عرض مشاركة واحدة
قديم 04-12-2020, 08:27 PM   #4
Ellen
عضوة مميزة


الصورة الرمزية Ellen
Ellen غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 53
 تاريخ التسجيل :  Feb 2020
 العمر : 24
 المشاركات : 9,889 [ + ]
 التقييم :  999
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة

مشاهدة أوسمتي












أدركُ أنّي كإسفنجةٍ مليئة بالثقوب، أينما تدورُ عيناكَ ما تكادُ تلمحُ إلا عيبًا.
أعرفُ أني لا أملكُ أنْ أدرأ عن عينَيك نواقصِي، ولا أستطيع أن أتوشّح بحُلوِ الكلام مثلًا لأعوّضك عن كلّ ما لا يُطاقُ فيّ.
ألمحُ ضيقَ ذرعكَ بي وبكلامِي المتخبّط وتعبِي الذّي لا تعرفُ له أولَ عن آخر، وألمِي الذي لا تعرفُ له سببًا..
أنا أحجيتُك التّي ما عدتَ فضوليًّا نحوها كمَا كنتَ أول مرّة.
يمكنّني أن أفهمَ أنّ محاولاتك صارت من دافعِ الرّوتين، وأنّك تتوقعَ لها مصيرًا محتومًا قبل أن تحاولَ حتى.. ستفشل، ولن تثمر.
معكَ حق! إنها مشاعرِي تعانقها قوقعة.
إنها أفكاري التّي تتشبث بتلابيبِ دماغِي وتأبى أن تتدحرجَ على لسانِي لتُعلنَ عن نفسها على الملأ.
هيَ مشاكلي وآلامي التّي تعتصرُ قلبي بقبضةٍ من جليد وتصرّ ألّا تفضحَ أمرها.
أنَا أغرقُ في مستنقعٍ من أمورٍ ما ظننتُ أن أختبرهَا يومًا.. أنا واجهتُ الموتَ والخيانةَ والفقدانَ والخطرَ والندوبَ والدموعَ وكلّ ما لا يتبادر إلى ذهنِك..
آهٍ لو كان بالإمكان أن أسجّل الحرارة التّي تتقدُ بداخلي في النّص الأدبي، أو كان محتملًا أن تُكتبَ الدّموع،
لو كانت الأفكار التّي تتسابقُ لإتلاف خلايا دماغي تستطيعُ أن تترتب بمفردها في جُمل،
أيّها التمزّق في فؤادي لمَ لا تظهرُ للعيان؟ لمَ لا تفضح نفسَك ها هُنا ما عدتُ أطيقُ احتماءَك بالأكاذيب؟
انسلْ من حجابِك وواجِه الدُّنى، أرهِم ما فعلَ عبثُك فيّ..
أرهمِ عيونِي المنتفخة، جسدِي النّحيل المُرهق المحرُوم، أرهِم الصّداع الذّي لا يفارقُني، وحبّذا لو أريتَهم سقَمي المستتِر.







لا، لم أركُض نحوَّ النافذَة، لطالمَا كنتُ أكثرَ بؤسًا ويأسًا مِن أنْ أسعَى لضُوءِ الشّمس، كنتُ أدركُ أنّ مآلها الغُروب،
ففضّلتُّ أن أنكمِش، أتكوَّر، أحدّق بنافذِتي عن نَأيّ، أغمضُ عينيّ، وأبصرُ العتمَة، أرتجِفُ، أبكِي، أنا أوهَن منْ أن أحوزَ بصيصًا مِن نُور،
لأنّه إذَا مَا خَفَت سيَسِلُّ معه رُوحِي، ويُغيّبني في سُدفات القُنوط التّي لا قَرارَ لها، وبالمختَصر، سأذُبل وأذُود، سأمُوت.
لا، لم أركُض نحوَّ النافِذة، أخافَني الجَمال القَابعُ وراءَها، أرعبتْني فكّرة أنّي لا أستحقّه، وأنّي لا أعرفُ كيفَ أحافظُ على أكثرِ ما أحبُّ وأملِك،
أنَا جبانَة، مزاجيّة، مُريعَة المعشَر، كثيرًا ما أتذبذب، بالأخطاءِ أُسهِب، أهروّل أتعَب، أخطو خطوةً أتراجعُ ألفًا، أمقُتني، أخافُني، أنا أنانيّة طمّاعة شَرهَة للضّياء،
رغمَ كلّ النّواقصِ التّي تعتريني، أناجِي في دواخلي للنّور، لكن لا؛ لم أركضَ نحوَّ النافذَة.
أنتَ النّافذة! وأنتَ النُّور الذّي ينتظرُ وراءَ قضبانِها، أنا المُتعَب الذّي يحدّقُ في حنين، أنا القُضبانُ والسّجين..








