الموضوع: بَنِي الحِمْر
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-27-2020, 04:16 AM   #3
Ren‏
عضو جاد
عِزْرَائِيلُ
عضو مقاوم


الصورة الرمزية Ren
Ren غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 605
 تاريخ التسجيل :  Jun 2020
 المشاركات : 246 [ + ]
 التقييم :  467
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Crimson
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة


مختلف عن بقية الليالي , تلك الليلة تعكسني بدلًا ان يرشد ضوئها قلبي الي ميناء يرسو به , فهو يفقده في بحر هدمت فنارته.
سهوُا عن غيري , لاحقني القمر ليلُا , وانا بدوري كمغفل عن طبيعة ما حولي , ظننته يحبني!
كانت عيناي تحب التركيز في الظلمة كي تبدأ ترى العتمة , لكني أقسم قسمُا أني كنت ارى شيء ما يجول طوفا في العتمة.
وان سهوت لمرة عن التحديق . لأختفي,
وسهوًا عن غيري ظننت انني ملاحق , لم اعرف ان تلك تنتمي الي كتاب أوهام عقلي لتعظيم شخصي..
يا مأساه , كم كنت شيطانًا لا افرق عن غيري ظنًا!
_________________________

- ضرغام؟ ضرغام
تثاقلت برأسي قبل ان أدرك . ارمشت مشيرًا لصحوي
- ركيك..
- انت حقًا من النوع الممل ذو احلام اليقظة , اليس كذلك ضرغام..
- اليس الحلم شيء لطيف؟
- الحلم ؟ بحقك, انت هو اللطيف..


" واللطف غير مقبول هنا "
لن انكر اني توقعت سماع هذا , انه ركيك على اية حال انه مثلهم..انه منهم..بالواقع , انا فقط المختلف , لكن ما المشكلة؟ كيف بدأ هذا؟ أأكون متطرفًا وسط قومي ان شككت بفكرهم ! ام اتبع فكري واكون خائنًا .. ام أسير خلفهم كصف من الدواجن الذي يذهب لحتفه بسيقانه القصيرة بنفسه عمدًا ..

- بحقك يا ضرغام , لا ترمقني تلك النظرة , أنت كنت أكثر الشياطين شيطانية في الصغر, ألا تتذكر حقًا ؟! اتذكر جيدا بدوري... أتذكر " مساء " ؟ لقد كانت معجبة بك حينها يارجل , لا أصدق انك اضيعت مساء من بين يديك لأجل حبس نفسك بغرفتك!

- انا حقًا لست أمر بالفترة التي تتيح لي التحدث بهذا الشأن الأن يا ركيك..

- لست تمر بها؟! انت لا تمر بأي شيء يا ضرغام , انت ثابت في مكانك منذ تلك النقطة البيضاء بحياتك , ماذا حدث يا رجل , ماذا وقع بك ؟

- انا بخير .

- هذا هو مسقط المشكلة يا ضرغام ! أنت بخير ,لكن هل أنت كذلك حقًا ؟ , لقد حكمتَ على لونك بالبياض أما و هو أحمر يا ضرغام ! , انت كنت طفل الجحيم , الشيطان الأخبث بيننا , كان والداك فخوران بك جدا , رأى بك الكل نظرة حمراء لمستقبل اسود , لكن حقًا يا ضرغام .. لا أظن انك تنتمي لـــديستوبيا حقًا .

لم أستطع ايقاف ركيك عن حديثه , لم أستطع مقاطعته , لم استطع مجاراته ... لطالما راى ركيك ما بداخلي , ربما يكون شيطانًا ملعونًا كالباقي هنا... إلا انه اقلهم شيطانية واكثرهم خبثًا .

