الموضوع: السجين "2"
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-12-2022, 12:44 AM   #4
آدِيت~Edith
https://www.anime-tooon.com/up/uploads/at165286508456371.png


الصورة الرمزية آدِيت~Edith
آدِيت~Edith غير متواجد حالياً






الجزء 2

مضت السنون بحلوها ومرها , وكونهما معاً كان يخفف من صعابهما الكثير ويجعل الحياة حلوة ربيعية رغم شتائها الطويل .
دخل يحمل في يده كيساً تفوح منه رائحة شهية وبابتسامة اقترب من الواقفة أمام الفرن تطبخ وشعرها النحاسي الداكن قد انسابت خصلاته على وجهها مضايقة , وضع الكيس على الطاولة وبضع شيئاً مما فيه ليضعه في فمها فتعجبت وهي تمضغه ذاهلة لتقول ما إن أنهت لقمتها : من أنى لك هذا السمك الشهي .
أجاب بسعادة وهو يغسل يده : أعطاني إياه معلمي قال أنه رغب مشاركتنا بأول صيدٍ له وقد شواه بنفسه كذلك .

عاد لها وقد جمع شعرها خلف ظهرها وبدأ يظفره بابتسامة لطيفة بينما نطقت بضيق : أعطاك وحدك ؟

- كلا أمي لقد أعطاني أنا وثلاثة من الرفاق , لكل منا سمكة وإن سألتني لما وأنا أعلم أنكِ ستفعلين ذلك فلأننا كنا رفاق الصيد والشواء عزيزتي .
عقد الشريط نهاية شعرها ثم قبل خدها واتخذ مكانه في المطبخ يغسل الخضار ويقطعها وهي لاتزال في صمتها , لقد اعتاد منها حساسيتها المبالغ بها وضيقها كلما أعطاهما أحد شيئاً فقد كانت تعتبرها حسنة ما كانت ترى أنها بحاجة لها , وهو كالعادة كان يحاول اقناعها جاهداً بأنهم لبعضهم البعض عون وإن لم يقبل الهدية فسيكون وقحاً حتماً .

- تناول شيئاً منها قبل أن تبرد , لم تذق السمك منذ وقتٍ طويل .
- لابأس أمي الحبيبة نتناوله معاً حين نجلس على المائدة , وإن أحببتِ فسيكون لدينا الكثير من السمك قريباً حتى تملي , أحببت الصيد حقاً .
- هذه المرة ذهبت دون اذن مني لكن ذلك لن يتكرر ولن تقرب النهر مجدداً فأنت لاتأمن ماقد يحدث من كوارث .
بدأ برصف الأطباق على المنضدة بتنهيدة مثقلة , لم يستطع البوح بما يختزل من ضيق كونها لاتزال تعامله كما الطفل مهما كبر ومهما حاول اثبات ذاته لها , إنها برأيه تقلق أكثر مما يجب مما يجعل الحياة صعبة للغاية .

في المساء وبينما كان يتأهب للنوم وجدها تجلس على الكرسي تبدأ بحياكة سترة صوفية بلون السكر ,فسأل وهو يخفي استياءه وقلقه : ماذا تفعل حسناء المنزل بعد أما حان وقت الراحة ؟

- بقي القليل فقط , اخلد للنوم ولا تنتظرني .
رفع رأسه متنفساً الصعداء بصبر ثم أخفضه بزفرة طويلة معلناً معها أن كفى , ما عاد بالإمكان الاحتمال أكثر .

أسرع خطاه نحوها وبرفق اجتذب السترة والخيوط منها : هذا يكفي حقاً أمي , اخلدي للراحة رجاءاً .

- ماهذا التصرف آدم , قلت لك أني سأنهيها هذا المساء .
- لم ؟! لما هذا المساء وليس غداً ؟! لما تتعجلين انهاء كل شيء ؟ أولستِ تقومين ببيع الجبن والحلوى ونحن نجني منه ما يجعلنا نعيش باكتفاء فلما تحاولين فعل كل شيء دون كلل وكأن ما ينقصنا في هذه الحياة هو المال وحسب ؟!
- أتحسبه يكفي ؟ مهما عملت لا يمكنني ادخار شيء لأجلك فأجرة المنزل وحدها مكلفة , أريد أن تعيش بسعادة كأقرانك ياصغيري .
- لست سعيداً هكذا , انني أتعس من يعيش على سطح الأرض هل تتضح الصورة لكِ الآن ؟!
اتسعت عيناها بدهشة فأكمل يخاطبها بحرقة : أعاني كلما شاهدت ذبولكِ لأجلي , أتحسبين لو أن مكروهاً حدث لكِ أسأسامح نفسي ؟!انظري لقد غدوت شاباً قوياً بفضلكِ الآن , بإمكاني مساعدتكِ والعمل معكِ , اسمحي لي بذلك لنعيش بسعادة معاً أمي الحبيبة .

