عرض مشاركة واحدة
قديم 05-22-2020, 11:15 PM   #32
فِريـال
مشرفة طلبات التصميم ومعارض الأعضاء
-ORILINAD


الصورة الرمزية فِريـال
فِريـال غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 15
 تاريخ التسجيل :  Feb 2020
 العمر : 28
 المشاركات : 26,691 [ + ]
 التقييم :  38050
 الدولهـ
Iran
 الجنس ~
Female
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
إبتسِمـ
لوني المفضل : Black
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة

مشاهدة أوسمتي









الفصل 6: عالمهُ باهت حقًا...!

...:" سيد بيرت، نيو جونز يريد مقابلتكَ لعشرون ثانية!"
تنهد المُخاطب ليقول بملل من مكانه:" اغرب عن وجهي! لا وقت لدي للعب!"
حك نيو مؤخرة رأسه مُحرجًا من رفيقته التي ادعى أمامها أنه مقرب من مديرة
جدول اعمال بيرت، ابتسمت بقلة حيلة وتجاوزته نحو الباب مباغته الأخيرة لتدخل المكتب عنوة!
سمع نيو صوت القلم وقد وقع من يد بيرت فابتسم وغادر نحو المصعد تاركًا
الأخيرة... في حين هتفت السيدة سلون:" كيف تجرؤين؟!"
لم تضف المزيد فقد قاطعها بيرت متمتمًا:" اخرجي لوسمحتِ!"
جفلت آيرس التي ظنت نفسها المعنية في حين أجابت السيدة سلون:" عن إذنك اذًا!"
راقبت الباب وهو يُغلق، ثم نظرت نحو بيرت بصمت... بدا مرهقًا، قميصهُ غير مُرتب
وعينيه شبه مغلقة! بدا لها أنه سيسقط في النوم بأي لحظة! بقيا يتبادلان النظرات من
بعيد بصمت... طال الأمر ونفذت طاقة الأخير فدنى نحو الأرض مُختفيًا خلف مكتبه...
اقتربت لترى عن ماذا يبحث الى أن استوت بجانبه الأيسر... التقط القلم وحاول
النهوض بصعوبة، وعلى غفلة ضرب رأسه بالمكتب! كان يشعر بالدوار بحيث لم يعد
يركز جيدًا.... مسح مكان الضربة على رأسه ورمى بجسده على الكرسي، فاقتربت
تمسح رأسه بيسارها فأنزل يسراه وقد نفذت طاقته...
همست بلا شعور:" لم أكن اعرف أنك أحمق لهذه الدرجة! كيف تُهمل صحتك؟!"
ادار الكرسي نحوها لتستوي مقابله، رفعت يدها مجفلة فأمسك بها واعادها على رأسه:
" لايزال يؤلم!".....
اقتربت اكثر وأحنت قامتها نحوه لتطبع قبلة على فروة رأسه مكان الضربة، مُضيفة:" والآن؟!"
لم يُجب بل بقيّ متوسِع الأحداق لمُبادرتها غير المُتوقَعة... مُنذ مَتى وهيَّ جريئة الى
هذهِ الدرجة؟!... بقي مُتسمرًا وهو على حاله مسح على رأسه مُجيبًا:" لا يزال يؤلم!"
توردت وقد ادركت أن تصرُفها بدّا غريبًا، ولكن ليس كغرابَة رده! أهو يطلب أن تُعيد
مافعلتهُ بطريقة غير مُباشرة أم ماذا! ادار الكُرسّي للأمام ثم زفرَ بملل بعد صمتِها
الطويل ليقولَ بسُخرية:" هل ندمت لمبادرتكِ هذه؟َ!"
زمّت شفتيها بخَجل وقَطبَت حاجبَيها مُتوتِرة لكنها لم تجِد ما تَقولَه أو تَفعله! أين ذهبَت
كُلَ تلكَ السيناريوهات الَتّي كَتبتها للحظة لقائِهم هذا؟! لما تبخَرت كُل كلِماتها؟ كانَ
لديها الكثير لتقوله! لقد كانت غاضِبة ايضًا... لِما لا تَقولُ ماتُريد قَوله وَحسب؟ ألم
تأتي ليُعدِلَ قرارَ نقلِها لتلكَ المَدرسة الخاصّة؟! هل رؤيتهُ بهذا الإرهاق جَعلها تَتراجع
عن كُلِ مَواقِفها؟! ثُمَّ ماذا يَقصِد بكلامِه بحقِ السَماء؟! أهو لمحَ بِطريقة غير مُباشَرة
عنهُما؟! أهيَ تُعجِبه؟!
نظرت له لِتقول أول ما يأتي بِبالها تُغير دفَّة الحديث:" تبدو مُتعبًا! ألا يجبُ أن ترتاح؟!"

لم تُكمِل اكثر فقد وجدتهُ يُغلق عينيه وقد غط في نومٍ سريع وعلّى غفلَةٌ مِنه! حركت
الكُرسي المُدولَب نحو الأريكة التّي تًقابلُ المَكتب وبذَلت الكثيرَ مِن الجُهد الفكرّي
-كيف تُغير مكانه!- حاولت اسناده علّى كتِفها فاستعادَ شَيء مِن وعيّه وحرّكَ نفسَه
نحو الأريكة ثُمَّ عادَ ليغُط فيّ نومٍ عَميق!

