" سأعود غذا صباحا ، لهذا لا تستعملي غيابي كعذر لترتاحي .. قومي بعملك على أحسن وجه ، هل فهمتي ؟"
انتقاما منها على جعله ضعيفا قبل قليل .. لم يتوانى لحظة في شحذها بنظراته الباردة والحادة من فوق كتفه ، ثم مالبث أن أكمل طريقه .
" غذا صباحا...
، هل يعني أنه لن يبيت بالمنزل ؟ ".
تساءلت روجينا مع نفسها بحيرة و عينيها تتبعانه إلى حين اختفائه من أمامها دون أن يودعها حتى .
بينما هو كان يقطع الطريق نحو سيارته الليموزين الرابضة بالقرب من مدخل القصر ، كان يشعر بشيء خاطئ و غامض حيال الأمر .
لقد أصبح بقربها هشا و ضعيفا .. بدأ يشعر أنه مسلوب القوى أمامها و كأنها تصد خطوط دفاعه و تتخطى بسهولة الحصن المنيع الذي تعب في تشييده ..
جلس في مقعده الخلفي و أغلق زر سترته و هو يذَكر نفسه بشيء مهم .
" هكتور ، إنها هنا حتى تستمتع بتعذيبها و تضحك ملأ فمك عليها و أنت تحطم كبريائها و تسحقها كالحشرة ...
لا لكي تعجب بها و تحبها ، فالأمر خاطئ .. خاطئ جدا ".
كانت تنظر عبر النافذة إلى سيارته السوداء الفاخرة و هي تقطع طريقها بهدوء عبر الممرات الحجرية للحديقة ، أحست بالإنزعاج لسبب غير معلوم
حتى أن هناك قبضة غير مفهومة تجعل التنفس صعبا عليها .
تُركت هنا بين كل هذا الكم من الوحدة و الأشغال .. لكن على الأقل هو لن يكون موجودا ليصيح عليها و يوبخها كما اعتاد أن يفعل .
تنهدت عميقا و اتجهت نحو الطاولة حتى تلملم الأطباق و تشرع بالتنظيف و الغسيل .
و بشكل مفاجئ صادفت رالف في الرواق فجفلت لثانية ثم قالت بتساؤل : ألم تذهب معه ؟.
ابتسم بهدوء و أجاب : أنا لا أغادر القصر أبدا يا آنسة .. أنا مكلف بحماية ممتلكات سيدي و خدمته طوال مدة عملي .
تأوهت بتفهم و هزت رأسها قليلا قبل أن تردف باستغراب : لكن ألن يعود إلى المنزل اليوم حقا ؟.
" سيسافر إلى كاليفورنيا " أجاب باقتضاب كأنه لم يشأ أن يجيب منذ البداية .
" كاليفورنيا ... ؟؟
إنه محظوظ بالفعل ".
تركها رالف تقف عند العربة الحديدية التي تحمل عليها الأطباق و ذهب إلى عمله بعد أن ذكرها بالتعاليم التي تركها لها ذلك المتعجرف ـ هيكتور ـ
شرعت تنظف المطبخ ذو الأركان المزدانة بالمزهريات الجميلة و الأضواء المشعة .
كان الجو في الخارج صحوا و مشمسا ، ويبعث بالنشاط على الأنفس .. لا أخفي عليكم كم كانت تريد ترك ما بيديها لتذهب و تآخذ قسطا من الراحة قرب النافورة .
لكن هيهات .. فهي مرغمة على إكمال ما أتت من البداية لفعله .
كان هناك صمت غريب و ثقيل على مسامعها ، لأنها لم تعتد العمل إلا في الأماكن التي تضج بالحركة و الحياة ..
فالمكان هنا أشبه بالمقابر ..
روجينا
انتقلت بعد ساعة و نصف إلى العمل في الطابق العلوي ، كنت أجمع البطانيات المتسخة و شراشف الطاولات من كل الغرف حتى بات حملها شيئا عسيرا ..
وضعتها في غرفة التنظيف بالطابق السفلي ، وعدت حاملة المكنسة الكهربائية و بدأت العمل .
كنت أدندن بخفوت و أمد المكنسة برشاقة في كل الإتجاهات حولي ، لم أتوانى لدقيقة في الرقص ببلاهة .. فلقد ضجرت فجأة .
تنهدت بعمق و قد بدأ الشعور بالنفور من كل شيء يستولي علي ، لقد اشتقت للذهاب إلى الخارج حقا .
تنهدت من جديد و تذكرت هيكتور بغتة :
" كلما حاولت تحسين صورته ولو بالقليل ، يضرب بجهدي عرض الحائط ...
و يثبت لي أنه لا يستحق احترامي و تقديري له ،
أنا أكرهه ... و شعوري بالشفقة عليه سابقا هدر لوقتي و مشاعري فقط .. "
اشتعلت غيضا مع تذكر تجاهله لي هذا الصباح و كيف أنه لم يهتم حتى بإلقاء تحية الوداع لي ، أو يبدي إعجابه بالعمل الذي قمت به ..
إنه غير رحيم البتة ، ولا يملك ذرة تعاطف تجاه الآخرين ...
و فوق ذلك الغرور والتكبر ، هو يمقت الفقراء أمثالي ...
و عازم على فرض جبروته و غضبه على أي فقير محتاج يقع بين يديه ..
فكرت بحيرة
" لما لا ينسى فقط أمر الماضي ويحاول جعل حياته أفضل مما كانت عليه .
ألا يرى أنه ليس سعيدا البتة ، حتى و هو يمتلك ربما كل تلك الأشياء التي تمناها يوما.
و لكن ما يجعلني أحتقره أكثر ، أن أخاه ماتيوس لم يسلم من كل تلك الأفكار الجهنمية التي تملأ عقله.
إنه حقا شيطان حقيقي .. حتى يمنع أخاه من رؤيته بعد كل تلك التضحيات التي فعلها من أجله في الماضي.
ألا يملك بصيرة ليرى بها الأمور على حقيقتها ، ليس كما يفسرها هو "
ـ غريب حقا ..
تمتمت بحيرة و حجزت خصلة شعري خلف أذني ، تأففت بضيق ..
" لماذا فجأة أصبحت أفكر فيه كثيرا
أنا لا أهتم إن كان يكرهني أو يحاول إهانتي طالما لن أسمح له بذلك ... "
نزلت من جديد إلى الدور السفلي فقابلت رالف عند الردهة يحمل كتيبا في يده و متجه إلى الحديقة ، وقف يحدق بي بصمت استغربته قليلا و أنا أنزل السلالم
و دون أن يقول شيئا استأنف الطريق غير مبالي ..
إنه حقا صورة طبق الأصل عن سيده ، و أنا من كنت أتساءل كيف احتمل تصرفه كل تلك المدة ؟.
فهو لا يقل عنه برودة ..
هززت رأسي بلا حيلة و ذهبت يمينا نحو الرواق الذي توجد عند آخره غرفة التنظيف ، وضعت كل ما حملته إلى هنا قبل قليل في آلة الغسيل و تركتها تعمل وحيدة ..
و عادت إلى القبو ..
إلى المكان الذي تتمسك بهذا العمل فقط لأجله ، حتى و إن كان مظلما و باردا ..
ـ جون إف كينيدي ـ الدولي الموجود بالقرب من مدينة نيويورك ، إلتقى بموكب من عملاء شركته عند مدرج الطائرة في مطار
كان بهيبته وهالته المحيطة به يجعل الجميع يحنون رأسهم له احتراما لشخصه ، كان بذلك القلب الفولاذي و التقاسيم الحادة يبث الرهبة في كل منافسيه على الساحة.
إنه فقط لم يصبح أحد أشهر المليونيريين في أمريكا ، بل أصبح قدوة كل الشباب الذين لم تعطهم الحياة فرصة لإظهار ما بجعبتهم ...
فخلقوا فرصة من العدم و شقوا طريقهم الطويل لوحدهم كما فعل ـ هيكتور بلاديمون ـ الملقب بـ [ قلب الأسد ] .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ
هيكتور
كان الجو حارا بعض الشيء ، لهذا تماما كنت أرتدي نظاراتي الشمسية .. صعدت سلالم الطائرة الخاصة بي أولا...
و لحقني بعدها طاقم عملي الصغير للذهاب في رحلة عمل إلى كاليفورنيا حتى نهتم ببعض التفاصيل الصغيرة عند الفرع الخاص بشركتي هناك .
لم تخفى علي نظرات الإعجاب و الدهشة التي يرمقني الجميع بها ، و لكنني اعتدت الأمر تقريبا ...
لم أعد أهتم إن كان الجميع يتهامس علي ، أو يحدق بي .. خاصة الشابات اللواتي هن مستعدات لتقبيل التراب الذي أمشي عليه ..
فقط ، للإستولاء على نصف الثورة التي جمعتها بنفسي ..
أجد في ذلك شعورا بإرضاء غروري ، وهو شيء أستمتع به كثيرا ...
على ذكر الفتيات ، لاح خيالها بغتة على عقلي ، إنها لا تنفك تتركني و شأني .. و الآن صارت تتبعني حتى إلى رحلات عملي .
ـ سحقا لها ...
تمتمت من بين أسناني بحقد و سكبت لنفسي بعض النبيذ في الكأس الزجاجية ، قبل أن آخد أول رشفة رن هاتفي .
ـ ماذا هنالك ؟.
استمعت إلى عميلي بانتباه الذي كان يدلي بآخر المعلومات ، وانعقد لساني فجأة و شعرت بالصدمة ..
أغلق الإتصال فأخفضت الهاتف و أنا لا أزال على أثر الصدمة .. عضضت شفتي السفلى بغيض فجأة و رميت الكأس من يدي .
ـ ذلك الحقير ، هل كان يقصد ذلك حقا حين قال أنه سيخرج من حياتي كليا ... ؟
أمسكت رأسي بين يداي و أحسست بانقباض قلبي و استيائي الشديد على ماتيوس .. إنه يجهز نفسه و عائلته للرحيل عن نيويورك قريبا
و هذا كله بسبب غبائي و و حماقتي معه ..
صحيح أنني كنت أمنعه من الحديث معي و رؤيتي ، لكنني لم أتصور يوما أنه سيقدم على فعل مثل هذا .. فماتيوس هو كل ما أملك الآن ، هو الشيء الوحيد الذي بالعائلة
يذكرني يأنني لست وحيدا تماما مثل وحش القصر المهجور الذي يقرأ عنه الأطفال في قصصهم الخيالية .
لقد استمديت تلك القوة و المثابرة منه ، لكنني لا زلت غاضبا عليه .. غاضبا على العالم بأسره .
و لا يسعني مسامحة أحد ، حتى أستطيع تعلم مسامحة نفسي و الغفران لها على كل ما أنا عليه الآن من شخص * حقير* .
روجينا
لم أنتبه لنفسي حين غفوت فوق طاولة العمل ، لقد تعبت كثيرا في التنظيف حتى أنني قد شحذت أربعة سيوف قبل أن أغط في النوم ...
دلكت عيني بتعب و رفعت رأسي نحو الساعة التي تشير إلى الخامسة مساءا .. ووقفت أصيح بذهول فجأة .
ـ مـــــــاذا ؟ هل نمت كل ذلك الوقت ... ؟.
خرجت راكضة من القبو حتى أنني نسيت أن أرتدي مئزر عملي ، وقفت عند الردهة الخالية و تساءلت عن المكان الذي يوجد به رالف .
" سحقا ، إن رآني الآن و أثر النوم على وجهي .. سأقع في ورطة حقا ".
دلفت إلى المطبخ و يا ليتني لم أفعل ، فقد وجدته هناك يقف مع الخادمة التي تبدو في عقدها الثالث بشعرها الأسود و شامتها الموجودة عند طرف وجهها .
همست بتأسف : المعذرة على تأخري ، لقد انشغلت بشحذ السيوف و لم أنتبه للوقت ..
نظر رالف نحوي بشيء من الحدة و قال : لقد قمتي بشحذ أربعة سيوف و استغرقت في النوم كل تلك المدة ، لذا لا تحاولي أن تلفقي الأكاذيب علي .
