••
العودة   منتدى وندر لاند > القصص والروايات > روايات الانمي_ روايات طويلة

روايات الانمي_ روايات طويلة لجميع أنواع الروايات " الحصرية، العالمية، المنقولة والمقتبسة"


الحارس الأعمى ~ Blind Guardian

روايات الانمي_ روايات طويلة


 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-22-2022, 12:40 PM   #11
ساي
عضو جديد


الصورة الرمزية ساي
ساي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1308
 تاريخ التسجيل :  Jul 2020
 المشاركات : 2,291 [ + ]
 التقييم :  3532
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Silver
شكراً: 0
تم شكره 4 مرة في 4 مشاركة

مشاهدة أوسمتي



. صباح الخير والنور والسرور للقُراء الكرام.

وأخيراً تمكنتُ من العودة للسطح مجدداً! ولولا لطف الله لكنتُ على وشك الإنجراف نحو رحلة غطس أُخرى, ولكنني قررتُ تأجيلها لما بعد هذه الفترة.

ولذا, فقد أتيتُ إليكم أخيراً بجزءٍ محترم الطول نوعاً ما. (( أو هذا ما أعتقده أنا, على الأقل. ^^ ))

لم يتبق الكثير على النهاية, ولذا سأحاول جهدي بأن أقوم بإكمال الباقي قريباً بإذن الله.

الفصل العاشر
-----------------------------------

إن كنتَ تريد نتيجةً عظيمة, فلابد من أن تكون تضحيتك أعظم.

-----------------------------------


كانت المفاجأة كافية لجعل (آرثر) ينسى أشياءاً ظنها جزءاً لا يتجزأ من شخصيته, فطالما كان هو المعروف بكونه صاحب التصرفات السليمة والإتزان وقت المِحن, ولكن ليس هذه المرة.

صرخةٌ كهذه, والتي بدت وكأنها صادرة من حيوان جريح, هي كفيلةٌ بطمس كل ما كان يفكر فيه قبل عدة ثوانٍ وإستبداله بذعر متشائم حول مصير (ساي). ولكن (آرثر) لم يبق في مكانه ليتفكر في ذلك, بل تحرك بشكل شبه لاشعوريٍ نحو الباب ليفتحه بعنف وينطلق نحو الدور الأرضي وخطواته تسابق دقات قلبه.

لم تكن ردة فعل البقية بهذه السرعة, فقد تعالت الشهقات وشحبت الوجوه قبل أن يتبادلوا نظراتٍ مذعورة, (نويل) كان أول من تمالك نفسه وانطلق ركضاً ليلحق بـ (آرثر) وهو يهتف بإسم صديقه بأنفاس لاهثة محدثاً نفسه بأنه سيجده هالكاً لا محالة.

لم يستغرق (آرثر) أكثر من نصف دقيقة ليصل إلى بهو الدور الأرضي وعقله يتأهب لرؤية ما لا تحمد عقباه, بينما عيناه تمسحان المكان بحثاً عن الصبي الشاحب أو (ساي), ولكن ما دله على الأخير هو صرخاته القصيرة المتقطعة التي تبع صوتها نحو الممر الأيسر ليقع نظره على (ساي) الذي سقط على ركبتيه وهو يميل ليلمس جبينه الأرض بينما اندفن وجهه بين راحتيه اللتين ضغطت أصابعهما بقوة على رأسه وقد تناثر شعره الطويل حوله, كان يشهق بشدة وهو يردد كلمات لم يفهمها (آرثر) المصدوم حيث أنها كانت تخرج بالكاد وبصوت تخنقه المعاناة.

اندفع (آرثر) نحو الشاب المتألم ليركع بجانبه وهو يهتف: "(ساي)!! ماذا حدث؟! مالذي أصابك؟!", لم يتمكن الأخير من الإجابة فوراً بل أخذ عدة أنفاس سريعة وهو يهز رأسه بخفة قبل أن يجيب بصعوبة دون أن يتحرك من وضعيته: "...(آرثر)...أهذا أنت؟...تباً يا (آرثر)...هذا مؤلم...يا إلهي... هذا مؤلم جداً...".