استَيقظ وقَد طغّى الظلامُ جو الغُرفة... ظنَ للَحظة أنها غُرفتَهُ فيّ البَيت! لكن عَبقَ
الأوراق المُكدّسة اعادَ له آخر ما يتَذكرهُ! بحثَ عَنها حوله، لكن ظُلمتُ المَكان لَم
تُسعِفه... توجَه نحو زاويَة المَكتب وأنارَ الأضواء بكَبسّة واحِدة... كانَّ وحده! توجَه نَحو
المَكتب و رفعَ هاتِفهُ ووجَد عِدةَ مُكالمات فائتة مِن والده علّى رقمِه الخاص! وأخرى
مِن مارتن... أمسَت العاشِرة وهوَ يَغُط فيّ النوم الذِي باغَتَه! لقَّد أمضَى النَهار كُله
فيّ المَكتَب مُتغيبًا عَن المَدرَسة، كالعادَة يَغيبُ يَومًا من الأسبوع مُتفرغًا لِلكَثير مِن
العَمَل! مَدَّدَ جسدهُ ثُمَّ جمَع اشياءهُ المُهِمة فيّ حَقيبَة ظهَر وخَرجَ مِن المَكتَب نَحو
السَلالِم... تجاوَزَ حارِسَين عِند الطابِق الرابّع، القَيا التَحيّة عَلَيه، فالحَرَس يعرفون
مدير الشركة الذي يتواجد بعد الدوام حتى وقت متأخر! عند الردهة تجاوز الاستقبال
والحارسين، ثم واجهه الباب الذي تم اِقفالَه! تنَهَد بقِلة حيلَة، واتصَل بِمارتن وهو ينزُل
السَلالِم نَحو مَوقِف السَيارات فيّ الجانِب الأيسَر للقَبو...
تزامَن ذلكَ مَع خروجِ نيو الذّي لمحَ بيرت يَتجاوَزُ الزاوية صُدفةً! عاد نَحو الداخِل وهوَ
يهتِف:" آيرس! لقد تَوجَه نَحوَ المَوقِف!"
نهضت المَعنيَة وتوجهَت إلى حَيث قالَ نيو انهُ إتجَه وقَد أمسَت تَعرفُ المَكانَ جيدًا!
عَدَت بسُرعة ووصَلت حيثُ كان مارتن يَفتحُ البابَ لِسيدَه! زفَر بِتعب، هو وبِكُلِ تأكيد لَم
تَعُد له طاقَة!:" ماذا؟!"
ابتَسمَت بِتوتُر وهيَّ تُجيب:" لاشَيء! فَقد أردتُ أن.... أن........"
زفر بيأس بعد أن صمَتَت مُطولًا:" تُصبِحينَ على خَير!"
دخلَ السَيارة مُتزامنًا مع كلامه، اقتَربَت لِحيثُ تَتمَكن مِن رؤيتهُ جيدًا لتُردِف مُحرِجَة:
" أنا.. آسِفة!"
حَصَدَت إنتِباهَه ليَنظُرَ لَها مِن خَلفِ النافِذة مُقطبًا حاجبَيه بِعدمِ فَهم وهو يَسأل نَفسه
-علَى ماذا تَعتَذِر تَحديدًا؟!
لكِنها لَم تُضِف شَيْئًا بَل وتَراجَعَت بِضعَة خطوات ثُمَّ التَفَتَت تَعودُ مِن حَيث جائَت
مُبتَسِمَة! بَقيَّ يُحاولُ الفَهم إلى أن اختَفَت خَلفَ البابُ المُؤدّي للمَوقِف....
بقيّ تَصرُفها الغَريب يَشغُل تَفكيرَه، عَمّا اعتذَرت؟ استَعادَ آخر ما يَذكره قَبلَ أن يَغط
فيّ النَوم ولكِنَه لَم يَجد شَيء! بَل وَوجَد بِأنه هو الذّي يُدينُ لَها بِإعتذار لتَصرفهُ الذّي
اقنَع نَفسه بِكونَه وَقِحًا!

بَقيَّ تصَرُفاتها تَشغِلُ بالَه، إلى أن غط فيّ نومٍ عَميق، مُتوَسِطًا سَريرَه الواسِع...



فيّ الصَباحِ الباكِر كانَت آيرِس قَد تَجَهَزت لِلذهاب لِلمَدرسة، شَعَرَت بِالكَثيرِ مِن التَوتُر
للبيئة الجَديدَة الَتّي تَنتَظِرُها! فَقَد أخبَرَها نيو عَن احتِمالات عَما ستَجِدُه فيّ المَدرَسَة
مِن غَريبي اطوار! والمَواقِف الغَريبَة التّي يُحتَمَل أن تُواجِهُها!
رتَبَت زيِها أمامَ المرآة الطَويلة علّى بابِ خِزانَتِها... رفعت يسراها نحو الشعار على
صدرها، ثم زفرت مهدئة نفسها... ماتزال يسراها مُجبرة وهذا ما منعها من الكتابة
حتى حين كانت تعلمها المعلمة الخاصة طيلة الأسبوع.... بقي يومين على موعد خلع ا
الجبيرة وهذا ما اسعدها كثيرًا... ارتدت السترة الكحلية فوق اكتافها مجرد وجود
بسبب الجبيرة المزعجة...
أوصَلَها أحدُ سائِقي الشَركَة لِمَدرَستِها الجَديدَة، ولَكَم ادهَشَتها بِكبَرها وتصمِيمِها
الراقّي، بَدَت كجامِعات بريطانيا المَعروفة! دَخَلت الحَرَمَ المَدرَسي بِدَهشة مُرافِقة
لإستغرابِ بَعضِ الطُلاب الذينَ لَفَتَت إنتباهِهم بِجمالها وطَريقَة استِكشافِها لِما حَولَها
وَبَدَت تائهة! اقتَرَبَت ناظِرة المَدرَسة الَّتي تُراقِب توافِد الطُلابَ لَها وبَعد فَترَة وَجَدَت
نَفسَها فيّ مَكتبِ الناظِرة تَنتَظرُ ريثَما يَرنُ جَرَس بِداية الحِصَص... بَقيَت الناظِرة تُزيدُها
بِمَعلومات عَن قَوانينِ المَدَرسَة وَصرامَتِها، ثُمَ أخبرتها عَن الطبيعَة العامَة للمَدرَسة...
قالَت الناظِرَة بَين كلامِها بِفضول:" مِن النادِر أن يَنتقِلَ الطُلاب لِمدرَسَتِنا فيّ مُنتَصَف
العامُ الدِراسي! لمَ يَبق الكَثير للإختِبارات النِصفيَة! ما الّذي دَعاكِ للإنتِقال الآن!؟"
اردفَت آيرِس بشَيء مِن التَوتُر لِهذا الحَديث الذّي طالَ مَع الناظِرَة:" لقَد تَعرضتُ
لِحادِث لِذا، أء...سَأبذلُ جُهدًا مُضاعَفا للإختِبارات."
أومأت الناظِرة الَتي بَدَت حازِمَة ولَها حالَة وَقار شَديدّة، بِتَفهُم...
بَعد وقتٍ مَلحوظ مِن رَنين الجَرَس، تَوَجهت آيرس مع الناظرة نحو صفها وقد وجدت
نفسها قد تجاوزت القلق والتوتر بزفير اخرجته مهدئة نفسها... دخلت قاعة الصف
التي بدت جميلة لها وقدمتها الناظرة بوجه جامد:" هذا نادرُ الحدوث ولكن،
اقدم لكم الطالبة المنتقلة الجديدة!"
التَفَتَت نَحوَ آيرِس مُكمِلة:" قَدِمي نَفسُكِ!"
جفَلَت لِلحظة لكِنَها تذَكَرَت كلامَ نيو مَعها فيّ الأمس عَن كيفَ يَجِبُ أن تتصرَف لِتَكتسِب
ودَّ الأصدِقاء المُحتَمَلين! وَصدَعَت جُملَته واحِدة فيّ رأسِها "الزُمَلاء الجُدُد سيأخذونَ
عَنكِ الفِكرَة الأولى مِن اللَحظة الَتي تُقدمينَ نَفسُكِ فيها! اذا بَدوتِ مَهزُزَة أو خائِفَة
فَسَيبتَعِدون عنكِ! أظهري قوة مرافقة مع ابتسامة!"

