عرض مشاركة واحدة
قديم 07-21-2020, 09:10 PM   #4
فِريـال
مشرفة طلبات التصميم ومعارض الأعضاء
-ORILINAD


الصورة الرمزية فِريـال
فِريـال غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 15
 تاريخ التسجيل :  Feb 2020
 العمر : 28
 المشاركات : 26,691 [ + ]
 التقييم :  38050
 الدولهـ
Iran
 الجنس ~
Female
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
إبتسِمـ
لوني المفضل : Black
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة

مشاهدة أوسمتي

cup







الفصل العاشر: مشاعرهُم الهشة!



خرج جيسون بَعد دخولِ المُربية هادئة الملامِح والخادمة التي تدفعُ عربة جميلة، بدت كعربة لِنقل الطعام...
رافق بيرت نَحو الطابق السُفلي، قَبل المُغادرة مِن المدخل الذي لم يسلكهُ عند وصولِه، كسر الصمت سائلًا
:" أنا... لدي سؤال واحد فقط!"
نظر جيسون لهُ بتركيز:" ماذا يكون؟ إسأل ما تشاء..."
أدخل يديهِ في جيبِ بنطالهُ الأبيض وهو يردفُ بِتفكير:" ألم تكُن تيردا، حاملًا؟"
توسعت حدقتاه والأخير ينظرُ له بنظراتٍ مِلئها العطش للإجابة... إزدرد جيسون ريقه وهو يُجيب بِتردُد:" لم يكُن لهُ النصيب!"
توسدت الصدمة ملامحُ السائل... هذه لم تكُن الإجابة التي توقعها رغم وضوحها! عبر عن سيل الأفكار
التي عصفت بِعقله بشفتين مرتجفتين:" أخبرني... أهكذا توفيت أختي؟"
لمعت سوداوتا جيسون بِحُزن دفين مُجيبًا:" السببُ الرئيسي!..."
أوقع بيرت كُل أفكاره... إستعاد آخر ملامِحُها قدمتها ذكرياتهُ المعدودة:" أذكرُ أنها... كانت تتطلعُ لِذلك! يؤسفُني سماعُ ذلك!"
ختم كلامهُ وهو يُخفض رأسه كما يفعلُ كُل مرةٍ تخونهُ تعابيرُ وجهه وإظهار حُزنه... عض الأخير شفتيهِ بألم:
" لقد كُنا... نحلمُ أن نُشكل عائلة كبيرة! وأن نهتمَ بِهم ونرعاهُم بِكُلِ حُب...."
نظر لهُ بيرت مُبتسمًا رُغم الألم الذي يعتصرُ قلبه:" أخبرني... كيف عِشتُما؟!"
توسعت حدقتا جيسون لِلحظة قبل أن يُجيب مُبتسمًا بشيء من الألم وهو يُحملقُ بِالفراغ:" كُنا معًا،
في كُل زَوايا حياتِنا، أحلامِنا، وأوهامِنا... نعيش اللحظَة، نغرق بتفاصيلها، كأنَّها حياةٌ بحدِ ذاتِها...
لا نبتعد عن بعض، مكاننا بجانب الآخر، نُمسّي مَنسيّين، مُجردّينَ عن الواقع، كُلَ هذا وأكثَر..."
رفع عيناهُ معلقًا نظراتهُ بزرقاوتا بيرت خاتمًا كلامهُ بإبتسامة:" كُنّا نبتَسِم."
توسعت حدقتاه لوقعِ الكلمة مُرددًا:" لا أذكرُ سوى ذلك!."
لقد كانت دائمًا تبتسمُ بسعادة، لايذكرُ مرة كانت تبدو عكس ذلك... لكن قولُ جيسون السابق
عن إعتبارِ نفسه مُذنبًا حركَ التسائلات في ذاته....
-ما الذي تفعلهُ بِنفسكَ جيسون؟ أنتَ ستقتلُ نَفسكَ بإلقاء اللومِ عليها!.... فلاذنبَ لأحد بِما حدث.

دخل منزلهُ الذي بدا هادئًا مِن الخارج، بِمُجرد دخول الرُدهة، سمعَ همهمة كثيفة مِن غُرفة الجلوس...
إلتقطت مسامعهُ أصواتًا مألوفة! تنهد بِتعب وصعد السلالم مُختفيًا عن الجميع!
غير مَلابسهُ بعد الإستحمام مُرتديًا قميصا قُطنيا ذو أكمام طويلة مع سروال أسود فضفاض، أبسط مظهر
يُمكن تخيُله... بقيّ يستعيدُ حديثه مع ايفرين... وبلا شعور، كان يبتسم! تمتم بإبتسامة بلهاء مُحمر الوجنتين:" نادتني خالي!"
قهقه ساخرًا مِن نفسه، رُغم كُل شيء.... مع كُلما حدث معه، لقد إستمتعَ بِرفقتها.


