عرض مشاركة واحدة
قديم 06-30-2020, 08:36 PM   #40
فِريـال
مشرفة طلبات التصميم ومعارض الأعضاء
-ORILINAD


الصورة الرمزية فِريـال
فِريـال غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 15
 تاريخ التسجيل :  Feb 2020
 العمر : 28
 المشاركات : 26,691 [ + ]
 التقييم :  38050
 الدولهـ
Iran
 الجنس ~
Female
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
إبتسِمـ
لوني المفضل : Black
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة

مشاهدة أوسمتي








الفصل 8:الولوج لعالمه أكثر...!







ترجلت آيرس تنظرُ حولها بإعجابٍ شديد... إذا كانَ مَنزلُ ليور ألذي زارتهُ اليومَ كبير فَما يكُونُ هذا؟! بيت شديدُ الضَخامة؟
لا بل قصرٌ بِحد ذاته! السُلم الذي يَتوسطُ الواجِهة الأمامية لِلقصر وحدهُ بدى أشد ما يُمكِن للأناقة أن تكون...
فَما بالُك بالتصميم الداخلي؟!

دخلت بِجانب بيرت الذي ما يزال شارد الذِهن لِدرجة أنهُ كاد يَنسى أنهُ أتى بآيرس مَعه... كانت ماتزالُ
ترتدي زيها المَدرسي كما هو.... دخلت خلفهُ مُتوترة، أوقفتهُ مُمسكة بطرف سُترتهُ ليستَعيد شتاته
مُحملقً نحوها بِعدم فَهم...

تقدَم مَع ذلك مُتزامنًا، الرجُلُ العجوز الذّي بدى لطيفًا وشديدًا بِنفس الوقت، يَرتدي بِذلة بيضاء أنيقة ويتكئ علّى
عَصا سوداء ذات نقوش ارستُقراطية تترأس قَبضتُها رأس مُكور يتكئ عليهِ بِكلتا يديه، يَنظُر للأمام بِشموخ...
وتقِف خلفهُ خادمة مُرتبةُ المظهر وهيَّ تضعُ يدها على كتفه

نظرت نحوه بِقلق وهيّ تعقِد حاجبيها بحذر رطبَت شفَتيها تُبدد أفكارُها السلبية
:" مساء الخير سيدي... أنا.. آيرس كوربي أرج..."

قاطعها يوجهُ كلامه لِبيرت ثُم لها:" أتيتَ في الوقت المُناسب... العشاءُ جاهز! تفضلي وانضمي لنا أيتُها الشابة!"

التفت يُعطيهُما ظهره نحوى غُرفة الطعام التي تطلُ على الحديقة الخلفية بِنوافذ واسعة في الجانب المُقابل للمدخل...

تنهد بيرت وهو يتبعه ويتكلم معها:" تذكرين ما قلته لكِ في السلالم؟!"

أومأت بغير فهم أي جزء يقصد تحديدًا ليردف مكملاً بملل:" ستكونين العميلة المُحتملة لذى يجب أن تكسبِ ثقتهُ بالطريقة التي تُناسبك!"

ضحكت بخفوت وهيَّ تستعيدُ ما قالهُ سابقًا " أنتِ لا تعرفين والدي! هو مهوس بأفلام العميل 007! ويعتقد أن كُل غريب،
غير موثوق ويخطط لانتشال أسرار الشركة!" قالت مُبتسمة وهيَّ تتبعه:" اذًا سيكون عليّ كسب ثقة جيمس بوند؟!
سيكون ذلكَ مُمتعًا!"

بادلها الابتسامة التي لم تدُم ثانيتين واعتلت ملامحهُ البرودة واللامبالاة بِمُجرد دخول الغُرفة الواسعة وأنيقة التصميم،
كان أزرق العينين يرمقُ آيرس بِتقييم بعد أن اتخذ رأس الطاولة مجلسًا...

جلس بيرت بِجانب والده الأيسر وآيرس تُقابله وبالجانب الأيمن لوالده حيث أشار لها الأب بنظراتٍ فارغة...
تنفست تُملئ رئتيها بالهواء تُخفف توترها الناتِج عن هذه المُعاملة ومن اول لقاء... قال يوجهُ كلامه لها بفضول
:" متى تخلعين الجبيرة أيتها الشابة؟"

أجاب بيرت مُباشرة:" صباح الغد!"

أومأت آيرس وقد تذكرت أنها ستخلعها غدًا... ليُتابع الأب تحقيقه:" كم مر عليها؟"

فتحت فاهها لتُجيب لكن بيرت سبقها مِن جديد:" ثمانون يومًا!"

زمت شفتيها بتوتر، الجو بين بيرت ووالده شبه مُكهرب وقد تأكدت من ذلك حين سأل
السيد جوليان سؤاله الثالث:" أليست فترة طويلة؟! فكسور الشباب تُشفى في ستة إلى سبعة اسابيع!"

وضع بيرت الكأس التي ارتشف ما فيها من ماء بقوة وهو يقول:" يكفي! أتُريد رؤية ملفها الطبي لتتأكد؟
الفتاة خضعت لِعمليتين خطيرتين على يمينها كي تعود كما كانت! أتُريد رؤية الندوب قبل أن تُزيلهم بِعملية أخرى؟"

عضت شفتها السُفلى وهي تنظرُ نحو الطاولة بتوتر... لم تنطق بِكلمة بعد لكن الجو بين الأثنين مَشحون على آخره!
ولم يخفى على السيد جوليان غضب بيرت الذي يبذلُ جهدًا لستره بِقناع اللامبالاة! هو غاضبٌ حقًا لكن ليس بسبب والده،
هو أمر آخر سمعهُ سابقًا!

