أنا جالسة وهو نائم ورأسه بجانبي مدثرا بالوشاح البني الطويل والذي يغطي كل جسمه يتوسد حقيبة سفرنا، نائما ولا توجد تعابير معينة لأعرف ان كان يحلم أو في كابوس، أم انه فقط نائم بسلام، ألسنة اللهب الصغيرة تنعكس على وجهه، لأعود قبل سنتين للماضي، الى حيث خسر هو كل شيء وأنا أعنيها، خسر كل شيء حينها....
...................
في الصباح حينما رأيته مر أمامي يضحك خلفه "مرافقه" الثلاثينيْ أرستس وبجانبه ابن الوزير الأول "صديقه" المقرب هاتاكي ساساكي يضحك معهما كان يبدو بعيدا كل البعد عن كونه ولي العهد، ملك البلاد المستقبلي، لم يبدو كوُلاّت العهد حيث يكون على عاتقهم مستقبل الشعب ليكونوا أقرب كارهين لأنفسهم،
أما هو أحب كونه أمل المستقبل كما سمعته يقوله لهما وهو ضاحك، ولم تخفى علي نظرة الازدراء من مرافقه خلفه أما صديقه كان باسم التعابير،
وكوننا من الحرس وقف قائدنا لتقف جميع الكتيبة وبصور تلقائية واحتراما له وضعت القبضة اليمنى عند القلب والاخرى لُفت للخلف وانتصاب القامة ورفع الذقن بفخر.
لم يعرنا انتباهه وأكمل طريقه، ولم أكمل تحديقي به اذ أمر القائد بالتحرك للأمام وهذا عمل الدورية.
لأستفيق في مساء اليوم نفسه على ألسنة لهبٍ عملاقة تأكل الغرفة، والزجاج يتطاير وزميلاتي يصرخن طالبات النجدة، الفزع، الهلع سيطر علينا، كل واحد يريد انقاذ نفسه، وكما فعل أبي بالماضي حملت كرسي رميته للنافذة وحملت غطاء السرير دخلت الحمام أغدقته بالماء لففته على نفسي وقفزت للخارج عالمة بأن بحيرة الأمير الصغيرة تحت غرفتنا فاستقريت وسطها وكأني صخرة جعلت الماء يتصاعد لأمتار للأعلى، وقفت أتمالك انفاسي رفعت نظري لفوق للطابق الثاني رأيت البقية يحلقون نحوي ركضت لخارج الماء أنظر حولي.. القصر بالكامل غارق في النيران وذلك الوهج العظيم لم يكن في غرفتنا فقط.
وأول ما خطر في بالي
"الامير سيراي"
صرخت هلعا وركضت باتجاه جناحه، وفي الباحة العملاقة التي أقطعها بأقسى سرعتي
كان النبلاء وزوجاتهم، الجنود، القادة، الخادمات، كل شيء في فوضى وصراخ وسط الدخان والنيران في كل أنحاء القصر، انعطفت عند جدار السلالم أستند عليه بيدي ألتقط أنفاسي وأسعل من الدخان لم أجد ما أغطي به أنفي وفمي أرتدي لباس النوم الأبيض لا درع ولا سلاح، أكملتُ ركضي و قلبي يخفق للدمار حولي وكل تفكيري على الأمير.
صعدت السلالم الحجرية تعترضني حاشية الملك خائفون يركضون للخارج.. أكملت ركضي وأنفاسي تتهدج وأتمنى أن يكون الحراس والمرافق أرستس قد أخرجوا الأمير "سيراي"
دخلت جناح الأمير ثم الرواق الذي يؤدي لغرفته كانت الجدران تآكلها النيران، أقفز من مكان لآخر أتفادى ما يتساقط من اللوحات والستائر المشتعلة، حتى وصلت للغرفة ومن حسن حظي كان الباب سليم ووجدته موصد من الخارج فتحته و
دخلتُ للغرفة كانت نيرانها أشد التهابا من الباقي، وقد أظلمت بالدخان، نزلت للأسفل أحبو على ركبتيْ
لأن الدخان في الاسفل أقل،
لمَّا وصلت للسرير وجدته فارغا، ثم أرعبتني يد أمسكت بملابسي عند ركبتي
من أسفلي ليلفت انتباهي السوار الذي لمع في معصمه كما لمع صباحا وهو يضرب كفه بكف صديقه صرخت بخوف وفرح كونه حي وهنا
" سمو الأمير سيراي"
وجذبت معصمه ليخرج بصعوبة نظر الي وهو يحاول جاهدا كي لا يفقد الوعي وتنفسه يتباطأ شيء فشيء
فأدركت فورا انه استنشق الكثير من الدخان وأن هناك من أوصد الباب كي يموت في الداخل
" يجب أن نخرج من هنا سموك."