نقر الباب مرتين ودخل مُباشرةً، نظرت للأعلى وهيَّ تتمددُ عرضًا مُمسكة بِمجلةٍ ما، بدت له كمجلة أزياء،
عدلت مِن جلوسها مُحرجة وتركت المجلة مِن يدها تُرحبُ بِه:" أوه.... عُدتَ أخيرًا؟"
تقدم وهو يُخفي يديهِ في جيبي سرواله الأسود:" لقد وصلتُ لِتوي... مِن الجيد أنكِ هُنا!"
جلس على طرفِ السرير بِملامح فارغة بالكاد تعرفُ بما يُفكر أو يشعر.. لكِنها فهمت قصده... هو لايُريدُ
أن تحتكَ بأقربائه! قالت مُبتسمة:" أجل... لقد أنهيتُ دراستي مَعَ الأستاذة وقد كُنتُ أتسلى بالمجلة!
تبدو انجليكا صاخبة نوعًا ما! أقصدُ شقيقة سيندي..."
تمتم بشرود:" أرآكِ أحد من عائلتها؟ أقصد والديها..."
نفت برأسها:" لا.. لقد كُنتُ في الأعلى، هل تناولتَ عشائكَ في منزلِ السيد ليور؟"
تمدد للخلف وهو يعقدُ يديه خلف رأسه مُجيبًا:" لا! لم أكن أشتهي شيئاً!" نظر نحوها بطرف عينه عابسًا، شاردًا...
عقدت حاجبيها بِحذر....:" هل أنت بخير؟!"
تمتم بِخفوت:" بخير...." لم يُضف شيئاً آخر فقد غفى في مكانه! لم تفهم ذلك إلا حين بدأ
يتنفسُ بإنتظام بعد حين! وكانت تلك ثاني أسرع عملية نوم شهدتها مِنه! إنهُ ينامُ بسرعة! لابُد أنه مُتعب....
هذا ما فكرت آيرس بِه وهي تضحكُ بِخفوت... إستنفرت مُتوردة وهي تمورُ حول نفسها جالسة....
- لالالالا! هذا ليس مكانًا مُناسب لتنام فيه! ماذا لو فُهمتَ خطأ...
أرخت أهدابها وهي تنظرُ له بِعُمق... للحظة خطر على بالها، كُل ما مرت بِه بَعد مُقابلتها له...
ما بعد لقائها بِه، ليس كقبله!
- تعرفتُ بأصدقاء، عدتُ للمدرسة بِعزم بَعد أن أهملتُها.. كسبتُ إحترام زملاء الصف بِلا عناء..
تخلصتُ مِن بطش والدي ولو مؤقتًا...
كست سحابةُ حزنٍ وألم ملامِحُها...
-لطفكَ أغرقتني حتى النُخاع.... فهل أستحقُ أن تقعَ في حُبي أيضًا؟!
نهضت وهي تتجهُ نحو نافذةُ الغُرفة التي تطلُ على الحديقة الخلفية بعد دثره بِغطاءٍ خفيف...كانت السماء
تُنذر بِزخاتٍ أكيدة.... منظرُها الحالك توسطتها غيومٍ رمادية وكاسرة لِعتمتها، مُخفية نُجومها الوهاجة،
كان الجوُ باردًا مِن الخارج جعل بُخار أنفاسها ودفء الغُرفة يُشوش المنظر الخارجي... جلست تقرأ المجلة ذاتِها
على أريكة فردية ذات تصميم كالأرجوحة وهيّ تضُمُ ساقيها الرفيعتين، مُبتعدة عن الأرض.... بقيت تسترقُ النظر له
بين فترةٍ وفترة مُبتسمة، بيرت الذي لا يشبهُ بشخصيتهِ الشباب مِن عمره، كان يغطُ في النوم على سريرها غير مُكترث....
-أتسائل... ألابأس بِذلك؟!
وكست سحابة حُزن ملامِحُها المُبتسمة شيئاً فشيئاً!

