••
العودة   منتدى وندر لاند > القصص والروايات > روايات مكتملة.


لا يجب قول لا لفّخامته

روايات مكتملة.


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-09-2020, 10:53 PM   #1
JAN
مِرأة وٓاحدة … إنعِكاسات شٓتى !

الصورة الرمزية JAN
JAN غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 115
 تاريخ التسجيل :  Mar 2020
 العمر : 23
 المشاركات : 9,849 [ + ]
 التقييم :  23316
لوني المفضل : Black
شكراً: 0
تم شكره 6 مرة في 6 مشاركة

مشاهدة أوسمتي




عنـدّما يـّلتقي الإنسان بتوأم روحـّه ، الـّشخص الذّي يـّفتّرض أنّ يبـّقى مـّعه طـّوال حيـّاته و أنّ يحـّب و يعـّشقه .. أنّ
يستـمّر مـّعه للأبدّية فـّهل سيـّتركّه يـذّهب ؟ هـّل سـأتـّركه أنـا يذهب ؟ جـّوابّي واضحّ .. و على الـّرغم من وضـّوحه
سـأقـّول لكمّ لا ، لنّ أتـّركه يـرّحل مهمـّا كـّلفّني الأمـّر ، سـأبقى بجـّانبه و سـأكتفي بـحّبه ..
ـ أذّن آنسـة روبـرت مـاري ، هـل أنت واثقـة من أنّ سيـد نايت آل لبيـر هو تـوأم روحـكّ ؟ الشـخصّ الذّي انتظرته طـوال
حيـّاتك ؟
بـكـّل سـّعـادة سـأقـوّل نـّعم ، إنّه فـّارس أحـلامّي الذّي انتـظرتهّ يومـّا بـّعد يّوم .. الـّذي خـّزنتّ قـّلبي لّه فّي انتـظاره ،
الـذّي سـأكونّ ممـّتنة إنّ قبـّل بـحـّبي اللا مـحدّود له .. أنـّا أحبـّه
ـ حقـّا و مـّنذ مـّتى ؟
إّن أردّتم أنّ أكون صـّادقة ، مـّن اليـّوم الذّي التقـت عينـّاي بـّعيـنيه حينهـّا شـّعرت بأحاسيس و لأول مـّرة انتابتني ،
شـّعرت أنه الـوحيـدّ المنـّاسب لّي
ـ إذّن أنـّت تـّحبينه ؟
فتـّحت مـاري عينيهـّا بـّذعـّر و أخـذّت تنـظر حـّولها و قـدّ شحـّب وجـهها كمـّا لو كـأن الـدّم قدّ سحبّ منهـّا ، وضـعّت
يـدها على دّقات قـّلبهـّا السـريعة ثـمّ وقفّت بـشـكّ و هي تـّنظر مجـددّا في أركـّان الغـرفة .
إتـجهت إلى المـطّبخ ثـمّ شـّربت كـأس مـّاء و جـّلست على الكـّرسي ، كـّانت في نـدّوى صـّحفية تـسـأل فيهـّا عن
عـّلاقتهـّا بـّنايت و هي أجـّابت و بكـّل صـدّق أنهـّا تـّحبه ، تحّب كـّتلة الجـليدّ المتـّحركة تـّلك ، أخـرجـّت لسانها بقـّرف
قـّائلة
ـ كـّابوس، كـّابوس .. يـّاله من كـابوّس أنـّا أحـبّ شيـطّان مـّثله ؟ مستـحيّل بـّل في سـّابع المستـحيـّلات و لنّ أفـّعـل
سـأنـتظر الـشخّص المنـّاسب . أجـّل المنـاّسب
ضحكـّت بهسـّتيرية ثـمّ تّوقفت فجـأة سـحّبت شـّعرهـّا بعنّف عنـدّما انساب إلى فكرها صـّورة نـايت المبتسم بسخـّرية
لاذعـة و هو يـّعلق على موّقفهـا الآنّ ، قـالت بحدّة
ـ مستـحّيل، أنـا لا أحبـه
عـّادت تجـّلس على الكـّرسي متهـجمة المـّلامحّ ، وضـّعت يديهـّا على وجههـّا ثمّ سحبـّت خـدّيها بكـّل قوة و هيّ
تـقـول محـدثة نفسها مجددا بكـّل واقـّعية
ـ أجـلّ مستحيـّل بـطة سوداء مثـلي لنّ تحظى ببجـّعة ،الأمر مفـهوم ؟
انسـاب الاكتئاب إلى قلبهـّا فسـارعت إلى معلقة الملابسّ و ارتـدّت معـطّفها الأحمـّر و وشـّاحهـّا مع حـذاّء المنـزلي
المنفـوّش على شـكّل أرنـّب ، فتـحّت بـّاب شـّقتها و إتجـهت إلى شـّقة التّي بجـّانبهـّا ، رنّت الجـّرس قـّليلا فخـرجّـت
السيدّة فرانسيسّ منـّزعجة و هي ّ تـّقول غـّاضبة
ـ ماذّا ؟ مـاذا ؟ مـاذّا ؟
ـ أسـّعد صـّباحكّ سيدّة فـّرانسيسّ ، كمـّا تـرّين سيدّتي أنـّا لا أستـطيّع النـّوم و لأننّي لا أستـطّيع قـّررت أنّ أصـّنع كـّوب
شيـكـّولاطـّة سـّاخن يـدّفئني لأن التـدفئة لا تـّعمل ، لكـّن و كمـّا أرى فـأنـّا لا أمـتلكّ الـشيـكولاّتة لذا من فـّضلك هـّلا أعـطيتني ؟
قـطّبت سيدّة فـّرانسيّس بـكّل عصبية ثـمّ صـّرخت بهـّا غـّاضبة و هّي تـّلوحّ بيدّيها بينما ماري تـّحاول تفـاديهـّا
ـ و ما شـأني أنا ؟ ها ما شـأني بـحّق السمـّاء ؟ ألانك لا تستـطيعين النـومّ توقظِ جـّيرانكّ ؟ ثـمّ إن لمّ تـجدي
الشـيكولاتة كما تـدّعين لما لا تـحضري شيئا أخـر ؟
ضحكـت مـّاري ببـّلاهة و هـّي تمـدّ يدّيهـّا فزمـّجرت سيدة فرانسيسّ بـحقدّ و أغـّلقت البـاب في وجههـّا بكّل قوة ثـمّ
فتحـّته و أعطّتها عـّلبة و قـّالت بحدة
ـ بحّق السمـاء لا تـّعودّي لتـطّرقي باب شقتي عنـدّ الثـّالثة صبـّاحـّا مجددّا و إلا أقـّسم أننّي سـأطّردكّ من المبنى ؟
ـ إذّن لا بـأس بالـّرابعة صـّباحا ؟
صـّرخت سيدّة فرانسيس بـجنونّ و دّخلت إلى شـّقتها تشتمّ كـّل ما فيّ طّريقهـّا ، فضحكـّت مارّي بخـّبثّ و هيّ
تمسـكّ العـّلبة كما لو كـأنهاّ شيء ثـمّين يـأتمنّ بحـّياتها الخـّاصة ، إتجـّهت إلى بـّأب الشـّقة التي أمـّامهـّا ثمّ طـّرقته
بكـلّ هدوء تـّضع على شفتيهـّا ابتسامة بسيطة فـخـرّج ويـّليـام مـّرتدّيا بنـطّالا و قميصّا بإهمـّال ، عـّينيه مغـّمضتين و
بالكـّاد يستـطّيع فتحهمـّا قـّال بـتسـاؤل
ـ ما الذّي يحـدّث ؟ لقدّ سمـّعت صـّراخا منـذّ قليل ؟
ـ ويـّليـامّ عـزيزّي أتمـتلكّ قليّل من السـكـّر ؟ أريدّ تـّحضير القـهوة لكّن لا أمتـلك السـكّر و السوبرّ ماركت بـعيدّ جدا
ـ آه أجـّل تفـّضلي، أحضـريه بنفسكّ
أومـأت بـكّل لطّف ثّم اتجـهـّت إلى مـطّبخه بينمـا أكـّمل هو طـّريقه نـّاحية غـّرفته ليّعود إلى النـوم مجـددّا ، وجـدّته
فـأخذّته و كـّادت أن تـّعود لولاّ أنها قـّررت فـتّح الثـلاجة .. وجـدّت تلكّ الحـّلويات المـغـّرية التّي دومـّا ما يقومّ ويليـام
بتقـديمهـّا فقـالت بصّوت عـالي نسبّيا
ـ ويـّل هل أستـطيع أخـذّ حبـة من تـّلك الحـّلوى التي تصـّنعها ؟
لّم يجّبها ويـليام لأنّه كـّان يغطّ في نومّ عـمّيق فابتسمـّت مـاري بـمكـّر و هيّ تردد في نفسها أن الصمـّت من عـّلامات
الـّرضى فـأخذّت الصـحنّ بـأكمله و سـّارعت بالـركض إلى شّقتهـا ضـاحكة

/

فّي ذّلك القـّصر العـمّلاق حـّيث لا يـّكتفي المـّراسـّلون عنّ نبّش أحـّوال أصحـّابهمّ فـّتراهمّ يحـّاولونّ التسـّلل لعـّلهمّ
يجـدونّ مقـّالا صحـّفيـّا يجـّعلهمّ يكـّسبونّ المـّال أو يشتهـّرونّ ، كـّانت عـّائلة آل لبـّير العـّريقـّة تـجّلسّ فّي طـّاولة
مستـدّيرة تتـّناول فـّطـّور الصبـّاح و الصمـّت سـّائدّ بينهمّ كالعـادّة
الجـدّ بيـتر رئيّس شـّركة لبيـر التـّي تسيّر السـّوق بـّرفعة أصبـع و التـّي تـّمتلك كـّمية عـظيمة من الأسهـمّ لربمـّأ تفـيّ
بشـّراء جـزيرة ، يـّعرّف عنه بالقـوة العـّارمة و حـدّة الذّكاء يجـّلس باستقـامة يـتنـّاول حسـّاء
سيـدّ تـومّاسّ ابنـه الـوحيدّ المتبـقي على قـّيد الحيـاة و والدّ كـايل ، يـّمسكّ شـّركـّاتهمّ فّي ألمانيا و لا يـّعودّ إلا نـادّرا
، يتصـّفحّ الـجريدّة باهتـمام
كـّايـل و ابتسـامته السـاخرة المـّوجهة إلى ابنّ عمته كالعـادّة ، لاعـب بيسبول شـهيـّر قـّاد فـريقه للفـّوز لكـنهّ أعتزل
حـّاليـا من أجـّل تسيـر أعمـال العـائلة و أنّ يكونّ اليـدّ اليـمنى لوالدّه و جـدّه .
إليـزابيث دو لاسيـر ، زوجـّة كـايّل بـرازيـلية الأصـّل و عـّارضة مـشهورة أيضـّا فـكـّانت هيّ تتصـّفح مـجـّلة بكـّل اهتمـام
نـايـّت آل لبـير ، ابـن إيليـنا آل لبيـر .. دّرسّ إدارة الأعمـّال و تـّخرجّ فيّ سـنّ الثـامنة عـّشر بـّعد حـيازته على الدكتـوراه
، يـّعـرف بشيـطّان و ذّلك لـحـدّة ذكـاءه كمـا أنه يـّعتبر الـيدّ اليمنى للجـدّ و الذّي يشـبههّ لحـدّ كبيـر فّي تصـّرفاته ،
حـّاليـّا خـطّيبته مـاري روبـرت فـتاة من العـامةّ
فجـأة أمسـكّ رئيسّ الخـدّم ذّلك الرجـّل المـّريب الذّي يتنصـّت من خـّلف شجيـّرات صـّغيرة زرعـّت أمـام شـّرفة غـّرفة
الأكـّل لتـّوحي بمنـّظر خيـّالي ، رمـّق رئيس الخـدّم المـّراسل الذّي يـكـّتب حـّول أفـّراد هـذه العـائلة فّي دّفتره الخـّاص
ثّم قـّال بـلهجة متـّعالية ذات لـكنة بـريطـانية
ـ أيـها السيدّ تـّعال مـّعي من فـّضلك لننـّاقّش أمـّر من يـّوصلك إلى الشـّرطة بـتّهمة تعـدّي على مـّلكية الغـّير و
محـّاولة نشـّر الإشاعات ،
قـطّب الـصـحـّافي بانـزعـاج ثـمّ رفـع آلة التصـّويـر و ضـّغط على الـزر ليـأخذّ عدة صـّور لأفـّراد العـائلة ثـمّ يـّركضّ مسـّرعـا
هـّاربـّا فحـّاول رئيّس الخـدّم أن يـّركض خـّلفه لكنّ كبـّر سنه لم يسـّاعده ، أمـّر الرجـّال بالإمساك به عـّبر اللاسلـكّي
بينمـّا هو يـّلتقط أنفـّاسه و يشـتمّ بلـّغته كـّل صـّحفي سببّ فيّ سوء عـّيشه
قـطّب سيدّ تـوماسّ و وضـّع نـظارتيه جـّانبـا قـائلا بتسـاؤل
ـ أسمّع أحـدّكم ضـوضـاء الآن ؟
أجـاّب الكـّل بالنـّفي فابتسـم هو بهـدّوء معـّلقا على نفـسه
ـ يبـدّوا أننّي كبـّرت بالسـّن يـّا والـدّي
ابتسـمّ الجـدّ بينمـّا أيدّه كـايّل عـلى أنهّ فعـلا قدّ كـّبر بالسـّن و يـجّدر الحصـّول على القـّليل من الـّراحة فـوافقـّت
إليـزابيث زوجـّها و هـّي تـّنصحّ حمـاها برحلة استـجـمامية يـّريح فيهـّا عـّقله ، وقفّ نـّايت بعّد أن وضـّع المنـّشفة
جـّانبـّا ثـمّ إنحنـى بـّلبـاقة و كـادّ أن يـّرحل لولّا سـؤال كـّايل الـسـاّخر
ـ مـاذا بـكّ نـايت ؟ ألم يـّعجّبك موضوع الحـدّيث و قـررت الـذهاب ؟
نـظر إليه نـايت بـطـّرف عينيهّ التيّ احتـدّتا بشـكـّل خـطّير ، فقـدّ كان مـّزاجه منعـدّما هـذّا الصبـّاح و لا تـّنقصه
تـّعليقـّات كـاّيل السـاخرة ، ردّ بـنفـّور لتـظهر نـّبرته المـّبحوحة التـّي تنبـأ بـمـدّى غـّضبه
ـ لدّي عـمـّل لأديـره .
سار بـخـطوات واثقـّة و سـّريعة فقـّالت إليـزابيث فجـأة
ـ نـايتّ سـأذهب لـزيـّارة مـاري إنّ لم تمـّانـع .
تـّوقفّ و عـّاد ينـظّر إليهم ، لقـدّ سـهر البـّارحة فـّي مكـّتبه و لمّ يـّعد إلا صـّباحـّا من أجـّل عـّادات الجـدّ الذّي تنصّ
على تـّواجد أفـّراد العـائلة فيّ وجبـّة الصـّباح و المسـّاء ، قـّـال بـّحدة
ـ مـا شـأني أنـّا ؟ بـحّق الجـحيم هـّلا ..
أمسـكّ رأسه فـوّقف الجـدّ بيتـّر بقـّلق و كـذّلك إليـزابيث الـتّي تقـدّمت منهّ فوضـعت يـدّها على جـّبهته و التـّي
سّارع نـّأيت بإبعـادّها ، قـّال بهـدوء
ـ عـذّرا .
ثـمّ رحـّل مبتعـدا