ابتسمت تلقائيًا وهي تقول بنبرة متوسطة:" آيرس كوربي! ارجو أن نُكون ذكريات
جميلة معًا!"
كانت القاعة مليئة بالهمهمة، نهضت فتاةُ ذات شعر اشقر طويل، مُموج وبدا عليه
العناية الكبيرة... تضع ملمع شفاه وردي خفيف تسأل باهتِمام وبصوتٍ رَقيق:
" لِما يَدُكِ مُجَبَرة؟!"
نظرت آيرس ليَدِها بشرود مُستَعيدة لِماحدَث، ولِلَحظة شَعَرت بالألم الذّي نَتَج عَن
ارتِطامِها بالأرضِ بِقوة وَصوتِ تكسُر عِظامها يَدوي فيّ جَسدِها... رطبَت شَفتَيها مُجيبَة:
" مُجَرد حادِث!"
نَهَض شابٌ أصهَب بِملامِح مُسترخيَة:" تبدو قَديمَة... أقصِدُ الجَبيرَة!"
تلمَسَت الجَبيرة بِاطرافِ اصابِعها مُجيبَة بتَبَرُم:" صَحيح سأزيلُها قَريبًا!"
اكمَلت الناظِرة تَشرَح وَضعَها والجَميع ينصتُ باهتِمام.... انتَهى الأمر بآيرِس تَجلِسُ
فيّ مُنتَصَف قاعة الدَرس بِجانب الفتاة ذات الشعر المُمَوج الَتي بَدَت كأميرة خارِجة
مِن قِصَة خُرافيَة بِجمالِها واهتِمامِها الواضِح بمَظهَرُها! اذا أمعَنت النَظَر فَسَتُدركُ أن
الإختِلاف الوَحيد بَين الفَتاتَين الجَميلَتَين هو الوقتُ الذّي تَبذِلهُ الشَفراء عَكس آيرِس
الَتّي لاتَمنَحُ نَفسَها الكَثيرِ مِن الوَقت بَل وَجمالِها يُنافِس الأخيرَة بأشواط!

كانت آيرس مَحط اهتِمام الصَف برُمَته، فكَما سَبَق واسلَفَت الناظِرة
"انتِقال الطلاب لِهذه المَدرسة نادِرٌ جدًا!".
فيّ وَقت الغداء بَحثَت آيرس عَن صَف بيرت بَعد أن عَرَفته مِن مارتِن سابقًا... وقَفَت
تَنظرُ فيّ القاعة مِن المَدخَل وهيّ تَبحَث عن بيرت، وبالفعل كان يَجلسُ وحده ولا ي
يتَوَقَف عَن الكِتابة بِمُفكِرتهُ! كانَت الفَتاة الشَقراء سيندي تُرافِق آيرِس مَع بَعضِ
زُملائها، ابتَسَمَت وهيّ تسأل:" عَن مَن تَبحثينَ تَحديدًا؟!"
جفَلَت آيرس لِلَحظة ثُمَّ قالَت مُبتسِمة:" سأعودُ بِسرعة!"
توجهَت مُباشرةً نحو طاولَتهُ وَوقَفت بِجانبَه، لَم يَلتفِت أو يَهتَم فأخفَضت جسدِها العلوي
وهيّ تَعقدُ يُسراها للخَلف، لتواجهَ وجهَه مُبتَسِمة... قام تصرُفِها بجَعل بيرت ينتَفِض للمُفاجئة!
نظر لها بِشَك:" ما الذّي جاء بكِ الى هُنا؟!"
حافظَت عَلى إبتسامَتُها مُجيبة:" ليسَت صُدفَة! بَحثتُ عَنك..." دارَت حَولَ نفسِها مُكمِلة:" كيفَ أبدو؟!"
خلل أصابِعه بينَ شعره الأمامي بِتوَتر مُجيبًا بِقلة حيلَة:" يُناسبُكِ! هل أنتِ مُرتاحة فيّ صفكِ؟"
أومأت مُوافِقة ليُكمِل:" اذًا اولائكَ الفَتيات مِن صَفكِ؟!"
لمَح سيندي التي بَدت مُلفِته للأنظار فَفي النِهاية هيّ مِن عائلة اشتَهرت بجمالِ افرادها!
ليقُولَ مُخاطبًا اياها:" سيندي فوكس! اعتَني بِها رجاءً!"
ختَم كلامَه وهو يضعُ يَده على رأس آيرس التّي استَغربَت مَعرفتهُ لِزميلَتُها سيندي...
تقدمَت المَعنية خطوتَين وهيّ تومأ موافِقة بابتسامة!
نَظرت لبيرت الذّي بَدا شاحبًا وهيّ تُحاولُ الفَهم، نظر الأخير لَها ليردُف موضحًا بِصوتٍ
لا يسمَعهُ سواهِما:" عائلَتانا تَعرِفان بَعضهُما!"
فهِم الوضع اراحَها قليلًا وزاد فضولها لتَعرف اكثَرعَن المَوضوع! خَطفت نَظرة لما
حَوله، إنهُ حقًا لا يَملِك أصدقاء فيّ المَدرَسة كما سبَق وأخبرَها! مَررّت يُسراها نحو
طاوِلتَه بِخفة وأخذت مُفكرتَه بِغير لفتِ الإنتِباه وخبئتها فيّ جيب سُترتِها! أرادَت خَلقَ
الفُرَص وحسب!
توجَهت للمَدخل بِخطواتٍ واسِعة، وغادرَت بَعد أن ابتسَمت لَه بِمَكر ولم يَفهم السَبب حقًا!
بَقي شاردًا بإبتسامَتها الأخيرة ولم يَفهَم لما نظرت له بثعلَبيتَيها بتلك الطريقة! كبس
بأنامله علّى رأسه بِتعب وحَملَ قلَمه فضّي اللونِ ولم يَجد المُفكرة! بحث بِحيث لفَت
نظر الشابُ الذّي يَجلس خلفَه بِمقعَدين فقال:" ألم تَفهم بَعد! تلكَ الفتاة أخذَتها..."
نظر بيرت نَحوه بِشَك ثُمَّ التفَت نَحو المَدخل...
-آيرس؟! ولما أخذت المفكرة!
جلسَ مَكانه بِملل! ليسَ كأنهُ سيَقوم باللَحاقِ بِها! أخرَج كِتاب الأدَب وجلسَ يدرُس بلا
سَبب فَمضى الوقت....
شَعرت الأخيرة بالخيبة! أرادت أن يأتي لصفِها! ويَرى البيئة التّي وَضعها فيها، ولكِنه
لَم يأتي! نَظرت للمُفكرة ذات الغِلاف الأسوَد بِمَلل وَفتحَتها فَقط لتَرى خَطه الجَميل...

