كعادته استيقظ باكراً يحضر الإفطار وعقله سافر لذكريات الأمس بألمٍ وحُرقة ....
كلماتها المسمومة ترددت في أعماقه تنتزع قلبه من جوفه وهي تصرخ به : لست أهتم مهما كررتها لتكرهني قدر ماتشاء ، لست أتسول المحبة مثلك ، لست ضعيفة بقدرك .
قبض كفه على الصحن وقد توقف عن غسله وصوتها لايزال يقتحم أسماعه ينهكه : أوتحسبني لم أرك تنظرني بغيرة حين أكون وتيريزا معاً ، أدرك تماماً كم تتمنى أن تتبادلا الأدوار ، أن ألامس رأسك بكفي ، أعانقك .. أن أقول لك بقدر الدنيا أنا أحبك .. لكني آسفة لأن الحقيقة مختلفة أيها الولد المنبوذ ، لتعش ماعشته أنا .. فبالرغم من وجود أب محب لك يدلك ويهتم بك ، لم أكن أملكه أنا .. لقد نُبذت من كلا أبويي .
_ وكنتِ تستحقين هذا ، لقد نبذت لأنك سيئة ، لا ألومهم إن فعلوا لك ذلك .
بنصر أجابته مبتسمة كما لو أنها قد وصلت لمبتغاها : وإذاً لي الحق بذلك أيضاً ، فأنت ولد سيء نلت مايليق بك ، ولايحق لك لومي، فكما تعلم فاقد الشيء لايعطيه ، ولدت قسراً وعشت رغماً عن الجميع رغم كونك غير مرئي ، فتى يعيش في الظلال فقط.
هربت من عيونه دمعة محرقة مسحها بسرعة بذراعه واستتم عمله ولايزال يتذكر بوجع كلماتها : إنك تشبهني لحدٍ أكرهه ، ذات العيون الحاقدة الموجعة ، ألم تتسائل قط لم تشبهني تماماً بينما لاتملك من والدك أدنى سمة .
نظرها حائراً مستنكراً بينما أكملت تهمس له بخبث : ماذا لو لم تكن ابنه؟
اتسعت عيناه بذهول غير مصدق ، وبصعوبة أخرج كلماته الكارهة مشمئزاً: لأي حدٍ أنت مقرفة ، لا أستطيع وصف دنائتك حقاً .
ضحكت ساخرة وهي تقترب منه بينما كان يبتعد بكراهية : للأسف .. كانت مجرد مُزحة ، لتكن سعيداً فأنت ابن آرون الساذج الممل .
أغلق الماء وتنهد بعمق وهو يفكر كم سيستطيع العيش معها بعد ، بكل ذلك القدر من الكراهية ، بكل مايشعر نحوها من اشمئزاز ونفور .
توجه نحو غرفة شقيقته يوقظها بحنان ومحبة : عزيزتي تيريزا ، لقد حل الصباح .
فتحت عينيها الناعستين بكسل : أريد النوم أكثر بعد .
_ لقد تأخر الوقت وقد حضرت الإفطار تعالي لنتناوله قبل أن يبرد .
أومأت إيجاباً وهي تنهض مبتسمة : صباح الخير أخي العزيز .
قبلت خده ثم أسرعت تغسل وجهها وهو يتأملها بابتسامة ذابلة " لحسن الحظ أنها تهتم بكِ ، ولو كان بقدر ضئيل ، على الأقل لن تشعري بهذا القدر من الألم حين تشعري أن لاقيمة لك أبداً "
......................................
أمام المرآة وقفت تنظر صورته المنعكسة عليها وهو يسرح شعرها العسلي المموج ، رفعه للأعلى كذيل حصانٍ وربطه بعقدة زهرية طويلة الاطراف .
_ هاقد انتهينا ، إنك جميلة بحق ياعزيزتي الصغيرة .
ابتسمت بامتنان وهي تتأمل شعرها : شكراً أخي العزيز .
_ على الرحب ، خذي حقيبتكِ .
حملتها وسارت معه نحو الخارج بيد أن المرأة بصوتها المبحوح استوقفتهما : انتظرا أيها الولدان ، أين افطاري؟
زفر بضيق وهمس لشقيقته التي نطقت بعد برهة : إنه في المطبخ على الطاولة .