أحسست كأن صفعة قوية سقطت على وجهي من كثرة الإحراج ،
" تبا ، أنا في ورطة .. " همست مع نفسي بذعر .
تنهد رالف بامتعاض و نظر جهة الخادمة الواقفة إلى جانبه :
ـ هذه السيدة جولي ماكسن ، لقد استقالت عن عملها منذ مدة لكن أتت لتساعدك في معرفة الأمور التي يحبها سيد القصر و ما يكرهه.
انحنى لكلتينا و غادر المكان تاركا إيانا نحدق في بعضنا بصمت ..
كان الجو محرجا لذا استرسلت القول : عذرا يا سيدتي ، أنا روجينا .. أتمنى أن تساعديني بما أنك أكثر خبرة مني .
ابتسمت بشكل مصطنع و قالت : لنبدأ العمل إذا .
كان الوقت يمر ببطء مع هذه المدعوة جولي ، لم تكن ودية تماما معي ولكنها أفضل من كليهما و أفضل من الوحدة التي أحسست بها قبلا .
دونت لائحة لا أعلم حقا إن كان لها نهاية لكل الأشياء التي يحبها هكتور و الأشياء التي يكرهها .
و علقت فجأة مع نفسي أثناء حوارها بسخرية "و أنا من ظننت أنه لا يحب سوى جعل الناس من حوله يتألمون . "
علمت منها أنه يتبع نظاما صحيا و يحب تناول طعامه في أوقات محددة ، فمثلا العشاء ينبغي أن يكون جاهزا فوق طاولة الطعام على الساعة السابعة مساءًا.
أما الفطور فيحبذ تناوله في ساعة مبكرة إن كان لديه رحلة عمل ، و إذا لم يكن مشغولا فهو يحب تناوله على الساعة السابعة والنصف عند النافورة .
هو يكره اللون الأخضر و البني ، و لا يحبذ رؤية غرفته مبعثرة .. حتى أنه جاد حول وضع الزهور بمكتبه و الكثير من الأمور التي لن أستطيع تذكر ربعها.
" إنه حقا مغرور ومتعجرف .." همست بضيق مع نفسي .
في النهاية ، وضعت أمامي طبق الطعام و جلست مع رالف تحت أضواء المطبخ المشعة نتناول الوجبة ثلاثتنا في جو من اللاجدوى و البؤس .
بغتة رن الهاتف الموجود بالردهة ، رفع رالف رأسه و لبث مقطبا حاجبيه بشيء من الحيرة ، اتجه نحو الهاتف المعلق عند حافة الباب و ضغط زر التحويل و رفع السماعة :
ـ قصر السيد هكتور بلاديمون ، كيف أستطيع مساعدتك ؟
تريث قليلا ورد مجددا : السيد غائب حاليا عن المنزل ، سيكون هنا عند التاسعة صباحا .
ابتسم بخفوت و رد : حسنا سيدي الصغير ، سنكون بانتظاركما .
أكثر ما أدهشني من كلامه أن هناك ضيوفا قادمون غذا ، لكن من هم ؟، الأمر حقا غريب .. وأنا من ظننت أن هكتور لا يحب رؤية أحد .
انتبه رالف إلى علامات الإستفهام التي تدور حول رأسي ، فجلس مكانه قائلا بجدية :
عليك أن تباشري العمل عند الصباح الباكر ، سيد القصر سيكون هنا عند التاسعة وهناك زوار قادمون أيضا . لهذا جهزي الغذاء و حضري أشهى الأطباق .
حاولت استيعاب ما يحدث ، لكنني لم أحصل تماما على الإجابة التي أريدها .
قلت باستفسار : هل يمكنني معرفة هوية الزوار ؟.
تنهد عميقا و رد : إنهما السيد الصغير جون بلاديمون و أخته سوزي ، أبناء السيد ماتيوس.
انفرج فمي ذهولا لما سمعته و أنا لا أصدق ما سمعته للتو .. لم أكن أعتقد أن ماتيوس يملك عائلة .
و الأكثر صدمة أن ـ هيكتورـ ذلك الحقير هو عم الأبناء .
استرسل رالف القول : ليسا كثير التردد على القصر ، لكن أعتقد أن شيئا طرأ فجأة حتى يقومان بزيارتنا غذا .
ـ و هيكتور ، ألا يزعجه الأمر ؟. قلت بتعجب .
ـ طالما يبقيان بعيدان عن مكتبه و الأماكن التي يعمل بها ، فهما لا يضرانه أبدا ..
ـ يا إلاهي .. إن هذا حقا شيء غير معقول .
همست بذهول.
التعديل الأخير تم بواسطة شَمس. ; 04-21-2022 الساعة 12:14 PM
"أتمنى أن يعدو كل شيئ على خير، لا أشعر بإطمئنان هكذا..."
عدت لغرفتي بعد إتمام وظائفي الامتناهية...
أقصد القبو الذي كان مخصَّصاً لي كسجن من قبل هيكتور , و لحسن طالعي أن هذا السجن توسعت حدوده حتى المنزل ككل بسبب توسع القرارات لإذلالي...
أنا منهكة بالطبع و بشكل كبير حتى بالكاد أقف , و مع هذا أرى أن هذا أفضل من التقوقع تحت آلة الشحذ تلك طيلة الوقت ...
ارتميت بقامتي تحت أثرالتعب و الإرهاق على فراشي بينما حدقتي الزرقاوين مثبتتان على منفذ التنفس الوحيد, النافذة التي تظللني ببعض النور نهارا و ترفه عني ليلاً...
بتُّ أفكر بتريث بكلَّ ما يتعلق بذلك الهيكتور , فبالغد سأرى وجهاً آخر من نمط حياته..حياة عائلية..!
كيف سيتصرف مع أبناء أخيه ماتيوس الذي طرده ..؟
هل يعرف أصلاً كيف يعامل الأطفال؟!
ظهرت لي صورته بين أوهامي الذهنية و هو يحتظنهما بصمت لأحرك رأسي بسرعة نافية ناطقة بجهورية: يستحيل حصول هذا..
أه, ما الذي يفعله الآن..؟
يهين مستضعفاً آخر و يهدده مستغلاً منصبه و أمواله..؟؟
آم أنه مشغول بمجاملة الأغنياء أمثاله؟
يا إلهي.. ما الذي يهمني بذلك المتلبد المتعجرف..
هيكتور اللعين, بالتأكيد هو يستمتع هناك بحجة العمل مطمئناً أنني سأفعل كل ما يطلب بسبب دينه..
فالأنم فقط...
اه, عن النوم..
الليلة سوف أنام براحة بعيداً عن الضغط النفسي و الجسدي الذي يسببه هيكتور بأوامره اللاعقلانية ...
فرالف بغض النظر عن مظهره بتلك العضلات المفتولة و الملامح الصارمة و رأسه الأصلع , إلا أنه ليس بذلك السوء...
بل إنه يدعي تجاهل أوقات راحتي التي أضعها لنفسي , و هذا كفيل بجعلي ممتنة له...
أسدلتُ جفني بعد أن اعتدلت على قفاي و استسلمت لسلطان النوم علَّني أخرج من كوابيس الواقع لأحلامٍ جميلة...
إلّا أني متيقنة أن ما سيراودني لن يكون غير هواجس الغد و ما يتوجب عليَّ فعله...
*****************
أوراق أخرى تظهر أمام عيني تنتظر مني ختماً و توقيعاً ...
و يتوجب على أصابعي الإمتثال بعد التأكد من محتوياتها , فالمحتوى أهم من تناسق الخط أو ترتيب الأوراق..
جرني الإنهاك لإغلاق ناظري لحظة ..ظهرت بها تلك الفتاة المزعجة ثانيةً...أيَّ سحرٍ تود إلقاء تعويذته علي هذه الفتاة بحق..؟!
روجينا, الفتاة الوحيدة التي جرتني للتفكير بها بشكلِ أحمق... تجعلني أودُّ العودة للمنزل بسرعة , و لا أعرف لمَ؟
أظن...لأجل رؤية الخوف بحدقتيها , و الإذلال الطابع على وجهها...
تركتُ على الطاولة الدائرية التي حملت بزاويتها بعض الكعك مع عصير البرتقال الذي أعشقه لأشرب منه شربةً تنهي النصف منه...
إنه يجعلني أشعر بالبرد المنعش ...
وقفت مقترباً من الباب الزجاجي الذي يطلُّ على أسقف المدينة , هذه الأنوار لها جمالها الأخاذ من هنا . على عكس تلك الأحياء القذرة التي حوتني في الطفولة....
آهٍ منك ماتيوس... لمَ لا تفهم أنّني اكتفيتُ من ذلك الذلِّ الذي سرقَ والدي و أدخلني عالمَ البؤس...
الفقر , الكون في الحضيض , لم و لن يكون إلاَّ لأناسٍ حثالةٍ حمقى... و أنا لستُ منهم...
أنا , سأذيقُ تلك الفتاةِ الفضولية ما سيجعلها تندم على التدخل في شؤوني ...
و تحملُّها سيكونُ نتيجة اختبارها...
مرَّرتٌ كفي على وجهي جاهداً إبعاد التضارب داخلي, هناكَ حربٌ حامية ...
أفعلُ أم لا أفعل ...
لمَ أشعر بأني أود العودة لذلك المنزل سريعاً...
سحقاً لهذا التفكير الأخرق ...
كفَّ عن هذا هيكتور و اثبت على قراراتك...
لأترك هذا جانباً و لأفكِّر بما سأفعله عند عودتي لأولئك الأطفال...
أعلم أنني عمٌّ سيء, لكن .. هل هذا يحرمني منهما ...؟!
*****************
أطلَّت شمسُ الغد ...
لتبشِّرَ و تنذر , و تطمئن و تحذِّر....
استفاقت روجينا في الخامسة بمعونةِ رالف الذي أيقضها بلسانٍ جافٍ بارد , و اتجهت نحو المطبخ ....
حضَّرت بعض البيض المخفوق مع وضع الزبدة و اللبن ,العسل و المربى و شراب القهوة.....
لم يكن هذا الإفطارُ هو ما يجب عليه أن يكون, لكن لا وقتَ لديها و تنضيف المنزل كلُّه ينتظرها بحظور الظيوف ...
و جولي لم تحظر طبعاً, فتلك مساعدة ظاهرة من رالف في غياب هكتور و لو علم لأصبحت مصيبة ...
أنهت هذا الإفطارِ المختصر آملةً أن يكون حظور أبناء ماتيوس حجةً وافية لردع تعذيبه النفسي لها و إيقاف توبيخها...
إبتسمت لا إرادياًّ عند وصولها لغرفةٍ كانت الأولى في ضمها...
هذه الستائر العربية ذات النقوشات الخشبية , و هذه السجادة الفارسية المطعمة بتغاير الألوان من أحمرها حتى أسودها و أبيضها ...
و هذا السرير الرفيع ذو الأعمدة الخشبية المطلية باللون القهوائي الباهت...
إنها غرفةٌ تعيدُ الذكريات ..
بغضِّ النظر عن السيئ و الجيِّدِ منها , إلَّا أنها لحظة التعارف بينهما و لحظة اللقاء الأول الذي ختم بقدر جمعهما تحت هذا السقف ...
مرَّت مشاعرها المضطربة مع ذكرى حديثه لها ...و أوَّل إستهزاءٍ منه "مفلسه"..!
تنهدت بأسى على ما آل له الوضع, ها هيَ في فترةٍ بسيطة انقلب رأيها لتريه أنه ليس الوحيد الذي يجدُّ و يسعى و يرتقي ..
سوف تتعدى أي عقبة يضعها لتصل للقمة التي يرتادها ..
أخذها الحماس لتقبض كفها بقوةٍ تملكتها : سنرى من هو المنتصر هيكتور..انتظر فقط كيف سأكسر أنفك المغرور و أعيدك لصوابك.
لم تتوقع أن تسمع ردّاً على جملتها بهذه َالسرعة القياسية ...
" هل أنتِ واثقة أنَّكِ تستطيعين..؟!"
استدارت نحوه و التفاجؤ رافقها , تفاجؤ قد طُعِّم بما لا تألفه إلاَّ القلوب المشتاقة لغائبٍ ما..!
