عرض مشاركة واحدة
قديم 05-27-2020, 11:52 AM   #3
AM.
https://www.anime-tooon.com/up/uploads/at165286508456371.png


الصورة الرمزية AM.
AM. غير متواجد حالياً






heart0
حِكاية ماقبل النَّوم♡

.
.
في مملكة السماء، حيثُ كانت الحياة مُلكٌ للجميع، وُلدت ابنة جميلة، للملكة (الرَّباب) والملك (غَمام).
تباهَت بها الغيوم أمام مشارق السماء ومغاربها، فقد كانت آيةً في الجمال، شديدة البيّاض والنعومة، رهيفة الحِسّ، يُحبها الصغار والكِبار، والنفس توَّاقة لسماعِ صوتها الخلاب، والقلب ينبضُ لمرأى طلَّتها البهيّة.
ولكنْ، كانَ يجب أن يكون هناك مَن امتلأ قلبه بالحقدِ والأنانية، من يتمنى الحياة لنفسه وشعبه فقط، كان ملك بلاد البرق (نِبراس) مثالًا على ذلك.
لم تعِش ابنة الغيم كثيرًا في ظل والديها، كما لم تذُق حنانًا أو عطفًا من لدنهُم سوى في أيامها الأولى القلائل، ففي غمضة عينٍ، في يومٍ استمر فيه الغدق بالهطول، خطفَ البرق على حين غرةً ابنة السَّبعة أيام، فاجعةٌ جعلت الندم يجري في نفسِ الملك أنهارًا، أنبَّهُ ضميره، كونه قد غفِلَ عن أمرٌ تكادُ تكونُ أهميته كأهمية نزول الغيْث لأرضٍ جرداء قاحلة، ألا وهو خلافٌ قديم كان بين اثنين لا ثالث لهُما، الملك (غَمام) حاكمُ بلاد السُّحُب، والملك (نِبراس) حاكم بلاد البرق.
انتهى إلى تهديدٍ واعد نحوَ الملك (غَمام) بقولهِ: "أول مولودٍ تضعه زوجُك، لن يحظى برعايتك، بل سيكون تحت رحمتي أنا!" وأتبع كلامه بضحكةٌ لها من الشرِّ مالها.
حاول الملك (غمام) نسيان الأمر والتغاضي عنه، لكنه كان خطأً فادحًا أدركه مُرتكبه لتوّه، حيثُ أنه لما استيقظَ يومًا ولم يرَ ابنته (الدِّيمة) تتوسطه هو والملكة (الرَّباب)، أظلم الكون في عينيه ودوامةُ من السواد احتلَّت أحاسيسه، أما الملكة (الرَّباب) فقد انهارت بكاءً كما لم تبكِ من قبل –الأمرُ الذي تسبب بهطول الودَق لعدة أيام-.


.
.
بعد مَضي شهورٍ عدَّة..

في البُعد الآخر من الكون، بالأسفل.. على سطح الأرض، حيثُ تنبض الحياةُ فيها أكثر من خليلتها بالأعلى، فترى الأنهار تشقٌّ الغابات والوديان مرحًا، والسهولُ الشاسعة تُعانق الهضاب حبًّا، فيزيدان في بعضيهما اللون الأخضر المُبهج، كما و تألَّقت الحدائق والغابات بمُختلف النباتات والحشائش، والأزهار ذات الألوان الزاهية و الجذَّابة..

وهنا تبدأ حكايتنا الصغيرة..