- شاب؟! أنت لاتزال صبياً في الخامسة عشر من عمرك بعد , كيف لي أن أفعل .
- أمي هناك أطفال يعملون دون كلل كم من المخجل أن لا أفعل .
- حينما أموت لتفعل ما تشاء , أما الآن فلا طالما أنفاسي تحيط بك لا يمكنني ايذائك .
- كفى أرجوك لا تذكري الموت ! هل ستبعدينني عن المخاطر والآلام والاذلال لأعتاد دلالك ؟ ماذا لو أُجبرت يوماً على مواجهة كل ذلك ؟ كيف سأحتمل دون أن أجرب قبلاً دون أن أمتلك القوة لمجابهتها ؟!

قبل كفها وأتبع ذلك بتقبيل جبينها برجاء : أتوسل لكِ أرجوكِ اسمحي لي بمساعدتكِ , أقسم أني لن أسامح نفسي وسأمقتها بشدة وأشتمها بقدر ما أمكنني ان أصبتِ بمكروه .

ابتسمت بذبول وقد دمعت العينين الكهرمانتين وحنين اختلط بألم موجعٍ أفرغته بكلمة واحدة : كوالدك .

أوقف التمرد معلناً استسلاماً مؤقتاً , فلهيب تلكما العينين الغارقتين بالدموع يهزمه دائماً , عانقها مواسياً فهو يعلم مقدار مايجتاحها من مشاعر خانقةٍ لم تستطع التخلص منها , رحيل حبيبها والمصاعب التي تلت ذلك جعلت الفقد كابوساً جاثماً على صدرها , وبتجلدٍ تحاول التماسك والتحامل على نفسها لتقوم بكل ماأمكنها كي لاتعاني فقد حبيبٍ آخر دون أن تفكر أنه كذا يعيش الخوف ذاته معها كل يومٍ تماماً مثلها .
أرخت رأسها على الوسادة وكفه تمسح رأسها بحنانٍ عكسته عينيه الذهبيتين الصافيتين , همس لها بينما يخرج المصحف من جيبه : سأقرأ لكِ ما يريحك , وستخلدين للنومِ برخاء هذا المساء وبثقةٍ عظيمة بأن الغد سيكون أجمل , لا تنسِ إننا بعين الله طالما نحن نثق به ونسلم أمورنا أجمع له .

ابتسمت له بذبول ورضاً وأغمضت عينيها بينما بدأ يتلو بصوته العذب أجمل السور حيث تغمرهما الطمأنينة والسلام ..

........................

كعادته تناول افطاراً خفيفاً وحمل حقيبته يهم بالخروج فنادته بصوتها المحبب لمسامعه : حبيبي آدم هناك ما أريد إعطائه لك .

سار نحوها بابتسامة مُحبة يتأملها وهي تخرج سترة صوفية كانت تحيكها منذ أيام وكانت السبب في غضبه يوماً : هذه لك أعلم كم تحب هذا اللون , ارتدها لأرى ان كانت تلائمك .

- إذاً كانت لي , لم تخلدي للراحة بسببي .
- هيا كف عن مضايقتي بمبالغتكِ هذه أنا أحب عملي هذا وأستمتع به فلا تبدأ بالاستياء والقلق من أجلي , جربها هيا .
خلع معطفه وارتداها باستسلام فهتفت بإعجاب : مناسبة تماماً لتسلم يداكِ أولجا كم أخطتها بمهارة , حتى وإن لم تعجب البعض هنا .

أسرع يبرر : لم أقل أنها لم تعجبني بل هي رائعة ودافئة ولكن تعلمين أني أشعر بالذنب يقتلني الآن .
- كف عن التصرف كأمٍ لي قلت لك اني أستمتع بذلك .
أعادت يدها للعلبة لتخرج شالاً صوفياً بلون بني ولفته حول عنقه : وهذا مع القفازين سيجعل الطقم يكتمل , آه وقبعة كذلك !
- ألم تنسِ الجوارب أيضاً ؟
- اوه حقاً لقد نسيت لا تهتم سأبدأ بها هي لا تحتاج الكثير من الوقت.
تنهد مبتسماً وعانقها بامتنان : أمي كنت أمازحكِ أنا حقاً لا أريد أن ترهقي نفسكِ من أجلي , يكفيني أن تكوني بخير .
ربتت على ظهره بحنان : لا أملك سوى ابنٍ واحدٍ ما الضير ان قمت بتدليله قليلاً .
- تدللين هذا الابن كثيراً تذكري ذلك .
قبل جبينها وخرج يلوح لها مودعاً وهي كذلك بابتسامة جميلة .

.................

حين عودته التقى الجارة كالعادة تدعوه للغذاء وبأدب رفض الدعوة فخاطبته بإصرار : تذوق القليل وإلا حزنت حقاً انك تستمر برفض دعوتي ليس ذا لائقاً .