واقف ٌبقامته و الظاهرُ منه على البابِ مستند ..
معطفه النيلي بيده و قميصه مطعج بعد فتحه لياقته الفحمية ..
تملَّكها شعورٌ بالغيظ المعتاد , فحرَّكت سبابتها نحوه: تمام الثقة .
اقترب منها بخطواتٍ متباطئة تكفلت بالتلاعب بأعصابها خفية تحت قناع القوة و الصَّلابة ...
خضرة عدستيه لم تتحرَّكان عن وجهتها التي هيَ هيَ و بعد أن وصل لقرابة المترينِ منها قال بسلاسة : أليس عليكِ أن ترحبي بسيِّدكِ على الأقل أيَّتها الخادمة ؟
رفعت ظهرها ليستقيم و نظرة النصر لازمتها , إنَّ ما تحتاجه لكسر حواجز هيكتور ليس سوى بعض الطاعة له...
هذا ما شغَلَ بالها هي , أمَّا هو...
فقد عاوده ذلك الإضطراب الصارخ, حركاتِ خصلاتها بعفوية .. امتداد إبتسامتها.. و هذا الهدوء الذي ترسمه لتظهر حقيقة ملامحها دونَ تعبير حدّة...
كلُّها... تبلغه عن صحَّة حدسه...
أنَّهُ بات ضعيفاً أمام مشاعره للمرَّةِ الأولى....
و مخافته تكمن , أن تسمع روجينا دقَّاتَ قلبه المتسارعة دونَ انتظام..!
عندها, سيكونُ الخاسر بكلِّ ما للكلمةِ من معنى...
تجاهل ترحيبها مستديراً مطلقاً حروفه التي ترسم له خطوط الهرب: سأذهب لأستحم و آخذ بعض الراحة..عندما يصلُ الضيوف أخبريني.
تمتمت ب " أمرك " و هي تنظر لخروجه بتعجب, قال لها أن تخبره بوصول أبناءِ أخيه..؟!
لم تتوقَّع أبداً سماعَ هذا ..بكلِّ تأكيد ..!
رفعت كتفيها بلا مبالاةٍ عائدة لعملها منتظرةً ما يشغل فضولها ...فكيفَ سيتعاملُ هيكتور مع الطفلين..؟
ثلاثُ ساعاتٍ مرَّت و هي ما زالت تعمل , و أنَّى للعملِ أن ينتهي في هذا المنزل..
و العمل أغلبه بسببِ غبارٍ قد تكدَّس لعدم تواجد حركةِ بشر بأغلبِ الغرف..!
عادت للمطبخ, لم يكن هناكَ شيئُ قد لُمِس فعرفت أن هيكتور لم يعبر من طريق المطبخ بل وصلَ لتوه يريد بعض الراحةِ من عناءِ ...
أبعدت أحد الكراسي المحيطة بطاولةٍ صغيرة تبدوا مخصصة للخدم الذين لم يتواجد منهم إلاَّ القلة لتجلس هي الأخرى راميةً ما تواجد من حملٍ منهك على عاتق هذا الكرسي الخشبي...
و ما مضَت إلَّا دقائق حتى سمعت أصواتاً تقاربُ الصاعقة من صرير بابٍ و صرخةٍ عالية تنادي ب "عمي"... و خطواتٌ لا تتسم بتوازن تصاعدت أصواتها حتى اقتَربَ من المطبخ...
****************
لاحضتُ رأساً يدخل من طرفِ البابِ الناصع, رأسَ فتاةٍ قد رُفعت لها ظفيرتان مزينتان بكبلتان رماديتان, كانت تبحثُ عن هيكتور و لسانها يكرر بلطافة كلمة "عمي" التي لا تتناسب أبدا مع شخصيته...
نهضتُ متجهةً للخارج نحوها منحنيةً أرسم بذهني شبه ملامحها بعمها و والدها .. ناطقةً لها بلهجةٍ هادئة : هل تبحثينَ عن هكتور؟
أحنت رأسها للجهةِ اليمنى ناظرةً لي بحيرة: و من أنتِ؟
فتحت فمي لأجيب إلّا أنَّ صوتا خلفها أجاب قبلي بلهجةٍ متعنتة: و من قد تكون, خادمة جديدة ؟
حاجبي يختلج و أنا أحاولُ جاهدة أن لا أفقد ابتسامتي البهية , فحقاً ... لهجة هذا الفتى الذي لا يتعدى الحاديةَ عشرة تشابه بحدٍ كبير لهجة هيكتور ..
رغم أنَّنا لو نظرنا للمنظر فهو لا يشبهه حقا... أنفه المنتهي بالوضوح و البروز . شعره القهوائي المموج و عدم وجود حدة في ذقنه ...
قد يكون أخذ شكل والدته التي أشهد بجمالها إن كان يشابهها حقاً...
استقمتُ و أنا أؤيده : أجل, كما قال سيِّدي الصغير.
لحظةُ سكون ... تبعتها شدُ شعري من الخلف لأصرخ!
قلتُ من فوري لتلك الصغيرة الشقية : ماذا تفعلين؟... اتركي شعري .
لم تأبه لتشنج ملامحي بسبب الألم في كلِّ شعرةٍ سيطرت عليها قوةُ ذراعها , بل أطلقت كلماتها المهدِّدة : إن حاولتِ التقرُّبِ من عمي سأقتلك .
" هيييييييييه, أتقرَّبُ مِن مَن....؟! بربِّك من يريد هذا , بالطبع لن أحاولُ التفكير بهذا المتعجرف المغرورِ الإستغلالي حتَّى.."
هذه هيَ الكلماتِ الإنفعالية التي انطلقت مني بالضبط و أنا أبعد شعري عن كفيها الصغيرتين ...
لأسمع ما لا أتعجب منه من الآخر: جميعُ الفتيات ماعدى حمقاءٌ مثلك .
أه, سأفقد صوابي فعلاً ...
ما خطب هذان , إنهما لا يقربانِ من ماتيوس إنشاً واحداً...
كنتُ لا أزالُ أشد ُّ على ما بين حاجبي أهدئُ نفسي لأباغت بألمٍ على قدمي إثرَ قدمٍ مرتدية الحذاء ذو الكعبِ الحاد...!
أطلقتُ تأوهاً عالياً كفيلٌ على إيقاظِ هيكتور ...
لا يطاقان..!
قلتُ بغضبٍ واضح للفتى ذو الشعرِ المموج و أنا أشدُّ أذنه: من يسمح لكما بهذا التصرف الوقح مع من هوَ أكبرُ منكما...؟
صدقت أنا عندما قلتُ أن هيكتور قد استيقظ, ها هوَ يظهر من خلف السور العلوي للدرج منادياً: ما الذي يجري هنا ؟... فوضى في منزلي بسببٍ سخيف من طفلين , ألا تستطيعين تهدئةَ الوضع روجينا؟
نطق المتكتف قائلاً بهدوءٍ كأنهُ لم يقترف أيَّ ذنبٍ تواً: لقد لقنتها درساً لأنَّها أهانتك عمي.
نظر لي بعينيه لبرهة ثم عاود النظر للمتحدِّث: حسناً , هذا لا يسوِّغ لكما إيذاءَ ممتلكاتي, ألم أقل لكم ذلك مسبقاً... ؟
ممتلكات...!!!!
وددتُ الصراخ بوجهه و إستنكار ما قاله عن أني كإحدى سلع منزله الباهضِ الثمن هذا...من يظنُّ نفسه...
إلاَّ أني توقفت , فأنا لا أودُّ أن أستصغر هيكتور أمام هذان الطفلان البريئان ..أقصد , الشقيان ...أقصد, الفضيعان....
لا أعرف, إلا أنَّهما ليسا كما رسمتهما بذهني, أبناءُ ماتيوس..لم يرثا منه شيئاً أبداً أبداً...
امتثلتُ لأمره الذي أصدره بعد دقائق من تبادل النظراتِ الحاقدة : خذيهما للغرفةِ التي تحوي الحاسوب و دعيهما يلتهيان باللعب و ثم تعالي لغرفتي.
بعد إنحناءةٍ مؤدبةٍبالطبع!
أوصلتُ الطفلين للغرفةِ المقصودة , فتحتُ البابَ لهما و تحركت نحو الجهاز الموضوع بالزاوية اليسرى إلّأ أن ركض الفتاة الشقية قد داهمني فبقيتُ أنظر لها بصمت مخافة أن تدخل التطبيقات أو ماشابه فأهلك بعد هلاكه..!
نظرتُ للواقفِ خلفي بعد الإطمئنان أن هذه الفتاة تعرفُ التعامل مع الحاسوب بشكلٍ جيد و قلت له : ألن تلعب؟
اقترب من أخته و هو يرمقني بطرف عينه: هذه الألعاب المجازية لا تتناسب مع ميولي, سأذهب للمكتبة لأقرأ لي شيئاً يبعد الملل.
عاد من حيث دخل و أنا أقارن صورة الطفل به..!
هل هو كذلك؟!
خرجتُ متجهةً لحيث غرفةِ هيكتور, التي لم يسبق لي رؤيتها ..فأنا لم أرى غير مكتبه بصراحة...
طرقتُ الباب ليفتح رالف, دخلتُ و هو خرج...
وقفتُ قبالة الجالس يحرك أصابعه على لوحة مفاتيح حاسوبه المحمول , لأقول: ما هي الأوامر سيدي؟
ظهرت إبتسامة جانبية على شفتيه: حسنا خادمتي المهذبة, لديَّ عرضٌ مغرٍ لك.
كنتُ سأنفجر لكن كلمة عرض هدأتني لأبدي تساؤلي: عرض..؟!
رفع رأسه ليظهر جلياً أنَّه جدي في قراره: تحملي جون و سوزي و ضعي وقتكِ لهما كاملاً طيلة اليوم , و أنا سوف أتنازل عن نصف دينك.
لم أتمالك فرحتي... قفزت قفزةً جعلتني أبدوا كطفلة : رائع.
أطلق هيكتور قهقهة عفوية على تصرفي لأقطب حاجبي أنا: ماذا..؟
صمتَ لحظة ثم عاد لنوبة ضحك لم أر منها شيئاً منذ مواجهتي له , ثم تصلَّب قائلاً بجدية: إن سمعتُ أي شكوى منهما ولو لشيءٍ تافه , سوف أزيد من أعمالك ما لا تتخيلين.
ازدرأت ريقي من تهديده , ثم قلت: و ماذا لو لم أقبل العرض؟
قال ببرود غلف تهديده ذاته: عقاب لعدم طاعة أوامري شهر آخر من العمل.
بدوت تائهة..مجبرة على قبولِ عرض سأبدوا خاسرةً فيه...إنَّهُ يستغل حظورهما لتعذيبي أم ماذا...؟!
أجفلت لحظة ثمَّ قلت: و أي شيءٍ آخر.
ترك حاسوبة على طرف سريره الممزوج بالسواد و البياض: إن دخلا نطاقي الشخصي ستكون نهايتك.
نطاق شخصي...أظنه يرمي لمكتبه الذي يراقب منه كلَّ شيئ يحصل...
بالتفكير بالأمر, لم هو لم يعد لمكتبه الذي يضمه لأربع و عشرين ساعة غالباً..؟
هناكَ خطبٌ بهيكتور ..
مجيئ هاذان الطفلان كان أمراً مفاجئاً لرالف و الآن هذا الطلب الغريب لأجلهما و أيضا غرابة طبعه و ظهور ضحكه أمامي للمرة الأولى...
لم أكبت فكرتي تماماً بل نطقتُ أنا بجديةٍ من طرفي و أنا أتقدَّم نحوه حتى جلستُ على الأرض قبالته: هيكتور ... هل من خطب ؟
كنتُ أبحث في بؤبؤيه عن الإجابةِ قبل لسانه الكاذب فلم أجد إلاَّ الضياع الئي يتجسد في صمته و هربه بجملةٍ حازمة: لا تتدخلي, هذا ليس من شأنِ الخدم .
