عرض مشاركة واحدة
قديم 09-22-2022, 11:58 AM   #5
ساي
عضو جديد


الصورة الرمزية ساي
ساي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1308
 تاريخ التسجيل :  Jul 2020
 المشاركات : 2,292 [ + ]
 التقييم :  3532
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Silver
شكراً: 0
تم شكره 4 مرة في 4 مشاركة

مشاهدة أوسمتي



. الفصل الرابع
-----------------------------------

هل تتذكرني ؟ هل تحاول أن تنساني ؟ أم أننا لم نلتقي من الأساس ؟

-----------------------------------

" وااااااو ! مجرد النظر إلى هذا المنزل يجعلني أشعر بالحماس , إنها المرة الأولى التي أرى فيها مكاناً كهذا عن قرب ! "

وقف (لورانس) واضعاً يديه على خصره وهو يتأمل المنزل بإبتسامةٍ عريضة , وقد بدا كأنه ينظر إلى لعبة مثيرة كبيرة الحجم. ولكن ملامحه كانت أبعد ما تكون عن الطفولة , فقد كان شعره المصبوغ باللون الكحلي متناثراً في إتجاهات عديدة, بالإضافة إلى تعمده إرتداء عصابة على عينه اليمنى لسبب ما , مما جعل الزرقة الصافية لعينه اليسرى أكثر تأثيراً ووضوحاً. الأقراط الفضية التي يرتديها كانت تلمع بهدوء تحت ضوء القمر الباهت. وبينما كان هذا الشاب اللطيف -ليس حقاً بذلك اللطف- يمشي بتمهل نحو الباب الرئيسي الضخم , تبعه شاب آخر طويل القامة , ذو شعر أشقر بلون القش , وعينان مسبلتان تميلان للون البني الفاتح. كان كل ما فيه هادئاً ورزيناً , إبتداءاً من ملامحه إلى السترة الطويلة ذات اللون السكري الشاحب , وإنتهاءاً بصوته الناعم الدافيء.

" حسناً يا عزيزي (لورانس) , فلتحاول أن لا توقظ الموتى بصوتك. ربما كانت الأشباح لا وجود لها , ولكن الحيوانات البرية موجودة فعلاً , وهي تخرج للصيد بعد غروب الشمس عادةً. "

كانت هذه كلمات (يوهانا) المرحة , والتي كانت تمشي بثاقل بسبب الحقيبة الكبيرة التي كانت تسحبها خلفها. لقد كانت ترتدي بنطالاً يصل لنصف ساقها و قميصاً بسيطاً بنفسجي اللون أظهر لون شعرها الأحمر , بينما توارت عيناها العسليتان خلف نظارة صغيرة ذات إطار وردي.

" شكراً لك يا آنسة المعلومات التي لم يسأل عنها أحد.. هذا غريب , لا أرى أثراً لقدوم (نويل) والآخرين إلى هنا. هل من الممكن أن تتحركي بشكل أسرع ؟ نكاد نموت بسبب الشيخوخة ونحن ننتظرك. " , قهقه (لورانس) الواقف بجانب الباب بصوت عالٍ حتى قام (آرثر) الرزين بإخراسه بضربة سريعةً على الرأس.

" ليس من اللائق أن تخاطب آنسةً بهذه اللهجة الفظَة , لقد فقدت الأمل وأنا أُلقنك هذه الدروس منذ أعوام .. "

تنهد (آرثر) واستدار عائداً أدراجه ليقوم بمساعدة (يوهانا) في سحب الحقيبة الثقيلة , وقابلت هي لطفه بإبتسامة شاكرة خلابة.

تمتم (لورانس) وهو يفرك مؤخرة رأسه : " مالذي تحملينه في هذه الحقيبة على أي حال ؟ كل ما يحتويه دولاب ملابسك؟ "

أجابت بمرح : " بل جميع أنواع الأطعمة الخفيفة التي يمكن أن تفكر بها ! لا أعلم إن كان الآخرون قد وصلوا أم لا , ولكن القرية تبعد مسافةً لا بأس بها عن هذا المكان , أشك بأنني سأتمكن من الذهاب إلى المتجر لشراء الأطعمة بسهولة. "

" يا إلهي .. يالك من.. كيف لفتاة ستصبح طبيبةً بأن تفكر طول الوقت في الطعام كالدببة القطبية ؟ "

" (لورانس) !! ", صاح (آرثر) بجزع وهو يسترق النظرات ناحية (يوهانا) التي لم يبد عليها التأثر بسخرية (لورانس) اللاذعة. يبدو أنها إعتادت على ذلك.