- أعتذر حقاً لكني لاأحب أن تتناول أمي الطعام بمفردها .
- إن كان ولا بد ادخل لأسكب لك شيئاً منه .
أومأ ايجاباً بترددٍ وتبعها حتى وقف أمام الباب ينتظر فنادته بصوتها المرتفع :ادخل لاتقف كالغرباء .

بتردد دخل مخفضاً رأسه فهو يعلم ماتريد تلك الجارة تماماً وماتصبو له , لطالما كانت تحاول هي وابنتها إيجاد الحجج لإدخاله المنزل أو جعله يصلح شيئاً ما او يعلق صورة , المهم في الأمر هو أن يستمع لتلميحاتها المستمرة بأنه وابنتها يليقان ببعضهما البعض كثيراً , وكم انتهزت الفتاة الفرص لتقترب منه وتحادثه فيجيبها باقتضابٍ خجلاً مستاءاً .
- اجلس على الكرسي ريثما أسكب الطعام لك .
- لاأريد ازعاجكِ حقاً .
- أي ازعاجٍ يافتى , إننا عائلة واحدة الآن , يا ابنتي اسكبي له بعض الشاي .
أجابت الفتاة فاحمة الشعر رمادية العينين بينما ترتب هندامها : بكل سرور أمي .

قدمت له فنجان الشاي وبغنجٍ رحبت به : سعيدة لقدومك آدم .
أزدرى ريقه بارتباك وأومأ ايجاباً ولازال يخفض رأسه دون أن يتحدث بينما جلست على الكرسي أمامه محاولة أن يشركها الحديث : سترة جميلة , كم يليق بك هذا اللون.

لم يرحه الحديث كما العادة فنهض تتسارع أنفاسه : سيدتي ألم تنته بعد .

وقفت هي الأخرى بينما السيدة تجيبه : انتظر قليلاً بعد , لم يبق الكثير , كن صبوراً .
زفر بضيق بينما اقتربت الفتاة منه متسائلة : لم لاتتحدث معي , لاأملك الكثير من الأصدقاء ونحن هنا نعيش معاً منذ خمس سنواتٍ إلا أنك لازلت تبعد عينيك عني انظر لي رجاءاً .

قربت يدها من خده فأبعد وجهه مسرعاً يتمتم باستغفارٍ لم تفهمه وسرعان ماقال وهو يرفع رأسه : هذا ليس لائقاً البتة رجاءاً جدي صديقاتٍ لكِ بدلاً من التقرب من الرجال .
- ولكني , لا أتقرب إلا منك , وأدرك أنك تعلم لما!
- أعلم ولذا أرى أنه ليس لائقاً بكِ , لازلنا صغاراً , يا الهي لاأعلم حتى لم لازلنا نتحدث بهذا الأمر ولما جئت رغم أني عرفت بأن هذا هو الموضوع مجدداً .

خرج مقطباً فأسرعت الفتاة تنظر لأمها التي خاطبتها منقذة : خذي الطعام واتبعيه بسرعة .

فعلت طائعة وأسرعت تجري ورائه بيد أنه دخل منزله مغلقاً الباب خلفه كالهارب وألقى تحية خاطفة لأمه وهو يدخل غرفته مغلقاً الباب بقوة مماأثار دهشتها , تلى ذلك صوت طرقٍ على الباب ففتحته متسائلة ماإن شاهدت الفتاة تقول بلهفة : أحبت أمي مشاركتكم ماطهت اليوم .
- شكراً عزيزتي ...
قبل أن تكمل قاطعتها وهي تدير عينيها بأرجاء المنزل : هل أستطيع الحديث مع آدم أظنني أغضبته وأريد الاعتذار رجاءاً .
أومأت لها مجيبة بحيرة ونادته بينما تطلب من الفتاة الدخول فدلفت بسرعة وهي تضم يديها لبعضهما بقلق شديد .

خرج من غرفته مستجيباً وماإن شاهد الفتاة حتى كاد يعود لغرفته لكنها كانت الأسبق مسرعة نحوه وهي تقول بأسف شديد : انتظر رجاءاً , أعدك لن أكررها لكن لاتتجاهلني هكذا .

توقف وبضيق أجابها : ليس هناك مايجعلني أتجاهلكِ , رجاءاً لاتتحدثي وكأن بيننا علاقة ما .
- حسناً لن أفعل , أرجوك لاتغضب .
- ولن تفكري بأمور حمقاء مجدداً ؟
- أجل أعدك , حتى الوقت المناسب لن أتحدث .
ضيق عينيه باستياء ملحوظ لكنه آثر انهاء الأمر سريعاً : حسناً لست غاضباً .
ابتسمت بسعادة طفولية حتى كادت تعانقه بيد أنها استدركت وقبضت يديها تبعدهما وهي تجيب بمرح : حسناً سأذهب الآن وسأصنع فطيرة التفاح الشهية التي تحب .

غادرت وهي تلوح له مودعة بسرور حتى أغلقت الباب خلفها وأولجا تقلب ناظريها بينهما متسائلة : ما الذي يجري هنا ؟

زفر بضيق وتعب : لا تسألي , اكتفيت حقاً من مخططات الجارة وابنتها , ماذا تريدان مني لتبحثا عن رجل ثري جيد يناسب ابنتها .

