أن أكون عند حسن ظنك .


صوت وافد جديد غير محبب جعل الأجواء تبدو ملوثة خانقة ,

فها هو ذا مشمشي الشعر يقترب مع الصبية الحمراء بعنجهية

وابتسامة لطالما كرهها الرجلين وأثارت اشمئزازهما .

- اوه أرى أنكم تجتمعون هنا منذ الصباح الباكر , عدت يا آرون وعلى الفور قمت بمجالسة أطفالك , أيها المسكين .

أجابه ببرود مستفز : أرى أنك تقوم بالأمر ذاته كذلك .
أشار بعينيه لحمراء الشعر التي أسرعت نحو سيكيم بمرح : يالهذه الصدفة الرائعة سي سعيدة لرؤيتك .
همس آرون بضيق : أشك أنها صدفة .
بينما حذرها الصبي قبل أن تعانقه : إنني متعرق أنهيت تدريبي تواً .

- لابأس بالنسبة لي .
عانقته وقد احمر خديه وهو ينظر بطرف عينه لوالده الذي كان يرمقه ببرود قاتل مخيف فهمس لها باضطراب : حسناً .. سأغتسل وأعود على الفور .

قالها وأبعدها بلطف مستأذناً بلباقة بينما أكملت الفتاة ترحيبها على عجل : تحياتي لكما عم آرون وعم ميخايل , تمتم كليهما بآن واحد " من قال أني أسمح بمناداتي عمي ! "

أكملت وهي تتأمل الصبي أسود الشعر متسائلة : أنت , أظنني أعرفك هل أنت ..
- ستيفينز ماكسويل , سررت بلقائكِ آنسة كريستينا .
- اوه تعرفني ولا أعرفك .
- إننا في الصف ذاته , لا أظن أن أحداً فيه لم يستطع معرفتك آنسة .

" هل يلمح لشيءٍ ما ياترى ؟! أشعر بشعور سيء اتجاه هذا الفتى البارد البغيض , تذكرته .. إنه ذلك الثلجي دودة الكتب "

أجابته بابتسامة مصطنعة : آسفة لأني لم أستطع تذكرك سريعاً ستيف .

أكملت بمرح : يبدو أن التدريبات انتهت على كل حال , لدي مخطط مذهل نمضي به اليوم مارأيك أبي أن نرافقهم .

همست الصغرى لها بخيبة : لكني خططت ..

تجاهلتها وهي تحث والدها على الإجابة فرد بانزعاج : افعلي ماشئتِ لكني لست متفرغاً , لدي أعمالٌ كثيرة ولاوقت لدي أمضيه بلا قيمة .

ظلت تجادله بينما أحدهم كان يقف قابضاً كفه بغضبٍ لم يتجلى على وجهه بل أفرغ شيئاً منه بقبضه كفه بأقصى مالديه وهو يتمتم ببرود ساخطاً " صدفة إذاً ! "

..................................................

غطاءٌ مجعد , وسائد مهملة الترتيب , ستارٌ قد انبلج الضياء من خلفه ينير عتمة الغرفة بجدرانٍ بلون الفستق , على الفراش استلقى وعيناه لا تزالان تتأملان السقف الأبيض بفتورٍ وسكونٍ أحاط كيانه المثقل .

فًُتح الباب على حين غِرَّةٍ وقبل أن يدرك شيئاً كانت الوافدة قد أسرعت نحوه فزعة تفرغ الدلو الذي كانت تحمل لتبلله تماماً وهي تصرخ بفزع : حريق , اندلع حريق اخمدوه بسرعة , عادت لتملأ الدلو ولما يزل بصدمته ,. وسرعان ما نهض فزعاً يتبعها وكم كان ذاهلاً لتلك الفوضى التي أحدثتها العجوز خارج الغرفة , فالأريكة مبللة والمصباح المنضدي والشموع على طاولة الزينة , بل وحتى ..

- المكتبة ! , يا للهول !
أمسكها برفق فدفعته مذعورة : اتركني يجب أن أطفأ الحريق قبل أن تموت ابنتي .