نظرت نحو بيرت الذي بداء يلعب بالشوكة في طبق عشاءه النباتي والخفيف... ثُم نحو والدهُ الذي مازال ينظر له بحذر..
التفت يُحملق بها بإستقراب لتنكمش على نفسها وتنظر لطبقها مطولًا... وحين رفعت ثعلبيتيها السوداوين مُجددّا قابلت
ابتسامة انتصار أظهرها مُضيفها العجوز! استنكرت ذلك بشده.. لِما هو يبتسم؟ أتعمد إغضاب بيرت؟

أشار لها نحو الطبق مردفًا بلطفٍ مُباغت:" تناولي عشاءك عزيزتي!"

توسعت حدقتاها للحظة ثُم نظرت نحو الطبق والتقطت الشوكة بِيسارها تأكلُ بصعوبة... في حين أوقع بيرت شوكتهُ
بِعدم تصديق لِتناقض مُعاملة والدهُ لها بهذه السُرعة! بقي العجوز ينظرُ لها مُبتسمًا وقد لمَح بيرت كمية الحُزن العميق
ألتي تشعُ بِه زرقاواه القاتِمتين وقد تبدّدت الإبتسامة من شفتيه تدريجيًا.... بقيَّ يُحدق بيرت بِها وهي تبذلُ جهدًا
في تناول العشاء...

-أتساءل... هل ذكرتكَ بأبنتكَ ياوالدي؟!



بعد العشاء مُباشرةً حاول السيد جوليان النهوض وحده، غريزيًا توجهت آيرس نحو العُكاز الذي وضِع على طاولةٍ
جانبية تَّوسطُها مزهرية صينية التصميم ذات نُقوش أزهارٍ ربيعية... وضعتها في يدهُ وهي تُساعدهُ على السير بِحذر!
شكرها مُتمتمًا وهو يسيرُ مُعتمدًا على العكاز... ابتسم بيرت تلقائيًا وفتح الباب لِوالده وتبعهُ بعد خروجِهما، نادى بيرت
بإسم "آرتيمس" لتخرُج من أحد الأبواب البيضاء بأسرع ما أمكنها وهيَّ تحملُ صينية خشبية تتوسطها كأس ماء وعلبة أدوية...

جلسوا في الصالة الواسعة ألتي تتوسطها أثاث ملكيُ التصميم والخادمة آرتميس تُقدم الأدوية لسيدها بحذر، قال بيرت
وقد أنهت ذلك:" هل جهزتُم غُرفةً لآيرس؟!"

أومأت مُبتسمة:" لقد جهزنا الغُرفة في نِهاية الجناح الأيسر... والدكَ اختارها وطلب تجهيزها للآنسة!"

حك شعرهُ الأمامي بِملل وهو يُردف بِتعب:" اذًا أريها الطريق لو سمحتِ وأطلبي من الخادم جيك أخذ الحقائب مِن السيارة لغُرفَتها."

وافقت بانصياع وهي تُشير لآيرس...فنهضت تتبعُ الخادمة بِتوتر... ألقت نظرة أخيرة نحو بيرت ووالده اللذان
بدئا بِحديثٍ يخص العمل... ثُم خرجت تتجاوزُ السُلم العريض الذي ينقسِمُ لِجانبين عن المُنتصف....
وكما قالت الخادمة سابقًا، سلكتا الجانب الأيسر لِتدخلا للجناح الذي يتوسطهُ أرائك كهرمانية ذات نقوشٍ ذهبية
وحولهُ عدة أبواب بيضاء... وفي الزاوية الأبعد وقفت الخادمة آرتميس تُشير نحو الباب مُردفة:" هذه ستكون غرفتكِ..."

نظرت آيرس حولها بإعجاب، سألت وهي تقترب:" وماذا عن بيرت ووالده؟!"

رمقتها آرتميس بعدم فهم، ثم قالت مُبتسمة:" الغرفة الأولى بِجانب السلم يسارًا غرفة السيد بيرت والتي تُقابلها
غرفة والده.... أما الباقي فهيّ غُرف الضيوف عادةً."

ارتسمت إمارات الفهم على ملامِحها وهي تُكمل بفضول:" وماذا عن الجناح الأيمن؟!"

فتحت الخادِمة الباب مُجيبة:" يوجد مَكتبة السيد بيرت وغُرفة اللعب، مَعرض مُقتنيات السيد جوليان الفنية
ومكتب العمل الذي لا يسمح لأحد بالدخول إليه..."

توسعت حدقتا السمراء بِذهول وهي تستكشفُ الغُرفة شديدة الوسعة والجمال... وقد غلب اللون الأبيض
والكهرماني تصميمها... للحظة شعرت بِعدم راحة! حين قارنت غُرفتها سابقًا وبساطتِها مع غُرفتها الجديدة....
كما لو كانت لا تنتمي لِهذا المَكان... خلَدت للنوم وهيَّ تُحاولُ التأقلُم مَع وضعِها الجديد، "أيصحُ هذا؟"
كان السؤال ومُشتقاته مُتسبب الأرق الأساسي لها وما زاد الوضع سوءً هو تتذكُر نظرات الرجاء في عيني سيندي!





جلس بيرت يحاولُ العمل في حاسوبه على بعض العمل الضروري والعاجل وهو يتمدد على سريره ناصع البياض...
وكلمات نيو ثُم اليكس تتردُ في رأسه كإعصارٍ هادر!" هل أنا حقًا أبالغ؟!"