لم يكن هناك إحتمال سوى أن ذلك الشيطان الذي يبدو كصبي صغير قام بإصابة (ساي) في مكان ما, ولكن نظرةً سريعة من قِبل (آرثر) على الأرضية بينت له إنعدام أي دماء أو مؤشرات قد تدل على وجود جرح أو إصابة. لم يكن هناك أي أثر للصبي أصلاً, وكأنه لم يكن موجوداً هنا من الأساس.

مالذي حدث إذن؟

لم ينتبه لوصول (نويل) خلفه إلى أن سمع صوته متساءلاً بجزع: " (ساي)! هل هو بخير؟!".

التفت (آرثر) نحوه وقد تذكر فجأة بأنه اندفع من الغرفة تاركاً الجميع بداخلها ناسياً سلامتهم والتي قد يتم تهديدها في أي لحظة. أي مكان مشؤوم هذا الذي أتوا إليه؟ كاد يهم بإخبار (نويل) بما لاحظه لولا أن لمح بطرف عينه باقي المجموعة وهم يسيرون على السلالم بخطى مترددة حيث تقدم (لورانس) الفتاتين بينما تشبثت (أمورا) التي يكاد الخوف أن يطير بصوابها بملابسه.

"(لورانس), توقف! خذ الفتاتين وعد إلى الغرفة, ذلك الشيء ليس هنا, وقد يعود مجدداً في أي لحظة!", صرخ (آرثر) لصديق طفولته وقد عاد إليه توازنه الذي تبخر سابقاً.
"ولكن...", تنقلت عين (لورانس) بين (ساي) المتكوم وبين (آرثر) الذي أردف بحزم وقد لاحظ نظرته: " أنا و (نويل) سنقوم بإحضار (ساي) إلى الأعلى, فاسبقونا إلى هناك. إنه حي يرزق ويبدو سليماً ولكنه يتألم لسبب ما. إذهب!".

لم يحاول (لورانس) مجادلة كلمات (آرثر) الصارمة أكثر, فهو يعلم بأن اتباع ما يقوله هو أكثر الطرق ضماناً لسلامة الفتاتين, وهو يثق بأن (آرثر) يعني ما يقوله, لذا فقد هز رأسه موافقاً ثم استدار على عقبيه وهو يمسك بمعصم (يوهانا) التي بدا وكأنها ستتجاهله و (آرثر) وتندفع نحو الشاب المتأوه على أي حال. إنها فعلاً طبيبة حتى النخاع.
" (نويل)... هل (نويل) هنا؟", همس (ساي) وقد تحركت إحدى يداه وكأنها تستقصي شيئاً تتشبث به بينما استمرت الأخرى في الضغط على رأسه, وتحديداً حول عينيه.
لم يكذب المذكور خبراً فقد انطلق ليمسك باليد التي كانت تبحث عنه ويضغط عليها بقوة وهو يجيب بلهفة قلقة: " أنا هنا يا (ساي)! مالذي حدث؟ هل أنت مصاب؟!".

بقي (آرثر) في مكانه منتظراً إجابة (ساي), أو بالإحرى, إجابات (ساي). لقد كان الوحيد الذي يعلم ماهية المصيبة التي تحيق بهم الآن, وقد وعدهم بأنه سيشرح لهم الأمر لاحقاً, ومع ما يجري الآن فيبدو بأن الشرح سيتأخر أكثر.

أخذ الشاب القصير نفساً طويلاً وكأنه يحاول السيطرة على أوجاعه قبل أن يقول بصوت متحشرج: " أعتقد...بأن هناك... مشكلة صغيرة...", كان (ساي) يرفع رأسه ببطء ليتحرر من براثن أصابعه التي تركت أظافرها علامات جلية على جلده.