****


كانت عمَة سيدني زوجة والده الأولى... وهذا الأمر كان يَعرفَه! توفيَت السَيدة تاليا
فوكس بَعد أن حاربَت سرطان الثدي لسنَتين! كانت شابَة ولكن مَناعة جسَدها ضَعيفة،
وقد اِعتاد رؤية سيدني التّي تصغرهُ بعام فيّ الحَفلات والتجَمعات العائلية...
حينَ سمَعت آيرس بالأمرِ مِن سيدني وقَد انفردَتا أخيرًا مِن الجمُوع حولَ الطالِبة
المُنتقِلة.... شعرت بِشيء مِن الراحَة! وذلكَ لم يَمنَعها مِن السؤال بِحذر:
" سيندي، هَل تَعرفينَ تيردا؟!"
تَوسَعت احداقُ المَعنيَة، هيّ بالتأكيد لَم تتوَقع هذا السؤال ابدًا! لَم تَعرِف بِما تُجيب،
هيّ لاتَعرِف عَن المَعرِفة التّي تَملِكها آيرس حَولَ المَوضُوع ولا كَم أخبَرها بيرت أو كَم
يَعرف بيرت نَفسَه، فَأخفضَت رأسَها مُمتَنعة عَن الإجابَة!
قالت آيرس بِرجو واضِح:" أرجوكِ أخبريني عَن شَقيقَة بيرت؟! أنا اعرِف أنَها غادَرت
البَيت بَعد شِجار مَع والِدها وأنها كانَت تزورُ بيرت فيّ طفولته سرًا عن ابيها!
هيّ ابنة عَمتكِ.. بالتَأكيد تَعرِفينها..."
قالت سيندي بتَوتِر أخرَجَها مِن مَلامِحها المُبتَسمة طوالَ الوقت:" بيرت يَذكرُها!
هذا مُستَحيل..."
احتارَت آيرس مِن أمرِها، ماذا تَقصِده سيندي بِكلامِها تحديدًا! هَزت آيرس الأخيرَة
فإستَعادَت نَفسَها مُردِفة:" حين كان بيرت فيّ التاسعة... كُنا نُخيم فيّ مَصيف
العَم جوليان ... وكُنت فيّ الثامِنة حينها ولكنني اذكرُ أننا كُنا نَستَضيفُ ولدَينِ آخرَيين
مَعنا وكانا صَديقا بيرت مِن المَدرسة... كان الوَقتُ ربيعيًا وكان الأولادُ يتسَلقون
اشجار التُفاح الفارعة فيّ حديقَة المَصيِف حينها! وقع بيرت مِن الشجرة بَعد أن
تَسلَقها وعجز عَن النزول! كُنت فزِعة ولم اتوقف عَن البُكاء لرؤية بيرت وهو يَنزف مِن
رأسه! حينَ إستيقَظ بيرت، كان قد فَقدَ ذاكرَته! بَقيّ يُحاوِل التَذكر وتَذكر القليل...
لكِنه لَم يَتذكر يَومًا كَم كُنا مُقربَين فيّ طفولتنا! بَل وحتى يَومِنا هذا مايزالُ يُعامِلني
بِرسمية كما الحال مَع الكثيرينَ مِمَن خالطوا بيرت فيّ طفولَته."
رفَعت زرقاوتاها نَحو آيرس... أمسَكت يَدَيها وهيَّ تسأل بِرجاء:" هَل يذكرُ بيرت، تيردا حقًا!؟"
أومأت آيرس ومايزالُ وَقع كلامِها يُثير القُشعَريرة فيّ جسَدِها:" على أساسِ كلامكِ...
هذا يَعني أن بيرت بدأ يَستعيدُ ذاكرته؟ كنت أظُن أنه بسبب ذاكرة الطفولة الضعيفة وماشابه!"
رفَعت يداها حَيثُ ثَقرها وهيّ مُتوجِسة، تَصرفُها هذا اثبَت أنَ ثَمّة ما تُخفيه هذهِ الفَتاة
عَن تيردا ولا تُريدُ أن يَعرفهُ أو يَذكرهُ بيرت!
بلا مُقدمات رمَت آيرس سؤال آخر الجَم الأخرى:" السَيد جيسون اليكسس ليور... أنتِ
تَعرفينَه بالتأكيد! هَل مايزالُ مَع تيردا؟ أقصد هو زَوجِها الذّي احبَته... فَهل تيردا
سَعيدة فيّ حياتِها مَعه؟"
تَجمَدت سيندي بِعدم تَصديق مُجيبة:" بيرت يَعرفُ جيسون ايضًا؟!"
أومأت بإيجاب لتُردف سيندي بِعدَم تَصديق:" مُستحيل!... كيفَ تَعرفينَ كُلَ هذه الأمور؟
مَن أنتِ بِحَق السماء؟!"
الأمور الخاصة بين هذه العائلات الثلاثة والمُرتبِطة بِتيردا... حَتّى الإعلام لَم يَعرفها!
تراجَعت سيندي بِحذر وهيّ تَعقِدُ يَديها مُنتَصف صدرِها ثُم سألت ما فاقَ تَوقعَ آيرس
التّي لَم تَفهَم أي شيء عَن تيردا بِسبَب تَغير سيندي للحَديث نَحو بيرت طوالَ الوقت:
" هَل بيرت يَعلم بِمَوتِها؟!"
أوقعت آيرس كُل اسئلَتِها وتَخيلاتِها عَن الفُرَص التّي رَسمَتها عن لِقاء خَيالي لَن يَحدُث
ابدًا! ودَمَعت مُقلَتيها بالوَفير بَعد أن أطلَقَت شَهقة قَوية جدًا! ادرَكت سيندي بِدورها أن
بيرت لَم يَكتَشِف الأمر بَعد.
"تيردا.... شَقيقَة بيرت مَيتة؟ الأختُ التّي يَبحَث بيرت عنها سرًا، لَم تَعُد مَوجُودة؟!
سَيكونُ هذا قاسٍ عليهِ." قالت آيرس ذلكَ بينَ شهقاتِها ودمُوعِها التّي عَجزَت عن مَنعِها...
تأثرت سيندي بِدَورها للفِكرة، هيّ لَم تَتَخيَل يومًا أن بيرت قَد يَتذكَر شيءً جَديدًا عَن
تلكَ الأيام بَعد مُضي كُل تلكَ السَنوات بِلا تَذكُر شَيء مُهم! ظَنت أن فَصلَ إستعادَتَهُ
كلِتلكَ الأيام قَد خُتِم.