لكني حاولت الوصول للوتر الحساس علَّه يتكلم عن ما يحاول التأقلم معه: ماتيوس..ما الذي يخطط له , إحظار طفليه فجأة و تغير مزاجك هكذا لا ينذر إلَّا بخطبٍ سيئ هيكتور.
انفعاله جرَّه للنهوض بعينين كالجمر من الغضب الظاهر و لسانه يكرر كلماته ذاتها: قلت لا تتدخلي روجينا, كفاكي أنك تمكثين في منزلي و أنتِ لستِ إلاَ من الطبقة المنحطة..الزمي حدودك.
رفعني من ياقة قميصي قائلاً آخر ما لديه: فهمتي..؟
يا إلهي, من هذا الوحش البشري .. كأسدٍ يود الإنقضاض على فريسته ...
بالكاد ظهر صوتي لأجيب: فهمت.
تركني مرتميةً على الأرض ليخرج ناطقاً: لا تنسي أنِّي أراقبك.
**************
تلك الفتاة تجرني للجنون, للحظة كدتُ أخبرها بكلِّ ما يجول بخاطري .. سحقاً لها...
أخرجتُ تنهيدة إنزعاج و خطواتي تلتف للدرج لأنزل لمكتبي , لكن قاطع مسيري جون ..
بيده إحدى كتب مكتبتي ..تباً لروجينا , ألا تعرف كيف تبعدهم عن وسائلي ..؟
رفعتُ يدي لأسلب ما لديه إلاَّ أن فكرة أنَّ هذا آخر اللقاء جعلني أتوقف ...
أغلق الكتاب موجهاً جملته الصاعقة لي: عمي, من هذه الفتاة..؟
أجبت: خادمتي..هل من ضير؟
تلمستُ خبثا في لحن حديثه: الضير في نطقك لإسمها كما لم تفعل مع خادمةٍ مسبقاً و بإضافة ياء الملكية لخادمة ... لم يسبق لك أن قلت خادمتي أو ممتلكاتي لشخص تراهُ منحطّاً ...
شعرتُ برعشةٍ تسري في عروقي للحظة , و لا أعلم هل نجحتُ في إخفاء تغيرِ حالي أم لا : ماذا تريدُ أن تقول..؟
أشاح بوجهه منهياً هذا الموضوع لآخر: لا شيء... حاول فقط أن تجلس معنا اليوم, تعرف أنَّ هذه فرصتنا الأخيرة.
لم أجب بشيئ , بل أكملت طريقي و أنا أفكر ..بأنَّ هذه هي الفرصةُ الأخيرة....
**************
التعديل الأخير تم بواسطة شَمس. ; 04-21-2022 الساعة 12:18 PM
تركني وحدي مُرتمية الأرضِ غير مستوعبة سرَّ غضبه فجأة ؟
أكُلِ ذلك لأنّي سألتهُ عنه ؟؟ هيكتور ليس بطبيعتهُ أبدًا !
نهضتُ لأخرُج من غرفة هيكتور بعد تركي فيها لوحدي ،
حينها سمعتُ آخر ماقالهُ جون له قبل أن يهُم ذاهبًا !!
بالكاد فهمتُ شيءٍ !!
مالذي قصدهُ بقوله ؛ " آخر فرصة ! " ؟؟
ولمَ بدى لي هيكتور بذلك التَّيهان ..؟!
رفع خصلات شعره الأمامية و من ثمَّ استادر نحوي لتصتدم نظراتُنا... ذُهِل و توسعت بؤبؤيه على أوجها !!
كما لو كُنتُ آخر من توقع ظهورهُ خلفه !! تجاوزني داخلاً لغرفتهُ و رَدَمَ الباب بقوه !
عدتُ لعملي و أنا لم أفهم شيءٍ من تصرفه ، وبقيتُ أفكر عن سبب تلك النظرة في عينيه ...
كُنتُ أراقب الولدين من بعيد ، حيث أنا أختبئ في الزوايا المختلفه بين حينٍ وحين ...
فعلي أن أحذر من اقترابِ أي واحدٍ منهما لمنطقة هيكتور ...
لاشك أن هيكتور يُراقبهما من عنده لكنه بالتأكيد لن يُخبرني بذلك
قبل وقت الغداء جاء رالف ووقف بجانبي قائلًا :
" مالذي تفعلينهُ هُنا، ألا يجب أن تكوني في المطبخ تُعدين الغداء ؟ "
كُنتُ جالسه أنا أنظرُ له بفزع ، لقد كشف مكاني للولدين !!
" أشششش، أبتعد يارالف ألا ترى ما أفعلهُ هُنا اذهب ! "
إن كان هُنالك جائزة لأسوء مُراقبة سرية فقد حصلتُ عليه الآن !
من المفترض أن أراقبهما و إذا اقتربا من الدرج أعترض طريقهما ! تلك كانت الخطة !
" إذا تأخرتي بتقديم الغداء سيغضب هيكتور ! اذهبي و ابدئي الطبخ، لا تقلقي لن يقترب الولدان من الدرج ! "
نهضتُ بسرعة أنا أمسكُ يديه بأمتنان " حقًا يارالف ؟ "
انتشل يداه مني و هو يعقدُ حاجبيه مُشيرًا للمطبخ " هناك ! "
ذهبتُ وأنا ممتنة لرالف ، بدأت الطبخ بمزاجٍ ممتاز
وخلال ساعتين انتهيتُ من الطبخ و بدأت بتزين الطبق الرئيسي
- شرائح السمك المدخنة بالخُضار ، كزبرة، نعناع مع الليمون و انتهيت ... -
كالعادة لا أشعرُ بنفسي و أنا أطبخ ، يمر الوقتُ بسرعة حقًا !
رفعتُ نظري لتلك اليد الصغيرة التي تُحاول الوصول لقطعة الليمون الزائده بمنتهى السرية !
-هيكتور-
أعمالي باتت تُشكِّلُ ضغطًا كبيراً يومًا بعدَ الآخر ، بالكاد أذكرُ نفسي !
من جهة آخرى أنا عاجز عن تخطي مسألة " فرصتي الأخيره ! "
خلال الأيام الثلاث المُقبلة حيثُ سينتقلُ أخي مع عائلته ، ليس كأنني متعلقٌ بأخي و أعجز عن فراقه لكنني قلقٌ حيال الولدين المتعلقين بي .
أنا أدركُ أني حتى لو حاولت، فلا فكرة لدي بكيف سأعوضُ لهُما المسافة التي ستحلُ بيننا !
كُلُ ذلك بسبب ساندي ! تلك المرأةُ لا تُفكرُ إلا َّ بنفسها ، وأخي المزعوم لا يرفضُ لها طلب في العادة !
وحين أنبِّههُ لا يسمع ، ماذا قال ؟ " أنا أحبها " ياللسخافة !
ماهذه الكلمة التي يستعملها الناس حين يعجزون عن الإجابة
لا يوجدُ شيء اسمهُ حب و إن وُجد فهو مجرد ضعف !
لماذا كُل ما يظهرُ ضعف أحدهم يلوم الحب ؟ على اخي أن يُدرك أن ساندي تستغلُّهُ لا أكثر !
تلك المرأة تزدادُ خطورة مع الايام ...
لفت نظري شاشة مُراقبة المطبخ ! ما الذي يحدثُ هُنالك ؟؟
كُنتُ أحاول استيعاب ما أراه ، مالذي تفعلهُ ؟!
نهضتُ من مكاني مُسرعًا ، و لم أشعر بنفسي إلا وقد بلغتُ المطبخ أنتشلهُ منها بسرعة !
*****
كان هيكتور ينظرُ لعيناها البريئتين مشتعلًا لا يرى بعينيه غير الضباب !
نطق صارخًا في وجهها :
" مالذي فعلته ؟ كيف تجرأتي على هذا التصرف الغبي ؟ "
أطرقت رأسها متأسفه وهي تُحاول أن تمتص غضبه :
" أنا آسفة ! لم أقصد ايذاءها أبدًا يا عمي !! "
نظر للأخرى المرمية على الأرض وهي تمسحُ عينها و اقترب منها قليلًا هو يقول :
" لا تمسحيهما هكذا ! اغسليهما بالماء بسرعة ! "
فتحت روجينا عيناها المحمرتان :
" أنا بخير !! أنه ليس بالكثير ! مجرد ليمون ! "
ثم أمسكت شعرها المقصوص على الأرض لتُتبع وهي تبكي :
" وهذا مجرد شعر ! أنهُ ليس نهاية العالم يا سيدي . "
قالت ذلك وغادرت المطبخ مطرقةً رأسها بألم !
ولم يكُن هوَ إلا َّ لوحة متخشبة لما سمعَهُ من روجينا !
-روجينا-
اغتسلتُ بالماء البارد لأهدء من ألم عيناي ، لم أتوقع أن تتصرف طفلةً مثل ذلك التصرف النابع من الغيرة !
هذا إذا كانت تمدها بالأطفال صلة !
عيونٌ حمراءٌ دامعة لم تزد تلك الدموع إلا حرقة عيناي ..
نظرتُ لطرف شعري الأيمن ، لقد قصت الكثير منه ! لم تعد خصلات شعري الأشقر مرتبه !
فتحتُ الخزنة خلف المرآءة ، أخذتُ مقصًا و حاولتُ مساوات شعري قدر الإمكان
عجزت !
لم أستطع أن أقصه بنفسي ،تساقطت دموعي بلا إدراك و لم يزد ذلك سوى من حرقة عيناي أكثر و أكثر...
دخل رالف عاقدًا يداهُ خلفه : " دعيني أساعدك ! "
نظرت له مطولًا لأمد المقص نحوه بأسى ثمَّ جلستُ فوضع كيس ثلجٍ طبي على عيني ، أمسكتُ به و ضغطتُ به على عيناي
قد خلج شعورًا مريحًا وباردًا ...
بدء رالف بقص أطراف شعري، أنا أسمع صوت القص كأنه يقطعُ جزءٍ من روحي !
لم أقص شعري منذ ستة او سبعة سنوات !
لأشعر بها تُنتزع مني مكرهة الآن...
وضع رالف المقص على المغسلة :
" لقد حاولتُ ترك أكثر ما يُمكنني منه ! أنا أعتذر بالنيابة عن الآنسة الصغيرة ! "
نظرتُ لنفسي، من هذه الفتاة التي في المرآة ؟! تبدو غريبة عني !
لقد أصبح شعري حتى أسفل أكتافي بقليل ! لا أعلم لما أشعرُ بالغربة عن نفسي ....
نهضتُ من مكاني و عدتُ للعمل بعينين محمرتين و شعرٌ مقصوص ...
وضعت الغداء وتركتُ المكان قبل رؤية أحد ، عند الباب اصطدمتُ بهيكتور الغاضب لما هو غاضبُ الآن ؟
أننزلتُ رأسي و تجاوزتهُ بصمت ، قال بشيء من الأسف الممزوج بالغضب :
" أعدُك أن أعوض لك عن فعلة إبنة أخي الطائشه لاحقًا ! "
نظرتُ لهُ بحقد جلي !
أول مرة أشعرُ أني أحقد عليه من أعماقي حقّاً !
لطالما كُنت أشفقُ عليه لكنني الآن أكرههُ حقًا !
أنقطعت حبال أعصابي وانفجرتُ بوجهه غير آبهة به و بنظراته المشفقة علي :
" تعوِّضُ لي ؟ ماذا ستعوضُ لي سبعة سنوات من شعري ؟ كيف ستعوضها لي ؟
أتعلم كيف يكونُ الشعور في أن تنفصل منك جزء من روحك ؟
أتظنُ أن الأمر بتلك البساطة، أتعرف بما شعرتُ حين قصصت ماتبقى من شعري مُكرهَ ؟ "
لم أستطع الإكمال بتسلسل كلماتي تباعاً أكثر بعد أن أمطرت دموعي لا طواعية مني ،
لم أشعر بها تنساب إلا حين بدأت تحرقُ ما حول عينَي . حينَ أدركتُ ذلك واليتهُ ظهري،
لا أريد لهيكتور أن يلمس ضعفي ! لا أريد لأي مخلوقٍ أن يرى ذلك و خاصةً هذا المتغطرس الذي يقف خلفي !