عاد يحاول امساكها وهي تتلفت بذعر فما كان منه الا أن أوقفها بعناقٍ أسكن حواسها المنتفضة رعباً , وبدفٍ همس لها مطمئناً : لقد أطفأنا الحريق , قمتِ بعمل عظيمٍ جدتي , لكنكِ أتلفتِ كل شيء بالمقابل .
صرخت به فزعة : ابنتي , ديانا ياصغيرتي أين أنتِ .

زاد من عناقه لها ولم يعد يجد إجابة تشفيها : مارأيكِ أن تجلسي هنا جدتي ريثما أبحث أنا عن ديانا , اتفقنا ؟!
- سيمون هو السبب , اللعنة عليه هو السبب .
وضعها على السرير ودثرها بحرص بينما لازالت تمتتم بتلك الكلمات مذعورة , أخرج لها ملابس نظيفة ووضعها بجانبها : هل تستطيعين ارتدائها بمفردك ؟

بدا أنها لاتزال في عالمها مبحرة فتنهد بثقل محتاراً وإذ بالباب يُفتح وأصوات ضحكاتٍ تتناهى لمسامعه أتبعتها كلماتٌ معسولة أطلقها الشاب متغزلاً بالفتاة التي سارت بمحاذاته خجلة مسرورة.

خرج من الغرفة يستقبلهما فتأمله كليهما بدهشة قطعها الشاب ضاحكاً : مالذي جرى لك لما أنت مبلل هكذا!

تأفف ضجراً ومتعباً أجاب : لقد بللت جدتي كل شيء وهي تصرخ....

قبل أن يكمل علا صوتها من جديد صارخة بذعر : حريق، أنقذوا ديانا ستلتهمها النيران !

صمت كليهما يستمعان بأسف لحالها بينما عاد الفتى للغرفة يحاول تهدئتها، التفت لأبنوسية الشعر يخاطبها برجاء : هلا ساعدتها رجاءاً باستبدال ملابسها، إنها مبللة.

_ بالطبع دع الامر لي، عن اذنكما اخرجا ريثما أنتهي.

_ شكراً جزيلاً لكِ، وآسف لاتعابكِ.

أمسكت العجوز بيدها بلهفة : ابنتي العزيزة ديانا أخيراً وجدتك أنتِ بخير.

_ أجل أمي لاتقلقي بشأني، دعينا نستبدل ملابسكِ قبل أن تصابي بالبرد.

التفتت للشابين مبتسمة تطمئنهما فبادلاها بنظرة ممتنة خرجا بعدها لغرفته حيث خلع سترته وأخذ منشفة يجفف شعره وجسده بينما نطق شقيقه متألماً لها : لقد ازدادت حالها سوءاً مذ توفي جدي، يالها من مسكينة.

ارتدى سترة ربيعية بلون البحر وهو يجيبه : محق، انها بحاجة للاهتمام أكثر من أي وقتٍ مضى.

_ ليست وحدها على مايبدو.

التفت له متسائلاً فاقترب منه الآخر مبتسماً وربت على كتفه بحنان : أنت أيضاً ديريك، لقد انطفأت بهجتك مذ توفي جدي، حقاً لم أحسب أنك ستتأثر لرحيله أكثر منا جميعاً.

أخفض طرفه بألمٍ وذكرياتهما معاً تمر سراعاً أمامه بكل مرارتها وجمالها في آن واحد.

_ كان قاسياً.. متعجرفاً وصلباً لايُقهر، لكنه الذي احتوانا حين تخلى عنا أبوينا، لقد جعل لكل شيء قيمة.

جلس على سريره فجلس لويس بجواره يستمع باهتمام يشاطره ذات الذكريات بحنين بينما أكمل رملي الشعر بابتسامة صغيرة : كنت إن طلبت منه شراء الحلوى لي يأمرني بتدليكه أو ازالة العشب الضار أو عمل أي شيء يصعب فعله، لذا.. كانت الحلوى حينها ثمينة ذات طعمٍ مميز لن يتكرر، كل شيء الآن حولي سهلٌ الحصول عليه،. لكن.. لاقيمة له.