_ جيد لقد تعلم درسه جيداً وفهمه على مايبدو .
قبض يده محاولاً التزام الصمت وإمساك نفسه عن الرد الذي قد يقحمه في المتاعب ، بينما الفتاة تنظره قلقة .
اقتربت منهما وأمسكت بيد الصغيرة بخبث : أخبريني عزيزتي تيريزا ، كم من المال أعطاكِ والدكِ؟
ازدرت ريقها بذعر، وسرعان ما أخرجت محفظتها، وقبل أن تخرج مالها كان الفتى قد أمسك يدها مشيراً لها بالرفض ، بينما أخرج محفظته وأفرغها بيد والدته : إن كان ذلك يرضيكِ ويكفيكِ فابتعدي ، لقد تأخرنا .
أخذت تعدها بلامبالاة : ليست كثيرة ولكن لابأس ،إنها أفضل من لاشيء .
مدت له ستون روبل ( مايعادل دولار واحد) بابتسامة ساخرة : خذ هذه لتشتري لك بها بعض الطعام .
رمقها بنظراته الحادة الكارهة ، ودون ان يجيب أمسك بيد شقيقته ،وخرج وإياها من المنزل تشيعهما ضحكاتها المستفزة .
.........................
يومٌ صباحيٌ امتزجت فيه زقزقة العصافير مع أصوات التلاميذ وصخبهم المحبب ، كان عسلي الشعر أمام خزانته يرتب حاجياته حين قفزت خلفه الفتاة بمرح : صباح الزهور والسرور .
بابتسامة لطيفة أجابها وهو يغلق الخزانة : صباح الخير كريستي ، أراكِ مبكرة .
_ المنزل مضجر ، أردت الخلاص منه سريعاً.
مستنكراً بسخرية : اوه أهناك من يضجر من منزله؟
_ أنا وأنت بالطبع .
ضحك كليهما معاً وقد أشار لها أنها إجابة موفقة ، وإذ بأحدهم يضرب ظهريهما براحة يده ثم يتوسطهما وذراعيه تحيط كلاً منهما : صباح الخير يارفاق .
_ اوه ديريك وأخيراً! مضى زمن لم أرك فيه تزين ممرات المدرسة .
_ لقد عدت ياعزيزي بإمكانك التنفس بارتياح الآن .
أبعدته الفتاة مستاءة : إنك تخنقني أيها البغيض .
رد وهو يدفعها ممازحاً : لئيمة أنتِ يافتاة .
صوت ناداه باسمه من خلفه أجبره على الالتفات ينظر الرجل الواقف بغضب متوعداً: وأخيراً أنرتنا سيد ديريك ، تفضل لمكتبي في الحال .
التفت لسيكيم هامساً : لقد وقعنا في الفخ ، الوداع ياصديقي .
وبدرامية تركهما يتبع معلمه والفتاة ترتب هندامها بلا اكتراث: يستحق .. ذلك الفظ .
_ سيتلقى التوبيخ حتماً ، كم أرثي لحاله.
................
_ إذاً ديريك ، لمن ندين من أجل حضورك السامي للمدرسة بعد غياب اسبوعين متتاليين ؟
_ معلمي العزيز ، كما تعلم جدتي ضعيفة ولا أحد برفقتها فالسيدة التي تعنى بها مريضة ولايمكنها الاهتمام بها .
_ ياله من عذر ، دائماً تحتج بجدتك المسكينة صحيح .
_ إنها الحقيقة معلمي ، إن لم تصدقني رافقني للمنزل لتراها بأم عينيك ، صدقني ستحبها كثيراً ، كما أنها تبحث عن عريس ، ولا أظنها ستجد أفضل منك .
صرخ به غاضباً : أيها الوقح عديم الاحترام ، سأوقع على رسوبك حتماً.
بابتسامته اللا مبالية أجاب بحماسة : سيكون ذلك عظيماً ، سأمضي المزيد من الوقت معك يامعلمي الحبيب ، كنت للتو أشعر بالأسى لأننا سنتركك قريباً .
صرخ به بكل غضبٍ متعباً : ستقتلني أيها الولد أقسم أني سأستقيل بسببك .