" تماماً كما يمكن لفتىً مثلك أن يتخرج من قسم البرمجة رغم إمتلاكه رأساً فارغاً ! " , قالتها باسمة وهي تنظر له بتهكم.

تلوَن وجه (لورانس) بمزيج من الغيظ والخجل , مما جعله يستدير ليفتح الباب بحنق ويندفع إلى الداخل بينما لحقه الآخران وهما يتضاحكان.

-----------------------------------

" جيد , لحسن الحظ أن الباب ليس مغلقاً. ولكن – دارت عينا (آرثر) في المكان بسرعة – لا يبدو أن هناك أحداً هنا. هل تأخر (نويل) والآخرون في القدوم؟ "

" يا له من منزل مرتب وأنيق , سيكون (نويل) محظوظاً إذا تمكن من شرائه. " , هتفت (يوهانا) وهي تقوم بإغلاق الباب خلفها.

" المكان نظيف , الإضاءة جيدة , هذه ليست أجواء القصور المسكونة على الإطلاق , لابد أن (ساي) سيحبط كثيراً عندما يصل إلى هنا ! أو ربما – إتسع ثغره بإبتسامة ماكرة – ربما كان عليَ أن أصنع له شيئاً مثيراً ! "

نظر له (آرثر) و قال ببرود : " إياك أن تفكر بفعل أي شيء أحمق .. نحن لسنا في منزل أحدنا , لاحظ أننا لم نجد المالك أو الحارس بعد. "

وعلى ما يبدو فإن (لورانس) قرر أن يتجاهل كلام صديقه حيث أنه كان متجهاً للسلم المؤدي إلى الطابق الثاني وهو ينادي بصوتٍ مرتفع متسائلاً ما إذا كان هناك أحد. بعد أن أطلق زفرةً يائسة , قام (آرثر) باللحاق به وهو لا يزال يحمل الحقيبة قائلاً : " إذا كان هناك شخص ما هنا فلا بد أنك قد أخفته بصوتك هذا , ستأتي الشرطة لحملنا للسجن بتهمة التعدي على أملاك الغير بلا شك. "

كانت (يوهانا) منشغلةً بتفقد البهو الواسع بإنبهار بينما وضع (آرثر) الحقيبةً جانباً حالما وصل للطابق الثاني , لابد من أن (لورانس) كان متحمساً جداً للإستكشاف فهو لم يره أمامه في أي مكان.

تناهت إلى أنفه رائحةٌ غريبةٌ بينما نادى بصوت متوجس : " (لورانس) ؟ أأنت هنا ؟ "

أتاه الرد مختنقاً , متحشرجاً .. كأنه صوت شخصٍ آخر. " أنا هنا .. "

" هنا .. أين ؟ " أجاب بإستغراب قلق .

لم يصله أي ردٍ هذه المرة , ولكنه تابع التقدم في الممر بينما الرائحةٌ تزداد قوةً. رائحةٌ هي مزيجٌ من الخشب المحترق والحديد الصدئ. ولكن سرعان ما اكتشف مصدر أحدهما.

برغم عدم شدة الإضاءة في هذا الممر إلا أن البقع الحمراء الصغيرة التي تناثرت على الأرضية كانت واضحةً, بدأ رأسه يدور وهو يتساءل عن مصدر ذلك , ولكن تساؤلاته لم تدم طويلاً ..

لقد رأى (لورانس) يخرج من إحدى الغرف التي كان بابها منفرجاً ووجهه شاحبٌ بشدة , مما كان أبلغ من أي كلمة.

-----------------------------------

" هذه القلادة ... أليست قلادة (ساي) ؟ "

بقي السؤال معلقاً في الهواء بلا إجابة في الغرفة الدافئة , ولكن الثلاثة الذين وقفوا بداخلها كانوا ينظرون لبعضهم بصمت مهيب حَمَل مخاوفهم.

على طرف السرير الصغير ذو الأغطية الفاتحة رَقَدَ شيءٌ معدني صغير ببراءة وقد تلوَنت معظم أجزائه بنفس لون البقع التي صبغت أرضية الممر.

بالرغم تلطخ معظم أجزائها ببقع متفاوتة الحجم من الدماء , إلا أن إسم (ساي) المحفور على القلادة الفضية بخطٍ منمق كان واضحاً. باتت القلادة بمثابة ثقبٍ أسودٍ قام بإمتصاص كل الدفء والمرح الذي كانوا يحسون به عند قدومهم إلى هنا.