بَعد الدَوام وَدَعت الفتاتانِ بَعضهُما وكلُ واحدَة مِنهُما اشَد شرودًا وتأثرًا مِن الأخرى!
وبِمجرد وصولِ آيرس للشركة تَوارت عَن الجَميع واندَسَت فيّ سَريرِها واغلقت
السِتارة... بَقيَت تُفكِر بالأمرِ طويلًا، -ماذا يَجبُ أنّ تَفعل؟!- عادَ اليكس وآني
لِلاستراحة فتوجَهت آني للاستحمامِ مُباشَرةً، فيّ حينَ بقيّ اليكس يَجلس مُسترخيًا
وهو يَشرُب مِن عُلبة عَصير العِنَب بِهدوء...
نَهضَت آيرِس بقِلة حَيوية وتوجَهت نَحو الثلاجَة، وأخذَت قَنينَة ماء وارتَشفَت مِنها
ومَلامِح الحُزن لم تَكُن خافيَة عَن الأخير فسأل باهتمام:" هل حدث شيء معك في
المدرسة؟! أأزعجكِ أحد وما شابه؟!"
نفت برأسها فأردف بقلة حيلة:"ماذا اذًا؟ لما تبدين كئيبة وكجُثة مُتحرِكة!"
زَمت شَفتَيها وهيّ تَسيرُ نَحوه:" سأخبركَ أمرًا بينَنا!" ابتَسم الأخير لأنَها مَنَحتهُ ثِقته
لتُردف بِصوتٍ مُتحشرج:" لَقَد عَرفتُ صُدفةً أنّ شَقيقَة بيرت... تيردا...."
لَم تَستَطِع المُتابِعة بَعد أنّ بَدأت بِالبُكاء! قال مُخفضًا رأسه وقَد اغمَض عَينَيه:" لقَّد عَرفتِ اذًا!"
تَوسَعت احداقُها وتوقَفت دموعِها ذاتيًا:" أنتَ تَعرِف!؟"
أومأ بِرأسِه بِأسى:" لقّد قَرأتُ الكَثير عَنها فيّ الشابِكة تِلكَ الليلة!
لقَد احزَنَني الوضعُ الغَريب الذّي وَجد بيرت نَفسه بِه!"
ضَمت نَفسَها بَعد أنّ جَلسَت مُتقابِلة مَعه:" كَيفَ يَجبُ أنّ نَتصرَف؟ ماذا لَو عَرفَ بيرت بِذلكَ؟"
بَسَطَت مَلامحُ هادِئة وجه اليكس مُجيبًا:" لا شيء! فَهذا ليسَ شيء يجبُ إخفائه! سَيعرفُ عاجِلًا أم آجِلًا...."
إستَغربَت كلامُه ولَم تَفهَم المَنطِق الذّي يَتخِذُ اليكس قَراراتِه عَليه....
بَترَت بِصوتها الجو بَين الإثنَين:" مَن وسيَعرف ماذا؟!"
التَفَتَت آيرِس نَحو زرقاء العينين التّي تَرتَدي فُستانًا أبيَضا قَصيرا ذو حَمالات أظهرَ
ضئالة جسَدِها قَبل أن تَرتَدي سُترة لازوردية كَبيرة القياس أخفَت قَوامها.... زفر
اليكس بِراحة مُجيبًا:" لقّد عَرفَت آيرس عَن كونِ شَقيقَة بيرت قَد توفيَت!"
خَلخَلت اصابِعها بينَ شعرِها المُبلل قائلة بأسى:" كيفَ عرفتّ يا آيرس؟!"
بَقيت آيرس شِبه مَصدُمة، فَحتى آني تَعرف بِذلك! اخفَضت رأسها مُجيبة:" زميلَتي فيّ
الصَفِ، صُدفةً عرفتُ بكونِها قريبَة بيرت! وقد أخبَرتني بذلك!"
زمَت شفَتَيها لتسأل بِتَفكير:" أيعرفُ نيو بِذلكَ أيضًا!"
أومأ كلاهُما فيّ نَفس الوقتِ لتُضيف آني وقَد استَلقَت علّى الأريكة مُتوسِدة قدم
اليكس بِتأثر:" ولِذلك لَم يَعُد يلِحُ علَى بيرت أنّ يَكتَشِف الأمور أو يَحثهُ علّى لقاء شَقيقَته!"