كانت زخاتُ المطر تكسرُ الصمت بِنقرها على زُجاج النافذة الشفاف وصوتُ الرياح يُعلن عن موسمهُ الشتوي..
والجو يُصبح أبرد كُل صباحٍ عن سابقه، ارتدت آيرس ملابِسُها المدرسية التي تتكونُ مِن قميصٍ أبيض ذو أكمام طويلة
ترفعُ الكُم الأيمن حيثُ تنتهي الجبيرة وتنورة قصيرة رمادية اللون وسُترة زرقاء قاتمة تحملُ شعار المدرسة المرموقة،
تضعُها على أكتافها وحسب... مررت يدها على شعرها وقد كان منسابًا على كتفيها، كانت آني تربطهُ لها
كُل صباح خلال الأسبوع المُنصرم! وضعت الربطة الصفراء حول مِعصمها الأيسر وخرجت تحمِلُ حقيبة ظهرها البيضاء
وتوجهت للطابق السُفلي وبِمُجرد خطوها على آخر درجة التقت بإحدى الخادِمات فأشارت لها نحو غرفة الطعام لتناول الفطور...

دخلت الغُرفة بِخفة وألقت التحية على الشخص الوحيد الذي يجلسُ فيها مُبادلًا التحية الصباحية... قال وقد
جلست بِجانبه الأيسر مُبتسمًا:" لم يستيقظ بيرت للآن و هذا ليس من عادته! أخبريني ماذا عنكِ، أكنتِ مُرتاحة بالنوم؟"

أومأت له مُبتسمة وهي تُجيب بتوتر:" لم أشعر بِراحة مُماثلة من قبل! وطبعًا الشكرُ لكُم..."

أردف مُبتسمًا:" مر زمن طويل مُنذ سكنِ آنسة في هذا البيت! لِدرجة نسيتُ كم يكونُ الجو لطيفًا حينها!"

كانت ملامحُ وجههُ مُسترخية، هو بِكُل تأكيد يقصد تيردا بِكلامه، وهي كانت تعرفُ ذلكَ.. بقيت تُفكر مُطولًا
وهي تنظر في اللون البُني الذي يختلجه الصفار واحمرار يتراقص في سائل الكوب الزُجاجي...

-إذا كان يُحبُها فلِما يمنعُ بيرت حتى مِن مَعرفتها أو مَعرفة ابنتها؟! وهل قابل ايفرين مِن قبل؟
هل يعرفُ كم تُشبه ابنته؟ أتساءل.. كيف يُفكر السيد جوليان تحديدّا؟

خرجت مِن دوامة أفكارها وقد شعرت بيدٍ ترسوا على رأسِها وهو يقول:" هذا مكاني؟!"

لكنهُ تجاهلها وتوجه للجانب الآخر وكم بدى الجلُوس في الجانب الأيمن غريبًا بالنسبة له... بداء بتناول
الشطائر مُسبقة الأعداد خصيصًا له وهو ينظر لها كل فنية و أخرى وهيَّ شاردة في عالمٍ موازي...
قال يكسرُ الصمت العام بملل:" ستنزعين الجبيرة اليوم.. ألا يُحمسكِ ذلكَ ولو قليلًا؟"

فزعت حين وصلها صوته وانتشلها من افكارها المستمرة وبكثرة منذ الأمس، مجيبة بتوتر
:" أ.. أجل متحمسة، وستأتي آني فقد قالت لي أنها يجب ان تكون متواجدة أيضًا!"

تنهد بِلل وهو ينظرُ نحو كأس العصير المُصفر...:" سيأتي مَعها إذَا!"

قالت ببلاهة:" اليكس؟!"

أجاب سخرًا:" ليس اليكس، بالنيو! أساسًا إذا رأيتُ آني بدون وقوف اليكس خلفها أو بِجانها
فستبدو الصورة غير مُكتملة لي!"

قهقهت مُستمتعة:" إنهما مُقربين حقًا! لكنني رأيت آني واليكس ليس حولها من قبل!"

أوقع الشطيرة مِن يده بِعدم تصديق وهو يسأل:" مَتى حدث ذلك؟!"

" حين ذهبنا للمقهى، بعد خروجي مِن المشفى! وحين تخرجُ من الحمام! وحين تنام أيضًا!" قالت بتفكير...

-مع أن آخر اثنين غير محسوبة! لكنها محقة!...

هذا ما فكر بيرت به وعلى وجهه علامات الاستخفاف! وللحظة تناسيا وجود السيد جوليان،
وقد لاحظ الأخير كيف يتصرفُ بيرت بِعفوية مَعها.. وقد منحهُ ذلك أملًا في أن يتغير بيرت قريبًا
ويخرجُ من قوقعته...







حين وصلا لِحيث طبيب آيرس، كانت آني والآخرين قد وصلوا مُسبقًا وبدأ الطبيب بخلعِ الجبيرة باحترافية واضحة...

سأل بيرت بفضول:" صحيح... من ايفرين التي رسمت على جبيرتكِ مُوقعة؟!"

توسعت حدقتاها للسؤال المباغت، رطبت شفتيها بِتوتر مُجيبة:" قريبة صديقتي!"

بقي شارد الذِهن بهوية هذه الصديقة وقريبتها، لكنهُ أبقى تساؤلاته لِنفسه ولكن نيو وبكُل غباء
سأل غير مُصدق:" ما هذا الصديقة ومنذ متى رسمت لكِ هذه الشخابيط الطفولية؟!"