دخل الولدان برفقة رالف لغرفة الطعام ، حين رأيتهم زاد ألمي ، أنا لا أبالغ !
لقد كان شعري جزءٍ مني لسبع سنوات ! لم كبرُ و طال مع طولي أنا !
وسماع صوت انشطاره عني جرح روحي !
بالتزامن مع حزني على ما حدث ، بقيتُ أحاول أن أتم عرض هيكتور، لم أسمح لهما بعبور الدرج أبدًا ...
لقد امتلكتُ الحِيَل لإبعادهم و حين بسط الليلُ فراشَهُ تفاجئنا بضيفةٍ غيرُ متوقعه !
كان هيكتور جالسًا في غرفة الجلوس ، غرفةٍ تميزت بديكورها القديم ، تُشعرُك كما لو أن عصر سيندريلا لن يختفي أبدًا !
دخل رالف معلنًا وصول ضيوف حين وطئت الغرفة شعرتُ كما لو أن الجمال و الكمال فُرس في كائنٍ واحد !
لم يسبق لي أن أقررتُ بجمال أمرأة كما أفعلُ الآن ! عيونُ قهوائية كبيرة شعرُ أنعم من الحرير لامعاً بصبغة الكراميل !
شفاه ناعمه ترتسم أبتسامةً رقيقة ! وترتدي ثوبًا أبيض يصلُ لتحت الركبة مزينُ بالفرو حول العُنق ...
مهما وصفت فلن أصلَ شدة جمالها و رقتها !
قالت بصوتها الناعم :
" كيف حالك هيكتور ؟ "
نظرتُ للمخاطب فإذا به واقفٌ غير مدرك لنفسه !
كان مستغربًا لحظورها على ما أعتقد نهض الولدان مرحبين بها لينطق سيد هيكتور :
" ساندي ياللمفاجئة ، لم أتوقع دخولك لبيتي مجددًا ، ياللوقاحه !! كيف تسمحين لنفسك بإقتحام داري ؟ "
اقتربت و هي ترسم ذات البسمة الزاهية ، طلبت من الولدين الذهاب للسيارة ففعلا وهم غير راضيين تمامًا ...
اقتربت من هيكتور الذي تراجعً للخلف و أدار وجههُ عنها :
" رالف ! قُل للسيدة ساندي أن زيارتها أنتهت ! "
حين رأيتُ ملامحه لمست كمية انزعاجه من هذه الزائرة الغير المرحب بها !
السيدة ساندي زوجة ماتيوس !
إنها أجمل مما تصورت ولكن ما مشكلة هيكتور معها ،لمَ كُلُ هذا النفور منها ؟
اقترب رالف من السيدة قائلًا بأحترام :
"اسمحي لي أن أرافقكِ يا سيدتي ! "
ابتسمت بأشرقةٍ أكثر !
ما هذه المرأة ؟ كيف لها أن تبلع الأهانة و تبتسم بهذه الأشراقة ؟!!
لو كُنتُ مكانها كُنتُ سأغضب وقد أشتمهُ حتى ! السيد هيكتور يتصرف معها بطريقةٍ أسوء مني !
وأنا التي كُنتُ أظنُ طوال الوقت بأنهُ غير قتدر على معاملتي أسوء من هذا !
وهل هُنالك أسوء من أن يحتقر زوجة أخيه لدرجة أن يطردها من بيته !!!
قالت بصوتٍ قرينٍ لنبرتها السابقه ، بنبرةٍ يسودها الخبثُ والدهاء :
" هل تظنُ أنك أسد مغوار فقط لأنك تتنمر على بضعةٍ من حثالة المجتمع ،
تأكد بأنك لن ترى أحد إبنَي أو ماتيوس في حياتك مجددًا !
ستدفع ثمن أهانتك لي و أنا في ضيافتك !! "
غيَّرت نبرة صوتها لتقول بوداعه
" وداعًا عزيزي ! "
لم أستغرب من كلامها بقدر ما استغربتُ صمت هيكتور ! لمَ لم يعطيها ردً حادًا لكلامها ؟
لقد توجهت نحو الباب و هيكتور صامتٌ غير مهتم بما قالته !
" في المرة القادمة ،ضعي نفسك في محل من تُهنيهم قبل أن تفعلي ، أيتها الحثالة العفنة !
كوننا فقراء لايعني أننا لا نملك مشاعر ... "
لم أكد أصدق ماقلته ، لكنني لم أندم ! من تضنُ نفسها لتتهكن تُهينُنا كما يحلو لها ؟
نظرت في عيني نظرة مستفزه و ابتسامة واسعه ، نظرت لهيكتور :
" يبدو أنك أحضرت قطةً جديده تلعب في دارك !
حتى لو أصبح الحُثالة أغنياء فسيبقون حثالةٍ ! وذوقك يُشبهُك ... "
نظر هيكتور نحوي مطولًا ، شعرتُ أنه يُريدُ مني أن أرد عليها مجددًا !
نظرتُ لها لمنظرُها بتمعُن وجهتُ لها كلامًا أعتقدتُ أنهُ كافٍ :
" أحيانًا يكون الفقرُ نعمة ! مادام يُحافظ على شفافية أخلاقك ! لو تجربي ذلك سيكون افضل لمستقبل أولادك !
يؤسفُني أن تكون زوجة ماتيوس اللطيف بقباحة كيانك ! "
لم تقل شيءٍ بل ظهرت تلك الخطوط التي تَدلُ على شدة انزعاجها من كلامي !
نظرت لهيكتور ...لم أصدق ما اراه ، هيكتور يبتسم حقًا !
" روجينا ! "
" سيدي ؟ "
" سأذهب لغرفتي ، أحضري لي شيء على ذوقك لأشربهُ ! "
قال ذلك و من ثمَّ خرج من غرفة الجلوس بهدوء !
و قد خرجت الأخرى وهي تُرسلُ لي نظرات تهديد ...
بقيتُ تائهة في المنتصف أفكر بما قُلت حين أدركت ذلك شعرتُ بالسوء، ماذا لو كان هيكتور غاضبًا من ماقُلت ؟
ماكان يجبُ أن أتفلسف في حظوره ! لا شك بأنه سيزيدُ من ديني ! لن أخرج من هذا البيت أبدًا !
أخرُج...؟!
كيف نسيت ، سبق و قررتُ البقاء في هذا البيت لفترة أطول !! لأنني قد لا أجد مكانًا مُحترم كهذا !
صحيحٌ أن هيكتور لم يتوقف عن اذلالي ولكن الحق كان معه بعض الشيء !
فلساني كان سليط وكلماتي جانحه ، لم أكن أفكرُ بما أقول أو أفعل ،
لم أهتم بتهدئت أعصابه بل وقد كُنت أتعمد أزعاجه طوال الوقت ...
ومن جهة أخرى و بطريقةٍ غريبه أشعرُ بالأمان في محيطه !
كما ولو أن لا أحد في العالم قادرعلى ايذائي ...
من الآن فصاعدًا يجبُ أن أخفف من أعصابي وأكبت غضبي و أن أتصرف برقة و طاعةٍ أكثر ...
انتهيتُ من تجهيز و تزين كوب العصير لهيكتور !
جهزتُ عصيرُ نعناعٍ منعش مع شرائح الليمون و العسل، و أنتهيتُ بتزئين الكوب بشريطة لطيفه !
لم أتوقع أن أستعمل خبراتي في أعمالي السابقة في قصرِ هيكتور !
ضننتُ أني لن أفعل شيء عدى شحذ السيوف لكن هيكتور وسع نطاق عملي أكثر الآن ...
كان الجو في الخارج جوًا خريفيا ينذرُ بإقبال الشتاء ...الرياحُ جامحة والنوافذُ تهتزُ قليلًا والسماء تبرق ...
أظنُ أننا مُقبلون على اول مطرٍ هذه السنة ...
استقمت أمام باب المكتب فطرقتهُ و أنا أمسكُ بالعصير بيدٍ واحده ...
لم تأتني إجابة فطرقتهُ مجددًا لكن بقيتُ أطرقُ الباب عدة مرات قبل أن يفتحَ لي هيكتور ،
كان يبدوا مرعبًا لظهوره فاتحًا الباب بنفسه !
" لما لم تدخلي حتى الآن "
ابتلعتُ ريقي بأزدراء :
" لأنك لم تسمح لي بالدخولِ بعد ياسيدي ! "
الطاعة كامله ! أجل هذا ما يجب أن أتسلحَ به !
لكنهُ تجاهلني عاد أدراجه ، كدتُ أدخل الغرفة قبل أن أنتبه ، يالك من ماكر !
" هل تسمحُ لي بالدخولِ سيدي "
توسعت بؤبؤيه لينتقل بها لضحكةٍ مكتومه :
" أدخلي روجينا ... ماذا أحظرتِ لي "
أيمازحُني أم يختبر صبري لقد تعمد ذلك ! اليس كذلك ؟!
هذا غير مُمكن .. !!!!
" هذا العصيرُ من عرق النعناع مع الليمون والعسل أنه مفيدٌ للظغط ! جربه اذا أحببت سيدي .. "
أشار لي بيديه لأتقدم ، اقتربتُ و أنا أقدم الكأس، بقيتُ منحنيةً نحوه لفتره قبل أن يتناول الكأس من الصينية
بقي ينظرُ نحو الكأس يُحركها كمن يتفحص شيءٍ ، حسنًا أنا لستُ مستغربه !
ارتشف منها القليل لينظر نحوي بنظراتٍ حاده !
" أهنالك مشكلة ؟ سيدي ..... "
" انصرفي حالًا ! "
نظرتُ لهُ بتوترٍ ليقول مجددًا :
" ألن تغادري ؟ "
رفعتُ رأسي لأحدق بعينيه الحادتان :
" سيدي ... لقد أتممتُ الصفقة معك ! فأنا لم أسمح للولدان أن يقتحما مساحتك الشخصية !
لا تقُل لي أنني ارتكبتُ خطاءٍ و لم يعد للصفقة وجود "
" روجينا !! "
قال ذلك ببطء ، مستغربًا بعض الشيء لكنهُ لم يبقى كذلك ! فقد احتدت ملامحهُ مجددًا !
كُنتُ أعرف هذا المتبجح المغرور لن يدعني شأني !!
" حسنًا فعلتي ! لكنكِ لم تقومي بذلك لفتره طويلة فقد غادرَ الولدان باكرًا كما رأيتي ،
تصبحين على خير ! هيا اذهبي للنوم !!!! . "
ماذا !!!
لمَ يطردُني قبل أن يُخبرني بما سددتهُ من ديوني أيضًا ماذا مع هذه " الأذهبي للنوم " ؟؟؟
هل هيكتور محموم ؟؟؟!!!
اقتربتُ منه ووضعتُ يدي على جبينه ،
" لا تبدو بخير سيد هيكتور ! وحرارتُك ليست طبيعية ! "
لقد سمعتها !! سمعتها بوضوح !! دقات قلبه المظطربة !! أم هي دقات قلبي ؟؟
أمسك بيدي و جذبني نحوه ممسكًا بعنُقي بكلتا يديه و.....
التعديل الأخير تم بواسطة شَمس. ; 04-21-2022 الساعة 12:20 PM
جلست على سريري في القبو أتحسس عنقي أسترجع
ما حدث قبل أن أطير إلى هنا ركضاً ..لم أستوعب كيف تغير الحال،، من دقات قلبي المتسارعة لأجل أمر بادر أفهمه إلى خوفٍ يقهرني بسببه!!
حينما شدَّ على عنقي بيديه جعلني أشعر وكأن أنفاسي رهنٌ لديه، رفعت يدي أتمسك بيديه المغلقتان علي أبواب التنفس وكأني أحاول إزاحتها ومنعه من إزهاق روحي مع أنه لم يكن بذلك الضغط الشديد الذي يمنع مرور الدماء عبر الوريد!
نظر بعينيه الخضراء إليَّ مباشرةً بغموض ، في تلك اللحظة لم أرى العجرفة ولا الغرور..