عاد نيو حاملًا عُلبة الدونات ووَجد الجَو ثقيلًا.... إختَفى مَرح نيو وقَد فَهمَ أنّ آيرس
اكتَشفَت الأمر مِن تلقاء نَفسِها... ولكِنه أقنَع الأخيرة بالأمر مِن جهَتهُ قائلًا:" الأفضَل
أنّ لانتَدخَل فيّ هذا المَوضوع! لندَعه يَكتَشِف الأمر بِنفسِه!"

كان كلُ فيّ ذاته... لَم يستطيعوا العَملَ علّى لُعبَتِهم كَما يَنبَغي، إنما بَقوا مَشغُولي
الفِكر بَعد أنّ اثارَت آيرِس المَوضوع مِن جَديد! وحَتى حضورِ المُعلِمة كان غير كافّي
لإخراجِ آيرس مِن دوامة أفكارِها!
في المساء وفي أثناء تناولِ العَشاء بِقلة شَهية تَلقَت آيرِس رِسالة علّى هاتِفُها النَقال
تَحوي بِمضمونِها:
"مَتى ستُعيدينَ مُفكِرَتي؟!"
انتَفضَت وقَد عَرفَت مُرسِلُها.... نَظرَت للآخرين وهيَّ تَعضُ علّى شفَتِها السُفلى بِتوَتُر:
" سأعودُ بِسُرعَة!"
وبِالفعل نَهضت تارِكة عشائها غَيرِ المَمسوسِ وأخذَت مِعطفِها ووضَعته علّى كَتفَيها ثُمَ
أخرَجَت المُفَكرَة مِن حَقيبَتِها المَدرَسية وخَرجَت لِحيثُ توقَعت رؤيته! وبِالفعل كانَ
يَجلسُ فيّ مَكتَبه وقَد أنهى عَملَه وعَزِم الرَحيلِ بِمُجَرد استِعادَة المُفكِرة! كان يُحركُ
القَلم فيّ الهَواء كَما ولَو يَكتُب حَقًا! لقَد إعتادَ تَدوينَ افكاره وغياب مُفكِرَتهُ الخاصَة
جَعلَ الأفكارَ تتزاحَم فيّ رأسه! رَفع عَينَيهِ نَحوها بِمُجرد أنّ فُتحَ الباب... كانَت مُنكَمِشة
علّى نَفسِها ولاتَتوقَف عَن ضمِ شَفَتَيها بِتوَتُر.... اقتَربَت لِحيثُ يَجلسُ وهيّ تَمدُ
المُفكرة بِخجل، لَم تتوَقع أنّ تُعيدُها بِنَفسِها! أرادَت جَعله يَلحقُ بِها لإستِعادَتِها! ولكِنه
جَعلها تُعيدُها وبِغيرِ اتعابِ نَفسه سِوى بالإنتِظار وعَبرَ رِسالة واحدة!
أمسَك عضِدها علّى غَفلة بَدلَ أخذِ المُفكرَة وبَقيَّ يُحدِقُ بِها بِتَعب...:
" مامَعنى هذا التَصرُف الطفولي!"
ضَمت شفَتيها وهيَّ تَنظرُ نَحو الأرض مُحررة أهدابِها الطويلة للعِيان:" لا شَيء حَقًا!"
تنَهد بِقلّة حيلة وهو يَنظرُ للمُفكِرة:" لَو كُنتِ مُهتَمة بالتَدويناتِ لَما فَكرتُ بِتَركِها مَعكِ
لِلحظة! ولكِننّي واثِق بأنكِ كُنتِ تَمزحينَ وما شابه!"
ابتسمَت بِسخرية لوضعِها الحالي:" أنا آسفة!"
رن الجرس فيّ أذُنِه لِيسأل بِفضول:" صَحيح، فيّ الأمس... عَلّى ماذا إعتذَرت تَحديدًا!"
عَضَت شفَتيها بِحَسرة، كانَت تَنوي كَسبَ إهتمامَه بِكلا تَصرفَيها فيّ الأمسِ واليوم لكن
دفاعهُ قَوي!:" لأنَني كُنت... ازعَجتُك وماشابَه بإقتِحام مَكتبُك بالأمسِ!"
قال بِملامِح فارِغة:" هكَذا اذًا.... لَم تُزعجينّي! تَوقفي عَن الظِنُون الواهِية!"
قالت مُتحَجِجَة:" ولكِن..."
نَهض يُمددُّ جَسَدهُ بِتَعب تَحتَ انظارِها ثُم التَقَط سُترتهُ ليرتَديها قائِلًا:" هَل تَناوَلت العَشاء؟"
نَفَت برأسِها وهيّ تُطبِق شَفتَيها بِتوَتُر فأردَف مُتَجِهًا نَحو المَخرج:" لِنَذهَب ونأكُل شيئاً إذًا؟!"
تجَمَدَت لِلحظة ثُمَّ تَبعَتهُ بِانصياع.... خرَجا مِن مَبنّى الشَرِكة سيرًا، بَعد السيرِ صامِتَينِ
علّى بُعد شارعَين دخل لِمطعم هادئ وبَعد دقائق عادَ وهوَ يَقُول:" لديهِم طاولة
شاغِرة لحُسنِ حظِنا!"
توجَهت نَحوه بَعد أن صَعدت الدرجات الأربَعة مُبتسِمة، فأردَف:" طعامَهُم لذيذٌ جدًا مَع
أنهُ مطعَم مُتواضِع!"
رتبَت شَعرها الأمامي وهيّ تَقولُ مُتوتِرة:" لابأس.... سيَكونُ مُحرجًا اكلُ الطعامِ فيّ
مَكانٍ آخر!"
نظر لسَوداوَتيها بِعدم إستيعاب لكنهُ فَهِم قَصدها حينَ رَفَعَت يُسراها المُجَبرة....

