عرض مشاركة واحدة
قديم 07-02-2022, 07:12 AM   #4
AM.
https://www.anime-tooon.com/up/uploads/at165286508456371.png


الصورة الرمزية AM.
AM. غير متواجد حالياً

الماسي




CR

(1)
حتى ذلك المساء، كلّ شيء كان يسير على حاله. السماء رمادية راكدة، البرد يلتصق بالسطوح وأعمدة الإشارات، وبكل مَعدنٍ يصادفه، القطط تموءُ أو تتشاجر بالجوار، وكذلك هوَ، يدلفُ إلى متجر البقالة، بعد أن دفعَ بابها الزجاجي عبر المقبض، في الساعة الحادية عشرَة من مساء يوم الخميس، كما يجب أن يفعل تمامًا.

لفحتهُ برودة الثلاجات، حين اقترب ليأخذ عدّة علب من الكولا بشكلٍ عشوائي، يُلقي بها فتصطدم بقناني الماء داخل الكيس، ثمّ علب اللحم المفروم الطازج -الأهمّ- وخمس حبّات طماطم، ومثلها حبات الفلفل البارد، كيس طحين ومواد غذائية أخرى، يتساقطون واحدًا تلوَ الأخر. يثقل الكيس حتى تظن أنه يكاد يتمزّق لكنه يأبى أن يجلبَ غيره، ولحسنِ حظه أنّ لا أحد من العاملين بالجوار، وإلا لألحّ عليه مثل ذبابةٍ مزعجة تطنّ باستمرار، أن يوزّع الثقل -لراحته- على كيسين.

يضع الكيس على رفّ المحاسبة، ينتظرُ بنفاذ صبر المُحاسب اليافع ليوقف المُكالمة ويبدِ اهتمامًا أكبر لوجوده "ويرى شُغله". تتتابع ضحكاته فيتحامل على نفسه محاولًا كتم غيظه، لئلا ينفجر سيلُ الشتائم والتوبيخات الراكنة على طرفِ فمه. ليس وكأنها المرة الأولى له، فقد احترفَ الصمت من مدة. دفعَ ماعليه وتراجع في نفسه عن رفع شكوى ضدّه ثم خرَج.

تستقبله قطةٌ ضالّة حالَ خروجه، تموءُ وتداعبُ ساقه بسعادة، يميل فمه ببسمةٍ مرغمًا، ينحني حتى يلاطفها، ولما اقتربت لتشمّ رائحة اللحم.. أبعد الكيس بسرعةٍ ناحية الجهة الأخرى، ونهرها: "هيه..هيه، هذا عشائي، بالكاد يكفيني!" ورغم أنه قال ماقاله.. ففي ذات الليلة وعند رجوعه لمنزله ستكون القطة على مقربة من المدخل تلتهم بعضًا منه بنهم.

أما الآخر فربما قد تفنّن في تحويله إلى "لحم بعجين" (وجبة تركيّة)، فغيرَ أنه كان مُحاضرًا في جامعة مرموقة، كان كذلك يحملُ شيئًا من هذه المهارات، وفي حين تمرّ هذه الأيام عصيبةً عليه، كان الطعام وحدهُ القادر على انتشاله من هذا السوء، لاسيما إن تشاركَت معه قطةٌ من الخارج.
وعلى ذكرِ السوء، تدلّى إشعار رسالة واتس بينما كان جالسًا يتناول طعامه ويتصفّح الهاتف، -الذي وبالمناسبة لم يتوقّف عن الاهتزاز داخل جيْبه منذ خروجه من الجامعة حتى اللحظة-، ورغم أنه كان واحدًا من مئات الرسائل التي يمتلئ بها هاتفه، إلا أنها الوحيدة التي جعلته يتنهّد ملء صدره.

حينَ أراد تجاهل الرسالة ودفْعها للأعلى، وصلتُه أخرى من ذات المرسل وغدره إصبعه ووجد نفسه بداخل المحادثة. احتقن وجهه وضغط على جفنيه بسبابّته وإبهامه، ثم نظر إلى فَحواها، وقد كان يتوقعه تمامًا.

