عرض مشاركة واحدة
قديم 09-22-2022, 12:34 PM   #9
ساي
عضو جديد


الصورة الرمزية ساي
ساي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1308
 تاريخ التسجيل :  Jul 2020
 المشاركات : 2,292 [ + ]
 التقييم :  3532
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Silver
شكراً: 0
تم شكره 4 مرة في 4 مشاركة

مشاهدة أوسمتي



. مساء الخير والنور والرضى والسرور لكل من يقرأ كلماتي هذه.

كيف كانت إمتحاناتكم؟ هل أبليتم جيداً؟ أغلب ظني هو أن الجميع إنتهى الآن, لذا سأبارك لكم قدوم الإجازة الصيفية والتي أرجو أن تقضوها فيما يسعدكم ويفيدكم ويمتعكم.

لقد أطلتُ الغياب بما فيه الكفاية, لذا أعود اليوم من جديد بجزءٍ قصيرٍ نوعاً ما عله يشفع لي تقاعسي في الفترة الأخيرة.

(( سأكون كاذبة إن قلتُ بأنني لم أشتق للكتابة خلال هذه الفترة. ))

هاقد عدنا إلى المنزل من جديد, فمالذي سيحدث بداخله هذه المرة؟

الفصل الثامن
-----------------------------------

جميع الأشخاص طيبون في الأساس حتى تدفعهم الظروف ليصبحوا غير ذلك.

-----------------------------------


الربيع هو فصل البدايات الجديدة. فصل السعادة والجمال. فصل الدفء الذي يمحو ما قبله من برد وفتور. كلٌ شيء يرتدي حلةً جديدةً زاهية, وكأنها فرصةٌ للعودةٍ إلى رونق الحياة بعد وقتٍ طويل إنقضى على مضض في السكون.

ليس من المستغرب إذاً أن تبرق الشمس وكأنها تزهو بطلتها البهية وتتلون الأرض بالأعشاب الخضراء التي تمايلت بتبختر مع نسمات الهواء الناعمة في هذا اليوم الربيعي. كل ما بالجوار يستمتع بهذه الأجواء, وذلك يتضمن الشخصين الضاحكين الذين كانا يسيران متقاربين بينما كان ثالثهما يقف على مسافةٍ قريبةٍ منهما وهو يرمش ببطء وقد راقص النسيم خصلات شعره الذي يميل للطول.

لم يكن (ساي) متأكداً مما حدث للتو, فقد كان يتذكر بوضوح تواجده منذ عدة ثوانٍ بداخل المنزل الذي كان يلوح في الأفق أمامه الآن وهو يتفجر غضباً وحزناً قبل أن يقوم بتنفيذ وصية (نويل) له بإستخدام المفتاح في الساعة. وهو ما فعله تماماً بعد أن قام بعمل شيء آخر خطر على باله حينها. ما أن أغلق عينيه وفتحهما حتى وجد نفسه هنا.

تحركت يده التي أحاط بمعصمها سوارٌ جلدي لتلمس خده برفق.
لا شيء. لا دموع. لا دماء. كل ما شعر به هو الدفء الذي أسبغته أشعة الشمس على جلده.
إنتقلت أصابعه بسرعة لتتحسس المنطقة التي توسطت المسافة بين أسفل رقبته وأعلى صدره.
لا شيء أيضاً, لا أثر للجرح الذي كان هنا سابقاً.

صوت ضحكات أنثوية مرحة قطع حبل أفكاره جاعلاً إياه يرفع عينيه الواسعتين بحركةٍ سريعة ليسقط بصره على الشخصين الذين سبقاه بمسافة قصيرة. الفتاة ذات الشعر الأشقر المنسدل على ظهرها والشاب الطويل ذو الشعر البني الناعم يستمتعان بوقتهما سوياً على ما يبدو.