كاد (نويل) أن يسأله عما يعني لولا أن (ساي) استدار بوجهه نحوه موفراً عليه عناء الإستفسار.

فوجيء (آرثر) الذي كان واقفاً خلف (ساي) برؤية (نويل) يرتد إلى الخلف وقد اتسعت عيناه عن آخرهما وتلاشت الدماء من وجهه فوراً. ردة الفعل هذه دفعت (آرثر) ليسارع ويلقي نظرةً على ما عساه يجعل (نويل) يتصرف وكأنه رأى وجه شيطان ما, وليس صديقه الأقرب. ولكن ما أن قادته خطواته إلى حيث تمكن من رؤية وجه (ساي) حتى كانت ردة فعله مطابقة لـ (نويل).

ما قابله كان زوجاً من الأعين التي إنغمست في سواد كامل بدا قادماً من قلب الجحيم.

-----------------------------------

"أخبرني...كيف أستطيع مساعدتك؟".

بطبيعة الحال لم يكن (ساي) ينتظر جواباً منطوقاً, ولكنه كان يريد شيئاً ما, أي إستجابة, أي شيء يوجهه نحو الطريق الصحيح.

مرت الثواني تباعاً, بطيئةٌ ثقيلة, ولكن جمود (فرانسيس) لم يتغير.

زفر (ساي) بيأس مغمضاً عينيه وقد بدأ يحس بأن كل ما يقوم به لا معنى له, وغمره شعور عارم بحماقة ما يفعله وعدم جدواه... مالذي كان يأمل حدوثه بالضبط؟ لقد قالها بنفسه منذ قليل, هذا الصبي لم يعد ما يمكن تسميته بشراً, لم ظن (ساي) بأنه يستطيع التفاهم معه أصلاً؟

ملمس شيءٍ بارد على خديه أجبره لفتح عينيه وقد باغتته المفاجأة, فقط ليكتشف بأن يدي الصبي كانتا تستقران هناك وكأنما كان يقلده ليعلن له عن موافقته. هذه الحركة البسيطة أعادت جميع آمال (ساي) التي كادت تتسرب كالرمال من بين يديه قبل لحظات. ولكن ما حدث بعدها لم يكن يدعو للتفاؤل, فقد بدأ (فرانسيس) بالإنتقال إلى حالة الذوبان تلك أمام ناظريه وهو يغطس بسرعة عبر الأرضية الرخامية الصلبة, ولكنه لم يكن يفعل ذلك وحده, لقد كان (ساي) المبهوت نفسه يشعر أنه يغرق في مستنقع عميق بارد, وهو ما جعله يغمض عينيه ويحبس أنفاسه في حركة غريزية لم يكن لها أي داعٍ, فما أن استوعب عقله بأنه ليس بداخل الماء فعلاً حتى قام بفتح عينيه ببطء ليقابله ظلام حالك هبط على المكان كما الليل في ليلةٍ حُجب عنها القمر, لم يكن يرى ما يقف عليه أصلاً, فقد كانت درجات السواد تلف كل شيء لتعطيه مظهراً أشبه بقطعة من العدم غلفتها طبقة سميكة من الصمت. شيءٌ وحيد كان يشق حجاب الظلمة من بعيد كبؤرةٍ من الضوء الساطع, ولكن مجرد النظر لم يوضح لـ (ساي) طبيعتها.
رمش جفناه لعدة مرات وهو يحاول إستيعاب ماهية هذا المكان الغريب الذي أحضره إليه....(فرانسيس)؟! لوهلةٍ نسي (ساي) أمر الصبي كلياً مما دفعه للتلفُت حوله باحثاً عنه فهو لا يحبذ كونه في مكان كهذا وحده, ولحسن حظه فقد كان الصبي الشاحب هناك, واقفاً وراءه بجموده المعتاد. من الغريب أن يشعر بالإرتياح لرؤية شخص كان يعتبره حتى فترةٍ وجيزةٍ عدواً له. وكأنما كان الفتى بإنتظاره فقد رفع يده اليسرى ببطء ليشير إصبعه نحو النور القاصي وكأنما يحثُ (ساي) على التوجه إلى هناك.