/

أمسكـّت فـلور بـّعلبة القـّهوة الفـّارغة ثـمّ نـّظرت إلى تـّلك المـّياه التـّي وضـّعتهـّا في وعـاء على المـّوقد المشـّتعل ،
زمـّت شـّفتيهـّا بـغّيض و قـّامت بـّرمي العـّلبة لتـّخرج الحـّليب من الثـّلاجة و تـّشربه لكـّن لم تـجدّ قطـّرة واحـدّة فيه ،
شـتمـّت بانزعاج و جـّلست عـلى المنـضدة قـائلة بأسى
ـ أن تـكونّ فقـيرا لهو أمـّر مـزعجّ بكـل تـأكيدّ ، يـا تـرى هـل مـاري و بـزواجهـّا من ذّلك المتـّعجرف هـّل يـا تـرى تخـّلصت
من هـذه الأشيـاء المـزعجـة ؟
تـقدّم والدّها و جـّلس على الكـّرسي حـّاملا بينّ يديه جـّريدة يـّقرأ العـّناوين ، قـّال باهتمام نـاحية فـلور التي تحـدّث
نفسهـا
ـ مـّاهي هـذه الأشياء ؟
استـدارت فـلور لوالدّهـاّ ، كـّانت بنـيته ضـّعيفة و قـدّ فقدّ قـليّل من الـوزّن ربما لكثرة التفكير بأمورهـمّ التي رفّضت أن
تعـتدّل ، قـالت فجـأة
ـ أبّي سـأذهـب لتـحدث مع مـاري ، أظن أن زواجـهّا من ذّلك الرجل خـطأ عـظيمّ و لابدّ لنـّا من جـّعلهـا تـدّرك هـذا
جيـدّا
تنهـد سيدّ جوناثان ثـمّ قـال بـلهجة غـير قـابلة لنـقاش
ـ حسنـّا أذهبي ، لكـّن و بـّخروجكّ من هـذا الـبيت تـأكدي أنكّ لن تـّعودي إليه أبـدا
وقفّ و وضـّع الجـّريدة جـّانبـّا بقـّوة على الطـّاولة ثـمّ استـدار مـّبتعـدا و هو يقـّول بـحـدّة
ـ إّن تـحّديث عنّ تلك الـوضيـعة ممـّنوع .
بـّعد رحيـله إرتـدّت فـلور معـطّفها و هي تـّعلق بـكّل بـّرود على كلمـّات والدّها الصـّارمة ثـمّ خـّرجت من المنـزلّ ،
إلى العـمـّل و فـكّرة زيـارة مـّاري لا تـّزال تـّدور بـرأسهـّا

/

فّي منـّزل مخـّتلف عنّ عـائـلة غـلوري المـحطـّمة و المتشتتة أو قـّصر الكـّبير لأفـرادّ عـائلة ال لبيـر المـّالكة و التّي
يسـّعى أفـّرادهـا نـحو الثـّروة ، هـذّا المنـّزل كـّان متـّوسط الحـجّم يـّعم بالـدفء و الحـّنينّ لـكّنه عـلى وشـكّ التـّخلي
عن جميـّع هـذه الأحـّاسيس .
فـذّلك الشـّاب ذو الشـّعر الـبني كـّان يـّقف بـكّل خـزي و يتـحدّث بكـّل هدوء نـّاحية ذّلك الـرجّل الذّي يبـدوا فّي
منتـّصف الخـمّسين من العـمّر و الذّي كـّان الغـّضب قـدّ توصّل إلى أعماق أعـماق قـلبه فقـّال بـحدة و عصبيـة
ـ لقـدّ قـّلت لكّ أرحل و أنـا لن أعـيدّ كلامّي مـّرتين ، أرحل و أختفي من أمـّام وجـّهي لا أريدّ رؤيـتك و لا سمـّاع صـّوتك
حـّتى امسـّكته زوجـّته من ذّراعه و هّي تسـّحبه للجـّلوس على الأريكـّة كّي يـّهدأ أعـّصابه لكّن لا
يبـدوا أنّ ما تـّفعله يسّـاعد على الإطلاق ، قـّال آرثـّر بـغـّضب بـّعد أن سـأم من التـّوسل الذّي لا يـّفيده
ـ أنـّأ لمّ أخطـأ ، لمـّاذا بـّحق السمـاء أضـطر من الـزواجّ بـتـلّك القبيحة ذات اللسان الطويل
المـتّعجرفة و أنـّا آرثر غـلوري ؟
ـ و ما الخـطأ فّي ابنـة سيدّ روبـّرت ؟ ما الخـطأ بهـّا ؟ إنهـا أفـّضل منـكّ فهيّ تتـحمل مسـؤولية
أفعالها و لا تـّهرب من المصـّائب تـّزويجكّ إيـاها لكـّان من أعـظم الأخطـاء التي أوشكـّت على
القـيام بها
ـ ما الذّي تقـصده يـا والدي العـزيز ؟ هـلّ أنت تـّفضلها علي أنا أبنك الوحيـدّ ؟
وقفّ سيد روي غـّلوري بـّعصبية ثـمّ أمسكّ آرثر من يـّاقته و هو يقـّول بـّصراخ حـّاد جـّعل زوجـّته تـّرتجـّف
ـ أيهـّا الابن العـّاق عـديم الفـائدة ، أرأيـّت الـصّور التي أرّسلت إلى صـدّيقي جـّونـاثان ؟ أتـّلك صـّور
يفـّترض بي أن أفتـّخر بهـا ؟ و أنا الذّي كـنت أمتـدحه أمـّامك يـّال العـّار الذي ألّحق بي يـال العـّار ،
ابنـي مـّع لّيس فتاة واحـدّة و إنمـّا العـشرات
ـ لقدّ قـّلت لكّ أنهمّ مـجّرد صدّيقـّات فـّلماذا تـّكبـّر المـّوضوع ؟
ـ سحقـا لا أريدّ سمـاع أعـذارك الواهيةّ ، لا تـعد إلى هـذا المنـزل إلا و أنت نـّادم على ما فـعلته ،
قطـّب آرثـر بغّضب ثمّ صـّعد السـّلالم متـفّاديـّا أخته كلـير الواقفـّة بصـّدمة ، إتجـه إلى غـّرفته و أخـّرج جميـّع ثيـّابه
ثمّ وضـّعها في الحقـّيبة و حمـّل حـّاسوبه النقـّال مـّع كـّتبه ثمّ سـّارع بالذهاب و هو يستمـّع لمـحات من
نقاش والدّته مع روي فـّأغلق البـاب خـّلفه بكل قـّوة معـّلنا أنـّه لنّ يـعود موجـودا بينّ أفراد أسرته بـعد الآن
ـ ما الذّي تفعله روّي ؟ هل ستـسمح لابننا الوحيد أن يـّغادر هـكذا بـينما أنت تـنـظر إليه ؟ هل قسي قـّلبك على
أبنائك ؟
تنـهدّ روي ثـمّ مسـّح دموع زوجـّته المنهـّارة قائلا بحـنان
ـ عــزيزتيّ أنـا لا أقـسو عليه ، أنـّا فقط أحـاول أن أرشده لـطّريق الصـّحيح ، لقدّ أصبحّ غـّير مبـّاليّا لمـّا حـوله و
لا يـهتمّ سوى لمـتّعته الخاصة ، أريدّه أن يّصبح رجـّلا نـاضجـّا
ـ لكن ليس بهذه الطريقة روي ، أنا لا أريد لابني أن يبتعد عني
ـ أنـا أعلم عـزيزتي ، لكنـكّ رأيت تـّلك الصـّور المشينة و رأيت أيضـّا تـّصرفه اللامـباليّ حـّول الأمـّر
و عـّدم اعتذاره لّي و رفّضه طـّلب الصفّح من سيدّ جوناثان ، هـّل تظنين أنّ هـذا لائق ؟
تنهـدّت سيدّة تينـا ثـمّ أومـأت بالنـفي و غـادّرت إلى المـّطبخ لكّي تـحّضر القـليل من الشـّاي كّي يـعدّل
أعصـّاب زوجها و تـّطلب منه مجددا إعـادة آرثـر إلى المنـزل ، حـّـتى لو كـان مخـطئ و حـّـتى لو أنّ
طريقته في العـّيش مستهترة و مليئة بالأخطـاء لكنه يبـّقى ابنها و لنّ تـّسمح بـّرحيله عنها

