رائعة
فاتي
هِي، سِّر جميلٌ، كَّذبهُ، ثم أحَبهُ.
بالصدفةِ تعثر به، بالصدفةِ المحضة.
اسم القصه:أقرب إلى الخيال من الحقيقة.
تأليف و تصميم:ألكساندرا.
الكاتبة:آيْلِين.
الحالة:مكتملة.
طابع القصه:رومانسي،صداقة.
تصنيف الرواية:خيال.
تاريخ النشر:4\5\ 2018م
الحقوق تخص منتدى وندر لاند،ألكساندرا، ثم آيْلين.
إنحدرت الشمس إلى مغربها، و سكنت الغابة
إلا من صوت الغربان تغادر شَجرة،
و طَرقُ كارل على المسمار بمطرقته.
_إسمع، أن يأخذ منك بناء سُلم كل هذا الوقت،
ليس من طبعك! أسرع، رجاءً.
إحتج الجالس إلى جانبه
فيما يعبث بخصلات شعره الأزرق الباهت،
لم يوليه كارل إهتماما، واصل الطرق
حتى ثبت خشبة السُلم مكانها.
_هل إنتهيت؟
تنفس كارل الصعداء قبل أن يستقيم في وقفته،
يمسح على جبينه بكم قميصه،
و يَّرُد بصوت هادئ و خفيض:
_أجل ديع¤.
قام ديع¤ من مكانه في حماس سافر، مبتسمًا ملء شدقيه،
فيما ينفض عن ملابسه ما علق من الغبار.
تراجع للخلف، و تأمل واجهة المنزل الصغير المؤقت
الذي إستغرقهما بناءه، النهار بطوله.
ثم لم يلبث أن حث الخطى لأن يدور حوله، فيتفقده كاملاً.
و كانت هنيهة من الزمن، بعدها كان كارل جالسًا القرفصاء،
يتفحص معدات حقيبته بعد أن رتبها،
بعينان فضياتان لا تنم عن شيء،
حين نبر ديع¤ صوته على بعد أقدام منه، قائلا:
_سيتعين علينا طلاءه في زمن لاحق، ثم بيعه!
توجه كارل ببصره نحوه، فوجده يركض صوبه،
يلوح له بيد و يمسك حقيبة ظهره بيده الأخرى،
مسترسلا في حديثه:
_إنه جميل، يستحق! ألا توافقني؟.
و لما أدركه، توقف، و إلتقط أنفاسه،
فأشاح كارل بوجهه إلى المنزل،
ثم قال في شيء من الرفض:
_ماذا لو أن احدًا لن يهتم به بسبب موقعه.
هز ديع¤ منكبيه هازئًا، فيما يقول:
_و إن يكن، سيبقى ملكًا لنا.
تنفس كارل الصعداء، ثم تلقف حقيبته من على الأرض،
و لما إرتداها، ضربه ديع¤ على كتفه،
و هتف قبل أن يطفق بالركض ثانيةً:
_إلحقني!
دس كارل كلتا يداه في جيب بنطاله، و لزم مكانه،
هبت نسمة حركت بعض من خصلات شعره الأحمر
و هو يترقبه يغادر حتى غاب عن نطاق بصره
بين نبات السرخس.
لحظتها، فكر في أن ديع¤ لم يتغر.
طالما كان متهورًا، و لا يزال.
ثم لم يمكث إلا قليلا و مشى وراء أثره.
خال ديع¤ و هو يعدو صوب الجبل،
أنه أبصر بين صخوره، سائل له شيء من الشفافية،
يتبدى في لون أحمر عاتم و يشتعل لونًا برتقالي ساحر.
كان كارل إذاك على بعد خطوات منه،
يراه ماثلاً دون أن يحرك ساكنًا.
و على غير العادة،
ضل على حاله حتى بعد أن دنى منه، و وقف بمحاذاته،
ما جعله ينظر إلى ذروة الجبل أمامهما، و يقدره.
بدى له متوسط العلو.
لا هو يرنو عن باق الجبال، و لا هو بأخفض منها.
