عرض مشاركة واحدة
قديم 04-30-2022, 03:09 AM   #3
AM.
https://www.anime-tooon.com/up/uploads/at165286508456371.png


الصورة الرمزية AM.
AM. غير متواجد حالياً

الماسي




CR
-



هيَ| أُكسجين المعدة وجروٌ صغير.

حدَث ذلك في صيفِ أحد الأيام، يومٌ مشمس أزرق وسعيد. كانَ يوم سعدِ الشمس حينَ قررت السماء احتضانها وحدها دونَ الغيوم، طفلةٌ أنانيّة سُرّت وتورّد خديها، وانتشرت ضحكاتها ليسمعها الجميع في مناطق عدة متفرّقة. شاركت السماءُ طفلتها الضحك بخفوت، فاتسّع صدرها وصار أشدّ زرقة، وانبساطًا.

فوق كرسّي عريض من خشبِ الواوا، يستقرّ صندوق كرتوني فارغٌ إلا من ورق زبدة ملطّخ ببقايا السكر والشوكولا. تتموّج الرياح بين حينٍ وآخر لتأخذ معها بعضًا من أوراق شجرٍ شديدة الخضرة، صاحبتها للضخامةِ أقرب، تقفُ على يمينِ الكرسي. منظرها وحده كافٍ للشعور بالأكسجين يتجدّد في الرئتين.

تلك حديقة، الجميعُ سعيدٌ بالفعل إلا من انزوت وحدها على جانب الطريق. تُحاصر بين يديها الأكسجين الخاصّ بالمعدة.. قطعة دونات كبيرة دافئة، مرشوشة بسُكّر يميلُ للخشونة، تُحكمُ القبض عليها وتلتهمها بشراهَة، تلك كانت آخر قطعة من أصلِ ستّ.. شهيّة المرأى وحلوةُ الطعمِ إلى مالا نهاية، رغم ذلك بِينا لم تكن سعيدة.

لحسنِ الحظّ أن متاجرَ صغيرةً تبيع أطعمة متنوعة اصطّفت على مَقربة. لذا سرعانَ ما ابتاعت ثلاث شطائر لحم ممتلئة، منظرها لا يُقاوم.. تفرّ أطراف الخس الأمريكي الأخضر من بين الخبزتين، وتسيلُ الجبنة دافئة من أسفلِ الشطيرة وصولًا إلى قاع الكيس الورقيّ، حتى تمرّغ ببقعِ الزيت. ذلك أنّ الدونات وحده كان ضئيلًا نسبةً إلى غضبها-وليس جوعها- فلم يُسكته، وبينما كانت تضغطُ عليها بكاملِ كفّيها وتقضمُ أجزاءَ كبيرة، عيونها كانت تدمَعُ..

لو كانت في وضعٍ آخر لقلتُ أن لذّة ماتأكل هي السبب، لكنّ ذاكرتها تجاهلت معنى اللّذة، وأولَت اهتمامها لشعورٍ أكثر بشاعة، خالجها أثناء موقفٍ حصلَ قبل سويعات، مُذ بدأت بتناول كلّ مالذّ وطابَ، إذ توقنُ أن الطّعام بطلًا.. لا يُصارع ألم العاطفة فحَسب بل ينتصر عليها!

ليسَ لأنه ضعيف القوى.. لكنها آمنت دائمًا أنّ لتخفيف ضغوط الحياة عدّة وسائل، من بينها الطعام.. فأكثر أخلّاء القلب قربًا وصدقًا.. المعدة، وبينهما حبلٌ متين يربطهما، فمتى ماهدأت هدأَ القلب برفقتها، ومتى ماباتَت سعيدة أصابت العدوى خليلتها.

غير أن ايمانها اهتزّ شيئًا قبل لحظات..

أما الهدايا فقد كانت وسيلةً أخرى لتهوين متاعِب اليوم، تحديدًا الورد، يربّت على القلوب بلطفٍ وإن كان غير قادرٍ على محوِ همّها بالكامل.. لكنه يترك لمسةً حنونة.
إلا أنها ليست أيّ قلوب، إنما قلّةٌ معينة، مَن يشابه فكرها وتبهجه أبسط الأمور، يدققّ في الجمال حوله ويستشعر كلّ الصغائر.
طيلةَ الأشهر التي ابتاعت له من محلّ فؤادها -الذي أزهرَ مُذ صار قربها-، ظنّت أنه يحمل واحدًا من تلك المقصودة.
الوصول لهذه النقطة جعل دموعها إلى الهطولِ أقرب، على وجنةٍ قمحيّة مائلة للسّمار كادت تنزلِق، فباتَت رؤياها مشوّشة حتى لم تعد تجدُ أصابعَ قدميها الملونّة بطلاءٍ زهريّ.. عشْرًا كَما المألوف.