ولا تكبره، بل شيء غريب عن هيكتور تماماً كأنه يقرأ ما بين سطور الأعين
تركت إحدى يديه عنقي مبعداً بها خصلة قصيرة من شعري ليزيحها من أمام عيني، رأيتُ عينيه و قد توترت للحظة وهو ينظر لأطراف شعري على كتفي ثم ترك عنقي كليا،لا أعلم ما يجري له لكنه حقا ليس الأسد المفترس الذي اعتدته ...
أمسك بقليل من خصلاتي ومشى بإصبعيه حتى طرفه فانسلت من بين أصابعه وسقطت وراء كتفي ثم اعاد حدقتيه الخضراوين لمواجة مقلتي المنتظرتان أسوء الاحتمالات..
كلمني بصوت خافت حاد جعلني أتوتر أكثر من مخافتي...
" ألم أقل لكِ اذهبي للنوم، لمَ مازلتُ أرى هراءك القلق هنا"
اه، هذا هو المتصور من هيكتور عديم الضمير،، بقيت صامته لعدم رغبتي سوى بالخلاص من قبضتيه حالياً منتظؤة القادم منه ..
فترك عنقي بسرعة مستديرا ليعطيني ظهره ، بصراحة ظننته سيدفعني لأقع على الأقل كعادته الممقوتة التابعة لقسوته
لكنه لم يفعل !!
مما جعلني أستغل الفرصة لأخرج بسرعة هاربة للقبو المخصص لي وأنا أتحسس عنقي ودقات قلبي تقفز في صدري.
جعلني أتذكر أول مرة تجرأ بخنقي قابضاً على عنقي النحيل، كان غاضباً و مشتعلاً كنار لا تنطفئ وكاد يقتلني أما الآن..كان نوعا ما لطيف..!!
أعلم أنني جننت..لكن هذا هو الواقع..
أشعر بالحرج الشديد رغم أنه هو السبب ..
" ياالهي ،كيف سأقابله غدا؟ "
استسلمت للنوم بعد تفكير قد طال و أجزم أن على وجهي ابتسامة حمقاء ، فكفي لازالت تتحسس عنقي ..حيث مازال دفء يد هيكتور ..و كأني أتحرى سر اختلاف قبضته عن المرة الاولى
هيكتور
حين جلست أمامي.. والأكثر لمست جبيني تتفقد حرارتي بقلق...شعرت بحرارة أكبر اضعافا من الجمى التي أبدت ملامحها للظهور علي ..
لم أتمالك دقات قلبي الصارخة حتى ظننت أنها ستسمعها بكل وضوح، لم يُمس جبيني من قِبلْ فتاة أبدا..
لم ألاحظ جمال شعرها الأشقر من قبل، رغم أنه كان طويلاً لكن الآن أراه فتّان
" فتانّّّ؟؟ "
لقد فقدت عقلي بسببها حقا..
في ذاك الصباح رأيتها جميلة، وقبل قليل أمسكت خصلاتها الشقراء.. لو لم أتمالك نفسي كنت سأقبل خصلاتها أيضا!!..و أقدم اعتذاراً خالصا على ما فعلته إبنة شقيقي ..
" أعتذر ..أنا أعتذر ؟؟ "
ماهذه المزحة السخيفة هيكتور،ما تظن نفسك فاعلاً ..
لن يحدث هذا و لو على جثتي، لن أعتذر لحشرة ..يكفيها أني وعدتها بتعويض!!
" أجل هكذا أفضل"
لكن ما هو التعويض المناسب؟!
أطفات الضوء وتركت العصير الذي أحضرته،حاولت اغماض عيني ليعم الظلام الحالك لأني لا أريد رؤية ما يذكرني بتلك الفت...الحشرة
..............................
في اليوم التالي
فتحت عينيّ على طرق الباب ، فنهضت لفتحه بملامحي الناعسة لأرى رالف واقف ويديه خلف ظهره يناظرني بملل فسألته بغباء ولي رغبة كبيرة في العودة للنوم ..
" ماذا هناك رالف؟ كم الساعة الآن؟"
" هيا بسرعة، السيد ينتظر فطوره انها السابعة وأنتِ..."
ولم يكمل لأني قاطعته بصفع الباب في وجهه متجهةً للحمام مهرولة..
" يا الهي ماذا أنا فاعلة بنفسي؟.. للتو نجوت من بين يديه و الن أتأخر، عملية انتحارية مناسبة روجينا.."
وبعد أن رشقت وجهي بالماء البارد ارتديت ملابس الخدم التي أعجبتني سابقا من تلك الغرفة، وذهبت راكضة ولكن بهدوء للمطبخ، ولصدمتي وجدت هيكتور يتناول إفطاره فأكملت طريقي أحاول ألا ألفت انتباهه..
دخلت المطبخ لأجد رالف يطلُّ على الثلاجة كنت سأسأله ولأنه حتما شعر بدخولي باشرني قائلا بهدوء وهو يحمل دفتراً ما كان على الطاولة مسبقاً وبدأ يدون عليه مجيبا ًً تساؤلي الصامت..
" لقد أعددتُ الفطور للسيد."
أردت سؤاله إن كان هيكتور غاضب لكنه أكمل و هو متجه لفتح الأدراج والأبواب ويقلب داخلها ..
" اليوم يوم عطلة السيد هيكتور وهذا من حسن حظك لأنه يتناول فطوره متأخر."
أطلقت تنهيدة ارتياح وجلست على الكرسي ثم سارعت في سؤاله بفضول
" ماذا تفعل؟ انك تعبث هنا وهناك وأيضا ماذا تكتب في الدفتر؟."
أمسكت الدفتر حيث رماه لي مع القلم قائلا
" كما ترين أدون فيه ما يلزم للمطبخ ... هيا أكتبي....."
ثم شرع يملي علي الكثير من المكونات والأشياء التي تكفي لأسبوع ،وهذا ذكرني بما قالته جولي الخادمة السابقة أنهم يتسوقون أسبوعيا...
أظن،مازلت أجهل الكثير عن أسلوب العمل و هذا سيئ و قد يوقعني بمشكلة مع نظام هيكتور ..
فقط تذكر اسمه يجعل شعر جشمي يقشعر.. ذلك المريض النفسي المتناقض..
هيكتور
استيقظت فجرا وذهبت للركض لمدة عشرين دقيقة ، وهذه عادة أفعلها مرتين في الأسبوع
وأنا أفكر في روجينا،قد غزت تفكيري كثيراً و هذا يزعجني ..
أخبرتها أني سأعوضها لما حلَّ بشعرها و كلمة الرجل من كرامته ، و ما زلت أفكر ماذا سافعل؟؟!!
أظن أننَّي سأسمح لها اليوم بالخروج كتعويض لما فعلته البارحة ، والآخر سوف أفكر به لاحقا..
عندما قام رالف بتحضير الفطور سألته عنها فقال
"الآنسة يبدو أنها مرهقة من الاعتناء بالطفلين بالأمس"
بدا كانه يدافع عنها!! ..
بدأت تأخذ حماية رالف و أخي في وقت قياسي.. يجب أن أتصرف و أوقف تأثيرها الذي يسري للجميع و أولهم أنا.. كأنها ساحرةً ما...
أنهيت فطوري ولم ألحظها، يبدو أنها لم تستيقظ بعد،، أيجب عليّ تأديبها أيضا..؟!
لكم أرغب برؤية عذابها فجأة..
التفكير في هذا جلب ابتسامة شر لطيفة إلى شفتيَ وأنا متجه إليها، حيث تتكاسل نائمة حتى هذه الساعة !!
ولكن عندما دخلت إلى القبو لم أجدها!!؟؟
أين يجب أن تكون إذا.. ؟؟
لا تقل أنها تجرأت و تهربت من العمل لتعارضني كعادتها المتهورة..تظن أنها ستتغلب علي تلك الحثالة !!
وجدت سريرها في حالة يرثى لها مما جلب السخرية إلي..
" تبدو وكأنها تنام مع الثيران"
لأقصد المطبخ بخطوات هادئة فشقراء الشعر تلك بلهاء و لاذعة اللسان، لديها دين عندي وعندما أقضيه ستُفتح لها أبواب الجحيم مجددا..
................................
شعرت روجينا بالقشعريرة لسبب ما ، فنظرت حولها ورجحت ذلك للجو الخريفي....
فتح هيكتور باب المطبخ متزامناً مع إغلاق رالف للباب الخلفي الآخر للمطبخ وهو خارج فلم تلحظ روجينا هيكتور، وكونها جالسة تعطيه ظهرها....
كان شعرها منسدل على ظهرها لأنها طارت إلى المطبخ لخوفها من غضب غروره...
مررت القلم بين أصابعها حتى أحست بشيء عبث بأطراف شعرها حركة خفيفة بالكاد...
أدارت رأسها بتوجس لتطلق صرخة مرعوبة مصحوبة بسقوطها للخلف بالكرسي، فتنحى هيكتور جانباً لتسقط المسكينة وتشعر بألم فضيع من صلابة الخشب تحتها، لتأن وتتدحرج جالسة تدلك ما ا ستطاعت لمسه من ظهرها بالكامل وهي تشتم هيكتور بسرية على عدم وجود الإنسانية بداخله، لتحذف كلمة
"لطيف"
التي دخلت افكارها مؤقتاً نهائيا
وتضع عوضاً عنها
"لئيم"
أما هيكتور مشى قاطعا الخطوات القليلة ليفتح الباب منادياً على رالف
" انتظر رالف اصطحب معك روجينا اليوم "
روجينا
هذا ما تفوه به وعاد و من ثم توقف بمحاذاتي!
ماذا بعد،،،؟؟!!!
هو لن ينوي خيراً بالطبع، هذا ما طرأ ببالي..
فرفعت نظري إليه وجدته يحدق بشعري...!
ثم نظر لعيني مباشرة بهدوء غامض!
انعكس بعينيه لمعة ببريق زاد خضرتيه جاذبية لم أرها من قبل...
" اذهبي مع رالف للسوق، بما أنني لم أسمح لكِ بالخروج، هذا تعويض لما فعلته البارحة."
قالها و أكمل طريقه ...ليتركني حائرة و مبعثرة بين عينيه وما قاله!!
هل هو في وعيه..؟؟!!
أم هل هو صادق..؟؟!!
أليس فخاً؟؟!!
وقفت أجري لرالف في السيارة وقد نسيت الألم ، مهما كان مقصده...
"سأستغل هذ اليوم { يوم حريتي } "
هيكتور
عندما نظرت لشعرها لم أشعر بنفسي إلا وإصبع سبابتي لمس أطراف خصلاتها الشقراء ،ولكنها بصراخها الغبي و سقوطها أخرجتني من تلك الحالة الغريبة من السكون ، ولمعت فكرة في عقلي نبهتني على عدم إمساكها لأن ذلك سيكون خطراً علي وسيضعني في موقف محرج أكثر من البارحة، وسيكون كلانا في وضع ليس بجيد أبداً ..
عندما نظرت لعينيها الزرقاء المشرقة وملامحها التي أبدت تقطيبةً بألم جعلني أندم على إحكام عقلي في موقف كذلك وهي التي البارحة أسمعت ساندي كلمات مريحة لأعصابي بمواجهتها لأجلي ..
ولأني أعرف رالف سوف يذهب لأماكن عديدة بعد التسوق فهذا يوم عطلته أيضا، وعند عودته سيحضر الغداء من أحد المطاعم كما العادة، وبهذا ينقضي الدَّين الصغير وبعدها الدَّين الأول وبعدها ...تفتح أبواب الجحيم على خادمتي ...
ستعرف مقدارها قريباً ... فلا تظن لوهلة أني سأنسى هدفي
التعديل الأخير تم بواسطة شَمس. ; 04-21-2022 الساعة 12:22 PM
عبرنا تلك البوابة بعد ركننا للسيارة بأحد الأماكن الشاغرة لأذهل مما تراه عيناي لدرجةٍ منعت مقلتي من الرَّمشِ حتى، بحالى ومكانتى يستحيل على فتاة فقيرة ومشردة مثلى دخول مجمَّعٍ فخمٍ كهذا ... لو لم اكن بصحبة رالف بمظهره الراقى مبديا الثراء لرميت خارجا..
كنت أسير بجوار رالف وعيناى تطوفان بكل الجهات...
