أراد
الجاحظ أن يؤلف هذا الكتاب ليثبت أن اللغة العربية
حية غنية ببلاغتها وفصاحتها، وهي غنية بكثرة الخطباء والفصحاء
الذين يستطيعون إقناع
خصومهم من أصحاب الملل الأخرى عن طريق المناقشة لأنه كان من المعتزلة.
ويقال أيضًا أن الغاية الأولى من تأليف هذا الكتاب هو الرد على
الشعوبية وتفنيد ما وجهته من طعن للعرب ,
ما يحتويه الكتاب توزع على الأجزاء الثلاثة:
في الجزء الأول تحدث عن مفهوم البيان وأنواعه، وآفات اللسان، والبلاغة والفصاحة.
وفي الجزء الثاني تحدث عن الخطابة وطبقات الشعراء.
وفي الجزء الثالث تكلم على أصل اللغة وقيمة الشعر.
وفي كل جزء من الأجزاء الثلاثة أورد أبو عثمان منتخبات من كلام الأبيناء،
خطبا ومقطعات وأحاديث ورسائل وأشعارا،
نسبها إلى مختلف طبقات الناس: عقلاء وحمقى، نساك ومتهتكين، أعراب ومتحضرين، رؤساء وسوقة.
وإذا سئل الجاحظ: لم لم تجمع كلامك على البيان وفلسفة اللغة في مكان واحد من الكتاب؟
ولم لم تضم أخبار الزهاد والنساك وأقوالهم في باب واحد ولم وزعت أخبار النوكى وأقوالهم
على الأجزاء الثلاثة، ولم عدت إلى الكلام على الخطابة والخطباء مرارا وبعثرت خطبهم هنا
وهناك الخ ردد صاحبنا الجواب ذاته واعتل بالعلة ذاتها.
وأهم ما امتاز به الكتاب :
1 – يمتاز بدقة الوصف والاستقصاء .
2 – القدرة على التحليل والتعليل وتفسير الظواهر وفق العوامل المختلفة .
3 – يميل الى الشك في الموضوع حتى يثبت صحته .
4 – ايراد الآراء المختلفة في الموضوع الواحد .
5 – المزج بين الجد والهزل حتى يبعد السأم والضجر عن القارئ .
6 – كان يميل الى التجربة ثم الملاحظة ثم الاستقراء ثم الموازنة ثم الاستنباط القائم على الملاحظات للوصول الى النتائج .
7 – كان يقدم على البحث بروح علمية واحدة (يبتعد عن المزاجية)
ابن خلدون المغربي : وسمعنا من شيوخنا في مجالس التعليم أن أصول هذا الفن
وأركانه أربعة دواوين وهي أدب الكاتب لابن تيبة، وكتاب الكامل للمبرد،
وكتاب البيان والتبيين للجاحظ، وكتاب الأمالي لأبي علي القالي،
وما سوى هذه الأربعة فتبع لها وفروع عنها.
ابن رشيق القيرواني : وقد استفرغ أبو عثمان الجاحظ وهو علامة وقته الجهد،
وصنع كتابا لا يبلغ جودة وفضلًا، ثم ادعى احاطته بهذا الفن لكثرته،
وان كلام الناس لا يحيط به غلا الله عز وجل.
أبو هلال الحسن بن عبدالله العسكري: وكان أكبرها وأشهرها كتاب البيان والتبيين،
لأبي عثمان عمرو بن الجاحظ، وهو لعمري كثير الفوائد، جم المنافع،
لما اشتمل عليه من الفصول الشريفة، والفقر اللطيفة، والخطب الرائعة،
والأخبار البارعة، وما حواه من أسماء الخطباء والبلغاء، وما نبه عليه
من مقاديرهم في البلاغة والخطابة وغير ذلك، ونعوته المستحسنة.