تلك كانت حمراء مُخمليّة، ببراءتها الدائمة -التي تصل للسذاجة أحيانًا- مدّتها إليه، تُراجع في ذاكرتها ابتسامته وسعادته، وتطمع في رؤيتها كرّةً أخرى..

وماظنت يومًا أنها مزيفة!

صُدمت لما انتشلها ورمى بها بعيدًا بقسوة وكأنها قطعة خُردة، وتُركَت يداها عاريتانِ في الهواء، تتراخى أطرافهما ببطء.
لم يكتفِ برميها فحسب، كما لم تستقبل الصدمة يداها فقط، أذناها أيضًا فعلت.. حين زمجرَ عليها غاضبًا ناعتًا إيّاها بِ"آكلة الدونات"! ومؤكّدًا.. أنها طالما تهديه الورد فسيظلّ منزعجًا على الدّوام، ولا سواها مصدرُ ذاك الإزعاج!
غير تصريحه بأنه كانَ أحمقًا حتى يقبله في كلّ مرة..

لم تستطع حتى بلعَ غصّتها..

كيف تكونُ وردتها عبئًا عليه وهي مَن تراها بمكانة الدواء لبؤس المرء -وإن كانَ مؤقتًا-؟
هي كذلك، جميلة المَنظر، رقيقة، ناعمة الملمس، وعَطِرة الرائحة، غير أنّ من أُهديَت له لم يعرف ولم يقدّر قيمة ما أُهدى إليه.
ليس وكأنّ الهدايا بقيمتها الماديّة أو بمظهرها أصلًا! وإنما هي بمكانة مَن أهدى وعمقه في الفؤاد..
لكنّ الورود في نظر بِينا مُستثناة، مهما كان مُهدِيها فإنها لَتُسرّ به أشدّ السرور.
"هل لم تكن عميقةً في فؤاده أصلًا؟"

حينَ أشار بسبابته نحو المسكينة المُلقاة أرضًا في عجْز، وبضعة بتلات منها متناثرةً حولها..
لم ترَه بينا، قلبها فغَر فاهَه، تلاشَت جميع الحسابات في رأسها ومحاولات تفسير الموقف في آنٍ، تاركين الصداع يتولّى زمام الأمور.

قال: لا أحدَ قادرٌ على الاستمرار مع شخصٍ يؤذيه..

أذى؟ ماذا عَن أسلوبه الفظّ وجرحهِ لها؟
بسيطةٌ كما ذكرنا، تمضي بعفويّتها مُذ كانت طفلة، ليست مدللة، لكن أمرًا كهذا كان قوي الوقع على قلبها..
فجُلّ ما أرداته أن تُسعد القلب الذي تُحب.. فمابالُ الأمور آلت إلى هذا المآل؟

ثم انصرف..

حدّقت بِينا حيث كان يقف بأعينٍ زرقاء فاتحة، متوسّعة.. كما السماء، إلا في كونها من كلّ المشاعرِ اتّسعت ماخَلا السرور.
انشغلت بتداركِ أدمُعها حينَ رحل، والحفاظ على صلابة قلبها من الهَزل. أحنت رأسها، يحملُها كعبٌ أبيض أنيق، ويغطي جسدها فستانٌ صيفي بذات اللون بسيط التصميم، والرياح راقصَت بتأنٍّ تموّجات شعرها الطويل، الذي بدا لوهلة وكأنه مَصنوع من خلاصة الكراميل.

باتَ صدرها مختلجًا، ولم تقوَ حتى على السؤال..
"مالخطأ الذي ارتكبته؟"
لأنها مدركة بأنها لن تلقى الإجابة.