فتح عينيهِ بِكسل، كان مايزالُ ينام على السريرِ عرضًا ولم يتحرك كثيرًا... بِمُجرد رفعِ جسدهُ العلوي أصبح جالسًا
وهو يفركُ مؤخرة شعره وملامح ُالنعسان تُخيم على مَحياه... كان ضوء الغُرفة خافتًا، إستكشف مُحيطه
مُستوعبًا لِمكانِ إستقراره... ثُم نظر لها وهيَّ تنامُ على الأرجوحة جالسة، المجلة تكادُ تقع مِن يدها وفمُها شبه مَفتوح..
تتنفسُ مِنه مُصدرة صوت تنفسٍ خافت... وقف أمامها وهو يرغبُ بالضحكِ لوضعيتها الغريبة، لِنومها جالسة
ورأسها مرفوع للأعلى نوعاً ما... بدت لهُ وضعيةٍ غير مُريحة للنوم وبالتأكيد ستستيقظُ مُتشنجة...
السادي في شخصيتهُ بدأ يستيقِظ وقد كان في سُبات! ويبدو أنه ورث ذلكَ مِن والدهُ بلا شعور!
إقترب ينظرُ لملامِحُها عن كثب، مُستعيدًا بضعة مواقف جمعتهُما ثُم تذكر كلام نيو عن كونِها تُحبه!
وضع يُسراه خلف رقبتهُ وهو يُحرك رأسه... ثمَّ جلس القُرفصاء يُتابع النظر لها، إبتسم بإستمتاع وهو يُخطط
لإيقاظها بدلَ حملِها لسريرها وهي نائمة، وكان التصرف الأكثر توقعًا لشخصيتهُ السابقة...
لكنهُ الآن عاجز عن تفويت الفُرصة! في البداية حرر المجلة مِن يدها بِهدوء وذلكَ قبل ركلِ الأرجوحة!
ولكنها إستفاقت بِمجرد تناولهُ المَجلة رُغم حذره! ذات العيونُ الثعلبية السوداء...
كانت تنظرُ له متوسعة الحدقتين وملامحهُ تُحيرُها!
-يا للهول..... لِما هو مُنزعج؟
حركت جسدُها الذي أصدر أصوات طقطقةٍ مِن عدة مفاصِله... تمدّدت بيديها الطويلتين تشدُ جسدها المُتصلِب،
ثُم إرتخت مُتحدثة بِنُعاس:" متى إستيقظت؟"
وقف وتراجع خطوتينِ مُتمتمًا بِغيض:" قبل قليل... لِما تركتيني هُنا، ماذا لو بدأ والدي بِتوبيخي غدًا!
أنتِ لاتعرفين كم يُحبُ إزعاجي!"
كأن ذلكَ يُهمهُ أساسًا! ألم يكُن مُغتاضًا لِعدم تمكنهُ مِن إزعاجها كما خطط لِتستيقظ؟!
قهقهت مُستمتِعة:" تبدو مُشكلة للسيد بيرت! أخبرني كيفَ كانت ايفرين؟! أليست فتاةً ظريفة؟"
أومأ موافقًا وهو يرسمُ نفسَ الملامح مُمتعضًا عن الكلام.... لكن صوتٌ أحرجه حل دخيلًا بينهُما...
إستدار مُغادرًا فإنتفضت تلحقُ بِه وهيَّ تُخفي إبتسامتها...:" أنا لم أتناول العشاء أيضًا! أننزلُ لِلمطبخ؟"
أومأ يسبقُها وقطعا الصالة التي تربطُ غرف الجناحُ الأيسر كاللصوص! وبعد قطعِ المسافة التي تفصلُ غُرفتها
عن السلالم وقد كانت الأبعد عنها، نزلا للأسفل على نفسِ الوتيرة، كان قلبُها يخفقُ كَـمَن إرتكبَ جريمة،
ولم يكُن ذلكَ إلا بسببِ تصرفهُ الحذِرُ جدًا! هو لم يفعل ذلكَ لٍخوفه وماشابه، ليسَ كأنهُ يهتم بِرأي الآخرين عَنه،
إنما كان يستمتعُ بإزعاجها! مهما حاولَ كبحَ ذاته باء بِالفشَل!
دخلا المطبخ الذي غلب اللونُ الأبيض والفضّي تنسيقهُ، كانت الطاولة التحضيرية، خشبيةُ الصُنع،
تتوسطُ المطبخ وسطحُها فارغٌ تمامًا... رفع نفسهُ ليجلس عليها بإنزعاج لم تفهمهُ الأخيرة سببه للحظة..
أطلقت نظرات إستكشافية على المطبخ ذو الإضاءة الخافتة والذي دخل مِن النوافِذ القصيرة التي تطلُ
على الحديقة الخلفية، كانت تلكَ أول مرة تدخلُ المطبخ، سألت عن الإنارة ليُجيبَ بِملل:" لما يجب أن أعرف؟!"
تنهدت بيأس...
-ماذا به؟ أيعقل أنهُ يُعاملُني هكذا بسبب إخباري له عن وفاة أخته!؟ أهو ينظرُ لي كجالبة أخبار سيئة الآن؟!
تسائلت آيرس مُظهرة لملامح غلبها الأسى، كان يستطيعُ رؤية ذلك.. رُغم الظلام الذي يسودُ المطبخ
تمكنَ مِن رؤيتها... إلتقط نفسًا قصيرا زفرهُ ليتكلم.... إستوقفهُ إنارة المطبخ بشكلٍ فُجائي والذي
أفزع آيرس أكثر مِنه لتجفَل الفتاةُ المُشعة بِعدم فهم... تسائلت بغباء:" ماذا تفعلانِ هُنا في الظلام؟! ومتى عُدتَ يا بيرت؟!"
كان متفاجئاً ليس لسؤاليها السابقين بَل لعدم الإستفسار عن -ما الذي تفعلهُ آيرس هُنا؟!- حل الشكُ ملامحهُ...
إستنجدت به ليُجيب وهيَّ مُحرجة ولكنهُ إكتفى بالصمت....
-أهو لايزالُ مُنزعجًا مِن سيندي لِما حدث سابقًا؟
نفَضت أفكارها تُجيب بإبتسامة مُتوترة:" لقد كُنا جائعين وهكذا...."
كانا يعرفانِ بأن عائلة جيكوب سيبيتون الليلة هُنا وحتى مساء الغد بعد الحفلة... لكنهُما لم يتوقعا
إستيقاظ أحدهُم في هذا الوقت المُتأخر فالساعة بِالكاد الثالثة صباحًا... إقتربت فتاة شقراء صاخبةُ الحضورِ
تربطُ شعرها على الجانبين وتُغطي غُرتها والمقصوصة بِعناية جبينها وحتى حواجِبُها وتتدلى خُصلات رفيعة
ومُموجة على جانبي وجهِها الدائري وزرقاوتها تبرقُ بِبراءة، ترتدي فُستان زهري فاقع قصير ذو حزامٍ أبيض مُزَهَر
وسُترة بيضاء قصيرة تصلُ لِتحت صدرها... كان حذائها الأبيض الذي يصلُ لِمُنتصف ساقيها الناعمتان
مُزين بِزهرةٍ جلدية على الجانب الخارجي له، كُل هذهِ الأناقة وقد كان مِن المُفترض أن تنام!....
بدت في بداية السادسة أو نهاية الخامسة مِن عمرها... توسعت زرقاوتاها بِبراءة وهيَّ تُحدق بآيرس التي
شردت بالمظهر الأنيق للطفلة التي وجدتها كالدُمية بِطلتها وجمالِها!
همست آيرس بإستغراب وهي تُحدق بالطفلة:" سيندي؟"
رفعت ثعلبيتيها لسيندي بِعدم تصديق للشبه القاتل! هرعت الصغيرة نحو بيرت وهيَّ ترفعُ يديها بِسعادة،
في حينَ رفعها بيرت نحو الأعلى.. كانت مُعاملتهُ لها مُميزة فلم يكُن يُمانع أن تجلس على ساقهُ وهيّ تحتضِنهُ...
-يبدو مُعتادًا على ذلك... حينَ ترى ذلكَ حصرًا يبدو ظريفًا للغاية!
تنهدت سيندي مُردفة بِتذمُر وهي تتجهُ للثلاجة:" تخيل أيقظتني لأجل المُثلجات في هذهِ الليلة الباردة!
ستقتُلُني أمي صباحًا!"
فتحت أحد أدراج المُجمدة وهيّ تبحثُ عن مُرادِها ووجدتهُ في الدُرجِ الأوسط... فتحت العُلبة البُنية والتي
كانت مُغلقة بِعناية... وضعتها على الطاولة ثُم بحثت عن الملاعِق مُطولًا... وكان بيرت الأسبق
إذ فتح الدُرج تحت الطاولة التي يجلسُ عليها وبدأ الأكل مع انجليكا... في حين ماتزالُ الأخيرة تبحثُ
عن الملاعِق بلا نتيجة إلتفتت للخلف لتجد بيرت يرمقُها بِنظراتٍ عرفتها! تنهدت بعد نفخِ وجنتاها بِغيض
لتبتسم بألم بعدها... كان كَمن يبحثُ عن مُمارسته مُتعة مع أي ضحية تقع عينهُ عليها! مادام سيُزعج أحدهُم
فلا يهُم مَن يكون! وسيندي تعرفُ ذلك... لقد تجرعت الكثير مِنه في طفولتِها...
قالت بِغيض:" أوه.. كِدتُ أنسى هذا البيرت! لا أصدقُ أني إشتقتُ إليه!"
نظرت لآيرس وكانت تصنعُ الشطائر بعد أن عثرت على جهاز صُنعها بِعدم فهم... كانت تدهنُ خبز التوست بالزُبدة
وتستعدُ لوضعِ الجامبو مع الجُبنة وسطها... لتُردف وهيّ تجلسُ يساره لِيحُل بينهما، تُشيرُ نحوه:
" هذا الـ... إحذري مِنه! قد يبدو لكِ كالملاك المُنقذ، لكنهُ لن يُفوتَ فرصة إزعاج أحدهُم لِمُتعتهُ الشخصية!"
تمتمت آيرس بِعدم تصديق:" عفوًا؟!"
لتتنهد الأخيرة وهيَّ تضربهُ على صدره بِطرف يسارها الخارجي بِعفوية:" سادي!"
كان في تلكَ اللحظة يُزعج المسكينة التي يُعيد كل ماتحملهُ مِن المُثلجات بِملعقتها للعُلبة مُبتسمًا، مُستمتعًا ومُستخفًا!
-:" توقف عن إزعاجها!"
نظر لها ببرود وإنزعاج:" هذا لايعنيكِ، آنسة مُفسدة المُتعة!"
ثُم تابع القيام بذلك لتسأل انجليكا بِصوتها الصاخِب وهيّ تنظرُ لزرقاوتا الشقراء بِفضول:" أختي ما هو السادي؟!"
إزدردت ريقها لاتعرفُ كيف تُجيب طفلة قد تأخذها فكرة خاطئة تُسيء بِها لشخصيتها وهيّ في أوج تكوِنها:" إنهُ... بيرت!"
نظرت لها بِعدم فهم... ليقول بيرت وهو يُربت على ظهرها:" لا تهتمي لها! كُلي مُثلجاتكِ عزيزتي."
مطت الصغيرة شفتيها وهيَّ تنظرُ لها بِخيبة جفلت الأخيرة إثرها، ثُم عادت لأكلِ مُثلجات من العلبة مع
بيرت الذي بدأ يمتعِض لحلو المُثلجات بُنية اللون... تركَ المِلعقة جانبًا وهو ينظرُ لآيرس بِملل
ليتفاجئ بالأخيرة مُتجمدة في مكانِها...
-أهكذا الأمر اذًا؟ لِهذا هو كان.... لا أصدِق!
فكرت آيرس بِذلكَ لتعُود مُكملة ما بدأت بِه بشرود...
-ما من أحدٍ كامل الأوصاف! كما أنا ضعيفة الشخصية مُترددة القرار، هو باردُ المشاعر، سادي و...
هذا ما فكرت آيرس بِه وهي تبتسمُ بِقلة حيلة شيئاً فشيئاً....