/

بـّعد انتهـاء المحـّاضرة غـّادرت مـاري القـّاعة متـّجهة إلى المـّطعم ، و كـّانت هـذا مـّجرد روتيـّن
عـّادي لحـّياتهـّا الـيوميـّة لكـّن مـّؤخـّرا ، روتينـّها الذّي اعـّتادت عليهّ بدأ بالتـّغير تـّدريجـّيا .
فـّي طـّريقهـّا نـحّو المـطّعم وجـدّت كليـّر غـلوري تـّقف أمـّامها مـّانعة إيـّاها من الـتقدّم و وجـّهها
محتـّقن بالغـّضب و
السـخطّ ، عـّلى غـّير عـّادة كليـّر فهيّ لم تهتمّ اليـوم بـأناقتهـّا و لا اشـّراقتهـّا الدائـّمة ، تـّوقفت عن
السـّير ثمّ رسمـّـت ابتسـامة لـطّيفة على شفتيهـّا و هي تـّّرحب بكـّلير بصـّدر رحـبّ
ـ صـّباح الـخيّر كـّلير ، لـما لمّ تـأتي بـاكـّرا لقدّ كـّانت مـحاضـّرة أستـاذّ مـاثيوّ جميـّلة جـدّا
أمسـكـّتها كـليّر من يـّاقتهـّا فـتفـاجـأت مـّاري لكّن لمّ تـبعدّ يدها ، صـّرخت كليـّر في وجههـّا بكـّل عـّصبية
ـ أتـدّعين الجـهّل أم مـاذا ؟ أحـٌّقا لا تـّعلمين السبب ؟
سـّقطـّـت كـّتب مـّاري على الأرّض عنـدّما تـّلقت صـّفعة قـّوية من كـّلير جـّعلتها تـّرتد ّ إلى الخـّلف ،
فإجـّتمع الطـّلاب حـّولهمّ و هو ينـّظرون بـّفضـّول بينمـّا قـّالت مـاري بـّتوتّر
ـ ما الذّي تقـّصديه ؟ أنـّأ لم أفـّعل شيئا ثمّ يـجّدر بـكّ الاعـتذار
كادت أن تـّنقض عليهـّا كليـّر لكـّنهـّا أحكمـّت على قبّضتهـّا محـّاولة السيـطّرة على أعـّصابهـّا
و هـّي تـّقول بحـدّة
ـ لقـدّ قـّلت لكّ مـّسبقـّا و بـوضـّوح أنّ أخـّي لا يـريدّ الـزواجّ بـأختـكّ أليّس كذلك ؟ و طـلبت منكّ
و بـّوضوحّ شديدّ أن تـّحاولي إيجـّاد حـّل لذّلك العـّقد السـّخيف لكـّن ما الذّي بحـّق الجـحيمّ فـّعلته ؟
لمـاذّا أرسلـّـت تـّلك الصـّور إلى والدّي ؟ ألا تـّعلمين أنه طـّرد آرثر بـسببّ أختـكّ المتـّرصدة
المـجنونة ؟
تنهـدّت مـارّي و هي تـحـّاول استيعاب كلمـّات كليـّر فقالت بـهدوء
ـ أنـّا حقـّأ لا أعـّلم عن مـاذا تتحـدّثين ؟ ثـمّ لا تـّقولي عن أختـّي أنهـاّ متـّرصدة أنـتّ تـّعلمين جيدا
أن لا عـلاقة لهـّا بالأمـّر و كلّ هـذّأ بسبب الـدّين
ـ أرجـّوك لا تـّرتدّي قـّناع الحمـلّ الـودّيع فـكلّنا نـّعلم عن دناءتك ، نـّعلمّ أنّك تـّبتزينّ نايت إل لبير
كّي تصّبحي خـطّيبته
كمـّا أعـّلم أنّ أخـتكّ المجنونة تسـعى لنيـّل من أخيّ بـعدّ أن رفَّض اعترافها منـذّ سنين و نـّعلم
أيضّا أنـّا والدّك مقـّامر كبيـّر يحـّاول التّخلص من ديّونه عبـّر بّيع بناته كمـّا لو كـأنهنّ سـافلات ،
قـطّبت مـّاري ثـمّ انـحنت لتـّجمع كـّتبهـّا غـّير مبـّالية لثـّورة غـّضب كليـّر لكـّن الأخيـّرة لنّ يشفع
لهـا الكيـّل إلا عنـدّما يـّعود أخيهـّا الحـّبيب إلى المنـزّل و لسببّ مـّا تـّظن أنّ من صـّنع هذه
المشـّكلة يستـطّيع حلـّها ، و لأنّ المشـكّلة من صـّنع عـّائلة روبـّرت فّهم من يستـطّيعون حّلهـّا ،
وقفـّت مـّاري ثـمّ قـّالت ببـّرود
ـ إذا أنهـّيت كـلامـكّ أنـّا مغـادرة
اتجـّهت إليهـا كليـّر و دّفعتهـّا مجددّا فسقطت الكـّتب مجـددّا ، ابتسمت ماري بـلطّف ثمّ قـّامت
بـدّفع كلـيّر و هي تـّقول بوداعة
ـ عـّزيزتي لا تـّضعي اللومّ على أختي من فـّضلك كمـّا لو كـأنّ أخيكّ مـّلاك خـّالي من الأخطـّاء
فـّهو زيـّر نسـاء و أخـّـتي لنّ تتّشرف بالـزواجّ منه فكـّما أنّ حـّبه فّي المـّاضي أكبر خطأ
صـّرخت كـّلير بـّعصبية ثمّ اندّفعت نـّاحية مـّاري فّي قـّتال شـّرس للفـّتيات ، حـّاول البـّعض التـّفرقة
بينهمّ و إبعادهما عن بّضعهما لكـّن و لمـّزاجّ كلـير الحـّاد فلمّ يستـطّع أحـدّ فعل شيء ،
شدّت كليـّر شعـّر ماري القـّصير بكـّل قّوة نـّازعة بّضعة خّصلات بينمـّا تحـّاول ماري الدّفاع عن
نفسهـّا و هّي تمسكّ كتفـّاي كليـّر مبعدّة إياها .
أخـذّ البعّض يلتقـطّ الصـّور و الفيديوهات بواسطة هواتفهم ، لكـّن فجـأة أتى شابين بعد أن طّفح الكيـّل
بهمّ و فـّرقوا بينهمـّا، أمسـكّ أحدّهم بمـاري و الأخر بكـّلير التّي تكـّاد تجّن قـالت بعصبية و هيّ في ذروة
غضبها
ـ أيتهـّا السـّافلة لا يكـّفيكّ اقتـّراضكّم منـّا المـّال بّل و تـّريدونّ التفـّرقة بيننـّا
لمّ تـّرد مـّاري و قدّ كـّانت في حـّالة مـّخزية جـدّا ، وجههـّا مليء بالخـدوّش و الدّم يسيـّل من شّفتيهـّا بينمـّا شـّعرها مبعثر
فّي كل اتجـّاه و فستـّانها الـّريفي البسيطّ قدّ مـّزق من الأكمـّام و الأسـّفل أيضـّا ، افلت ذّلك الرجـّل لأنهّ لم يـرى
داع من إمساكها فانحنـّت بهـدوء و هّي تقـّول بـّنبرة قـّريبة للبكـّاء
ـ أنـّا أسفه فعلا شديدّة الأسف لأننّي لا أستـطّيع فعـل شيء ، و لأن هـذّا قدّ حدّث بسبب عـائلتّي ،
أيمكنكمّ محـّو تلكّ الصّور و الفيـديوهات ؟ أنـّا لا أريدّ أن أسبب المشـاكّل لخطّيبي من فـّضلكم
ابتسمت كلـّير و نـّزعت هاتفّ أحـدّهم من يدّه ثمّ قـّالت بتـحدّي ناحية ماري
ـ أرى أنكّ خائفة من تسـّرب المـزيد من الاشـاعات حـّولك أليس كذلك ؟ إذّن مـا رأيكّ أن تقـومي بحـّل
تلك المشـكلة لّي و إلا ستـجدينهـّا في الصـّحف غـدّا
ارتبـكّت ماري و هيّ خائفة من ردّ فعل نايتّ ، فانحنـّت مجددّا و هيّ تـّقول بتوسّل و رجاء شديد
ـ أرجـّوا لا ، سـأفـّعل كل شيء سـأحـّاول لا بـّل سـأعيدّه فقطّ أرجوكّ لا تـّدعي هـذا يّصل إلى الإعلام
فجـأة و وسطّ هـذه الـضوضـّاء ، أتى منقذّها .. و الـّشخص الوحيـدّ الذّي تمـّتلكّه بـجّانبها ، كـّان يسيـّر
بـكّل كـّسل و لا يـّخلوا وجـّهه من نـّظرته السـّاخطة و الحـادّة في آن واحـدّ ، على فـمهّ ابتسـامة
سـّاخرة و يـّضع يدّيه فّي جّيب معـطّفه بكـّل ثقة و غـّرور ، مـلامحه المتعـّجرفة و الاستقـّراطية تـّلك
الذّي لا يمتـّاز بها أحدّ سـوى عـّائلة المالكة ، عـّائلة آل لبير
وّقف خـّلف مـّاري ثـمّ رفـّع مسـّتوى وجههـّا إليه ، ألجمت الصـدّمة لسـّانها فقـّال هو بحـدّة
ـ حـاذّري من انحنائك آنسة ماري فـّليس الكـّل يـّفـّهم سّببه ،
تمـّتمت مـاري بـدّهشة
ـ مـا مـا ما الذّي تفعله هنـّا ؟
ابتسمّ نايت بسـخّرية شديدّة ثمّ رفـّع يدّه فـأتى العـّديد من رجـّال يـّرتدون بذّلة سوداء لّيسرعوا نـّاحية
أولائكّ الشبـّاب و الفتيات اللواتي يـّحملونّ هواتفهمّ النقـّالة و قـّاموا بنـّزعها مـّع حـذّف جميـّع ما حدّث
، و إمسـّاكهمّ كيّ لا يهـّربوا .
وضـّع نـّايت رأسه على كـّتف مـّاري و ذّراعيه حـّولهـّا ، مبتسمـّا بكـّل بـّرود و هو ينـّظر إلى كـلير التّي
لا تـّزال واقفة فّي مكـّانها مندهشة ممـّا يحدّث حولهـّا و كّيف قدّ تـّغيرت الأحوال فّي ظرف ثـّانية ، قـّال بـضجـّر
ـ هـّل أنت لا تقرئين الصـّحف ؟ ألمّ أنكّ لا تـّشاهدين التلفـّاز ؟ أولمّ تـّعلمي أنّ هـذه الآنسة الواقفة هنـّا
أمـّامكّ هي خـطّيبتي ؟
تـّلعثمت كليرّ في كـّلامهـّا و حـّاولت الردّ لكـّن رّمقهـّا بنظّرة متـّعالية خطيـّرة و مـحذّرة ، أكـّمل حـدّيثه بـبـّرود
ـ و بمـّا أنّها خـطّيبتي فهي تعّتبر فـّردا من عـائلة آل لبّير لذّا معـّاملتكّ الهمجيةّ و الحـّيوانيةّ هـذّه
لنّ يتـّم غّض النـظّر عـّنها بـّل كونّي واثقـّة أن هـذّا لن يـّعبر مجـّرى الريـّاح ، سـأحّرص على جـّعل
حيّاتكّ جحيمـّا لا يطـّاق و بّل ستتـمنين الانتحار سـّتصـّابين بالجـّنونّ و لأننّي فّي مزاجّ جيدّ فـأنّا أقوّل
لكّ إنّ لمّ تنحني و الآن و فـّورا راكـّعة على ركّبتيكّ لكّي تـطّلبي منهـا السمـّاح سـتـّصابينّ بكّل تـّلك
الأمور التّي قدّ سبّق و ذّكرتها
ارتجـّفت كـّلير من شدّة الصدّمة و سـقطّت على الأرّض كمـّا طّلب منهـّا و كـأنّ أوامرّه غـّير قـّابلة
للـّرفض ، تلعثمت و ألجم لسانها فحاولت ماري التّملص من ذّراعاي نايت لتجّعلها تّقف مجددّا لكنّ صـّوت نايت الهـّامس
جـّعلها تّرتجّف هي الأخرى
ـ كّوني طّفلة مّطيعة قـّبلّ أن أسحـّقكّ الآنّ ،
كـّيف لها أن تتـّركها و هّي كـّانت بمـّكانهـّا و شـّعرت تمـّاما بأحـّاسيسهـّا في هـذه اللـحظة ،
أن تـنحني بكـّل ذلّ ،عـّقدت العّـّزم و أفلتت من ذّراعيه ثمّ اتجهت إلى كليرّ و جّلست مّثلها ، قـّالت بابتسـامة متـّوترة و لطّيفة
ـ أنـّا آسفة لمـّا حدّث لأخيكّ بّسببنـّا لكـّن أرجـّوكّ لا تـّدعي الحّقد يـّعمي طـّريقكّ فـّكلانـّا متشـّابهتينّ ،
جميـّعنا نـّهتمّ لأفـّرادّ عائلتنـّا و كلانـّا نـّحاول أنّ نبقيهـّا متـّماسكة لذّا أرجـّوكّ لا تسيئي الـظّن
قـطّب نـّايت ثمّ إتجـّه إلى مـّاري و رفـّعها عن الأرّض لتـّقف على قدّميهـّا ، قـّال ببـّرود و نبـّرة
مـحـذّرة لمّ يلمحـّها سواها
ـ دّعكّ من محـّاولاتّ كيـّوبيدّ الفـّاشلة في زّرع الحـّب و دّعينـّا نـّغادّر لقدّ تـأخـّرنا بمـّا فيه الكفـاية
أجـّابته مــّاري بانصياع تـامّ ،
ـ حسنـّا ،
استـدار نـّاحية كليّر الـّتي قدّ شـّقت دّموعها خـطـّا رقّيقـّا على خـدّها ، ابتسمّ بسخـّرية ثـمّ قـال ببـّرود
ـ لنّ أنسى هـذّا ،
أمسكّ مـّاري من ذّراعهـّا و سحّبها مـّعه بينمـّا تـكّفل أولائكّ الـرجال بجميـّع الطـّلاب الذّين رأوا
الحـادّثة و جـّعـّلهمّ يصـّمتون للأبدّ بـطّريقته الخـّاصة و بـعدّ أنّ صـعد نـّايت و مـّاري فّي سيـّارته
خـّلف رجـّاله فّي سيـّاراتهمّ ربـّاعية الدّفع كبيـّرة الحـجمّ ،
جـّلست مـاري بكـّل تـّوتر في المقـّعد الأمـّامي بـّجانبه ، كـّان وجـّهها شـّاحبـّا و مـّلابّسها رثـّة كمـّا
أنهّ تـوجدّ بـّضعة قـطّرات دّماء تسيـّل من شفتيهـّا أمـّا عن حـّال قـّلبهـّا فـّكان مّضطّربـّا بشدّة و تنفّسها
أصبّح مسـّموعـّا خـّائفة بّل مـّرتعبة منّ نـّايت ، قـّالت بارتباك
ـ أنـّا آسفة فـّعلا بـّل لا أنـّا شديدة الأسـّف أنـّا
ـ أغـّلقي فـّمكّ
نفـذّت الأمـّر بدون تـّرددّ لبـّضعة دقّائقّ ثـمّ قـالت بتسـاؤلّ لا يـّخفوا من التـّوتر و قد نسيت تماما أمر
الرسالة التي أرسلتها
ـ نـايت لمـاذا أتيت ؟ لّيس كمـّا لو كـأن وجـّودكّ غـّير مّرحب بـّه بّل بالعـّكّس أنـا أتمنى أنّ تكونّ
حـّولي دومـّا ، لّيس بـهذه الـطّريقة أعنـّي أننـّي تفـاجـأت .. أجـّل هـذه هي الكلمة
ضـحكـّت فـرمّقها بـحدّة أكمـّلت حدّيثهـّا و الذّنب قدّ طـّغى على كيـّانها بـأكمـّله ، أنّ تـجّعل نـّايت فـّي
ورطـّة و أن تسببّ الشـائعات لهّ لهو أمـّر لن تـسـّامح نفسها على فـّعله
ـ أنـّا لم أقصدّ ذّلك يـّا نايتّ ، أنـّا فـّعلا لمّ أكنّ أعـّلم عنّ مـاذا تتـحدّث هي بالضـبطّ و فجـأة وجـدّت
نفّسي على الأرض فيّ عـّراكّ معهـّا و الكّل يّصور مـّا حدّث ، و أنـّا ممـّتنة لوجـّودكّ في تلكّ اللحـّظة و
إنقـاذّك لّي لا بـل أنـّا شديدة الامتنان لكّن ما طّلبت من كليـّر فـّعله شيء أنـّا اختبرته و أن تـّكون هي
فيّ موقـّفي ، لمّ أردّ ذلكّ .. لّيس بهـذه الـطّريقة تـّحل الأمور
لمّ يـّلتفت نـّاحيتهـّا قطّ كـأنهّ لم يسمـّعها أو أنّ صوتها لمّ يصّله ، فقـّالت له بـّرجاء و هيّ تضّع
يدّيها أمـّامه
ـ أنـا فـعلا لمّ أقصدّ هـذّا ، أنـا آسفة نايت أرجواكّ قـّل شيئا
أوّقف السيـّارة جـّانبـّا بـطّريقة خـطّيرة جـّعلتهـّا تدّرك كمّ هو غـّاضبّ الآن و أنّ الـكّلام مـّعه فّي
هـذه اللـحظة يجـدّر به التـأجّيل فقـّال ببحـّة و حـدّة
ـ تـّقولينّ لّيس بـهذه الـطّريقة تـّحل الأمـّور ؟ إذّن مـّا الذّي كـّنت ستـّفعلينه إنّ لم أتي ؟ هـل كـّنت ستـّلعقينّ أحـذّيتهمّ
جميـّعا طـّلبّا لمـحوّ الـصـّور ؟
شـّعرت بّشـّيء حـادّ يـّغرزّ في قـّلبهـّا كمـّا لو كـأنهّ خنـجّر ، بدأت دّموعهـّا فّي السقـّوطّ أنّ يجـّعلها بـهذا
الانـحطـّاط لأمـّر موجـّع لحـدّ الثّمالة و مّـؤلمّ لدّرجة الهلوسة ، فقـّال ببـرودّ و هو يـّلف وجهه للجـّهة
الأخرى
ـ إنّ كنت مـّعتادة على القيـّام بمُّثل هـذه التّصرفات سـّابقّا فأنسيها لأنكّ خطيبتي الآن ، و لا أّريدّ مّثل هـذه
السلوكيات المشينة و المـذّلة و المنـحطة
مسحّت مـّاري دّموعهـّا بانكسار شديدّ ثمّ قـّالت
ـ أنـّا أسـّـ
قـّاطـّعها صـّارخـّا بحدة و هو يـّلكـّم المقـّودّ بكّل مـّا يمتلكّ من قـّوة جّعلتها تـّجفّل عدة مـّرات
ـ لا تـعتـذّري سحقـّا، لا تـّعتذّري
شـّحب وجههـّا كما لو كـأن الـدّم قدّ سحّب منهّ بـّل كـما لو كـأنهـّا رأتّ شبـحّا حـّولهـّا ،
أنّ يصـّرخ نـّايت البـّارد و الهـادّئ عـّليهـّا فـّلابدّ أن طّفحّ به الكـّيل منهـّا ، أنّ تّضعـّه دّومـّا فّي مواقفّ
صّعبة ، لابدّ أنهّ يـتمنى الآن لو أنهّ لمّ يقّابلهـّا و لمّ يـّعرفهـّا في حيـّاته قطّ ، استـدّار عـائدّا أخـذّا إياها
إلى منـّزلهـّا الصغير