__________________________

عشت ملعونًا كسائركم في صغري , رغم اني فكرت بغيري مخالفكم .
رأيت القمر يرسل لي إشارات بسوء حاله لونه احمر كلون بشرتي , كلون قومي
بعدما كان يلمع متوهجًا بنقاوة الأبيض الا أنه يتوهج بشيطانية الأحمر .
أرمق له بحقد سواد عيناي الملعونتان بحمرة الجفن وما بالقمر نافعًا سوى بالتحديق إلي.
وكيف لا يفعل ؟ أما بي أحاسبه وأنا اقطن في لوحة لا أنتمي لها لونًا ؟!
______________________

عبر ضرغام عن آساه , حيث كبَّر مُخالفُا لقومه , فكر بروقه الخاص , طاف بعيدًا ,
حتى بدأ يلوم القمر على تغيير لونه الي الأحمر بعدما كان ابيضًا , فهو يمقت الأحمر !
بدأ بمحاكمة القمر و توجيه الإتهامات له لتغيير لونه ,
أما به نفسه يُفضل لونًا لا ينتمي له !

- أخبرني يا ركيك .. في كل اللوحات الفنية يتناسق الأحمر مع الأبيض لونًا , لما هنا نمقت الأبيض ؟
- لأننا لسنا فنًا يا ضرغام , أنت لست لوحة , وأنا لست فرشاة ما .. نحن في الجحيم يا ضرغام
لقد أغلقت عيناك , و عِشت في عالم من نسيج خيالك وعندما أستيقظت من حلمك ..
فوجئت أننا لم نكن نحلم معك .

..

إستأذن ضرغام -- والذي أزعج ركيك , ففي العادة لرحل أي شيطان دون إنذار ..


- آه يا ضرغام .. ماذا أفعل معك ؟ أأقتلك ؟ أم احبسك في غرفة لأعذبك ؟ أسيرجعك هذا لصوابك ؟ أم أنه سيزيد من عصيانك أكثر ؟ هل تسألنا للموت ؟ أم تطلب مني الرأفة ؟
و إن كان , فأنا يا ضرغام الشيطان الوحيد الذي قد يمدك بالرأفة .

..

أأنا مخطيء يا قمري ؟
أما ليل لي من نهار ؟
أبقيت رمادًا في حريق .. أم هل أنا هو البناية ؟ أأعيش لنفسي؟ أكان لوني مًقدرًا عليه الدماء ؟
..
تنهد ضرغامًا متثاقلًا , مشيته غير متناسقة .. عيناه مُتعبتان , لكنه لم يبذل أي مجهود يذكر .
يُمكنك أن ترى هالاته السودواية ألتي لا تجعل مظهره الشيطاني أكثر لطفًا ..
لكنه قد نام اليوم بأكمله .
قد تشعر بأن أنفاسه تحمل تعبًا وصعوبة في التنفس أو المجاراة مع حركة جسده المُتخشبة .
لكنه لا يدخن .
يبدو كأنه يشعر بالبرد ..
لكنه يرتدي معطفًا .
بإمكانك الأحساس بهالته السوداء .. عيناه الساقمة التي تسخطك رًعبًا إن فكرت في التحديق إليها طويلًا .

_________________________

أخبرني يا من تسكن قلبي أروحي لا زالت معك ؟
أمهجي هناك أم هجرني ؟ ألا زال يتوهج لي ؟
أما بي فاعلًا يا ساكن قلبي ؟
أأركض وراء مُهجي يائسًا ؟ لكني لا أعرف الطيران !
أخبرني , أخبرني يا ساكن قلبي ! ألا تملك نفسي لي حبًا ؟!
أتركتني روحي متعفنًا ظنًا منها أن القمر أبيض ؟
آه يا ساكن قلبي أيتوهج القمر ابيضًا ؟
_________________________

أكمل ضرغام العابس مشيه , أما بسيقانه تتحرك كأنه يحمل ثقلًا من ألف حجر على عاتق كتفه وحسب ,
عيناه تتجول في عالم أخر لا تطأه قدماه .. ألا به مصدومًا , فهو عالمه !
تتحرك عيناه بمحاولة يائسة باحثة عما قد يريحها ,
أما بها تجد شيئا سوى العذاب ؟
سرقة . نهب .
بكاء و صراخ أطفال إلي ضحك كبار .
حريق مُعتمد , إعتداءات جسدية ..
كل شيء مسموح به , كل شيء مُمكن .
إنه مًحبب .
اللون الأحمر ,
الدماء ,
الطعن ,
الألم .