"لا داعي لأن تخبرني...علي الذهاب إلى هناك, صحيح؟", قال (ساي) بتوتر مازح, فهو يعلم في قرارة نفسه بأنه ما من إتجاه آخر يبدو واضحاً في هذا الفراغ الميت, لذا فمن الطبيعي أن يكون ذلك الضوء هو المكان الوحيد الذي يستطيع التوجه إليه.

لدهشته فقد هز (فرانسيس) رأسه ببطء موافقاً (ساي), وهو ما جعل الأخير يرفع أحد حاجبيه بإستغراب فهو لم ير إستجابة كهذه من (فرانسيس) سابقاً. ولكن ذلك أفضل من لا شيء بلا شك, ذَكرَ (ساي) نفسه وهو يبتلع ريقه ويستدير ليبدأ السير نحو وجهته.

لم يبدُ من الممكن تقدير المسافات والأبعاد في مكان كهذا, لذا لم يكن (ساي) متأكداً من الفترة التي سيستغرقها للوصول إلى مبتغاه. ولكنه استمر في السير بثبات وهو يفرغ توتره من المجهول عن طريق همهمة لحنٍ ما لنفسه وهو يرى الضوء يكبر روياً كلما إقترب منه وهو يبرق بحدة أجبرته على إغلاق عينيه وهو يتخذ الخطوة الأخيرة التي قادته إلى قلب النور مباشرةً.

ما رآه أمامه كان...بحراً من الألوان.

لم يكن تعبير "بحر من الألوان" مجازياً بأي حال من الأحوال, ولكن (ساي) ضيق عينيه ليدقق النظر فيها. ما بدا له في البداية كألوان اتضح بأنه الآلاف من الصور المتحركة بسرعة خيالية أحاطت بهذا المكان الذي إتخذ شكل النفق من كل جانب. حيثما توجه بصره فقد كانت هناك. صور لأشخاص وأماكن لم يرها قبلاً, ولكنها بدت مألوفة لسببٍ ما. ملايين الكلمات, مئات الأصوات, جميعها ترددت في وقت واحد بينما استمرت الصور حوله في حركتها الرتيبة السريعة. شَعَرَ الشاب بأنفاسه تضيق فجأةً بينما أخذت الأصوات بالإرتفاع تدريجياً لتملأ رأسه بضجيجٍ منعه حتى من سماع أفكاره. هل هو يتخيل أم أن الصور بدأت تسرع أكثر أيضاً؟

"لمَ لا تصدقينني؟ لقد كنتِ معي!! والآن تظنُ والدتي بأنني أكذب!!".
"لن أدع هذا يحصل!".
"إبق كما أنت ولا تتحرك كثيراً, هذا كل ما تحتاجه حالياً. لقد قمت بغسل الجرح ولكنه لحسن الحظ ليس عميقاً, فلا تقلق.".
"هذا الصغير يقول أشياء مجنونة...إنه يخيفني...".
" إنه صوت دقات ساعةٍ ما .. ".
"(لورانس)!!".
"سأخذكِ إلى القرية يوماً ما يا (إيفانجيلين), ولكن عليك أن تهتمي بنفسكِ وتتحسني أولاً!".
"....(إيفانجيلين)؟.....".
"....هذا لا يحدث....لا يمكن بأن هذا يحدثُ فعلاً...".

تداخلت الكلمات والأحرف في رأسه بينما إستمرت الصور بحركتها السريعة الجنونية, إختلط هذا وذاك في مزيج أصابه بالدوار, ولكنه لم يتمكن من الحركة, لم يستطع الكلام أو حتى إغلاق عينيه. كان عديم الحيلة تماماً بينما بدا وكأن الصور تزداد سطوعاً مطلقة سهاماً لا ترحم من الألم نحو عينيه.