 

رد مع اقتباس
قديم 03-09-2020, 10:55 PM   #2
JAN
مِرأة وٓاحدة … إنعِكاسات شٓتى !

الصورة الرمزية JAN
JAN غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 115
 تاريخ التسجيل :  Mar 2020
 العمر : 23
 المشاركات : 9,849 [ + ]
 التقييم :  23316
لوني المفضل : Black
شكراً: 0
تم شكره 6 مرة في 6 مشاركة

مشاهدة أوسمتي




أسهمّ كيّــّوبيـدّ العـّالقة



صبـّاح يـّوم المـّواليّ ، كعّادة إليـزابيّث استقضت بـّاكّرا و أخـذّت حمـّاما منـعشـّا ثمّ ارتدت فستـّانا جميـّل
من تصـّميمّ شـانيل ثـمّ وضـعّت كريمـّات على بّشرتهـّا المـّائلة لسـّمرة طّبيعية ، بـّعد كـّل هـذّا إتجـّهت إلى
ذّلك السـرير حيّث يـّنامّ زوجـّها و رّبتت على كـّتفه بـكّل حنـّانّ ثـّم همسـّت فّي أذّنه بـّصّوت رقـّيق أنثوي
مـّثير
ـ عـّزيزي استيقّظ حـّان مـّوعدّ ذّهابكّ إلى العمـّل
ـ دّعيني أنـّام قـّليلا فقطّ ،
ـ لا أستطـّيع فإنّ أردّنـّا سّحق نايّت يجّب علينـّا العمـّل بجـدّ ، ألّيس كذّلك ؟
زفـّر كـّايلّ بـغـّيض و وقفّ متجـّها بخـطّوات متـّكاّسلة كيّ يـغّسل وجـّهه أو مهمـّا كـّان ، لقدّ كـّان الجـّو
جميـّلا و المـزاجّ رائـّعـّا فقطّ لو لمّ تذّكـّر اسمّ نايتّ على لسـّانها ، تبّا كمّ سـّيرتهّ تـّلهب النـّيرانّ فيّ قـّلبه
لمـّا يجبّ عليـّه العمـّل دومـّا ؟ و لمـّا يجّب عليهـّا مـّقـّارنتهّ به دومـّا ؟
تنهدّ و رشّ المّياه على وّجهه مـّراراّ كيّ يستفيّق جيـدّا ، حسـّنا ما منّ مـّفر فإنّ أرادّ كّسب ثـّقة جـدّه و
أعضـّاء مجـّلسّ الإدّارة فـّسوفّ يـّحصّل على المنـّصبّ منّ بـّعد جـدّه ، و إنّ أرادّ أن يّفعل ذلكّ يجبّ عليهّ
أن يبـّعدّ ذلكّ الوغدّ من طـّريقه