_ قبل أن تستقيل أحب أن أدعوك لحفل زفاف أخي لويس أنت تعرفه حتماً .
أخرج من حقيبته بطاقة دعوة وأعطاها له بينما نطق الآخر بيأس : ليتك كنت مثله ، لقد كان الفتى الأكثر هدوءاً واحتراماً على عكسك أيها الشقي .
أجابه وهو يهم بالخروج : أنت محق ، لامثيل للويس إنه المفضل عندي كذلك .
وضع الرجل على الطاولة ورقة محذراً : قبل أن تخرج خذ هذه معك وأعطها لوالديك ، أخبرهما أني أريد استضافتهما غداً.
_ لم هما ؟ لاتزعجهما أرجوك معلمي لن يجيئا حتماً لديهما الكثير من المسؤوليات ، ليأتي لويس مارأيك؟
بنظرة جادة غاضبة أجابه فاستسلم بلا حيلة : حاضر بأمرك .
وبهمس أكمل : معلم متوحش .
خرج وأغلق الباب من خلفه ونظر للورقة ملياً ، ومالبث أن مزقها وألقاها في حاوية النفايات ليكمل طريقه بلا مبالاة .
......................................
توالت الحصص روتينية اعتيادية ، فسيكيم يحاول جاهداً تجاهل الإهانات الواضحة التي كتبت على لوحة الصف ، فور وصوله ، تلتها الأوراق التي وزعت على التلاميذ من قبل خصمه الكاره ، بينما ديريك كان يحاول جاهداً تعويض مافاته وأفكاره تختطفه بين الحين والآخر رغماً عنه .
مددت الفتاة ذراعيها محاولة أن تستعيد نشاطها ماإن خرج المعلم من الصف ، نهضت بعدها تجلس على طاولة عسلي الشعر : وأخيراً بإمكاننا التنفس قليلاً .
كان يجمع الأوراق وهو يخاطبها بانشغال : محقة ،وبوسعنا أخيراً التخلص من القمامة .
نهض متوجهاً نحو مقعد روبن و بابتسامة هازئة وضع الأوراق على طاولته: عزيزي روبن .. أصبحنا في الخامسة عشر من عمرنا ، كبرنا ياعزيزي لم نعد أطفالاً ،أصبحت هذه الطرق قديمة للغاية ، بإمكانك تجربة أمور أكثر إثارة ومتعة .
أتبع وهو ينظر الجالس بجوار المعني: اعذرني لازعاجك ستيف ، لابد وأنك تشعر بالسوء لأنك مجبر على الجلوس بجوار طفل فوضوي مشاكس ،أرحب بك بأي وقت إن شئت تغيير مقعدك .
لم يجبه واكتفى بنظرة قلقة مدركاً أن المتاعب قد بدأت تواً .
بادله روبن الابتسامة الساخرة وهو ينهض ويشد ياقته : ما رأيك بقتالٍ يسوي الأمر إذاً ؟
أبعد يده باشمئزازٍ وأجابه وهو يرتب قميصه : مستعدٌ للغاية لهزيمتك ، إذاً موعدنا عند استراحة الغذاء ، في الساحة الخلفية ، لكن رجاءاً لاتبكِ كالأطفال بعدها ياعزيزي .
_سنرى من سيبكي وينتحب ياابن السكيرة اللعينة .
هم بالمغادرة ولكنه تراجع واستدار له بنظرة مستنكرة : حسناً أعترف أنها كذلك ، ولكن لايبدو أنها وحدها المعيبة والمذنبة ، ربما لو استطاعت والدتك الاهتمام بزوجها أكثر والإمساك به لما نظر لغيرها ،أولست محقاً؟
انعقد حاجبا الآخر بغضب جلي ،ودون تروٍّ أكمل الآخر مستفزاً: لربما لم تكن أنثى بما يكفي لأجله .
وجه له لكمة ساخطة تفاداها سيكيم سريعاً ونظرة النصر علت قسماته المنتقمة ،وقفت الفتاة بجانبه تناصره : مابك ؟ كان الأمر ممتعاً بالنسبة لك حين كنت تضايقه وتزعجه ، لأي سبب تغضب إذاً ،الأمر لايستحق .