كل ما كان في هذا المنزل, كل ما أمكن أن يكون, في كل زمن وكل عالم إنهار بسبب العبث بالوقت... كل ذلك كان يمر أمام ناظريه كشريط لفيلم لا منطق فيه ولا ترابط. رأى (فرانسيس) بشكل يختلف عما هو عليه الآن, وجه فَتيٌ وسيم, لابد من أنه ما كان يبدو عليه قبل مائتي عام. رأى فتاةً صغيرة حلوة المظهر في أماكن مختلفة, تارةً تلهو في ممرات المنزل الواسعة وقد تطاير فستانها المخملي وراءهه, وتارةً تشيح بوجهها وقد اكتسى محياها الصغير بغضب طفولي, و تارةً أخرى وهي ترقد بلا حراك وحيدةً في غرفة لا تحمل سواها. رأى أناساً يرتدون ملابساً هي جزءٌ من التاريخ بالنسبة له, كانوا يقومون بأعمالهم اليومية بروتينية منظمة, وتكرر له منظر سيدة جميلة حملت كل معالم الرقي والأبهة وهي تحدث هذا أو تضحك مع ذاك. رأى نفسه وأصدقاءه وهم يضحكون, يركضون, يبكون, وحتى...يموتون.

كان (ساي) ينظر إلى ما ليس بالمفترض على أي بشر النظر إليه.

-----------------------------------

"....وبعدها, وجدتُ نفسي هنا وعيناي تكادان تتفجران ألماً....", أخذ (ساي) نفساً عميقاً أتبعه بزفرةٍ طويلة بعد أن أنهى ترديد قصته – وقصتهم – الطويلة جداً على مسامع (نويل) و (آرثر) محتفظاً ببعض التفاصيل الصغيرة لنفسه. لم يكن يتوقع منهم تصديقه فوراً ولكنه أيضاً لم يكن على إستعداد للجدال, لذا فقد أسند رأسه على الجدار الذي جلس على الأرض متكئاً عليه وهو يفرك عينيه بشدة وكأن ذلك سيصلح ما أصابهما.

"....هل تستطيع الرؤية؟", كان هذا السؤال الخافت هو أول ما قاله (نويل) الذي وضع الإستفسار عن صحة صديقه في مقام يسبق الإستفسار عن طبيعة الحكاية المجنونة التي سمعها للتو.

هز (ساي) رأسه نفياً قبل أن يجيب: "أنا أرى...شيئاً ما...إنه أنت, ولكنه ليس أنت. لست أدري كيف أشرح ذلك. لا يهم إن أغلقتُ عيني أو فتحتهما, أنا لا أرى سوى الظلام, وكل ما أراه منك هو جسدك وكأنه صُنع من الضوء, وهناك ما يشبه باباً من الضوء في الجدار المقابل. ولكن هناك أمراً غريباً آخر...إنني أكادُ أسمع نبضات قلبك المتسارعة. إنني حتى أسمع أنفاس (آرثر) على يميني.", فور أن أنهى (ساي) حديثه حبس (آرثر) نَفَسهُ متفاجئاً من هذا التطور الغير المتوقع. كان الوضع أكبر مما كان حتى يحلم به. القصة التي رواها لهم (ساي) لم تكن معقولةً ولا حتى منطقية, ولكن ما يراه أمامه الآن ليس مما يجاري المنطق قطعاً. وحتى إن قرر تصديق هذه الرواية الخيالية, فإن هذا يعني بأن وضعهم أسوأ من السوء بذاته.