نظرت نحوه بحذر وتوتر وهي ترطب شفتيها... جعلتهُ ينتبه أنه رُبما سأل عن الشخص الخطاء
وأمام الشخص الخطاء! حك رأسه بتوتر وقد امتنعت الأخيرة عن تقديم أية إجابات....

تبادلت آني مع اليكس نظرات حيرة ولم يفهما الأمر جيدًا... وحين انتهى الطبيب كانت اليدُ اليُسرى
لسوداء العينين قد خف حملُها بعد مُضي كُل ذلك الوقت الطويل للتعافي.... لكن ذلكَ الندبُ الواضح
كان يُقلل مِن جمال يدها فقد رسم خطٌ يمتدُ مِن قُرابة المِعصم إلى الكوع من الجهة الخارجية للذراع...
بقيت تنظرُ لها لبعض الوقت بألم، في حين تقدم بيرت يُنزلُ كُم القميص مُخفيًا يدها حتى المِعصم بالكامل
وهو يغلق زر الكُم:" يُمنع الغش ريثما تُجرين العملية الأخيرة!"

رطبت شفتيها بتوتر وهي تومئ مُوافقة... لقد وقعت بِقوة على جانبها الأيمن يوم الحادث، كانت يدُها شبه
مُهشمة وقد حصلت على جُرح وكسرٍ فضيع.. كانت حالة ذراعها أسواء جزء، مَنعتها من النوم ليالٍ طويلة
وأجرت عمليتين جراحيتين خطيرتين، لِدرجة أن في بعض الأوقات كانت تظنُ أن يدها لن تعود كما كانت أبدًا!

حركت أصابعها مُتزامنة مع ألم خفيف، فقال الطبيب:" لم تُحركيها لما يقارب ثلاثة أشهر لذا هذا الألم طبيعي...
حاولي عدم استعمال يدكِ اليُمنى في أمور مُجهدة لِبعض الوقت..."

قالت منصاعة لأوامر الطبيب:" حاضرة."

نهضت آني تقولُ بحماس:" هذا يستدعي الاحتفال!"

فاجئها الردُ الفوري من بيرت إذ قال ببرود:" بعضُنا لديهم دراسة لم يتخطوا همها بعد!"

نهضت المعنية وهي تقول موافقة له:" أجل سنتأخر ولن ترضى الناظرة إلا بفتح استجواب لانهاية له!"



كان الوقت يمر ببطء وقد اتخذت آيرس مُوقفها، في نهاية الحصة الأخيرة واجهت سيندي تقولُ بقوة
:" موقفكُم هذا مُثيرٌ للشفقة! أن تختاروا وعدًا سخيفًا على مشاعر أحد أفراد عائلتكُم... يُثير غثياني!
سأخبر بيرت، لكن ليس لأنكِ طلبتي ذلك مني... بل لأنني أجده يستحقُ مَعرفة كُل شيء! هو يتطلع لِتيردا
وينتظرُ يوم لقائها بصبر، وهذا ليس عدلًا مِنكُم! قد لا أكون تلكَ الفتاة الخبيرة بأمور العائلة وعلاقة افرادها
بِبعض، لكن بيرت مِن بين كُل الناس... لا يستحق مُعاملتكُم هذه له!"

بقيت سيندي ترسمُ الخجل والحُزن متزامنة مع كلمات آيرس لتُردف بألم:" الأمر ليس بيدي...
لو كان كذلك لأخبرتهُ مُنذ دهر."



كان اليوم الدراسي قد مضى، ذهبت آيرس مع سيندي للشركة وهي تبحث عن نيو.. تَعمدت عدم العودة
مع بيرت بل وتهربت عبر ارسال رسالة لمارتن تُخبره أنها ستخرُج مع صديقتها...

في حين لم تفهم سيندي سبب قدومها لهذا المكان ولكنها سايرت آيرس التي كانت عازمة أن تخبر نيو واليكس
وتستشيرهُما في قرارها! فهيّ تعترف أنهما واسعا الآفاق ولا يفعلانِ شيء إلا وهما واثقان أنه صحيح ولا يسبب مشاكل لهما...

بقيت مُتمدده تنتظرُ عودتهما من المُختبر حيثُ يعملون وكانت سيندي تنظر نحوى اقراص الألعاب بإعجاب...
فُتح الباب فأوقعت بعض الأقراص من يدها مُتفاجئة وكذلك ثلاثة ازواج مِن العيون المُستفهمة للوجه الجديد!
تقدمت آني وهي مُستعدة لشنِ الحرب... لكنها توقفت وقد لاحظت آيرس التي تتمدّد على الأريكة مُردفة:
" آيرس؟! لِما تبدين حزينة؟"

جمعت سيندي الأقراص وأعادتهم بجانب التلفاز حيث كانوا سابقًا ثم اقتربت وهي تضمُ أصابها بحرج...

قالت آيرس وقد ارتخت ملامحها:" ماذا افعل؟! خائفة من نتائج ما أنا مُقبلة عليه!"

نظرت نحو نيو مُردفة:" قُلتَ لي لأدعه يكتشفُ كُل شيء بنفسه، ولكن... لا أحد سيُخبرهُ شيءً إن لم يفعل أحدُنا!"

قطب حاجبيه بعدم فهم وهو يُمرر نظراتهُ مِن آيرس إلى سيندي:" مالذي تقصدينهُ ومن الجميلة؟!"

قدمت نفسها بابتسامة باهتة وشفتيها الزهريتين تُجاهد للحفاظ عليها:" سيندي فوكس... أنا قريبة بيرت!"