سألته بتوتر شديد فـأمسكَ بيدي التي تجره من معصمه نظرت له بتساؤل وعيني متسعة من الخوف فالمكان محاصر بالنيران وهو يوقفني
قائلاً بصوت متهدج
" لماذا أتيتِ الى هنا؟ لماذا لم تهربي كالبقية فحتى حارسي أغلق الباب علي"
كان فاقد للثقة نظراته الزرقاء ميتة جسمه ساكن ويقاوم الاغماء
ابتسمت له ولعينيه التي تقابلني وهو يماثلني طولاً
" أتيت لأجلك أمير سيراي"
رأيتُ عينيه تتوسع وفمه فُتحَ ثم أفتر ثغره عن شبه ابتسامة ليتهاوى للأرض فاقدا وعيه.
بسرعة أدخلت ذراعيَ تحت ابطيه أحتضنه لصدري وجررته أسير للخلف حتى خرجت من الغرفة وجدت النيران في أوجها، أسندته للحائط وهو مازال فاقدا وعيه، عدت للغرفة للسرير أخذت
الغطاء بللته بالماء الذي في الاناء عند سريره وعدت اليه لففته به، جلست أمامه وحملته على ظهري بصعوبة وربطت الغطاء في بطني لكي لا يسقط، وركضت بالسرعة التي سمح بها وزنه كان أقرب للمشي السريع أكثر منه ركضا،
نزلت من حيث صعدت، أسعل من وقت لآخر كان همي انقاذ سموه سواء الملك او الملكة لم يهمني أمرهما، لا أدري ما السبب أم أن ذلك بسبب شكي في عدم وفاء حارسيه ومرافقه أرستس الذين أظهروا دوما امتعاضهم منه وهو غافلا أو يتجاهل الأمر.
وفي اثناء نزولي على الدرج استفاق يكح بعنف ولكنني لم أتوقف وعند آخر درجة شد يده على كتفي هامسا بالكاد
" توقفي لا تذهبي من هناك، استديري للعكس أخرجي من الباب السري سأريك اياه. "
استدرت عن وجهتي فقد كنت سأخرج للباحة حيث قفزت قبل قليل، ووصلت للحائط العملاق للقصر
" سموك أين أذهب؟؟ "
قلتها لاهثة، صدري يحترق من أنفاسي التي آخذها من الدخان
"سيري مع الجدار نحو الجنوب...بـ كح كح كح بخمس خطوات تماما واضغطي الحجر البارز أكثر من الآخرين"
" واحد...اثنان...ثلاثة...أربعة...خمسة."
نظرت للخلف أتفقد لربما أحدهم لاحظنا أو يلحق بنا كنت خائفةً جدا ولم أدرك ذلك سوى من ارتعاشي عندما وضعت يدي على حجر الحائط، أدفعه ليفتح الباب وانسللت للخارج بسرعة وعند خروجي كانت الأجواء مظلمة لا شيء يرى، وشكرت للحظة النار لأنها أضاءت الطريق للغابة حيث اختفينا...
أنا بملابس النوم التي استحالت للأسود من الرماد والحروق، والأمير فوق ظهري غائب عن الوعي، و لو لم يكن غطاء السرير المبتل شده الي، لكان سقط لأن قواي خارت ولم أعد أستطيع امساكه بذراعي ولم أدري وقتها إلى أي درجة هي اصابتنا بالحروق.
.........................
استقفت من ذكرياتي على حركة أمامي على بعد أمتار،
بحذر مددت يدي لقوسي وسهمي اللذان بجانبي واعتدلت على قدم ونصف أنتظر أن يظهر هذا الشيء من خلف ظلال الظلام وراء الأشجار، وقلبي يخفق بانتظار من سيكون العدو
ثم قفز ثعلب بدا لي ملاحق، أطلقت أمام أقدامه السهم، ليجفل للخلف ويعود أدراجه قافزا تنهدت براحة وأعدت القوس بجانبي ورميت المزيد من الأغصان الصغيرة وسط النار وعدلت الوشاح على الأمير.