إنه مُحبب .

انه العاصي في أعينهم ,
أذن لماذا لا ترى عيناه سوى سوء اللون الأحمر ؟!
أهو ملعون بلعنة ما ؟ أما به يرى شيئًا لا يرونه ؟
أم , أيرى غيره شيئا هو لا يراه .. ؟
..
ٌ×ٌ

..
إلا و إذ بعينا ضرغام تقعان على مشهدٍ , تمنى إن كان خياله او عقله يبالغ ليرعبه .. كما أصبح وجوده يرعبه !
إلا انه كان مخطئًا , إنه حقيقي
ما يراه يحدث بالفعل ,
رجل --- أم أقول شاب ؟
شيطان في أواخر العشرينات, وقد كان أسمه سائل يمسك بسكين يلوح به أمام طفل شيطان , لا يتعدى الست سنوات ..
لا أحد يتدخل , لا أحد يريد ... بل أنهم قد يشجعون هذا الحدث .
إنها الحقيقة التي غابت عيون ضرغام عنها الي أكثر من عشر سنوات ,
هذه هي ديستوبيا .
هنا يعيش .
أيسكت ؟ أينظر الي الأرض مطاطئًا و يُكمل مسيرته المأساوية ؟
أيبحث عن طريقة للسفر الي القمر ؟
لكن ..
أليس القمر معتمًا حقًا ؟

صحيح .. القمر مًعتم .
إنه ليس ابيض , وليس احمر اللون..
إنه كما نراه وحسب .

لم يدرك ضرغامًا نفسه إلا وهو مُمسك بذراع الشيطان العشريني , أما به فاعل؟
أيعصي رغبة قومه ؟ أيترك ما عُلم عليه , أم أهو يطلب إنتحارًا ؟
إنه غير مسلح , ليس ضرغام بمحترف قتال ايضًا ..
أربما , هو يبحث عن طريقه للقمر ؟

- أنت .. هل الأطفال هم أقصى دماء قد تسفكها؟

حدج به ضرغام , مُتعاليًا مهددًا ,
كان ضرغام أطول من العشريني , بل و حمًل عينان ساخطتان تُعلن عليك بالغضب و إن لم يحاول ,
كان يُمسك ضرغام بساعده , و إشتد بمسكته على أوردته ليسد الدم في مكانه قليلًا ..

نظر إليه العشريني في سخط و غضب , عيناه كانت ذهبيتان تلمعان .. أليس هذا إضاعة الي لون مثالي كهذا .. ؟
ان يكون لشخص كهذا .. أليس الذهبي , تكريمًا كبيرًا ؟
قد يفعل ضرغام اي شيء كي يترك الأسود ..
وهذا يملك الذهبي , ولا يزال يلوح بسكينه إلي طفل لا حول له ولا قوة ؟!
إشتد مقبض ضرغام على الرجل , الذي بدوره صرخ فيه قائلا .

- وما بك فاعلًا ؟! هل انت بطل ما ؟

بطل .. ؟
وإن لم تكونوا على علم بعد ..
بطل هي أحد أكبر ألأهانات في ديستوبيا .

- آه ... لا .
انا لست بطلًا ابدًا .

ولم يكن بمقدورة الشاب الرد إلا و بقبضة ضرغام كاملة تصنع حفرة في فكه -
و مع ذلك , لا زالت تعابير ضرغام ميتة .. ميتة كأي وقت أخر .
ربما ميتة أكثر من أي وقت أخر .
لم يكتفي , بل شد العشريني من ذراعه الذي أحكم عليه مًسبقًا , لكي يسد طريقه في العودة بساقه في معدة العشريني ,

- فأن كان مكتوبًا لي .. فأنا افضل أن أقتلك على أن اراك تقتل طفلًا .