جلسا مُنتظرين طلبَهُما وهيّ تَنظرُ حولَها بإعجاب، فَعلى رُغمِ تَواضع المَطعَم فالجو هنا
حقًا دافئ! الطاولاتُ قَريبَة مِن بَعضِها نوعًا ما وأصواتُ الهَمهَمة المُنخَفِضة تَعِجُ
بِالمكان... كان بيرت لايتوَقَف عَن نقرِ اصابِع يُسراه بِمَلل علّى الطاوِلة... اطلقَت
ضِحكة خافِتة مُلحِقة بِمُزاح:" هَل أنتَ مُتوَتِر أم أتخَيَلُ ذلكَ؟! هذهِ وظيفَتي كَما تَعلم!"
زمَّ شفَتيه يَمنع نَفسَه عَن الضَحِك مُجيبًا:" ليسَ كذلك، إنمّا يَدي تؤلمُني لِكثرَة
استِعمالِها فيّ الدِراسَة والعَمل! أنا اُنَشِط اصابِعي وحَسب."
أخفضَت نظراتِها نحو يُسراه بإعجاب:" أنتَ مُذهلٌ حقًا! كيفَ لا وأنتَ تتحَمَل مَسؤولية
كُل ذلكَ العَمل وَحدكَ وَماتَزالُ طالِب!"
فرَكَ علّى جبينَهُ بِتوَتُر، مدَحَتهُ بِدون سابِق إنذار وهو لَم يَعتَد أنّ يَسمَع المَديح عادةً!
فوالدهُ غالِبًا يَتَهِمهُ بالتَقصيرِ والجَميع يُشيرُون لَه بِسمَة المُدلل والمَغرور لِعدَم
مُخالَطتَهُم وحَسب، غافلينَ عَن الجُزء الذّي مَدَحَتهُ آيرس!
تدخَلَت النادِلة بالجَو العامِ بَينهُما وهيَّ تَضعُ الصحون علّى الطاوِلة الصَغيرة التّي
بالكادِ تَكفّي شَخصَين، كانت الطاوِلة فيّ زاويَة المَطعَم تمامًا بِحيث كانا يَجلسانِ بِجانبِ
بَعض مُتقابلينَ مَع الجِدار... مَدَت آيرس يَدها اليُسرى نَحو الشَوكة وهيَّ تَقولُ له
مُمازِحة:" لاتنظُر لِمَصلَحتُكَ!"
وبِالفعل كانت ترفَعُ الشَوكةَ بِيُسراها بِصعوبَة مُتوسطة فَقد إستمَرت بإستعمالِ
يُسراها مُرغَمة لأكثَر مِن شَهرَين...
قال مُمازِحًا:" وهو يَرفعُ شوكتهُ وما الصَعب بإستخدام اليَدُ اليُسرى! إنهُ سَهل!"
نَظرَت لهُ بنِصفِ عين وهيّ تُجيبُ بِمَلل:" لا يحقُ لكَ قولُ هذه الجُملة أيُها الأيسر!
جَرب استعمالَ اليُمنى وستعرِفُ ما أمرُ بِه!"
رفَع كَتِفيه بِملل، وحمَلَ الشوكة بِيُمناه:" ليسَ صعبًا! فأنا أجيدُ الأكلَ بِكلتا يَداي!
الكِتابَة وَحدها صَعبةُ لي بِاليمُنى!"
قالت مُتنَهِدة:" يالحظُكَ!"