أخفضت رأسها وهي تنظر نحو آيرس بِحذر لتُكمل الأخيرة:" يبدوا أن لا أحد ينوي إخبار بيرت عن وفات
شقيقتهُ الكُبرى كما أن ثمة أمر آخر... إنها ايفرين!"

قال نيو وقد مر الاسم عليه صباحًا:" ايفرين؟ قُلتي أنها قريبة صديقتكِ.."

قال الأخيرة وهو ينظر لسيندي وقد فهم الوضع! خرج اليكس من صمته يُحاول الفهم جيدًا:" لا تقولي أن ايفرين..."

لتكمل آني وزرقاوتاها المُخضرة على أشدها:" ابنة تيردا؟"

كانت سيندي مستغربة لكونهم يُحيطون علمًا بِمن تكون تيردا ولكنها اكتفت تُحاول فهم الوضع قدر
المُستطاع في حين تُلقي آيرس بآخر اكتشافاتها والآخرين يستمعون باهتمام.... ختمت كلامها بجملة
التي يتردد صداها في رأسها مُنذ الأمس:".... ولكن بيرت يستحقُ معرفة كُل شيء! سابقًا كُنت خائفة
ولا أرغب أن أكون من تُنقل الخبر.... ولكن الآن، أنا أدينُ لبيرت بذلك!"



اكتفوا بالصمت! لم يُحاول أحدهم تغير رأيها وما شابه، استنكرت الأمر وهيّ تمرر ثعلبيتيها السوداوتان بينهُم...
لقد كان صمتُهم يزيد الحمل عليها، ألن يُزيد أحدهم شيءً؟ وكأنهم وجدوا مُخلصتهم مِن الحمل الثقيل وقد
وقفوا جانبًا يترقبون الحدث الكبير! هي تُدركُ أن مع مرور الوقت، سيكتسبُ بيرت أملًا للقاءٍ مُستحيل!
سيكسرهُ ذلك أكثر مِن معرفته الآن وبأسرع وقت ممكن!

أردف نيو بإعجاب:" أنتِ.. وهو أيضًا، كلاكُما غريبا اطوار! لو كُنت مكانكِ لما تمكنتُ من إخبار الشخصُ الذي أحب
حقيقة اعرف أنها قد تُحزنه! أنا حقًا مُعجب بالقوة التي كسبتها خلال الفترة القليلة المُنصرمة!"

توردت وجنتاها في حين نظرت سيندي نحوها بعدم تصديق...

أومأت آني مُضيفة:" آيرس المترددة والجبانة التي قابلتُها أول مرة قد اندثرت وحلت بدلُها زهرة جميلة وقوية!
لا أعرف كيف أعبرُ عن فخري بما أمسيتي عليه خلال الفترة القصيرة التي أمضيتها معي!"

قهقهت المعنية بخفوت في حين وضع اليكس يده على رأس المُتحدثة يوقفها عن المُتابعة:" لا تتحمسي كثيرًا آني!"
وجه عسليتيه نحوى الأخرى مُضيفًا بتشجيع:" آيرس... ابذلي أقصى جُهدك! ولا تقلقي إذا غضب أو نكر كلامك...
سيكونُ ذلك أمرًا طبيعي كُل ما عليكِ فعله أن تكوني واثقة بقراركِ."

آه... إنها الكلمات الحكيمة التي توقعتها من اليكس تحديدًا! شعرت بشيء مِن السكينة ورمت بظهرها
على مَسند الأريكة بِراحة غريبة... ابتسمت سيندي راضية عن النتيجة التي وصلت له دَفة الحديث!
فهذا يعني أن، بيرت أخيرًا سيعرفُ كُل شيء وايفرين ستُقابل ذلك الفتى الذّي بِذكرياتها المَعدودة
والتي خلدتها بِضعة صورٍ تذكارية.... رمقت نيو الذي يقفُ مُتقابلًا لها بابتسامة شُكر!

في حين بقيت ملامحٌ غبية تعلو وجهه.. كسر جدية الجو وهو يُمسك يدها مردفًا:" تخيلي وحسب،
أنتِ بجمالكِ وأنا بوسامتي!... أتقبلين صداقتي كبداية؟!"

أخفى اليكس وجهه بقلة حيلة، في حين جاهدت آيرس تخفي ضحكتها للموقِف! قالت آني تتنهدُ بيأس
:" ها نحن ذا من جديد! بجدية نيو؟"

أجاب مُتحججًا:" أأنتِ عمياء؟ أنظري اليها، إنها تشُع!"

كان يقصد بشرتها الناصعة وشعرها الأشقر اللامع.... بدت بالفعل كشمسٍ في مُنتصف الصيف الحارق!
كانت سيندي مُتوردة وهي لم تفهم ما يقصده بكلامه تمامًا، مالداعي ليُقارن بينهُما؟



تلى ذلك أحاديث طويلة عن الماضي قصتها سيندي عن طفولتها المُشتركة مع بيرت... وكيف أنه لم يعُد
كما كان إذ لم يتذكر كيف كانت علاقتهُما قبل الحادث...

قاطع جمعتهُم الصغيرة حضور مُشرف الاختبار يطلبُ عودتهُم للعمل، غادروا مُتذمرين والنصيب الأكبر
لآني التي لم تحُصل على الدونات في موعدها المُحدد بسبب انشغال نيو بالتعرُف على الفتاة التي وصفها بالمشعة!