تنهض منه جذور، و يحسب أنها لشجرة صنوبر.
_مُنحدر للغاية، آمل ألا تفكر بتسلقه ديع¤!.
قال ذلك متهكمًا، و لما لم يلقى ردًا،
رفع حاجبيه، و أضاف ينظر إليه:
_ما خطبك؟!.
_هناك، أترى.
أشار ديع¤ بسبابته إلى المقصد،
فأشاح كارل النظر إلى حيث يشير و أمعن فيه،
و لما إنتبه له، تمتم مشدوهًا:
_ما هذا ...؟
_لست أدري.
خلع كارل نعليه، ثم تقدم و عبر إلى الجهة الأخرى من الوادي.
و هناك، تحسس المادة أسفل الجبل بأنامله فأدرك صلبها من سائلها.
_*لون عسل، بيد أن التركيب مختلف تمامًا!
أسرَّ حديثه في نفسه، ثم كاد يدير ظهره
و يمضي عائدًا، و لكنه إنتبه إلى ديع¤
الذي قد تسلق من الجبل أقَلهُ، فبهت، و إرتبك.
كان على وشك مناداته لولا أن تساقطت الأتربة عليه
فتراجع للخلف قسرًا، مسدل الجفنين، ثم صاح فيه مشدوهًا.
_أيها المتهور! فيما تفكر؟!.
لم يعبأ ديع¤ به، ثبت قدمه الحرة إلى حجر بارز
و واصل التسلق، فيما يرد بثقة، لا يعلم كارل من أين له بها:
_ربما ثمة المزيد، فوق الجبل، أو حتى بداخله!.
_داخله؟!.
كما لو إستأثرت كلمته الأخيرة بوعيه، رددها حائرًا.
ثم بغتةً، تزعزعت الأرض من تحته. فركض، إذ بدأ ينهار الجبل.
و صرخ:
_ديع¤ اقفز بسرعة!!
ترك الحجرة البارزة التي كان يتشبث بها، و انزلق إلى أسفل،
ثم وثب، فأمسك به كارل من معصمه
و طفقا يعدوان معًا، حتى إذا ما إبتعدا كفاية توقفا،
و تنفسا الصعداء.
حين أدرك ديع¤ أن أضلعه كانت لتسحق
تحت الصخور المتداعية بعضها فوق بعض،
و تخرج مقلتيه من محجريهما لو لا أن تصرفا،
إقشعر بدنه وجلاً، و لم يكن حال كارل بخلافه.
سكن لغط المكان تماما من حركة و أصوات،
و إستقر الغبار على الأرض ترابًا.
إشرأبت أعناقهما، و ثبتت عيونهما على ما ظهر -عرض الجبل-
من المادة المتقدة في لون برتقالي على امتداد باطنه،
إثر إنهيار جزء كبير منه، على أقل تقدير منهما.
_أترى، صدق ضني!
تمتم مأخوذًا بما يرى فيما يقترب معتليا كتل الصخور.
كذلك فعل كارل.
لكن، اتسعت الأعين في غير تصديق،
و تسمر كل منهما مكانه حين وقع بصرهما
على صبية بالغة الحسن، ميادة القد،
شعرها أشقر طويلٌ مرسل على كتفيها،
يشتبه بينه و بين الذهب.
لهنيهة، أنتظرا منها حركة أو تعبيرًا،
ثم بعدها حين لم تبدي شيئا،
فهما أنها مجمدة داخل المادة.
إعتقدا للحضات أخرى، أن ما يشاهدانه رؤى من الخيال،
فتبادلا النظر حينًا، و بادر ديع¤ بالسؤال:
_ترى هذا؟
حدق كارل و تحقق، غالب دهشته، ثم أومأ برأسه أن نعم.
هب إليها، و ضغط ما يفصل بينهما من المادة بيده.
ضم شفتيه، و لم يلبث أن أخرج قداحة من جيب حقيبته.
أشعلها، ثم وجهها كيفما إتفق،
و بعد ثوانٍ إنصهر ما سخُن من المادة.