تأزم العشريني في مكانه , مطاطئًا رأسه الي الأرض -- مصدرًا رأسه الي الأمام , متكئًا على يداه حاملًا مكان معدته من ألم ر فسة رجل ضرغام , أما ضرغام فأخلاقيًا تركه يتنفس ..
او بالأصح , يلهث بحثًا عن أنفاسه .
إستغل ضرغام تلك الثوانِ المعدودة للتراجع خطوتين الي الطفل المنشود ,

- إذهب , لن يكون الأمر جيدًا إن بقيت هنا , قد يصيبك هذا الكابوس أكثر من اللازم .

- أذهب ؟! ومن أنت كي تآمرني بالذهاب ؟! كنت سأتدبر أمري أفضل مما قد يفعل اي شخص ! أظننتي, انا , قعر , بحاجة الي مساعدة منك ؟!

كبرياء بني الحمر .. تفهم ضرغام الأمر , فهو أمر يشاركونه جميعًا ..

- إن لم تذهب , قد أضطر لفعل شيء أسوأ من القتل .

تسمر الطفل مكانه خوفًا من رمقة ضرغام له ..

- قد أضطر الي إنقاذك .

..
نعم .
نعم , وماذا ظننتم ؟
أوليس الأسوا من القتل هو الأنقاذ في ديستوبيا ؟
الخطيئة الكبرى .. العصيان الساقط .

..

- أنا .. لم أحتج الي إنقاذك .

لانَ وجه ضرغام عند سماع كلمات الطفل , أعنى ذلك إستسلامه , و بدأ الطفل بالركض بعيدًا ..
و قد لاحظ ضرغام وقوف الشاب العشريني أمامه مجددًا بتباطؤ بعدما إستجمع أنفاسه ,

- و تقول أنك لست ببطل ..
كشر الشاب عن إبتسامة متعجرفة , حدد بها ما قد علمه عن ضرغام ..
تنهد ضرغام متثاقلًا , كما بدأ بفك أزرار معطفه , و إزالته ببطيء من على كتفيه .. ليكشر عن جلده الأحمر ,
بعض -- بل و قد أقول الكثير , من الخدوش والجروح مرتسمة على جسده كلما يكشف أكثر عنه , مرتديًا قميصه التحتاني عديم الأكمة , أسود اللون كي يناسب شحابة وجهه و حدة عينيه ..

- بلى .

تغيرت تعابير الشاب من العجرفة الي الإستغراب ,

- ربما أنا بطل , من قد كان يظن ذلك ؟

ضحك ضرغام قائلًا , لربما تكون تلك أول مرة نرى بها ضحكة ضرغام ,
أوليست جميلة ؟
من الأفضل الإستمتاع بها قبل أن تذهب ..

سخط الشاب ضرغام بنظرة منزعجة من كلماته , فأخرج سكينه و بدأ بتلويحه على ضرغام ,
بشكل مفاجيء , كان ضرغام يتفادى تلك التلويحات بالتوقيت والمكان الصحيحين ,
تعابيره الجامدة لا تفارقه , بل فقط فحصت تحركات خصمه ,

لم تحتج الي إنقاذ يا قعر , هاه .. ؟
أنا أعلم ذلك .
أنا لم أكن انقذك,
أنا كنت أنقذ نفسي.
لقد قضيت حياتي كلها أنظر الي اعلى القمر , حتى نسيت كيف يبدو الوضع هنا على الأرض ..

قطع ضرغام سلسلة تلويحات الشاب الفاشلة بـقبضته , كالسهم - توقف حركاته وهي تصنع طريقها في وجهه ,

بدأ الناس يتجمعون , إنه كعرض ترفيهي الأن .. الجميع ينظر ويترقب ويتشوق ,
و ضرغام يرمي لكمة أخرى , أدكت برأس سائل الأرض -- كي يلتقي وجهه بركب ضرغام تحضن جبهة سائل ,
أولم يكن الأفضل ان يضربها في ذقنه ؟ حسنًا , ضرغام ليس الأفضل في التصويب حقًا , أما هو فقط ولد بجسد قوي ..