قال ذلك وتوجه للمطبخ يشرب الماء بينما أفلتت منها ضحكة لطيفة نطقت بعدها بابتسامة حنين : إنها تحبك حقاً يا عزيزي , كما انها فتاة لطيفة.

- أمي هذا معيبٌ , أيليق بي وبها هذا , وتمتدح سترتي بلا خجل .
- ابني العزيز يكبر , كم أتوق لرؤيتك عريساً , سأدلل عروسك كثيراً وحينما أرزق بأحفادٍ سيكون ذلك اليوم هو الأجمل على الاطلاق, كم أنا متلهفة لذلك .
- رويدك أمي العزيزة لا زال ذلك مبكراً .
صمتت فجأة فتساءل وقد التفت يتأملها قلقاً وقد جلست على الكرسي بتعبٍ وعيناها الذابلتان أبحرتا في البعيد فما كان منه إلا أن أسرع نحوها قلقاً : أأنتِ بخير ؟
أومأت ايجاباً مكابرة وعادت تبتسم بتجلد : أجل عزيزي , لنتناول الغذاء ساخناً قبل أن يبرد .

............................

خلال الأعوام الخمس كانت الرسائل التي بعثتها أولجا إلى عائلتها تعود باستمرارٍ دون استجابة مما أشعرها بالقلق واليأس , أمسكت القلم بأناملها المرتعشة وحاولت الثبات ما استطاعت لكتابة رسالة جديدة , رغم كل مخاوفها من اللقاء بهم إلا أنها اشتاقت وبشدة لأحضان والدتها الحانية , لإخوتها الثلاثة وزوجاتهم وأطفالهم الصغار , وكم كانت تتساءل كيف أصبحوا الآن وقد كبروا كما السني التي أبعدتهم , تأملت الفتى النائم بعمقٍ وهي تفكر في استقبالهم له , هل سيمنحونه الحب , أم انهم سيعاملونه باحتقارٍ كما عاملو والده قبلاً , باغتها ذلك الألم الذي أصبح خليلها منذ سنين يحرقها يشعل الخوف بأعماقها , ورغم شعورها أن النهاية تدنو منها إلا أنها ماكانت ترغب تصديق ذلك , واستمرت بالمكابرة كما هي دائماً .

في الصباح كان صوت اختناقها - بعد نوبة حادة من السعال- قد أفزعه وأيقظه من نومه فتوجه نحوها مسرعاً يصب الماء ويقدمه لها وهو يربت على ظهرها , بصعوبة استعادت أنفاسها ووجهها شاحب متعب .
- لستِ بخير على الاطلاق دعيني آخذكِ للطبيب أمي .
بصعوبة نطقت: لا تقلق بشأني، قمت بزيارته منذ أيامٍ وسأعاود الكرة اليوم .
- لا أقلق ! انظري كيف غدوتِ شاحبة يجب أن اصطحبكِ بنفسي لأطمئن أنكِ بخير .
صمتت مرغمة فالحديث يتعبها وقد أسندها ليريحها على السرير ويدثرها جيداً , وضع يده على جبينها الساخن قلقاً وأسرع يحضر وعاءاً وقطعة قماشٍ نظيفة بللها ووضعها على جبينها .
- انتظريني سأعود حالاً سأحضر الطبيب بسرعة .
أسرع خارجاً وتوجه لمنزل جارتهم طارقاً الباب بتردد , أطلت ذات العينين الرماديتين باسمة بشوق : آدم , مرحباً بك تفضل .
أجاب مجبراً : زويا ! أريد طلب أمرٍ ما منكِ بعد اذنك .
- أنا بأمرك .
- تركت أمي في المنزل وهي ليست بحالٍ جيدة , لو أمكنكِ الاهتمام بها ريثما أحضر الطبيب .
ما إن استشعرت القلق الذي تملكه أجابت متأثرة : يا الهي أرجو أنها بخير , لا تقلق بشأن شيء سأرعاها حتى عودتك .

- ممتن لكِ , سأذهب انها أمانة عندكِ .
غادر مسرعاً بينما أجابت أمها التي تساءلت تواً عن الطارق :
السيدة أولجا مريضة سأذهب لأهتم بها .
- انتظري سأرافقك , أرجو أنها بخير لقد كنت ألحظ أنها تعاني منذ فترة لكنها استمرت تقول أنها بخير .
قدم الطبيب لمعاينتها وهو يتأملها متجلداً رغم احتراق فؤاده وذكرياته المريرة تعود لتعتم الحياة بعينيه , تقدمت الفتاة منه تحمل بعض أطباق الطعام وبلطف خاطبته بينما تقترب منه : حضرت أمي لك هذا , أرجوك تناول القليل .
أومأ سلباً باختناق : شكراً لكِ , لا رغبة لي .