لم تكن الأزهار بحالة جيِّدة في ذلك اليوم، فقد اختفت الأميرة (أُقحوان) من القصر، ولم تكُن المرة الأولى، فقد كان هذا يتكرر مرَّة في كل شهر، والغريبُ في الأمر أن كل اختفاءٍ للأميرة، كان يسبقه هطول المطر بغزارةٍ دون توقف. حتى أنَّ الملك قد حبسها في غرفتها ليُبقيها تحت ناظريه، ويُطمئنُ قلبه لرؤيتها بخير، وفي كل مرة يتنبأ فيها بهطول المطر، كانَ يشدّدُ الحراسة عليها، حيثُ كان يظنُّها تهرب بملء إرادتها.. لكنَّ ذلك، لم يجدِ.
كان من المفترض أن يكون الملك (زنبق) قد اعتاد على هذا الأمر، لكنه وبطريقةٍ ما، لم يفعلْ.
حتى أنه لما اندفع نحوه أحد حُرّاس الغرفة الخاصة بالأميرة، مضطربًّا، مُعلمًا إياه باختفاء أميرتهم، قائلًا:
-" سيدي، لقد هطلَ المطرُ ثانيةً، والأميرة اختفت مجدَّدًا!"
نهضَ مغاضبًا، لا يرى ما أمامه لشدة ثورانه..
صاحَ قائلًا: "ويلَك! أفما أمرتُك بحرسها جيدًا ومنعها من الهرب؟ فلمَ إذًا قمتُ بتشديد الحراسة على غرفتها؟ أنتَ مفصول، لا أرغب برؤية وجهكَ السَّمج!"
كان تهديدًا مبطَّنّا لما سيُلحقه بهِ الملك من أذىً إن استمر بالوقوف أمامه، لذا لم يعترض على قوله، ولم يتجرأ حتى، بلِ انصرف مسرعًا والخوف يعلو ملامح وجهه.

أرسلَ الملك في البحث عنها، -وقد كان يخشى أن ترحل عنهُ وتتركهُ وحده كما فعلت زوجته- إلى جميع أنحاء مملكته، ، بيدِ أنَّ الملك وابنته كانا محبوبَيْن لدى أغلبيَّة الشعب، حتى من قبل أن ترحل الملكة (خُزامى)، إلا أنه كان لابدَّ من وجود المتمردين في كل زمانٍ ومكان..
فَمنطقة (النرجس)مثلّا، سكانها لم يُبدوا أية اهتمامٍ تجاه ما أُمروا به، إذ أنَّ جُل إهتمامهم كان مُنصبًّا على أنفسهم، وكلّ واحدٍ منهم كان منشغلًا بطريقةٍ تجعلهُ الأجمل والأكثر جاذبية من بين أقرانه، أما منطقة (الياسمين) فقط كانت على النقيض تمامًا، فقد تشتَّت أريجها لما خالجها من خوفٍ على الأميرة في تلك اللحظة، فيما بدؤوا - برقَّتهم وحبهم لمساعدة الغير- بإرسال جنودٍ يمشطّوا المنطقة بحثًا عن الأميرة، وقد امتدَّ بحثها إلى منطقة (النرجس) إذ كانت حدودهم جيرانًا لحدودهم، وهكذا بقيّة المناطق.. منطقة (الكاميليا) ومنطقة (اللوتس) ومنطقة (الجُوري)..إلخَ.

لكنَّ أحدًا منهم لم يُوفَّق بإيجاد الأميرة، مما جعل الملك يجلس على عرشه مرَّة، والحزن قد كسا وجهه حتى أطراف بَتلاته، يفكُّر مليًّا، بما قد يكونُ سببًا لجعل (أقحوان) تهرب من القصر! -على حدِّ ظنه-، إلى أن تسلل النعاس لجفنيهِ، فاستجاب لهُ طوعًا.

"سمع الملك في حلمه صوتًا غليظًا ومرتفعًا يُخبره بالطريقة الوحيدة لإيجاد أميرتهم الضائعة"
وفور استيقاظه، شرع بتنفيذ ماقد عَلِمَ به..
فقد نشرَ لغزًا، كتبه على عدة أوراقٍ كبيرة، وأمرَ بتعليقه في أكثر الأماكن ازدحامًا حتى تراهُ كافة الأزهار.

لم تكُن زهرة (قرنفل) معمِّرة قد حباها الله بفكرٍ مُحنَّك، ولغزُ كهذا حلّه كَالأرتواء بالماء بالنسبة لها، هيَ من استنتجت الحل..
فَذَكرٌ من فصيلة (الكادي) هو من كانَ، قدَّمه للملك، فتبسم الملك لدى رؤيته يحلُّ لغزه بنموذجية، مُردِّدًا:
-" أنتَ إذًا من سيعثرُ على ابنتي (أُقحوان) .. أنتَ ولا أحد غيرك".

ولم يكن يعلم، أن بعثورهِ عليها، سيدبُّ الحزن في قلبهِ كما لم يفعل من قبلُ أبدًا.

كانَ السبب مجهولًا، اللغز والحل والرابط بينهما وبينَ العثور على الأميرة مجهولًا أيضًا، لكنه بالفعل.. وجدها!