ما كان لكتاب “
البيان والتبيين“ أن يسمّى بهذه التسمية إلاّ لكونه أنّه تضمّن الكثير
من المسائل الأدبية التي خصّها الجاحظ بالبيان
والتوضيح، ومن منطلق هذه المسلّمة
التي يمكن اعتبارها
ركيزة قائمة فيه انصاع الكثير من القرّاء إلى تبنّي فحواه
باعتبار ما جاء فيه أخضعه الجاحظ لرؤاه الفكرية والنقدية التي يُمكن أن يقف عليها القارئ بين الحين والآخر،
ولعلّ منها ما وقع عليه نظري وأنا أتتبّع مضامينه نحو قوله : " وقال أبو النّجم فيما هو أبعد من هذا،
ووصف العير والمعيوراء، وهو الوضع الذي يكون فيه الأعيار :
* وظلّ يُوقي الأَكَمَ ابنُ خالِها * فهذا مِمّا يدلُّ على توسُّعِهم في الكلام،
وحملِ بَعضِهِ على بعض، واشتقاق بعضه من بعض. "
إنّ تعقيب الجاحظ على قول أبي النّجم، وما أراده كفكرة بيّن لنا إمكانية فعل التوسّع
الذي قد يقع كنتيجة حتمية تتولّد من خلالها
الأفكار، بل قد ينتج عن الفكر الإبداعي
في مجال الأدب طرح نقدي يمتاز بمواصفات
الجدّة والإبداع كذلك، وهو ما وقف عليه البحث
في هذا المجال الذي أثبت لنا أنّه كلّما ظهرت أعمال مُتقنة وأخضعت لتصميم
مُحكم،
وصيغت بدقة، نتجت، وتولّدت عنها أحكام نقدية أكثر
موضوعية،
وبهذا يصبح للأدب الراقي الأثر الكبير في ارتقاء الفعل
النقدي.
-
ولرؤية النقد الحديث لكتاب البيان والتبيين يمكنكم القراءة والاطلاع على هذا الكتاب
كتاب البيان والتبيين من منظور النقد العربي الحديث
" وكتب الحجاج بن يوسف إلى عبد الملك بن مروان: أما بعد فإنا نخبر أميرالمؤمنين أنه لم يصب أرضنا وابل ٌ منذ
كتبت أخبره عن سقيا الله إيانا ً، إلا َّ ما بل َّ وجه الأرض: من الطَّش، والرش، والرذاذ حتى دقِعت الأرض واقشعرت واغبرت وثارت في نواحيها أعاصيره تذرو دماق الأرض من ترابها، وأمسك الفلاّحون بأيديهم من شِدة الأرض واعتزازها وامتناعها، وأرضنا أرض سريع تغيرها، وشيك تنكُّرها، سيئ ٌ ظن أهلها عند قُحوط المطر، حتى أرسل الله بالقَبول يوم الجمعة، فأثارت زِبرجا ً متقطعا ً متمصرًا، ثم أعقبته الشمال يوم السبت فطَحطَحت عنه جهامه، وألَّفت متقطِّعه، وجمعت متمصره، حتى انتضد فاستوى، وطَما وطحا، وكان جونا ً مرثعنا ً قريبا ً رواعده، ثم عادت عوائده بوابلِ منهملٍ منسجل يردف بعضه بعضا ً، كل ّما أردف شؤبوب أردفَته شآبيب لشدة وقعه في العِراص، وكتبت إلى أمير المؤمنين وهي ترمي بمثل قِطَعِ القُطن، قد ملأ اليباب، وسد الشعاب، وسقَى منها كلُّ ساقٍ، فالحمد لله الذي أنزل غيثَه، ونشر رحمته من بعد ما قَنطوا، وهو الولي ُّ الحميد، والسلام، وهذا أبقاك الله آخر ما ألفناه من كتاب البيان والتبين، ونرجو أن نكون غير مقصرين فيما اخترناه من صنعته، وأردناه من تأليفه، فإن وقَع على الحال التي أردنا، وبالمترلة التي أملنا، فذلك بتوفِيقِ الله وحسن تأييده، وإن وَقع
بخلافها فما قصرنا في الاجتهاد ، ولكن حُرِمنا التوفيق، والله سبحانه وتعالى أعلم ".