نهض الطبيب يجمع معداته فاقترب منه مسرعاً : هل هي بخير ؟
سكت قليلاً قبل أن يجيب وهو يبتعد عنها : منذ متى وهي بهذه الحال ؟
أحس بنبضات قلبه تتسارع والشعور بالسوء يلازمه بينما أخرج صوته المرتجف بصعوبة : كانت متعبة منذ فترة , قالت أنها زارت الطبيب أخبرها أنها نزلة بردٍ لا أكثر .
تنهد الطبيب بعمق متحيراً : إما أنها كذبت بهذا الشأن أو أن الطبيب لم يكن دقيقاً , انها مصابة بالتهابٍ رئوي حاد , ويؤسفني أن وضعها جادٌ للغاية , يجب نقلها للمشفى .

أومأ ايجاباً بجهدٍ وقد حاول التماسك , لقد كان يشعر في قرارة نفسه ومنذ وقتٍ طويل بأنها ليست على ما يرام , لكن انكارها وابتساماتها والقوة التي غلفت ضعفها , جعلته لم يستطع مواجهتها بذلك .

دفع أجرة الطبيب وهو يفكر بآخر كلماته قبل أن يخرج " لا تتأخر بأخذها للمشفى وإلا لن تستطيع الصمود أكثر "
......................................

أغلق باب منزله عن الجميع ليكونا وحدهما كما اعتاد دائماً , في السراء والضراء , تشاركا الألم , الحزن ,الغربة في الوطن وألم الفقد المميت , لكن إن رحلت الآن , سيكون وحيداً تماماً .
جلس بجوار سريرها يتأملها مفكراً , ما لذي يستطيع فعله لأجلها , الكثير من الأفكار كانت تداهمه , أرادت بشدة رؤية عائلتها كانت كل ليلة تحكي له عن شوقها لذلك اليوم الذي تجتمع العائلة فيه رغم مخاوفها , فكر كذا كيف سيجمع ثمن المشفى الباهظ الذي لا يملك .

طُرق الباب يقاطع أفكاره ومخاوفه , نهض مثقلاً يفتحه لتطل السيدة التي ورغم أفكارها السيئة إلا أن عطفها وقربها كان الأسبق .
- ارتح قليلاً بني سأكون هنا لأهتم بها , اذهب ولاتقلق بشأن شيء .
- شكراً لكِ سيدتي , سأعود سريعاً .
عاد للداخل وحمل تذكار والده الثمين والعزيز على قلبه , خرج به بعد أن وضعه في حقيبته الخاصة , في تلك الأثناء فُتح باب المنزل قرميدي السقف وخرج منه فيليب هذه المرة ووالده اللذان اقتربا منه بمحاولة للتخفيف عنه والسؤال عن والدته : لا تقلق بشأن شيء بني أمك سيدة قوية وزوجتي وابنتي ستعينانها دائماً ولن تكترثا بما تقول بعد الآن , ان احتجت شيئاً فنحن هنا بإمكانك طلب ما تشاء .
- شكراً لكم , أنا في الواقع بحاجة للمساعدة الآن , أريد إيجاد عمل .. وقبل ذلك أود أن تساعداني ببيع هذه .
نظر كليهما لما يحمل وقد سأله الأصغر : آلة موسيقية ؟
- أجل .. إنها لوالدي .
- غريبة الشكل لم أر مثلها في حياتي لابد أن هناك من سيحب اقتنائها .
قال ذلك وهو يقلبها بتعجب متفحصاً بينما أتبع الرجل الأكبر : لا تقلق بني أعرف صديقاً لي سيقدر حتماً ما تحمل هو عاشق للموسيقى .
سار الثلاثة نحو السوق متجهين للرجل المنشود وبكثير من الكلام ونقاش حول تلك الآلة الأثرية كانت النهاية سعيدة ومحزنة في آن واحد , فقد استطاع الحصول على مبلغٍ قادر على إعانته لكن تلك الذكريات الجميلة ارتسمت أمامه في صورة والده يعزف لهم ألحانه الشعبية في كل مساء , يتأمله مع والدته وكلاً ينظر للآخر بعشق لامتناهٍ , يغني كلٌ منهما شطراً من الأغنية يهديه للآخر ,وهو يتأملهما بسعادة حيناً ويشاركهما الغناء حيناً آخر , دندن باللحن المحبب لديه وقد اغرورقت عيناه بدموعٍ ثقيلة أبت الهروب بكبرياء وصلابة , قطع الرجل خلوته بذكرياته وقد لحظ الأسى في محياه وبتفهم خاطبه :ياله من لحنٌ جميل , لابد وأن هذا البُزُق يعني لك الكثير , أتحب العزف عليه للمرة الأخيرة ؟
أومأ ايجاباً بصمت عرف لو أنه قطعه لاستسلمت دموعه التي أبى أن يظهرها , أمسك البُزُق ليجلس وهو يتذكر حركات والده يكررها كما لو انه يراه ماثلا أمامه , أغمض عينيه وفي خياله كانت الأطياف المحببة سعيدة , لكن تلك الأغنية المؤلمة لم تكن كذلك .