"(نويل), أتذكر أنك ترتدي ربطة عنق, أليس كذلك؟ هل لي أن أخذها؟", باغت ذلك المذكور وهو يتساءل عن سبب هذا الطلب المفاجئ الذي لم ير له علاقة بما يحصل, ولكنه قام بحلها من حول عنقه وهو يقول بإستغراب: "مالذي تريده بها؟", ورغم إرهاقه الواضح بعد كل ما حصل له قبل قليل, إبتسم (ساي) إبتسامةً صغيرةً وهو يجيب: "لستُ أريد إرتداها بكل تأكيد فلونها الأخضر بغيض جداً, ولكنني أيضاً لستُ أريد للآخرين رؤية عيني هاتين...وبالذات (أمورا).".

فهم (نويل) مقصده وقام بمناولته الربطة بصمتٍ وهو يتبادل النظرات مع (آرثر) والذي بدا وكأنه يشاركه نفس الأفكار, أخذا يذكران نفسيهما بأنهما يتعاملان مع (ساي), الشخص الذي يهتم بتفاصيل غريبة في أوقات غريبة. وأما ناظريهما قام الأخير بلف الربطة حول رأسه مرتين لتغطي عينيه قبل يربطها بإحكام, وأتبع ذلك بوقوفه البطيء وكأنه يخشى السقوط في أي لحظة, وما أن استوى واقفاً حتى إتجه نحو أحد الأبواب في الجدار المقابل له وهو يتحسس سطحه في منطقة معينة بأطراف أصابعه قبل أن تتحرك لتمسك بالمقبض, ولدهشتهما فقد وجدا بأنه انفتح بسلاسةٍ وكأنه لم يكن موصداً أصلاً, بالرغم من أن (ساي) نفسه كان على يقين بأنهم قد حاولوا فتح جميع الأبواب مسبقاً ولكن أغلبها لم يستجب.

"هذا ليس باباً حقيقياً...إنني أسمعهم...", غمغم بغموض خافت وهو يرهف سمعه أكثر, ولكنه لم يكن بحاجةٍ لفعل ذلك فحتى (نويل) و (آرثر) تمكنا من سماع الأصوات التي وصلت إليهم جليةً من خلال الباب الموارب.

" ربما كان من الأفضل أن نغادر .. لا أثر لأي منهم هنا , إن بقاءنا لن يساعد أحداً."
" لا يمكننا فعل ذلك ! ليس بعد رؤيتنا لتلك القلادة , ماذا لو كانوا في مكان ما –"

"أهذا...صوت (لورانس) و (يوهانا)؟ مالذي يجري هنا؟", كانت نبرة (نويل) القلقة جلية وهو ينظر نحو الشاب الذي بدا مستغرقاً بالتفكير في عالم آخر بعيد.

"إذن هكذا كان (فرانسيس) يصل إلينا. لم يكن يتنقل عبر المكان بل عبر الزمان. كان يختفي من أحد الأزمنة ليظهر في الآخر عن طريق هذه...هذه الأبواب في جدار الوقت.", لم يكن (ساي) يتكلم مع شخص معين بل كان يبدو وكأنه يحادث نفسه, وبالرغم من ذلك فقد استمع (آرثر) إليه وهو يحاول ربط ذلك بما سمعه من (ساي) قبلاً.

"أعتقد بأنه من الأفضل لنا التوجه للأعلى لننضم إلى الآخرين, لقد أبقيناهم ينتظرون لفترة ليست بالقصيرة.", أخيراً تحدث (آرثر) الذي كان يقف صامتاً عاقداً ساعديه منذ مدة, وإن كان يجاهد نفسه جهاداً للبقاء متماسكاً بعد كل ما رآه وسمعه.

"حسناً, ولكن سيكون عليكما أن تشرحا القصة بأكملها لهم فأنا لا طاقة لي بإعادة سردها مرةً أخرى. ليس هناك من داعٍ لأن تخشوا ظهور ذلك الصبي مجدداً, فهو لن يفعل على الأرجح.".

-----------------------------------

....ها؟!...نحن قَدِمنا إلى هذا المكان سابقاً والزمن يعيد نفسه و ذلك الطفل لم يمت منذ مائتي عام وكلنا قُتلنا من قبل و (ساي) هو الوحيد الذي لم يمت..؟! مالذي...أنا حتى لا أجد هذا الهراء مضحكاً!!".