رفع الشوكة وهوَ يُتابِع الأكلَ وكذلك فَعلت وبَعد فترة توقفَ عن الحراكِ وهو شاردُ الذِهن...
تنَهد مُتسائلًا:" برأيكِ... لِما لَم تَعُد تيردا تُقابلًني؟ اليس هذا غريبًا؟!"
ابعدَت نظرُها جانِبًا وهيَّ تَمتعِضُ لِعدم قُدرَتَها عن الإجابَة، وماذا تَقولُ لَه؟! لقَد نَسيتَ
ذلكَ وَلكِنَ أختُكَ ماتَت وهكَذا! وكُلما طال الحديثُ عن تيردا كان تهرُبُها مِن الإجابة
يُصبِح أوضَح وأوضَح...
إلى أن بدأ يغضبُ شيئاً فشيئاً مِن تَصرُفاتِها المُتهربة مِن الحَديث، والتّي وجَدَها
واضِحة... أمسكَ ذراعِها اليُمنى حَيثُ لا تصِلُ الجَبيرَة وجَذبَها مُلحِقًا:" لِما تتجاهلينَ
الحَديثَ عَن هذا المَوضوع وتُجيبينَ غَيره؟! ماذا أخبرتكِ سيندي تلك؟!"
الجمتها الصدمة فأطبَقت شفَتَيها مُمتنعة عَن الإجابَة لبَعضِ الوَقت وعَلامات القَلق
تُمسي اوضَح لتُجيبَ مُتهَربَة:" ألم تَقًل أنكَ لاتُريدُ أن تَغش؟ لِما تسألُني إذًا؟!"
كأن الصَفعةَ جائتهُ مِن كلِماتِها ليُجيبَ مُوضِحًا ومايزالُ يُمسكُ ذِراعها بِقوة:" لَم أكُن
أقصدُكِ بِكلامي بَل نيو واليكس!"
سَرَت القُشعريرة فيّ كُلِ بُوصيلةٍ مِن جسَدِها وسؤالُ سيندي يصدَع فيّ رأسها:
" هل بيرت يعلمُ بِموتها؟!".... فيّ كُل مَرة كان يوجِهُ الحديثَ نَحوها، حينَ تبتغي
مَعرِفة شيءٍ عَنه، يَسألُها عَن القِصَص التّي تَخصُها! فَلِما الآن وقَد عرِفَت بِما لايَطيبُ
لَها أنّ يسمَعهُ عَن طريقِها!
رطبَت شَفَتَيها تُجيبُ بِعشوائيَة:" ولِما لا تسأل أحدًا من عائِلتُكَ، أو اقرِبائِكَ؟!"
خَف مِن الضَغطِ علّى ذراعِها وتنَهَد وهو يُركِز كُوعيهِ علّى الطاوِلة متكئاً علّى قَبضتَيهِ
المُكوَرَتَين:" لا أعرفُ مَن أسأل! أيً كانَ فَلا أريدُ أنّ أسألَ والِدي... وذلكَ بِسبَب ما
قالتهُ السيدة فِيكي...فَقد أخبَرَتني أنهُ طردَها غاضِبًا!"
وَضعَت يَديها بينَ فخِديها تَنظرُ لحذائها الأبيض بِنقُوشه الفِضّية... كيفَ لَها أنّ تتصرفُ الآن؟
تَنهدَت بِدورها مُجيبة:" يالهُ مِن وضعٍ صَعب! مَن هُم أقرَب اقرِبائكَ الذّينَ تثقُ بِهم؟!"
قال بِبلاهة ولَم يستَوعِب سؤالها جيدًا:" أقربائي؟!"
أومأت ليُجيبَ بِتفكير:" أعتقد أنهُ كوفين!"
صمتَ لِفترة فَحملَقَت بِزرقاوتَيهِ مُستغرِبة:"فَقط!" ثُمَّ الحَقت بإستفسار:
" لحظة ما صِلتُكَ بِه؟!"
اخذ مِنديلًا ومَسح فَمهُ وطلبَ الحِسابَ رافعاً يُسراه للنادِلة مُجيبًا:" لَدّى والدي أختٌ
كُبرى وهيّ الوَحيدَة وكوفين يكونُ ابنَ عَمَتي الكبير ولديهِ أخت تصغِرُني بِثلاثة
سَنوات، لكِن لا أعتَقِدُ أنها مُفيدة فَهيّ... يا الهّي كيفَ اقولُها؟ رُبَما كَلِمة نَكِده قَليلَة بِحقِها!"
قَهقَهت ساخِرة مِن ملامِحه وهو يُلقّي عِبارتهٌ الأخيرَة فَقد كانَت بارِدة بِشدة... خَرجا
مِن المَطعَم وسارا عائِدَينِ نحو مَبنّى الشَرِكة قُربَ الرصيفِ البَحري وهُما يَتدثرانِ
بِمعطفَيهِما لِشدة برودَة الجَو...
قالَت آيرس وهيَّ تَحتضِنُ نَفسَها:" ياالهي... أبَرد الجَو فَجأة أم أتَخَيل؟!"
همهَم بيرت موافِقًا لتُلحِقَ بِتسائُل:" ماذا عَن كوفين؟ أي نَوع مِن الناسِ يَكون؟!"
قالَ بلامُبالاة وهو يرفَعُ كَتِفيهِ مُجيبًا:" لا أعرِف!"
توقفَت مُباشرةً بِصدمَة:" كُن جادًا! أهنالِكَ مَن لايَعرِفُ أيَ شيء عَن إبنِ عَمَته؟!"
وقفَ يُحدِقُ نحوها وهيّ تقِفُ علّى بُعدِ عدة خُطوات:" ليسَ هذا ما قَصدتهُ! فأنا أعرفُ
أنهُ رجُلُ أعمالٍ ناجِح ويُديرُ عَملَ جَدي! ولدَيه أختهُ النَكِدة تلكَ وهوَ مُتزوِج لَديهِ ابنٌ
فيّ الثالِثة ويَبدو أنّ ذلكَ الصَغير يُلاحِقُني لِسببٍ ما! لا أعرفُ كيفَ اشرَح.... كاللُصاقة مَثلًا!"
قَهقَهت مُجيبة:" لايَبدوا هذا كـَ -لا اعرف!- كَما أعتقِدُ أنَّ الصَغيرَ يُحِبُكَ!"
فَركَ اطرافَ شعرَهُ الخَلفيَّ مُجفلًا:" جون! ولِما يُحِبُني؟ بالكادِ يَراني مَرَة بالشهرِ..."
سبَقتهُ بِخطواتِها الواسِعة مُجيبَة بإستِمتاع:" إنهُ فيّ الثالِثة... لاشكَ أنه رأى فيكَ شيئاً
لا يَراهُ الآخرونَ، وبَقيّ راسخًا فيّ ذاكِرَة الفَتى! لرُبَما مَوقِف وَجدتهُ غيرَ مُهِم!"
صمَتَ وهوَ يَسيرُ خَلفَها إلى أن تزامَنَت خطواتِهُما:" أتَعتَقِدينَ أنَّ كوفين سيُخبِرُني عَنها؟!"
قالَت وهيّ تُرطب شَفَتَيها بِتوَتُر:" رُبَما! لَن تَخسَر شيئاً..."
بَقيَت صامِتة بَعد ذلكَ... لِما كان يَجِبُ أنّ تَكون مَن تُرشِده؟! هيَّ فَقَط لَم تَكُن تُريدُ أنّ
تَكونَ مَن يَنقِل المَعلومَة لَه! وَلم تُدرِك أنَ اليومَينِ المُقبلينِ سَيَكونانِ، الأكثَر ثقلاً فيّ حياتِها!


* يُتبع *





 
 توقيع : فِريـال


التعديل الأخير تم بواسطة فِريـال ; 06-14-2020 الساعة 05:46 PM

رد مع اقتباس