اندهش فهتف:
_مذهل!
مولعٌ بالغريب من الأشياء و يرى فيها متعة له،
على غرار ديع¤ الذي قطب حاجباه في خوف
و قال في محاولة لدرأ إنبهاره و إندفاعه:
_*لا أظن أنه من الصواب إخراجها!
_لماذا؟!.
دون أن ينظر إليه، سأل.
_لعلها كائن خطر، وحش، أو جنية!!
شرع كارل في الضحك، بمجرد أن انهى ديع¤ كلامه.
ثم ربت على كتفه قائلا:
_إسترخي صديقي! إنها ملاكٌ فحسب.
كتف ديع¤ ذراعاه، و قال يكضم غيضه:
_أيًّا يكن، لابد أنها ميتة! ثم... لمَّ تحمل معك قداحة؟!.
هز كارل كتفيه، ثم رد بعد أن تلفت حوله:
_لأنها تمنحني الأمان، و خاصة في أماكن خالية كهذه.
_قداحة! تمنحك الأمان!!.
زم شفتيه في محاولة فاشلة لكتم ضحكته.
و أعقب بنبرة ساخرة:
_صدقتك للحظة.
حبس أنفاسه لوهلة،
عندما حدجه كارل بنظرة حادة تنم عن إمتعاض.
لكن سرعان ما تنفس الصعداء و استقام في وقفته،
مبررًا موقفه:
_ليس و كأنها سلاح!
تنحنح كارل، ثم أطفأ الولاعة، و قال:
_لقد كان مجرد تعبير، الأصح أنها بحوزتي للحاجة.
تبادلا نظرات عميقة، قبل أن يغادر كارل، و يتنهد ديع¤.
—
لم ينتبها إلا متأخرًا إلى أن الشمس قد غابت عنهما،
و أدركهما الليل قبل أن يدركا الوقت،
لهذا قرر كارل أنهما سينظران في أمر الأنثى يوم غد.
و في الزمن الراهن، فيما كان يفرش فراشه
فوق حصير الأرضية الخشبية، استرسل:
_*أحدهنا ينام، الآخر يحرسها لساعتين ثم يعود و هكذا دواليه.
حرك ديع¤ رأسه بأن لا و قد إستلقى، ثم ولاه دُبُره،
بأن تقلب على جانبه الآخر، و قال في ضجر:
_ليس و كأن بشرًا غيرنا موجود هنا، حتى تقلق على جثتها!.
_لا تزال تصر أنها ميتة!
_أجل.
همَّ كارل بقول شيء، لكنه أطبق فاه.
ترك ما بيده، و إتجه إلى الزاوية أين وضع حقيبته.
أخرج منها مصباحه، أشعله، ثم إرتداها.
أعقب ذلك خروجه من المنزل الخشبي،مقطب الحاجبين.
ليس يدري كيف يقنعه، أو ينهي الخلاف بينهما؟.
خارجًا، كانت السماء قد تلحفت بظلمتها.
و لم يعد ثمة ما يستبصر به غير ضوء القمر في كَبدها.
حملق كارل فيه قليلاً، قبل أن يسير الهوينا، باحثًا عن ضالته.
لم يطل بحثه، إذ وجد الحطب المطلوب.
أمسك المصباح بفمه، حتى لا يعيقه.
و راح يجمع حتى إذا ما إنتهى،
ربطه و حمله، ثم قصد المرأة.
و هناك، وضع الحطب أمام المادة.
أخذ حطبة منه؛ عرضها بحجم قبضة اليد، و طولها يتجاوزه.
مسح على طرفها بسكين حتى غدت حادة، و أشعلها بقداحته،
ثم أضرم بها باقي الحطب، فطفقت المادة تسيل عن جمودها.
ماذا لو إحترق وجهها لسخونة المادة؟!
أربكه السؤال الذي خطر له حينًا،
يتردد لحظة أن تحسس الذائب من المادة، فاندهش.
كانت دافئة، مائعة، على عكس المتوقع.