كانا يتناولانِ الشطائر وهُما جالسانِ على المائدة التحضيرية، بعد أن رفض النزُول عنها والجلوس على
الكُرسي المُوجود هُناك... وبعد إنتهاء انجليكا من أكل المُثلجات حملتها سيندي وهي تُمسيّ الآخرين
مُضيفة:" سنعُود للنوم... بيرت...... دع المسكينة وشأنها!"
كان يأخذُ كُل شطيرةٍ تُحاول أخذها مِن الصحن المُشترك بينهُما قبل لمسٍها... لاحظت آيرس ذلك
ولكنهُ لم يُزعجها كسيندي التي كانت ترى ذلك...
بعد صمتٍ دام طويلًا إستمر خلالهُ بِتصرفهُ السابق، قال بِملامح فارغة وهو ينظرُ للشطيرة بين يديه
:" على الأقل إدعي أنكِ مُنزعجة!"
جفلت للحظة ثم رمقتهُ بِحذر مُتسائلة:" على ماذا؟"
تمتم بِبرود قبل أن يتمدد وهو ينزلُ عن الطاولة أخيرًا ويتجه للثلاجة:" مُمل!"
تجمدت على وقعِ الكلمة... أهو يجدُها مُملة؟! هذا مافكرت به فأعلنت أفكارُها حالة إستنفار تام!
هو لن يهتم بأمرها إذا وجدها مُملة وماشابه! حلت كآبة مؤقتة ملامحُها لتدحضها بِمُجرد عودتهُ حاملًا
عُلبة كولا، مُردفة:" الأمر أنه ليسَ مُزعجًا لأنه أنت! لو كانَ غيرُكَ لإنزعجت!"
رفعت نظراتها نحوه بِبطء لتصدم بِملامحهُ التي تنمُ عن عدم الفهم عاقدًا حاجبيه، أردفت موضِحة
:" أقصد، نوعًا ما... كيف أشرحُ الأمر يا إلهي..... رُبما أنا مُنذ ذلكَ اليوم، وجدتُ أني أدينُ لكَ بالكثير!
لِذا... مهما حدث ومها فعلتَ معيَّ أنا... لا أستطيعُ الإنزعاج وما شابه! أقصد... أقصد...."
لقد كان يبذل جهدًا طوال الوقت، جهدًا كبيرًا وهو يعملُ على الحفاظ على الجميع مِن حوله سواء بيته
أوالموظفين الذين يَعتمدون على قوتِهم مِن شركته.... في حين كانت تتذمر لإعتقادها أنهُ يُبالغ بإستعمالهُ لِجيبه!
-رؤيتكَ تُسابق الظروف لتُبقيّ الأمور كما ينبغي في العمل حتى الإنهاك... جعلني أدرِك! كم أنا
سخيفة لإعتقادي أنكَ ترمي بِمالك في الهواء لمُجرد إمتلاكِكَ الكثير مِنه! فقد كُنتَ تبذلُ جُهدك، بكُل ما أوتيت
وحتى الإنهيار.. لذا... كان علي أن أتوقف عن التذمُر، الإنزعاج مُتكبرةً كما ولو كُنتُ شخصًا مهمًا!
فَفي نهاية الأمر... أنا أدينُ لكَ بِحياتي وأكثر... فَعليّ أن أستحق كُل ما فعلتَ وتفعلهُ لأجلي.
إرتجفت شفتاها وبَحة مَنعتها مِن قولِ كل ذلكَ له.... لم تستطِع رفعَ رأسها بل وبقيت مُتوتِرة لِلحظات....
تفاجئت لليد التي إمتدت ورسَت على رأسِها وهو يُتمتم:" توقفي عن التفكير بهذه الطريقة!
لستِ مدينة بأي شيء، لقد كافحت كثيرًا بِالفعل."
كان الحوار بينهُما مُبهم لِمن يسمع ولكنهُ كان واضحًا لِكليهِما ولو لم يُعبرا عنه بالكلمات كما ينبغي....
أن يكونَ قادرًا على فهمِها عبر كلماتٍ قليلة... هذا بالتأكيد ليس بيرت مِن أول مرة رأته!
كان يعجزُ عن التعبير، لا يُدرك مايفعلهُ في مواقفَ كهذه... هو حتى فاجئ نَفسه،
مُنذ متى هو قادر على صُنع حديث عفوي وعميق بِسلاسة؟!