وضع الأكبر يده على كف شقيقه مواسياً : لقد علمنا الكثير، كان من يقف بانتظارنا أمام باب المنزل كل يومٍ نستقبله حين نعود بعد يومٍ مدرسي متعب، لم يكن يستقبلنا بابتسامة أو احتضان ، لكن سعادته التي لم يبرع بإخفائها حينها كانت تشعرنا دوماً بالإنتماء والأمان.

أبحر كليهما بأسى لتلك الذكريات الغالية فرغم كون أبويهما لازالا على قيد الحياة، إلا أنهما شعرا باليتم الحقيقي لمن كان لهما الاثنين معاً.

تنهيدة مثقلة أطلقها ابن الخامسة عشر يحاول معها إقصاء ألمه مغيراً دفة الحديث :
لم تخبرني، هل أنهيتما تحضيرات الزفاف؟
_ من الجيد أنك ذكرتني، عدنا تواًِ من القاعة التي سنقيم الحفل فيها، إن لها حديقة مثالية جميلة وواسعة، لو ترى الزينة التي اخترناها كم هي جميلة.
_ واثق من هذا ، زويا ذات ذوق رفيع.

_ معك حق، إنها جميلة ورقيقة وعطوفة كذلك.

_ أتمنى لكما السعادة معاً، متى سيكون يوم الزفاف.

أخرج بطاقة من حقيبته وأعطاها له : الدعوة الأولى لأخي الحبيب.

بابتسامة باهتة تأملها : كم هي فاخرة، يبدو أنك أفرغت جيبك.

بضحكة أجابه : ولم يدخر المرأ ماله سوى لأجل هذا اليوم السعيد، لن يتكرر أليس كذلك.

أومأ له ايجاباً بفتور : ماذا لو لم أستطع القدوم، هل ستحزن؟

_ بربك! لن تفعلها ديريك، أنت أهم المدعوين، إنك عائلتي يا أخي.

أدار وجهه نحو ولمسة من الحزن غشته : ماذا عن جدتي؟ تعلم مايعنيه الزفاف لها، سيكون الأمر كارثياً إن حضرت، وإن لم تأتي فمع من سنبقيها وهي بهذه الحال؟

أيده بضيق وحيرة تسللت كيانه : محق بما تقول، ربما تعود آنيا وتُعنى بها، إن لم يحدث أتيتك بأخرى تحل محلها مؤقتاً.

_ تعرف كم هي صعبة جدتي، ومن بين الكثيرات لم تطمئن سوى لآنيا، أرجو أن تتماثل للشفاء سريعاً وتعود.

طُرق الباب وفُتح لتطل منه فيروزة العينين باسمة : عذراً لمقاطعتكما لكني والجدة نريد تناول الطعام قبل أن يبرد.

_ نحن قادمان عزيزتي، هيا ديريك لقد اشتريت أطباقاً شهية ستحبها.

_ حسناً، اسبقني سآتيكما بعد ثوان.

خرج كليهما يغلقان الباب خلفهما ليخلو بمشاعره المتعبة قليلاً، هي أيامٌ قلائل سيُترك بعدها وحيداً.

ذلك الزفاف المنتظر سيبعده عن شقيقه الذي قاسمه الألم والفرح، الضحك والبكاء، كل الذكريات التي خصتهما وحدهما وجديهما، سيتزوج وسيسافر بعيداً عنه، لن يستطيع لقائه سوى مرة كل عام، ذلك وحده كان كفيلاً بجعل انفاسه حبيسة صدره، مختنقة.. أسيرة تنتظر حرية صعبة المنال.



 
 توقيع : آدِيت~Edith

مواضيع : آدِيت~Edith


التعديل الأخير تم بواسطة شَمس. ; 09-14-2023 الساعة 11:13 AM

رد مع اقتباس