"...(أمورا)...(نويل)...", همس بذلك نفسه وسط أنفاسه.
هل هو في حلمٍ الآن؟ أم أن ما حدث قبلاً, ما يتذكره من أهوال, هو الحلم؟ جميع المشاعر التي غرقت مؤقتاً بداخله بدأت تطفو من جديد بينما شريط الذكريات يعيد نفسه أمام ناظريه. مالذي يفترض عليه أن يحس به الآن؟ هل يبتهج لوجودهم سالمين هنا؟ هل يبكي أصدقاءه الذين يرقدون بلا أرواح للأبد في مكان ما, في زمن ما؟ هل يكره نفسه, كونه الذي شاء القدر أن يجعله الناجي الوحيد؟ هل الشخصان الذان يراهما أمامه الآن هما (أمورا) و (نويل) "الحقيقيان"؟ أم أن الحقيقين هما أولئك الذان تركهما خلفه؟ لم يستطع تحمل كم الأفكار والكلمات التي ضج بها عقله المضطرب.

...لم يكن هناك خيار آخر...الكثير من الصراخ والدماء...(نويل) يبتسم...عينان سوداوان...صوت الساعة الرتيب...رائحةٌ صدئة...دموع لم يكن يقصد ذرفها ولكنها أبت إلا أن تغسل وجنتيه...مفتاح أسود منقوش...

نفض الشاب رأسه بعنف تطايرت على أثره خصلات شعره لتـنـتـثر حول وجهه وكأنه بذلك يفرغ رأسه مما ملأه, ولكن الأمر لم يكن لينتهي بهذه السهولة. ليست هذه هي المرة الأولى التي يرى فيها الموت عن قرب هكذا, ليست المرة الأولى التي يشاهد فيها هذا الكم من الدماء. إذن لماذا هو ضائع هكذا؟

"...(ســاي)؟", صوت أنثوي آخر ينطق إسمه بتساؤل.
لحسن حظه فقد تمزق حبل الأفكار مرةً أخرى قبل أن يؤدي به إلى الجنون.
" هل ستظل واقفاً هنا حتى نهاية اليوم أم ماذا؟ مالذي حدث للشخص الذي كان يتشدق بأنه يستطيع أن يسبق (لورانس) إلى المنزل في غضون دقيقتين؟", رافقت هذه الكلمات المازحة يدٌ وضِعت بخفة على كتفه بينما تجاوزه صاحبها الأطول منه ذو الشعر الأشقر والملامح الهادئة.

"هذا القصير ليس قادراً حتى على المشي كالبشر الطبيعيين على ما يبدو.", هذه النبرة الساخرة التي طالما أزعجته بدت كأروع شيء يمكن لـ (ساي) أن يسمعه الآن.
"صدقاً يا (لورانس), عليك أنت و (ساي) أن تجدا هوايةً أخرى غير السخرية من بعضكما البعض. يالكما من طفلين كبيرين!", كلمات (يوهانا) الضاحكة رسمت إبتسامةً صغيرةً على ثغره زادها منظر (آرثر) وهو يسير بثباته المعهود إتساعاً.

جميعهم هنا, جميعهم أحياء. إنتعش الأمل في روحه وهو يتمتم بذلك. لا أحد منهم يتذكر ما حصل في السابق على الأغلب, ولكن هذا أفضل لهم, هذا سيكون سره الصغير في الوقت الحالي. سيضطر لإخبارهم بالقصة كاملةً لاحقاً بلا شك, ولكن ليس الآن. إن كانت تجربة (أمورا) قد أخبرته بشيء فهو أن لا يتسرع حتى لا يجازف بأن يبدو كشخص معتل عقلياً يروي قصةً من وحي الخيال فذلك لن يساعده أبداً, بل قد يجعل محاولته في حل هذه المعضلة أكثر صعوبة. إن إنطباع الناس عنه كشخص غريب الأطوار لم يضايقه يوماً, ولكنه في هذه اللحظة تمنى أن يكون شخصاً يثق الآخرون فيه كـ (نويل) أو (آرثر).

"تباً لهذا الوضع...أنا لست غريب الأطوار! كل ما في الأمر هو أنني...مختلف عنكم قليلاً!", همهم لنفسه بحنق وهو يزفر يائساً فالتمني لن يحل مشكلته هذه. كانت المحادثة بين (يوهانا) و (لورانس) ما تزال مستمرة.