جسد قوي .. عقل شيطاني .. افكار خبيثة .. أذكى بني جنسه و أطلقهم لسانًا ..

أين ذهب كل هذا؟
لما نساه الجميع ؟
لقد كان امرًا كبيرًا عندما كان صغيرًا !

أكثر الشياطين شيطانية ..
ضرغام بن بني الحمر .

حاول سائل أن يحصل على أفضلية , بكونه مدكك قريبًا من الأرض -- بقطع ساق ضرغام بسكينه , إلا أن ضرغام قد لاحظ -- و إستطاع أن يبعد ساقه قبل أن يكون الجرح ثاغرًا , لكنه قد جرح !

..
ليس بالشيء الكبير , ليس جرحًا مميزًا عن عشرات الجروح المرسومة على جسده الأحمر ..
يكشد جلده كل خط مشوه وهو يتحرك , يرفس سائل في وجهه ليسقطه على ركبتيه ,

الناس يهتفون , الأصوات تصبح أعلى ... الناس سعيدون .

وفي الحشد الجمهوري , لاحظ شخص نعرفه الأصوات ماذا يحدث في تلك الدائرة التي شكلها عشرات الشياطين .. وقد كان شيطانًا نحيلًا ذو شعرً أشقر منسدل , وقد عُرف بأنه اكثر الشياطين خبثًا , و أقلهم شيطانية ..
أعرفتوه ؟
إنه ركيك .
الذي ينظر بدهشة الأن على صديقه العاصي , ضرغام , يمسك بشعر شيطان يجثو على الأرض بركبتيه ..

بسكين ملطخ بالدماء مرمي على بعد قليل منهم ..


- آه يا ضرغام ... ماذا فعلت ؟

وفي وسط فرح الجميع .
قلق الوحيد الذي يعرف من يكون ضرغام .

..

بينما أتبعت الحشد فتاة , لون شعرها بالبنفسجي المحروق بالأحمر .. جسدها متناسق , ترتدي ما قد يمكنك أن تقول بملابس كاشفة قليلًا , الدخان يخرج من فهمها كما تدهس على السيجار بقدمها ...
أما كانت هي ..
تلك التي لطالما حلمت بضرغام .
مساء.

- ... ضرغام ؟
- .... أنت حي ؟

عيناها الزرقاوتان لمعا على ذلك المشهد .

سائل يحاول مد يده للوصول الي سكينه .. لكن بلا جدوى , ضرغام مُقبض على شعره , سائل يجثو على ركبتيه ولا يقدر على الحركة حتى .. النيران , التي هي شيء طبيعي في شوارع ديستوبيا -- بدأت تبدو حمراء اكثر الأن ..
أهي حمراء , أم هل الدم كثير ؟

الناس يهتفون , وضرغام يحدق بسخط في عيني سائل

- أظن أنني أعلم الأن لما استهدفت الأطفال .

سخر ضرغام من موقف سائل , جاثيًا على ركبتيه لا حول ولا قوة له ..

..

أوليس هذا أكثر ما مقته ضرغام عن بني لونه ؟

.. صًعق ضرغام بإدراكه لنفسه , حيث بدأت أذناه الصمان بسماع هتافات الجمهور الذي لم يلحظها سوى الأن ..

لقد كان غارقًا جدًا في غضبه , لم يلحظ ما قد صنعه حوله !


- أوليس هذا ضرغام ... ؟
- أتقصد الصبي الشيطاني الصغير ... ؟ لا أعلم .. ألم يمت ؟ لم أسمع عنه منذ سنوات عديدة جدًا ..
- يا رجل , هذا الرجل قاسٍ , حتى بالنسبة لي .
- هذا وحشي ... رائع !
- عندما أكبر , أريد ان أكون تمامًا مثل هذا الشخص !
...

لا ..
أنتم لم تفهموا ..

أنتم لا تفهمون ... أنا لست مثلكم ..