لحِظَ الدمعة الهاربة من عينه فنهض يداري كبريائه ,وأعطى الآلة للبائع هارباً من أمامهم جمعاً .
.....................

مرت الأيام التالية ثقيلة موحشة في ذلك المنزل الذي أصبح خالياً فهي ترقد في المشفى وهو يعمل بجدٍ دون أن يهمل زيارتها .

في المساء كعادته عاد للمنزل وقبل أن يدلف اليه استوقفه فيليب بابتسامته المعهودة : آدم ! تعال وشاركنا العشاء يا صديقي .

بتعبٍ أجاب : ممتن لك ولكني حقاً مرهق وبحاجةٍ للنوم .
- رجاءاً انضم لنا لبعض الوقت والا فإن أمي لن ترحمني .
علم أن لا فرصة لديه للهرب فاستسلم يرافقه حتى دخلا المنزل سوياً , ألقى التحية بفتورٍ للجالسين واحداهن ترقبه بابتسامة محبة قلقة فبادرته بالسؤال دون تحفظ : كيف حالك اليوم وكيف هي حال السيدة أولجا , أرجو أنها تحسنت الآن .
أومأ ايجاباً بصمت فعادت تسأل بطريقة أخرى : هل تناولت شيئاً هذا النهار تبدو منهكاً .
أشار شقيقها لها بالصمت بضيق : ألا تري أنه متعب اسكتي .
- ما شأنك .
- توقفا عن الشجار وتناولا الطعام بصمت .
همست بذلك الأم مؤنبة وأردفت تخاطب الجالس بجسدٍ خاو الحياة : تناول شيئاً بني , هذا الحساء سيعيد لك نشاطك حتماً .

نطق أخيراً بفتور : سلمت يداكِ .

تناول القليل ورغم أحاديثهم التي حرصوا أن تكون ممتعة مضحكة علها تنسيه قليلاً من حزنه إلا أنه ظل يبحر بعينيه للبعيد كأنما يعيش عالمه الخاص دون أن يسمع شيئاً .

نهض يستأذنهم بلباقة وأدب وقد عرضوا عليه المبيت عندهم غير أنه رفض بقوله أنه لا يستطيع النوم سوى في فراشه .

دخل المنزل مغلقاً الباب من خلفه وتامله بظلمته وسكونه المرعب , من كل قلبه بدأ يصلي ويدعو أن تعود ملاكه لتنيره وتعيد الحياة فيه .

كانت زيارته التالية مبهجة لقلبه إذ كانت يده تحتضن كفها وهو يقودها خارج المشفى بعد توصية الطبيب الوحيدة بأن يهتم بغذائها جيداً وتدفئتها , في الأعلى كان يطل عليهم ذو المعطف الأبيض عابساً وصوتٌ جاء من خلفه معاتباً : سيدي , لم يكن من الجيد منحهم أملاً لاوجود له , لما لم تخبرهم الحقيقة ؟
- ليس من حقي ذلك , تلك السيدة كانت تصلي وتدعو كل مساءٍ لتحظى بفرصة أخيرة لتودع طفلها , وابنها كان يصلي لتكون بخير وتعود له , كيف يمكنني أن أخبرهم بلا إنسانية أنها تعيش آخر أيامها , يكفي أنها مدركة لذلك , ليمضيا معاً آخر الأيام بهناءٍ دونما ألم .
وقفت بجانبه تتأملهما وهما يسيران بسعادةٍ جنباً إلى جنب وكلاً منهما يترفق بالآخر ويحنو عليه : كم هي قاسية الحياة , وما أبشع الفقر والبرد والشتاء .

.....................................

برفقٍ وضعها على الفراش ودثرها وهي تتأمله بتحسرٍ وألم أخفته وراء بسمةٍ رسمتها شفتيها الذابلتين , جلس بجوارها يسرح شعرها الجميل باشتياقٍ وأحاديثٌ صامتة كانت تُدار بينهما , ما إن انتهى أمسكت يده لتقبل باطنها : سلمت يداك بني .

- استلقي الآن عزيزتي واخلدي للراحة , اسمحي لي أن اتقمص دوركِ لفترة , أخبريني فقط بما تشتهي نفسكٍ تناوله .
- ابني الحبيب , كل ما أريده أن أنظر لوجهك الجميل وأن استشعر دفء كفيك , ابق بجانبي لبعض الوقت أرجوك.
وضع يده على جبينها تمسحه وذهبيتاه تتأملان بِغُمّةٍ عينيها اللتان بات بريقهما خافتاً ليس كما اعتاد , لكنه ظل متجلداً بأمل عودتها قوية صلبة يهابها ويحترمها الجميع .