/

فيّ أحدى ضـّواحي لنـدّن مـدّينة الضـّبابّ ، حيـّث يـّوجدّ ذلك المـّبنى عـّتيق الـطّراز منّذ الـخمّسينيـّاتّ كـّانتّ
ضـّجة تـّصدر منهّ بـكلّ فـّوضى فـمـّا إنّ مـّر شّخص من أمامهّ حـّتى أعـّربّ عن استغـّرابهّ ، فـكيّف يّكون
هـذّا الضجيجّ و جميـّع سكـّانه كبـّار و الآهمّ أن مـّالكته سيدّة فرانسيسّ إمرأة المـّجتمع الـّراقية
لكـّن كيـّف لراحـّة و أنّ يـّعرف المبنّى أبـّوابها حينّ تكونّ مـّاريّ تعـّيش فيه، تـّلك الشّابة ذّات عشـّرين و
تصـّرفاتّ طـّفلة فيّ العـّاشرة منّ عـّمرها فقدّ كـّانتّ تتكئ على بـّابّ شّقتها و تـعـّقد ذّراعيهّا إلى صـّدرها
رافّضة فـكرّة إدّخالّ أيّ أحدّ
بينمـّا و فيّ الجـّهة المقـّابلة كـّان ويـّليام دّويلّ جـّارها يّضع يـّدّق الجـّرسّ بشكـّل مستمـّر و بجـّانبه يـّوجدّ
نـّايت ذّو المـّلامح الـحادة و الوجـّه الشـّاحبّ فـّبعدّ معـّرفته مـّا حـدّث من قّبلّ نـّايتّ أرادّ أنّ يصـّلحّ
الـّوضـّع بينهمـّا فقـّال ويّليام بنبرته اللـطيّفة
ـ مـّاري عـزيزتيّ من فـّضلكّ دعينـّا نحـّل الأمرّ بـطّريقة سّلمية ، لقدّ أتى نايتّ خصّيصّا لـرؤيتكّ
رمـقهّ نايتّ بـحدّة ، كيّف لهّ أن يكـذّب و هو أمـّامه ؟ من أتى لـرؤية مـّن ؟ تنهـدّ بضجـّر و استنـدّ على
الجـدّار الذيّ خـّلفه بـكلّ إرهـّاق فّي الجـّانب الآخر كـّانت ماري جـّالسة فيّ الأرّض تضمّ ركبتيهـّا إلى
صدّرها و قدّ أحمر وجهها كـّاملّا كمـّا أنّ عينيهـّا منـّتفختينّ بشدّة و تـّظهر هـّالاتّ سوداء تحّت جّفنيهـّا ،
تّوجدّ أيضا بقّعة بّنفسجيةّ بخـدّها ، كـّان منـّظرها كمـّا لو كـأنّها شخّص قدّ رمي فّي منتصّف اللّيل من
حـّانة بـعدّ أن تسّبب في إزعـّاج الزبائنّ ، رّفضت أنّ تقابله لمنـّظرها الأليمّ أولاّ و لأنهّا خجلة من ماّ حـدّث
سـّابقّا ثّانيا ، قـّالت بّصوت عـّالي
ـ أعـّلم جيـدّا أنه لمّ يـأتي من أجلّي إنهّ غـّاضبّ مني
نـّظر ويّليامّ بـاستيـّاء كيّ يتسللّ الندّم إلى قـّلبهّ لكنّ نايت تجـّاهله تمـّاما و بـخـّطوات كـّسولة كـّاد أن
يـّرحلّ لولا ذّراع ويّليام التي رّفضت تـّركه فـّرد عليهاّ بنبرة سـّعيدةّ لا تـّلاءم المـّوقفّ تماماّ
ـ لاّ بـالطّبع لاّ إنهّ يشـّعر بالذّنب و قدّ آتى شّخصيـّا لرؤيتكّ و تأكد بـأنكّ بخير
ابتسّم نـّايت بّسخريةّ لاذّعة ، هو يّشعر بالذّنب ؟ فـتـّحدثّ بصّوته المـّبحوحّ الهـّادئ ذوّ لهـجّة متـّهكمة
ـ أجـّل جـدّا
فتحـّت سيدة فرانسيس بّاب شقتها و خـّرجت و قد كانّت تـرتدي معطّفا اسود اللون جميـّل و قبـعة لطّيفة
بنفّس اللونّ ، عندمـّا رأت كـّلا من سيدّ ويليام و سيدّ نايتّ يقفـّان خـارج شّقة مـاري تـّقدمت منهم بفّضول
ـ ما الأمـّر؟
ابتسمّ ويليـّام بلبـّاقة شديدّة محّييـا إياها ثـمّ قـّال بـلهجة مـّرحة و مشـّاكسة
ـ أحـّاول القيـّام بـدّور كيـّوبيدّ بينّ شجـّار المتحـّابين هـذّا ، لكّن لا أستطّيع أن أرمّي بسهمي إنّ كانت
مـاري ترفّض فتـحّ البـّاب ، أليس كذلك ؟
ضحكّت سيدّة فرانسيس ثمّ أخرّجت مفـتاّح الثـّاني لشـقة و سلمـّته إلى ويليـامّ ثـمّ قـّالت بنـّبرة لطـّيفة تحدّث
فيهـّا شابينّ و سـّرعان ما انقلبت إلى عّصبية بمجّرد توجيهها الكلام إلى ماري
ـ يـّاله من أمـّر نبيلّ تـّحاول القيـّام به ويـّليامّ لو لم أكـّن مستعجـّلة لدّعوتكم إلى فنجـّان شاي لكنّ للأسفّ
، مـــاري أيتهـا المتسـّولة حـّاولي الخـّروج من جـّحركّ ذلك قـّليلا و التسوقّ كيّ لا تـأتي إلينـّا فّي
منتصّف الليّل لتـطّلبي أشياء خيـّالية ،
ودّعتهما بلطّف ثمّ زمـّجرت بغّيض و رحـّلت بينمـّا تـّقدم ويـليامّ و فتحّ البـّاب بكـّل سهولة ، عندّما شـّعرت
ماري بالنورّ يتسلل إلى مخبـأهـّا قـّامت من أرضية المـطّبخ و طّلت برأسهـّا بـّاحثة عن النـّور لمـّا وجدّت
كـّلا الشـّابين يقـّفان أمـّامها ، صـّرخت بّرعب ثمّ كـادّت أن تسرع هاربة إلى غرفتهـّا لولا أنّ ويليـّام
أمسكـّها من خصّرها و ثّبتهـّا على كـّرسي ، قـّال بدّهشة و هو يـّنـظر إلى وجهها
ـ إنهـّا كالخـّريطة ، تـّبا أكل هـذّا من فـّعل تـلكّ الفتاة ؟
شّـعّرت مـّاريّ بالخـجّل و قدّ تـّوردّت وجنتيهـّا إحـّراجاّ ، فـقّامتّ بتـّغطيّة وجههاّ كمّ هوّ سّخيـّف مـّوقفهـّا
الآن لذّا صـّاحتّ
ـ لاّ
كتـّم ويّليامّ ضحكـّته ثمّ ردّ عليهاّ بكلّ خبـّث
ـ إذّن أهيّ من فـّعل نايت ؟ كـّنت أعّلم أنهّ مخيـّف لكّن ليسّ لهـذّا المستوىّ و أناّ الذيّ كنـّت أتساءل عن
سّبب عـّدم فـّتحكّ البـّاب
أومـأّت مـّاريّ نفيـّا ، ثمّ قـّالت بكلّ اندفاع و حمـّاس بينمـّا وقـّوف نـّايت إلى جـّانبّها لا يـّزالّ ثـّابتـّا فيّ
طيـّاتّ ذّكريـّاتها
ـ لا إطـّلاقّا بلّ هو منّ سـّاعدنيّ ليتـكّ رأيتّ ملامحّ زمـّلائيّ أقّسم أنّ قـّلوبهمّ قدّ تـّوقفت عنّ العـّمل لوهلـّة
، كـّان بمثـّابة فـّارسّ
صـّمتت بذّعر عنـدّما لمـّحتّ ابتسـّامة نـّايتّ السـّاخرة و كـّادّت أنّ تّرحلّ لولا إمسّاك ويّليامّ معصمهـّا
فـّجعلها تـّعودّ لتـّجلّس بمكـّانهاّ مـطّيعة ، قـّالّ بكلّ مـّرحّ
ـ نـّايت من فـّضلكّ هـّلا أحضـّرت ليّ علبـّة الإسـّعافّات الأولّية منّ شّقتي ؟ إنهّ فيّ الدّرجّ الثّانيّ بجـّانب
رحـّل نـّايت متمتّما ببّضعة شّتائمّ ، إنهّ يـّعلمّ تـّماماّ أيّن مـّكان العـّلبة لذّا لا داّعيّ لجميـّع هـذّا الشـّرح
المفّصل و فيّ حينّ خـّروجّه اختفت هـّالة المـّرح منّ حـّول ويّليامّ و قدّ أظهرتّ عينيهّ مـدّى قـّلقه الـشدّيدّ
و خـّوفه فـوضـّع يدّيهّ على وجّنتيّ مـّاريّ بكلّ لطـفّ و تـّحدثّ بـّلهجةّ هـّادئة خـّافتةّ و قـّلقة
ـ هـّل أنتّ بخير ؟
ضحكـّت مـّاريّ بخجـّل و وضـّعت يدّها على رأسهاّ بكلّ تـّوتر ثمّ ابتـّعدتّ قـّليلاّ عنهّ قـّائـّلة بّمرحّ و سـذّاجة
ـ بالطـّبع و لمـّا لا أكـّون بـّخير ؟ أنـّا بـأفّضل حـّال و أنـّا ممتـّنة فـّعلا لـوجودّ نـّايت فيّ تـّلك اللحـظّة فـّلولاهّ
لمـّا كـّنت أعـّلم لمـّا قدّ أّفـّعله لقدّ أنـّقذنيّ فـّعلاّ
تـّنهدّ ويّليامّ ثمّ أبـّعدّ يـدّيه ، كـّانّ بالفـّعل قّلقـّا فـّهي فـّتـّاة كـّالـزجـّاج تـّمامّا إنّ دّفعتّ انكسرت إلى أشّلاء و
لاّ شيءّ قدّ يـّعيدّها إلى طّبيعتهـا لذّا هو فـّعلا ممتّن لـوجودّ نايتّ فـّقـّال بـنبرة جـدّية
ـ مـّاريّ أنـّأ أعّلم جيـدّا أنّ كـّونكّ خـطّيبة نـّايتّ ليسّ بالسـّهل على الإطـّلاق و أعـّلم أنّ نـايتّ لّيس
بالشّخص اللـطّيف أبدّا الذّي قدّ يمـدّ يـّده لّيسـّاعدّ أحـدّا لكنّ من فّضلكّ هــّلا بـّقيت بجـّانبه ؟ هـّلا أكـّملت
هـذّه المـّسرحيةّ معـّه ؟
رمشّت باستغراب شديدّ منّ كـّلامهّ الغـّـّامض فّلما هيّ قـدّ تتـّخلى عنّ نـّايتّ ؟ ألّأجّل كـلامه ؟ بالطـّبع لاّ
فـّهي لّيستّ بجـّاحدة للمـّعروفّ و أيّضـّا هنـّاك شيّء أخـّر يمنعهّا من تـّركه ، لذّا أجـّابتّ بـّكلّ هـدوءّ و
جـدّية
ـ لنّ أرحـّل حتّى يطـّلب هو منيّ الابتعاد
قـطّب بكـّل استنـكـّار ، هيّ لا تفّـهمّه .. لا تفـّهمه على الإطـّلاقّ فّليسّ هـذّا مـّا يـّعنيه أبدّا ، أتّى نايتّ حـّاملا
العـّلبة بكلّ ضجّر ثمّ رمـّاها على وّيلّيام بكلّ بـّرودّ ، ليجّلس على الأريكـّة حيّنها رفّع ويّليام حـّاجبه
باستياء ، كيّف له أن يتصّرف بهذه الطـّريقة الفـّظيّعة بـّعد كل الذّي قـّاله ؟ لذّا حمـّل هاتفّه و تـّظاهرّ
بالـّرد قـّائّلا بكلّ سـّعادة
ـ حبّيبتيّ لقدّ كّنت فّي انتـظاّر اتصالك ، أنّا متـّفرغّ الآن ..
ثمّ وقفّ و هوّ ينـظرّ حوله ، على شـّفتيه ابتسـّامته المشـّهورة التيّ سـّحرتّ قّلوبّ الفتياّت ثمّ ذّهبّ
مسـّرعاّ بينمـّا زفّر نايتّ بغيضّ ، أوراّقه مكشـّوفة تماماّ لكنّ لنّ يّفعل ماّ يريدّ
بـّعد مّرور خمسّ دقّائقّ على رحيّل ويّّليام الّشخص الذيّ يّخلقّ جواّ من المـّرح و الـّراحة للجميـّع شدّت
ماّري قّبضتّيها بكلّ تّوتر ثمّ اقـّتربت منّ نـّايت مـتّرددّة و وقفـّت أمامه ، ثمّ أنزلّت رأسهاّ متـّجنبة احتـّكاكّ
نظّراتهماّ و همسـّت بـهدوء
ـ أنـّا آسفة ، لكـّننيّ هـكذّا .. أنـّا فـتّاة استغرقت ثّمانيةّ عشّر عـّاماّ كيّ تجمـّع الشجـّاعة الكـّافية لمغـّادرة
منـّزلهاّ و عـّامينّ لكيّ أسترجّع أختيّ لكنّ لمّ أستـطعّ ، أناّ ذلكّ النـّوع من فتيـّات اللواتّي يهربنّ عندّما
تتفـّاقمّ الصّعاّب من حـّولهنّ ، أنـّا جبّـانة و لستّ فخـّورة لقّول هـذاّ لكنّ هذّه هيّ أنـّا ، و بالـّرغم منّ
طبـّاعي المستأصلة فـأننيّ أحـّاول و بشـدةّ أن أكونّ قـّوية مثـّلك لا أهـاّب شّيئا ، أحـّاول بشدّة أنّ لا
أحـّرجكّ لذاّ أرجوّك أعـ
تنهـدّ ، كيّف هيّ تتجّنب نـظّراته و تنـزلّ رأسهـّا بكلّ ترددّ ؟ إنهّا بالفـّعل جّبانة و ضـّعيفة الشّخصية ، إتجـّه
إلى المـطبّخ و أحضّر علبةّ الإسعافات الأولية فـأشّار لهاّ بالجّلوس ، لتـطّيعه دونّ تـّردد ، فّردّ بـّهدوءّ لأولّ
مـّرة كـّان قدّ حـدّثهاّ بهذهّ النبرة الهـّادئةّ و بمـّزاجّ مـّعتدلّ سـّاكنّ
ـ لـّستّ أهـّابّ شيئـّا و إنمـّا أواجـّه مـّخاّوفيّ
وضـّع ضـمـادّات على شـّفتيهـّا و بالقـّرب من عينهـّا حّيث تّقع تـلكّ البّقعة البنفسجية ، لقدّ بـدّا مـّركزا و
بشدّة فّي عـّمله ، فقدّ كـّان يّضع تـلكّ الضمـادّة بـّرفق شدّيد على وجههـّا لذّلك تـّوقفت عن التنـّفس كّي لا
تـّزعجـّه ، إنتهـّى فـأخـذّت شـهيقـّا طـّويـّلا ثـمّ ضحكـّت و قـّالت بّفضولّ
ـ بالنسّبة ليّ فـأناّ أخـّاف والدّي أوّلا و الحشـّرات ، تجمـّع الناّس و الأماكنّ الضيـّقة و المرتفعة أيضـّا ،
ماذا عنكّ نايت ؟
ابتسمّ بهدوءّ و فـركّ المـّرهم على خـدّها، فـاحتدّت عينيهّ و ازداد غموضّهما فاستغـّربت مـّاري من تـّغّير
ملامـّحه ، ردّ ببـّرود يّشابه الصّقيعّ
ـ بّشر الذّين يعتـذّرون و الذّين يتـّظاهرون بالـطّيبة أنـّا أكـّرههمّ
لماذا قدّ يقول شيّئا مّثل هـذا ؟ بّشر الذّين يعتـذّرون ؟ شّهقتّ بذّعر و أمسكّـت يدّه بكلّ خوفّ ثمّ أشّارت
على نفسهـّا قّائلة
ـ أنـّا ؟
قّطبّ بإستنـكاّر منّ نـظّراتها التيّ تتـّوسل لهّ كيّ يّقول لا ؟ فنـزعّ يدّه من حضّنها بجـّهد و وقّف مستعـدّا
لرحيّل لكنهـّا سّارعت و سحّبته منّ قميصه فّاختـّل تّوازنه و سقطّ الاثنين أرضّا ، كـّحتّ ماّري محـّاولة
التنّفس بينماّ أمسكّ نايتّ رأسهّ بّكل ألمّ ،
فتحّت مـّاريّ عينيهّا بصدّمة عنـدّما رأتّ وجـّه نايتّ القـّريبّ منهـّا ، بينمّا فتحّ هو عينهّ اليمنى بكّل كسـّل ،
لمـّا و دومـّا عنـدّما يكونّ بجـّانبها تـّحدثّ أمورّ مثّل هـذّه ؟ لابدّ أنها الكـّارما أو شيّء من هـذّا القّبيل فردّ
بحـّقدّ على سـّؤالهاّ سـّابقّا
ـ أجـّل ،
ضحكـّـتّ بتوتّر ، إلى متـّى سوفّ تستمـّر بـّتّصرفّ هكـذّا ؟ يـّال الإحـّراج لكنّ ليسّ لدّيها تـّلك القـّوى
العّظيمة التّي تسمـّح لهاّ بإسـّقاطّ نايتّ لذّا وضـّع يدّها على جّبينه بـّعدماّ لاحـّظت تلكّ الهّالاتّ السّوداءّ
تحّت عينيه و التّي بالكـّاد ظـّاهرة ثمّ شـّهقتّ ، كـّان بـّارداّ كالجليدّ تمـّاماّ فـّقـّالت بـّقلقّ
ـ هل أنـّت مـّريّض ؟
شّتمّ بخـّفوت و هو يحـّاول الجـّلوسّ مـّبعدّا جسّده عنهـّا ، أيّ وضـّع هـذّا الذّي يتحـدّثان بهّ ؟ فّي حينّ أنّ
مـّاري لمّ تـّباّلي أبدّا و لمّ تـّحمرّ وجـّنتيها كـّعادّتها بلّ استقـّامتّ فّي جـّلستهاّ مستنـدّة على ركّبتيهّا كـّفتاة
مـطّيعة و انـحّنتّ قّليلّا ، يّاله منّ سـّخف فـّهو قدّ أتى منّ أجلّها لرؤيتهـّا و الاطمئنان عليهـّا بينماّ هيّ لمّ
تـّهتمّ أبدّا و أمـطّرته بـأسـئلتهاّ الغـّبية
ـ أنـّا أسّفة
أدّار وجّهه للجـّهة الأخرىّ ، ألمّ يـّقل لهّا أنهّ يكـّره الأشخـّاص الذّين يـّعتذرونّ أكثّر شيءّ في الـوجودّ
فـلماذا بـّحق السمـّاء هيّ تعتـذّر الآن لكنهاّ أكمـّلت حـدّيثها غـّير مبـّاليةّ بـتهجمّ مـّلامـحّه
ـ لقدّ أنقـذّتني سّابقّا و أناّ لم أقّل شكـّرا و لقدّ عـّالجتني و أناّ ثـّانية لمّ أقّل شكـّرا ، فّي الحـّقيقةّ نّـايتّ
أنـّا
قـاطّعهـّا بـّنبرتهّ المتـّهكمة و الـجـّاحدّة
ـ أجـّل و كـأننيّ أهتـمّ، دّعيناّ من الكـّلام فـّكلمّا تـّفوهتّ بـحّروف أكثّر كلمـّا وقّعت مصـّائّب أكثـّر
زمت مـاري شفتيها بانزعاج تام و لمّ تـّقل شيئـّا ، لطـّالمـّا كـّانت وحـيدّة فّي شقتهـّا حّيث تـّبقى هنـّا لأيـّام و
أسـّابيـّع دونّ لمحة من نـّور ، تـّبقى هنـّا لوحـدّها فتكـّتفي سيدّة فـّرانسيس بالاطمـّئنان عليهـّا أحيـّانـّا لكـّن
الآن و منـذّ أن دّخل نـّايت لحيـّاتهـّا لقدّ تـّغير كـّل شيء
لقدّ صـّارت تتحدّث أكـّثر ، تـّخرج أكثـّر و تبـّتسمّ أكثـّر .. قدّ لا يـّعلم هو لكّن ما قـدّمه لهـا أكثـّر ممـّا
يتخـّيله هو فكّيف تستـطّيع هي تـّركه بعـدّ كل هـذّا ؟ ويّليامّ لا يـّعلم فـّعلا ما الذّي يتحـدّث عنهّ ، ابتسـمتّ
بلطّف و صـّفقت بيدّيهاّ بمرحّ و فـّرحـّة ،
لاّ يـهـمّ إنّ كـّان والدّها يـّرفّضها و أختهـّا تخـّلت عنهـّا ، كـذّلك فـّعلت والّدتها .. لا يـّهم إنّ لمّ يكنّ لدّيها
أصدّقـّاء مـّادامّ نـّايت بـجـّانبها فـّهي سـعيدّة ، هـذّه اللحـظاّت التيّ يـّقضيـّانها مـّع بّعضهما فّي الحـدّيث أو
حتـّى فيّ الشجـّار بـالنسبةّ لهـّا
لا تـّقدرّ بثّمن
بينمـا كـّانت مـّاري منـّشغلة فّي الابتسـّام و التـّفكيّر كـانّ نـّايت قـدّ وقفّ و نفـّض الغـّبار عن مـّلابسه ثمّ
أحـّضر معـطّفها الأحمـّر الذّي دومـّا مـّا تـّرتدّيه و رمـّاه عليهـّا فـأمسكـّته بـّدهشة ليـتحـدّث بـّنبرة مـّاكرة
و خبيـّثة
ـ الآن دّعينـّا نـزورّ آل لبيـّر الأحبـّاء
يـّعيشّ البّعضّ فيّ الحيـّاة كـّعابّر سّبيلّ يـّسيـّر إلى حيّث تـّشير بـّوصلته أو إلى أينّ يـقـّول قـّلبه فـيّلتقيّ
بـأنـّـاس فيّ رحـّلتهّ ، أولائكّ النـّاسّ مخـّتلفونّ فيّ أرائـّهمّ و بتصـّرفاتهمّ ، لا يستـطيّع التنبؤ بتـحركـّاتهم ،