*
كانت صدمة للملك (زنبق) أن يعرف الحقيقة، كونَ (أقحوان) لم تكن ابنتهُ في الأصل! ، بل ابنة لمن هُم بالأعلى، الملكة (الرَّباب) و الملك (غَمام)، الذين داومَ على شكرهم مُذ أن عُيَّن ملكًا، على فضلهم وكرمهم معه، ومع شعبِ مملكته..

أما زهرة الـ(كادي) فلَم تكُن سوى (راعِد) حفيد ملك بلاد الرُّعود الأول، إذ أنَّ والداه قد أرسلاه للأرض، علّه يعود ومعهُ (الدِّيـمة) التي أرَّق غيابها قلبَ أمها، فتقَرُّ عينَها لرؤيتها ويطمئنُّ فؤادها لقربها، حيثُ أنَّ الله قد حباهُم بعلمٍ أوسعَ من سكان الغيم، إذ أنهم قد علموا شيئًا عن احتمال وجود (الدِّيمة) ابنة الملك والملكة بالأسفل، ومالم يكونا يعلمانه.. –هُم وسكان بلاد السُّحُب- هو قدرة شعب السماء على التحوِّل لزهرة.

ففِي ليلةِ أُخِذت ابنة الغيم من قِبَل منابِع النور، لم يستطع الملك (نِبراس) جعلها كُتلة من طاقةٍ وحرارة تأخذُ بالحيَوَات ولا تُبالي.. لقسوة ماصُنِعت أرواحهم!، بل هيَ ولتغلُّب قوى الخير على قوى الشر التي لا تكاد تكونُ مقدار ذرَّة في نفسها، كسَرت قواعد الكون، وأضحَت زهرةً عوضًا عن ذلك.

أما عنِ اختفائها المُفاجئ، ومايربطهُ من عَجَب بهطول المطر، فقـد فسَّرهُ (الدجن) - وهو حكيمُ شعبِ السُّحُب، وقد عاشَ من العمر مايُقـارب الثلاثُمئة سنة- بقوله:
-"إنَّ هذا مايُسمى بالتخاطر، رغبتها برؤية والديها وحبها الجّم لهما مُذ أن ولدت، رغم أنها لم تراهما قطُّ، كانا أقوى من كل شيء، لذلك في كلّ مرةٍ كانت أمها (الرَّباب) تذرفُ لترات من الدموع - وقد كانت المرات تُصادف يوم مولدها، علَّ فلذتها تعودُ إليها فتُعيد في نفسها الحياة كأوَّل مرةٍ ولدت فيها-، كانت هيَ تصعد للسماء، بجسدِ زهرة وروح غيمة، تواسي أمها وتقبُّلها مرارًا، دونَ أن تُحس هيَ بها".

وبالطبع لن تجحدَ (الدِّيـمة) فضل ملك الأزهار عليها، وكيفَ أنه اعتنى بها وربَّاها وجعل منها ابنتهُ، - إذ أنَّ (أقحوان) ابنته، قدِ اختفت وأمها (خُزامى) في حادثٍ مؤلم، لذا، حالَ رؤيته لها مُلقاةً أرضًا أسفلَ سماءٍ امتلأت بغيوم ملبَّدة و ودقِ غزير، ظنَّ أن ابنتهُ قد عادت إليه-، حيثُ شكرته، ولم تتوقف عن زيارتها له بين الحينِ والآخر، ولا عن روايتها له عن كل مايحدث لها في بلاد السُّحُب، وتحديدًا حَدَث زواجها بـ(راعِد) الذي أصبحَ -فيما بعد-، ونيسُ أيَّامها، وضحِكات قلبها، و سعادته.

وقد كان خبرًا مُفرحًا حدَّ أن الغيوم كلها اتفقَّت على أن تتلون بألوان الطيف، فترى السحب تتمدد بلا نهاية، في مساحات شاسعة لا حدود لها؛ وأحدُها يعتنق لونًا أحمر، وآخر أصفر، وأُخرى اختارت اللون البَنفسجي خليلًا لها، وهكذا.. حتى النهاية.



تمَّت بحمـدِ الله.
١٤٤١/٣/٢١هَـ.




 
 توقيع : AM.


اللهم صلّ وسلم وبارك على مُحمد.
دافئ جدًا: مَعرضي~



رد مع اقتباس