كادت تُنهي شطيرتها الأخيرة دونَ أن تشعر، بعينين غمرهما الدمع، لكلا السببين معًا. وحتى هذهِ اللحظة لم تحمل كُرهًا أو ضغينة ضدّه، سوى حينَ أفسَد عليها متعة طعامها، وكذلك هذا الأخير لم يخُنها يومًا مثلما فعل الآن.
المثلّجات كانت القرار التالي الأمثَل، أصدره القلب والمعدة معًا، فمن سواها قادرٌ على مدّهما بِطاقةٍ باردة وسعيدةٍ في آنٍ؟

سلبَ انتباهها صوتُ نباح، نباحُ جروٍ صغير.. يعلو تدريجيًا، التفتت يمينًا فبدَا لها من فصيلة المالطي، أبيضُ صافٍ، يحيطه شعرٌ كثيف ناعم وقصير، كأنه دميةٌ تسير، يهرول باتجاهها.
"ياه! زغبيٌّ جدًا! يبدو ككُتلة من حلوى القطن، أو ربما الخطميّ.. لو أنه فقط كان ورديّ".
وسطَ غَمرة أفكارها السيئة، فرضَت هذه العبارة نفسها، مثل نورٍ ما بدّد العُتمة.. فابتسَمت.
"هل اشتَمّ رائحة اللحم من شطيرتي؟"
تساءلت، ولو كان بشرًا لما قررت مشاركتُه وجبتها أبدًا.
أخرجت قطعة اللحم التي صارت أكثر من الربعِ بقليل، ومدّتها قربَ فمِ الجرو الصغير. استجابَ سريعًا وفغر فاهه، لكنها رفعتها لأعلى، فراحَ يقفز ويمدّ يديه القصيرتين يودّ لو يدركها..
ضحكت على مظهره باستمتاع، وبدت وكأنّ الضيق لم يطرق بابها منذ قليل.
التقط الجرو اللحم من يدها أخيرًا، ومَضى يمضغه بين أسنانه في لذّة، فكّرت بسَذاجة في الشبه بينهما حين غرقت قبل مجيئه في تناول الكثير من الأطعمة الشهيّة..
أطبقَت رموشها السوداء بعضها فوق بعضٍ للحظة، وأصدرت ابتسامتها صوتًا، ثمّ أسندت ذقنها على كفها وراحت تحدق به.
ما إن أنهاها حتى صارَ مقابلها، يهزّ ذيله وينبح طلبًا في المزيد. استشعرت نعومة كفّيه الشديدة على ركبتيها بينما ينسدل حاجبيها بحزنٍ مُخاطبة:
"لو أنك بكّرت في قدومك لنِلتَ أكثر مما نلت، أيها الصغير الزغبي"

هزّت سبابّتها وعقبّت:
"أنا لا أنتظر أحدًا عندما آكل لذا إن كنتَ آتٍ فلتُعجّل، حتى تبقى حصتك و لا تؤكل".
للتوّ أبصرت أمرًا، الطعام أشغلها عن رؤيته، طوق بنيّ يتلف حولَ عنقه، متصلًّا بحبل طويلٍ في آخره عقدة مفرّغة.
داعَبت خدّيه برفق فانتفخت وجنتاه ونبحَ بسعادة، أمالت رأسها شيئًا ثم سألت:
-"هل أنتَ ضائع؟"
-"أنتِ!"

فَزعت وشهقت بلطفٍ في آنِ، واستدارت بنصف جسدها تلقائيًا نحو مصدر الصوت، الذي ظهرَ من خلفِها بغتة. ورأت هناك.. شعرٌ طويل يصلُ للكتف وجزءٌ منه مربوطٌ في الأعلى على شكل كعكة، يميلُ للأشقر، عينان ناعستان عسليّتان، ونظرةٌ دافئة..
وبدَت تلك الملامح..
مألوفة لديها.




~
هذا الفصل نِتاج تحدٍّ من صديقتي: أن نكتب قصة أو نصًّا يبدأ من حَدَث: "شخصٌ يُلقي بوردة حمراء في وجهِ آخر"
وعزمتُ على جعلها رواية قصيرة مكوّنة من ثلاث فصول، "هي، هو، هما" ندعو الله أن يمدّنا بالوقت والصحة والإلهام لفعل ذلك'):


 
 توقيع : AM.


اللهم صلّ وسلم وبارك على مُحمد.
دافئ جدًا: مَعرضي~


التعديل الأخير تم بواسطة آرمين ; 07-05-2022 الساعة 12:52 AM

رد مع اقتباس