"أنتِ تتصرفين وكأنني أقوم بجرح مشاعره أو شيء من هذا القبيل. دعيني أخبرك بأن هذا الكائن لا مشاعر لديه من الأساس. بما أننا لسنا قططاً أو حيوانات, لن يرف له جفن حتى وإن كنا نُقتل أما عينيـ-", لم يكن (لورانس) يتوقع الركلة التي حصلت عليها ساقه جزاءً لكلماته التي أشعلت غضب (ساي) لسبب لا يعلمه – أو يتذكره – الأول.
"أوتش!!...(ساي)! أيها الحقير! لم فعلتَ ذلك؟!", هتف الشاب ذو العين الواحدة متألماً وهو يتحسس مكان الركلة بـِغِل.

"ربما يساعدك ذلك على تحسين حس الدعابة الرديء الذي تمتلكه يا عزيزي.", رد عليه (ساي) ببرود وهو يسير واضعاً يديه في جيبي معطفه الأماميين غير مبالٍ بزمجرة (لورانس) الغاضبة خلفه.

الأحمق لا يعي بأن كلماته سببت قشعريرة باردة غزت جسد (ساي). تلك الكلمات جعلته يعي حجم العبء الساحق الذي يحمله. لم يكن يخشى كثيراً على حياته هو, لقد راوغ الموت سابقاً وخرج حياً, ولكن أي تصرف خاطيء قد يكلفه حياة البقية, وهو شيء لن يسامح نفسه عليه إن حدث فعلاً.

بدأ (ساي) يفكر جدياً في طريقةٍ تجعله قادراً على إيقاف هذه الحلقة المفرغة دون أن يعرض أصدقاءه للخطر, وأخذت المعطيات تتوارد في ذهنه تباعاً وهو يجاهد لوضعها في الترتيب الصحيح.

إنه الوحيد الذي يتذكر ما حدث في المرة السابقة. تطلب الأمر من (أمورا) أربع محاولات حتى تصل إلى ما وصلت إليه, رغم أن النهاية ظلت كما هي تقريباً. لماذا؟ ربما تمكنوا من الصمود لفترة أطول من السابق كما قالت, ولكن شيئاً ما ظل ناقصاً...شيءٌ ما يجب عليهم فعله, أم يجب عليهم عدم فعله؟ أين الحل؟ كيف يستطيع إيجاده وهو لا يعلم أين العقدة أصلاً؟

كل الخيوط تؤدي إلى الساعة والقاطن الوحيد بالمنزل, الصبي الشاحب.

لم يكن من الصعب على (ساي) التوصل إلى خطة مبدئية حيال ذلك الصبي, ولكن يبقى السؤال فيما إذا كان الأمر سيسير كما يرجو أم لا. من الصعب جداً التنبؤ بعاقبة ما يفكر في فعله.

بينما كان الشاب مستغرقاً في التفكير لمح صديقته ذات الشعر الأشقر الطويل تلوح له من بعيد وقد شارفت على الوصول إلى مدخل المنزل مع إبن عمها الباسم, لذا رفع يده بشرود ليرد لها الحركة وهو يحث الخطى نحوهما. كان النظر إلى (نويل) يتسبب في إنقباض قلب (ساي) الذي لا يفتأ يتذكر نفس هذه الإبتسامة وهي تستقر في وجهه قبل أن يفقد الحياة, ولكن إن كان (ساي) يجيد أي شيء لدرجة الإحتراف فهو عدم جعل ما يشعر به يتراءى لغيره, لذا فقد ألبس وجهه قناع شخص لا هم له في الدنيا بينما كان يقترب رويداً من المنزل الذي قد يتسبب في قتلهم جميعاً...مرةً أخرى.