و على الرغم من ذلك، لم تكن سريعة التجمد،
بيد أنها سريعة الذوبان.
تذوقها، و لكن سرعان ما بصق،
و إحتج وجهه دون لسانه.
بعد ربع ساعة، بان من المرأة وجهها، ثم كتفيها.
و لدقائق أخرى، ظهر الباقي من جسمها،
و خمدت النار بعد ذلك.
_كارل!.
لم يستدر.
و كما لو أنه حدس بمجيئه قال، فيما ينتشلها:
_تأخرت.
هرول صوبه.
_جئت لأحرسها كما طلبت!
ضحك، ثم قال فيما يمدد جسدها على الأرض.
و قد أطفأ مصباحه ووضعه جانبًا.
_لم تمر ساعتين بعد.
أطبق الصمت، يحدد معالمها ضوء شحيح
أرسله القمر في ظلمة ليله،
أخرسهما حُسنٌ يُؤنس وحشة الروح.
حرك كارل يده بعد حين من الإندهاش.
و لمس بشرتها، فوجدها دافئة، طبيعية، و ناعمة.
ما زاده ذلك إلا أنبهارًا، لم ينفك قلبه يخفق مذ لمسها.
و لم يشح عينيه عنها حتى بعد أن اعرب ديع¤
عن مخاوفه ثانية، قال فيما يمسكه من ذراعه و يهزها:
_لنغادر. إن لم تكن ميتة!! فهي حتمًا، كائن غريب!
لا يواري لنا غير الشر.
حرك كارل رأسه رافضًا،
ثم قال بصوت خفيض لا يخلو من حماس مبين:
_اصمت، اصمت. يبدو انها تستفيق!
أحس ديع¤ بالرعب يجتاحه إزاء جملته،
فتراجع للخلف خَطوة،
في حين كارل دنى منها أكثر،
و راح يمعن الإصغاء إلى صوت أنفاسها،
و يترقب أقل حركة قد تصدر منها.
تحركت أناملها، ثم شفتيها، و حاجبيها.
تجاهد لفتح عينيها ذات الرموش الطويلة.
فجأة، شهقت، و فتحتهما بغتةً؛ عينان جميلتان،
واسعتان زادهما الحزن إتساعًا،
إتخذا من الأخضر الساحر لونًا لهما.
أخفى ديع¤ نفسه خلف كارل الذي لم يرف له جفن مذ أفاقت،
غير انها لم تكن واعية لثوانٍ قبل أن تصرخ ملء حنجرتها
بصوت مهتز فيما تحضن نفسها، و قد جلست.
_لا ! لا تقم بذلك، [ميت] !!
لحظات، ثم لاحت منها إلتفاتة إليهما، فلكز ديع¤ بيده كارل من الخلف، و همس بنبرة مهتزة:
_نغادر؟.
هز كارل رأسه بأن لا، فيما يرقبها تمشط المكان بعينيها، و لم يستطع أن يحدد إذا ما كانت خائفة أو منذهلة، لكنه يجزم أنها، في سريرة نفسها، تسأل: أين؟.
_أخرجناك! نحن من أخرجناك من تلك المادة. كنت بالداخل عالقة!.
بدى على وجهه الإهتمام الشديد و هو يهتف بذلك.
_من أنتما؟
سألت بنبرة خفيضة، و صوت أعذب من الناي.
جلس على مقربة منها، فيما آثر ديع¤ إبقاء مسافة فاصلة بينهما، و مثل بعيدًا بثلاث خَطوات.
و راح يخبرها عن قصتهما، و قد أسهب في الحديث.
_لسنا إلا مجرد متسلقي جبال.
في البدء، كان ذلك المتهور هناك، من وجدك.
أشار بإبهامه إلى ديع¤، و لما ألقت ببصرها إليه لوح لها ديع¤ باسما في تكلف، عادت ببصرها إلى كارل، فواصل حديثه، و لم يتوقف إلا حين سألت:
_*إذًا، ما الزمن الحاظر؟.
حينما أجابها، شهقت.
_ويلتاه!