تنقلت عينا (يوهانا) المذعورتان بين كلٍ من (آرثر) الذي إنتصب بجانب السرير وتعابير وجهه الهادئة متجمدة بشكل لا يظهر مالذي يفكر أو يشعر فيه كأي شرطي محترف, و (لورانس) الواقف بجانبه وهو يعقد ذراعيه بشكلٍ عصبي جعله يبدو على إستعداد للهرب عند أول فرصة.

" إنها فعلاً قلادة (ساي) ... – قالها (آرثر) وهو يمد يده ليرفعها أمام عينيه ويتمتم بصوت خفيض – ولكن ... ربما آذى نفسه بطريقةٍ ما ؟ هل أتى (ساي) إلى هنا مع (نويل) و (أمورا) ثم قاموا بالمغادرة عندما حدث ما حدث ؟ "

" ولكن ألم يكن الإتفاق أن يقوموا بالإتصال فور وصولهم ؟ لا أظنني تلقيت أي إتصال منهم .. " , أسرعت (يوهانا) وأخرجت هاتفها لتتأكد من عدم وجود أي إتصالات واردة ربما لم تنتبه لها مسبقاً , وبالفعل لم تكن هناك أي مكالمة. وبعد أن قامت بإخبار رفيقيها بذلك , قام (آرثر) بوضع القلادة الدامية في جيب معطفه واستدار ليمسك بكلتي يديهما ويسحبهما للخارج وهو يقول: " أتمنى أن لا تكون هذه مجرد مزحة ثقيلة من صنع (ساي) , ولكنني في نفس الوقت أفضل أن تكون مزحة على أن تكون شيئاً آخر... "

" لا أعتقد بأن (نويل) و (أمورا) سيدعانه يقوم بشيء كهذا..." , قالت (يوهانا) بحذر خائف.

" أعلم ذلك, ولكن هذا لا يجعلني أشعر سوى بمزيد من التشاؤم." , غمغم (آرثر) مفضلاً الإحتفاظ بأفكاره السوداء لنفسه.

-----------------------------------

لقد مر من الزمن أكثر من نصف ساعة.

قام ثلاثتهم في البداية بالتجول بحذر في أرجاء الطابق الثاني من المنزل الضخم محاولين إيجاد أصدقائهم , ولكن بدون جدوى. كانت أغلب الأبواب في الطابق الثاني مغلقة. بإستثناء بضع كلمات عصبية ألقاها (لورانس) هنا وهناك , كان الصمت سيد الموقف , لقد كان كلٌ منهم مشغولاً بأفكاره التي لم يرد أن يتلفظ بها خوفاً من أن تصبح حقيقةً بطريقةٍ ما.

استمر الوضع على ما هو عليه حتى وصلوا للبهو الرئيسي في الطابق الأول وقد تمكن منهم اليأس , كان الهدوء المحيط بهم يزيد الوضع سوءاً. وأخيراً تحدث (لورانس) بخفوت قائلاً: " ربما كان من الأفضل أن نغادر .. لا أثر لأي منهم هنا , إن بقاءنا لن يساعد أحداً."

إندفعت (يوهانا) معترضة: "لا يمكننا فعل ذلك ! ليس بعد رؤيتنا لتلك القلادة , ماذا لو كانوا في مكان ما –"

من الصعب شرح السبب الذي جعلها تتوقف في منتصف جملتها فجأةً. لربما كان التغير المفاجيء في الإضاءة التي بدا كأنها خفتت لوهلة , ربما كان الصوت الخافت القادم من مكان لا يمكن تحديده , ربما كان الشعور الغريزي الذي يخبر الشخص بأن شيئاً ما على وشك الحدوث.

(آرثر) هو أول من تحرك.

كانت الأحداث التالية تقع بسرعة جنونية. (لورانس) يتراجع وهو يطلق سيلاً من الكلمات والشتائم الغير مترابطة , بينما دوَت صرخة (يوهانا) الجزعة في أرجاء المكان وهي تحتمي خلف (آرثر) الذي أطاح بالحقيبة الثقيلة التي كان يسحبها طوال هذه المدة لتصطدم بالشيء الذي ظهر فجأةً في آخر الممر وانطلق نحوهم بسرعة جعلت رؤيته بوضوح أمراً مستحيلاً. كان صوت إرتطام الحقيبة بالشيء عالياً , تبعه صوت صرخة رفيعة لم تبدُ طبيعيةً , ولكن لم يكن أي شيء كذلك منذ قدومهم لهذا المكان.

وعندها فقط , تمكن ثلاثتهم من رؤية مهاجمهم بوضوح.