/

كـّان سيدّ رويّ يجـّلس منكسّا على كـّرسيهّ واضـّعا رأسه بينّ ذّراعيهّ و قدّ أهلكهّ التفـكيّر و أتـّعبهّ ،
فقـدّ كـّان يـّنـظرّ إلى شـّاشة الحـّاسوبّ حيثّ قدّ ظهـّرتّ فيهّ ابنته المحبّوبة كلّير تـّقومّ و بكلّ غـّباءّ فيّ لوم
مـّاري على أخـطاّئه هو
كيـّف لهـّا أنّ تكونّ بهـذّا السـّخف ؟ فمـّا دّخل مـّاريّ في طـّرده لآرثر ؟ إنهـّا مـّجردّ فتاةّ ضـّعيفةّ لا تـّقدّر
على إيذّاء نـملّة، كمّ هو متـّعب فـّعلا تـّربية أبّنائه
فـّرفعّ عينيهّ العـّسليتيـّن نـّاحيةّ ذّلك الـرجّل ذوّ العـّضلاتّ ، كـّان أسّمر البّشرة و ذّو شـّعر أسودّ مـّبعّثر
يـّرتدّي بذّلة عـّمل رّسمية ، فقـّال لهّ سيدّ رويّ بـّهدوءّ
ـ أنـّا لا أعّلم كـّيفّ أعتـذّر ، رجـّاء أوصـّل أسّفي الشديدّ إلى سيدّ نـّـايتّ لبيّر و أخـّبره أنّ هـذّا التصـّرف
لنّ يّمر بـّسهولة سـأحرّص على معـّاقبتها
انحنـى فـّرانسوّا اليـدّ اليمنـّى لنايتّ بكلّ لـّباقةّ ثمّ عـّادّ للـوقّوف باستقامة ، تـّحدّث بـّنبرة هـّادئة مبـّحوحـّة
ـ أرجـّوا أنّ تتـّحكمّ فيّ سّلوك أطفّالك أكّثر لأنّ سيدّي قدّ غـّض البّصر هـذّه المـّرة فقطّ لاحــّترامه الشديدّ
لكّ
أومـأ سيدّ رويّ بكلّ خـجلّ و إحـّراجّ متـّوعدّا فيّ دّاخله على أنّ تنـّال كلّير تمّاما مـّا تـّستحـّقه ، كيـّف لهـّا
أن تتـجـرأ على العـّبثّ مـّع مـاري و هيّ الآن خـطّيبة ذّلك الشيطّان ؟ طـّوالّ سنـّوات عـّمله حـّاول تـّجنبّ
قدّر المستـطّاع الاحتـّكاكّ به لكنّ خّـربتّ ابنته كلّ شيء ، ألا تـّعلمّ ما الذّي هـّو قـّادر على فـّعله ؟
فجـأةّ تـذّكر صـّور آرثرّ ، تـّلك الـّصور التيّ كـادّت أن تسببّ لهّ بـأزمـّة قـّلبيةّ أو ربمـّا بالمـّوت حـّتى فـّرفّع
عينيه سّريـّعا إلى فـّرانسوا الذّي قدّ تـأهبّ لرحيـّل و قـّال بـّصدّمة
ـ أيـّعقل أنكمّ أنتمّ من أرسـّلتمّ تـّلك الصـّور إلى سيدّ جـّونـّاثان ؟ والدّ مـّاري ؟
ابتسـمّ فـّرانسوّا ببـّرودّ مخـّيفّ ، أليسّ ذّلك واضحـّا و جـّاليا للعـيّان ؟ فــأخذّ ذلكّ الحـّاسوبّ من مـكّتب
رويّ و وضـّعه فيّ حـّقيبتهّ ليـّرد عليهّ
ـ تـّلكّ كـّانتّ مجـّردّ ملاحـظّة بسيـطّة كيّ لا تـّعبثّوا مـّع آنستنـّا الصـّغيرة، ... يومـّا هنيـّئاّ سيدّي

/

وضـّعت تلكّ الشـّابة ذّات الشـّعر الأحمـّر الطـّويل يدّيهـّا على ركّبتيهـّا و هي تلهثّ منّ شدّة التـّعب و تنـّظر
نـحو تلكّ البنـّاية البالية و التي تشّبه منـّزلهمّ في دّرجة القدّم ،
تـرتدّي معطـّفا و وشـّاحـّا مع نـظّارتينّ تـغـطّي فيهـا مـّلامحـّها و كّي لا ينتبه لهـّا أحدّ، لكّنّ هي لا تـّعلم
و أنها و بارتدائها لمثّل هـذه المـّلابّس فهي تـّجذّب الشكوكّ من حـّولها،
اختبأت خـّلف الجـدّار جيدّا عنـدّمـّا لمحـّت شـّابا طـّويلا ذو شـّعر أشـّقر يـّخرج من المبـّنى ، وقّف فّي
الأسفـّل و وضـّع سمـّاعات على أذّنيه ثمّ شـّغل المـّوسيقى بـّصوت مرتـّفع ، همسـّت الفـتاة بـّغيض
ـ ويـّليـامّ دّويـّل ، الرجـّل الذّي يتدّخل فّيما لا يـّعنيه دومـّا ، ما الذّي يـّفعله شخّص مثله هنـّا ؟ ظننته من
المشـّاهيـّر .
مـّر فتى صـّغير أمـّامهـا يـرتدي الزى المـّدرسي و يـأكّل حـّلوى فـأمسكـّـته من يـّاقته ليندّّهش ، كـادّ أن
يصّرخ لولا أنهـّا قـّالت بغيض
ـ هششش أنـّا لن أختطّفك ، اسمـّع أريدّ منكّ أن تخـبّرني ما الذّي يـّفعله ذّلك الشـّاب هنـّا ؟ أتعرفه ؟
نـظّر الفتى إلى ويـليـامّ المنـدّمج مع الأغنية ، ثمّ عـّاد بـعينيه نـّاحية فـّلور و قـّال بـمـّلل
ـ أنـّت هي المـرأة العـّاشرة التي تـأتي لتسـأل عنه لكـّن أؤكـدّ لكّ أنه لنّ يهتمّ بكّ فـقدّ سبّق و أتت
له نسـاء أجـّمل منكّ و رفّضهن ،
قطّبت فـّلور بـّعصبية شدّيدة ثمّ قـّالت بـعنّف و هي تـّهزه يمينـّا و شمـّالا
ـ و لمـاذّا أهتمّ بأخرّق مثله ؟ أتـظنني بتـلكّ البـّلاهة و الغـّباء لأقّع فّي حّب متعجّرف مثله ؟ لا يـّعقل ،
هـّل أنت تـظن أنني مـتّرصدة ؟
زّّفر الفـتى بـّغيّض و قدّ بدأ رأسه بالدّورانّ فـنـّزع يدّيهـّا عن يـّاقته و نـّفضّ ملابّسه باهتمام شديدّ قـّائـّلا
ـ لا أعـلمّ لست أنا من يسـأل عنه يا آنسة
شـّتمتّ فـلور بـّغضب بـعدّها رسمـّت ابتسـامة لطّيفة مصـطّنعة على شفتيهـّا و هي تـّربت على كـتّف الفتى
ـ حسنـّا شكـّرا لكّ على لا شيء ، سـؤال أخـّير لكّ هـّل لا زاّلت مـاّري روبـّرت تعّيش هنـّا بهـذا المـبنى ؟
ـ أجـّل فّي الطـّابقّ الثّاني أظّن الشـّقة الأولى على الـيمينّ ، أتعرفينها يـا آنسة ؟
دّفعته جـّانبـّا و هيّ تـّقول له بغيّض بينمـاّ عينيهـّا مركزتين على ويـّليام
ـ و ما شـأنك أنت ؟ أليّس لدّيك مـدّرسة ؟
قـطّب الفتى و رحـّل تـّاركـّا إياها، بينمـّا هنـاكّ شيء وحيـدّ فّي بـاله .. لمـاذّا سكـّان هـذا الـحّي بـهذه
الغـّرابة ؟ و لمـّا هو لا يـزال يـّعيش هنـّا ؟ و لمـّا جميـّعا يمسكونه هو ليـسألونه عـّوض أصدّقاءه ؟ لقدّ
فكّر جدّيـّا فّي كسّب بـّعض المـّال مقـّابل سردّ القـّليل من المعـّلومات عن جيـّرانه ، أنّ يكونّ مخبـّرا فّي
هـذّا الحيّ لأمرّ ممتـّع
تنهـدّت بـّغيّض ثمّ سـّارت عـائدّة لأن وجـودّه قدّ يـّعرقلّ خطّتهـّا ، لا بـأس سـتّعودّ مجددّا عندمـّا لا يـكون
ويـليـام هنـّا