في الصباح الباكر غادر بيرت وعاد وقت الغداء.... كان هادئًا ومُسترخيا بِشدة! نظرت لهُ سيندي بِشك....
-ما الذي تُخطط له؟! هذا لايُبشر بالخير!
كانوا يجلسون في الحديقة رُغم برودة الجو، كانت سيندي تُظهر التأثر الأكبر إذ كست حُمرة أنفها
ووجنتاها حتى أذُناها... وأطراف أصابِعها أيضًا! لقد بدت ظريفة! كانت الطاولة المُدورة تحمل
كؤوس شاي أنيقة التصميم والبُخار يتصاعد مِنهُا، إقتربت انجليكا وهيَّ ترتدي ملابس ثخينة بعد أن
رفضت والدتها السماح لها بالجلوس مع بيرت والفتاتان في الحديقة! مدت يدها نحوه ليرفعها ويُجلسها
على الكرسي بِجانبه.. زفرت سيندي بِسخرية:" مِن الجميل الحصول على يوم عطلة! ومِن المُريح وجودكَ بالجوار يابيرت!"
كانت تُلمح لأختها التي لم تتوقف عن طلب خدمات بيرت بأي حُجة، في حين نظراتُ الشماتة ترتسمُ
على وجهها المُحمر:" أخطط للإنتقال والعيشِ معكَ ليكون كُل يوم عُطلة لي!"
بل كُل يومٌ تنمر علني! ألم تُدرك بعد أنهُ إختار الجلوس في الحديقة ورُغم هذا الجو المنخفض والذي تلى
ليلة شتوية ماطرة بغزارة، لأنه يعرفُ أنهُ سيُزعِجُها...
لم يُعلق فقد وجد نفسهُ المُنتصر سلفًا، لأنهُ كان يُعذبها بِغير أن تعرف حتى! فقد قالت لوالدتُها أن آيرس
صديقتهما المُشتركة من المدرسة وهيّ تُحاولُ توطيدَ علاقَتِها معها.... طبعًا بطلب مِن بيرت فَقد وجد مُطالبة
آيرِس بإلتزام غُرفتها طوال يوم العُطلة فيه شيء من القسوة! وماذا عن مايفعلهُ مع سيندي مِن تنمُر؟
أليس قسوة؟!
بعد وقت قصير وصل مارتن وهو يُرافق آني التي كان ومن الواضح أنها مُتحمسة! ترتدي كنزة صوفية سوداء
مع بنطال جينز فاتح وحذاء أبيض جلدي يصلُ لمنتصف ساقيها النحيلتين، تُدفئ نفسها بِمعطفٍ كثيف
كبياض الثلج بِنصاعتهُ وقُبعة بنفس النصاعة مع رفيقها الوشاح يُكملان طلتها الأنيقة...
كانت تركضُ مُتحمسة نحو الطاولة وقد تركت مارتن الذي كان يُرشدها الطريق... وعلى بُعد مسافة ملحوظة
يسيرُ اليكس الذي كان عكس آني لايُبالغ بِتدثير نفسه سوى بمعطفٍ بُني فوق قميص أبيض وبنطال رمادي داكن...
في حين نيو كان يبدو مُميزًا بطلته مُختارًا سُترة جِليدة سوداء أنيقة التصميم مع كنزه وبِنطال بنفس اللون،
كان شعرهُ الأشقر هو ما كسر مظهرهُ الغامق! رفع نيو يدهُ للأعلى فيّ حين وصلت آني لحيث يجلِسون
وهي تُلقي التحية.... وصل اليكس وربت على كتفها ليهدأ حماسها المُفرط...
كان تلكَ أولَ مرة ترى سيندي، نيو وهو يستفزُ آني.... وتلكَ الرفسة كانت لتتوسط وجهه لولا تراجعهُ
مُبتسمًا بإستمتاع... كان المشهد، بالنسبة لِبيرت رغم أنهُ شهدهُ سابقًا... مُذهلًا!
-تستطيعُ رؤية تلكَ الملامِح الآسرة! ظريفةٌ للغاية! هل يُمكن......