بدأت الشوارع ترتدي زينتها والأضواء المبهجة تنير الطرقات , والمنازل جددت حلتها لتناسب موسم الأعياد , وقف أمام النافذة يتأمل تلك الألوان الجميلة والصغار يمرحون ببهجة ويلعبون ألعاب الثلج الممتعة , أثناء ذلك شاهد رمادية العينين ووالدتها تقتربان من منزلهم فابتعد عن النافذة يفتح الباب لهما مرحباً : مساء الخير سيدتي .
نظرت له الفتاة مترقبة فنطق بتردد : مساء الخير لكِ أيضاً , تفضلا .

دخلت كلتاهما المنزل وقد مدت الفتاة له علباً بتغليف أحمرٍ وأخضر تناسبا وأجواء العيد : هدية العيد مني ومن عائلتي .

بلباقة أخذها وهو يبتسم بلطف : شكراً لكم , لا حاجة لذلك حقاً .
- أعلم جيداً أن هذا العيد لا يعنيك لكن من الجميل أن نتشارك كل المناسبات صحيح ؟
- أجل أنتِ محقة , شكراً مجدداً .
توجه كليهما إلى حيث كانت تستلقِ أولجا وأدوات الحياكة بجانبها وقد هتفت السيدة الأكبر سناً باستياء : أولجا أولا تتوقفين عن العمل للحظة .
أجاب الفتى يؤيدها : إنها تتعبني بهذا الأمر لاتتوقف عن الحياكة أبداً .
ابتسمت لهما مبررة : إنني أتسلى وحسب , ألا يكفي أني أرقد معظم الوقت .
- فكري بهذا الفتى قليلاً ياعزيزتي لن تتحسني هكذا .
- لاتقلقي بشأني حينما أشعر بالتعب فإني أترك كل شيء حقاً , أحاول إمضاء وقتٍ أطول مع ابني , بني قدم الشاي لهما .
- بأمرك أمي .
توجه للمطبخ يحضره بينما نطقت أوليفيا معتذرة : عزيزتي أولجا , أنتِ تعلمين كم أحبكِ وابنكِ تماماً كما أي فردٍ من عائلتي .

- أعلم ذلك جيداً عزيزتي وكم أقدر صداقتكِ ومحبتكِ .
- عزيزتي كم أنا خجلة لما سأقول , سنغادر غداً لنحتفل بالعيد مع عمتي باربرا , لقد حاولت الرفض لكني ..
- عزيزتي لما ذلك, على العكس أنا ممتنة حقاً لكِ , لقد أتعبتكِ كثيراً معي , من حقكِ الذهاب أينما شئتِ والاستمتاع بالعيد مع أقاربك .
- ولكني سأقلق عليكِ كثيراً .
- بإمكاني البقاء معهم أمي لا ضير بذلك صحيح .
ما إن أنهت الفتاة جملتها حتى سمعوا صوت الطبق الحديدي يرتطم بالأرض فالتفتوا للفتى الذي كان يرفعه باضطرابٍ شديد : لم ينكسر شيء لاتقلقوا .
فهمت أولجا مايدور بخلده فابتسمت ضاحكة مجيبة الفتاة : شكراً لمبادرتكِ عزيزتي لكني سأشعر بالألم والندم الشديدين إن أضعتِ فرصة كهذه بسببي .

بدت الخيبة على الفتاة بينما تنهد الآخر بارتياح شديد ونظر لأمه ممتناً .
جلس أمام مكتبه الخشبي يستذكر بينما الأربعينية استمرت بالحديث عن العمة ومنزلها الفاخر الجميل وكم أنها معتدة بنفسها وتقيم احتفالاتٍ بكل مساء ببذخٍ لامحدود , وأثناء الحديث ..
- تعلمين كيف أن الأوضاع في موسكو أفضل بكثير من هذه المنطقة الريفية .
- موسكو !
نطقت بدهشة وبسرعة وجهت ناظريها نحو ابنها الذي بادلها ذات النظرة مع ابتسامة أملٍ سعيدة : أمي ! قلتِ أنكِ كنتِ تسكنين موسكو صحيح ؟!
أومأت ايجاباً بسعادة : يالها من صدفة جميلة للغاية , عزيزتي هل أطلب منكِ أن تفعلي شيئاً ما لأجلي ؟
- بالطبع أولجا إن كان بإمكاني فعل شيء لأجلكِ فسأكون سعيدة بذلك .
أشارت لابنها فأسرع يخرج الرسائل من العلبة ويقدمها لوالدته التي تخيرت من بينها الرسالة الأخيرة وأعطتها لها : لقد كتبت عنوان المنزل عليه , سأكون ممتنة جداً لو استطعت زيارتهم واخبارهم بمكاننا وأننا لا نقدر على السفر لهم .
- سأفعل حتماً يا عزيزتي أعدكِ بذلك .
- ممتنة لكِ حقاً لا أفيكِ حقكِ .
................................

رحلت العائلة في اليوم التالي بعدما ودعتهما , فأصبحا وحيدان من جديد , فسكان القرية اجتمعوا للاحتفال في الساحة , والسكون وحده قد عم أرجاء المنطقة القديمة .