/

فّي مقـهى عـادّي ، حيُّث يـوجدّ القـّليل من الزبـّائن لأنّ الـيوم لا يـزال فّي بـدّايته
كـّان يجـّلس على إحدى الكـّراسيّ في إحدى الطـّاولات المنتشرة بـكثّرة شـّاب ذو شـّعر بـّني بجـّانبه فتـّاة
تشبـّهه ، لقدّ كـّناّ كـّلا من كلـّير و آرثـّر عـّائلة غـلوري .
تنهـدّ آرثـّر بـتفكـّير عمـّيق ، الآن بـعدّما طـّرده صدّيقه الـوحيـدّ من ذّلك النادّي الذّي كـّان مـلجـأه الوحيـدّ
و الذّي كـّان يـنـّام فيه طـّوال الأيـّام المـّاضية فـإلى أينّ يلجـأ الآن ؟ رفـّيقـّاته معظمهن يمـّلكنّ صديقـّا
و كليـّر أخته لنّ تستـطّيع إيـوائه فـّهي لا تـزالّ تـدّرس بالجـامعة ّ و لا تـّمتلك مـّالا كثـّيرا لتـّعطي إيـاه ،
فجـأة طـّرأت فيّ بـّال كليـّر فـكّرة عندّما كـّانت تمسكّ بكـّتفهـّا الذّي ألمـّها بـعدّ ّذّلك العـّراك الطـّويل ،
ضحكتّ ثمّ قـالت بمكـّر و حقدّ
ـ آرثـّر أنت تتذّكر مـّاري أليس كذلك ؟ أختّ مترصدّتكّ المجنونة
نـّظر إليهـّا آرثر بواسطّة عينيه العّشبيتين و المّلل يتـأكّله ، كّيف لا و الحدّيث يدّور حـّول فـّتاتي روبـرت ،
فقـّال بضجـّر و هو يـّحرك المـّلعقة فّي ذلكّ الكـّوب المليء بالقهوة
ـ كيـّف لي أنّ أنسى ؟ غـّيري دّفة الحدّيث فـأنـّا بالكـّاد أصبحّت أتـحمّل سيـّرة أسميهما الآن
لمّ تهتمّ لطّلبه و لمّ تسمـّع إلى ما قاله حتّى بـّل أكملت ما بجّعبتها من كـّلام و نبـّرة الحقدّ قدّ طغتّ على
صـّوتها
ـ مـّاري يـا آرثـّر ، مـّاري تلكّ الفتاة الجبانة التيّ كـّانت دومـّا مـّا تختبئ خـّلف فـلور أصبحـّت اليـّوم
خطيبـّة الـرسمية لنـّايت آل لبيـّر ، ذّلك الـرجّل النـّابغة الذّي تخرجّ في السـادّسة عشّر من عمـّره و
استـّولى على جميـّع مـّلكيـّات دوغلاسّ
قطّب آرثّر و قدّ بدّأ الأمرّ يسترعي اهتمامه ، كيـّف لاّ و نايتّ هو الموضوع ، كشـّر عن أسنـّانه المصـطّفة
و البيضـّاء ثمّ تحدّث بفضّول قـّليل
ـ كيـّف نـّالت تلكّ الحمقـّاء من عـّبقري مثله ؟ هل أنت واثقة أنّ هذه لّيست إشـّاعات ؟ لأننّي أشكّ بهـذّا
فـّعلا
ـ لاّ ، صدّقا لا ، لقدّ رأيت بـأمّ عيناي و هو يدّافع عن مـّاري عندمّا حـّاولت أنـّا أنّ أصلحّ مـّا أفسدّته أنت
، لكّن هـذّا لّيس مـّا أنـّا بصددّ قـّوله ، أنـّا أريدّ أن نستغـّل تلكّ الغـّبية جيدّا مـّا دمنـّا في هذه الفـّوضى
بسبب والدّها
ـ أنتّ محقّة ، العبّث معهـّا سهلّ جدّا كـأخذّ الحـّلوى من فـّم طّفل لكّن نـّايت لّيس كذّلك ، هوّ إن أرادّ سوفّ
يمحي عائلة غـّلوري من وجه الكـّرة الأرضية كـأنهاّ لمّ توجدّ قطّ
صمّتت كليّر قّليلاّ و قدّ عـّادت بـذّاكرتها إلى الخّلف ، حيثّ ما أمـّرها نايتّ بالركوعّ أرضـّا و هي نفـذّت
أوامره بـّغير إرادّتها ، كـأنها مجّبرة على تـّنفيذها فقـّالت بـرجاء
ـ لكّن آرثّر ، لقدّ تسببت فـّلور بطّردكّ من المنزل و حّرمانكّ من جميع أموالكّ أفـّلا تـّريدّ ردّ الاعتبـّار
لكّرامتكّ ؟ بحّق الجحيمّ إنهمّ مجـّرد فقـّراء فلمـّاذا أنت خـّائّف منهم لهذه الدرجة ؟
تهـّات عينـّاه فّي الـواجهة للحـظّات و هو يـّراقب المـّارة ، و على شـّفتيه ابتسـّامه لا تـكادّ تـظهّر ، أختهّ
قلقة عليهّ و لدّيها الحّق بذّلك فـهو اعتاد العيشّ الرغيدّ و بدونّ أموال والدّه فـّلا يستـطّيع تـّدّبر أمره كمـّا
و أنّ جميع أصدّقاءه يتـّهربونّ منه و رفيـّقاته معظمهنّ نسـّاء متزوجـّات و لّسن مستعـدّات لجعـّله يدّخل
بيوتهنّ هكـذّا ، قـّال بهدوء
ـ أنتّ لا تـّعلمين من هو هـذّا الذّي تتحدّينه يا كـلّير
تغّيرت ملامحّ كـّلير للحـّظات متـّرددة ثمّ ضّربت بقّبضتها على الطـّاولة و هي تقـّول نـّافية
ـ لاّ ، أنـّا أريدّ النيـّل منهمّ جميـّعا كّيف لنـّا الاستسـّلام و نحن لمّ نجّرب بـّعد ؟ دّعنـّا نفـّعل ما باستطاعتنا
لإسقاط عائلة روبرت لقدّ سئمت فـّعلا من التصـّاقهم كالجرار فّي أسفّل أقدّامنا
رفّع يدّيه دّلالة على أنه اقتنع بكـّلامهـّا فابتسمـّت بسـعادّة و حمـّلت هاتفـّها لتتصّل بحّبيبهـّا ققد اشتاقت
اليه ، تنهدّ آرثّر و أخذّ يفكّر عمـّيقا ، إنهّ ليسّ بالشخص الحقـودّ لكنّ إن تعدى أحدّ على ممـتّلكاته فهوّ
هالكّ لا محـّالة . يمكنّ القول أنّه ردّ دينّ .. ردّ الاعتبـّار لذّاته المـذّلولة و المحـطّمة التّي أخذّتها عائلة
روبرت منه




 

رد مع اقتباس
قديم 03-09-2020, 11:00 PM   #3
JAN
مِرأة وٓاحدة … إنعِكاسات شٓتى !

الصورة الرمزية JAN
JAN غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 115
 تاريخ التسجيل :  Mar 2020
 العمر : 23
 المشاركات : 9,849 [ + ]
 التقييم :  23316
لوني المفضل : Black
شكراً: 0
تم شكره 6 مرة في 6 مشاركة

مشاهدة أوسمتي




حـّروفّ منّ نـدمّ



وسـطّ لمحـّات الـظّلام و غـّروب الشمّس الداّفئةّ مـّا بينّ طيـّات لنـدّن المـّعمرة ، فيّ تـّلك الغـّرفة
الصـّغيرة ذّاتّ الألوانّ البّاهتةّ و الجـدّرانّ المتآكلة كـّان هوّ يجـّلسّ بكلّ يـأسّ و أسى على حـّاله فيّ
زّاوية صّغيرةّ لا تكـّاد تـّرى ينـظرّ إلى رقّاص السـّاعة و هو يتـّقدمّ فيّ كلّ ثّانـيةّ معـّلنا العـدّ التنـّازليّ
لنهـاّية هـذاّ اليومّ و بـدأ يّوم آخرّ
روتينيّ ، كمّ يّشفقّ على نفـّسه الآن ؟ كـمّ هو يـّكره نفـّسه الآن كمّ هو يـّبغض يّحقدّ يمقـّت هـذاّ الوضـّع
الذّي فيهّ الآن أنّ تـّـرى يدّيكّ و هما بلاّ فـائدّة، تلكّ اليدّ السمراء العاملةّ التّي لطّالما جّرت خّلف الدّنيا
لتكّسب بّضعة دّنانير تطّعم
بهـّا فمّ صاحبّها المتشّقق من أعبـاّء و همـّومّ التي يحمّلها على كتفّيه ،
صـّاحّبها هو ذّلك الرجـّل الأسمـّر ، الذّي طغى شبحّ الكـّبر على ملامّحه و بالـّرغم من أنهّ لا يـزاّل فّي
نهـّاية الأربعينات إلاّ أنهّ يبدّوا ككهـّل قضت عليه الشيـّخوخة ،كـّان ينـّظر بعينّين بنّيتينّ شـّاردتينّ إلى
تلكّ الـورقة الجديدّة من التـّحاليّل التيّ قدّ سلمهاّ له الطـّبيب تـّوا و التّي تستـدّعى بقـّائه فّي المّستشفى
للقـّاء العـّلاجّ الضـّروري و اللاّزم ،هـذّه المرة لا مـّجال إلى الرفّض و لا حـتّى الهـّرب فقدّ أهلكه
المـّرض و أتعبته المقـّاومة و أنهكـّه التمثيـّل بـأنه بخيّر ،
هـذّه المـّرة ، إنهـّا المـّوت
جـّلس على الأّرض فّي تلك الـزاوية كعـّادته عندّ تلقّيه أخبـّارا شنيـّعة ثمّ وضـّع ذّراعه على وجهه و
نـّزلت دّمعة وحيدّة يتيمـّة ، دّمعة رجـّل مـّريضّ
دمـّعة شخصّ محتـّاجّ ، لّيس محتـّاجـّا إلى المـّال و لا حتـّى الذّهب .. إنهّ فقطّ بحـّاجة لتـلكّ اليدّ الحـّانية
التيّ تمسحّ على ظهره و تحّضنه بكـّل دفء لتقيه من هـذّا العالمّ القـّاسي و لتـّخبره بصـّوت رقيـّق
حـّنون أنّ كلّ شيء سيكون
بخيـّر، و أنهـّا هنـّا معه
أجـّل إنهـاّ تلك المـرأة التّي يحّن لها الكـّل عندّما مـّروره بصدّمات من هذه الدّنيـّا ، تـّلك المـرأة التيّ
لطـّالما سـّاندّته ،لطـّالمـّا وقفـّت بجـّانبه .. لطـّالما أحبـّته لكنهّ أبـّعدهاّ بكلّ قـّسوة عنهّ أبعدّها غـّير آبه
بـدّموعهـّا أوّ حّبهّا له الذيّ يسّكن كّيانها
يـّا تـّرى لوّ أسّرع إليهـّا الآن ، لوّ ركضّ حـّافيّا شـّوارعّ لندنّ لها فـّهل ستقّبل بهّ ؟
بالـّرغم من الجـّروحّ التي سببهـّا لهّا هل ستقبل به و هو الآن شخصّ عـّاجز على حـافة النهـّاية ؟
تنهـدّ و مسـّح دمـّعته بكـلّ ألمّ ، ثمّ وقفّ مستنـدّا على سـّريرّه لـّيحملّ ذلكّ الدّفتر الأخـّضرّ الصـّغيرّ ،
أمسكـّه بـأنـّامله المـّرتجفّة ليخـطّوا حـّروفـّا منّ نـدّم بينماّ شّفتيه تهمّسانّ بكـّلمة واحـدّة فقطّ
ـ أنـّا أسّف
دّخلت فـّلور إلى غـّرفة والدّها الذّي أصّبح لا يـّغادّرها إلا قـّليلا فـّلمحته يـّكتبّ شيئـّا فّي دفّتره الخـّاص
بالدّيونّ ، الذّي لا يـّقترب منه أحـدّ فوقفّت فّي مكانهـّا باستقـامة و قـّالت محدّثة إيـّاه
ـ أبّي لقدّ صـّار الفـّطور جـّاهـزا منـذّ فـّترة ، ألنّ تـّنزل ؟
رّفع عينيه البنيتين اللتينّ قدّ ظـّهرت من تحّتهمـّا هـّالات من السـّوادّ و قدّ كـّانت معـّالم المـّرضّ بـّادية
عليه ، نـظّرامطـّولا إلى ابنتهّ الكبـّرى و الشخّص الوحيدّ الذّي تبقى بجـّانبه بـّعد أنّ غـّادره الكـّل ، ثمّ
قـّال بـجّفاء
ـ لا أريدّ ، لدّي رحـّلة عـّمل يجّب عليّ أنّ أجـّهز لهـّا لذّلك أحضـّري الطـّعام إلى هنـا ثمّ و في المـّرة
القـّادمة أريدّك أن تسـتأذّني قـّبل الدّخول ، أفهمت ؟
قـطّبت فـّلور بانزعاج من مـزاجـّه المنعـدّم هـذه الأيـام ثمّ استـدّارت راحـّلة دون أن تـّقول لّه شيئـّا و
هي تتمتـّم مـّعلقة على كـّلامه لكن فجـأة عـادّت إليه ثمّ قـالت بقّلق
ـ أبيّ هل أنت بخير ؟
كـّح سيدّ جوناثـّان قـّليلا ثمّ مسحّ بيدّه على وجهه الـشـاحب جـدّا و أومـأ بـرأسه دّلالة على الإيجاب ،
ثمّ ابتسمّ بهدوء لوهلة و قال
ـ أنـّا بخيـّر بـّل أحّسن حـّالا ،
رمّقت فلور والدّها بطّرف عينهـّا ثمّ اتجّهت إلى الأسـّفل و لمّ يـّخبوّا عليهّ قـّلقهـّا الشديدّ ، فـابتسمّ هـذه
المـّرة بسّخرية علىّ حـّاله ، بالـّرغم منّ كـّل مـّا فـّعله لا زالتّ بجـّانبه كالغـّراء تمـاّما