-"عزيزي،
هل أنت متفرّغ؟
مارأيك أن نتناول العشاء معًا؟"

ثلاث رسائل كل واحدة على حِدى، تكررت أمثالها على مدارِ ثلاثة أشهر، إنها صبورةٌ كفاية حتى تتحمّل تجاهله كل هذه المدة. إنما.. ماذنبُ هذه المسكينة؟ إنها إحدى طالباته، على وشك التخرج هذا العام، وهو الأستاذ الوسيم الذي وقعت في محبّته كثيرات، وتأتيه رسائلُ عديدة منهنّ كل يوم، فكيف لاتكون إيف.. الشقراء ذات الأعين الزرقاء، والبشرة الحليبيّة المتوردة، ولاننسى التفصيل الأهم، ابنةُ مدير الجامعة، واحدةً منهنّ؟ قصة اعتيادية مُبتذلة سمعناها مرارًا صحيح؟ وبالطبعِ لأنها لطيفة التعامل -وربما لايكون تفصيلًا مهمًّا حقيقةً مادامت ابنة مدير الجامعة- فقد كانت خطيبة مثاليّة!
لكن ليست بالنسبة له، فلنقُل أنّ القصة قد كُتبت من وراءِ الستار دون أن يحضر البطل..ربما مثلَ العديد من الأشياء في حياته. لم يكن ذو الأصل المعروف، ولم تشتهر عائلته بالثراء، لكنهم -الأم والجدة- حلموا بمستوى معيشيّ أفضل، ولما كان الحفيد الوحيد في تلك العائلة، تعلقّت آمالهم على عنقه، ولأنه أجادَ الصمت، وتحلّى بالشجاعة -كما كان يراها وقتها- عزم على تحقيقها لهم، اجتهد ودرسَ تخصصًّا صعبًا، ثم بحث عن وظيفة لمدة خمس سنوات، حتى قُبِل في السنة السادسة، وصار من أهم المحاضرين في تلك الجامعة، وحتى هذه اللحظة، لم يعيَ أنّ كل ما فعله لم يكن من أجله، بل سعيًا في تحقيق مطالب الآخرين، ولم يكن الأمر سيئًا حقيقةً، بل كان شيءٌ من الزهو يعتمر قلبه، حينَ يرى السعادة تزين ملامحهما، ذلك لحينَ علم بأمرِ خطوبته الغيابيّ.

هنا، وفي هذه اللحظة، قرّر أنه سيقرر. لن يسمح لجدّته أن تتحكم في حياته لهذا الحد، فضّل أن يفكر بأن للفتاةِ خُلقًا دَمِثًا ومظهرًا حسنًا، وهذا ما أصرت لأجله جدته على تزويجه، على أن يعلّل ذلك الإصرار بأنه طمعٌ في أموال أبيها.

-"آسف،
تناولت العشاء لتوّي، ربما في وقتٍ لاحق، أنا مرهقٌ الآن"

تبدو كلمات قليلة بالنسبة إليه، لكنها كانت جافّة، ورغم قلّتها قاسية، كان جزءٌ في داخله يعلم هذا، حتى أنه لما أرسلها شعر بشيءٍ من الضيق يعتلي صدره، ولطالما ردّد في نفسه أن إيف لاتستحق، لكن ماعساهُ يفعل؟
هذا السؤال الذي تردد مرارًا في عقله، ومؤخرًا بالذات.

ورغم أنهما خطيبانٍ رسميّان، والجامعة كلها على دراية، إلا أن إيف كانت، ولحسنِ حظه، خلوقةً كفاية حتى لا تُداهم منزله آخر اليوم، أو حتى أولّه، لتقوم بالدور الذي تقوم بهِ جميع البنات مثلها، توقظه نهارًا وتطهو له وتغسِلُ ثيابه، وربما تدندنُ له أغاني الحب قبل أن ينام.
لكنها كانت تحبه حقًا، عَلِم ذلك، درّسها لمدة أربع سنوات، وتلك مدة كافية حتى يعلم. لم تكن مثلهنّ، كان بها شيئًا مختلفًا، وبعيدًا عن السبب الرئيسي، الذي يعلمه الجميع ولا يتحدث عنه -المال-، فقد حاولت بحقّ أن يحبها، من قبل حتى أن تتمّ الخطوبة، ولم تكُن غثيثة في محاولاتها.
لكنه فقط، لم يقدر، ومؤخرًا، صار يشعر أنّ شيئًا مابقلبه فارغ، وأنه مجوّف من الداخل، إحساسٌ وكأن هناك شيءٌ يفتقده ولا يدري ماهوَ.

~
للحق، هذا ليسَ دافئًا!
كُتِب هذا الجزء من أجل مسابقة، لكنني لم أستطع أن أستوفي الشروط، ولذلك انسحبت..
لكن على كلٍّ، ممتنة لإعطائي هذا الإلهام..
متشوّقة لباقي الأحداث أتمنى لو يستطيع أحدٌ إكمالها عني*_*




 
 توقيع : AM.


اللهم صلّ وسلم وبارك على مُحمد.
دافئ جدًا: مَعرضي~


التعديل الأخير تم بواسطة آرمين ; 07-05-2022 الساعة 12:52 AM

رد مع اقتباس