عاد روبن يهاجمه وهو يتمتم بشتائم عدة، والآخر يبادله النزال كما لو أنه كان يترقب تلك الفرصة لإفراغ كل غضبه ، بينما التلاميذ يرقبونهم بين مؤيد ومعارض ، ديريك كان يتأملهم ببرود وقد أسند خده لكفه ، وكريستينا كانت تبتسم بحماس تشجعه ، بينما ستيف كان ينظرهما بضيقٍ مستاءاً.
قطع الشجار صوته المهيب وقد وقف أمام السبورة يضربها بعصاه ،مما جعل الفوضى تهدأ والنزال يتوقف وقد تدخلت الفتاة ممسكة ذراع صديقها .
رمقها سيكيم بنظرة مستاءة لم تفهمها وعاد بهدوء لمقعده بينما غريمه ينظره باحتقار وقد صرخ بهما المعلم: ماكل هذا الشجار ؟!أهذه مدرسة أم حلبة نزال ، سيكيم وروبن قفا حالاً وغادرا الصف ، ليحل المدير مشاكلكما التي لاتنتهي!
قبل أن يجيب أياً منهما كان صوت هاتف رملي الشعر قد تردد في أرجاء الصف مما جعل العيون أجمع تُنصب نحوه ، أجاب بسرعة وسط ذهول واستنكار المعلم ، وسرعان مانهض ديريك مذعوراً ما إن أتم مكالمته وهو يحمل حقيبته : المعذرة معلمي سأقاطع عقابك ولكني بحاجة لسيكيم ليساعدني فجدتي مفقودة .
أمسك يد الشاب واقتاده خلفه وهو يهرول خارجاً ، مالبث أن هتف سيكيم بأسود الشعر مستنهضاً: هيا ستيف ماذا تنتظر علينا مساعدة ديريك بإيجادها !
أومأ بالنفي بتوتر واضح : لا .. لايمكن سأتابع دروسي .
أمسك ذراعه يجبره على النهوض : صدقني لن يرحمك القائد ميخائيل إن علم أنك لم تقدم المساعدة .
_ كلا اترك يدي !
التفت سيكيم لمعلمه معتذراً: آسف معلمي لابد وأنك تقدر أنه موقف إنساني ...
_ سيكيم أسرع هيا !
ناداه ديريك فتبعه دون إعطاء فرصة للمعلم بينما يقول وهو ينطلق خارجاً:
_ سأعود لاحقاً للتكفير عن فعلتنا .. وداعاً .
تبعاه والآخر مرغماً يسير من ورائه ممتعضاً ، نهضت كريستينا وهي تحمل حقيبتها وحقيبة صديقها تصرخ بهما: انتظراني إني قادمة معكما.
أتبعت بابتسامة مضطربة : المعذرة معلمي إنه أمر طاريء .
خرجت خلفهما والرجل لايزال مصدوماً يحاول استيعاب مايجري ، وماإن خرجوا حتى ترك الرجل القلم على الطاولة يتمتم بتعب :هذا القدر يكفي .. سأصاب بالجنون حتماً !.
.............................................
_ لا أصدق هذا لقد هربنا من المدرسة فعلاً.
قالتها الفتاة بحماس فأجابها أبنوسي الشعر مستاءاً: لاتبدو نهاية الأمر جيدة ، لقد ارتكبنا خطأً فادحاً.
رد سيكيم وهو يسير خلف رفيقه : أعتذر لاقحامك في الأمر ، لكن ديريك بحاجتنا الآن ولابد أن نكون يداً واحدة .
_ لاتكترث لأمره عزيزي سي ، لقد خرج من قوقعته لأول مرة في التاريخ لابد وأن يكون مستاءاً، شخص ممل مثله لن يفهم متعة المغامرة .
بلامبالاة رد ستيف : تركت المغامرة لأصحابها ، مشاهدتها كل يوم تكفي عن مواجهتها .
باستنكار سألته مغتاظة : مالذي تعنيه ياهذا .
ابتسم ببرود يجيبها : مافهمته آنسة كريستينا ، أجواء المدرسة مثيرة بما يكفي ، لاتهدأ أبداً بوجودك .