غادرت سيندي وقد توجهت آيرس حيث يجلسُ مارتن في غرفة الحراسة وطلبت مِنه إيصالها للبيت إذا أمكن....
كانت خجلة لأنها فرضت نفسها في حين الأخير لم يُمانع فهو يعرف أن سيده سيبقى في مكتبهُ لوقت متأخر
مايزال في بدايته....

ترجلت وهي تشكرُ مارتن في حين تحملُ حقيبتها البيضاء وقد استوت بذلتها كما ينبغي بعد خلع الجبيرة
وارتدت السُترة الأنيقة بأريحية....

دخلت الرُدهة بهدوء، التقط مسمعُها صوت ذو بحة عرفته واستنكرته بشدة... ضنت أن خيالها صنعه لكنها
تأكدت حين وصلها جُزء مِن مُحادثة غير مفهومة:" نعم... اذًا ما رأيك يا خالي؟!"

في حين أجاب السيد جوليان بتفكير مُهمهمًا:" لابأس بذلكَ، ولكن ألا تعتقد أن في ذلك مُخاطرة كبيرة...
قد لا تتحملُها الشركة دُفعة واحدة!"

أجاب ذو البحة الجميلة يُحاولُ إقناع الأخير:" لكن إذا نجحت فستدعمُ أعمال الشركة لسنواتٍ طويلة مُستقبلًا!"

تنهد سيد القصر بِقلة حيلة:" لا يمكننا إنكار هذه الجُزيئة من الصفقة!"



استنفرت بلا وعي وقد عرفت الضيف... فهرولت نحو غُرفتها تخفي نفسها! لم تفكر سوى بشيء واحد حركه وعيها عليه...

-هذا يشبه ما يحدث في الدراما عادةً! لقد رآني عند ايفرين، إذا رآني هُنا فسيعرفُ أني
أعرفُ بيرت وإذا عرف أني أعزم على إعلامه بكُل شيء، فقد يُحاول منعي من إخباره!



غيرت ملابسها براحة لأول مرة مُنذ وقت طويل ارتدت كنزة صوفية صفراء مع بنطال جينز فاتِح، وبقيَت
في غُرفتها طويلًا... إلى أن لمحت السيارة شرابية اللون وهي تُغادر بوابة البيت، تنهدت براحة.. اليوم
وحسب، الليلة على الأقل يجبُ أن لا تُقابل المدعو كوفين! هي لا تعرفُ موقفه، رُبما هو بِصف
السيد جوليان ويُحاولُ حِماية بيرت مِن الواقع المُحزن للأحداث! ولرُبما هو يعتبرُ نفسه يحمي ايفرين
لأسباب تعود إليه! لم تُخاطر وبدأت ترسمُ الكثير من الاحتمالات....



نزلت السلالم بِحذر ودخلت صالة الضيوف الواسِعة وهيَّ تُلقي التحية على مُضيفها:" مساء الخير سيدي...
أردتُ إعلامكَ بعودتي!"

قال مُبتهجًا:" آيرس! لقد قلقتُ عليكِ فقد مَضى وقت طويل لوقتِ عودتكِ المَفروض! أرى أنكِ خلعتِ جبيرتكِ، أريني يدُكِ!"

تقدمت بهدوء وهي ترفع كُم الكنزة الصفراء بتوتُر:" لقد عُدت قبل وقتٍ طويل لكنني لم أشاء إزعاجك وضيفك!"

بسيطة وصريحة جدًا! هذا ما اعتقده السيد بِها وهو يُلقي نظرة على الندب الطويل على ذراعِها... قال مُتفهمًا
:" هنيئًا لكِ! من الواضح أنك جاهدتِ طويلًا ريثما تُشفين يا ابنتي!"

صمت وقد توسعت حدقتيهما لوقع الكلمة، الأول لألقائه كلمة كاد يَنسى أنه استعملها كثيرًا مع من اعتبرها إرثه
في الحياة والأخرى لأنها كسبَت محبة السيد بلا جُهد لِدرجة تسميتها بلقب تُدرك أنه خاصٌ لديه!





تناولا عشاء لم يُحضره بيرت وتخلجهُ أحاديث بسيطة حاول فيها السيد جوليان فهم شخصيتها التي وجدها
بسيطة ومُترددة وقوية عند الحاجة... في حين عرفت أن السيد جوليان يُحب إغضاب ابنه الوحيد! لأنها
الطريقة الوحيدة ليتفاعل بيرت فيها معه! وغالبًا ُيغضبهُ لمُتعتهُ الشخصية!

كان الجو هادئً كالعادة قبل هبوب العاصفة المُهتاجة! هذا ما اعتقدته آيرس وهيّ تجلسُ بجانب المدفأة بِرفقة
جوليان العجُوز يتبادلان أطراف الحديث وهي تُحدق بالحطب المُشتعل تأكله النيران ببُطء.



استفاقت لتجد نفسها غفت مُنتظرة، كان صوتُ وقع الخُطوات على السلالم هو ما حثها على الاعتقاد أنهُ عاد...
خرجت من غرفتها وهي تُدثر نفسها بِمعطفها الواسع... توسعت حدقتاه وقد تقابلت مع خاصتها من بعيد، ابتسمت
وهي تُغلق باب غرفتها الأبيض وتتجه نحوه بهدوء غريب!

أمسكتهُ من ذراعها نحو الجناح الأيمن وهو يحدق بعدم فهم! قال بحذر مُتسائلًا:" ماذا حدث لكِ الآن؟!"

قالت وهي تُحاول إسكاته برفع إشارتها أمام فمها:" اششش! أخفض صوتك، لدي حديثٌ مُهم معك!"