- دانيال.
همست باسمِه وهي تتأملُ بجثته مفتوحةَ العينين الملقاةِ على الأريكَة، إنّها تعرف أنه خاويَ الرّوح منذ فارقهُما، إنّه لم يذرفْ دمعةً واحدة،
وفي الجنازة كان ينبضُ بالقوّة وهو يحاولُ تهدئةَ أخته الصغيرة، تقمّصَ دورهما على الفور، صار أبوها وأمها.
حرّك شفتيه ببطء وأجابها: ما الأمر؟
أمعَنت النظر بشفتيه المزرقّتَين من البرد، منذُ يومين زارهمَا حفنةٌ من الأصدقاءِ، أبدَى بريقًا في عينيه جعلها في حيرةٍ من أمرها..
تعاملَ معهم بحيويةٍ تعرفُ أنّ لا جذورَ لها فِي فؤاده، ابتسمَ هنا وألقى بنكتةٍ هناك، واختلق الأحاديثَ ولم يهدأ طوالَ السّهرة،
كان متّقدًا لمّاعًا ما دفع بصديقتها لأن تهمسَ في أذنها: أحسدكِ عليه، لقد انهارَ زوجي عند وفاة أبيه وظلَّ سنواتٍ يحاولُ تجاوز الأمر، لكن دانيال! بعد كل ما مرّ به مؤخرًا، انظري إليه..
إنها تنظُر، لكن ما تراهُ أمامهَا هو مَيتٌ يتصنّع الحياةَ بكلّ ما لديه.. تحسدني؟ إنّ دانيال مغيّب في أحزانِه ولكنّه متحصنٌ بالوهم.. يحاولُ أن يكونَ بطلًا لأجلِ أخته ولأجلها.. لكن..
مدّت يدها إليه وقالت: هيّا قُم معي، أعددتُ ملابسك لتأخذ حمامًا ساخنًا ثم سنتناول العشاء.
وتناولت يده برفقٍ فابتسم لها في حنان ووقف على قدميه لكنه لم يترك يدها وبقي واقفًا يحدّق في عينَيها ويضغطُ يدها بأنامله، كما ولو أنّه يستنجدها.
- دانيال.
همستها أيقظته فترك يدها ببطءٍ وهو يهزّ رأسه، ولكنها ما لبثت أن خللت أصابعها بين أصابعه وأحكمت احتضان يده فنظرَ إليها مبهوتًا.
بادلته بابتسامةٍ لطيفة وقالت له ببساطة: أنا أحبك.
وأحست بالقشعريرة التي عبرت لجسدها منه، ورأت ارتجافته الضّعيفة ولمحت أهدابه التّي تحاول عبثًا سترَ عينَيه الدامعتَين.
- أتعانقني؟
وما إن انتهَت من لفظ حرف الياء حتى ارتمى بجسدِه الثقيل نحوها وشرعَ ينتحبُ ويشهَق،
ووهنت أقدامهم تدريجيًا إلى أن أصبحا جالسينِ أرضًا يديهَا تحتضنُ خصلات شعرِ رأسهِ المدفونِ بحضنها، وهو يبكي كالطفلِ في حضنِ أمّه.













 
التعديل الأخير تم بواسطة Ellen ; 04-13-2020 الساعة 05:22 PM

رد مع اقتباس