للأمانة فلم يكن أيٌ من الشبان الثلاثة الآخرين يتوقعون ردة فعل غير هذه من (لورانس) بعد أن اشترك (آرثر) و (نويل) في قَص ما يحدث عليهم بينما لَزِم (ساي) مكانه المعتاد على الأرض أمام المدفأة متعمداً تجاهل الجميع وإعطاءهم ظهره فهو فعلاً لا يشعر برغبة في خوض جدال مع (لورانس) الآن, إن أفكاره تدور في محور مختلف تماماً. إنه ليس معتاداً على هذا الظلام الذي أحاط بعالمه بعد, ورغم إقتناعه بأن (فرانسيس) لم يكن ليفعل هذا به إلا إن كان هناك سبب مقنع إلا أن هذه القناعة لم تكن تساعده في تقبل كونه بات لا يستطيع رؤية شيء. لقد تولى (نويل) أمر شرح ما حصل لعينيه للبقية, ولحسن حظه فقد تمكن بطريقة ما من إقناع (يوهانا) بأنه ما من داعٍ لفحصهما رغم إصرارها العنيد في البداية, إنه يعلم أنا ليست بفتاةٍ ضعيفة القلب ولكنه يكره مجرد التفكير فيما سيشعرون به إن نظر إليهم بعينين كهاتين, بالإضافةٍ إلى أنه لا يريد أي نوع من أنواع الشفقة تجاهه.

وصلت إلى مسامعه كلماتٌ دامعةٌ لم يكن بحاجة للكثير من التفكير لمعرفة مصدرها.

"هل...هل سنموت جميعاً هنا؟ كيف لنا أن ننجو إن كان ما يقوله (آرثر) صحيحاً؟ يا إلهي...", تهدج صوت (أمورا) وهي تنظر نحو (نويل) وكأنما ترجو أن يخبرها بأن ما قيل هو مجرد مزحة, ولكن النظرة الكئيبة التي قابلها بها كانت خير دليل على أنه لا مجال لآمال كهذه. تحرك إن عمها ليقترب منها وقد فهم ما يدور بخلدها, وإن كانت الكلمات لا تساعد وضعهم الآن, إلا أنه أمسك بيدها بحنانه المعتاد وهو يهمس لها بشيء ما جعلها تهدأ بشكل ظاهر.

"في الحقيقة يا (نويل)...", قال (ساي) دون أن يتحرك من مكانه, "إن (أمورا) أقوى مما تتوقع. في المرات الأولى كانت تناضل وحيدةً دون علم أي منا لإيجاد مخرج لنا جميعاً, ولكننها على الأرجح لا تتذكر ذلك.".

إحمر وجه (نويل) قليلاً فهو قد نسي بأن صديقه إكتسب حدة سمعٍ مضاعفة عندما فقد بصره, وعزم في نفسه على أن ينتبه لما يقوله لاحقاً. بينما تورد خدا (أمورا) وحمل وجهها تعبيراً مزج الخجل بالمفاجأة, لم تكن تدري إن كان (ساي) يقول الحقيقة أم يحاول تشجيعها فقط.

"(لورانس), لستُ مستغرباً من ردة فعلك الطفولية هذه, فقد رأيتها في المرة السابقة أيضاً. إن كان لديك تفسير أو حل آخر, فلا تبخل علينا به أيها العبقري. (يوهانا) ستقول شيئاً ما عن كون هذا الإحتمال المنطقي الوحيد لما يجري وبأنه من الأفضل لنا أن لا نفكر في من المصيب ومن المخطئ.", تململ (ساي) في مكانه وهو يتحدث بينما نظر إليه المذكوران بدهشةٍ ربما كان مصدرها هو نبرته الجادة أكثر من كونه الكلمات التي قالها.