لا تضمونني معكم ! لا تفعلوا ! انا لا انتمي اليكم ! انا لست ..

إنقشع كل شيء أسود ومُبهم من حول ضرغام الأن , إنه يرى المشهد .. يراه بشكل جيد جدًا ..

رجل مهمور بالكدمات و الجروح والدماء , يجثوا على ركبتيه طالبًا الرحمة ..

ضرغام , لا يرتدى الي قميصه التحتاني ... بجسده المُجرح , يقف وسط حشود من الناس الذين يهتفون له كي يقتل سائل ..

توقفوا ! هذا خاطيء !

بدأ يشعر ضرغام بالدوار وهو يلتف حول نفسه , ناظرًا الي وجوه الجميع التي لم يستطع تمييز اي وجه واحد فيهم ...

كلهم كانوا متشابهين في نظره , بشرتهم حمراء -- كاشدين عن أنيابهم في إبتسامتهم

لا تنظروا إلي كأني عظيم ! انا متعفن , أنا ضربت هذا الشخص ... انا لست جيدًا ...

أنفاس ضرغام تضيق أكثر , تعابير وجهه الخائفة تترسم أكثر بأكثر ..
عرق وجهه بدأ بالوثب واضحًا ,
عيناه السوداء المرتعدان ,

قدماه التي بدأتا بالتثاقل كما ترنح معهما , كما لو أن وزن الألف حجر سقط مرة واحدة على عاتقيه !

لا .
انا لست ضرغام الذي عرفتوه في صغري , انا تخيلت عن هذا الشخص منذ سنوات عدة ...

ترنح ضرغام مجددًا , مما جعل عينيه تقع على سائل وهو نائم على الأرض من الألم والتعب ...

لما هذا المنظر مألوف .. ؟

شخص أخر .
شخص أخر غير سائل ..

لا , أنا لست هذا الضرغام بعد الأن ! انتم تخلطون بيني وبين شخص أخر !

...
أنا لست من تظنونه !

أنفاس ضرغام أصبحت أصعب ...
الحشد حوله من نظره أصبح اكبر , انهم يحاصرونه ...

كما لو كان ديكًا محارب في عرض سيرك ما .

..


لم يتحمل ضرغام .
لم يتحمل نفسه , لم يتحمل شيئا ..
وقبل ان يُدرك نفسه , قد كان صنع طريقه بين الحشود , يركض , يركض بعيدًا .. بعيدًا جدًا ..


عيناه المرتعدتان الخائفتان , الملتبستان يفحصون المكان من حوله ..

سرقة , نهب , ضرب , دماء ...
نار .
نار في كل مكان ...


لا .

أبتعدوا عني !
أبتعدوا .. انا لا أريد ان اكون هنا .
أعيدوني الي غرفتي المقيتة , أسجنونني بمكان ما , ضعوني بغرفة بلا مخارج او شبابيك ..
لكن ليس هنا !
ليس هنا ...

...

لما لا ترسلوني الي القمر ؟


..
تباطئت خطوات ضرغام تدريجيًا , حتى توقف في أحد الأزقة ذوات النهاية المغلقة ..

نزل وجثى على ركبتيه , ليتكيء بوجهه على ركبتيه -- النيران ليست موجودة هنا , لا شيء .

لا شيء سوى العتمة .

- كفى ..
- أرجوكم ..

لكن في عقل ضرغام .. كان يوجد كل شيء بداخل العتمة .

الكثير من الأصوات .
الكثير منها ...

- طفل شيطاني !
- عبقري !
- متوحش !

..

بدأ يشعر بالألم الأن , فقد إنتهى مفعول الأدرينالين الذي سبق .. و بدأ يشعر بألم الجرح الذي أصيبه به بساقه .

لكنه لم يُقارن ابدًا بألم الجرح الذي سببه لنفسه .

قطرة
قطرة

إنها تمطر .

و ضرغام لا يزال يجلس في نصف الزقاق بوجهه مغموس بين ركبتيه .


لا يفكر بشيء ..