-----------------------------------

" حسناً ... لم أكن أتوقع هذا, بكل صراحة. إنه .. أممم .. كيف أقولها ؟ إنه مميز نوعاً ما , بدون شك , و – ".
" يا له من منزل مرتب وأنيق, سيكون (نويل) محظوظاً إذا تمكن من شرائه! ".
يبدو أن عجلات القدر بدأت تدور من جديد فها هو شريط الأحداث يكرر نفسه مجدداً, وهاهم بداخل المنزل يتبادلون التعليقات حول المنظر الداخلي الغير متوقع للمكان.

"(آرثر), هل لي برؤية مسدسك قليلاً؟".
نظر المذكور بحيرة إلى محدثه الذي إبتسم بحلاوة وبسط يده ليؤكد طلبه الغريب, مالذي يريده (ساي) بمسدسه فجأة؟ ولكن بالرغم من كونه متهوراً في أغلب الأحيان, إلا أن (آرثر) يعلم بأن (ساي) أكثر حرصاً من أن يعبث بسلاح ناري لمجرد اللهو, لذا فقد أذعن لهذا الطلب المفاجئ ومد يده بداخل جيب معطفه الطويل لتخرج حاملة المسدس الصغير وتُناوله للشاب القصير بحذر.

"لستُ أمانع أعطاءك إياه ولكن هل لي أن أعرف لم تريده؟".
أجابه (ساي) دون أن يرفع عينيه عن السلاح الصغير الذي استقر في راحته: "أوه...صدقني, سنحتاجه قريباً. قريباً جداً". كان هذا الجواب الغامض كفيلاً بجعل (آرثر) يعقد حاجبيه بشك وهو يحاول إيجاد المعنى الخفي خلف تصرفات (ساي) العجيبة.

لم يكن (ساي) منتبهاً لنصف الأشياء التي كان الآخرون يقولونها وهم يتمازحون غير مدركين لما هو قادم لهم, فقد كان أكثر إنشغالاً بتقليب المسدس بين يديه بإستعجال قبل أن يقوم بسحب زر الإمان جاعلاً السلاح في وضع الإطلاق أما عيني (آرثر) المبهوتتين.

"(ساي), مالذي تفعله؟! مالـ-", قبل أن يتمكن (آرثر) من إكمال جملته, إلتفت (ساي) بوجهه نحوه وقد انتصبت سبابته أمام شفتيه المزمومتين حاثاً صديقه على السكوت. لا وقت للكلام الآن, عليه أن يتحرك أولاً ويشرح آخِراً. سيعود لاحقاً للغرفة التي توجد بها الساعة فهو يعلم – من خبرة (أمورا) السابقة – بأن المفتاح والكتاب هناك, ولكن هناك شيءٌ أكثر أهميةً يجب عليه فعله حالياً.

وكأنما قرأ منزل الشؤم أفكاره, فقد بهتت الإضاءة التي غمرت البهو الواسع لعدة ثوانٍ قبل أن تعود لسابق عهدها. كان (ساي) يعلم ما يعنيه ذلك, لذا فقد تحرك بسرعةٍ أكبر نحو منتصف المكان وهو يتجاوز البقية الذين خفتت أصواتهم تدريجياً وقد بدأوا يلاحظون ما يحمله في يده.

"(ساي), مالذي يجري؟! لم تحمل هذا الشيء؟", هتف (نويل) بدهشة عندما مر الشاب الأقصر منه بجانبه ولكنه لم يتلق جواباً على تساؤلاته.
"اسمعوني جميعاً, توجهوا للطابق الثاني, الباب الثالث على اليمين, لا تحاولوا تضييع الوقت في محاولة الدخول للغرف الأخرى فأغلبها موصدة. مفهوم؟", هتف (ساي) بالبقية وعيناه تجولان في المكان بترقب.

