|
روايات الانمي_ روايات طويلة لجميع أنواع الروايات " الحصرية، العالمية، المنقولة والمقتبسة" |
| أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
12-12-2020, 06:14 AM | #6 |
مشرفة طلبات التصميم ومعارض الأعضاء
-ORILINAD
|
-
"حين يعتز بك أحدهم، تمسك به.. قد تكون عالمه ولاتدري!" ✧✦✧ -4- *ناتاليا* دخلتُ متجةً نحو دورة المياه وخرجت بعد أن غسلتُ وجهي، جلست قبالها وأخذت نفسًا عميقًا، كانت تبدو بريئةً أكثر مما احتمل! "يا إلهي! لقد كاد قلبي يتوقف حقًا!" أندفعت نحوها: "ياجيما! كيف تفعلين ذلك بي؟" حاولت تفادي المواجهة بأبعاد وجهها عني لكنني أمسكت بها: "ماذا؟ لم أفهم قصدكِ نونو! " قالت بعينين مراوغتين... "ليس كأنكِ لا تعرفين بمشاعري نحو تاكامورا!" ابتسمت لي ابتسامة واسعة، وكانت عيناها تبرقُ: "لا! لا أعلم!" نظرتُ لها بشك لتُتابع: "لأنكِ لم تخبريني بذلك سابقًا! صحيح اخبريني عنها! أقصدُ مشاعرُكِ." شعرتُ كأن هُنالك من نقر على الطبق الصيني قُرب أذني! من جهةِ ما قالتهُ ياجيما ومن الجهة الأخرى ما قُلتهُ أنا! أيعقلُ بأن فضولي قد وصل لتلك المرحلة؟ أن أعترف بأن ثمة مشاعرُ حقًا! لم أتوقع ذلك فأنا لم يسبق أن اعترفتُ لنفسي! لكنني حين أكون مع ياجي، أتحدث بلا شعور، أنا حقًا أريد لذلك أن يستمر، أنا الآن أريدُ أن أعرف أجابة هذا السؤال بالأستمرارِ قُدمًا حتى ولو لم أحصل على نتيجة... "ياجيما! لقد لقد كان دقات قلبي مضطربةً وبشدة... لم استطع أيقافها! حتى أني لن استغربَ إذا كان تاكامورا قد سمعها! أن هذا مؤلم، وأنا لا أفهمُ شيءٍ أبدًا! لماذا؟ لماذا أنا لا أفهم شيءٍ؟ لما اقحمتِ تاكامورا بمشكلتي؟ لماذا تاكامورا؟ ألستِ من نهاني عن الاقترابِ منه؟ فلمَ؟ لمَ هو؟ اجيبيني..." لم استطع منع نفسي من إطلاق شهقاتي، كأن يدًا تقبضُ على قلبي! أنهُ شعورٍ مؤلم! لم أكن أعلم أن الحيرة يُمكن أن تكون مؤلمة! أن لا تجد أجابة لتساؤلاتك... مؤلم... جلست ياجي بجانبي واحتضنتني، وقد تَمسكتُ بها بقوة لأنني أردتُ أن أدفن وجعي عن مواجهتها! مع أني لا أظهرهُ عادةً لغيرها! فياجيما هي الوحيدة التي أثق بها للبوح بكل ما يتخلج في صدري.... طوقتني قائلة وهي تمسحُ شعري بأناملها: "لأنني لا أريدك أن تتخلي عن مشاعرُكِ بعد الآن! تلك المشاعر كنزكِ الحقيقي ويجب أن تعتزي بها... في المستقبل، لا يجب عليكِ أن تندمي لتخليكِ عنها! وأنا لا أريدُ أن أندم أيضًا بالرغم من كُلِ شيء، تاكامورا رجلٌ خلوق.. ولا يجبُ أن نحكُم عليه ِلمجرد أنهُ أحد أفراد أسرة ناكازاكي..." ماذا تقصدُ بِ-بالرُغمَ من كُلِ شَيء؟- أسرة ناكازاكي! لمَ كُلِ شيء يزدادُ غموضًا حول هذه الأسرة بالنسبة لي؟ مالذي يجعلُ من اسم عائلة ناكازاكي مصدرَ حذر؟ أردتُ أن أسأل، لكن دخول جوان وآكاني الغير متوقع منعَني عن ذلك... رمَت اكاني نفسها على الأريكة المجاورة لي وهي بالكاد تتنفس، والآخر رمى بنفسه بجانبي وهو يفتح ازرار قميصهُ الأولى... لمَ يبدون مُتعبين؟ بقينا ننظرُ لهما باستغراب، لايزال ثمة وقتٍ قبل الانصراف! "جوان! كيف تترك الصف وتتأتي للبيت ألم نتفق من قبل؟" بقيَ جوان لا مُبالٍ بما قالته أخته والاخرى تُناظرهُ بشرر! نظرتُ لأختي كانت تنظرُ لي بريبة إلى أن أنفجرت سائلة و ملامحها على أوج الاستغراب: "ناتاليا! مالذي حدث؟ من كان الذي ركبتِ معه عند بوابة المدرسة؟ أنا لا أفهم!" إنها أسئلة طبيعية أليس كذلك؟ من الطبيعي أن اٌسأل شيء كهذا، في نهاية الأمر يجب أن لا نُبقي إخوتنا في حيرة! وخاصة أننا في المدرسة نفسها الآن... سردت ياجيما كل شيء، من يكون تاكمورا ولما ذهبتُ معه وأسباب تصرف ياجيما أيضًا، لكنها لم تخبرهما عن مشاعري وقالت أن تاكامورا كان خيارها العشوائي! كانت آكاني تستمع بانتباه وهي تعقدُ حاجبيها في حين كان جوان يتكيء علي الأريكة بلا مبالاة وينظرُ للسقف مستمعًا... وحين أنتهت ياجيما قال جوان وهو على حاله: "وهذا يعني بأن ناتاليا خرجت من الموقف بفضل خطتكِ! هل تظُنين بأن هذا سيوقف إلتفاف الطلاب حول ناتاليا؟" أجابته شقيقتهُ بتفاؤل مرفق مع الحماس: "بالتأكيد سترى النتيجة يوم الاثنين!" عدل جوان جلستهُ واستوى ينظرُ نحوي بابتسامةٍ شَقية لم أفهم مغزاها إلى أن أسلف: "هذا يعني أن علىّ أن أبذل جهدي كي لا يصدق أحد من الطلاب هذه التمثيلية!" بقينا جميعًا مذهولين من كلامه، في البداية رفض عقلي الاستيعاب ولكن نهوض ياجي الصارخة بوجه جوان أيقظني من صدمتي! "ما هذه الترهات التي تفوهت بها يا جوان!؟ أتظن أن هذه مزحة!؟" نظر نحوها بنظرة تحدي: "ناتاليا هي من بدأت هذه اللعبة، وذلك منذ اليوم الذي خدعتني به وأفسدت صورتي أمام أصدقائي! ناتاليا العبيها جيداً لأنني لن أفلت فرصة من يدي!" "مالذي تقصده بكلامك ياجوان؟ متى خدعتك ناتاليا لتقول هذا الكلام الآن؟" قالت آكاني مستفسرة.. "لأنني حين أتصلتُ بها تلك المرة لتُساعدني على الأعتذار عن فظاظتي، قالت لي، -أن غدًا عيد ميلاد اكاني وعلىّ أن أغتنم الفرصة!-" "وإذًا؟" قالتا آكاني وياجيما معًا باستفسار ليهيج جوان واقفًا أمامي: "لكنه لم يكن كذلك! و قد بدوتُ كالمغفل أمام اصدقائي! وهذا بسبب مزاحك الثقيل، إذًا تحملي النتيجة!" كان الموقف غريبًا جدًا! لم أعرف أن كان علىّ أن أضحك أو أنزعج! كان الأمر محيرًا لي من جهة لدى جوان الذي أظهر ردةَ فِعلٍ قوية لفعلتي البريئة ومن جهة ياجيما التي ورطتني في هذه اللعبة ومن جهة الفرصة التي لا أعلم إن كان علىّ التماشي معها للتعرف على تاكامورا! أشعر أني بدأتُ اللعبة بين صديقتي وشقيقها وأختي! قضبت ياجيما حاجبيها ولكن قبل أن تفعل أو تقول شيء خرج جوان مع ابتسامة تملأها الشقاوة والتحدي... أصبح الجو أكثر إثارة، وأنا واثقة بأنني ساستمتع كثيرًا قبل تخرجي... * آكاني * عدنا للبيت متأخرتين قليلًا وقد غرُبَت الشمس، بالكاد دخلنا البيت حتى أدركتنا أمي متجهمة عند مدخل الصالة: "آكاني! كيف تتجاوزين الحصص وتغادري المدرسة قبل نهاية الدوام؟ أتصل المدير بي وأنا في الجامعة ولم أعرف ما اقول فهذا ليس من شيَمُكِ! ما تبريرُك؟" لم أدري ماذا أجيب! لا يمكنني أن أقول السبب الحقيقي، ماذا اقول لها أن ناتاليا ذهبت مع أحدهم ولحقنا بها! لا لا لا وألف لا قد تفهم الأمر بشكلٍ خاطيء! لا أريد أن أحرج أختي الكبيرة أمام أمي... "لقد ذهبنا معًا لنشتري ثيابًا لياجيما واصطحبت اكاني معي، أنه ذنبي وقِلَة مسؤليةٍ مني أنا أعتذر منكِ يا أمي، كان يجب أن أخذ أذنكِ قبل ذلك!" قالت ناتاليا.... كان تفهُم أمي سريع! لم تسأل ولم تُضف شيء غير: "لا تُكررا ذلك مجددًا!" وفي صباح اليوم التالي... ذهبتُ للمدرسة وحدي، فليس لدى أختي حصص اليوم، قابلت جوان بوجهٍ متجهم! لا أعلم ماذا يُغيظني منهُ أكثر! أهو تصرفهُ مع اختي؟ أم أحراجي أمام أمي والمدير... والطلاب أيضًا! وربما تلك الابتسامة المسفزة التي يرسمها منذ الأمس! بقي يحافظ على حاله طوال الوقت، وفي أثناء الغداء جلسنا معًا كالعادة! بقيتُ متجهمة بوجه طوال الوقت، وهو لم يوفر ابتسامته البلهاء! "هلّا مسحت هذه الابتسامة السخيفة!" كسرتُ الصمت... فبقى يأكلُ مبتسمًا وهو يتجاهلني، "بربك لمَ تجلسُ هُنا إذا كنت لا تريد أن تكلمني؟" لو أن للبرود قرين فها هو يجلس مُقابلي! لم تهتز شعرة منه! "أنتَ حقًا أنسانٌ حقود!" أنفجرت بوجهه وأنا أضرب المنضدة وغادرتُ متجاهلةً ردة فعله أو ما قد شعر به تحت أنظار الجميع. لم يكن ذلك إلا بسبب أني أعرف أن مشاهدة ردةِ فعله ستُشعرُني بالذنب... بقيتُ واقفة على السطح أتأمل السماء وأنا أعرف بأنهُ قد جُرح، لكنني لم أكن مستعدة لمواجهته... وما أن رن الجرس حتى قررتُ العودة للصف... ألتفتُ لأجدَه واقِفًا وهو يسد باب السلالم بجسده، ابتلعتُ ريقي وأنا أنظر لنظراته الباردة المجردة من أي تعابير، سوى الضيق! حاولتُ تجاهله وتقدمتُ نحو الباب وكلما اقتربُ منه شعرتُ بالطاقة السلبية تزداد! حاولتُ تجاوزهُ مُدعيةً القوة.. وعلى غفلةٍ كان قد قيدني بالجدار وهو يقول غاضبًا: "اسألي نفسك من الأكثر حقدًا بيننا؟ أنا أم أنتِ؟ أتذكرين ذلك؟ هل أنعشُ لكِ ذكرتك؟" أغمضتُ عيني وحاولتُ تجاهل كلامه، لم أكن أريد أن استمع لكلمةٍ منه! لم أرد أن أتذكر كي لا أكره نفسي أكثر... رويدًا رويداً انسابت دموعي على غفلةٍ مني، ولكنه لم يكتف ليضيف: "أنتِ أسوء مني! فأوقفي هذه المسرحية الملائكية...." -الراوي- هَبَت رياحُ مُنتصف الربيع حاملة أوراق الشجر مع نسائم باردة، مررت أناملها على تلك المفاتيح المصففة برزانة لتَصدَح موسيقى هادئة في الأرجاء... مُريحة كيان سامِعيها! عكست هذه الفيلا ثقافة ساكنيها المختلفة عن سكان هذه المدينة! كأنها أحد القصور الرومانية القديمة، في حيٍ تميزت البيوت عن الأخرى! لكنه بدا الأكثر تميزًا! انهت الشابة العشرينية عزف مقطوعتها وفتحت عينيها بهدوء وهي تسحبُ يديها مُتذكرة مؤلفة المقطوعة الموسيقية الراحلة.. وكيف كانت تستمع لها في براعم العمر! توسدت ملامحها ابتسامةٌ واسعة و دمعة الذكرى تمردت على وجنتيها..... "آنسة أوريليا! السيد جوناثن ينتظرُ رؤيتكِ!" قالت الخادمة للشابة باحترام.... نهضت الفتاة الشابة والجميلة وهي تُغلقُ لوحة البيان بهدوء وترمقُ الشاب الواقف بالزاوية مكتف اليدين بأبتسامة شقية! "أنا قادمة!" قالت ذلك وهي تمشي نحو الخادمة بهدوء شديد! كأنهُ الهدوء الذي يسبق العاصفة! "أميرتي!.. سأعود خلال اسبوع، انتبهي لنفسك..." قال ذلك وهو يحتضنها "لكن لا تذهب وتنسى العودة على الموعد كَعادتِكَ!" دوى صوت قهقةٍ عاليةٍ أرجاء الصالة ونفى كلامها: "هذا مستحيل! أتريدين أن أحضر لكِ معي شيء من (بكين)!" أنزلت رأسها متمتمة "سلامَتُكَ يا أبي..." مسح على شعرها بابتسامة وولّاها ظهرهُ مُغادرًا...... - هذا مُستحيل !! - تساءَلت ماذا كان يقصد تحديدًا بقوله! أيقصد مُستحيل لن أكررها! أو رُبما مُستحيل أن أغير عادتي! ربما نفسه لم يكن يُدرك! بقيت واقفة مكانها حائرة إلى أن أختفى عند الأفق، نظرت للذي وقف خلفها وهي تبتسم نفس الابتسامة! مالذي تنوي له هذه الشابة الطائشة! "تاتيانا!" نادت الخادمة... "نعم آنستي!" " أشعر بالضيق، سأذهب للتسوق قليلًا!" "سأخبر السائق أن يجهز السيارة!" نظرت له "بل هيروشي سيقود، أحضري محفظتي الوردية!" بقيت تستمتع بتعذيبه، ولم تدع فرصة إلا واغتنمتها! سيارةٌ وردية مكشوفة، حقيبة وردية، وحارس شخصيٌ مسكين! بقيت تتسوق بالأسلوب المجنون وتُحمله كل المشتريات! وقفت عند محلٍ للألعاب واشترت دُباً عملاقاً، يعرف جيدًا أنها لا تحتاجه أبدًا! وكان عليه أن يحمله أيضًا! هل هذا ما يُسمى بالضيف الثقيل! -:"هيروشي؟ نادتهُ متسائلة و هي نتظرُ للخارج من المرآءة الجانبية..." -:"ماذا؟!" -:"أخبرني... هل هُنالك طريقةٌ أخرى؟" ابتسم وقد فهم قصدها جيدًا جداً!:" لا أعتقد ذلك أوريليا!" -:"ولما لا؟" بقيت تنتظرُ وهي تُحملقُ بفمه منتظرةً الإجابة، لكنها لم تنلها! يبدو أنها قد مَلت من ما تفعله معه! وربما بدأت تفهم أن لا شيء سيُثنيه! هو مستعد أن يتحمل أي شيء، من أجلها ... وحتى تصرفاتها المزيفة لم تجدي نفعاً معه! وقفت وهي تنظرُ له وهو يُنزِلُ مشترياتها، ولأول مرة لاحظت كم يتحمل من السخافات بلا تذمر... استدارت وهي تستجمع نفسها... -:"هيروشي.... أنت مطرود!" ظن أنهُ توهم ما سمعه من همس وتابع ما يقوم به، ليصدم بملامحها الجادة وهي تُعيد ما قالته بصوتٍ أوضح! هي جادة، لم تعد تتحمل ماتفعلهُ كيف لها أن تكون مرتاحة وهو لا يتأثر كما يحدث معها! بقيت وحدها تستعيد سخافاتها، وكيف لم تتوقف أبداً عن طلباتها بُغية أن يستسلم ويُغادر بنفسه! لم يسبق أن انتبهت لذلك مُسبقًا! لطالما كان ينفذُ أي شيء تطلبه مهما كان تعجيزياً، بقي يخطو حذوه غير آبهٍ لأفعالها، كلماتها ومواعظ الآخرين... كانت أصوات الوحده تعج جدران جناحها! فجأة اتسعت تلك الفجوة بينها وبين العالم الذي تعيشه يوميًا وحدها... لم يتقبلها أحد! لطالما كانت منبوذة رغم مكانتها بهذا المجتمع! الجميعُ يتجنب مُخالطتها! تعيش يوميًا وهي تظن أن اليوم قد يكون مختلفًا عن أمس... كان هيروشي عكس الجميع! لطالما انتشلها من الفراق، تحملها وملأ وحدتها بالناس! لم تتصرف أي واحدة من شقيقتيه بلؤمٍ معها وعاملنها كواحدة مِنهُن! لكنها لم تُقدر ذلك يومًا! وبقيت تفكر، "الجميع ينبُذني في هذا البلد...، ليس لي أصدقاء هُنا..." لكن ألم يكُن هيروشي يفعل؟ ألم يُقدرها ويعتز بها؟ ألم يكن صديقًا لها؟ " ولكن لما طلبتُ منه أن يرحل؟ مما كُنتُ حذرة؟ لما تصرفت بهذه الطريقة معه منذ ما يُقارب السنة وهو يتبعُني لكل مكان، مع أنه يستطيع فعل الكثير ولديه خيارات كثيرة!... اختارني... اليوم وأنا أنظرُ إليه من الخلف، رأيته! وهو يستحقُ أفضل من ما أفعلهُ معه!" نهضت الشابة تُراقب الرياح وهي تهُب حاملة أوراق الخضراء وتعصِفُ بالأشجار... فجأةً أصبح الجو باردً...! دخلت تاتيانا بهدوء وهي تقو : "عفوًا..... أنسة أوريليا!" قالت وهي تستمرُ بالنظرِ عبر النافذة... "ماذا تُريدين؟" "أممم... أنهُ هيروشي!" "ماذا به؟" قالت ذلك وهي تنظِرُ للخادمة بإندهاش.. "في الواقع، طلب مني أن أناديكِ للعشاء!" أتسعت حدقاها وهمست "مستحيل... ألايزالُ هُنا؟" "نعم.... لم يغادر أبدًا!" لم يذهب! كان ذلك شبهُ متوقع! أبتسمت وقد ارتاحت لما سمعته... لكنها لم تعد تعرفُ كيف تتصرف بعد الآن... "لأترُك كُل شيء لما قد يحدث من تلقاء نفسه بعد الآن..." هذا ما كانت تُفكر به اوريليا منذ تلك الليلة! "صباحُ الخير هيروشي... تبدو مرهقًا بالتفكير على غير العادة!" مدد جسدهُ وهو يُجيب: "صباح النور... لاشيء خاص، لقد سهرتُ أساعِدُ ناتاليا بالتحضير لاختبار الفيزياء البارحة! لم أفعل ذلك هذه السنة سوى أمس! ويبدو أنني مدعو للمهرجان الرياضي بدل أبي!" جلست على طاولة الفطور وهي تقول: " الجو لم يهدأ منذ أيام! صحيح ما هو المهرجان الرياضي؟" جلس الآخر بجوارها:" أتريدين أن نُدخل الفطور؟ الجو لم يعد مناسبًا لتناول الفطور بالخارج..." شعرت بالانتعاش ونسمات الربيعية تُداعب خصلات شعرها وتتسللُ عبر ثيابها.... " لاداعي لذلك... فالجو جميل جدًا! أتعلم أنا أحب الجو البارد كثيرًا! ... يشعرني بالراحة!" بقي متسمرًا بها يستوعب ماقالته، أول مرة تُشاركهُ بشيء تُحبُه! ابتسم وهو يرتشف قهوتهُ وهي تُكمل... "لم تخبرني... ماهو..؟" أكمل عنها "المهرجان الرياضي هو تقليد مدرسي قديم... يجتمع فيه الطلاب للتنافس برياضات مُختارة، وهو حدث سنوي ومواعيده مُختلفه في المدارس وليس لهُ يوم محدد... في مدرسة أختاي موعدهُ بعد أسبوعين تقريبًا..." انبهرت اوريليا من كلامه ووجدتهُ مدهشًا! "هذا مُدهش! لم أكن أعرف عن شيء كهذا... لقد بدأتُ أحسدُ ناتاليا لأنها تحضر حدث كهذا كل عام! هل شاركت في المهرجان الرياضي من قبل؟" ابتسم وهو يهزُ رأسه "كُل عام منذ كُنتُ في الإبتدائية إلى أن تخرجت من الثانوية!" "مدهش! هيروشي... هل... يُمكن أن تصطحبَني للمهرجان معك؟! طبعًا إذا يُسمحُ لنا بالذهاب... أقصد..." " الدخول مفتوح للعائلات... لنذهب معًا... أوريليا!" قال لها. نهضت وهي تشعرُ بالخدر في أطرافها وخرجت من غرفتها، كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل... لاحظت الضوء المنبعث من غرفة الجلوس الخاصة بها فدَنَت منه لتسمع صوت حوار من جانب واحد ومن المنتصف: "ولما لا............ ماذا؟!.......... لا أعلم لاتُعجبُني عبارتك الأخيرة! ......... أجل لكن كُل مرة أسمع منك (ثق بي) أندم!............... هههههههههه لا داعي للمبالغة! كُنتُ أمزح! لقد وعدتُ بالذهاب حقاً، وأنا لا أحب أن أخلف وعودي أبدًا! .............. عدا تلك المرة!............ " بدا لها الحوار غريبًا! لم تفهم من الذي يُخاطب، تساءلت عن من يكون... ربما كانت ناتاليا! أو أحد رفاقه من الجامعة وربما صديقاً قديماً! فقد كانت طريقة كلامه حميمة جداً وبدا أنهُ يعرفهُ مُنذ فترة طويلة... دخلت بهدوء وهي تقول بصوتٍ مُنخفض: "هيروشي!؟ ألم تذهب للبيت؟ إنهُ حقًا ليس بالأمر المهم... فأنا سأكون بخير!" أنزل الهاتف بهدوء وبقي ينظرُ نحوها مستغربًا! وضغط زر إغلاق المكالمة لاشعوريًا.... كانت تقف وهي تُمسكُ الباب وعكست ملامحها الحزن والخجل دفعةً واحده... كانت تلك أول مرة ترسم هكذا ملامح أمامه.... بدت لهُ جميلةً! "أنا... لم أستطع الذهاب للبيت وتركك وحدك هُنا!" اندهشت من كلامه للحظات لتقول بحماس: "أذاً ما رأيُك أن نذهب لمنزلكَ في الصباح؟ ونبقى هُناك بما أن الغد هو السبت؟ هكذا ستكون مع أختيك ولن تقلق علي بسبب سفرِ والدي إلى بكين! ماذا تقول؟!" وماذا سيقول؟ الأجابة واضحة! استيقضت أوريليا متحمسة وبدأت تختار الثياب التي ستأخذها معها لمنزل عائلة ناكاموري! ستبقى يومين رغم هذا اختارت الكثير من الثياب ولاتزال مُحتارة ماذا تأخذ معها... في نهاية الأمر انتهت بحقيبة كبيرة من الثياب! أول زيارة لـ أوريليا إلى منزل عائلة ناكاموري، كيف ستكون؟! لم ترى أي أحد منهم منذ عطلة الشتاء... لم يكن صعبًا لها أن تندمج مع شيقتيه لكن الأمر كان مختلفًا مع والدتهِ وجدتهِ.... خاصة السيدة يوي... كانت مرتبكة طوال الوقت ربما بسبب أنها أحد أبرز أساتذة الجامعة! وتراها يومياً في الجامعة.... فتح هيروشي باب منزلهِ بمفتاحهِ الخاص، نظر نحوها وهو يقول: "اليوم يوم عطلة وهو يومٌ خاص مسموح به النوم حتى العاشرة في بيتنا... قد يكونون نائمين... ما عدا جدتي... فهي ......" قطع حديثه ظهور الجدة ميدوري المفاجئ... "لقد عدت... صباح الخير جدتي..." جلس هيروشي يخلع حذاءَه عند الباب ووضعه في خزانة الأحذية على اليسار. لم تفهم أوريليا السبب لكنها بادرت بالمثل... "أهلا بك يا بُني... مضى وقت لم تعد فيه للبيت أيها المشاكس!" نهض هيروشي وهو يضع يده خلف رأسه وهو يقول منكراً: " لا تقولي ذلك اوبا سان لقد كُنتُ هُنا قبل يومين! معي ضيفة!" قال وهو يُشير نحو أوريليا... فإبتسمت الأخرى قائلة: "سعيدة بلقائك سيدتي.... أرجو أن لا أكون قد أزعجتكم بدعوة نفسي!" "أهلًا بالضيوف في أي وقت... أرجو أن نحسن استضافتك!" تبعت أوريليا هيروشي وهو يصعد السلالم الى أن وقف أمام أحد الابواب وضعت عليها لافتة على شكل زهرة... قرأت الحروف المكتوبة: "نا...تا...لي...ا! اوه أهذه غرفة ناتاليا؟" فاجأها هيروشي بفتح الباب بدون طرق! دخلت خلفه لتجد ناتاليا نائمة بعمق! وقف هيروشي يحاول ايقاظها بمناداتها، لكنها لم تتحرك حتى... هزها بضعة مرات ولم ينفع أيضا... فانتهى بسحب الغطاء بقوة! فجلست ناتاليا وهي تمسح عينيها غير مستوعبة! رفعت رأسها وعيناها شبه مغلقتين وحين رأت غطاءها بيد هيروشي استوعبت الموقف! "صباح.... الخير!" قالت ناتاليا وهي غير سعيدة! لم تألف أوريليا سبب تصرف هيروشي! لم يطرق الباب وأصر على إيقاظ المسكينة! "هل استيقظتي؟" "لا!" "إذاً استيقظي!" "لا أريد!" بدا الموقف غريباً لأوريليا! هذين الاثنين يبدوان كما لو أنهم يتشاجرون! كان هيروشي يمسك شعر ناتاليا والآخرى تسحبه من قميصه! ويبعدان وجهي البعض باليد الأخرى! "مالذي تفعلانه؟!" نظرا لها بنظرات بلهاء وقالا في آنٍ واحد: "لاشيء!" "لا يبدو لي كـ (لا شيء!)... يبدو لي شجارًا!" انفجر هيروشي ضاحكاً بصوت عالي وقامت ناتاليا بإخفاء ضحكتها بكلتا بديها! ليقول هيروشي: "لا تكوني ساذجة أوري! نحن دائمًا نعبث مع بعض هكذا!" لتُكمل ناتالي وهي تنهض من على سريرها مبتسمة: "لأننا إخوة! وهذا مايفعلهُ الإخوه مع بعض!" اندهشت أوريليا من كلاميهما، لم تكن تعلم أن الأخوة يتصرفون هكذا مع بعضهم! ربما لأنها لم تجرب ذلك! "صحيح أوريليا، أخبريني.... أليس لديكِ إخوة؟!" قالت ناتاليا بابتسامة بريئة، لكن لم تحصل سوى على وجهٍ مظلم مع هالة حزن طغت عليها... لترد بنبرة خانقة: "عندما كُنتُ في السابعة، مات أخي قبل أن يولد وماتت أمي بعده! لذلك كرهت أن يكون لي أخ! لأنه أخذ مني أمي!" كان الجو ثقيلًا لم يقل أحد منهم كلمة! إلى أن ختمت ناتاليا الجو بالكلمة اعتيادية: "آسفة!" دخلت آكاني و كان وجهها أكثر ظلمة من الثلاثة! "صبااااح الخير! أنوه... ماهذا الأزعاج من الصباح!" "صباح... الخير!" ردو معاً... تقدم هيروشي... "هل أنتي بخير؟ تبدين شاحبة!" مددت آكاني ذراعيها وهي تجيب: "لقد كُنتُ أدرس طوال الليل! أجهز للاختبارات النصفية، بقي شهر لها!" "تدرسين؟! لا داعي للضغط على نفسك بقي أكثر من شهر!" "أعلم... همم ماذا تفعل اوريليا هنا.... أخي؟" وهكذا بدأت عطلة نهاية الأسبوع في بيت عائلة ناكاموري.... *يُتبع* |
التعديل الأخير تم بواسطة فِريـال ; 12-12-2020 الساعة 06:38 AM
|
12-12-2020, 06:30 AM | #7 |
مشرفة طلبات التصميم ومعارض الأعضاء
-ORILINAD
|
-
"بعض العلاقات ليس لها مسمى، تعرف أنها جميلة وحسب. عجز الأدب عن تسميتها بكلمة." ✧✦✧ -5- * ناتاليا * استَيقضتُ و أنا غيرُ مُدركة ماذا حدث، لأجدني أنظر لأخي وهو يُمسكُ غطائي بِيديه وعلى وجه ملامحُ مُستفِزة! مَسحتُ عينَيَ لأفتحهُما بشكلٍ أفضَل قائلة: "صباح...... الخير!" "هل استَيقَظت؟" "لا!" "اذاً استَيقِظي!" "لا أريد!" أمسك هيروشي شعري وسحبتهُ مِن قميصِه! و حاولتُ أن أبعِد وجههُ باليَدِ الأخرى وكذلكَ فعَل أخي! لقد كُنتُ مُنزعِجة لإيقاظي بهذهِ الطريقَة! "ما الذي تفعَلانِه؟!" نظرنا لَها بنظراتٍ بلهاء، أتُمازِحُني بسؤالِها؟: "لا شيء!" "لا يبدو لي كـ (لا شيء!)... يبدو لي شجارًا!" انفَجر هيروشي ضاحِكًا بصوتٍ عالي وحاولتُ أخفاء ضِحكتي بِكلتا يَدَيَّ! ليقول هيروشي: " لا تكُوني ساذجة اوري! نحنُ دائمًا نعبثُ معَ بَعضنا هكذا!" ايه لقد دلَعَ أخّي اسمَها! أعلم أنها مُلاحظة سَخيفة لكِن لا أريدُ تفويتها أكملتُ عنه وأنا أنهَض مِن علّى سريري مُبتسمة: "لأننا أخوة! وهذا مايفعلهُ الأخوة مع بعض!" اندهَشت أوريليا مِن كلامي، لم أفهم سبب دهشَتها! قلتُ بابتسامة بريئة: "صحيح أوريليا، أخبريني... أليس لديكِ أخوة؟!" لكن طغت على وجهِها الظُلمَة مَع هالةِ حُزنٍ سوداء... لترُد بنبرةٍ خانِقة: "عندما كُنتُ في السابعة، ماتَ أخي قبل أن يولد و ماتَت أمي بعده! لذلك كرِهتُ أن يكونَ لي أخ! لأنه أخذ أمي مِنّي!" كان الجو ثقيلًا لَم يستَطِع أن ينطُق أي أحدٍ منا كلِمة! الى أن ختمتُ الجو بكلمة سَخيفة لم اجد غَيرها!: "آسفة!" مع أني لا أحب الجو الكئيب لِمَن حولي، أفتعلهُ بلا قصد! يالي مِن حمقاء! دخلت آكاني غُرفَتي وكان وجهُها أكثر ظُلمة مِنا! "صبااااح الخير! أنوه... ما هذا الإزعاج من الصباح!" "صباح.... الخير!" رددنا معا، وتقدم أخي لها: "هل أنت بخير؟ تبدين شاحبة!" مَددّت آكاني ذِراعيها وهيّ تُجيب: " لقد كُنتُ أدرِسُ طوال اللَيلِ! أجهِز للإختِبارات النِصفيّة، بَقيّ شهرٍ لها!" أعرفُ أنها تكذِب! لقّد حَجزَت نَفسها فيّ الغُرفَةِ مُنذ عادَت مِن المَدرَسة بالأمس! أعلمُ أنها كانَت مُكتئِبَة! سأل أخي مُستَغرِبًا: "تدرسين؟! لا داعي للضغطِ على نفسكِ بقيَّ أكثر مِن شهر!" "أعلم... همم ماذا تفعلهُ اوريليا هنا... أخي؟" صحيح... كان هذا سؤالي أنا ايضًا... ابتَسمت اوريليا ابتِسامة غريبة! كانت تبدوا كإبتسامةٍ مُزيفة ممزوجة مع القلقِ والتوتر.... "أنا آسفه للتطفل... لقد ظننتُ أنهُ لا بأس بالقدومِ! فهيروشي يرفضُ تركي وحدي و...." " خيرًا فعلت!" قلتُ مُنفعلة وبصوتٍ مُرتفِع، لقد كُنتُ سعيدةً بما قالتهُ اوريليا... معرفة أن اوريليا تفكر بنا وبأخي بهذه الطريقة اسعدتني، فهيّ ليست فتاةً أنانية ولا تُفضِلُ نفسها قبلَ الآخرينِ... * أوريليا * لقد كان الأمر مُمتعًا مِن بداية الصباح! لم أندم على المجيء أبدًا... في الواقع الحياة في بيت عائلة ناكاموري مُمتعةً للغاية، من الُممتِع أن يكونَ لكِ عائلة كبيرة تُبادلهُم المحبَة... اليوم عرفتُ المزيد عن هيروشي! لا أعلمُ لِما ولكن لم أستطع منع نَفسي مِن مُلاحظة طريقة مُعاملتهُ لكُل فردٍ من عائلةُ! قريب ومُشاكس مع ناتاليا وذلكَ حسب الجو... حنون ولطيف جدًا مع آكاني كأنها ابنتهُ الصُغرى وتَغدو تصرفاته طفوليه مَعها!... يحترمُ والدتهُ ويعتمِدُ عليها، لم يسبق أن رأيتهما معًا خارجَ الجامِعة!... وشعرتُ انهُ يخافُ من جدتهُ بعض الشيء ويَغدو جادا ويختارُ كلماته بحذرٍ جلي... لكن لم أستَطع مُقابلة والدهُ سيد العائلة حتى الآن، اتحرَقُ شوقًا للِقائه. كُنا أنا وناتاليا نعبثُ بأدواتِ التَجميل للتسلية... وفي أثناء طليها أظافري ورسم الأشكالِ الظريفة سألتها ممازحة: "أتسائل، ناتاليا هل تُحبين أحدهُم!؟..." لقد توَرَدَت وجنتاها حتّى أذًنيها وهيّ تصنعُ تلكَ الملامحَ المُستغرِبة وقد تلبَكّت تمامًا! لم أتوقع ذلكَ! "ردَّة فعلكِ هذه فضحتكِ! لا يمكنكِ أن تنكُري... من؟" تحمستُ للغاية... أنهُ يُشبه صديقَتان تتشاركانِ في أحاديث الحُب! أنزلت رأسها بهدوء "ليسَ كذلك... لكن سؤالك المفاجئ أحرجَني! أنا لا أحبُ أحدًا..." اختفَت حماستي مِن كلماتِها الباردة، هذا لا يُصدق! "نـــــاتاليـــــا؟! هذا لايُصدق رُغم أنكِ في هذا السِن بالفعل! أم أنكِ تُخفين الأمرَ وحسب!؟" "لا أخفي شيءٍ، أنا لم أحب أحدًا مِن قبل!" بدت لي صادقة وملامِحُها تُثبِتُ ذلك.... " لكن... لا أخفي عنكِ، أنا مُهتمة بأحدهُم مؤخراً!" ماذا! أهذا، أهذا تواصل حقيقي بين صديقتين! بعيدًا عن كونها شاركَتني شيئا عن نفسِها وهذا مُفاجئ! لكنها بدَّت لي كفتاةٍ واقعة بالحُب حقًا! رُبما نفسُها لم تُدرك بعد ولكِنها، تُحبُ هذا الشخص وهذا مكتُوبٌ على وجهِها! "هل هو مَعكِ في الصف؟ أم مِن صفٍ آخر، هذا يحدُث! أخبريني عنه.." اسلفتُ مُتحمسة لتنهض مُتجهةً نحو السرير، جَلَسَت بهدوء وهيّ تُردف: "ليس مِن مدرستي، لكنهُ يثيرُ اهتمامي لأنهُ غامضٌ بعضَ الشيء وحسب.." "أهو وسيم؟!" نظرت نحوي ببلاهة! "أأنتِ تظنين أنها قصّة حُب؟! والأمرُ عميق!" أجل وهذا ما تعكِسهُ ملامِحُكِ أيتُها الغبيّة! أردتُ أن أخبرها ولكنني عجزت! لتُكمل... "وأيضًا... ليس كأن تاكامورا مُهتم بي!... لكنهُ فريد!" "فريد!؟" قلتُ بمَكر!... ابتَسَمَت ببلاهة "همم!" وحين أدركت بدأت تُنكر "لا... أقصد... هممم" ابتسمتُ مُنتصرة "أنّت غبية! لأنكِ تُحبّينهُ بالفعل!" دعتنا السيدة ميدوري لشُربِ الشايَّ في غرفة الضيوف الخاصّة.... ما إن غادرَت الجدة حتّى نهضَ هيروشي ويقولُ لي مُنسحبًا: "سأخرج لبعض الوقت..." وغادر مُسرعًا وأنا أتابعهُ، التفتت آكاني وهيّ تنهض... استفسرت مُستغربة: "اين أخي!؟ كان هُنا قبل قليل!" لتنفَعل ناتاليا:" هَرَبَ الجبان!" هل كان هذا هروبًا حقيقيًا؟! لماذا هرب؟! لم أفهم ذلكَ!... غيرت ناتاليا ثيابها للثَوب الياباني التقليدي ثُم ساعَدَت آكاني التي مازالت ملامِحُها مُظلمة على ارتداءه... وحينما نظرتا نحوي فهمتُ لما هرب هيروشي!؟ لا أعلم كيف وجدتُني أنظر للمرآة و قد لبِستُ ثوبًا ذا لونٍ أزرق خفيف مُزين برسومٍ غريبة... قُلتُ مُتجهمة: "لماذا ألبستُماني هذا الشيء؟ أبدو غريبةً بِه!" "لأن جدتي دعتنا لشُرب الشاي في غُرفة الضيُوف، أنَسيت؟!" قالت آكاني... تقَدمَت ناتاليا نحوي:" اليوكاتا يليقُ بكِ حقًّا! ما كان يجبُ أن يغادر هيروشي... لا يعلم ماذا سيُفوت بهرَبه!" جلسنا بهدوء و كنتُ أقلِدُ ما تفعلانِه بحذر، وبعدَ فترة دخلت السيدة آي مُرتدية كيمونو أسود ذا طابع ريشٍ أبيض وبدت في غاية الجمال! ثم بدأت الفتيات تَعليمي طريقة شُرب الشاي! سألتُ ببلاهةٍ تامة:" عفوًا! لماذا كُلُ هذا التعقيد مِن أجل شُربِ الشاي؟!" أجابتني السيدة آي:" إنها تقاليدُ أجدادنا! وتوارثناها أجيالًا أجيال... لست مُجبرة على اتباعِها، اعتبريها تجربة غريبة في حياتُكِ! وستكُون قصةً جميلة تروينها لأصدقائكِ حين تعودينَ لبَلدُكِ!" هتفت ناتاليا:" هذا قاسٍ يا أمي!" حين أعود لبلدي! فهمت... في النهاية أنا مُجرد ضيفة في هذا البلد... ويومًا ما سأكون قصة (الأجنبية التي استضافوها في بيتهم!)... فُتح الباب الذي خلفي فلفَتَ أنظارَ الجميعِ... استدرتُ بهدوء لأجد فتاةً بِكيمونو أصفر مُزيّن بخطوطٍ سوداء... تجلسُ عند الباب وتنحني مُحييةً الحظورِ " شكرًا لإستضافتي!" رفَعت رأسها وفتحت عينَيها بهدوء... بدّت مثالًا للمراءة اليابانية الفاتِنَة، بعينَيها الواسعَتَينِ وشعرها اللَيلكي. رفعتُ نظري للواقِف خلفها، فكان ذلك هيروشي... هل أتَّت معه؟ نهضَت ودخلت بهدوء شديد لتجلِس بجانبي وهي تبتَسِم... لما يجِبُ أن تأتي بعد سماعِ كلام السيدة يوي الجارحِ لي!؟ حين أنظُر لها... أشعرُ بأني أتمَنّى لو كُنتُ أشبِهُها. شرب الجميع الشاي وهم صامِتون وحين انتهينا تفرقنا، بقينا أنا وهيروشي مع ناتاليا والفتاة الجميلة في غرفة المعيشة... قالت ناتاليا باستفزاز:" ظننتُ أنكَ هربت يا أخي!" حافظ هيروشي على هدوئه وقال ببرود:" انّما تلقيتُ رسالة ياجي، تطلبُ منّي أن أتي لإصطحابِها لأن جدتي دعتها لشُرب الشاي!" انفعَلتُ قائلة بسعادة: "ياجي؟ أهذا هو اسمكِ؟ أنهُ جميل..." نظرت نحوي لتبتسم وتمد يدها نحوي قائلة:" وأخيرًا تقابلنا وجهًا لوجه! أنا أدعى ياجيما توشيري سعيدة بلقائك كثيرًا، اوريليا جوناثن!" ياجيما! أنهُ من أجمل الاسماء الي سمعته في هذا البلد! هي تعرفني! "وأنا تشرفتُ بمعرفتكِ ياجيما، لكن... كيفَ تعرفين اسمي وأنا لم اسمَع عنكِ من قبل؟!" انفَعلت ناتاليا:" ماذا!، هل نسيت؟ ياجيما صديقة طفولتي المُقربة... حدثتكِ عنها كثيرًا من قبل" اوه! لقد نسيتُ ذلك... لقد حدثتني نات عنها في العطلة! "أنا آسفة... أنه خطئي! لكن كيف عرَفتِني؟" اطلقَت ياجيما ضحكةً خفيفة، ثم أخرَجَت هاتفها لتُريني صورة لي! استغربتُ بشدة، هذه الصورة التُقِطت في منزلي، كيف وصلت لها! قربت الهاتف لفمها وهي تنظر بطرف عينها نحو هيروشي الجالس بجانِبها وهي تقولُ بنبرةٍ ساخرة: "طلبتُ صورتكِ من روميو قبل يومَين وطلباتي أوامِر! صحيح هيروشي!" أومئ هيروشي رأسه موافقًا ثم تجمَد للحظات كأنهُ ادرك شيئا... ليلفتَ نحوها بحدة: "ياج أتسخرين مني مجددًا؟" "من يدري؟" "هااااء؟" "مَن يَسخرُ مِن مَن؟" بدا هيروشي يفكر للحظة، ليُجيب: "كفى مُراوغة! ستُغضبينَني هكذا!" كانا يتجادلانِ بطريقةٍ غريبة... شعرتُ بالقُشعريرة من قُربِهُما للحظات... لم أعلم السبب. نهَضت ياجيما عند المغرب مُعتذِرة واستأذَنت للأنصراف، أصرّت السيدتان على بقائها ولكِنها اعتذرت بشدة! ثُم سحبَت هيروشي وهي تطلبُ مِنه أن يوصِلُها، والآخر نهض بتملمُل... كان هيروشي يركبُ السيارة، تبِعتُهم وطلبت مِنه أن أرافقهُ! جلَستُ في المقعد الخَلفي وأنا أستمِعُ لحواراتِهم الصغيرة... توقَفَ هيروشي فجأة وطلب أن أرافقَهُما... دخلنا المتجر وبدأت ياجيما تنتَقي طعامًا جاهزًا مِن على الرف المُخصصِ لها، انتابَني الفُضول: "لما تشتَرين هذه العُلب؟ أهي للعشاء؟" نظرت نحوي ثُم اردفت:" لأن اخي سيَعود للعشاء وأنا مُتأخِرة فقد نسيتُ نفسي تمامًا..." عاد هيروشي ومعهُ عُلب مُثلجات منوعة ووضعهم في سلة مُشتريات ياجيما... بقيا يتشاجرانِ على من يدفعُ وفي النهايَة فاز هيروشي... استغربتُ كثيرًا، ياجيما لم تطلُب من هيروشي أن يتوقَف لشراء الطعامِ! لما توقف هُنا؟! أوصلنا ياجيما لبيتها، كان في الشاطئ تمامًا ولا يوجد مبنىً آخر على طول الشارع في جهة البحر! وهذا مذهل.... نزلت ياجيما وتبعها هيروشي حاملًا اكياس مُشترياتِها، تبعتُهُما بهدوء وعند الباب سأل هيروشي وهو يُمسك كتفها: "ياجي أتحتاجين لشيء؟ أيًا كان لا تنسي أني سأكون بجانبكِ!" التفتت نحوه وهي تبتَسِمُ ابتِسامةً باهِتة: "أعرفُ ذلكَ! لكن إلى متى؟ يجِبُ أن أتعَلَمُ الاعتِمادَ على نَفسي!" أنزَل هيروشي الأكياسَ على الأرضِ وأمسكَ يديها قائلاً: "إلى الأبد! ولا اُمانِع ذلك... لكن لا أريد أن اسمعَ أنكِ في مُشكِلة! اتظنينَ أنني لم انزَعِج حين سمِعتُ ذلكَ مِن جوان وليس منكِ؟" انزلَت ياجيما رأسها وبقيت تُحدِقُ بيديه: "أنا آسفة لأنني جعلتُ من نفسي حملًا ثقيلًا عليكَ يا هيروشي سأحِلُ مُشكلتي بنفسي." سحبَت يَدَيها مِنهُ ودخَلت البَيت بهدوء ولم أستَطِع رؤية ملامِحُها، لكن هيروشي بدا مُنزعِجًا مِن ما قالته! عُدت لحَيثُ السيارة ووقفتُ عِند بابِ السيارة قبلَ أن يراني... عاد مِن بعدي بِلحظات وملامَحهُ تُهلهل سعادة! استَغربتُ مِن ذلكَ بشدة! لِما يبدو سعيدًا... سألتهُ بعد أن ركبنا السيارة: "أأنتَ تُحب ياجيما بتلكَ الطريقة؟" توسعت حدقتاه على اوسعِهما وبقي يُحدِقُ بي بعَدَم تصديق... وحين أدركَ أني سألتهُ ذلكَ حقًا قطب حاجبَيه وقال ثائرًا: "هذا مُستحيل! لا تتجَرئي فيّ أن تُفكري بذلكَ جهرًا! هي ليسَت حبيبتي، انَما انسانةً خاصة في حياتي! لا تُفكري بذلك حتى." انسانة خاصة!؟ لكن ليست حبيبة! ماذا يعني ذلك؟ أهي عزيزةً بلا مقابل! مُستحيل! أن يغضب على من قال انهُ أحبها من أجل أخرى... اليس ذلك يعني أنهُ يحُبُها! لم يتحدث هيروشي معي باقي اليوم وحتى صباح اليوم التالي... لكنني استحقُها! بعد كل ما بذلهُ مِن جُهدٍ ليتَقَربَ منّي، اسألهُ سؤالي الغبي! لو كانَّ كذلكَ لما تَقربَ مِني مُنذ البِداية... وفي المساء، ودعتُ الجميع، وحين كُنت أعانق ناتاليا همستُ في أذنها خُلسة: "ذلكَ الشابُ الذي تحدثنا عَنه، أأنت تُحبينه؟!" ابتسمتُ وقد توردت وجنتاها وبدت مُحرجة، في المرة القادمة أريدُ أن اسمَعَ الإجابة الواضحة مِنها. لقد كانا يومين جميلين جعلاني افهمُ هيروشي اكثر و أظني مُستعدةً لتَقبُلِ مشاعرهُ نحوي ! ولكن غباء الموقِف الذي وضعتُ نفسي فيه البارحة ، لن يترك لي مجالًا الآن ! رغمَ كُل شيء... ما زال أجمل يومين عشتهما في اليابان حتى الآن ولن أنساه أبدًا. *ياجيما* كان غاضبًا مني! لقد جرحتُ كبريائهُ برفضي المساعدة منه، لكنني مازلتُ قادرة على رسمِ أبتسامةً دافئة على وجهه..... بثلاث كلمات بسيطة! "شكرًا على الطعام!" دخلتُ للمطبخ لتسخين الوجبات بالمايكرويف... تبعني أخي فجأة وهو يسألُ: "أكان ذلك هيروشي عندَ الباب؟!" أفزعني تمامًا... أكان في البيت؟! "أجل لقد ذهبت وعُدتُ معه.... أأنتَ جائع؟ أشتريتُ طعامًا جاهزًا.... أأسخنهُ لك الآن؟" "ماذا قال لكِ؟ هل سيساعدُنا؟" تجاهل كلامي تمامًا وهذه ليست أول مرة يفعلُها! أشعرني ذلك بالعجز لأولِ مرة منذ سنتَين، ظنَنّتُ أنّي لن أحتاج لأحدٍ مادُمتُ أدبرُ أمور حياتي! "جوان، ما كان يجب أن تُخبِرَ هيروشي بآخر ما استجد معنا، حتى لو كان صعبًا علينا حلهُ وحدنا.... أنا لا أريدُ أن أكون حملًا ثقيلًا عليه، أنت تعرفهُ جيدًا! كالعادة سيفعلُ أي شيء ليُساعدَني!" لأول مرةٍ في حياتي أشعرُ بالعجز! لا أحبُ هذا الشعور، انهُ يغيثُني بشدة. هاج جوان غاضبًا ليقول بألم: "ماذا تريدينني أن أفعل؟ أن أجلس وأشاهدك تترُكينني هُنا وحدي؟ وأجبر على المغادرة البيت ايضًا؟" أخذ يلقط انفاسهُ بصعوبة وهو يُهدء نفسه ليكمل متألمًا: "أنا لم يبق لي احدٌ سواكِ في الحياة... لن استطيع تحمل خسارتك أنتِ أيضًا! ليس الآن يا أختي... حتى وإن كان ذلك عبر طلب المساعدة! فهيروشي لم يخذلنا من قبل... أنسيت؟!" وكيف أنسى؟ هيروشي منقذي... لطالما كان، وكذلك سيكون مستقبلًا! لم يخذلني، لم يترك لي المجال لأشعر بالصعوبات، حتى وأنا لا أعلم... ذوبان هذه المثلجات الباردة في فمي، يُثيرُ الذكرياتِ الدافئة حقًا.... "ياجي أتريدين المزيد من المثلجات؟!... اذًا طلباتكِ أوامر أميرتي!" "لا تحزني ياجيما، أنا لن أتخلى عنك أبدًا وهذا وعدٌ أبدي!" "ياجي أتحتاجين لشيء؟ أيًا كان لا تنسي أني سأكون بجانبكِ!" هو دائمًا يهتم بي..... *ناتاليا* استيقظتُ في وقتٍ مُبكر اليوم، أشعرُ بنشاطٍ كبير، أرتديتُ زييّ المدرسي ونزلتُ لتناول الفطور ولم يكن هُنالك أحدٌ سوى جدتي والخادمة في المطبخ بالكاد جلستُ لتناول الفطور حتى رن هاتفي! كان رقمً خاص، أجبتُ بهدوء: "مرحبًا! من معي؟!" ليأتي صوتٌ مُخملي من خلف السماعة قائلًا: "لقد وصلتُ للتو! أأنتِ جاهزة للذهاب؟" وقفتُ من الصدمة والتقطتُ حقيبتي وخرجتُ مسرعة! "أنا قادمة !... جدتي أنا ذاهبة!" وقفتُ أنظرُ له وهو مُتكئً برأسه على المقود... ركضتُ الى حيثُ يوقِفُ السيارة على بُعدِ بيتين من بيتي، رفع رأسهُ حينها وتابعني بعينيه الى أن جلستُ بجانبه .... أبتسمتُ قائلة:" صباحُ الخير!" بقي ينظرُ نحوي وهو يتفحصُني بغرابة ارتبكتُ حينها ليقول: "أليس الجو باردًا بعض الشيء؟!" نظرتُ لنفسي فإذا بي لا أحملُ معطفي فشعرتُ بالإحراج وبقيتُ أحدقُ بعينيه مطولًا... جدًا! أدار بوجهه للأمام قائلًا: "الن تذهبي لإحضاره؟ لم نتحرك بعد!..." جمعتُ شتات نفسي وترجلتُ مُعتذرة وعدتُ للبيت ركضًا، سمعتهُ يقول بصوتٍ مرتفع: "المظلة أيضًا... ستَمطِرُ اليوم!" دخلتُ البيت بسرعة وأخذتُ معطفي من على كرسي المائدة، حينها ظهرت جدتي وبيدها علبة الطعام قائلة " لما العجلة ناتاليا؟ لقد نسيت غدائك!" ارتديتُ معطفي وأخذتُ الغداء وكدتُ أنسى المظلة... خرجتُ مسرعة نحوه وحين جلست بجانبه قال ساخرًا: "ألم تنسي شيء آخر؟" نظرتُ بغيض ليُكمل:" ما الداعي للعجلة؟!" في الواقع نسيت! انا لم اتناول الفطور! لكني احتفظتُ بذلك لنفسي! لقد أحرجتُ نفسي بما يكفي منذ الصباح. "انا آسفة!" بقيَ يُحدق في عيني طويلًا فازداد شعوري بالإحراج أكثر... وحين ادرك نفسه ادار محرك السيارة وانطلق... كان الجو غائمًا وبدأت الرياح تعبث بالناس ببطئ، قال تاكامورا فجأة وبصوتٍ منخفض: "هل تناولتِ الفطور؟" نظرت له مستغربة! كأنهُ يقرأ افكاري! تابع قائلًا: "في الواقع أنا جائع لم أأكُل شيء منذ الأمس!" منذ الأمس! كيف تحمل كل هذا! أجبتهُ بابتسامة غبية: "لا لم أأكُل شيءٍ بعد! لنذهب ونأكُل شيء بأسرع ما يُمكن!" جلسنا نأكُلُ وجبات صباحية في كافيتريا قريبة من مدرستي... لقد كُنتُ سعيدة برؤيتهُ يأكلُ بعد كُل هذا الوقت... أن لا تأكُل شيء لفتره طويلة... هذا صعب. تطرقتُ لفتح حديث صغير وأنا اشربُ الشاي: "سيد ناكازاكي..." منحني انتباههُ لأكمل "ماذا تعمل؟" ابتلع طعامه ورشف القليل من كوب الشاي مُجيبًا:" هذا سر!" كست ملامحي خيبة الأمل ليكمل قائلًا: "أعمل في جمع المعلومات" توسع بؤبؤي وهمستُ بعدم تصديق "جمع... المعلومات! ماذا تعني؟!" نظر حولهُ وثم قال هامسًا "يمكنك القول محقق خاص!" لا اصدق ما قاله! لحظة! " في ذلك اليوم... على سطح المدرسة... أنا لم أفهم، ما الذي كُنتَ تفعلهُ في المدرسة حينها!؟" رفع يدهٌ طالبًا الحساب وهو يقول: " لنذهب ونكملُ في السيارة!" تحرك نحو المدرسة ببطئ، ليبدأ سرد ما في جُعبته! "كُنتُ اقومُ بعملي! لقد كان هذا سبب قبولي عرض ياجيما حين أخبرتني عنكِ... عذرًا لأنانيتي لكنني كُنتُ أبحثُ عن سببٍ لأحوم حول المدرسة لتأدية عملي بدون مشاكل!" كان ذلك مفاجئًا لي! وحين استوعبتُ ماقاله ساأتُ منفعلة: "أتقصد أن ثمة أمرًا يستدعي التأكد منه في مدرسنا؟!" اوقف السيارة قائلًا بحزم: " ليكن هذا سرنا الى أن أنهي عملي! وليكن اسمي اراتا اوتشيغارا! سنُكملُ حديثنا في المرة المقبلة!" لم أشعر بالخوف! قطبتُ جبيني قائلة:" اعتمد علي اذا اراتا-سان!" وضع يده اليمنى على رأسي قائلا:" أجل! أعتمد عليكِ! ناتاليا." شعرتُ بالإحراج الشديد لفعلته! تمنيتُ أن يبتسم، لكنهُ لم يفعل... انما اقترب مني قائلًا: "شُكرًا لكِ!" كان قد فتح الباب لي حينها فنزلتُ متجهة نحو مدخل المدرسة... استوقفني صوتهُ يُناديني وهو يُمسكُ المظلة مشيرًا لها، شعرتُ بالإحراج من تجمُع الطلاب عدتُ نحو السيارة وأخذتُها منه مُبتعدة... انا رسميًا تورطت! "أنا استسلم!" انزلت ياجيما علبة العصير تنظرُ نحوي باستغراب "ماذا تقصدين؟" اخذتُ نفسًا عميقًا قبل أن انفجر بوجهها: "لا استطيع التوقف عن الفكير في أنني وضعتُ في موقف كهذا!" ابتسمت بخبث لتقول مازحة : "أتقصدين علامتك في اختبار الفيزياء ام تاكامورا؟" اتكئتُ على الجدار ورفعت رأسي نحو الغيوم السوداء "لقد أتى تاكامورا خلفي هذا الصباح وكان يبدو شاحبًا نوعًا ما! تحدثنا قليلًا..." اقتربت مني وهي تستمع باهتمام، "لقد طلب مني ان اقول لمن يسألني ان اسمهُ اراتا اوتشيغارا! لا يريد أن يعرف احد مَا اسمُه!" "لا يُريد ان يتسبب لك بالمشاكل على ما اعتقد!" قالت مبتسمة... تهتُ في كلماتها! أية مشاكل هذه التي تنبع من اسمه؟ ياجيما تعرف شيئا لم تخبرني به، ويجب ان اعرفه الآن! "ياجيما... أية مشاكل؟" قلتُ باصرار جلي لتردف قائلة بهدوء: " انهُ من عائلة ناكازاكي المعروفة بعملهم! وبعض الناس يقولون انهم ملعونون بلعنة موت! اغلب رجال هذه العائلة يموتون في سن صغيرة! حتى والده توفي عندما كان تاكامورا لايزال طفلًا... طبعًا لا اصدقُ هذا الهراء ولكن الصحيح هو انهم لا يعيشون طويلًا!" بقيتُ مصدومة مطولًا، هذا مستحيل ليس هُنالك شيء سخيف كلعنة! ربما هذه صدفة! انتشلني صوت ياجيما وهي تقول ساخرة: "لا تقولي بأنك صدقت هذه القصة السخيفة، انه مجرد كلام يتناقله الحمقى لاتكوني سخيفة نات!" ابتسمت بغباء: "أنا لست بهذا الغباء لأصدق هذا النوع من الهراء!" نهضت تمسح الغبار من ملابسها قائلة بملل: "هيا لننزل من السطح قبل ان يرن الجرس! لا يزالُ لدي طن اسألة يجب ان انسخهم من كُتبك!" " يمكنك ان تأخذي الاحياء والادب الكلاسيكي معك! انا ذاهبة للنادي الرياضي أراك عند الرابعة!" نهضت وسبقتني بالنزول... بقيتُ احدقُ في السماء الملبدة بغيومٍ ماطرة وانا افكر بما حدث اليوم... الى ان ايقضتني قطرات المطر من شرودي فهرعت انزل من سلالم السطح... *تاكامورا * لقد تغيرت هذه المدرسة منذ ايام دراستي بعض الشيء! ألا يفترض أن هذه الغرفة هي غرفة المعدات الكيميائية!؟ تبا الى اين نقلوها؟! جذب انتباهي وقع خطوات تقترب بسرعة اختبأت خلف مدخل الغرفة بسرعة فدخل شابين وأخذا بعض الكرات ولم اسمح لهما أن يلمحاني فغادرا لأسترخي واتقدم نحو النافذة، ليفتح الباب فجأة! اصدر ارتطامي بالباب صوتًا ينبه من دخل بوجودي، تواجهت نظراتنا لأسترخي... انا شاكرٌ أنها هيّ! بقيتُ أحملق ببحريتيها مطولًا، كانتا متوسعتين على اشدهما بدت متوترة وهي تتحقق من اذا كان ثمة احد قريب من غرفة المعدات الى أن اغلقت الباب مرتاحة لتهتف: "ولكن ما الذي تفعلهُ هُنا سيد تاكامورا؟" بقيتُ ألمس التوتر في كلامها وأنا احدق بعينيها مجددًا! ولكن ماذا بي!؟ لما تجذبني عينيها في كُل مرة لهذه الدرجة؟! أجبتُ مشيرًا نحو النافذة: "كُنتُ على وشك الخروج! لقد فاجئتني، لم اسمعك قادمة انسة ناتاليا!" ابتسمت لتقول بحماس : "لطالما قيل لي اني خفيفة الحركة! عن ماذا تبحث، أيمكنني المساعدة؟" امسكتُ جبيني امسحه بخفة وأنا أستفسر منها: "اين نُقلَت غرفة معدات الكيميائية؟ لقد كانت في هذا المكان من قبل!" تقدمت نحو النافذة لتُشير نحو المبنى المجاور قائلة، "من النافذة الاولى حتى الخامسة هو مختبر الصف الاول، في الطابق الثاني وفي نفس الموقع للصف الثاني وفي الطابق الثالث للصف الثالث! وتجاور المختبرات المطابخ المخصصة لحصص التدبير المنزلي ونحن لا نلقي عليه تسمية غرفة المعدات بل مختبر الكيمياء! قبل سبعة سنوات حدث تحديث بمباني المدرسة واضيف ذلك المبنى ومبنى الادارة وتم اعادة استخدام هذا المبنى لغرف تبديل الملابس والمعدت الرياضية بعد ان اضيفت المساحة الخلفية لمساحة المدرسة من اجل الاراضي الرياضية ويطلق على هذه التعديلات مشروع تطوير المدرسة!" "مدهش! يبدو انه ليست الصفوف وحدها من تم زيادتها" نظرتُ نحوها وأنا استفسر "اتتوقعين وجود أحد في مبنى المختبرات الآن؟" بدت تُفكر مؤقتًا لتُجيب وهي تُشير للطابق الثاني: "فريق الكيمياء للصف الثاني يُجهز لاولمبياد الكيمياء على مستوى البلاد" ثم اشارت للنافذة المفتوحة من الطابق الاول:" ويبدو أن احد الصفوف الاولى لديه حصة تدبير منزلي!" فهمت! يجب ان أعود للبحث في ما بعد! و... قطعت حبل افكاري بصوتها المتردد: "سيد تاكامورا؟" منحتها انتباهي لتستفسر مترددة:" اتُريد الذهاب للمبنى؟" استغربتُ ملامحها، بدت قلقة وفي عينيها الكثير من الفضول "أهُنالك مانع؟" "في الواقع المختبرات مغلقة ولايسمح لغير المعلمين وممثلي الصفوف ورئيس نادي الكيمياء ان يحصلوا على المفاتيح! وذلك منذ حادثة حريق المخبر في الطابق الاول قبل سنتين!" ادهشتني! "ولكن من أين تعرفين كل هذه المعلومات!" امسكت ذراعها اليسرى بيمناها، لتجيب: "في الواقع ، كان اخي يدرسُ هنا قبل خمسة سنوات! وهذه الاشياء اعرفها لأني كُنتُ ممثلة الصف وقت الحريق! وكُنتُ رئيسة لجنة الطلاب العام الماضي! لذا..." قطعت كلامها اثر صوت فتاة يُناديها: "نات-تشان! نــات-تــشــــان....." نظرت نحوي لتقول بسرعة وهي تأخذ مضارب التنس: "اراك في الرابعة!" وخرجت مُغلقةً الباب بسرعة... "ولكن لما تأخرت كثيرا نات-تشان؟! قلقتُ عليكِ" "انا اعتذر، لقد شردتُ قليلًا! لنذهب بسرعة..." اختفى صوتها الرنان شيئا فشيئا... بقيتُ احدقُ بالمبنى وانا افكر مطولًا بكلامها، الى أن خطرت لي فكرة، فخرجتُ من النافذة وغادرتُ المدرسة... انهيت بعض اعمالي في المكتب ورفعت بعض التقارير، لقد مر الكثير من الوقت لم آتي للمكتب! منذ ذلك اليوم المشؤوم! لازلتُ غير قادر على تقبل هذه الحقيقة! في ذلك اليوم الشتوي، كان يجب أن أكون انا وليس هو!... *يتبع* |
|
12-12-2020, 06:36 AM | #8 |
مشرفة طلبات التصميم ومعارض الأعضاء
-ORILINAD
|
-
"الصعاب تختبر الرجال ليقدوا أقوى أو أضعف... تصقل شخصياتهم بقسوة" ✧✦✧ -6- *ناتاليا* لقد تأخر، اليس كذلك؟ لقد بدا مهتمًا بالموضوع! كان يُصغي بإهتمام ويُفكر بعمق... أتسائل عن كيف يشعر تاكامورا! أنهُ يملك تلك الملامح الجامدة التي تحمل الحزن والأسى، ويشرد كثيرًا! أتذكر أول مرة رأيته على الشاطئ... كان يبدو مُكتئبًا نوعًا ما! أو ربما هيَّ تلك الفكرة التي تتملكنا حين نراقب ظهر أحدهم فيبدو وحيدًا ومهمومًا! لقد بدأت السماء تُكسى بألوان نارية ولم يأتي بعد! ربما سيكون من الأفضل أن أستقل القطار قبل أن أتأخر عن المنزل! هذا ما كنتُ أفكر به وأنا أراقب ساعتي التي تشير للخامسة مساء، حين بان لي بسيارتهُ السوداء بداية الشارع... لا أصدق أني انتظرتهُ ساعة كاملة! ترجل من السيارة قلقًا وهو يقول: "أنا أعتذر لقد انشغلتُ بتولي بعض أعمالي المكتبية... أرجو أنك لم تتأذي أو يزعجكِ أحد!" ابتسمتُ بتعب:" إطلاقًا!" لم أدرك سبب تصرفي هذا الكثير من الأفكار راودتني لكن لم أتخيل أن أنتظر أحدًا كما أنتظرتهُ... ركبت في سيارتهُ بهدوء وربطت حزام الأمان، أخذت نفسًا عميقا لقمع غضبي واحباطي لهذا الموقف الذي وضعني فيه تاكامورا... حرك السيارة وهو يقود بحذر، وكالعادة كان يقود بحذر واحترافية خاوية من أية تهور.... بعد مسافة ليست بهينة ترجل من السيارة واشترى باقة زهور كاميليا بيضاء ثمة عاد لحيث يقتلني الفضول وأنا أراقبه، لكنه بقي صامتًا ولم يسأل أي شيء! أو لم يكن يريد أن يحصل على المزيد من المعلومات مني!؟ نظر نحوي حين بدأ بالحديث فجأة: "بالنسبة لتأخري... أنا حقًا اعتذر! في المرة القادمة، اذا تأخرت عشر دقائق عن الموعد فاعتبريني لن آتي لأخذك! لقد واجهت ظرفًا في العمل ولذلك لن آتي لأخذك! ولأنني لم أنبهك من قبل فقد قررت أن آتي مهما حدث!" عقدتُ حاجبي مبتسمة:" فهمت! ولكن ألا تريد أن نكمل حديثنا عن المختب..." لم أكمل فقد قطع كلامي بحزم:" آنسة ناتاليا، لا داعي أن تشغلي بالك في ذلك فقد تدبرت الأمر بما قدمته بالفعل، سأنجز باقي عملي بنفسي!" إنه يُخبرني أني خارج الموضوع اذًا! وكوني كشفت أمره صدفة في غرفة المعدات الرياضية لا يعني أن لي حق في التدخل في عمله... هذا قاسي لكنه الواقع. أومأت برأسي صامتة، توقف حينها بجانب بيت ياجيما، نزلتُ مودعة اياه واتجهت نحو الجانب الآخر حيث الرصيف بعد خطوتين لاحظت انطفاء محرك السيارة، ترجل وهو يُمسك باقة الزهور التي اشتراها، تقدم نحوي وتجاوزني وأنا قد تجمدت بذهول! وراح يقطع مسافة جيدة نحو البحر، جلس متقابلًا مع الأمواج التي تلونت بتدرجات الذهبي... وضع الباقة على الأرض وهو ينظر لزوال القرص البرتقالي... تقدمت وجلست بجانبه بلا وعي وخطفت نظرة لملامحه، بدا حزينًا وشارد الذهن! "أنت تحب الجلوس هُنا، صحيح؟ مالذي أقوله! بالتأكيد لا تحب هذا المكان..." "أنه مكان جميل! لكن، أعتبر هذه البقعة من الشاطئ بالذات بداية حياتي الجديدة!" "لماذا تعتبر ذلك؟" سألت بفضول جلي... "قبل فترة، تم انقاذي من قبل شريكي في العمل هنا! في ذلك اليوم كان المفترض أن أكون أنا وليس هو!" توسعت عيني على أوجها، أنه يقصد أنه كان يجب أن يكون هو من مات وليس شريكه! ويقولها ببساطة، كيف يفكر تاكامورا؟ أنا لا أفهم إطلاقًا! "وكيف يجعلك ذلك تفكر أو تشعر؟" نظر نحوي مدهوشًا! لم أفهم سبب دهشته، نظر نحو الشمس مجيبًا: "أنا لا أعلم! الندم والذنب ربما... فقد كان رجلَ أسرة، شابتين وصبي وطفلة في الطريق... في حين لم يكن ليكون من السيء الموت بدلًا عنه، فأنا لا يربطني بالحياة الكثير!" اليس هذا التفكير طبيعي؟! ولكن... "أنت مخطئ! إنه قدرك أن تُنقذ، فلا يُمكننا أن نشكوا من القدر لما تأوله به حياتنا! وما حدث معك جزء من خطط الإله لمسار حياتك! لا يمكنك أن تعترض عليه بل عليك أن تجاريه لتثبت له أنك تستحق البقاء على قيد الحياة لفترة أطول فأنت لم تتذوق الكثير من ما تخبأه لك الحياة!" ابتسم بألم وكانت أول مرة أراه يبتسم منذ عرفته: "التكلم عن القدر وخطط الإله بهذه الطريقة... يالك من فتاة! أي نوع من الخطط تنتظرني برأيك؟ طريقة أسوء للموت في مكانٍ قذر! فكري بالأمر... أين كُنتُ سأحضى بمشهد أجمل من هذا للموت؟!" "فكر بالأمر من ناحية أخرى! الموت موجودٌ دائمًا! لما تفكر به كثيرًا! فكر بالمواقف الجميلة التي تفقدها بالتفكير بالحياة من هذه الناحية! كجمال هذه اللحظات التي تسبق إنجلاء القرص المشع هذا! أو النسيم الذي يحمل عبق الرمال المبللة والمياه الباردة التي تنسل بين أصابعنا! هذا مجرد موقف واحد يحدث خلال هذه الثواني المعدودة! فما بالك باليوم الكامل؟ الشهر! السنة وتراكم الكثير منها! أليست هذه الحياة الروعة بحد ذاتها! الموت كان موجودًا قبلنا وسيبقى بعدنا! التفكير به لن يفيد بشيء علينا أن نكنز لحظات حياتنا بالإبتسامات والذكريات الدافئة!" خلل أصابعه بين خصلات شعري التي تجاوزت عيني وأعادهما لخلف أذني قائلًا: "ناتاليا ناكاموري! رغم أنني أجد طريقة تفكيركِ غبية جدًا، لكنني أتمنى لو كُنتُ قادرًا أن أغدو بهذا الغباء، لكانت حياتي أسهل بأشواط!" نهضتُ منفعلة: "ليس غباءً بل يقين! فكر بما جمعنا معًا في هذه اللحظة مثلا، ألا تعتقد أن من الممكن أن يكون أحد أعظم ألعاب القدر بنا؟!" أمسك بيدي وجذبني نحو الأرض لأجلس وهو يضغط على يدي بقوة: "منذ كنت صغيرًا وأنا أنتظرها... اللحظة المقدسة التي أموت فيها! لايمكن لكلماتك الجميلة مهما كانت جميلة أن تُبشعَها في ناظري!" "لا تقل ذلك" قلتُ بيأس ... "كل ما أتمناه في تلك اللحظة، أن لا أترك الكثير من التذكارات خلفي!" "تذكارات!" قلتُ هامسة لأكمل مُنفعلة:" هذه قسوةً منك! أن تعتبر من حولك تذكارات، هذا لا يجوز يا تاكامورا! أن يحبك الآخرون ويخلدوا ذكراك ويستحضروها كل فترة وفترة هو أجمل ما يُمكن للحياة أن تكون... مشاعر الآخرين نحوك بغض النظر عن ماهيتها، ليست تذكارات... بل شيء أجمل من أن يكون له مُسمى!" "جميلة... طريقة تفكيركِ جميلة! حافظي عليها." قال مغمض العينين... "تاكامورا! أنا لن أستسلم منك! رجاء لا تخذلني، فكر بلأمر من زاويتي ولو قليلًا!" كست السماء بالعتمة وشعشعت بألوان خافتة، وتغير عبير الرمال... "تأخر الوقت! صديقتك تنتظرك!" نهض متهربًا من الحديث... نظرت خلفي كانت ياجيما تنظر نحوي من خلف النافذة المطبخ، حركت يدي الوح لها مبتسمة من بعيد ثم أمسكت بذراع تاكامورا وسحبته نحو البيت قائلة: "تناول العشاء معنا الليلة!" "لا داعي لذلك! لدي عملٌ أؤديه في مكتبي الليلة!" قال مُتهربًا... "لاداعي للتهرب نحن لن نأكلك بل سنأكل معًا! العشاء سيجهز في أقل من ساعة وحسب!" قلت باصرار وأنا مازلت أسحبه نحو بيت ياجيما... في الواقع لم يكن يبدي أية اعتراض على سحبي له، فاستنتجت أنه محرج وحسب! اذكر ما قاله عن عدم أكله شيء منذ الأمس هذا الصباح ولا أريد له أن يبقى جائعًا حتى الغد! فالرجال اذا انغمسوا في عملهم لايشعرون بالوقت أو الجوع! بل يغلبهم التعب نائمين جوعًا! كما حدث مع أبي مرارًا وتكرارًا! دخلنا البيت معًا وكانت أختي وجوان يتجادلان معًا ولم أفهم لماذا لكن حين رأوا تاكامورا معي وقفوا مذهولين وخاصة جوان! لاشك أنهُ لم يتوقع أن أحضره معي! دخلت غرفة ياجيما وغيرت ثيابي ببلوزةٍ صفراء وبنطال جينز من خزانتها، ثم انضممت لياجيما في المطبخ وبدأت بمساعدتها بما أمكنني وحين جهز العشاء بدأت بترتيب الطاولة معها، كانت تبتسم طوال الوقت فسألتها وأنا أضع سلة الخبز: "ما سر هذه الإبتسامة ياجي؟" بدأت تدندن بلحن غريب وهي تبتسم وتبدو سعيدة:" من يدري؟!" نظرت نحو جوان الذي يبدو منزعجًا قليلًا، بل كثيرًا وهو ينظر نحوي بحدة! فبادلته ابتسامة واسعة... نظر للجهة الأخرى وقد نالت منه! اذا كانت تبتسم بهذه الطريقة بسبب تحديها لجوان، فهيّ حقًا شخصية انتحارية! في حين كانت آكاني تتعرف على تاكامورا بأحاديث صغيرة... وتبدو متفائلة ومستمتعة في حديثها معه. جلسنا خمستنا حول الطاولة وشرعنا نأكلُ من طبخ ياجيما الشهي، ولم تغب عني حدقتا تاكامورا المتوسعتين حين أخذ أول لقمة من الاستيك مع صلصة ياجيما الخاصة! نظر نحوي باستغراب فابتسمت قائلة: " لذيذ جدًا، أليس كذلك؟" أومئ برأسه وتابع الأكل ففعلت المثل. نهض جوان بعد العشاء و شرع بغسل الأطباق وتبعه تاكامورا قائلًا: "آنسة ياجيما، كان العشاء لذيذًا بحق! شكرًا على الطعام وأعتذر اذا تطفلتُ عيكم!" "ابدًا لم تزعجنا، يُسعدني أن تنظم لنا متى شئت!" "سيسعدني ذلك أيضا! عمتم مساء!" قلتُ باصرار:" لما العجلة؟! ابقى لبعض الوقت!" نظر نحوي بحدة:" في المرة القادمة، ستدعينني لمنزكِ صحيح!" ابتسمت بغباء:" لن يُعجبك طبخ جدتي والخادمة! ألا ترى أننا نأكل عشائنا هنا كثيرًا" اغمض عينيه بهدوء قائلًا:" ربما يمكنك أن تعديه بنفسك اذا؟!" ارتفع مستوى الحدة في كلامنا "أتظنني لا افقه بالطبخ؟!" "من يعلم؟!" "أتظنني سيئة في الطبخ؟" "من يعلم؟!" " أنت أتيت بهذا لنفسك اذا!" "ولربما، أنت من أتت بذلك لنفسها!" أنه محق! أنا لم أطبخ شيئا مميزا في حياتي! بل لم أحاول حتى! كان جوان ينظر نحونا بشك وهو يجفف الطبق مصدومًا وآكاني أشد صدمةً منه! وياجيما تخفي ضحكتها بيدها... لقد قضيتُ على نفسي بنفسي! غادر تاكامورا بغير أن يضيف شيء لكلامه السابق بل اكتفى بتكرار جملة: "عمتم مساءً!" ما إن غادر تاكامورا حتى انفجرت ياجيما من الضحك لما ورطت نفسي فيه وآكاني تقول لي "جننت؟!" اقترب جوان منها مستفسرًا "لماذا؟ ما الذي سيحدث؟!" غطت وجهها بيدها قائلة: "من يعلم!؟ لم يسبق أن رأيت أختي تدخل المطبخ وتعد شيئا على الإطلاق!" "الى هذه الدرجة؟!" قال مستفسرًا... نظرت آكاني نحوه بوجهٍ مظلم "تم تدمير ناتاليا!" ابتسم لي جوان بخبث:" مسكينة!" رميت بنفسي على الأريكة بتعب، قائلة: "لا تستهينوا بي! سأفاجئكم جميعًا!" *هيروشي* قضيت طوال النهار وأنا غير قادر على التوقف في التفكير بما يجب أن أفعل! مايزال والد اوريليا في بكين ولن يعود قبل نهاية الأسبوع... أمست السادسة حين وصلت لشارع الشاطئ وكانت السماء مظلمة، وقفت قُرب منزل ياجيما وأنا أتأمل المكان، لقد قضيت كثيرًا من الوقت مع ياجيما وناتاليا هُنا، أين ما نظرت ثمة ذكرى، ابتسمت لإحداها حين مرت من أمام ناظري! ترجلت من سيارتي وأنا أنظر لتلك البقعة الصغيرة، في ذلك اليوم الصيفي حين اشتريتُ المثلجات لياجيما وناتاليا، كان الجو كالفرن فذابت المثلجات بسرعة وشرعت هيَّ بالبُكاء!... كم كان عمرها؟! آه صحيح أنا كنتُ في العاشرة! اذا فقد كانت في السادسة من عمرها حينها! بقيت ناتاليا تحاول ارضائها بمثلجاتها لكنها كانت تذوب أيضًا! فشرعتا بالبكاء معًا! في ذلك الوقت كنا نسكن في المجتمع السكني الذي خلف بيت ياجيما! كنا صغارًا جدًا ولم نكن ننفصل! ويوم قال أبي أنه سيشتري بيتًا كبيرًا ولن نعيش في شقة صغيرة بعد اليوم، كنا سعداء لأننا سنحصل على غرف خاصة غافلين أن بيوتنا ستبتعد! مع ذلك كنا نأتي لهذا المكان كل يوم... لقد ابتعدت منازلنا وليس قلوبنا! توجهت نحو بيت ياجيما وأنا أسير ببطئ والكثير من الأفكار تعصف في داخلي .... ارتطمتُ بأحدهم فاعتذرت منه وأكملتُ طريقي ... يقابل باب بيت ياجيما الشاطئ ويعطي ظهره للشارع الرئيسي، حين وصلتُ للباب ضغطتُ الجرس ففتح الباب بسرعة! وكان جوان هو من فتح الباب ورحب بي، نهضت آكاني: "مرحبا أخي! أحان وقت العودة؟! ألا يمكننا البقاء أكثر!" "ليس بعد!" دخلت وأنا أخلع حذائي عند عتبة الباب وجلست على الأريكة متعبًا، نظرت في أرجاء الصالة: "أين ياجيما وناتاليا؟!" لم أنتظر الإجابة بل توجهت نحو غرفة ياجيما ودخلت بحكم العادة! ووجدت ياجيما تقف بجانب المرآة، لمحتني عند الباب فاقتربت قائلة بسخرية ومكر مبتسمة: "آه أنظر من شرفنا! كيف حالك أيها الأخ؟!" "ماذا مع هذه اللهجة الساخرة ياجي؟!" سحبتني وهي تقول: "تعال!" طوقت ذراعي وهي تكمل مشيرة لناتاليا: "أنظر من قررت أن تصبح امرأة حقيقية!" كانت تقرأ كتابًا ما وهي تجلس على السرير! لم أفهم فسحبتني وأجلستني بجانب ناتاليا ثم جلست خلفي وهي تقول: "ماذا تقرأين ناتاليا؟!" اقتربت مني وهي تطوق عنقي بذراعيها وأكملت:" ماذا تقرأين؟ ماذا تقرأين؟!" كانت تحدثني أنا وليس ناتاليا... تسألني أنا! أعرف اسلوبها هذا! نظرت نحو الكتاب فكان.... لحظة! أهذا؟ سحبته منها غير مصدق: "أهذا كتاب طبخ؟!" "أخي! أعده..." أخذت الكتاب وعادت تقرأه وتعلو وجهها تكشيرة كبيرة! أكانت ياجيما تزعجها قبل قدومي أيضًا؟ نظرت للملتصقة بظهري وأنا أسأل: "ماذا حدث معها؟!" ابتسمت وهي تخفي وجهها خلف ظهري كي لا أراه: "من يدري!" نهضت ناتاليا وأخذت كيس ورقي من خزانة ياجيما ووضعت بعض الكتب به، بدى لي أنها جميعها عن الطبخ! سمعت من قبل أن كل الفتيات يمرن بمرحلة من الجنون! ويبدو أن هذه احداها! بعد قليل كنا قد غادرنا لأعيد الفتاتين للبيت قبل العودة لبيت اوريليا، فما دام والدها ليس هنا يطلب مني البقاء معها طوال الوقت! قبل سنة، تعرضت اوريليا للخطف عبر مجرمين محترفين، اعتقد كان لأجل طلب فدية من والدها، قيل لي أنهم كانوا يتكلمون بلهجة لاتينية! وقد تعرضت لضغط نفسي كبير حتى بعد عودتها سالمة! لهذا قام والدها بتوظيف حراس لها وقد وجدته مسليًا فتقدمت للعمل وحين عرف أنها تعرفني مسبقا طلب مني مرافقتها طوال الوقت! مع أن هذا ليس عملي، انما لأنني أجيد فنون القتال وقد كسبت بطولة في الأعدادي وثلاث في الثانوي واثنين في الكلية، فقد قبل توظيفي! في الواقع طالما اردت ان أحترف الكاراتيه لكنني حين بدأت ممارستها بشكل رسمي، طلب والدي مني أن أدرس ادارة الأعمال حين أكبر ليسمح لي بالمشاركة في البطولات! كنت في الثاني الأعدادي حينها ولم يكن هنالك ما يهمني غير المشاركة في الدروس والبطولات! مازلت أتمنى أن أعود لجو البطولات والتدريبات التي تسبقها لكنني لا أستطيع أن أخلف وعدي! مع أني قد حصلت على دعوة لحضور البطولة الوطنية للمحترفين! الفائز سيحصل فرصة تحدي ابطال باقي الدول والذهاب لأولمبياد العام المقبل لكن.... لا يمكنني القبول أو بالأحرى لا أستطيع على الأطلاق! ترجلت من السيارة وتوجهت نحو البيت لأغير ملابسي قبل أن أعود وما أن دخلنا حتى لاحظنا الجو الغريب في البيت! كان والدي قد عاد من استراليا. كان يجلس في الصالة الكبيرة وجدتي تجلس معه وترتوي من شوقها له! لقد مر شهرين ونصف منذ سافر وكانت هذه اطول فترة سافر أبي فيها وحده! ما ان سمعت آكاني صوته عند الباب حتى هرولت اليه واحتضنته بقوة وبدأت تقبل وجهه كثيرًا! تقدمت ناتاليا غير راضية لأن الأخرى سبقتها! وما أن ابتعدت قليلًا حتى رمت نفسها عليه وهي تقول "اشتقت اليك كثيرًا!" ضمها اليه و هو يقول:" صدقيني ليس اكثر مني حبيبتي الصغيرة!" بقيت تجلس على قدمه وهي تحتضنه بقوة وآكاني تحاول ابعادها لتبقى قربه أكثر من الأخرى! يبدو أن لا حاجة لي هنا! مددت يدي لأصافحتهُ وهو جالس محاط بالفتاتين تصافحنا لأجلست استمع لأحاديثهم وأخذني الوقت وأنا مع العائلة... لم أنتبه للوقت الا مع عودة أمي للبيت وقد تفاجئت كثيرًا حين رأت والدي، نظرت لساعتي فاذا بها التاسعة ليلًا! أخذت جوالي وأرسلت رسالة لماتسو زميلي في العمل قائلًا فيها أني لن أعود قبل منتصف الليل! مر الوقت كالسحر... كان الوقت متأخرًا جدًا، خلد الجميع للنوم بقيت جالسًا في مكتب والدي، يجب أن اعود لاوريليا الآن! لكن لا رغبة لي بالتحرك أو فعل أي شيء، أنا حقًا متعب! تعبت من العمل، الحياة والتفكير... لأول مرة اشعر أني عاجز! نظرة للدعوة بين يدي، أحلامي بين يدي وواقعي على ظهري! أمسكت بالظرف من زاويتيه لأمزقه لكنني لم أستطع! لأول مرة في حياتي اشعر أني لا اريد التقدم في أي شيء! اتمنى لو كنت ساكنا كالنجوم! غافلني والدي وأنا أحاول أن أمزق الظرف من جديد عاجزًا... تقدم وأخذه من يدي فجأة وبدأ يقرأ محتواه! استغربتُ بشدة فقد كان يبتسم بهدوء... "أهذا ما يؤرقك يا بني؟! أم شيء آخر؟" "أبي... لدي رجاء منك اعرف أنك لن تخيبني به! سأفعل أي شيء تطلبه فقط حقق لي امنيتي!" "أتريد الذهاب؟!" قال بملامح جامدة وهو يرفع ظرف الدعوة... عضضتُ شفتي السُفلى وأنا أنزل رأسي... جمعت شتاتي وقد اتخذت موقفي: "لا! بل هنالك امر أهم من ذلك!" رفعت رأسي وأنا أنظر اليه بتحدي انزلت رأسي من جديد وأكملت "أنت تعرف أن السيدة جمين توفيت بعد ذهابك بعشرين يومًا.... السيد يوتاشي توشيري عم ياجيما وجوان ينوي بيع عقار البيت ليجبر ياجيما أن تذهب معه للعاصمة! كما تعرف بيتهم ملكٌ له وهو يضغط عليها كثيرًا لم يمر على وفاة الأم سوى قرابة خمسون يومًا وها هو يحاول تفريقها عنا وعن شقيقها!" رفع والدي يده وحركها على ذقنه ليستوعب الموقف جيدًا قال برزانة: "وتريد مني أن أفعل ماذا تحديدًا؟ انه ملكه ويحق له أن يفعل به ما يشاء!" "انا أعلم" قلت بألم... ثم أكملت: "أرجوك اشتري البيت من أجلي! اذا فعلت فلن يضغط عليها عمها بعد الآن!" تفاجئ قليلًا ثم قال بتحدي: "هيروشي... أنت تعلم أني لن أفعل ذلك لك بدون مقابل حتى لو كنت ابني الوحيد!" اعرف ذلك جيدًا! لم يسبق أن قام أبي بفعل شيء بلا مقابل! في نهاية الأمر هو رجل أعمال ناجح بنى عمله من الصفر في وقت لم يكن يملك بيتًا يسكُن به! "أي شيء تطلبه!" "تعال للعمل في الشركة معي!" قال بهدوء... رفعت عيناي مستغربًا... توقعت ذلك لكن لم أتوقع أن يطلب ذلك مباشرةً بدون لف ودوران! الى أن كسر ذلك مكملًا: "ستبدأ بالعمل كمبتدئ، لتفهم اساسيات العمل وبعد سنة اذا كنت تستحق فسأضيفك مع الموظفين الدائمين ريثما تثبت نفسك لتترقى كمدير تنفيذي! لن تترك العمل قبل سبعة سنوات... لا يمكنك الإنسحاب بأي شكلٍ كان ان فعلت فتعرف ما سأفعل! حين تنتهي السنوات السبع سأعطيك الملكية لعقار البيت وحينها يمكنك أن تفعل ما تشاء! تبقى أو تترك العمل يكون خيارك حينها!" كان ذلك سيحدث في نهاية الأمر! لكن ليس بهذه القسوة! ابتسمت بالم وأنا أمد يدي لأصافحه موافقًا لشروطه! تصافحت معه..... وأنا أدرك أني استسلمت ولأول مرة في حياتي وتخليت عن كل طموحاتي وغروري... ما كان يواسيني أن ذلك كان يستحق التضحية. أخذت الظرف منه وذهبت لغرفتي، نظرت لزواياه بدت لي خاوية بوسعتها رغم أنها ممتلئة! ولم أدرك أن ذاتي هيّ التي خوت من كل شيء الا الهزيمة. يالها من حياة قاسية، فيّ دقائق معدودة حولت شاب طموح لرجل مهزوم! استيقضت صباحًا وقد أدركتُ أني نمت في البيت! لقد نسيت نفسي! بدلت ملابسي بسرعة وغادرت غرفتي... استوقفتني ضوضاء تقدمت لأجد ناتاليا وجدتي تطبخان معًا! شيء نادر حقًا! كانت جدتي تقدم ملاحظات لناتاليا والأخرى تنفذها! يبدو أنها جادة حقًا! لم يخفى عني أن جدتي كانت سعيدة لإنضمام ناتاليا للمطبخ! أخذت كعكة من على الطاولة بخفة وغادرت بغير أن تتم ملاحظة ذلك، كان طعمها جيدًا لكنها لم تكن كما تعدها جدتي منتفخة وطرية أيضًا! بل كانت جافة نوعًا ما! جعلني ذلك استنتج أنها من اعداد ناتاليا! لابأس بها كأول تجربة! جلست في سيارتي وأدرت محركها وبعد مسافة قصيرة جدًا أوقفت السيارة... تذكرت حديثي مع أبي أمس وأدركت أن هذه آخر مرة اذهب لبيت اوريليا بحجة العمل! وأنني قد لا أراها الا نادرًا بعد اليوم! بقيت جالسًا في السيارة وأنا افكر مطولًا! وحين إنتبهت أني تأخرت عدلت نفسي لأتحرك، حينها لاحظت ناتاليا تخرج من البيت، كُنت على وشك العودة لأيصالها فقد تتأخر لأصدم بها تركب سيارة سوداء وتغادر مَعهُ! ما الذي حدث؟ لم أستطع استيعابَ ذلك! *يُتبع* |
التعديل الأخير تم بواسطة فِريـال ; 12-12-2020 الساعة 07:02 AM
|
12-12-2020, 06:54 AM | #9 |
مشرفة طلبات التصميم ومعارض الأعضاء
-ORILINAD
|
-
"لدينا عالمنا البسيط لانحتاج عالمكم وقوانينه!" ✧✦✧ -7- *آكاني* ياله من صباح هادئ! الجو ليس حارًا ولا باردًا الرياح تهب بهدوء شديد! "لماذا تتعب نفسك؟ دعني وشأني!" قلت للمزعج الذي يسير بجواري! "هذا ليس من شأنك! ليس كأنني أتتبعك، انه طريق المدرسة!" قال وهو يمدد يداه... "لست مجبرًا على السير ومعك دراجتك!" "لدي وقت ولست مُستعجلًا للوصول للمدرسة!" "يالك من لُصاقة!" قلت بضجر "لأنك كالمغناطيس للمشاكل! ولن أدع هيروشي يعتقد بأنني لم أعتني بك، فوقعت بها!" قال بسخرية... "وقح!"... أنه هكذا منذ فترة! يأتي ليرافقني من وإلى المدرسة! ماذا به على أي حال؟ يقول كلامًا قاسيًا ويلتصق بي كظلي! يوميًا وفي كل مكان... في الحصة يجلس خلفي، وقت الغداء يأكل معي، وفي اجتماعات ممثلي الصف معي وفي المختبر يجلس بجانبي! وفي المطبخ في نفس الفريق معي! كأنني مربوطة بحبل خفي معه! نظرت للدراجة، لم أركب واحدة منها مذ دخلت الثانوية، لأنه ليس لائقًا مع التنورة القصيرة! لذلك أسير كل هذه المسافة يوميًا... "أختي محظوظة جدًا! لديها من يوصلها يوميًا!" قال جوان ببلاهة وهو يُشير لنفسه: "وأنا أوصلك يوميًا!" "ماذا؟ أتمزح معي؟" قلتُ باستهزاء لأكمل بحماس "ليتني كنت بدلًا عنها! حتى لو كان حبيبًا مزيفا مازال تاكامورا رجلا رائعًا للغاية!" "ماذا... أتمزحين أم ماذا؟ أو لعلك كباقي الفتيات غبية وحسب!" قال مستهزء وهو ينظر للأمام.. "لست غبية! يحق للفتاة أن تحلم أحيانا!" قلت غاضبة... وقف جوان فجأة وركب الدراجة قائلًا: "اركبي على السلة الخلفية! أعرف أنك تعبة من المشي!" "لا أريد!" قلتُ باشمئزاز، فبادلني نظرة باردة مطولًا... استسلمت وأنا أجلس على السلة بعد أن أعطيته حقيبتي... أمسكت السلة التي أجلس عليها بكلتا يدي قائلة: "اياك أن تسرع كثيرًا!" "لا يحق لك الطلب!" قال بشقاوة... وحرك دراجته بسرعة نسبية... أمسكت بقميصه بيدي اليسرى خوفًا وسألت: "صحيح جوان، بيتك ليس ببُعد بيتي فلما تحتاج الدراجة؟" لم يُجبني ولم يتسن لي رؤية ملامحه فلم أفهم موقفه.. يبدو غريبًا مؤخرًا، يشرد كثيرًا أتسائل ما يشغل باله؟ قبل أكثر من سنتين، كُنت مع الصف في مساحة خاصة بالتخييم يزورها طلاب المدارس وكان صفُ جوان في نفس المكان معنا! كانت مدرستنا تفصل صفوف الأولاد والبنات... لم أكن قد قابلته من قبل الا حين كُنا صغارًا ولذلك لم أعرفه... مع أنني أعرف ياجيما التي كانت تأتي لمنزلنا بكثرة الا أنني لم أذهب سوى مرات قليلة لم يكن في البيت حينها.... تقابلنا صدفة وحدث خلاف بيننا أنا وصديقاتي معه وأصدقائه، كانوا معروفين بأنهم الأكثر شغبًا في المدرسة اولائك الأربعة! جائتني إحدى صديقاتي تشتكي من اولاد الصف الآخر يبدو أن أحدهم كان قد رمى بها في البحيرة! حينها استشطت غضبًا ودبرنا انتقامنا مع الفتيات وخربنا خيمتهم في الليل وهم نيام! يبدو أن جوان كان مستيقظا حينها فرأني بين الفتيات، الغريب أنه كان يعرفني وأنا لا! وقد قام حينها بالتغطية علي ولم يشي بي وحين عادوا وازعجوا فتاة أخرى قمت بتدبير مقلب آخر لكن جوان أمسك بي وأبعدني عن المكان قائلًا: "توقفي عن حشر نفسك بالمشاكل! أتظنين أنهم سيدعونك وشأنك اذا عرفوا ما تدبرين لهم؟! سيُدمرون حياتك!" "هذا لايعنيك فلا تتدخل!" قلتُ بوجه مُحتقن وأنا مصرة أن أنفذ انتقامي لزميلتي منهم! وما كان منه الا وصفعني على خدي بقوة وهو يقول: "يالقلبك الأسود! كيف لفتاة مثلك أن تحقد على أحد لم يؤذيها!" صرخت في وجهه والدموع في عيناي: "أتظن نفسك أفضل مني؟ وأنت كنت معهم ايضًا!" "يكفي!" قال بنبرة آمرة وهو يبعد نظره عني! نظرت له بامعان كانت نظراته باردة جدًا. " لا تعيديها! لن يرضى هيروشي اذا حدث لك مكروه وأنا اراقبك فلا تصعبيها!" ختم كلامه وهو يوليني ظهره وذهب. لاحقًا عرفت أنه شقيق ياجيما وذلكَ يوم جنازة والده السيد توشيري، لقد كُنتُ مصدومة جدًا حينها. *ناتاليا* كان يتذمر لتأخري، لقد اتصل بي ثلاث مرات ولكنني طلبت منه أن ينتظر! ولم أشعر الا وأمست الثامنة! لم يبقى سوى نصف ساعة على بداية الحصة... "كما تعرفين، أنا لست عاطلًا عن العمل! لاتكرريها! ستصلين في الوقت المحدد ولكنني تأخرت سلفًا!" "أنا آسفة... آسفة... آسفة حقًا!" بقيت أعتذر حتى وصلت، وترجلت مودعةً اياه بسرعة... ولم أدرك بأنني قد نسيت حقيبة نقودي خطئًا في سيارته الا حين كنتُ أنوي دفع ماعلي في مقصف المدرسة... كان الموقف محرجًا للغاية... لم أحضر معي طعامي ونسيت حقيبة نقودي، والأسوء تم احراجي من قِبل البائعة! عدت لصفي خائبة، نظرت حولي لم أجد ياجيما اذ انها لم تأتي اليوم! نهضت أذهب لحيث أختي فتفاجئت بجوان عند الصف، نظر للصف فلما لم يجد ياجيما سألني: "أين أختي؟! من النادر أن لا تكونا معًا؟" استغربتُ وأنا أجيب:" الا تعلم أنها لم تأتي؟" تبادلت نظرات استفهام مع سوداوتيه! ليقول بأسف: " لم أحضر طعامي معي فقد كانت تعده حين غادرت البيت صباحًا ولم أحضر نقودًا معي!" ابتسمت لأستفزه قائلة:" مسكين!" بادلني بنفس أسلوبي:" ماذا عنك؟!" "لن أجادلك! فأنا لم أحضر معي غدائي والأسوء نسيت محفظتي!" "لاتقوليها! لقد كُنت أفكر بالإقتراض منك للتو!" قلتُ بشيء من الألم:" مع الأسف! لنذهب لآكاني!" تلبك قائلًا:" أنا لا أستطيع أن أطلب منها! سيكون موقفًا محرجًا أمام أصدقائي!" ابتسمتُ وأنا اجره معي:" لابأس... لابأس... أنا سأطلب وأنت تذهب للشراء!" قال بشك:" ولما أنا وليس أنت؟" لم أستطع أن أجيبه بصراحة عن ما حدث معي في المقصف قبل قليل فراوغته قائلة: "لأنك ستكون الأسرع، هيا قبل نفاذ الكمية!" دخلت صفها ولحسن حظي لم يكن به سوى أختي واثنين من زميلتيها! لم تمانع آكاني أعطائي النقود بلا تردد مع انها كانت تتذمر بسبب اهمالي! ذكريني من الأكبر؟! "عليك أن تكوني حذره أختي! كدت تتأخرين صباحًا رغم أنكِ مستيقظة منذ الخامسة والآن نسيت شيء مهم كهذا!" "حاضر.. حاضر ماما!" قلتُ لها مازحة وأنا أغادر صفها ملوحة! وجدتُ جوان يجلس القرفصاء في الزاوية، أعطيته النقود مبتسمة... اتفقنا وغادر للمقصف وذهبت أنا للباحة واشتريت مشروبين غازيين بطعم البرتقال وعدت لصفي حيث سبقني جوان وجدته يجلس على طاولتي وهو يضع رأسه على الطاولة حركت كتفه قليلًا فاذا به ينهض فزعًا! "ماذا بك؟! أخفتني حقًا!" أعطيته أحد العلبتين وأخذت كيس مشترياتي منه... قال وهو يحك فروة رأسه "لا شيء حقًا! لقد فاجئتني وحسب!" بدا لي أكثر من متفاجئ ولكنني لم أشأ ازعاجه... "سأذهب للباحة الخلفية فالجو جميل، هل تأتي؟!" رفع العلبة عن الطاولة وهو يتبعني قائلًا: "ولما لا؟!" كان الجو كالصباح تمامًا لكن ادفئ، فقد توسط القرص الذهبي قلب السماء! جلسنا نأكل بهدوء، نادرًا ما يحدث شيء كهذا! أقصد أن نجتمع أنا وجوان من دون اخواتنا! "أتسائل لما غابت ياجيما؟ سأراسلها!" قلت وأنا أخرج هاتفي... "وأنا أيضًا! لم تقل لي شيء حين غادرت صباحًا!" "ولما لا تأتي معها؟!" نظر لشطيرة البيض بين يديه مطولًا وهو يتهرب من الإجابة بوضوح: "ناتاليا... أنا أعتذر لما فعلت! اعتبريه انتقامًا صبيانيًا!" ابتسمت برضى:" ليس عليك الإعتذار! فقد تجاوزت ماحدث حقًا! تجاوزه وحسب!" قال بشماتة:" لا أنوي أن أتجاوز مزحتكِ الغبية! انما أنا آسف لطريقة الرد عليكِ! كان يجب أن تكون أقوى!" "ها ها ها... أرجو أن لا تفعل اذًا؟!" قلتُ بمرح لأغير الجو العام بيننا، ابتسم بهدوء وتابع أكل طعامه بغير أن يضيف شيءٍ... وحين أنهى أكل حصته، مد يديه نحو كيس شطائري وسرق واحدة تحت ناظرَي سحبت الشطيرة الأخيرة وأنا أخفيها عنه: "ألم تشبع!" "فعلت!" أجاب مغمض العينين! أغاضني عمدًا لأثور عليه: "اذا لما تأكل من حصتي؟!" "لأنني وقح! أليس سببا كافيًا!" "وقح!" قلتُ مستغربة! لم أفهم ما قصده لكنه لم يكن يمزح! "أنت... لا تبدين منزعجة من التمثيلية السخيفة! وهذا غريب!" نظرت اليه بابتسامة لم يفهم مغزاها اذ انه بدا لي مشوشًا ولم يفهم موقفي! في تلك اللحظة لمحت شخص من بعيد، كان يبدو غريبًا ومألوفًا في نفس الوقت... نظرت مليًا لكنني لم أتعرفه، لم يسبق أن رأيته في المدرسة من قبل! كان يبدو شيخًا كبير السن بخصلاته البيضاء، والشعر قد تساقط من معظم رأسه يسير بهدوء مستعملًا عكاز خشبي يساعده على الوقوف بعد أن تقوس ظهره قليلًا! "هي جوان... أتعرف الرجل العجوز؟!" نظر جوان له بحيرة وهو مستغرب منه مجيبًا : "رأيته مرة واحدة من قبل لكنني لا أعرفه... لعله أستاذ لأحد الصفوف!" لم أقتنع من كلام جوان، أنا ادرس هنا ثلاث سنوات ولم أراه من قبل، فلا يعقل أن يتم نقل استاذ عجوز للمدرسة! رجل في مثل سنه يفترض أن يكون قد تقاعد منذ عشرين سنة! فلا يعقل أن يكون استاذًا! بلا وعي مني أخرجت هاتفي وأخذت صورة له، لم تكن الصورة تظهر ملامحه جيدًا من زاويتي ولكنني التقطتها! "لما الصورة؟" سأل جوان مستغربًا من تصرفي فأعدت الهاتف لجيبي وأنا أجيب مبتسمة: "فضول! سأسأل أخي عنه!" "اتظنين أن هيروشي يعرفه؟" "ربما!" قلت وأنا أنهض من المقعد الخشبي وأجمع المخلفات التي سببناها، ورميتها في السلة المهملات التي خلفنا... "من الأفضل أن تعود لصفك يا جوان، سيرن الجرس بعد قليل!" "حاضر... حاضر سيدتي!" قال منصاعًا وسبقني نحو مدخل المبنى الرئيسي للصفوف... وقفت أنظر لحيث دخل العجوز وكلي شك قوي، "أيعقل؟!" رن الجرس فاستدرت عائدة لصفي وأنا أنظر لورائي مشغولة البال فاذا بي اصطدم باحدهم فوقعت على الأرض فاقده توازني! "أنا آسفة... انه خطئي!" قلتُ وأنا أرفع رأسي فاذا به أحد العاملين في تنظيف المدرسة، أنزل قبعته على عينيه وهو ينحني قليلًا: * "انا اعتذر آنستي!" قال بصوته المخملي الذي له صدى خاص في اذناي... امسكت القبعة وأبعدتها عن عينيه، تلكما الخضراوتان اللتان تشعان حدة! تغيرت ملامحه قليلًا ولكن، العيون نفسها! كان يضع لحية وشوارب مصطنعة وقد غير شيء من ملامحه ليبدو أكبر قليلًا من سنه، ابتسمت بثقة وأنا أعيدها اليه ثم أخرجت هاتفي، كان يتجاوزني حين أمسكت بذراعه، فاستدار مستغربًا من فعلتي وضعت الهاتف بيننا وأنا أقول: "هذا العجوز، أنا واثقة أنه ليس استاذا! أظنه شخص يستحيل أن يتواجد في المدرسة!" نظر للصورة لبعض الوقت بتركيز ثم أخذ الهاتف من يدي وهو يعبث به... لم أفهم ماذا كان يفعل ولكنه سأل في نفس الوقت: "أنت حذقة أكثر من ما توقعت! أن تنتبهي لشيء كهذا... أنا مندهش!" "كما تعرف، انه عجوز للغاية ولم يسبق لطالبة نشيطة في المدرسة أن تراه، لاتمزح معي... يستحيل أن يكون استاذًا! كما ليس هنالك اجتماع أولياء الأمور وليس هنا ليرى المدير أو الأساتذة بحكم أنه أب... اذ لا حاجة ليأتي للباحة الخلفية ان كان كذلك!" * وضع الهاتف في يدي وغادر بغير أن يضيف شيءٍ وهو يلبس قبعته، ابتسمت وأنا أشاهده يتجه نحو مبنى المختبرات والمطابخ وهو يجر عربة ادوات التنظيف... أن يفكر بالعمل كعامل تنظيف، يبدو محترفًا في عمله! لدرجة أنه غير ملامحه حتى! تذكرت أن الجرس قد سبق ورن فهرعت عائده للصف ومن حسن حظي وصلت قبل الأستاذ هاياموتو، استاذ التاريخ، بثواني قليلة اذ دخلت من الباب الخلفي وهو دخل من الباب الأمامي للصف... لاحظتُ أنه كان يحدق فيَّ بسوداوتيه بحدة فنهضت معتذرة عن تأخري! انه من الأساتذة الصارمين حقًا! رجل متوسط العمر، سمين وشبه أصلع وبدأ الشيب يغزو شعره خلف اذنيه! يلبسُ نظارة طبية ذات اطار أسود بارز مع ربطة عنق ربطت باهمال! معروف عنه أنه لا يهتم بهندامه لكن تدريسه للتاريخ جميل وطريقة سرده تدخل الطلاب في جو الملحمة التي يرويها! لا يمكنني قول الشيء نفسه عن الإختبارات الصعبة التي يمنحنا اياها نهاية كل شهر! مرت حصة التاريخ وعقبتها حصة الأشغال الإضافية، وكانت تتمحور حول الرسم! لا بأس برسمي لكنني لست بارعة به كياجيما! فهي ترسم ببراعة وبأساليب مبهجه للناظر! كانت تمضي الكثير من الوقت في غرفة الرسم هذه مع نادي الرسم في الصف الأول لكنها لم تعد تستطيع الحضور بسبب وفات والدها وتراكم المسؤوليات عليها... في أثناء الحصة حدث شيء غير متوقع، اذ دخلت الأستاذة ميومينا وهي امرأة في بداية الثلاثينيات، قصيرة القامة وذات وجه بشوش اذ انها تبدو أصغر مما هي عليه تجمع شعرها للخلف بحيث تتدلى بعض خصلات شعرها المموج، خلفها عنوة! ويمكنك أن ترى تلك الفرشاة التي تجمع شعرها بوضوح! يتبعها شابين وثلاثة فتيات وكان من بينهم... جوان! كنت مندهشة! ماذا يفعل هنا؟! بدأت الأستاذة بحديثها معنا: "اليوم سنبدأ بتلوين اللوحة التي رسم خطوطها الأسبوع الفائت على اللوحات الخاصة بكم وسنلونها بالوان زيتية! معكم هنا خمسة من الطلاب الذين أعتبرهم أفضل الرسامين في نادي الرسم! وهم هنا لمساعدتكم بملاحظات تراودكم!" قال جميع طلاب صفي في نفس الوقت: "شكرًا على المساعدة!" كانوا يحومون حولنا ويساعدون بملاحظاتهم بقدر ما يستطيعون، أشارت زميلتي مانا لأحدهم منادية اياه، لفت انتباهي صوته وهو يبدي ملاحظات ونصائح لها، حين اختلست النظر اليه كان يحمل نفس هالة والده! حين كان يعلمنا الرسم في المدرسة الإعدادية! كان مختلفًا عن العادة، يبدو لطيفًا بنظراته ومحترفًا بنصائحه حقًا! اقترب مني يختلس النظر للوحتي وبدأ يُريني اخطائي وبسرعة مرر فرشاته على بعض النقط التي افسدتها وهو يبدي رأيه عن اسلوبي والخطوات الخاطئة التي ارتكبتها! فجأة وبعد ضرب الفرشات بخمسة نقط اصبحت اللوحة تبدو أجمل من أن تكون لوحتي ! تلك العيون السارحة والشفاة المزمومة، كانت تبرق بشدة! من كان ليتوقع أنه جوان! لو لم أكن أعرفه لما صدقت! لطالما عرفت أن جوان يرسم، لكنني لم أتوقع أن يكون بهذه المهارة! كأنه ساحر وألقى تعويذته على عالمي! في نهاية الحصة كنت أنظر للوحتي، ولم أشعر سوى أني أسيرة فيها لجمالها! الا أنها لم تعد لوحتي! في اللحظة التي وضع يده عليها، أصبحت عالمه! كان الجميع يجمع ادوات رسمهم وتنظيف الاواني والمناشف التي استعملوها في أثناء الرسم بالألوان الزيتية، عداي! كنت مأخوذة في عالمه! اقتربت مني زميلتي مانا وهي تمسح على كتفي لتعيدني لعالم الواقع فادركت نفسي! قالت مانا وهي تحملق باللوحة: "لم أتخيل وجود رسام محترف مثله في مدرستنا! رأيتك معه وقت الغداء من أي صف هو؟" كانت تتكلم عنه باعجاب وهي تلف خصلة من شعرها بلا شعور، ابتسمت رغمًا عني! فهي تتكلم عن جوان! الشاب الأكثر استفزازًا ممن قابلتهم في حياتي! "أنت تقصدين جوان! هو في الصف الأول!" نظرت لي بعيون متوسعة على اوجها، قالت وكأنها لا تريد التصديق: "في الصف لأول... مستحيل! أنه وسيمٌ جدًا! كيف تعرفينه؟" ابتسمت قائلة بشيء من الفخر: "إنه شقيق ياجيما الأصغر!" وما أن قلت ذلك حتى التفت الجميع الي! كان جوان يقف بجانب الأستاذة ميومينا ويتحدثان بعمق وحين سمع ما قلت نظر نحوي ببرود! تحلق نصف الصف حوله وهم يحاولون التعرف عليه اقتربت ووقفت بجانبه وأنا أمسك ذراعه أحاول أن استمع لكلامه مع الأستاذه ميومينا فختم حواره معها: "سأحاول لكنني لن أعدكِ بشيء!" نظرت اليه بدت نظراته نحوي مظلمة فابتسمت رغمًا عني فلطالما أحببت استفزازه كما يستفزني! سحب يده واستأذن من الأستاذة للعودة لصفه قبل أن يرن الجرس... استغربت تصرفه فسألت الأستاذة ميومينا: "معلمتي... ماذا به جوان؟ بدا خائب الأمل لي!" قالت وهي تضع يدها على خدها: "أشعر بالأسف عليه! موهبة مثله تستحق السطوع... لكنه اعتذر عن المشاركة بالمعرض السنوي للمدرسة وثمة مسابقة توهو الوطنية للرسم ايضًا، سيحصل الرابح على منحة لدراسة الفن في الكلية... لكنه قال لي أنه لا يستطيع المشاركة باكثر من نشاطات النادي! أيعقل أن يكون بسبب النفقات!" قال أحد الطلاب الملتفون حول الأستاذة قائلًا: "لابد أن يكون السبب!" وقال آخر:" لقد فقدت عائلة توشيري الأب قبل سنتين والأم قبل شهرين وهذا طبيعي!" * وهكذا بدأ الجميع يتهامسون مع بعضهم عن هذه القصة... شعرت بالأسف عليه، ولأول مرة تسائلت، كيف يشعر جوان تحديدًا؟! *جوان* تسابقت مع خطواتي نحو الصف، كنت أحاول عدم الهرولة مُحاولًا ايصال نفسي للصف! كان الجرس قد رن مُسبقًا... دخلت الصف هرعًا، فكانت تجلس وهيّ تكتُب في كِتابها وأكثر من نصف الصف قد غادر... نظرت نحو مدخل الصف الأمامي كانو يجتمعون حول بعضهم ونظراتهم لا تطمئن ... وحين رأوني أدخل، التقطوا حقائبهم مُغادرين! تنفست الصعداء وأنا اشاهدهم يغادرون الصف.... تقدمت نحو مقعدي وجلست وتمددت على طاولتي لأرتاح قليلًا وأنا مغمض العينين، بعد دقائق شعرت بها تضربني وهي تتمدد.. فتحت عيني وبلا قصد، أفزعتها! "أنا آسفة... لم أنتبه، متى عدت للصف؟" أعدت رأسي على الطاولة: "أنا جائع! أيمكننا أن نعود الآن! لقد اعتذرت من زملاء النادي... دعينا نذهب!" عادت تنظر نحو الأمام وهي تدنو من كتابها... "لست مجبرًا على البقاء! عُد اذا كنت تريد! أريد أن أكمل حل مسائل الرياضيات!" "حسنًا!" وكان آخر ماسمعته هو صوت همهمة الطلاب... ولم أشعر بنفسي الا وغفوت! كانت لمساتها الدافئة على وجهي تزعجني، ولم أشأ الاستيقاظ لشدة تعبي وأرقي بسبب السهر اللية الماضية... وحين أدركت نفسي كانت الشمس تشع بالبرتقالي... نهضت فزعًا وأنا أنظر حول نفسي! لم أشعر بنفسي اطلاقًا! نظرت اليها فاذا بها عابسة! "أخيرًا استيقظت! الم تقل أنك جائع؟ لنذهب!" حملت حقيبتي وأنا اتذمر منها: "متى كنتِ تنوين ايقاضي؟ حين يسود الليل مثلًا؟!" احتقن الغضب بوجهها وبرقت زرقاوتاها المخضرة قائلة: "ما شأني أنا بك!؟ لم أطلب منك البقاء اصلًا!" كانت عيناها تشع بتحدي وضوء الشمس المشع أدخل ؤرقاوتاها المخضرة بلونٍ بنفسجي تارةً والفضي تارة أخرى لتمتزج الألوان! بتُ أكره أن أجادلها كثيرًا! لأنني أعرف أنه سينتهي بخلاف كبير! حملت حقيبتي وغادرت الصف لتَّبعني مغتاضة! ركبت الدراجة وأنا أنظر اليها مطولًا: "اسرعي وحسب! أنا مرهق وبالكاد أقف!" "لن تسرع كثيرًا كالصباح صحيح؟!" قالت بشك... "حسنًا.. حسنًا سأقود بهدوء!" لم تعد لدي طاقة لأهدرها بالكلام... فلم أشأ استفزازها ومناقشتها أكثر... وخلال خمس دقائق كنا قد وصلنا لبيتي فنزلت وهي تقول بنشاط وحماس مفرط: "وصلنا!" "أين لك بكل هذه الطاقة بعد هذا اليوم الطويل!" قلت ذلك ودخلت للبيت وعلى غير العادة كان هيروشي قد وصل قبلنا! استغربنا أنا وآكاني كثيرًا فهذا غير معهود! كان يغط في نومٍ عميق على الأريكة الكبيرة وسط غرفة الجلوس: "لقد عدت! أختي أين أنت؟" خرجت من غرفة الغسيل وهي ترتدي مئزر العمل وتحمل سلة مليئة بالملاءات البيضاء: "أهلا بعودتكما! التزما الهدوء رجاء" قالت وهي تشير نحو هيروشي النائم! ثم عادت للداخل فذهبت لغرفتي... أخترت بعض ملابسي من خزانتي وغيرتها، لقد كنت كسلًا لدرجة منعتني من الأستحمام... كانت أختي ماتزال مشغولة بالغسيل... وقفت عند باب غرفة الغسيل تحت السلم، وقد كانت غرفة صغيرة تضم غسالتين والمكواة... "أتغسلين شراشف الغرف؟!" قلتُ باستفسار... وضعت الغسيل في السلة بعد أن أخرجته من الغسالة الكهربائية والتفتت الي بابتسامة "أجل! لقد نسيت غسلهم في العطلة ولدّي الكثير من الدراسة لأقوم بها ابتداءٍ من الأسبوع القادم! كما طلبت بعض الفتيات ذلك مني هذا الصباح!" أتحاولين خداعي أم ماذا؟! هذا لا يُصدق! "أنت تعرفين أنك لا يجب أن تتغيبي لهذا السبب! بحق... لقد شغلت بالي طوال اليوم!" "أيه! أنا لم أقصد اقلاقك أخي اللطيف... آه تذكرت، لقد اشتريت بعض الأضواء الجديدة! غير التي في الصالة والذي في الحمام والشرفة أيضًا! ..... غدائك فوق المايكرويف! سخنه جيدًا!" قالت ذلك لتعود لعملها متهربة من الحديث! أنها تفعلها مجددًا! تحاول أخفاء شيء عني ثانيةً! سأتأكد من كشفه بعد الأكل! تناولت غدائي بعد أن سخنته بالمايكرويف... وكنت أغسل أطباقي حين استيقظ هيروشي من النوم، كان هادئًا على غير العادة! في حين عادت المجنونة للدراسة! الا تمل من الدراسة كل هذه الفترة الطويلة في المدرسة وحين تعود منها؟ جلستُ على الأريكة مُتقابلًا مع هيروشي وبجانب المجنونة، كان يبدو غريبًا فسألت بفضول: "هيروشي... كيف حالك؟!" مدد يديه وهو يقول بارهاق بادي: "مرهق! لقد كان يومًا أصعب من ما يمكن أن يكون!" اردفت المجنونة باستغراب: "هذا غير عادي! لم يسبق لك أن تذمرتَ من العمل!" لم يجب هيروشي بشيء! لا ألومه لا أحب أن يتم استجوابي بما لا أحب الحديث عنه أيضًا! دخلت أختي المطبخ في نفس الوقت، فلفتت انتباهنا جميعًا، المطبخ يطل على غرفة الجلوس ونوافذه تطل على الشاطئ! نهض هيروشي نحو الحمام... فتوجهت لأقوم بتغير الأضواء في الطابق الثاني! يارجل أنه اكثر شيء أكره فعله! الصعود للطابق الثاني... يعني مقابلة الفتيات الجامعيات اللواتي يسكنَ معنا، وأنا لا أحب الإختلاط معهن! فالفتيات مرعبات، ولست ابالغ! غيرت أضواء الأنارة وقد حالفني الحظ بأن لم تتم ملاحظتي، توجهت للشرفة حاملًا السلم المتحرك وقمت بالشيء ذاته وشدني جمال البحر من هذه النقطة... كان القمر بدرًا، شدتني الوانه الذهبية وحجمه الذي بدا كبيرا والنجوم المتلئلئة واضحة لعتمة الأفق... وكانت الشمس قد غرُبت منذ وقت ملحوظ! أخرجت هاتفي والتقطت صورة سريعة ونزلت للطابق السفلي حاملًا السلم معي لأعادته للمرأب... وحينها كانت الصدمة! كان الجميع يقفون وينظرون لناتاليا مستغربين لهذا الموقف... تلك الغبية! لما أحضرته معها؟ ولكن وبطريقةٍ ما كان ذلك ممتعًا! كأنها دراما رخيصة ليجتمع فيها الأخ مع حبيب أختهُ المزيف! وبدون قصد وبفعل العادة شعرت بالشماتة بموقف ناتاليا! أخرجت هاتفي والتقطت صورًا لملامحها كذكرى! "من؟ من تكون أنت؟!" قال هيروشي... بدا لي أنه يعرفه لكن لايتذكر أين، فقد كان يفكر وهو شارد نحو الآخر... التفتت ناتاليا نحو ناكازاكي وملامحها حذرة، اقتربت أختي ووقفت بجانب هيروشي وقبل أن تفتح فمها قال ناكازاكي بوجه بارد: "ألست أنت من اصطدم بي البارحة؟!" حين غادر ناكازاكي البارحة جاء هيروشي بعد عدة دقائق! أيعقل ذلك؟! أجاب هيروشي ببرودة لا تقل عن الآخر: "لا أذكر!" بجدية! لا أعلم لما أشعر بأن ذلك لن يمر على ما يرام! "وقاحة! عليك تذكر وجوه من تصطدم بهم حتى اذا كنت شاردًا يا.... من أنت؟!" فتحت عقدة وجه المتجمد ليكمل كلامه مستغربًا! لقد تأخرت عن السؤال! أشارت ناتاليا نحو هيروشي تحاول منع الكلام الحاد قبل أن يزداد حدة: "عفوًا هذا أخي الأكبر هيروشي ناكاموري!" أشارت نحو ناكازاكي وتوقفت قبل أن تٌكمل وهي تنظر نحوه... ليتقدم الآخر نحو هيروشي وهو يمُد يده مقدمًا نفسه: "أعتذر عن فضاضتي!... تاكامورا ناكازاكي!... تشرفت بمعرفتك!" بادله هيروشي المصافحة وهو يجيب: "تشرفت بمعرفتك! أشعر أني رأيتك في مكان آخر!" "أعتذر اذا كنت غير قابل للتذكر!" كانت برودة الجو السائد تجوب بين أوصال الجميع! حين يُقرّر هيروشي التصرف ببرود مع أحد لا يرتاح له، يبدو مرعبًا! *يُتبع* |
التعديل الأخير تم بواسطة فِريـال ; 12-12-2020 الساعة 07:03 AM
|
12-12-2020, 06:55 AM | #10 |
مشرفة طلبات التصميم ومعارض الأعضاء
-ORILINAD
|
-
"نحن البشر لانختار من نحب، واكيد لايختارونا... بل اقدارنا هي من تختارهم لنا." ✧✦✧ -8- *جوان* كانت برودة الجو السائد تجوب بين أوصال الجميع! حين يُقرّر هيروشي التصرف ببرود مع أحدًا لا يرتاح له، يبدو مرعبًا! انسحبت من هذا الجو وذهبتُ لإعادة السلم للمرآب والذي يقع بابه مواجهًا للشارع، المكان الذي كان يستعمله والدي لركن سيارته التي تحطمت في الحادث! المكان الذي آتي إليه حين أريد البقاء وحدي... المكان الذي يعبق برائحة التربنتين*[1]! المكان الذي كان يرسم به! المكان الذي أرسم به لأحياء ذكراه!... إنه أوسع من صالة البيت! نصف مساحة الطابق السفلي! لقد بنى جدي الأكبر هذا البيت في عام 1905 وقد بنى المرآب أساسًا لترسم فيه زوجته ولاحقًا أصبح مكانًا لركن السيارة، ويبدو أن والدي وعمي الأصغر قد باعا حصصهما بالبيت لعمي الأكبر بدافع الحاجة وبحكم أنه تاجرٌ وغني نوعًا ما بالنسبة لأخويه! عمي الآن ينوي بيع البيت! لا أصدق ذلك! ألا يدرك أنه لا يبيع مجرد بيت عادي! إنهُ يبيع أكثر من مئة سنة من ذكريات عائلة توشيري! لم تمر سبع سنوات على إعادة ترميم البيت وقد وضع أبي كل مدخراته لفعل ذلك! سحقًا! عدت لداخل البيت وبطريقةٍ ما كان الجميع يجلسون حول مائدة العشاء! أي نوع من البشر هؤلاء، ليجلسوا حول نفس الطاولة بعد أن قذفوا بعض بكل تلك البرودة! لكن أستطيع تخيل ما حدث! (ياجيما: العشاء جاهز لنأكل معًا!> الجميع بحماس: نتطلع لذلك!> طعام أختي اللذيذ جدًا!) أي فصيلة من الوحوش البشرية أنتي يا أختي؟! أعني... أن تجمعيهم بهذه الطريقة! وبدى لي أن هيروشي أمسى مقربًا من ناكازاكي خلال الدقائق الخمس التي غبت فيها! أي نوع من البشر هؤلاء؟! جلست بجانب هيروشي بجواره وعلى رأس الطاولة ياجيما، يقابلهُ ناتاليا ويقابلني ناكازاكي وبجواري المجنونة! ما هذا الجو أنا غير مرتاح أبدًا! "هيروشي... ماذا تعمل حاليًا؟!" "سأبدأ العمل غدًا في شركة والدي! لمَ تسأل تاكامورا؟!" كان الجميع ينظر لهيروشي مستغربين كحالي! مالذي قاله وحسب! أكمل ناكازاكي بغير إدراك أن ثمة خطب بما قاله هيروشي... "فضول! أي نوع من الشركات، شركة والدك؟!" "شركة تجارة بحرية! عملنا استيراد وتصدير حسب طلب الزبون، أي أن الشركة مؤسسة خدمات نقل وتجارة.. حسب معرفتي!" "هكذا اذًا... في الواقع لا أستغرب ذلك، فمدينتنا مشهورة بمينائها الكبير!" "بالفعل... ماذا عنك؟! ماهي وظيفتك تاكامورا؟" "أنا شرطي!" استغربنا جميعًا عدى ياجيما وهيروشي! حتى ناتاليا بدت مستغربة، ماذا ألم تكن تعلم ذلك؟! قال هيروشي بحماس: "كما هو متوقع من عائلة ناكازاكي العريقة!" تجمدت ناتاليا كالحجر... لتقول ببرود: "كُنت تعلم ذلك صحيح؟" أومأ هيروشي رأسه بابتسامة غبية لتثور ناتاليا: "ما الداعي لتسأل إذا كُنت تعرف!" أجاب هيروشي ممازحًا: "بدى لي ذلك ممتعًا! عرفت ذلك منذ قدم نفسه أول مرة!" تجمدت ناتاليا وهيّ تُهمهم ببرود: "وأنت أيضًا!" وجه هيروشي وجهه نحو أختي ليسألها بفضول وهو يُشير نحو ناكازاكي بعيدان الطعام: "صحيح لمَ أخترته؟ عدى كونه وسيم ويصلح للأنقاذ!" إنه يعرف ما حدث أيضًا! متى بحق السماء فعلتم كل ذلك وأنا لم أغب سوى خمسة دقائق أن لم تكن أقل! أجابت ياجيما بعد أن ابتلعت ما بفمها: "صدفة!" "صدفة!..." وجه نظره لناكازاكي:" وأنت كيف وافقت؟" أجاب المعني وهو يخفض عيدان هيروشي: "أدين لها بخدمة وحسب! أذكر أنها قالت لي شيء عن... أحمق أقحم صديقتها بلعبة غبية وتحتاج مساعدة!" أحمق! أنا أشعر بالأهانة هنا! قالت ياجي والمجنونة في نفس الوقت وهما تنظراني نحوي: "أحمق كبير!" ابتلعت ريقي وأنا التقط نظرات هيروشي تتفحصني كما لو أنه عرفَ أنهما يقصدانني! ثم وجه كلامه لناكازاكي: " أحمق!؟ لو كنت مكانك لترددت أو رفضت! إصلاح المشاكل التي يتسبب بها الحمقى أمر مرهق! كيف تفعل ذلك تاكامورا؟" توقفوا عن تكرار كلمة أحمق! أشعر بأنني الشخص السيء هنا! حتى لو كنت أخطئت فأنا نادم بالفعل! نظرت نحو المجنونة وكانت تبادلني نظرة شماتة! أنتِ هي أسوء الناس لا تحملقي بي شامتة أيتها المزيفة! أجاب ناكازاكي الأخر: "حتى أنا لا أعرف ذلك هيروشي!" إنهم حتى أصبحوا يُنادون بعضهم بأسمائهم الأولى! استطيع فهم ناكازاكي إذ أنه في غرفة واحدة مع ثلاثة ناكاموري ولكن ما باله هيروشي وبهذه السرعة! بالكاد ربع ساعة يعرفه في حين أنا أعرف ناكازاكي منذ بداية الشتاء ولم أناديه باسمه الأول مرة واحدة! كيف يفعلون ذلك؟ ماذا يكونون هؤلاء من بين البشر بحق السماء!؟ رن جرس الباب فنهضت أفتحه لعلي أتوقف عن تلقي الصدمات من هؤلاء البشر! وإذا به، ناكاموري رقم أربعة! ألقيت التحية بابتسامة صغيرة: "مساء الخير عمي... لم أرك منذ شهور! أهلًا بك!" "مساء الخير يا بني! هل أختك في البيت؟!" قال وهو يقدم علبة متوسطة ذات غطاء شفاف فيها كعكات مزينة بالقشطة والفواكه، أومأت برأسي وأنا أخذ العلبة منه ووقفت جانبًا لأدعوه بالدخول مبتسمًا. "شكرًا على الكعك لم يكن عليك أن تزعج نفسك ياعم... تفضل بالدخول." دخل وهو يخلع حذاءهُ قائلًا:" عذرًا على الأزعاج!" حين رأى ابنائه جالسين على المائدة استغرب كثيرًا وما أن وطأ في الصالة حتى احتضنته المجنونة! ما هذا الأنقلاب المفاجئ في الشخصية؟! منذ متى وهي تستطيع أن تكون لطيفة؟! نهض الجميع احترامًا له، ولاحظ تاكامورا ليقول مبتهجًا: "تاكامورا! ما هذه الصدفة... لم أرك منذ فتره طويلة!" تجمد الجميع مستغربين وبشدة! أهو يعرفه! ما هذا أنحن في دراما رخيصة أخرى!؟ كان ناكازاكي متجمد من الصدمة، ليقول وهو على حاله بنبرة منخفضة: "السيد لاو؟!" تقدم نحو العم ليصافحه وهو يكمل: " كيف حالك سيد لاو؟ مرة فترة طويلة منذ آخر مرة قابلتك!" ضحك العم بصوت مرتفع وهو يضرب ناكازاكي على كتفه بعفوية في حين ماتزال المجنونة ملتصقة به. "لقد كبرت منذ آخر مرة رأيتك فيها! كيف حال آياكو والسيدة ماتسوموكو؟" "إنهما بخير سيدي! شكرًا على سؤالك!" تقدمت ناتاليا والتي هذه المعلومة تهمها (والدها يعرف ناكازاكي!) وهي تسأل ناكازاكي مبتسمة: "أتعرف والدي؟!" نظر نحوها بصدمة حين أدرك الموقف بحق ليسأل مشدودًا للموقف: "السيد لاو... والدك؟!" أومأت برأسها بضعة مرات مبتسمة وهو مايزال غير مصدق ليدير رأسه نحو الآخر: "ناتاليا... ابنتك؟!" قال العم مبتهجًا: "بالطبع هذه هي ابنتي نات التي كنت أتحدث عنها مع السيدة ماتسوموكو تلك المرة!" "نات المشهورة هي ناتاليا!؟ مستحيل!" "ما بك يا بني لا تصدق؟! أرى أنك تعرف هيرو و آكي أيضًا!" صحيح العم ينادي أولاده هكذا! أول مرة أسمع بآكي! ولكنني لم أفهم لم ناكازاكي غير مصدق؟! وما نوع العلاقة التي تجمع العم مع ناكازاكي وعائلته؟! أردت أن أسأل لكن هيروشي سبقني بذلك وهو يقف بجانب ناكازاكي الأيسر: "كيف تعرف تاكامورا يا والدي؟" أجابه بفخر: "لأنه ابن صديقي وزميلي من الأعدادي نانكارا وكنا دائمًا معًا حتى تخرجنا من الثانوية! وكذلك والدته آياكو كانت زميلتنا في الثانوية! كانت فتاةً حسناء للغاية وما أن تخرجا من الثانوية حتى قررا الزواج! لقد كُنا نتسكع في منزل نانكارا طوال الوقت، مثلكم تمامًا مع هذا البيت! آه ذكريات!" شعر ناكازاكي بالأحراج من كلام العم لاو ولم نفهم لم! في حين طغت السعادة على أولاد العم جميعهم لسماع القصة عن ماضي والدَي ناكازاكي وجه العم سؤاله لهيروشي: "هل أنتم أصدقاء أيضًا!" لف هيروشي ذراعه حول عنق ناكازاكي مجيبًا: "أفضل الأصدقاء من الآن فصاعدًا!" لا لست كذلك لم تمر نصف ساعة على معرفة بعضكم البعض! وضعت ياجيما في أثناء ذلك الطعام للعم لاو ودعته للأنضمام معنا، وبطريقة ما كنا جميعًا نجلس مجددًا ونحن حول مائدة العشاء! أختي... بارعة! بعد العشاء قدمت ياجيما الكعك الذي أحضره العم كتحلية... حين انتهينا نهض ناكازاكي وانصرف قائلًا: "لدىّ تقارير علىّ رفعها للمفتش!" بعد ذلك لم يستطع أحد أن يمنعه من الذهاب! رافقته أختي وناتاليا نحو الباب لتودعانه وعادت أختي بسرعة وبعد دقائق دخلت الأخرى وهي تبتسم ابتسامة بلهاء! أشارت ناتاليا نحوي لتناديني بسرية فتوجهت نحوها بغير لفت انتباه أحد، صعدنا السلم وجلست عند بدايته، ووقفت أنا عند الدرجة الرابعة متكئ على الحائط، بدأت بالعبث بهاتفها وهي تبحث عن شيء وحين وجدته أعطتني إياه قائلة: "أتراقبه من اجلي غدًا واليوم الذي بعده؟!" نظرت للصورة مستغربًا:" العجوز؟ لمَ؟" بدأت تعبث بغرتها وهي تقول موضحة: "أريد أن أعرف أين يتواجد عادةً!" "ولمَ تريدين ذلك؟!" قلتُ بأصرار أخذت نفسًا عميقًا وهي تقول: "يهمني الموضوع! إذا فعلت فسأشتري لك شيء تريده!" "أنا لا يهمني ولا أريد أن تشتري لي أي شيء!" "سأشتري لك مجموعة ألوان كاملة! لا أقصد تلك الأنابيب الصغيرة بل العلب الكبيرة التي تدوم كثيرًا!" قالت بابتسامة صادقة لم استطع نكرانها! "تلك ثمينة حقًا! ستذهبين لهذا المدى حقًا؟" "أجل لتعرف كم الموضوع يهمني ويكون لك دافع للمساعدة" "ماكرة! مالذي ستستفيدين منه على أي حال؟" "همممم من يدري؟ ربما شيء ستجده سخيف إن علمت به... إنها مجرد يومين فقط!" قمت بالتفكير عميقًا، تبدو الصفقة رابحة! مع أني مؤخرًا مشغول بمجالسة الطفلة المجنونة والأنتباه عليها... إلى أنها مجرد يومين! نظرت نحو ناتاليا وسلمتها هاتفها قائلًا: "حسنًا موافق! مع أني أشعر بأني أناني لموافقتي!" "لست كذلك! أبقي الموضوع بيني وبينك... ولا تخبر أحدًا!" "حاضر... حاضر سيدتي!" أعرفها منذ كنت صغيرًا، كأنها معرفة أبدية! حتى أني أملك صورًا التقطها لي أبي وأنا رضيع وهي تحملني بين يديها! حين تصر على شيء تكسبه، حين يجتاحها الفضول... فتكتشفه! فناتاليا نسخة خاصة عن الأنثى التي تتصرف بمثالية نموذجية! ذكية في دراستها وحياتها اليومية، لطيفة وممتلئة بالحياة، اجتماعية وعفوية بطبيعتها... والخصلة الأبرز أنها رياضية وتنافسية جدًا! هذه الصفات تجعل منها مجنونة كفاية لفعل أي شيء تضعه نصب عينيها! اتساءل ماذا تنوي من إبرام صفقة كهذه معي؟! نزلنا السلالم وتوجهت نحو الصالة، لم يكن ثمة أحد نظرت نحو المطبخ كان هيروشي وآكاني يتجسسون على أختي وعمي من خلف النافذة! انضممنا معهم بدافع الفضول ونحن نسأل عما يتحدثان! لكن الآخرين مثلنا لا يعرفان ماذا يحدث! دخلت أختي البيت واعتذر العم عند الباب... قال وهو يحدث هيروشي بتأمر: "أعد شقيقتيك للبيت! سأذهب للقيام بأمرٍ مهم وسأتأخر بالعودة الليلة!" "حاضر..." قال هيروشي بانصياع... دخلت ياجيما وجلسنا لبعض الوقت كانت شاردة بشكل واضح! كنا جميعًا ننظر لها ولكنها لم تقل شيء كانت تفكر بعمق وفجأة علت ملامحها طيف ابتسامة! ولم تكن هذه البسمة إلا لتزيدنا فضولًا! ختم هيروشي الذي أدرك أنها لن تبوح بشيء هذا الجو وهو ينهض قائلًا: "لنعد للبيت فقد تأخر الوقت وأمست الثامنة وأربعون! لدينا دوامٌ صباح الغد!" "ماذا؟ بهذه السرعة؟ كيف يمضي الوقت سريعًا!" تمتمت ناتاليا متذمرة... خلال دقائق كنّا أنا وأختي نودعهم عند الشارع وقد كان الجو لطيف وبارد بعض الشيء! انتهى شهر ماي بالفعل! وبداءت حرارة الجو ترتفع... *ناتاليا* كان يومًا حافل بالأحداث! كنسيان أخذ الطعام رغم أني قضيت الصباح كله أطبخ وأجرب حتى تأخرت عن موعد الذهاب مع تاكامورا! ونسيان حقيبة نقودي في سيارتهُ.. آآآه كم كنت محرجة حين أعادها لي! لم أفهم حتى كيف ومتى وقعت مني! ربما بسبب العجلة حين كنت اتفحص حقيبتي! المشكلة أنها حقيبة صغيرة وعدم الانتباه لوقوعها كان أمرًا طبيعيًا! ثم لم أتخيل أن يلتقي أخي وتاكامورا هكذا فجأة! ثم قدوم والدي ومعرفة أنه يعرف الآخر مُسبقًا! صدمة! أصبح لدي المزيد مما يُثير فضولي! كـ كيف تبدو السيدة آياكو والجدة ماتسوموكو! أنهم عائلته تاكامورا! يأخذ المرء شخصيته من عائلته فكم أخذت منهم يا تاكامورا؟ وأخيرًا اتساءل عم كان والدي يتحدث بشأنه مع ياجيما! لقد لاحظت أن الجميع كان مهتمًا بذلك وجوان كان مشوشًا وبصورة واضحة على ملامحه! على ذكر جوان، ارجو أن يتمكن من معرفة أي شيء عن العجوز، لقد وضعت كل آمالي عليه! فبعد أن نهاني تاكامورا عن التدخل بموضوع العجوز أصبحت مُصرة أكثر لأعرف من يكون وما السبب الذي جعل تكامورا يُطالبني بالابتعاد عن الموضوع كأنه لم يحدث! سألت أخي بالفعل وقال أنه سبق ورأه مرة واحدة لكن لا يتذكر أين! هذا بدأ يُغيظُي! بدأت كل أحداث حياتي اليومية تتحول من ياجيما لتاكامورا! حتى أني نسيت أن أسحب أذنها لتغيبها اليوم لأسباب سخيفة ومصطنعة! المشكلة أني حتى إذا أدركت كذبها فلن اصارحها وأحتفظ بما عرفته لنفسي لحين تخبرني بنفسها لاحقًا! دخلت غرفتي وأنا مرهقة حقًا! استحممت وارتديت بجامة نومي الصفراء... وبقيت أدرس العلوم للغد بعد أن راجعت دروس اليوم... وفي النهاية قبل النوم بدأت اترجم تمارين اللغة الأنجليزية في آخر لحظة قبل أن أنساها وأخلد للنوم! *ياجيما* "سأخبرك فلم يعد لأخفاء الأمر عنك معنى! هذا الصباح مباشرةً بعد مغادرتك، طرق العم يوتاشي باب البيت وبدأ بالتهديدات والوعيد بالأسوء مثل أنه عرض البيت للبيع ووجد شارٍ بسهولة! وأنه ليس لدىّ سوى يومين للتفكير وأخلاء البيت! وبعد أن غادر أصبت بشيء كبير من الخيبة حتى أني قلتُ انتهي الأمر!" كان مذهولًا ومنفعلًا! يُصغي بأهتمام ولا يُقاطعني كالعادة! وحين صمتّ قال بشيء من الخوف: "اكملي!" أكملت وأنا محبطة بعض الشيء: "قال العم لاو أنه اليوم، قام بشراء البيت!" نهض مصعوقًا:" العم لاو!" أكمل متحمسًا:" ولمَ الأحباط! أقصد أنهُ العم لاو وليس غيره هو بالتأكيد لن يطردنا صحيح؟!" أخذت نفسًا عميق أحاول أن اقنع نفسي أني سعيدة بذلك: "لن يفعل! لقد قال أنه سيبقي العقار معه لسبعة سنوات ثم يعطيه لهيروشي!" " ماذا يعنيه ذلك؟" تمتم قائلًا... أتكأت بظهري على الأريكة وأنا أحاول ترك كل تعبي عليها: "هيروشي... أبرم صفقة مع والده!" "صفقة؟!" قال هامسًا وبدأ يفكر لبعض الوقت إلى أن انتفض قائلًا: "العمل في الشركة! أهي صفقة مع أبيه!" أومأت برأسي وكلي حزن وأسى! ولم أشعر بنفسي إلا وانهالت دموعي أمام أخي الصغير وأنا أبذل كل جهدي لتتوقف! لقد كنت سبب في أن يفعل هيروشي أكثر شيء يكرهه حقًا! والأسوء قد أكون سبب في ابتعاده عمن يحبها أيضًا! فقد جاء وقت الغداء وقال شيء لم أفهمه جيدًا "لقد انتهى كل شيء سعيت له!" أقترب أخي وهو لا يُدرك العواصفالتي تجول في خاطري، احتضنني بهدوء وهو يقول لي بصعوبة: "أنا آسف! لقد كان أنا من أفسد الأمر حين أخبرت هيروشي! سامحيني ياجي!" جلست أمشط شعري الأسود أمام المرآة في غرفتي، لقد كان السيد لاو يبدو سعيدًا وفخورًا! في حين بدى هيروشي منهارًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى! -:"كما تعرفين... إنهُ عالمٌ قاسٍ! أعرف أنك في هذه اللحظة تفهمين ما أقصده جيدًا! فأنتِ لم تعودي طفلة، وقد مررتِ بالأمرين خلال هاتين السنتين... أريد لهيروشي الأفضل! بطريقةٍ ما هيروشي مُستعد لفعل أي شيء لأجلكِ... لقد فاجئني ذلك كثيرًا... فمن أجلكِ عزم وتخلص من عناده وتخلى عن أنانيتهُ... أمسى رجُلًا في ليلة واحدة!" -:"ماذا تقصد بذلك ياعمي؟" -:"ياجيما يا ابنتي، الرجولة ليست أن تكون رجُلًا وحسب! بل همّة وتضحية! حين تُضحي بما تحب لأجل من تحب... تغدو الرجل الذي يجب أن تُصبحه!" لكن يا عمي... هذه قسوة! كيف لشخص أن يُضحي بما يُحب من كل وجوده؟ هل يفعل جميع الرجال ذلك؟ كيف يستطيعون أن يتحملوا مثل هذه التضحية؟! اتساءل هل يحقُ لي أن أشعر بالسعادة والراحة وأنا سببُ كل ما يمُر به هيروشي من مواقف؟ لا شك أنه مُكتئب وبشدة! أن أكون سببًا في ابتعاده عن اوريليا، لا يُغتفر! أنا أكره نفسي لمجرد التفكير فكيف وقد حدث بالفعل! ساعدني يا إلهي! كان الوقت متأخرًا، التقطتُ هاتفي الجوال وأنا أنظر للورقة التي دونت عليها رقم هاتفٍ أخذته سرًا! لو عرف هيروشي فلن يسامحني! ضغطّ الأزرار وأنا ارتجف، انقطع الأتصال ولم يأتيني رد! كتبت رسالة صغيرة: "أنا ياجيما توشيري... آنسة اوريليا، هلّا رفعتِ السماعة لوسمحتِ؟!" أرسلتها وأنا مغمضة العينين، كنت ما أزال ارتجف... انتظرت قليلًا لترى الرسالة، ريثما أتصل من جديد وإذا بها تتصل بسرعة غريبة! "ماذا تريدين؟" تفاجئت من لحن حديثها! كانت تبكي بحرقة! تمالكت نفسي وأنا أجيب بصوت مرتجف: "أنا آسفة! لم أكن اتعمد ذلك!" "ماذا تقصدين بحق السماء؟" "أنا لو كُنت أعرف أن هذا سيحدُث، لما سمحتُ لأخي أن يخبر هيروشي!" " كاذبة! توقفي عن العبث معي، أنا أعرف أنكِ فعلتي ذلك مُتعمدة! أنتِ تُحبينه اعترفي!" كان صوتها مبحوح وأقسم أنها كانت تبكي وهي تكلمني! "أنا لست أكذب! أقسم بوالدي الراحلين، هيروشي مجرد صديق الطفولة!" "ماكرة! ليس هنالك شيء كصديق طفولة، الصداقة لا تدوم بين الرجل والمرأة!" "راقبيني إذًا! راقبي لتري حدوث ذلك بأم عينيك! كيف تتجرؤين وتظني سوءٍ بمن أحبك بطريقة جنونية!" استشطت غضبًا رغمًا عني! لم تعجبني طريقة كلامها، كأنها تُريد جعله واقعًا! أتاني صوتها: "أنى لكِ أن تكوني بهذه الثقة؟" ابتسمت رغمًا عني: "هل تعين ما تقولينه لي حتى؟! لم أتخيل أنك غبية إلى هذه الدرجة!" "لم أفهم!" "لأنني واثقة من أنها حقيقة لن تتغير! هيروشي يحبكِ حقًا أيتها البلهاء! فكري بالأمر بهذه الطريقة؛ إن لم يكن كذلك، فلمَ أخبرك بما قرره؟!" "لماذا قال لي!... كيف لي أن أعرف؟!" " لأنه يريدك أن تعرفي كل شيء منه! لتعرفي أنك مازلتِ كما كنتِ ومكانتك لم تتغير في قلبه! لأنه كان واثقًا بأنك ستفهمين! وأنت ماذا فعلتِ؟" قالت بصوت منخفض بشيء من الخجل استطعت ايجاده في طريقة كلامها: "صرختِ وتفوهتِ بالترهات له!" "لأنك تحبينه! أليس كذلك؟" "أممم أجل! لكنني لم أخبره!" كانت مُحرجة لأنني حملتها على الأعتراف أخيرًا! ولم تدرك بأنني في اللحظة التي كلمتني فيها متهجمة على كما لو كنت عدوتها، أدركت كم هي غبية لكونها تظُن بأنها لم تعترف من قبل! "هل أنتِ بخير الآن؟" "أجل! شكرًا لأتصالك ياجيما!" "العفو لقد كنت متضايقة من التفكير بالأمر! سعيدة بأني أتصلت!" "اعترفي اعترفي كنتِ ترتجفين قبل أن تتصلي بي!" "هل أنتِ عرافة؟ كيف علمتِ بذلك؟" "ماذا إذا كنت كذلك حقا؟! هه هه هه أنتِ ساذجة كما وصفك هيروشي حقًا!" "فلتموتا... كلاكما غبي! والدليل هو فعلة هيروشي ورد فعلك الأغبى..." وبدون أن أشعر أزيح النصف الأكبر للحمل عن أكتافي... وأخذني الحديث معها بمزاح كما لو كنا نعرف بعضنا منذ زمن بعيد كما حالي مع هيروشي وناتاليا، وأخي وناتاليا أيضًا! *هيروشي* أسوء جزء أنني أشعر بالقلق نحو محادثة أبي وياجي! عم كان يتكلمان تحديدًا؟! أكانت عن ما طلبته منه؟! أيعقل؟ لا فقد بدت قلقة مُعظم الوقت، يفترض بها أن تكون سعيدة حين تعرف بذلك! فهي ستبقى هنا معنا وبجانب شقيقها ولن تنفصل عنه... ما يؤرقني أكثر، هو أوريليا.. مايزال صدى صيحاتها، قبل أن أغادر من عندها يُدوي في أذني! لقد كانت غاضبة وهائجة بطريقة لم أتخيل رؤيتها في حياتي! "انتظر يا هيروشي، لن اسمح لك بأن تتركني بهذه الطريقة..." لم أعد أفهمها، قبل فترة ليست بطويلة كانت لاتطيقُ رؤيتي، وتُحاول التخلص مني بأي طريقة سنحت لها! لكن الآن كانت تتوسلني حرفيًا ألا أفعل! أنا لا أفهم كيف تفكر الفتيات حقًا! عج صوت نغمة هاتفي مُعلنًا وصول رسالة! انتفضت عن سريري ووقفت بلا وعي وأنا أفتح الرسالة: "مساء الخير... كيف حالك؟ أردت أن أخبرك بذلك وحسب، شكرًا لك بحجم السماء! تضحيتُك هذه، لن أنساها ما حييت! وأيضًا أنا آسفة لما سببته لك من ازعاج حتى الآن... ياجيما." بلا شعور مني، كُنت قمة السعادة! رغم أني مقهور في أعماقي ومنهار حتى رأسي... لكنني ولأول مرة أدركت ماقد يشعر به الآخرون حين تُساعدهم بكل ما أوتيت! *أوريليا* حين تُخطئين الظن، اعتذري! اجعلي ذلك مبدأ في حياتك! الأنسان حين يدرك خطئه يجب أن يعتذر، الأعتذار لا يجعل منا أقل شأنًا! بل يجعلنا كبارًا لدى الآخرين! كتبت أمي ذلك في مفكرتها التي وجدتها حين أتينا لليابان قبل ثلاثة سنوات! وحين أدركت أني أخطئت بحق هيروشي وياجيما تذكرت هذه الأسطر وكان لا بدّ أن أكون هُنا! انتظرتُ متى يخرج لأراه ببذة أنيقة كما العادة! لكن هذه المرة هو سيذهب لعملٍ حقيقي.. وسيصبح الرجل الذي قدر له أن يكون! ارتديت فستانًا أزرق ذا اكمام طويلة وحريرية ذو تنورة عريضة تصل لفوق ركبتي مُزين بحزام أبيض عند الخصر... قال لي هيروشي مرة أن الأزرق يليق بي فهو يبرز لون عيني! لقد رمقته بحدة حينها ولم أرتدي الأزرق مجددًا... لا بدّ أنه سيسخر مني الآن إذا رآني ارتديه! فجئة ظهر أمامي السيد والسيدة والدي هيروشي وهما يودعان بعضهما عند سيارتيهما! لاحظاني أقف على الجانب الآخر للشارع بانتظار هيروشي، رمقتني السيدة بقلق في حين رفع السيد لاو يده عاليًا وهو يرحب بي فـ انحنيت له باحترام من مكاني. ركب سيارته وغادر للعمل وكذلك فعلت السيدة آي! هممم أعتقد أن السيدة آي قلقة من أن أغير رأي هيروشي... ولا تعلم ما بدأت أخطط له منذ أنهت ياجيما مكالمتها لي البارحة... أنا شاكرة لمكالمتها لي، فلولاها لما تمكنت من النوم... كانت آكاني أول من يخرج بعدهما وقد صدمت برؤيتي... تحدثنا أحاديث عادية وقد كانت سعيدة نوعًا ما! وقف شاب صغير في السن بزي مدرسي موحد وهو يقود دراجتهُ بجانبنا وقد عرفتني آكاني عليه وهي تُشيرُ نحوه قائلة: "تذكرين ياجيما صحيح؟ أعرفك هذا شقيقها الأصغر جوان توشيري!" انحنى الفتى الشاب بأدب وهو يمسك بمقود دراجته قائلًا: "تشرفت بمعرفتك آنسة أوريليا!" بدى لي مؤدبًا ولطيف بطبعه كما آكاني تمامًا إلى أن بدأوا بشجار لم أفهم فحواه! غادرا وهما مايزالان يتجادلان وأنا مازلت لم أفهم مالمشكلة بينهما! ما أن ذهبا حتى وقفت سيارة سوداء مظللة قرب لافتة بيت ناكاموري، لم أتمكن من رؤية وجهه جيدًا! وسرعان ما ظهر هيروشي وحين لمحني تشابكت نظراتنا! اقترب مني وهو مستغرب لوجودي! كُنتُ ابتسم وأنا أراه يخطو نحوي بهدوء ماسكًا حقيبة سوداء وهو يرتدي بذلة رسمية سوداء مع ربطة عنق رملية مخططة! دنوت منه وأنا أزيلُ الربطة قائلة: "أحمق ربطة العنق هذه لا تتلائم مع البذلة أو هذه المناسبة!" "أوريليا!؟" قال مستغربًا... أخرجت علبة من الكيس الورقي الذي بين يدي وأخرجت ربطة العنق الحمراء التي أحظرتها له وبدأت بلفها حول عنقه ورتبت له سترته ثم مسحت على كتفيه بيدي. "أنا سعيدة حقًا لأنك قمت بذلك... أنا أدرك الآن أني كُنت مُشوشة حين صرخت عليك في الأمس..* وقد قُلت لك أشياء فظيعة أيضًا... أرجوك فلتنسى ذلك!" قال بشك:" حقًا؟! ألستِ غاضبة أو حزينة بعد الآن لقراري؟ لا أصدق! كيف غيرتِ موقفك بهذه السرعة؟" ابتسمت وأنا أقترب منه وقمت بتقبيله قبلة صغيرة على خده ثم قمت بمعانقته قائلة: "أنا أحبك ايضًا... ارجوك اعتني بي من الآن فصاعدًا!" كان مصدومًا لفعلتي رفع يده بتردد ليضمني أيضًا، ابتعدت عنه قليلًا وأنا أشبك يدي للخلف قائلة: "على أي حال... ما كُنت لأقبل بك لو بقيت حارسي! فأبي لا يبحث لي عمن يحرسني وحسب بل يريد لي من يُدير لهُ أعماله أيضًا!" هتف محرجًا وقد نلتُ منه بقوة لتتغير تصرفاته عن العادة مئة وثمانين درجة: "أوريليا!" ابتسمت وأنا أعرف أني منحته دفعة أكثر منما يحتاجها ليتشجع ويذهب للعمل! بقي واقفًا أمامي وهو على حاله لفترة، مُحرجًا، ثم نظر في عيني وهو يبتسم بلطف! "أوري... أنا أقدر لك ما فعلته الآن..* لولاك لبقيتُ مُكتئبًا وغير متحمس للعمل... شكرًا لكِ!" "اجتهد في العمل! رافقتك السلامة... أهذا ما تقولونه حين تودعون أحد عند الباب صحيح؟!" بدأ يضحك بشكلٍ هيستيري! للحظة ظننت أني قُلتُها بطريقة خاطئة! ألتفت هيروشي للخلف حين سمع صوت الباب يُغلق بشدة وكانت أخته ناتاليا تركض بسرعة ودخلت تجلس في السيارة السوداء وسرعان ما ترجلت منها وتوجهت نحو البيت وعادت من جديد وهي تحملُ مظلة وحقيبة صغيرة لم أرى مثلها من قبل! أعتقد أنها كانت وجبة الغداء فقد سمعت أن اليابانيين يفضلون أخذ طعامهم من البيت... جلست من جديد وبسرعة ترجلت من السيارة وركضت نحوي لتسلم عليّ وقد تبادلنا الكلام والترحيب مطولًا، أتجه هيروشي نحو السيارة السوداء وترجل منها شاب بدى لي في بداية الثلاثين أو أواخر العشرين! بدى وسيمًا للغاية! كان طويلًا ونحيلًا بشكل لا يصدق بدى هيروشي بطوله قصير القامة بجواره! اقترب مع هيروشي نحوي وهو يُعرفنا لبعض: "اوري، هذا تاكامورا ناكازاكي، أعز أصدقائي! مورا هذه صديقتي اوريليا جكسون!" انحنى بأدب وهو يقول:" تشرفت بمعرفتك آنستي!" "وأنا أيضًا!" قلت بابتسامة... سرعان ما عاد المدعوا تاكامورا وناتاليا للسيارة وغادرا مستعجلين! سألت متحمسة: "لم أكن أعلم أن لك أصدقاء غير أصدقاء الدراسة! منذ متى تعرفه؟" حك رأسه بشك وهو يُجيب بحذر:"البارحة!" "البارحة!! أتمازحني؟ كيف تقول أنكما أعز الأصدقاء وأنت لم تلتقيه سوى البارحة... الأمس؟!" قلتُ باستغراب شديد غير قادرة على تصديق كلامه في حين كان يضحك ببلاهة! أتستهبل أمامي؟! أي نوع من البشر تكون أنت؟ أي نوع من الرجال وقعت في حبه أنا؟ يا الهي؟! *يتبع* [1] التربنتين؛ يستخدم التربنتين في تنظيف الفرش والأدوات المستخدمة في الألوان الزيتيّة، وذلك لأنّ الماء لا يستطيع أن يُزيل الزيت، ولكن قبل غسلها ونقعها في التربنتين يتم مسح وتنظيف الفرش باستخدام قطعة قماش. وأيضا يستخدم زيت خاصٌّ عند استخدام الألوان الزيتيّة، وهو زيت بذرة الكتان، حيث يُعطي الألوانَ لزوجةً ومرونة، ويسهّل عملية دمج الألوان مع بعضه... ^ شئون جوانية! xD |
|
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
ليلة القدر خير من الف شهر | ألكساندرا | دين الرحمة | 5 | 04-05-2022 02:22 PM |
⋆ ألماسي : الأحمر هو لون القدر| Akagami no sherayuki-hime | ASAWER | صور الأنمي | 9 | 05-11-2020 08:03 AM |