_ أيها ال....
قاطعها سيكيم مؤنباً بينما أغلق رملي الشعر هاتفه بعدما أخبر شقيقه بما حدث، والتفت لهم يخاطبهم قلقاً : هذا ماتوقعته ، إنها صعبة الاعتياد وبالكاد اعتادت على آنيا ، والآن ومع الفتاة الجديدة شعرت بالخوف حتماً ، قالت أنه قد مضى على خروجها أكثر من نصف ساعة ، أين من الممكن أن تكون .
أجابه سيكيم وقد وضع يده على كتفه : لاتقلق ديريك سنبحث حتى نجدها ، لا أظن أن أحداً سيهمل عجوزاً تتجول وحيدة .
بقلق أجابه وهو يعيد هاتفه لجيب معطفه: أرجو ذلك حقاً .
...............................
أوشكت الشمس على المغيب وقد استبد اليأس بقلوبهم ، بعد بحثٍ مضنٍ وسؤال ، وضع كفيه على ركبتيه منحنياً يلهث بتعب ، وسرعان مااستقام يرقب ماحوله بشتات .
_ أين يمكن أن تكون .. ماذا لو أن مكروهاً حدث لها .
كانت الألحان والأغنيات تصدح قريباً منهم في عرسٍ روسي تقليدي أمام الكنيسة حيث تم عقد القران تواً ، وقف الأربعة يتأملون الحفل وقد كانت العروس تهم برمي زهورها .
_ جدتي ..
تمتم ديريك وهو ينظرها تسير نحو العروس بقدمين حافيتين ووجه متعب .
أسرع نحوها ييعد كل من يقف في طريقه حتى وصل إليها وأمسكها برفق : جدتي .. حمداً لله لقد وجدتكِ أخيراً .
كانت لاتزال تتأمل العروس بتحسر وقد سقطت الزهور أمام قدميهما وسط أنظار الجميع ، حمل الباقة بتردد ثم رفع ناظريه نحو العريسين بابتسامة ممتنة وقد كانا يبتسمان بدورهما ابتسامة عطوفة .
_ جدتي انظري ، هذه الزهور لكِ ،يبدو أن علينا الاسراع بإيجاد عريس لسموك.
ظلت بصمتها المحير فخلع حذائه وألبسها إياه : إنه كبير بعض الشيء ولكنه سيحمي قدمك ريثما نعود للمنزل ، تعالي عزيزتي .
أمسك ذراعها يحاول اصطحابها لكنها بقيت واقفة بلا حراك لاتزال تتأمل العروس ،وأخيراً نطقت بصوتٍ ضعيف : اهتم بعروسك جيداً يابني ، أسعدها مااستطعت .
أومأ الرجل لها إيجاباً بابتسامة حائرة ، حركت العجوز ساقيها نحو الشابة وخلعت سوارها الذهبي لتلبسه إياها : لتكن هدية عرسك ياابنتي ، كوني سعيدة دائماً.
ابتسمت العروس وعانقتها بمحبة : شكراً لكِ ، لقد فعلتِ مالم تفعله عائلتي اليوم وقد تُركت عروساً وحيدة ، من كل قلبي أشكركِ ، لكن لايمكنني قبول هذا السوار الثمين .
أحاط ديريك العجوز بذراعه وهو يتأملها بعطف ثم أحال ناظريه نحو العروس : إن قبلته منها ستكون سعيدة للغاية ، لذا لاتخجليها رجاءاً .
أومأت إيجاباً ممتنة : بالمقابل أريد أن تشاركونا الحفل.
_ وددت ذلك حقاً ، لكنها متعبة حتماً لذا سأعيدها للمنزل لتخلد للراحة .
_ لاترفض الدعوة ماثيو ، لم أربك هكذا ، اذهب واحضر لي ملابساً تليق بأم العروس ، لن أخجل ابنتي العزيزة في يوم كهذا .
ابتسم ضاحكاً: كنت أتسائل تواً متى سيعود عقلك للعمل ، مذهل أصبحت الآن ماثيو .
أردف يجيبها وهو يعانقها: حتماً جدتي العزيزة لك ذلك .