تنهد يسبقُها لأبعد غُرفة في الجناح الأيمن، وكانت عبارة عن مكتبة تظُم عدد كُتب مُثير للأعجاب لِكثرتها...
جلست على الأريكة الكهرمانية بِجانبه وهيَّ تظمُ أصابعها بِصمت، تنهد بِقلة حيلة....

-لا يبدو أنها ستُلقي بِما عِندها اليوم!

هذا ما فكر بِه... كسر الصمت بِصوتٍ مُنخفض وملامح فارقة:" ماذا هنالكَ آيرس؟"

رطبت شفتيها تعزي نفسها على ما هيّ مُقبلة عليه:" لا أعرف من أين أبداء!"

قال وهو يحشرُ ظهره بالأريكة بِتعب:" من أي مكان، تَحدثي وحسب!"

حشرت يديها بين قدميها بِتوتر:" حسنًا... فالتُنصت جيدًا! لقد قابلتُ فتاةً جميلة ومليئة بالحياة
رُغم ظروفها الصحية، جعلتني أعزم على إخبارك!"

رمقها باهتمام حين لمس جدية حديثها لتُردف مُكملة:" لم يعد يُعجبني أن تنتظر أشخاص
يعزمون على إخفاء الماضي عنك! أريدك أن تعرف الحقيقة... عن شقيقتُك!"

استنفر وأمسك ذراعها اليُمنى بقوة:" عرفتي شيءً مهمًا صحيح؟!"

تأوهت بألم وحاولت تحرير ذراعِها عبثًا، لتُكمل بألم:" سأخبرُك... لكن صبرًا! لقد قابلتُ ايفرين...
ابنة تيردا! لقد قابلتُها بفضلِ سيندي وقد أخبرتني حقيقة أن لا أحد سيُخبركَ عن تيردا بسبب وعدٍ غبي!"

ركز بفمها بكُل جوارحه ينتظرُ سماع ما ستُلقيه...:" حين كُنت في التاسعة وقعت عن شجرة التُفاح في
مصيفكم وفقدت ذكرياتكَ عن الطفولة... هل تذكُر أو تعلم ذلك؟!"

نهى برأسه بِعدم فهم لتُردف مُكملة:" قبل ذلك بفترة قصيرة لا أعلم كم تحديدًا أو كيف.... لقد ... لقد..."

لم تستطع قولها بل وأبعدت وجهها للناحية الأخرى مُتمنيةً أن يعود كُل شيء قبل بداء الحديث إذ لم تتوقع
أن يكون قولها صعبًا، أعاد وجهها لتُواجههُ من جديد، قائلًا بشيء مِن الغضب:" أكملي... ماذا؟"

نطقت بألم وهيّ تُغمضُ عينيها تُحرم على نفسها رؤية ملامحهُ لدى تلقيه الحدث الكبير:" هيَّ لم تعُد بيننا!"

بقيت على حالها في حين وقف مُنتصبًا بعدم تصديق... يُحاول جمع الصورة في عقله، تشوشت رؤياه
ووجهها الشيء الوحيد الذي يُبصره في اللحظة... فتكرر صوتها يصدع في مسمعه:" عزيزي بيرت...
عليكَ أن تكون قويً!... سأترُكك لبعض الوقت لكن اعتني بنفسكَ من أجلي.. ابتسم كثيرًا!"



كل شيء كان كانفجار صدع رهبتهُ للنصف الآخر للكُرة الأرضية... تدفقت وتدفقت، تلك الكنوز التي طمسها القدر.....



فتحت سوداويها بحذر، كان يُعطيها ظهره وملامحهُ شبه مُظلمة، زرقاوتاه مُتوسعتان بِصدمة
وتشعان بنُكران، غضب وحزن دفين... وقع الخبر أعاد له الكثير من الذكريات غلبها مَشاعر
لمواقف عديدة مع تيردا.... وصدى آخر جملة سمعها مِنها يتردّد في رأسه:" عزيزي بيرت...
عليكَ أن تكون قويً!... سأترُكك لبعض الوقت لكن اعتني بنفسكَ من أجلي.. ابتسم كثيرًا!"



كان شتاءً قارص، تراكمت الثلوج بكمياتٍ مأهولة على السطوح... تقدم رجُلٌ ثلاثيني أنيق الهِندام
وهو يُمسك مضلةً حمراء تكدست عليها الثلوج، هتف مُناديًا بِمجرد أن لمحهُ مِن مكانه...
فتقدم له الفتى ذو تسعة سنون ببهجة وقد عرفهُ جيدًا:" جيسون! أين اختي ألم تقُل لي أنكَ ستُحضرها مَعك اليوم!"

تنهد جيسون بِقلة حيلة:" لم أستطع إحضارها، لذلكَ سآخذك إليها!"

ابتسم بيرت ببهجة:" حقًا ذلك! اذًا سأخبر العم ماكس أن لا يُخبر والدي...."

توجه نحو السيارة الحليبية وهو يُعلم السائق بسرعة، ثُم عاد لجيسون مُتحمسًا وصعد في سيارتهُ أيضًا...
كان جيسون يقودُ السيارة بِمهارة واضحة وهو يرتدي نظاراتٍ شمسية بُنية، تُخفي عينيه السوداوتان
وما تَحملهُ مِن تعابير ومشاعر...

صعد للطابق الثاني عشر برفقة جيسون ولم تختفي مشاعرُ السعادة واللهفة لهذا اللقاء، فتح جيسون
باب الشقة بِمفتاحه ودخل سابقًا مُضيفه الذي ابتسم تلقائيًا لتصرفهُ المُعتاد!

