الموضوع: إنسلاخُ الروحِ
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-13-2020, 10:07 PM   #6
شَفَق.
عضو مُميز


الصورة الرمزية شَفَق.
شَفَق. غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 57
 تاريخ التسجيل :  Feb 2020
 المشاركات : 25,589 [ + ]
 التقييم :  63932
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Lightgrey
شكراً: 6
تم شكره 22 مرة في 19 مشاركة

مشاهدة أوسمتي

الذهبي













Y a g i m a



وخلفهما قد لمح..
لمح مغزولة الشمس معطية ظهرها بينما تغادر. .
" إ..إنتظري! "
طغى صوته على المكان وهو يصرخ، الأن الجميع يحدق به.
وفي تارة يحدقون نحو الباب.
لا شيء.. أصابه الذهول والإرباك من مغادرتها دون أن تلتفت ناحيته.
هل تمزح ام ماذا؟!

أنتبه لنظرات الجميع المكسوة بالشفقة ناحيته،حسناً بإستثناء أحدهم.. إنه الأشقر بالطبع.
إقتربت رين ناحية أخيها لتمسد شعره بحنو قائلة
" هل أنتَ بخير "
" أظنها صدمة. "
أجاب بدلا عنه ذو المعطف الأبيض ولربما لو أجاب بنفسه لقال
" لا لستُ بخير، دعينا نخرجُ من هذا الجحيم. "
ه
اج ايفان محاولاً القيام إلا أن جسده خذله.
قال الطبيب بينما يساعده على الإستلقاء

" لا بأس ايفان، إسترح الأن "
كانت فقط لحظة سكون.. رمق أشقر الشعر ايفان بحدة
.
" سأحرص على أن تدفع الثمن! "
ألقى تصريحه بينما يغادر الغرفة ويتبعه ممرض.
ايفان لم يقوى عن النظر إليه، كان يضغط يداه وشعور سحيق يختلجه.
لا يجرؤ حتى أن يتأسف، يشعر بمعدته تؤلمه.. يرغب بتفريغها.
إنتبهت أخته لتعابير عدم الراحة فيه، لربما لو كان قادراً على التحرك بحرية لدفن رأسه في جذعه.. لذا الطريقة الثانية للتهرب هي بالبحلقة في السقف الأبيض.
حدق فيه فترة حتى شعر بخصلات شعر ليليكي تتدلى من فوقه.
كانت رين تنظر له رأسيا، حتى تجمع شعرها على جانب عنقها، وقد أخفاها عن الجدار الرابع.
إلا أن أخيها قد لمح إبتسامتها المطمئنة

همست بحنو بينما تغطي عيناه براحة يدها البيضاء.
- أنت أخطأت، ومؤكد أنه لو أستطعت العودة لقمت بفعل مغاير.
يعني أنكَ نادم، لا تبتئس.
إنه قضاء، أنه قدر.


ـــــ
من كان يتوقع أن تموت الحياة، أن تبقى حبيسة صندوق أبيض.
أدرينا هي الحياة، إن الأمر يبدو وكأن ذوي الملابس السوداء موت وهي الحياة!
سهلة.

" سيد فولكس إنني آسف..
فلورنسا قد فقدت للتو زنبقة بيضاء. "
إكتفى السيد فولكس بالإبتسام، تأمل مقصد الرجل " فلورنسا" هو إسم زوجته.
إلا أنه يدرك أن شعور الفقد ليس مجرد فقدان زوجته لزنبقة، بل مدينة الزنابق قد فقدت إبنته، المدينة بأسرها.
وعلى غراره لم تجتهد زوجته في الصمود، فهاهي بين نسوة يرتدين الأسود تصرخ وتبكي بحرقة.
تنادي " أندرو.. أعيدوا لي أندرينا " بقلب محترق وعينان ملتهبة.
كانت تضع رأسها بين يديها، وشعرها المبعثر بأكمله يغطي وجهها.
إنها حياة وضيعة طاعنة في الظهر.