التفت لرفاقه الذين كانوا يرقبونه من مكانهم : يارفاق إننا مدعوون للحفل جميعاً .
تمتم ستيفانز محتجاً بضيق: ليس لهذا الحد !
بينما حمراء الشعر نطقت بتهكم: بملابس المدرسة؟!هذا يسيء لسمعتي!
ابتسم سيكيم وهو يلتقف الهاتف من رفيقه الذي رماه نحوه تواً: حسناً سنطلب من لويس إحضار ملابس لنا بالإضافة لملابس الجدة ،مارأيكم؟
رسمت على شفتيها ابتسامة رضا: وبعض المساحيق من فضلك .
_ ابنة الخامسة عشر ليست بحاجة للمساحيق ، كوني عاقلة .
أَنَّبها بلطف وهو ييتعد لإجراء الإتصال في مكان أكثر هدوئاً ، ولم يمضِ وقت طويل حتى أصبحت السيارة أمام مدخل الحديقة المزينة حيث حفل الزفاف ، خرج منها الأربعة وسط دهشتهم .
_ أبي! تيريزا !
أسرع نحوهما مبتهجاً بينما نطق الأب بابتسامة حانية : كنا نبحث عن الأربعة الهاربين من المدرسة ، لقد هاتفنا المدير وكان غاضباً بحق ، لكن لاتقلقوا تدبرنا أمره جيداً.
_ لحسن الحظ أنك أبي ،كنت قلقاً بشأن تيريزا جيد أنك جئت بها
عانقها بحنان ثم ألقى التحية للرجل الآخر ولشقيق صديقه ، بينما أبنوسي الشعر نكس رأسه خجلاً وقلقاً وعيون والده ترقبه بحزم : ستيف .. توقعت ذلك من الجميع ، إلا أنت .
اضطرب وهو يعتذر بأسف وندم: أبي أعتذر حقاً ، كنت مجبراً ،أعدك أن هذا لن يتكرر مجدداً.
صوت ضحكات الرجل أجبر الفتى على رفع رأسه ينظره بدهشة ، اقترب منه بعدها ووضع كفه على رأسه وهو يتأمله بفخر : سعيدٌ لأنك كنت عوناً لرفاقك ، هذا هو ابني الذي أحب .
_ لست .. غاضباً .
أومأ بالنفي مبتسماً وهو يتأمله بحنان : لم أغضب ، المدرسة مهمة بحق ، لكن مافائدتها إن لم تكن بلا خلق ، يجب أن تملك إيماناً ومحبة وصداقة عظيمة .
همس له سيكيم بغرور: أخبرتك أنه سيحب مساعدتك لنا ، يبدو أني أفهم القائد ميخائيل أكثر منك .
نظره بطرف عينيه ببرود دون أن يجيب ، بينما سأل لويس وهو يدير طرفه في المكان : لكن .. أين ديريك وجدتي؟
أشارت الفتاة للقاعة المتصلة بالحديقة : هناك ، كما تعلم أصبحا من أقارب العروس فجأة ، إن الجدة ترتاح هناك مع حفيدها .
_ ياللغرابة .. إذاً لم تحدث جدتي الفوضى في الحفل ؟! ولم تهلع؟
أومأ له سيكيم بالنفي وهو يجيبه : كانت هادئة جداً وقد أصرت على البقاء كثيراً.
ابتسم الشاب بأمل وقد وضع آرون كفه على كتف الشاب : انظر ماخفت منه يبدو أنه لن يكون ، أتمنى أن تحظى بزفاف سعيد كما تستحق لويس .
_ أرجو ذلك حقاً ، هذا كل ما أتمناه الآن .
_ هيا سيحل المساء قريباً أريد ارتداء فستاني .
نطقت بذاك حمراء الشعر محتجة فأسرع الشاب يعطيها الكيس مستدركاً: اشتريته على عجل أرجو أن يعجبكِ .
_ أرجو ذلك حقاً فكما تعلم إرضائي صعب .
نطق ستيف ببروده المعتاد : يكفي أن يعجب سي ليصبح جميلاً .
بلا مقاومة ضحك الرجلان وهي تنظرهم مستنكرة : ستيف الأحمق ، حتماً سأقتلك .
|