كثيرًا ما تحجّجوا بالآية الكريمة المعروفة, من سورة يوسف:
{ فلَمَّا رآى قميصَهُ قُدّ مِن دُبُرٍ قالَ إنَّهُ مِن كَيدِكُنَّ إنّ كَيدكُنَّ عظيم } 28 - سورة يوسف
و لطالَما استعانوا بنصٍّ قرآنيّ من آية أُخرى :
{ ...إنّ كَيدَ الشّيطانِ كان ضَعِيفًا} 76- النّساء
ليثبتوا أنّني ...معلّمة إبليس!
فمَكره لا شيء مقارنةً بمَكري!!
لقد تناسَوا السّياقَ الكامل لكلٍّ من الآيتين,
قائلين بأنّ شمْلَ جميع النّساء بصفة الكَيد -في الآية الأولى- لأنّ حقيقةَ كوننا كلِّنا كائدات لهوَ أمر مفروغٌ منه.
متجاهِلين الكَيدَ الآخَر الفظيع, المذكور- في سورةِ يوسف نفسِها- على لسان نبيّ الله يعقوب.
ركّزوا فقط على ظنّهم أنّني مجبولةٌ على الكَيد العظيم, متفرّغة له. بناءً على كلام من؟!
أكلام الله تعالى؟ حاشاه ربّي و خالِقي!
بعضٌ من ذِكر الله جلّ جلاله للخبث, قوله:
{إِنَّهُم يَكِيدُونَ كَيْدًا ( 15) وأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا ( 17) } [الطارق]
{وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُم وعِندَ اللَّهِ مَكرُهُم وإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجِبالُ } إبراهيم - 46
لا أثر لنون النّسوة- لا تحديد من الله على أنّ المكر خِصلةٌ نسائيّة و حسب.
هو
عزيز مصر
- يُقال أنّ اسمه بوتيفار -
و قد نقل ربّ العالمين ما قاله العزيز-الكافر- لزوجتِه في القصّة القُرآنيّة المعروفة,
عن مراودتها لنبيّ الله يوسف, و انكِشافِ أمرها أمام العزيز.
ربّما يذكر أحد هذه الفكرة:
طالما لم يتمّ نفيُ هذا النّص -الذي على لسان العزيز-
بنصٍّ قرآنيّ آخَر فهذا يثبته, و يجعله حجّة على النّساء.
أقول:
{حَتَّى إِذا أَتَوْا علَى وادِي النَّمْلِ قالتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّها النَّملُ ادْخلوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وجُنودُهُ وهُم لا يَشْعرون }
النمل- 18
هنا, الله تعالى يُخبِرُ أنّ النّملة خافت من سليمان و جنوده,
وقالت"لا يحطمنّكم"
و بعد هذه الآية:
{ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِىٓ...} إلخ من النّصّ القرآني,
الذي لَم ينفِ قول النّملة بشأن"يحطمنّكم".
هل نسلِّم إذًا أنّ النّبيّ دهسها؟ أم يحقّ لنا استخدام عقلنا و التّفكير بالحيثيّات و استنتاج أنّ النبيّ لم يفعل؟
نفس الحقّ بالتّفكير, أستطيع استخدامه على كلام عزيز مصر,
فهو :
1-كافر
2- كان يخاطب زوجته التي كانت قد كادت ليوسف
أستطيع أن أقول : كلام كافرٍ ما -في مسألةٍ شخصيّة ما- لا يُعمَّم على كلّ النّساء,
ولا يدلّ على أنّ النّساء بديهيًّا كائدات كلّهنّ.
كما لا أودّ تعقيد الموضوع...
ببساطة:
أنا , أنتِ, هي, هنَّ...
لسنا مجبراتٍ على التّسليم بكوننا نفوق الشّيطان مكرًا و خُبثًا.
أو على الظّنّ بنقصٍ فينا كنساءٍ ما لَم نكُن ماكرات.
هنالك -برأيي- أيدٍ خفيّة تريد إقحامَ أفكار كتلك في أذهاننا عُنوة,
كي يبقى المجتمع على رؤوس أصابعه, فنِصْفُه كائد و نصفه الآخر يحارب الكيد.
و بالتّالي قد يَظلِم, و يأتي الرّدّ من التي تُظلَم, عندها يُقال: "أوه إنّه ذلك المكر النّسائيّ"...و هكذا
~
سأختم بقولي لكِ, غاليتي :
ليست كلّ امرأة هي تلقائيًّا ماكِرة,
و ليس الكيد جِبِلّةَ النّساء!
هو صفة مَمجوجة-حين تقترن بالإنسان- قد توجَد في أيّ شخص,
لا علاقة للنّوع-امرأة أو رجل- بشدّتها,
كما أنّ بإمكان المرء المتّصفِ بها-رجُلا كان أو امرأة-أن يغلبها و يخلّص ذاته منها.
.
“إنّ الـفـكـــرة الـنّـبـيلــة
غـالـبــًا لا تحـــتــاج للــفهـم
بـــل تحــتـــاج للإحــــســــاس”