مرَّةً على الناس و أعدادها التى لا تُحصى ومرَّةً على المَعْروضَاتِ الفاخِرَة
ملابسَ بأشكال ٍ وألوان ٍ مختلفة ...
احذية و أثاث راقي المنظر..
توقفت لثوانٍ أمام ركن الملابس أتمعن تلك الأثواب الجذابة قبل نداء رالف علي لأتبعه بعجلة و أنا في حسرتي الصامتة لعدم اقتنائى أحد تلك الأثواب و لربما انطبع شىء بداخلى مصمما اقتناء أحدها بعد سداد دينى...
انتبهت لكلام رالف الهادئ عند وصولنا لقسم بضائع الاستهلاك وهو يحرك أحد تلك العربات الحديديه: لا تبتعدى عني، ليس لدي وقت للبحث عنك.
ضحكت بسرى لكلماته فصدقاً لو توارى عن ناظرى سأكون مثل من فقد مرشده ببلد أجنبى ، لحقته ببطىء و أنا مندهشة من تأقلمه مع المكان و تجاهله للناس و كأنه لا أحد حوله ...
يلتقط ما يريد ليضعه بهدوء بعربته ثم يكمل باحثاً عن بقية متطلباته...
ابتسمت لا شعوريا لرؤيتى طفلة أنيقة المظهر لطيفة الملامح تحمل علبة من النوتيلا وتضعها بعربة مشتريات والداتها خلسة أثناء انشغالها بجمع متطلباتهم ، دُهِشَت عندما رأت أنِّى شاهدت فعلتها فرفعت سبابتها بسرعة ووضعتها على فمها تُهَسْهِس بهمس لألَّا أفضح أمرها فأومأتُ لها برأسى و أنا أكتم قهقهةً تطالبُني بالخروج ، فانطلقت متحمسة لأحد الرفوف متظاهرةً بمساعدةِ والدتها...
ألهَمَنِي حماسها أن أساعد رالف عِوَضَ تبلُّدِي الحالي ،لاحظت أنِّي أقف على مقربةٍ من رفِّ التوابل فتقدمت له بتردد ، و بدأت أقرأ أنواعها ، رغم موقفي مع ما مررت بذلك المطعم إلا َّّ أنِّي لا أنكر فضل أيامه.
لقد تعلمت الكثير به وهذا لصالحي ، التقطت عدَّةَ زجاجاتٍ أعلم يقيناً أنَّني لن أستغني عنها بمطبخي ، ثم سرت بها للعربةِ قرب رالف، انحنيت و وضعتها ببطئ فجذب ذلك إنتباه رالف و نظراته التي لم تكن طبيعية أبدا ًً... !!
بدى الانزعاج جلياًّ عليه ، ابتسمت له بخفَّةٍ مفسِّرَة : هذه بعض اللَّمساتِ التي لن أستغني عنها أثناء طبخي..
تناول ما وضعته يستكشف ماهيته ثم وضعه عندما اطمئن لمحتواها، بل هذا ما اعتقدته ولكن كلماته وضحت موقفه من زاويةٍ لم اتصوَّرها حيث قال بنفس هدوءه : لدي قائمة بما نحتاج ، لا أريد اقتناء غرضين من نفس النوع.
ابتسمت له : لأساعدك.
نظرت للورقة التي بيده ثم قلت و أنا أشير بسبابتى لأسفلها: سوف أُحضر أنا المجمدات.. إتَّفقنا ..؟
نطق بتبلد
"حسنا"
ثم سار متابعاً ما يفعل ، إنطلقت أنا بذلك الممر الطويل أبحث عن مكان ما اخترت، متحمسة لفعل شىء لم أعتد عليه قبلاً ..
هيكتوور
واااه ...
و أخيراً ذهبا، هكذا ستُنَفِّس عن نفسها تعويضاً عن ما فعلته " ساندي" الحمقاء ، لا أعلم لم مسألة الشعر هامَّة و حساسة للفتيات ..لكن أنا واثق أن روجينا كانَ شعرها لها بمثابة قطعة من روحها و صعبٌ عليها فراقه ، ردَّة فعلها تنبئ عن هذا فعلاً !
لا بأس لدي بما حصل و لا أبالي، بل بصراحة أرى شعرها هكذا أفضل حالاً و أجمل... ولكنى لا أراها ترى هذا الرأي بتاتاً .. و ربما لو قلت هذا أمامها واجهتني بهمجيتها المعتادة ...
حقاً لا تتسم بالأنوثة بالتفكيرِ بالأمر ..
أظن أن ََّّّ هذه النزهة ستنسيها أمره قليلاً بكلِّ حال ..
لحظة ... لم أضيِّع وقتي بالتفكير بها ..؟!
أشعر أنها مشعوذة ما ألقت عليَّ تعويذة تحبس أفكاري بها..!!
عليَّ إنجاز هذه الأعمال بسرعة .. مادمت خارج تغطية أفعالها التي تسبب تشتت تركيزي ..، تبا لكِ روجينا أصبحتِ تعطلين أعمالي حتى بغيابِك ..
عدَلْتُ الورقةِ التي بين يدي أتأمل محتوياتها ، موهماً نفسي أنِّي منشغلٌ بها ولكن الحقيقة غير ذلك ، وقفت متأفِّفًا أمدِّد جسدى من خموله، ثم تحركتُ مقرِّراً الخروج لتفقد أمر ٍ ما ...
تبعتُ خطواتي التي توجَهَت مباشرة لذلك القبو ، أنرت مصباحه ثم أخذت أجول بعينى بأركانه ، إبتسمت عند رؤية سيوفي الغاليه التي أوشكت على أن تكون كلَّها لامعة و حادة بالشكل المطلوبِ منها ، تلك الفتاة تعمل بجد عليها ، سِرْتُ لحيث علَّقت ذلك السيف الذهبى تلك المرة ، و أمسكته أتأمل لمعانه المثير و أتلمس حوافَّه بحماس يتلاعب بحقائق أفكاري ..
قَبْضَتُه المزخرفة ورسوماتها الهادئه كما و حُلَّتُه البرَّاقة يريحان نفس كلَّ من ينظر له ، تأمَّلْتُ حروف إسمها المحفورةِ على نصله و تحرَّكَت أناملي بلا وعي تتلمسها بمتعة ، صدقاً لا أدري ما يحصل معي و لكن شيء بداخلي يقول أنَّ هذا السيف صُنِعَ خِصِّيصاً لها ، صنِعَ لتَحْفُر هيَ حروف إسمها المميز عليه...
تنهدت براحة ثم علقته بمكانه ، وأنا عازمٌ على ما واتتني من فكرة مجنونة لنفسي المتضاربة ، متمنياً وقوفَ الحظ معي و إيجاد لحظةٍ مناسبة لإهدائه لها دون أن اقلل من مكانتي ... و مع ذلك ، أشعر أن مكانتي تزلزلت لهذه الفكرة السخيفة ..!!
لفت انتباهي باب تلك الغرفة الصغيرة الغير موصد فتقدمت ناحيته وفتحته ببطىء وكما المرة السابقة كان سريرها غير مرتب وفوضوي ، وزجاجة الماء ملقاة أرضًا بكل إهمال ، هززت رأسي ساخرًا وهممت بالخروج ولكن شيئًا إستوقفني ، هناك شىء أسفل تلك الوساده ، إنحنيت بحذر ورفعت طرف الوسادة لأُصدم بما أرى.
إنها خصلات شعرها جمعتها معا بشريطة حمراء أنيقة مربوطة بالمنتصف على شكل وردة ، ولكن لِمَ تحتفظ بها حتى وإن كانت ثمينة ما الفائدة من إبقائها..!
مددت يدى وتناولتها برفق أتلمس نعومتها ولونها الذهبى البراق ، لا اعرف ما السر بهذه الخصلات ولكني كلما رأيتها إطربت مشاعرى وافكارى، هممت بإعادتها لمكانها ولكن فكرة خاطفة اوقفتنى فابتسمت برضا قبل تنفيذ ذلك.
روجينا
كنت اقف ورالف بذلك الصف ننتظر دورنا لحساب المشتريات وذلك الموقف بين رالف والطفلة يتردد بذهنى ، ظننت انه سيصرخ بها عندما اخذت بعض الاغراض من عربتا ولكنه ابتسم لها وانخفض لمستواها قائلاً لها انه لا يمانع ذلك ، وبالنهاية لعب بخصلات شعرها المنسابة قبل ان يبتعد ليجلب نفس الاغراض التى أُخذت.
بينما كنت اتأمل ملامحه الهادئة ، بشرته الحنطية وعيونه السوداء ، كما وانفه المعقوف بنهاية متوسطه ، لاحظ ذلك فنظر لى قائلاً : أهناك شىء ؟
كان واضح انه انزعج لنظراتي ولكنى كنت انتظر تلك الكلمات منه فقلت بحماس" أجل" لعبت باصابعي ثم تشجعت قائلة بسبب الفرصة التى واتتنى: امم ألديك عائلة ؟
سؤالى ادهشه اظنه لم يتوقعه فقد اتسعت عيونه وحدق بالفراغ بصمت ، شعرت بخطأى وبأنه ما كان على ان اسأل عندما رايت ذلك اللمعان الحزين بعينيه ، اخفضت راسى بندم قائلة: آسفه
تفهم موقفى وقال موضحا " لايهم" لبث هنية ثم اضاف: لدى والدة وشقيق بعائلة كما واخت متزوجة ببلد اخر.
رمشت غير مصدقة لما قال فلم اتصور انه يملك، كما ولم اعِ نفسى الا عندما نطقت تلقائيا: ألديك زوجة واطفال؟
تنهد بحزن ثم اجاب بهدوء" كان" شعرت حينها ان سكينا غرز بقلبي يبدو باننى تماديت وفتحت عليه صفحات حاول نسيانها.
ظللت احدق به بصدمة فأكمل وكانه يود ازاحة الاهات عن قلبه: كان لدى زوجة وابنة جميلة بثلاث اعوام ماتتا بحادث سيارة اثناء انتقالنا الى هنا.
رمشت استسيغ ما قال فرفع احد حاجبيه وهو ينظر لتبلدى ونظراتى ليعقب قائلا: انت فضوليه .. والدتى واخى بعائلته يعيشان هنا لذا اذهب لزيارتهم من وقت لاخر.
علمت انه قال ذلك محاولا جعلى لا اتأثر لاجله ، فتنهدت بحزن وافصحت له عن اعتذارى الشديد.
بقيتُ صامتة بعدها حزناً عليه و خجلاً من نفسي إلى أن أنهينا المحاسبة و عندما خرجنا من المجمَّع استوقفني بينما نسير لمكان السيارة : أنا لديَّ بعض الأمور التي عليَّ إنجازها، بإمكانك الذهاب حيثما تريدين لحين ذلك...
شهقت بصدمة معربة عمَّا خالجني من فرحٍ غامر : أأنت جادٌّ بهذا ...أأ..أتعني أنَّهُ بإمكاني الذَّهاب لوحدي ؟!
توقف أمام السيارة وفتح باب صندوقها يضع ما اقتنيناه مجيباً استفساراتي : يمكنك بشرط أن تحرصي على العودة عند الثانية عشر لأنها نهاية جولتنا.
سايرته بعجلة من ثم ارتميت بداخل السيارة بحماسٍ دون أن أفكر في أيٍّ منَ الأماكن التي سوف أزورها.
بعد انطلاقنا بثوان صرح متعجبا: ها, إلى أين أوصلك؟
بقيت فترة صامتة لحيرتي ، إلى أين ساذهب، أنا انسانة بائسة بحق.. لا أصدقاء لي حتى جودي التي رافقتها فترة متأكدة أنها نسيت أمرى الآن و لربما قد انتقلت أو تزوجت ، رغم ذلك لن أفوت هذه الفرصة من بين يدي.
نبهنى بحروفه المنزعجة : قرري، ليس لديَّ الكثير من الوقت.
نطقت بقهر و أنا أتفادى النظر له : أنزلنى ببداية المجتمع السكني الذي كنت أسكنه
نطق وهو يذيد من سرعة قيادته: تلك خاصة الفقراء؟
أومات له برأسى من ثم وجهت نفسي لزجاج السيارة أزفر بضيق...حتى هنا ألتقط غرور هيكتور..