لم يكد يسألها حتى قالت:
_لقد مكثت سنوات طوال! لابد أن كل من أعرفهم...
_دعينا نغادر إلى مكان مناسب.
قاطعها، و رغم أنها ساءت فعله، إلا أن ديع¤ رأى فيه دهاء.
حملها بين ذراعيه، لم تعترض، هي حتى لم تسأل إلى أين،
إذ استأنست له، و وثقت به.
فما كانت إلا دقائق، حتى كانو داخل المنزل.
و هناك، بينما كانو جلوس، جرت بينهم أحاديث كثيرة،
أغلبها أجوبة عن أسئلتها.
ما هذه؟
ما فائدتها؟
يشرح كارل بتمثيل إستعمالها، و يصحح له ديع¤، تضحك، فيجاريانها في ضحكاتها الرنانة.
جلسا حين تعِبا، ثم غلب السكون على مجلسهم.
_شكرًا لكما.
قالت بعد دقائق من الصمت، بوجه باسم، نبض له قلب كارل و تدفق الدم إلى وجهه، و بالكاد إستطاع أن يرد بشيء، أشاح بعينيه، و رد بدلا منه ديع¤:
_بل الشكر لكِ، لولاك لما كان لهذه الرحلة معنى.
تنفس كارل الصعداء حينًا، و عاد ينظر إليها، ثم سأل:
_لكن، كيف إنتهى بك الحال داخل المادة كل هذه السنين؟!
إستغرقها السكوت قبل أن تجيب، و قد شخصت بصرها في الأرض:
_أنا نفسي لا أعلم، أحسب أنها معجزة.
لكني أتذكر جيدًا، وجهه و الغضب الذي أضرمه نارًا، في صدري!
كان [ميت] شغوفًا بي، و لا أنكر له إخلاص حبه لي.
لكن، لم أكن أحفل به، ماطلته زمنًا طويلاً،
و كنت أتحاشاه بحكمة، خوفًا على نفسي منه.
و في يوم، حملني على الذهاب معه،
أخذ بيدي إلى شجرة صنوبر ضخمة،
ضربت جذورها في أرض الجبل، أعلاه.
تحدث عنها طويلا، قبل أن يطالبني بالزواج.
رفعت بصرها إليهما، و واصلت تقول في شيء من حزن مُبين.
_رفضتُ! فبدى منه الغضب و الحقد، أمسكني من ذراعاي.
راح يصرخ، يخبرني عن ألمه و مُقاساتِه في سبيل هذا الحب.
لكن حركت رأسي بالرفض فدفعني بشدة إلى الخلف،
و كنت على مقربة من الحافة.
لحظتها، كان يضحك، قال كلاما لهول الصدمة لم أسمعه،
و هويت إلى أسفل، أدعوا الرب أن يمنحني فرصة.
_ما اسمك؟
سأل كارل. مسحت الدمعة التي نزلت على خدها ساخنة، تنفست الصعداء، ثم إبتسمت، و ردت:
_أندريا.
_*دعي ذكريات الماضي مخبوءة في أعماق نفسك.
اليوم، يا أندريا، ولدت من جديد.
حين قال كارل ذلك، كان بمقدورها أن تتصور، ماذا يفعل الزمن بالذاكرة.
—
لأيام أخرى، كانت قد إعتادت على الأجواء، تقوم قبلهما، تخرج و تستنشق الهواء، ترسم، و تبقى هناك حتى يستيقظا.
لكن، حدث أن إستيقظا قبلها، لم تجدهما في مرقديهما حين أفاقت. و لما خرجت، كان هناك يجمعان أغراضهما، سألتهما عن السبب.
_*من أجل العودة إلى الديار.
ما إن أخبرها ديع¤ بذلك، حتى قصدت كارل راكضة.
كان عائدًا إلى الداخل بعد أن نقل الأغراض إلى السيارة.
تجاوزته إلى عتبة الباب، و إعترضت سبيله.
_أستتركاني هنا؟.
جاء سؤالها مباغتًا.