ملابسٌ أثريةٌ حملت طابع الفخامة وإن بدت باهتةً نوعاً ما, بشرةٌ بيضاء شاحبة تميل للون الرمادي ظهرت أسفلها عروقٌ دقيقةً باهتةٌ تقاطعت في كل مكان, وجه مستدير بملامح دقيقة توسطته عينان واسعتان كان لونهما الوحيد هو السواد اللامع ولا شيء آخر. كانت أطرافه تتحرك بعصبية لتستعيد توازنها بعد ضربة (آرثر) بينما إمتلأ البهو بأصوات أنين غاضب.

لقد كان أشبه ما يكون بطفل في الثانية عشرة من العمر, ولكن ما من طفلٍ بشريٍ تتلون بشرته وعيناه بهذه الألوان.

-----------------------------------

" ما هذا بحق الـ ... ! "

" لا يبدو لي كـ (ساي) , إلا إذا كان قد قام مؤخراً بقص شعره وازداد قُصراً." , قالها (آرثر) بهدوء حذر, مما جعل (لورانس) يلتفت إليه بعصبية مُزجت بنظرة غير مصدقة. حتى في أكثر المواقف جنوناً , يظل (آرثر) هو (آرثر). أما (يوهانا) فقد تشبث كفاها الصغيران بمعطف (آرثر) الأنيق بينما ظلت عيناها المذعورتان تراقبان تخبط الكائن. بالرغم من كونها أذكى الفتيات بدفعتها في الجامعة , إلا أنها عجزت عن الوصول لتفسير مقنع عن طبيعة هذا الشيء. لقد كان من الواضح بأنه ليس حيواناً , ومن الأوضح أنه ليس إنساناً أيضاً. لن تتعب نفسها حتى بأخذ فكرة الأشباح في الإعتبار حيث أنها على درجةٍ عاليةٍ من السخف. بينما تسارعت الأفكار في رأسها , لمحت (لورانس) يفتح فمه ليقول شيئاً ما , ولكنه لم يجد الفرصة ليخرج أي كلمة.

كانت الهجمة الثانية بسرعة الأولى , ولكن هدفها هذه المرة كان (لورانس) الذي وجد نفسه يندفع للخلف بعنف ليصطدم بالجدار خلفه , بينما صرخت (يوهانا) بإسمه ويداها تطبقان على المعطف بشدة. يبدو أن الكائن قد قرر أن يختار هدفاً مختلفاً بعد الضربة المؤلمة التي وجهها له (آرثر) , ولسوء حظ (لورانس) فإنه وجد نفسه ملقىً على الأرضية الرخامية على بعد أمتار منه.

تحرك (آرثر) بأسرع ما يمكنه ليساعد صديقه , ولكن الطفل القادم من الجحيم كان أسرع منه وهو يندفع بإتجاه (لورانس) بسرعة غير بشرية.

-----------------------------------

يقال بأن الأشخاص الموشكين على الموت يرون شريط حياتهم يمر أمام أعينهم قبل لحظاتهم الأخيرة , ولكن (لورانس) كان في حالة صدمة جعلته لا يرى أي شيء سوى الملامح اليائسة التي إرتسمت على وجه (آرثر) وهو يدرك بأنه لن يصل إلا متأخراً و (يوهانا) المتسمرة في مكانها كتمثال بشري متسع العينين.

أطبق عينيه بقوة وهو يزداد إقتناعاً بأنها نهايته بينما شَعَر بنفحة مفاجئة من الهواء تمر بجانبه. مرت ثانية , ثانيتان , ثلاث ثوان .. ولكن شيئاً لم يحدث. لم يشعر بأي ألم , لم يعد يسمع فحيح وأنين الطفل الشيطاني. فتح عينيه ببطء ليرى السبب واقفاً أمامه.

لقد كان (نويل) يقف حائلاً بينه وبين الشيء الذي غُرزت سكين مطبخ كبيرة في منتصف جبهته.

دوى صوت الصرخة الباكية في أرجاء البهو الضخم بقوة جعلت (يوهانا) تقوم بتغطية أذنيها بخوف. هتف (نويل) لـ (آرثر) صارخاً وهو يلقي له بشيء ما:
" (آرثر) ! أرنا مهارتك! "

تلقف الأخير المسدس الصغير -الذي يكاد أن يكون طبق الأصل لمسدس قوات الشرطة الذي يحمله معه دائماً - بمرونةٍ وسرعان ما رفعه ليلقم الكائن الصارخ رصاصةً إخترقت جانب رأسه , مسبباً المزيد من الصرخات المتألمة. كان كل هذا الوقت كافياً ليستعيد (لورانس) رباطة جأشه ويهرع ليساهم مع الشابين الآخرين وذلك بإختطاف الحقيبة الثقيلة من الأرض وتسديد ضربة ثانية للشيء الذي كان يتلوى بعنف وهو يهتف: "تباً لك ! إن كنتَ أنت بهذا السوء فأنا لا أريد تخمين مدى بشاعة والديك! ". ولكن الضربة الأخيرة كانت من نصيب (يوهانا) التي كانت تلهث بشدة بعد إندفاعها لتجذب إحدى التحف الثقيلة التي زينت المكان وركضها لتهوي بها على مؤخرة رأس الكائن الباكي.