لكن كل شيء حوله ,
حتى بالمطر , النيران لم تفارق ضرغام .

لم يستطع منع الأصوات , حتى وهو مغموس في الظلام ..

لم يستطع الإحساس .

لم يرى شيئا سوى القمر ...

وقد كان أحمر .

....
_________________________________

فقدت نفسي في تلك الفوضى يستحيل أن تبقى هنا شخصًا

روحي لا تسكن قلبي بل وأنها هجرتني كاملًا !

تخلت عني ! أولاحق لها ؟! أنا لا أبكي ..ام هل انا لا أعرف بسبب المطر ؟

أما بي قادر على فعله ؟ أأعيش شيطانًا أحمر اللون ؟

أتسائل , لما لونك أحمر ؟ أي لون تعكسه ؟

لما نظرت إليك ؟ وإن كنت اعمًا , لا أرى نفسي !

أروحي , أستعودين لي ؟ أروحي , أأنت موجودة ؟

أروحي ... هل الحياة في القمر أفضل من هنا ؟
_________________________
...


- لا بد أنه أمر صعب ..

صوت أتى من خلف ضرغام , مما جعله يرمق له من جانبه .. لم يستطع الرؤية جيدًا بسبب الظلمة و المطر .. لكنه ميز الصوت , إنه ركيك --

ركيك ممسكًا بسيجار , الا يستطيع الإنتظار لبعد المطر ؟

- صعب ؟

ردد خلفه ضرغام ,

- أن تكون مختلفًا , لون بارد في لوحة كل ألوانها ساخنة ...

- هاه .. ليس لديك فكرة عن صعوبته ..

- بالفعل, لا أفعل , و لا أتمنى أن افعل ولا أن اكون مكانك .

قال ركيك بصراحته المعتادة , مما جعل ضرغام يبتسم قليلًا .

- حياتك مزرية , أسوأ الشياطين يتخلى عن مبادئه , يحبس نفسه عشر سنوات بلا فعل اي شيء ..

و ما اخر شيء تراه يفعله ؟ يضرب شخصًا ما حتى الموت في دائرة تشجيع ..

صارحه ركيك مجددًا , وهو يتخذ مجلسًا بجانب ضرغام على الأرض.

- المطر قد يطفيء تلك السيجار.

علق ضرغام بتذاكي وسخافة ,

- المطر قد يصيبك بالبرد , لكنك لا تجدني أتذمر .

رد ركيك , معلقًا على ملابس ضرغام -- و أكمل بأطفاء السيجار في كتف ضرغام

أصدر ضرغام صوتًا من الألم ,

- ما كان ذلك ؟!

- سبب لأعطيك هذا .

رد ركيك وهو يعطي ضرغام معطفه التي أسقطه منذ قليل ..

- لا تريد أن يظن أحد ان سائل قد اطفأ سيجارًا بك , ستبدو ضعيفًا --- هيا , أرتدي معطفك .

أبتسم ضرغام مجددًا وهو يغطي ظهره بمعطفه .


- مساء كانت هناك .

- حقًا ؟

- نعم , وقد كانت جميلة كأي وقت مضى ... لكنها لاحظتك , ضرغام .

- هذا كان من وقت مضى ... لا يُعقل أنها لا تزال تتذكرني .

- ليس إن كنت قد رأيت تلك اللمعة في عينيها , أنا رأيتها .

.. شيء قد لا تعرفوه عن ركيك , بالرغم من كونه شيطان , خبيث , سارق , و مدمن مخدرات ..

إلا أن عيناه هي أحد عينان في الوجود بأكمله ,

وليس من الصعب عليه ابدًا أن يعرف كل شيء عنك بنظرة ..

ركيك يقرأ الأشخاص كما يقرأ المهوسوون الكتب ,

بفرق ان ركيك لا يحب الكتب.
بل يحب الأشخاص.

فالأشخاص معقدون .



- ركيك .. ماذا يجب أن افعل ؟

- أنا لا أعرف , ضرغام .

. . .


إنتهى الفصل .













 

رد مع اقتباس