"لقد كنتُ فعلاً على وشك قول ذلك...", نظرت (يوهانا) بإتجاه (لورانس) لتثبت بأن ما قاله (ساي) صحيح.

وضع (آرثر) يده على كتف صديق طفولته بخفةٍ قائلاً: "أنا أصدقه يا (لورانس).", وقد كان ذلك كافياً لجعل المذكور ينسى فكرة تكذيب قصة (ساي) على مضض, وإن حمل وجهه تقطيبةً واضحةً إختفت تدريجياً بعد إبتسامة مشجعة من (يوهانا).

"حسناً...إن افترضنا بأن كل هذا الجنون صحيح فعلاً, فمالذي يمكننا فعله للخروج من هنا؟ لابد من أنك تملك الجواب أيها الخبير.", كان (ساي) يعلم بأنه المقصود بكلمات (لورانس) التي حملت آخرها بعضاً من سخريته المعتادة, لذا فلم يتردد بالرد عليه بالمثل.

"نعم, والخطوة الأولى من ذلك هي أن تخرس وتدعني أفكر.", لم يقاوم (ساي) رغبته في الإبتسام وهو يقول ذلك.

"وماهي الخطوة الثانية؟", تدخل (آرثر) خشية أن يتحول الأمر إلى جدل عقيم آخر, ولكن (ساي) إستعاد جديته النادرة وهو يجيب: " كما أخبرتكم, في المرة السابقة قام شخصٌ ما بمهاجمتي, ولكن على ما يبدو فإن شخصاً ما "آخر" قام بترك مفتاح القبو الذي احتُجِزتُ فيه لكم. رغم أنني أعلم كيف كان (لورانس) يتنقل الآن, إلا أنه من غير المعقول بأن يكون هو الفاعل في كلتا الحالتين. ".

قال (آرثر) وهو ينظر للأعلى مفكراً: "إذن فإن الشخص الذي احتجزك لم يكن ينوي إيذاءك فعلاً وإلا لفعل ذلك من الأساس, فلا داعي له لإحتجازك أصلاً.".

شاركه (نويل) التفكير بصوت مرتفع وهو يقول بحيرة: "هل من الممكن أن يكون المهاجم هو نفسه الشخص الذي ترك المفتاح؟ ولكن لم عساه يفعل ذلك؟".

إنضم (لورانس) إليهم قائلاً: "ربما كان هدفه إبعاد (ساي) عنا لسبب ما؟".

إبتسمت (أمورا) وهي تقول: "ولكن ألسنا محظوظين لأنه فعل ذلك؟ بدون ما حدث فلن يكون (ساي) يتذكر ما حصل سابقاً, ولن تكون بإستطاعته رؤية هذه الأبواب التي تتيح له عبور الزمن, أليس ذلك؟".

حالما أنهت جملتها, رفع (ساي) رأسه تجاهها بحركةٍ حادة شاركته إياها (يوهانا), وقد بدا أن كليهما خطرت له نفس الفكرة في ذات الوقت.

"هذا صحيح...نحن محظوظون...!", هتف (ساي) بسعادةٍ وكأنه يستوعب شيئاً ما للمرة الأولى.

"الأمر واضح جداً, لمَ لَم نفكر في ذلك من قبل؟", قالت (يوهانا) بحماس وثغرها يحمل إبتسامةً منتصرة.

نقل الأربعة الآخرون أنظارهم بين الإثنين بتساؤل جعل (يوهانا) تستطرد: "الشخص الذي هاجم (ساي) وقام بحبسه والشخص الذي ترك مفتاح مكان احتجازه, إنهما ليسا نفس الشخص, إنهم أشخاص عِدة.... إنهم نحن!".

-----------------------------------


الـــســـاعـــة الــخـــامــــســـة -إنتهى-


ليس من الصعب علينا خداع أنفسنا, فنحن لا نعلم عنها إلا الشيء اليسير.


 
 توقيع : ساي

دخول متقطع .


رد مع اقتباس
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:26 PM