لم يستغرق الأمر سوى دقيقة واحدة , تباطأت خلالها حركات الشيء تدريجياً حتى همدت تماماً , ولكن لم يكن أحد يجرؤ من الإقتراب منه خوفاً من أن يقوم بالنهوض فجأة مرةً أخرى. ولكنه , وأمام أعينهم المذهولة , بدأ ينكمش ببطء , بينما تحول لونه إلى الرمادي الشفاف قبل أن يبدأ بالذوبان , كقالب ثلج تم وضعه في فرن ساخن. قالت (يوهانا) بأنفاس متقطعة وهي تغطي فمها بيدها " يا إلهي ... إنه ... " , ولكن الشيء كان قد إختفى تماماً قبل أن تقوم بإنهاء جملتها , تاركاً وراءه قاعة صامتةً ومجموعة من الأشخاص اللاهثين.

-----------------------------------

بعد أن إستجمع الجميع أنفاسهم , كان كلٌ من (نويل) و (آرثر) يجلسان على درجات السلم الرخامي بينما إنشغل الإثنان الآخران بمحاولة إيجاد أي أثر لما حصل للتو , ولكن بالرغم من كونه قد طُعن بسكين وأُطلق عليه الرصاص , لم يبد أن ذلك الكائن قد ترك أي دماء على الإطلاق.

" لم تكن هذه المرة الأولى التي تواجه فيها هذا الشيء الـ ... غير مألوف , أليس كذلك (نويل) ؟" , كان (آرثر) يتحدث بهدوءه المعتاد بينما كانت يداه تقلبان المسدس الصغير الذي ألقاه له (نويل). من الغريب رؤية مسدس خاص بالشرطة في هذا المكان, هل كان أحدهم هنا من قبل؟ ما كان مصيره إن كان قد ترك مسدسه هنا؟ رفع (نويل) رأسه لينظر إليه بحيرة ثم يقول: "مالذي تتحدث عنه؟ لقد واجهتموه أنتم إيضاً بكل تأكيد, ألم تكونوا أول الواصلين إلى هذا المكان؟"

" هل تمزح ؟ " , لم يبدُ على (آرثر) أنه قام بتصديق ما سمعه للتو. " نحن لم نكمل ساعةً واحدةً حتى في هذا المكان , كما أنه كان من المفترض أن تَصلوا إلى هنا قبلنا."

" هذا صحيح يا (نويل) " -قالت (يوهانا) التي يبدو أنها سمعت الجزء الأخير من المحادثة -" لقد قامت (أمورا) بإرسال رسالة لي فور إنطلاقكم , كنا وقتها نقوم بإيقاظ الذكي (لورانس) الذي لا يعرف كيفية إستخدام خاصية المنبه في جواله على ما يبدو."

أتاها صوت (لورانس) الغاضب من بعيد: " لقد سمعت ذلك ! وأنت يا (نويل) , لا تتفوه بالترهات يا صاح. أنت تعلم أن الرحلة من المدينة إلى هذه القرية تستغرق ثلاث ساعات تقريباً."

توقع (آرثر) من (نويل) أن يقوم بالدفاع عن كلماته أو تبريرها , ولكن الأخر إكتفى بنظرة صامتة أتبعها بقوله "يبدو" – زفر بحدة وهو يغلق عينيه – " أننا نحتاج إلى الكثير من الإجابات , ولحسن الحظ ... أو لسوء الحظ ... أن لدينا الوقت الكافي للبحث عنها , كوننا محتجزون هنا كالفئران."

-----------------------------------




الـــســـاعـــة الـــرابـــعـــة -إنتهى-


وصلت بقية الشخصيات أخيراً, ولكن ما ينتظرهم ليس ما كانوا يتوقعونه. أين (ساي)؟ مالذي حصل له؟ ما قصة الطفل الغريب الذي يطاردهم عبر أرجاء المنزل؟


 
 توقيع : ساي

دخول متقطع .


رد مع اقتباس