وقفت انجليكا نتظرُ لِـأليكس بِجسدهُ الضخم وطولهُ الفارع، بإنذهال! بقي يُحدق للأسفل حيثُ تقف وهي تتابع
التحديق بِه واضعة سبابتها أمام فمها الصغير بإستفهام.. رُغم نظراتهُ الحادة بِطبعها عكس شخصيته،
إبتسمت انجليكا وهي ترفعُ ذراعيها دلالة -احملني- وطبعًا اليكس الذي وجدها ظريفة للغاية
حملها للأعلى بِإعجاب... كيفَ يُمكن لِشخص أن يكون بهذه الظرافة؟!
في أثناء ذلكَ كان بيرت قد عثر على ضحيتهُ الجديدة وشارك نيو بإزعاج آني! كانت فزعة من هذا
الإنقلاب المُفاجئ، نادت اليكس برجاء:" اليكس... خلصني مِنهُما!"
لكن اليكس كان مشغولًا بِرفع ومُلاعبة انجليكا مسحورًا بِملامحها الظريفة،
ليقول نيو وهو يضحك بِهستيرية:" لقد تمت خيانتُكِ!"
رفعت ساقها اليُمنى تُدافع عن نفسها، ولكن الأخير باغتها مُنخفضًا بإبتسامة مُستفزة، لترسو الرفسة
القوية للواقف خلفه! وقع بيرت إثرها وهو غير مُستوعِب لِما حدث حقًا.... كانت الأخرتين ينظُرانِ نحوه بِحذر
في حين إختارت آني أن تحتمي بآيرس وهي تقفُ بجانب سيندي تنظرُ نحو نيو وبيرت الذين يتنمران على آني!
وقف كلاهُما مُتجمدين... أهيّ جادة؟ من بين كُل الناس إختارت أن تحتمي بآيرس؟ ليس بعد أن
رفستهُ على وجهه بتلك القوة... إبتسم بيرت ذاتيًا وقال مُناديًا آني:" تعالي إلى هنا!"
سرت القُشعريرة بِجسدها وهي تنظرُ لِملامحهُ الفارغة... إزدردت ريقها وهيَّ تقول:" لايُسمح لكَ
بإستعمال السُلطة للتنمر على موظفيك! كما لم أكن أقصدُ رفسك بل نيو المُلام لمراوغتي!"
قهقه نيو الذي إستمتع بالموقِف مردفًا:" هيا... هيا أطيعي أوامر مُديركِ الأعلى!"
نفخت وجنتاها بِغيض في حين قال بيرت وهو ينظرُ لنيو بِحدة:" أخرس... ستندمُ إذا إقتربت!
سأنسى ما حدث لذا تعالي... لن أسمح لنيو بإزعاجكِ لبقية حياتِك!"
قال الأخيرة وهو يُشير بيدهُ أن تقترب له وملامحهُ باردة أثارت الشك في نفسِها... أغلقت سيندي عينيها
وهي تقول بإنزعاج:" بجدية؟! أتطلبُ مِنها أن تُبدلَ ساديًا بآخر؟!"
لكنهُ تابع الإشارة بيده فتنهدت بِيأس في حين أشار نيو لنفسه مُردد بِعدم فهم:" أنا سادي؟!"
أخفت وجهها بِكفِ يدها ليُكمل بيرت حديثهُ وهو يُشيرُ لآيرس:" إبتعدِي جانبًا لوسمحتِ!"
إنتفضت كُل ذرة مِن جسدها لِهذا الطلب الغريب، نظرت لآني لِتجدها تنظرُ بِجدية وحذر مُردفة:
" ألن يُزعجني نيو مرة أخرى حقًا؟"
نظروا لها بإستغراب شديد وأشدهُم نيو الذي توقف عن الضحك غير مُصدق:" أوي... بيرت
لاداعي للمُبالغة! كُنا نمزح حسب ما أذكُر!"
نظر له بإزدراء:" متى مازحتُكَ لأفعل الآن؟!"
تنهدت سيندي بيأس...
-هذا ما كان ينقُص! الشخصُ الخطأ تحت رحمة الشخص الأخطأ! أرغب بضربه بِقوة ولكن...

تجاوزت آني الفتاتين عابرة مِن بينهُما بأقدام مُرتعشة، كانت آيرس على أشد فضولها عن ما
سيفعلهُ بيرت بعد إنقلاب شخصيته هذا... وقفت آني تُكور قبضتيها وتنظرُ لِحذاءها الأبيض مُنتظرة
لحظة خلاصِها.... كانت تعقدُ حاجبيها وتنفخُ وجنتاها المُتوردة... أمسكَ خدودها وبدأ بِشدهم مُستمتعًا!
-:" ظريفة جدًا!"
-:" هاخا يَخفي... سِخد بِخت!"
كانت كلِماتُها غير مفهومة وخدودها في شدٍ مُستمر! خرج اليكس مِن سحر انجليكا بعد أن
حملها على أكتافِه.... كان المنظرُ غريبًا له!
-هل هذا بيرت أم نيو؟ لا لا لا مستحيل! كيفَ حدثَ هذا؟!
كان مُعتادًا على حمايتِها مِن نيو ولكِن الآن وبيرت هو المُتنمر... كان الموقِف غريبًا بالنسبةِ له....
ترك خدودِها وقال بِمزيج مِن الجدية والمُزاح غير الواضح:" لن أسمح لنيو بإزعاجكِ بعد الآن!
لقد أصبحَ ذلكَ مُحرمًا عليه!"
أمسكت خدودها التي إحمرت لبرُودة الجو قبل شدهم حتى كانت بكُلِ تأكيد مؤلمة! أومأت بكُل غباء
لا تعرف مع من ورطت نَفسها، فهذا ليس بيرت الذي كان عليه مُنذ رأته أول مرة! بل وبكل تأكيد
كان المُتنفس الذي دثره النسيان.
تنفست آني الصُعداء وكأنها حققت حُلم حياتها بإبتعاد نيو عن طريقها للأبد ولازالت غافِلة عن الورطة
التي أوقعت نفسها بها!