_ضننتُ أن المكان عزيزٌ عليك و ستأبين مغادرته لا محال.
_*كُنت من قال لي إمضي قدمًا! كارل، ليس لدي غيركما.
إبتسم، ربت على رأسها، و قال:
_إسمعي، أنت سر جميل.
مهما حدث و مهما سيحدث لا تخبري أحدًا عنك،
إلتزم الصمت، سنجيب بدلا منكِ عن أي سؤال يوجه لك، هناك.
فهمت أنه وافق، حتى دون أن تلح عليه.
إتقد الحماس بداخلها، أفسحت له، فولج و هو يدندن.
و لم يكن لها دحض إبتسامة واسعة إزاء سعادتها الغامرة.
—
مرت نسمة باردة، في صباح ربيعي للعودة، رغم أن السماء صاحية و الشمس تضفي دفئا محببًا.
كان كل من أندريا و كارل بداخل العربة حين دلفها ديع¤ من جهة السائق، و إنطلق بهم. و كانت بضع ساعات قبل أن يدخل المدينة، فتسلب أنفاس أندريا مبهورة بكل ما تراه و ما رأته من خلال نافذة، عالم مختلف للحد الذي بدى فيه جديدًا، عالم لم تعرف أنه موجود من قبل.
ركن السيارة جانبًا، أمام بيت يرنو عن ثلاث طوابق، كانت إمرأة تقف في الشرفة المطلة عليهم، و بدت لأندريا أنها تحدق بهم، و أندهشت لما لوحت، ثم لم تلبث أن دخلت.
و ما كانت إلا دقائق، لبثو أمام الباب بعد أن طرقوه حتى فتح، و أقبلت عليهم العائلتين بالأحضان، ثم دخلوا البيت.
لم يسلم ديع¤ و كارل من أسئلتهم عن كينونة أندريا، و كما طلب منها إلتزمت الصمت، و أخبرهما كارل أنها ليست إلا فتاة من تلك المنطقة، وَّدت الحظور معهما، و ملابسها تقليد لديهم.
لكن، أمه لم يكفها جوابه، و رأت أن في الأمر شبهة، غير أنها لم تلح عليه.
إحتفلت العائلتين، ذلك اليوم، و غادرت عائلة ديع¤ برفقته، تاركتا أندريا برفقة عائلة كارل بحكم طلب من كارل نفسه.
بعد أن كان منه إقناع والدته بمكوثها، و حين سألته أين، قال:
_يمكنها المبيت في الصالة.
و يوما بعد يوم، كان حبه لها يزداد، و يشعر بها طفلة يعلمها كيف تفتح علبة عصير، و كيف تستعمل الهاتف المحمول.
في صباح يوم سئمت من المنزل، و إستحت أن تطلب من كارل إخراجها نظرا لإنشغاله، فلجأت إلى والدته، و في المساء، جاء، لم يقل يقل مرحبا، لم يقل شيئا، أخذها و ألبسها ثوبًا طويلا جميلا، زينها، ثم أدخلها السيارة، و ساقها إلى حديقة.
سألت.
_لما نحن هنا؟.
جاء سؤالها متأخرًا، إذ كان قد ترجل، ثم أسرع إليها، حتى يفتح لها الباب، قبل أن تفعل.
إبتسم إبتسامة معتدة، حين مد يده إليها، فأطبقت يدها على يده.
سحبها، و ركض بها إلى وسط المنتزه، أين رسم قلب.
بعدها، و كأنما أبى إلا أن تلتقط أنفاسها، جثى على أحد ركبتيه، و أخرج من جيبه علبة.
_*أندريا، هل تقبلين بي زوجًا لكِ؟.
فتحها، فظهر الخاتم.
شهقت، كل شيء بدى غريبًا، جنون لذيذ.
تساءلت: أهكذا يتم الزواج في هذا العصر.
لم تترد للحظة، هتفت:
_نعم.
و شعرت أنها غير كافية، نعم واحدة!
وقف و حظنها، لم تنفك تضحك.
و كانت، وثبة زمنية، إلى الشخص الصحيح.