نطقت بعد دقائق ببؤسٍ و هدوء : أكانت حياتك مرفَّهة أم عادية بصِغَرِك؟
ظلَّ على صمته لثوان قبل نطقة بسخرية : لو كانت مرفهة لما كنت على ما أنا عليه الآن أيتها الصغيرة.
ضربت الزجاج برأسي بأسىً على الوضع المزري ، الجميع يعانون بهذه الحياة ، لمَ لا تكوني لطيفة معنا...
فحتى حين تلين قليلاً يظهر بها أشخاص يكدِّرون لينها
قلت بسخط: ظننت عملي سيكون سهلاً ولكن ذلك اللعين هيكتور يصر على تعذيبي ، متأكدة أنه يخطط لأمر ٍ ما بفعلته هذه.
أرعبتنى كلماته الغاضبة مدافعاً عن سيده: هاي ،التزمي حدودك و إياك وإهانته أمامي مجدداً.
وااااو .. على الأقل أحب هذا الغبي احد لدرجة الدفاع عنه، البعض لهم حظ استثنائي و لو كانوا بمستوى تفكيره الحقير ...
لا ، لحظة..ربما يخاف أن يعلم هيكتور بحديثنا عنه..
رمقت إنعكاسه بزجاج السيارة الأمامى بحنق وقلت بإنزعاج : لست مضطراً للدفاع عنه فهو ليس موجوداً هنا .
قال وعيناه لا تبشران بخير : ليس من الضروري تواجده لأدافع عنه ، إنه سيدي ويستحيل على أحد إهانته بوجودي لذا احترمي ألفاظك.
إنه غريب ، ألا يود شتمَه و لو مرة ؟!
ماذا فعل له كي يخلص له لهذه الدرجة..؟!
كنت أودُّ سؤاله بشدة و لكني فضَّلتُ الصَّمْت ، فمن سرعته الجنونية استنتجت أنِّ أزعجته بما فيه الكفاية اليوم..
فتحت عيناي لتوقف السيارة أخيرا ًً فقد زال خوفي ، فتحت الباب ونزلت بعد أن شكرته بسرعة لعجلته.....
وقفت أتمعن نافذة شقتي البائسة التي كنت أعيش بها سابقاً ، مؤكَّد أن أحد الفقراء قد استأجرها الان ، سرت متجاهلةً لها و للجميع
بالتفكير بما كنت عليه قبل فترة ،فقد كان كل وقتي بالمطعم ومن ثم أعود لشقتى و أنام لبداية الدوام الجديد ، لذا لم أستطع الإختلاط بأحد ، لقد أرغمتني الحياة على الوحدة ، الآن أسوء من السابق أيضا... يجب عليَّ ألَّا أسمح لأحد بإشغالي عن أعمالي،سأغدوا الأفضل على الإطلاق و سوف أسبق ذلك الهيكتور بشهرته... سيركع أمامي بالنهاية ..
بدأت أضحك لتخيلي الموقف فقط،فكم ستكون سعادتي كبيرة لو تحقق هذا الحلم...
لم أعِ نفسى بسيرى سوى عندما ابتعدت عن المجتمع السكني ، فقررت متابعة سيري إلى حين مجيئ رالف بعد ساعة عند ذلك المصرف الآلي الذي اتفقنا عنده ، و حقاًّ لقد كنت هناك عند الموعد المحدد... لكن ، رالف لم يصل بموعدنا..!
لقد تأخر بضع دقائق لوصوله بالثانية عشر وخمس دقائق.
توقف أمامي بالسيارة وقد بدى الإرتياح على وجهه ، يبدوا أنَّه لم يتوقع وجودي أو وصولي بالموعد ...
أقلَّنى و انطلق مبتعداً ، لم أسأله عن وجهتنا و لا موعد عودتنا ، بل بقيت صامتة أفكر في ما عاينته حياتي من تغيُّرِ الفترة الماضيه... إلى منحنىً لم أتوقعه و لو بواحدٍ بالمئة...
توقف فجأة فنظرت لمكان وصولنا بتشتت ، سحقا ماذا أرى... ألم يكن من المفترض أن نعود لمنزل هيكتور..؟!!!
"لم توقفت هنا"
قلتها له بعجلة و هو يغلق الباب بعد خروجه ، وقف بجوار نافذتي مضيِّقاً عينيه مخرجاً ما بجعبته : بإمكانك تفسيره على أنَّه عرض قدم لك على طبق من ذهب، فلولاه لما دخلتُ أبدا ً لمطعمٍ راقٍ كهذا.
أجبته بإنزعاج دون الإكتراث لكلامه المنمق
"إنه قذر"
أعرضت عنه و أنا منزعجة من موقفي لأنطق بحنق: ألم تجد مطعما أرقى من هذا..؟
رفع أحد حاجبيه يرمقني بشك فلويت فمي محاولةً إبداء عدم رضاي أكثر بينما قال بإستفزاز: تحاولين استغلال موقفك ، لكني لست ممن ينصاعون لغير سيدى.
ما بهذا التفكير الأهوج بالله..؟!
بهذا المكان قد أهِنت و لم يُسمح لي بالدفاع عن نفسي لحظة ..!
بهذا المطعم الراقي بحد زعمه سُلِب حقي ..!!
و الأسوء.. بسبب طردهم لي التقيت بهيكتور و بت عبدته..
تشبثتُ بحافةِ زجاج السيارة وأنا أنظر له من فوقه أحاول تغيير رأيه : أعرف مطعما راقياً جدا سيعجبك كثيرا.
نفض ثيابه وهو يرمقني بجانبية : ماذا معك ضد هذا المطعم ، إنَّه مميز.. لقد ارتَدْتُه أكثر من مره وهو مناسب جدا كما أنَّ وجباتُه فاخرة.
عدَلْتُ جلستي و كتَّفتُ يداي معرضةً عنه و أنا أزفر بشدة : إنَّه رخيص .. أنا أمقته ، جميعهم بائسون.
لم أرَ تعبيره تجاه ما قلت و لكنِّى لمست تعجُّبَه من صوته : ماذا جرى لك ؟! ..ضننتك ستتحمسين كثيرا.
صمتَ قليلاً ثم أضاف عندما لم يجد إجابة منِّي فقد قررت الصمت لأدفعه لتغيير اختياره ، فيستحيل أن اجعله يعلم أني طردت من هذا المكان .. لو علم هيكتور سيكون المنتصر ..!!
لا ..
محال..
" أهذا يعنى انك لن تدخليه ؟"
التزمت صمتي فاستدار هوَ قائلاً : حسناً ،سأشتري وجباتنا من طعامهم الفاخر ثم نغادر.
ماذا..؟!
بهذه السهوله يضيع حظى..؟!!
كنت سأتناول الطعام بمكان فاخر ، كلُّ هذا بسبب هذا المطعم البائس ... سحقاً له و لمالكه ..
لو لم يطردني لما حقدتُ عليه هكذا انه جشع ، لأجل بعض السنتات ضحَّى بى بكل سهولة ، لكن مهلاً لربما أستطيع استعطاف رالف ببعض الكلمات الرقيقة...
استدركته قبل ابتعاده : مهلاً ....أليس بإمكانك تغييره ساقبل بأيِّ مطعم غيره.
نظر للبؤس الذى اظهرته على وجهى ويبدوا انه تأثر فقال بتفهم: ماذا بينك وبينهم لم هذا الموقف؟
تلون وجهى فيستحيل على ان اخبره انى طردت منه قبل فترة قصير بسبب موقف منحرف من شابين فاسدين ، أعدت راسى انظر لمقود السيارة، لألا يلمح توترى بينما اجبت بتلبك: اكرهه..فحسب.
نظر لساعته التي تزيِّن معصمه ثم أجاب بإختصار : للأسف ..الوقت لا يسمح،، لربما في وقتٍ آخر.
تابع طريقة فزفرت بغضب ،،بئساً لهم لقد ضيَّعتُ فرصتى،، مهلاً مهلاً .. كان من الممكن أن أستغل الموقف و أنتقم من ذلك المتبجح ، كم أنا غبية لمَ لمْ أفكر بهذا الخيار
هيكتور
خرجتُ من غرفتي بعد أن خبأت بداخلها تلك الخصلة الشقراء التي اقتبستها مما وجدت بوَكْرِ تلك العنيدة،، توجهت للحديقة وجلست بها بعدما أنهيت أعمالي التي استغرقت بها وقتاً أكثر من المعتاد...
المكان ممل من دون رالف وتلك المزعجة ، إنهما يضفيان على وحدتى طعماً ، لا أنكر علاقاتى السيئة ولكن المكان ألِف أصواتهما.
تأملت الحديقة و كيف أنها تفتقر لبعض اللمسات الفنية مأخراً ، فمنذ ذلك الموقف و طرد كل العمال هنا لم تنل أكثر من الرى والنظرات، أظن أنَّنى سأوكل لروجينا مهمةً أخرى ، هي ستجعلها أكثر و أكثر نضارة بالتأكيد.
لفت انتباها صوت توقف تلك السيارة فعلمت بوصولهما ، دائما ما يصل رالف بالموعد المحدد إنه حارس مثالى ، منذ توظيفي له لم يقصر بأي شيء... لا بحماية ولا خدمات.
رأيتهما يجتازان تلك البوابة قدوماً ناحيتي حاملان أكياس البضاعة وقد بدا على وجه روجينا عدم الرضا،،ماذا جرى...؟ ظننت أنها ستكون في قمَّة فرحها أوَ ليس قد خرجت كما أرادت!
توقفا أمامي فانحنى رالف وهو يلقى علي التحية ففعلت هيَ مثله تماماً يبدوا أنهما انسجما معاً بتلك الجولة.
قلت ببرود: علَّ جولتكما كانت جيدة؟
أومأ رالف برأسه مؤيدا ما قلت بينما لوت روجينا فمها و أعرضت بعيداً ، حينها تأكدت أن أمرا ً ما قد حصل.
رفعت حاجبى لراف و أنا أقصدها بنظراتي ،ففهم سؤالى و أجاب باقتضاب : إنها مزاجية، يتغير مزاجها تلقائيا.
أومات برأسي و أنا أتفحصها جيدا بزيها الرث الذي ترتديه ،لا أنكر أن أغلب الفتيات يرتدين مثله ولكنى لا أراه شىء مقارنة بما أرى يوميا ،لاحظت نظراتى فأعادت اعراضها عني بسرعة ولكن ما الذى لمحته للتو..أتوردت وجنتاها؟
استأذن رالف ليدخلا ما يحملان بعد ان طلبت منهما تغيرا فى الروتين واحضار طعامى لهنا.
لم أعلم لم رقص قلبي وتسارعت نبضاته عندما لمحت تلك الحمرة تزين وجنتيها ،أمري صار غريبا هذه الفترة ،عليَّ السيطرة على مشاعري.
عاد رالف بعد دقائق حاملا طعامى ،وضعه على الطاولة الصغيرة امامى ثم قال بهدوء: كيف كان يومك سيدى؟
اجبته بانه عادى وطلبت منه تناول وجبته الصغيرة بجوارى فقد وددت الحديث معه قليلا.
عاد بعد ثوان وجلس مقابلاً لي لاحظت أنه هذه المرة اشترى لي وجبتين وذلك ليس من عادته فهو يعرف أنّي لا أكثر في الطعام ، سألته عن ذلك فأجاب بأنها كانت لروجينا و بأنها رفضتها كما و حكى لي عما حصل هناك.
أمرها محير لم رفضت دخول ذلك المطعم و طعامه ، هناك سر في الأمر و علي اكتشافه....انتظريني روجينا سأنتزع منك ما لم يستطع رالف انتزاعه ، فأنا هيكتور بلاديمون ...وعندما أصمم فعل شيء أفعله ....
ما الذي ترغب بإخفاءه عني بذلك المطعم ... و ما لديها هذه المرة ؟؟!
التعديل الأخير تم بواسطة شَمس. ; 04-21-2022 الساعة 12:24 PM