كان يقطع الأخشاب ككل مساءٍ بينما هي توشحت بالبياض وتوجهت بكل جوارحها تتلو من القلبٍ دعواتٍ صادقة كسيرة ودموعها غسلت شحوب وجهها , حتى اذا ما انتهت أدارت طرفها لابن الخامسة عشر وهو يدخل يدفأ نفسه وقد أسرع نحو المدفأة العتيقة يلقي بما اقتطعه بأحشائها لتلتهب أكثر فتبث بعض الدفء بجوارحه .

التفت لها بابتسامة مُحبة : أرجو أنكِ دعوتِ لي أمي العزيزة .
اقترب يمسح دموعها وهي تهمس بحزنٍ عميق : ومن سواك من البشر في قلبي .
احتضنها وهو يعلم ثقل ما تحمل من خوفٍ وقلق فهدأها وهو يمسح على رأسها : لا تفكري بالغدِ أمي , لنعش معاً هذه اللحظات الجميلة دون قلق , اتفقنا .
أومأت ايجاباً وهمت بالنهوض وهو يسندها وما إن وقفت على رجليها حتى انهارت مرتعشة بين يديه فأمسكها بخوف : أمي ! تعالي لأريحكِ على الفراش .

وضعها على السرير بحذرٍ وتحسس جبينها الساخن فزعاً : حرارتكِ مرتفعة للغاية , انتظري سأحضر لكِ الدواء .

أسرع يحضر الحساء لها بعد أن سقاها الدواء وظل تلك الليلة بجانبها يغفو حينها ويستفيق حيناً آخر يعاينها , وكم افتقد في تلك الأثناء الجارة التي كانت تعينهم تخفف عنهم ألم الوحدة والغربة .

أحس بيدها تلامس شعره فرفع رأسه بسرعة ينظرها بلهفة : أمي الحبيبة .. ما لذي أنتِ بحاجة له ؟
- عزيزي .. سامحني .. لقد كنت محقاً , كان علي أن أهتم بنفسي .. لأجلك .. كم أتألم حين أفكر كم ستكون وحيداً .
- سيكون كل شيء بخير أمي ثقي بي , لا تحزني.
بذبول تأملته وهي تنطق بارتعاش : لم أرد .. أن أحتاج لأي انسانٍ , أدرك كم كان هذا يتعبك , لكني لم أرد لقصة والدك أن تتكرر , الحاجة للبشر مرهقة .. مُذِلة .. مهما حدث .. لاتكن بحاجة لأيٍ كان .. مهما واجهت من صعوبات لا تسمح لأحدٍ أن يُذِلك .. وحده الهي من نحن بحاجة له لا سواه .. عدني بذلك .

أومأ لها ايجاباً بتجلدٍ محتجزاً كل ألمٍ بأعماقه دون اظهاره , بدأت أنفاسها تتسارع وقد قبضت كفها على كفه الممسكة بها وكل جوارحه كانت تئن مع أنينها .

حاول أن يظهر ما تبقى له من قوة لينطق محاولاً إخفاء رجفة كادت تختلط مع كلماته : يجب أن أحضر الطبيب , لكن لا يمكنني ترككِ بمفردك, تماسكي رجاءاً ولا تقلقيني , سأحضره بسرعة .
- لا ! لا تبتعد , ابق بجانبي , أنت هو طبيبي الوحيد , ربما .. لن أعيش طويلاً , لكن .. وجودك يخفف ألمي .
قبل كفها طويلاً بحرقة واختناق وأومأ لها مجيباً دون حيلة : لن أترككِ أبداً , وستنهضين بعزم لتعودي قوية , لن تتركيني .
- مهما حدث بني , ابتسم دائماً , ما أجمل ابتسامتك .. الابتسامة .. ليست لتعبر عن سعادتك .. بل .. لتبث السعادة بمن حولك , دواءٌ لكل داء .
- سأبتسم لأجلك , سأفعل كل ما يسعدك .. أعدكِ غاليتي , أعدكِ .
- شكراً لك .. ابني الحبيب ..
أغمضت عينيها منهكة وقد استسلمت دموعه مع نحيبٍ صامت أحرق روحه , كان يعلم أنها لحظاتها الأخيرة بيد أن الأمل بحدوث معجزة كان رغبته الوحيدة ..

ظل يمسح جبينها المتعرق حينهاً ويتلو لها القرآن حيناً آخر دون أن يغمض جفنيه طوال ذلك المساء , ومع انبلاج الصبح كانت الروح الصافية قد ارتحلت بعيداً لتفارق الجسد المنهك النحيل ,, مع صوته المبحوح يتلو " كل من عليها فان , ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام "


 
 توقيع : آدِيت~Edith

مواضيع : آدِيت~Edith


التعديل الأخير تم بواسطة شَمس. ; 09-14-2023 الساعة 11:13 AM

رد مع اقتباس