"....ماذا؟! مالذي تهذي به أيها المختل؟", عقد (لورانس) حاجبيه وهو عاجز عن إستيعاب ما يحدث فرغم أن (ساي) كان يقول كلاماً غير مفهوم أبداً إلا أنه لم يبدُ مازحاً على الإطلاق.
"نعم, نعم...أعلم أنكم لا تفهمون ما يجري, ولكنني سأشرح لكم كل شيء بعد خمس ثوانٍ.", أغلب الظن أنه سيأتي من الجانب الأيسر فهذا ما حدث في المرة السابقة, لذا فقد ركز نظره على تلك المنطقة وقد وضع سبابته اليمنى بخفة على الزناد المعدني البارد.
"خمسة...هاه؟! ما هذا المزاح الثقيل يا (ساي)؟", وضعت (أمورا) يديها على خصرها بإحتجاج وكأنها أم توبخ طفلها بعد أن قام للمرة الألف بعمل شيءٍ لا يفترض به فعله.
وقبل أن تنقضي الثواني الخمسة التي وعد بها (ساي), ظهر الطفل.

-----------------------------------

إنحبست جميع الأنفاس في الصدور فور أن إجتاح المكان ذلك الشعور الخانق الذي لا يمكن أن يعني شيئاً جيداً, وبالتأكيد لم يكن ما تراه عيونهم المتسعة أمامهم الآن بالشيء الجيد.

بشرةٌ شاحبةٌ جداً تكاد تميل للون الرمادي الباهت أظهرت أسفلها العديد من العروق البارزة المتقاطعة, عينان حملتا السواد الكالح فقط وكأنهما قطعتان من غياهب الجحيم, الشعر الناعم المتناثر حول وجهٍ فتيٍ حمل ملامح إحتفظت ببعض وسامتها السابقة وإن كان ذلك لا ينقص الكثير من القشعريرة التي تسببها للناظرين إليها.

إن هول المفاجأة كان كفيلاً بمنع الصرخة المحتبسة في حنجرة (أمورا) التي كانت أقرب الموجودين إلى حيث يقف هذا الطفل الشاحب.

كسر صوت (ساي) تعويذة الصمت التي ألقاها ظهور الفتى المفاجئ على الخمسة الآخرين.

"لا تقفي هكذا يا بلهاء!!", رافق ذلك قيامه بسحبها من ياقة فستانها للخلف بحركة عنيفة أخرجت الصرخة التي كانت حبيسة حلقها بينما تحرك (نويل) المتحجر خوفاً أخيراً ليقوم بتلقفها قبل أن تسقط على الأرض. ربما كانت الضرورات تبيح المحظورات ولكن (ساي) استوعب متأخراً بأنه القاها للخلف بقوة أكثر من المحتاج, لو كانوا في ظروف أخرى لقامت الفتاة بالصراخ عليه لساعات, ولكنه في مأمن من هذا الآن.

"(أمورا)! هل أنتٍ بخير؟!".
"من هذا....ما هذا؟!...".
"يا إلهي..!!".

العديد من الهتافات الشاهقة والتساؤلات الخائفة, بينما كان الطفل يلتزم الصمت التام كما هي عادته وهو يرمق الشاب الذي وقف بمواجهته مصوباً مسدساً إليه. كانت يد (ساي) اليمنى تحمل السلاح بينما أسندتها يده اليسرى من الأسفل. وقبل أن يتمكن الطفل من التحرك, دوى صوت هادر بين جدران المنزل الواسع وخرجت الطلقة النارية لتخترق الكتف الأيمن للصبي الذي دفعته الرصاصة للخلف وهو يعوي. نفخ (ساي) الفخور بإنجازه على فوهة المسدس وهو يبتسم برضىً عن نفسه, لقد توقع أن تطيش رصاصته الأولى فهو لم يحمل مسدساً منذ سنوات, ولكنه أصاب المكان الذي كان يصبو إليه تماماً.

"(أمورا), للعلم فقط, لا أحد يطلق المسدس بينما تمسك كلتا اليدان بالمقبض, هذا لا يعمل سوى في الأفلام. عليكِ إسناد يدكِ بالإخرى وإلا تسبب إرتجاع المسدس في تحطيم ساعدك. لا تنسي هذا فربما تحتاجين لإطلاق النار في يوم من الأيام."