كانت أحاديثهُم التالية مُمتعة أيضًا لكن ظهور شخص لا يستسيغهُ بيرت على الإطلاق بدد هذه الأجواء!
إقتربت سوداء الشعر بعيونها جوزية اللون وهي تُمسك بيد الفتى الأصهب الذي وبكلِ تأكيد ورث عينا
والده القرميدية... كانت ملامحهُ المُبتهجة هي الإختلاف الوحيد بينهما!
تركَ يداها وهو يركضُ نحو الجمع بِسعادة، كانت كلمات آيرس تتردد في مَسمعه، إبتسم رغمًا عنه،
فهو يعرف أنها كانت مُحقة! لكنه كان أغبى من أن يُلاحِظ! بخطوات قدميه الصغيرَتين ركض وهو يجرُ
يداه على جانبيه كطيرٍ بلا ريش، لاينكف عن الحلم بالسماء! وصل لبيرت وإحتضن ساقيه بِما أسعفتهُ
يديه الصغيرتين، نظر للأعلى بابتسامة واسعة وقد توردت وجنتاه! إنحنى لمستواه ليُربت على رأسه
بملامح فارغة وهو يتمتم بغير أن يلاحظه الصغير:" ما بال بذور هذه العائلة؟!"
أجابته سيندي بسخرية مُحاولة إغاضته:" البذور تُحب البذور التي تُشبهها!"
الأمر لم يكُن بيدها! فمُنذ أظهر جزء من شخصيته القديمة مُجددًا، بان معه كُل الغيض مِنه لتنمرهُ عليها
وهيّ صغيرة! مع أنها كانت أكثر من ودت لو يتذكر الماضي! يا للسخرية! لكن أحيانًا بعض الآلام عزيزة للمرء
بِحيث يتمنى وجودها في حياته!

إقتربت سوداء الشعر تجرهُ بطوله الفارع خلفها بحُرية وهي ترتدي كنزة سوداء مع بنطال شرابي
ذو حزام يصلُ لخصرها تمامًا أبيض اللون كسر عتمة الألوان في إطلالتها! كانت ملامحُها تبدو حادة،
تنظُر نحو بيرت ثُم سيندي بإزدراء، هي حقًا لايبدو عليها كشخص جيد! مدت زاوية فمِها بِسُخرية مُردفة
:" ماذا تلعبون يا أطفال!" عقدت سيندي حاجبيها ليُجيب بيرت مُخفيًا إنزعاجه:" أيجب أن تستلي سيفُكِ
قبل بدأ المُبارزة؟ ماذا جاء بكِ لهُنا؟"
لقد تعمد مُعاملتها كما تعرفهُ طوال حياتها! باردًا لامُبالي وعديم الإحساس إذا لزُم! تمامًا كما تخطى
طريقة مُعاملتها للجميع بإزدراء كما ولو كانت مِحور الكون، طوال حياته! لو لم تكُن إبنة عمته، لكان تجاهلها فحسب.
كانت تسيرُ وهي تعقدُ يديها للخلف وتضربُ حذائها بالعشب مُفرغة كل إنزعاجها رُغم أنها حافضت
على ميلان زاوية فمها المُستفزة... أردفت سيندي وقد قررت مُجاراة بيرت:" لم أكن أعرف أنكِ مدعوة
بعد آخر مرة زعزعت سلاسة حفلة عيد ميلاد أنجليكا!"
ظهرت عقدة صغيرة بين حاجبيها لم تُبان طويلًا إذ قامت بِتحرير أساريرها مُجيبة:" شئت أم أبيت...
أنا فتاة خالي المُفضلة!"
نظرت نحو شقيقتها ثُم عادت تنظرُ لها لتُردف بِسُخرية وهيّ ترفع حاجبها الأيمن:" كلانا نعرف أن
آنجي فتاةُ عمي جوليان المُفضلة!"
نفخت الأخيرة وجنتاها لتُكمل سيندي مُبتسمة:" طفلة."
نظرتا نحو بيرت الذي إختفى! ثُم نحو الضيوف الجالسين... كانت آيرس تجلس بين نيو واليكس الذين
كانوا يبتسمون بتوتر لثقل الجو بين الفتاتان! قالت سيندي بِعدم فهم:" أين آني؟"
أجابت آيرس تنظرُ نحو ظهريهِما مُبتعدينِ مُجيبة:" لقد قال أنه يُريدُ التحدُث معها!"
ثم أعادت نظرها نحو سيندي وأمارات الإستفهام مُرافقة لإبتسامة
عريضة ترتسِمُ على وجهها:" لم تُعرفينا؟!"
نظرت لِذات الشعر الأملس مُجيبة:" إبنة عمة بيرت، آليا لوكان..."
كان نيو ينظرُ لها بِتقييم... تلكُما العينين القهوائيتين كانتا تشُعان بِحدة
ولم يكُن الأمر بيدها!
-اليست تلك النظرات المُرعبة هيّ سبب حُكم الناس عليها؟
الإبنة الصُغرى لأب كبير السن وشقيقة الأخ الذي يكبرُها بثلاثة عشر سنة!
لطالما كانت وحيدة رُغم علاقاتِها القليلة تحت إطار الزمالة في المدرسة... الفتاة التي تبحثُ
عن أي فُرصة لكسب الإنتباه مِن مَن حولها لدرجة الغيرة لِكون فتاة في الخامسة محط الإهتمام
! لكن وكما أشار بيرت، هيّ سيافة بارعة وتزعزع هدوء خصومها في المُسابقات... مع ذلك
تلكَ العيون الحادة تُزيد من سوء مكانتها الإجتماعية لتنزوي على نفسها في عالم الشابِكة الواسع...
ونيو لاحظ الأخيرة.