" أين أندرينا؟!
لابد وأنها تأكل الجيلاتو وحدها.. "
زمجرت بكلمات مجهدة وهي تتقدم ناحية إبنها فولكس ببطء.. راقبها الجميع. صاحبة الجسد الممتليء قليلا وقصيرة القامة، لربما هي في عقدها السادس.
هي جدة من ذلك النوع الذي يتحدث كثيراً وينسى كثيراً، فهذه المرة الخامسة التي تسأل فيها عن أندرينا.
لذا فقد كانت نوع آخر من الألم، لم يدرك أحد إن كانت تحت تأثير الصدمة او أنه الزهايمر الذي تعاني منه.
وإن كان الخيار الثاني..، فهي محظوظة.
الحظ بحتضن اولئك الذين ينسون الألم، محسدون هم.
"تعالي معي.. "
حادثها برفق ذا الخصلات الشقراء، إنه هنا كبركان خامد مقارنة بما حدث بالمستشفى.
كان يمسك بيد جدته ويده الأخرة دعامة لظهرها.
بدت بارزة لأنها الوحيدة التي لم تخضع لقانون إرتداء السواد كالبقية، بدت بملابس مريحة كتنورة طويلة ومعطف صوفي يغطي بلوزتها.
لم تمانع الذهاب معه، أخذها برفق ناحية غرفتها في الأعلى.
تخطى الدرجات معها ليصل إلى ممر صغيرة يحوي بابان متقابلان.
الباب ذو الملصقات الغريبة كان يخص غرفة ادرينا. وهي نفسها الغرفة التي تخص الجدة.
اما الباب المقابل فقد كان مكتوب على علّاقة به " لا تدخلي! "، كان قد وضعها هو بسبب إنعدام إحترام الخصوصية لدى أخته.
فجأة تذكر إبتسامتها وحيويتها، شعر بغصة ليدخل جدته لغرفته هو.. أغلق الباب بهدوء وكأنه يغلق عليهما بعيداً عن الخارج.
متي سيفهم المتعازون أنهم لا يساعدون، أنهم يضعون على الجرح ملح.
لا نريد عبارات منمقة، مكررة، لا نريد إحتضان.
نرغب بالبقاء في صمت نستحضر أطياف من نحب ونفقد.

دفن رأسه على كتف جدته دون أن ينبس بحرف.

" الأمر ليس مجرد أن أختك تناولت حصتك صحيح.. ؟ "
رفعت ببصرها للسقف، لترتسم إبتسامة تخفي بعض تجاعيدها.
بينما هو فضّل أن لا يجيب، او ربما عجز عن ذلك.
رغب بأن يختبيء داخلها لأنه سئم من عِبارات العزاء..
أردفت هامسة

" لقد كنتَ تبكي على كتفي وأندرينا تبكي على ظهري أتذكُر .. "
لم يشغل باله عن كيفية تذكرها لشيء كهذا وهي مريضة زهايمر، إلا أنها كانت غريبة هكذا دائما.
همس بأمنية يعلم صعوبتها

" ليتها هنا. "
" إنها على ظهري فيتال عزيزي.. "

بدت كأنها تنتظر منه أن يرفع رأسه ليراها،وقد فعل بأمل مزيف لم يكن يتوقع شيئاً، وكان كذلك.
إعتاد على هلوسات جدته عنهما.
فمرة كان يبحث عن أخته ليعاقبها وقتها أخبرته أنها في الثلاجة!
وبالطبع لن ينسى لحظات عودتها للماضي وتقسم أن والدته لم تتزوج إبنها بعد.
أخرج تنهيدة ثقيلة ليشرع بالخروج.. راقبته ذات الشعر الرمادي المنعقد كالكعكة. وحتى لحظة إغلاقه للباب لم تخبو إبتسامتها قط
وفي طيّ الظلام همست بصوت حنون.