لم يفهم أي منهم مالداعي لهذا الدرس القصير عن إطلاق المسدسات بينما يوجد كائنٌ مرعب المنظر يتلوى أمامهم, ولكن ليس بإمكانهم حقاً التنبؤ بالوقت الذي يروق لـ (ساي) فيه التحول إلى شخصه العشوائي غريب الأطوار. وقبل أن يتمكن أي منهم من التعليق على ذلك, تبدلت ملامح (ساي) لتحمل تعبيراً جدياً من النادر أن يروه: "إلى الطابق الثاني! الآن!! هذا إن كنتم تفضلون عدم التسبب في قتل أنفسكم هنا.".

"مالذي تقوله؟! مالذي يجري هنا أصلاً؟ وماذا ستفعل أنت؟!", كاد شحوب وجه (نويل) يعادل شحوب الصبي وهو مازال ممسكاً بالفتاة الشقراء وعيناه تحدقان بالصبي الذي استعاد توازنه مجدداً.

همست (يوهانا) بذهول: " لا دماء...لقد أصابته رصاصةٌ ولكن ليست هناك دماء....".

" آه, نعم. إنه لا يموت أيضاً. كلُ ما أقوم بفعله الآن....", أوقف (ساي) كلماته بينما رفع يديه مرةً أخرى وأغمض إحدى عينيه مستهدفاً الساق اليسرى بطلقةٍ ثانيةٍ نجحت في جعل الصبي يترنح ويسقط على ركبته مطلقاً المزيد من الصرخات قبل أن يلتفت ليواجه باقي أصدقائه, "....هو أنني أقوم بكسب بعض الوقت حتى تقرروا الإستماع لما أطلب منكم فعله منذ فترة! تباً يا (آرثر), هل لا جعلت نفسك مفيداً وقمت بأخذهم إلى الأعلى؟ هذا الشيء ليس بالضعف الذي يبدو عليه, إنه يزداد قوةً في كل مرة. سألحق بكم فور أن أنتهي من تولي أمر هذا الطفل اللطيف. لا تبدأ بسرد المواعظ علي فهو ليس إنساناً طبيعياً أصلاً لذا فإطلاق النار عليه مقبول تماماً, إتفقنا؟".

لم يكن موقف (آرثر) يسيراً فهو لم يستوعب بعد ما يجرى في هذا المكان العجيب, ولكنه في نفس الوقت يرى بوضوح أن (ساي) يبدو عليماً بما يجب فعله لسببٍ ما. رغم عدم منطقية الأمر, إلا أنه قرر تنفيذ ما يقوله المتهور القصير في الوقت الراهن, سيكون هناك وقتٌ آخر للأسئلة حتماً.

أومأ الشاب الأشقر ببطء حازم قابلتهُ إبتسامة شاكرة من (ساي) الي بدا مستمتعاً بما يجري أكثر مما يجب. كيف لا وقد سنحت له الفرصة ليرد جزءاً من العذاب الذي ناله أصدقاؤه لمن فعل ذلك بهم؟ لربما كان بارعاً في إخفاء مشاعره عن غيره, ولكنه صادق مع نفسه لدرجة أنه لا يشعر بأدنى درجات الذنب لإستمتاعه بما يفعله.

ببضعة كلمات نجح (آرثر) في جعل البقية يتبعونه عبر السلالم تجاه الطابق الثاني, راقب (ساي) تحركاتهم المضطربة حتى إطمأن بأنهم ابتعدوا عن الخطر, للآن على الأقل. ما أن تأكد بأنه الوحيد الذي بقي مع الصبي المترنح حتى أنزل يده الحاملة للمسدس ببطء وهو يزيح خصلات شعره التي تناثرت بتمرد أمام عينه.

" حسناً, ليس هناك أحد سوانا الآن, لذا بإمكاننا أن نتحدث براحتنا.... أليس كذلك يا (فرانسيس)؟".

-----------------------------------




بـــدايـــة الـــســـاعـــة الــخـــامــــســـة -إنتهى-


فقط عندما نواجه الخوف وجهاً لوجه, حينها نعلم قوانا الحقيقية.


 
 توقيع : ساي

دخول متقطع .


رد مع اقتباس