نهض جون وأنجليكا تُمسكه مِن يده وتوجههُ للداخل ويبدو عليهِما الإستمتاع، أدارت آليا جسدها مُتجهة
للداخل لتُغادر خلفهما فجون مايزالُ مسؤوليتها... كانت تبدو في مزاجٍ سيء....تنهدت سيندي وهيّ
تُعدل جلستها مُتقابلة مع الآخرين ليقُول نيو مُبتسمًا:" لقد خرجتِ عن طوركِ حقًا! أهيّ تُزعجكِ لهذه الدرجة؟!"
وضعت رأسها على الطاولة مُردفة:" تلكَ الفتاة... مافعلته معي لم يكُن بِقليل! فقبلَ سنتين قامت
بوضع عِلكة على وسادتي وأنا نائمة! تخيل الوضع الذي وجدتُ نفسي بِه في الصباح!
كل هذا لأن العم جوليان قال لي أني فتاتهُ المُفضلة! ولك حرية تخيل المواقِف التي وضعتني فيها..."
أومأ اليكس بِتفهم:" يبدو أمرًا سيئًا!"
لتقول بانزعاج:" إنهُ سيء بالفعل... لقد أجبرتُ على قصِ شعري ليُصبح كشعر الأولاد!
لقد مرت سنتان وكانتا الأكثر ثقلًا عليّ! لم أكن أخرجُ كثيرًا، كنتُ مُحرجة وخاصة في الشهور الأولى..."
أخفضت آيرس رأسها وثُم خللت أصابعها بين خصلات شعرها البُندقي...
-كنتُ لأجن! هذا يبدو صعبًا حقًا!
نهضت سيندي وهيَّ تحتضنُ نفسها:" هيا لندخُل! أكادُ أتجمد... ذلك البيرت أراهن أنه كان يتعمد
تعذيبي مع أنه يعرفُ أني أشعرُ بالبرد بِسهولة!"
بل هوكذلك بالفعل! نهض نيو وهو يسيرُ بِجانبها ليلحق بِهما اليكس وآيرس... تعثرت بالعُشب الزلِق
من أمطار الليلة الماضية لكن اليكس أمسكها في آخر لحظة... بالنسبة له، كان واضحًا كم هي خفيفة!
عدلت نفسها مُحرجة ومُتوردة ووضعت يدها على ذراعهُ بعد أن عرضها عليها... قال مُبتسمًا
:" أنتِ نحيلة جدًا! ألا يجبُ أن تكسبي بعض الوزن!"
قهقهت مُستمتعة:" في العادة يُطلب مِن الفتاة أن تُحافظ على وزنها أو تُقلله! أنا لا أفهم كيف تُفكر اليكس..."
همهم مُجيبًا:" أنتِ مُختلفة! فطولكِ ووزنكِ لايتناسبان... تبدين كما ولو أنهُ يُمكن كسرُكِ بِسهولة!"
كست زُرقة وجهها شعرت بالخوف وشعور لم تُدركه... لتُقهقه مُدعية المرح:" لن يحدُث ذلكَ..."

نظرت للأمام حيثُ كان نيو وسيندي يسيران مُنغمسين بالحديث.. كان ينظرُ لها ومن الواضح أنهُ
كان يبتسم، في حين كانت تضحك بِخفة... لطالما كان نيو بارعًا بِصُنع الحديث مهما كان الموقِف أو الشخص الذي يُحادثه...
-تُرى ما الذي يتحدثانِ عنه؟! لدي القليل من الفضول...

في حين دخلت آني لما بدا كمكتبة تراصفت الكُتب بألوانها وأحجامها المُختلفة على رفوفها الخشبية....
إنتظرت عودتهُ وهيّ تُلقي نظرة على الكُتب المنوعة، تمرر أناملها على عناوينها بهدوء...
-رواية الخيميائي! لم أجد الوقت لقراءتِها بعد! انهُ يملكُ نُسخة مِنها حقًا! هُنالك الكثير مِما تمنيتُ قراءته!
وقفت أمام كتاب كبير الحجم وسحبتهُ مُنبهرة...
-الإلياذة وباللغة الأصلية! كُتب هذا الكتاب باللغة اليونانية القديمة.... من يستطيعُ قراءتهُ على أي حال!
ألم تكن النسخة المترجمة كافية؟
أغلقت الكتاب وأعادته لمَكانه ومرت على باقي الكُتُب.... هُناك الكثير مِن الروايات المُتميزة!
-الآن وأنا أراهُم بِجانب بعض.... هُنالك الكثير لقراءته!
وصلت لمسامعها قعقعة خفيفة فنظرت نحو الباب بِجفل لتجد بيرت وهو يحملُ دفترًا اسود اللون، كانت مُفكرته!
تقدم بعد أن أغلق الباب خلفه بِملامح فارغة وجلس على الأريكة الكهرمانية المُزدوجة في المُنتصف...
إقتربت ووقفت بعيدًا عنه ولكنهُ أشار مُربتًا على الأريكة لتجلُس بِجانبه، ففعلت...
زم شفتيهِ مُتحدثًا:" في الحقيقة، هذا أمر كُنت أتمنى الحديث بِه معكِ أنتِ تحديدًا! هلا إستمعتِ لي؟"



* يُتبع *







 
 توقيع : فِريـال



رد مع اقتباس