بحث بعينيه في صالة الشقة الواسعة ثُم توجه للمطبخ وبعدها لِغرفة نومِها حيثُ وجدها تُلاعب ابنتها
ذات السنون الستة مُرتدية ثوب فضفاض قصير وشديد البياض... اقترب يحتضنُها بِسعادة هاتفًا:" مُفاجئة!"

تفاجأت لحضوره الغير المُتوقع، مُردفة وهي تفتح ذراعيها:" أجمل مُفاجئة! آه...عزيزي بيرت، اشتقت إليك!"

بقيت تُقبلهُ بعشوائية وهيَّ تَحتضنهُ فقال مُشتكيًا:" لِما لم تعودي تأتي لِمُقابلتي! لقد أصبحت سمينة أيضًا!"

قهقهت بِسخرية لكلامه الأخير لتردف وهيّ تحدق بزوجها بِحزن مُصطنع:" لستُ سمينة أليس كذلك!"

أنزلت رأسها وهي تُكمل:" لكنني أستعدُ لشقيق ايفي!"

عقد حاجبيه بعدم فهم، ومط شفتيه مُردفًا بِغيض:" ماذا تقصدين؟!"

قهقهت مُستمتعة بإغاظته:" ستفهمُ حين تكبُر!"

جلس يشتكي وقد تمكنت من إغضابه، فقد كان سهل الإغضاب دائمًا، بداء يُتمتمُ بكلامٍ عشوائي
حول تكرارها الدائم لجُملتِها السابقة... اقتربت ايفرين مِنه وأمسكَ يده وهيّ تُحدق بزرقاوتاها
نحوه ببراءة وتضع إشارة يسارها أمام فهمها مُتسائلة:" أخبرني بيرت... من أين يأتي الأخوة!"

قطب حاجبيه بِعدم فهم وهو يُجيبها بأسلوب أخته:" ستفهمين حين تكبُرين!"

انفجرت تيردا وجيسون يضحكان لرده للصغيرة، في حين كان مغتاظا مِنهُما... فأخذ ايفرين من يدها
وغادرا الحُجرة نحو غرفة ايفرين مُتجاهلًا الأخيرين.





أفاق من نومه وتيردا تحتضنه من الخلف مُردفة بصوتٍ مُنخفض كي لا تقض صغيرتها:" عزيزي...
سيعود والدي من العمل بعد ساعة! استيقظ ليوصلكَ جيسون للبيت!"

كان ينام بكسل وايفرين تمسك يسراه بيسراها وهي تغفو بِعمق وضح في ملامحها البريئة....
نهض ليُبادل أخته الحضن مُردفًا:" لا أريد العودة! أريد البقاء معكِ هُنا إلى الأبد! لما لايُمكنُني رؤيتكِ متى شئت؟
لِما يجبُ أن لايعرف أبي بأني أركِ؟ هذا الوضع.. لايُعجبُني أبدًا!"

تقوقعت الدمُوع في حدقتيها... ها قد جاء الوقت الذي يبدأ شقيقها بطرح الأسئلة بِقيادة فضوله...
هو يكبُر بالفعل وسيسأل ويُطالب بالأجوبة شيء فشيء...ابتسمت له بحبور مُردفة
:" حين نلتقي المرة القادمة... اسألني مُجددًا وحينها سأجيب! لكن هذا اللقاء قد يطول...
ولكن ابتهج فأنا أعدكَ أن أجيبُك حينها..."

مط شفتيهِ بانزعاج ولكنه أومأ لها موافقًا على مَضض:" سيكونُ الانتظار طويلًا هذهِ المرة إذًا؟!"

مَسحت على شعره بيسراها وهيّ تحرك جسدهُ الصغير تحتضنهُ بِنفس الإبتسامة:" عزيزي بيرت...
عليكَ أن تكون قويً!... سأترُكك لبعض الوقت لكن اعتني بنفسكَ من أجلي.. ابتسم كثيرًا!"

وسالت الدمُوع من زرقاوتيها وسط ابتسامتها الحانية! لم يفهم... لم يفهم سبب دموعها تلكَ
وابتسامتها العذبة ترافقها... لكنهُ يفهم الآن! فهو لم يعُد ذلكَ الطفل الغبي، لقد كانت تتألم لوضعِهما،
لعدم قُدرتها على الإجابة... لامتلاكها الكثير من الأحلام التي تتضمنهُ في حياتها....

كانت تلك آخر مرة قابلها فيها، آخر ذكرى قدمها عقله الذي استفاق من سباته! تقدم يخرج من المكتبة تاركًا
الأخيرة بخليج مشاعر تتضمن التوتر والخوف والحذر.... ألن يقولَ شيء؟ ألن يسأل المزيد؟ استوقفته عند الباب
مُمسكة بذراعه اليسرى بكلتا يديها... نظرت نحوه بقلق:" إلى أين أنت ذاهب بغير التعليق على ما سمعت؟
أرجوك.... قُل شيءً يا بيرت!"

حاول سحب ذراعهُ في حين شدت عليها بإصرار وهي تُقطب حاجبيها بقلق.... قال بصوتٍ مُنخفض:" دعيني أذهب!"

توسعت سوداوتاها وهي تستفسرُ بعدم فهم:" إلى أين يا بيرت؟!"

أخفض وجهه لتُغطي الخُصلات الأمامية عينيه مُخفية تَعابيره:" أريدُ... أن أبقى وحدي!"







* يُتبع *




 
 توقيع : فِريـال



رد مع اقتباس