" عزيزتي أندريا ألم يحن الوقت لتصالحي أخيكِ؟"
لم يكن هناك رد، ولكن إن نظرت جيداً لرأيتها..
مغزولة الشمس تتشبث بقوة على ظهر العجوز، وقد بللت معطفها بالدموع التي أحرقت عيناها. تبكي بصمت بينما تخبئ وجهها في ظهر جدتها.

ــــ
كان مستلقياً على سريره بينما يراقب السقف بشرود، يشتم في داخله الدعامة الغبية .
تمردت تلك الذكرى مجدداً، سقط هو وماتت هي.
ردد في نفسه
إنه قضاء.. إنه قدر
تذكرها وهي تمر بقرب غرفته صباح اليوم، صك على أسنانه دون أن يعيّ شيئاً
مسد عيناه بيده بسبب الصداع، حتماً ليس بشعور جيّد أن تكون سبب موت أحدهم.
أحس بالعطش متزامناً مع دخول أخته مع زجاجة ماء.
بحلق في الزجاجة بينما كانت أخته تخلع معطف قهوائي رقيق وفي أسفله بلوزة بيضاء عادية.
شده تعابير وجهها المكفهر ليتساءل عن السبب.
أجابت بتوجس بينما تفرك يداها

- تعرضت لإستجواب مزعج من شرطي متحاذق، وقد قال بأنه سيأتي لزيارتك.
لم يبدي أي تفاجؤ، راح يتأمل زجاجة الماء وقد أنعكست بداخلها نجوم السماء من النافذة ورائه. وكأن الكون بآسره داخل قنينة.

- إسمع، عليك الحذر معه، إنه لعوب.
- أذلِك بسببها؟

فهمت قصده لتقول
- ستكون تحت مسمى القتل غير المتعمد.
أردفت بجدية وقد جلست بقربه
ـ مسألة إنتحارك ليست أقل خطراً ايفان.
" أتفِق معكِ عزيزتي "

صعقها ذلك الصوت الذي ولج للتو، كان ذلك الشرطي واقفاً هناك وبين شفتيه سيجارة.
أعتذر بلا إعتذار ليطفئها علي الحائط السماوي.
نهضت رين من على السرير وقد بدت تعابير الإنزعاج علي وجهها من أرجواني الشعر.
أستئذنها الشرطي لتغادر معللاً أنه يحتاج أن يتحدث مع ايفان على أنفراد.
أمسكت بمعطفها القهوائي وحقيبة يد سوداء لتغادر مكرهة.
راقبها ايفان حتى خرجت،ثم حوّل نظره ناحية من سمح لنفسه بالجلوس.
إبتسم الشرطي ليكرر ما قاله قبل قليل، إكتفى إيفان بالإيماء.

- يبدو أن الحياة تحبك.
علق مبتدئاً الحديث.. ليجيبه إيفان.
- ليس بشعور متبادل..
راقبه الشرطي يحدق بيديه بفراغ، إنها في علم النفس إشارة بمعنى عدم الرغبة بالحديث.. أو التوتر.
أرجع دفة الحديث مجدداً ولكن بصورة أكثر رسمية، كان يراقب مذكرته ليقول
ـ إيفان ماغرين.

أطلق همهمة ليوجه نظره نحوه مردفاً
ـ رين مورانو؟ ألستم أخوة ؟
أجاب ايفان موضحاً بإختصار.
- أخوة لأم.
أطلق الشرطي نظرة تفهم،ثم خلع نظاراته ذات الحواف الرقيقة لدرجة أن إيفان لم يلحظها، إبتسم بخبث وقد تغيّرت الأجواء هنا.


ـ سأكون صريحاً معك، ربما ستشفى إصاباتك وأنت بالسجن.




 
 توقيع : شَفَق.



أركض وأسقط، وأتحمل ألماً لا يذهب..

التعديل الأخير تم بواسطة شَفَق. ; 05-15-2020 الساعة 06:43 PM

رد مع اقتباس