/

ضبـّاب لندنّ قدّ قشـّع نـّورها تمـّاما كـّقلبهّ الذّي فقدّ الأمـّل ، يضـّع البيـّانو على الأرّض و بـأنامّله
الطـّويلة يّداعبّ مفـّاتيحه بـّلا هـّوادة بـّاحثّا عنّ كلـّماتّ تصّف حـّاله فيّ هـذّه اللحـظّة ،
تنهـدّ بحـزنّ ثمّ أغّلق عينيه و استلقى بـّجانب آلته ، لمـّاذا يّشعر بـّهذا الكـّم من الألم ؟ كـانّ ألافّ الإبر
تـّغرز فيّ قـّلبه ، مـّا سّره يـّا ترى ؟ صـّمت قـّليـّلا ثمّ همسّ بـّصوتهّ الهـادّئ اللطـّيف يحـّاكي نـّغمة النـّاي
فّي جمـّاله
ـ أشـّعر أنّ كـّل يّوم هو نفـّسه و هـذّا يحبطنيّ لكنني المـّلام ، لقدّ جـّربت كل شيء لأهـّرب لكنّ هـا أنـّا مجـدداّ
أطـّاردكّ مجـددا
مجـددا و مجـددا .. أنـّا وقعـّت فيّ حبـكّ
مجـددا و مجـددا .. حـّاولت ألا أخبـّرك
أشـّعر أنّ كل يّوم هو نـّفسه ، إنهّ يسحبّني للأسّفل مثـّقلا أنفــاسي لذا هـّا أنا مجددا أطـّاردك مجددا ،
لمـّاذا أنـّا أخبـرّك بـهذا ؟
مجـددا و مجـدداّ لقدّ وقـّعت فيّ حبكّ
تـّوقف عن العـّزف و على شـّفتيه ابتسـّامة حـّزينة ، إنسـدّل شـّعره الأشّقر على جـّبهته بعـّشوائية و
ارتجفت أصّابعه فلمّ يـّعد قـّادرا على الجـّلوس حتى ، فجـأةّ رنّ جـّرس منقـذاّ إيّاه من دّوامة أفكـّاره
التعيسة تـّلك فـّوقف و بّخـطّوات سـّريعة فتـّح البـّاب ليـّرى آخر ّشخصّ قدّ تـّوقعهّ
كـّانت تـّلك المـرأة شديدّة الأنـوثةّ بمـعطّفها الأسـود و شّفتيها الحـّمراوتين متوكزتين بينمـّا رموشها
الكـّثيفة قدّ زادّتها جـّمالاّ ، إنهـّا إليزابيثّ لبيرّ تلكّ المـرأة التـّي يكـّرهها فعـّبس غـّير قـّابل على
استقـّبالها و قـّال بـّبرود
ـ ما الأمـّر ؟
بـّعد فّترة كـّان يجـّلس ويـّليـّام بكـّل هدوء على الكـّرسيّ و بينّ يدّيه فنجـاّن شـّاي سّاخن ، أمـّامه كـّان
تـّقف إليـزابيثّ بـّحضورهـّا الطـّاغي و ابتسـّامتهـّا المشـّرقة ، بتنـّورتها الحمراء القصيـّرة و قميصها
الأبيّض العملي ، أمالت رأسها قـليلا
ناحية ويـليام و هي تقول بّرقة
ـ صـّوتكّ الحـّزين قدّ انسـّل إلى أعّماق قـّلبيّ ، يّا ترى من هيّ تلكّ النـجمة التي احتلت سمـّائكّ ويـّليام ؟
رفـّع حـّاجبه دّلالة على استنكاره لـحدّيثها الفـّارغ هـذّا ، و لما قـّد يحّب هو إحـدّاهن ؟ فـّحـّرك المـّلعقة
بـدونّ اهتمـّام و هو يـّردّ عليها
ـ دّعينا منّ المجـّاملات و الأحـّاديث التـاّفهة و لنـذّهب إلى المـّهم ، ما سّبب زيـّارتك ؟
زمـّت شّفتيها بـّطـّفولية و جـّلست أمـّامه واضّعة قـدّما على الأخرى بكلّ راحـّة ثمّ همسـّت و عينيهـّا
ثـّابتتينّ عليه
ـ لقدّ اشّتقت إلى صـدّيقيّ ،
ـ نحنّ لم نكنّ قطّ ،
قطـّبت و قدّ بدأ صّبرها يّنفذّ من احتـّقاره لهـّا فأخرجّت من حّقيبتهـّا علبة سيجـّارة ، لتضـّع واحدة بينّ
شفتيها مّظهرة عـدمّ استـلطّافها لطـّريقته الفـّظة تـّلك فـّقـّالت بـّطّريقةّ هادئة
ـ حسنـّا ، أريدّ منكّ أن تـّدّبر ليّ لقاءا مـّعه
ابتسمّ ويـّليام و نـّزع السيجارة الفاخرة بّرقة من بين أصّابعها ثمّ وضـّعها بكّل قسوة على الصحّيفة
مطفـئا إياها ليّقول بـبرودّ
ـ و لمـا يجّب علي بحق السماء أن ألبي لكّ طلّبك
تنهدت إليزابيث بضجّر ثـمّ اقتربت من ويليام و وضعت كلتا ذراعيها حول رقبته ، لتهمسّ بصوت مثـّير
ـ أذّكر أنكّ كنت معـجّبا بّي ويـّلي ، ما رأيكّ لو
قطّب ويليام و هو يستـمعّ لهمسها الذّي يصبحّ أكثر خفوتا شيئا فشيئـاّ و عندما أنهت حديثها دّفعها
جـّانبـّا ضـّاحكا بّسخرية شديدّة
ـ أنا كـّنت مـّعجبا بكّ ؟ أرجوكّ أخبريني فـذاكرتي لا تـّسعفني ، إليـزابيث جميـعنا نعلّم بـألاعيبكّ المـاكرة
لذّا لا أحدّ ستنطلّي عليه خدّعتكّ ، أخدعني مرة عار عليك أخدعني مرتين العار علي
زمت إليزابيث شفتيها بانزعاج و رمت نفسها على الأريكة لتقول بأسى
ـ أوه لماذا تنفكون ذكر ألاعيبي ؟ أنا بريئة
رسمّ ويليام على شـّفتيه ابتسامة سـّاخرة متهكمـّة ، أتـّظن أنهّ و بـّنبرتهاّ هـذّه سـّوف تنجحّ في
استمـّالته ؟ يـّالها من إمـرأة حـّمقاء ليـتّحدث باحتقـّار
ـ و هل يـّقول القـاتل عن نفسه قـّاتلا ؟ أخرجي من منزلي لا أريدّك ان تدنسيه بحضوركّ ،
زفرت بغّيض و حمـلت حقيبتهـّا لتخرجّ لولا أنها توقفت قـبّل أن تقوم بفتح البـّاب لتـّقول بلهجة تحذيرية،
ـ ألستّ واثقـا جدا ويـلي ؟ أناّ الآن أستطيّع أن أمحييك من الوجودّ ، القوة التي أمتلكهاّ و النفوذّ الذّي
أملكه لا يقدر بثمن ، تمـاماّ كمـّا عـّلمت بموقع عّّيشكّ استطيع أيضـا أنّ أضّع موقـّعـا لموتكّ
فتحّ ويليام البـّاب على مصارعيه ثمّ ابتسم بسخرية شديدة و دّفعها خـّارجـّا لتكـادّ أن تسقطّ لولا أنها
تماسكت في اللحظة الأخيرة ، قـّال ببرود
ـ على من تكذّبين إليزابيث ؟ أنـّا هو الـوحيدّ الذي لا تستطـّعي الاقتراب منه ،

/

يدّيه تّقبضّان على المقّودّ بكلّ راحّة بينمـّا عينيه الدّاكنتين تـّراقّبان الطـّريقّ بـّعدم اهتمام ، و المـطّر
يّهطـّل بـّقوة فيّ ذلكّ اليومّ المعتـّم من أّيام لندّن العـّديدّة ، فّي حينّ أنهّا تـّجلسّ بجـّانبه بهـدوءّ محـّاولة
التـّصّرف بلّباقة فـّلا زالّت ذّكريّات حـّفلة الخـطّوبة تـّداهمّ عقّلها و مـّواقفها المـّحرجةّ كـّالشّوك يّغرز فيّ
قّلبها ، تنـظرّ منّ خـّلال النـّافذة إلى المـّارة متـّسائلة يـّا ترى هل هـمّ يـّلعـّبون دّورا وهميّا فيّ حيـّاتهمّ
مثّلها ؟ و هلّ يتقـّاضون أجـّرا منّ أجلّه ؟
إنهـّا تـّعلم جيـدّا أنّ نـّايت لمّ يصطحّبها مـّعه رغّبة فيّ تـّمضية الـّوقت معّا أو لتـّعرف عّليها أكّثر فـّهو
أفّضل من ذّلك ، لكنّ السببّ الخّفي الذّي جـّعله يـأخذّها لا يـزالّ غّير مـّعروف بالنّسبة لهـّا حتى الآن
لذّلكّ انسّاقت خـّلف فـّضولهاّ و حـّاولت أن تـّفتحّ مجـّالا للحـدّيث مـّعه لـّعلّها تصّل إلى نقـّطة تـّوضحّ لها
لمـّا هـماّ ذّاهبين لزّيارة عـاّئلة لبيّر العـزيزة

هـّزت رأسهاّ نافية هـذّه الأفكـّار المـّزعجـّة محـّاولة أنّ تـّكسب بّعض الجـّرأة فـحسّب زيـّارتها الأخيرة
لقّصر لبيّر فـّهي لمّ تكنّ بذلكّ الشخصّ المحّبوب الذّي يبحـّث عنه الجـميـّع لذا يجـّب عليها أن تـّحسن
صّورتها أمامهمّ و تتـّصرفّ بـكلّ احتـّرافّفـّرفـّعت أصّبعها الصـّغير هـّامسة بـّنفسهـّا أول الأشياء يجبّ
عليها أنّ لا تـّسقطّ على رأسهـّا أو يّختل تـّوازنها ثمّ رّفعت السّبابة مـّركزة ثـّانيّا يجبّ أن تتحـدّث بلّباقة
و احتـّرام شّديدّين أمامّ جـدّ بيتر فـّهو يمّقتها ، ثـّالثـّا يجبّ أن تجـّعلهم يّصدقون أنهمّا بالفـّعل ثّنائيينّ و
رابـعـّا حسنـّا كلّ ما يجّب عليها فـّعله هو إحسان التـّصرف و حسّب هـذاّ فقط
لطـّالما كـّانت جيـّدة في إطـّاعة الأوامـّر إلا مـّؤخـرّا و هـذا يّفسر حـّقد والدّها عليهـّا فـّهي كـّانت تـّطيـعه
فيّ كلشيءّ لكنّ و بتـّمردها قدّ أعلنت الحـّرب لكنّ و بتذّكر والدّها ألا يملكّ نـاّيت أبّا ؟ لمّ يسّبق له و أن
تـّحدث عن والدّيه
. حسّنا ليسّ كما لو كـأنهّ تحدّث عنها بّخصوص أي شيءّ لكنّها مستـّغربة عدّم رؤيتها لهمّا ؟
لدّيها فـّضول لمـّعرفة من يكونـّان هـذّين الشّخصين الذّين ربيّا رجـّلا فـّولاذّيا كـّنايتّ ، فـاستجمعـّت
شجـّاعتها و أغّلقت عينيها بـّخوف قـّائلة مسـّرعة فيّ كلماتهاّ
ـ نـّايت أنا لم ألتقي بوالديكّ أبدا لذا أنا أتساءل أين يكونان و أّي من الأشخّاص هما ؟
انتـظرّت لكن لمّ يجّبها فاستدارت ببطء ناحيته ، كان ينصّت للموسيقى غـّير مبّاليّا بهّا .. تنهـدتّ و عـّادت
تنـظرّ إلى المـاّرة من جـديدّ ، إنّ أرادّت أن تـّعرفّ منّ يكون هو نـّايت يجّب عليها البحّث بنفسها لا أن
تسـأله هو ،
بـّعد بّرهة وجـدتّ أنهـّما قدّ وصـّلا إلى القصـّر ، فّهاهي البـّوابة تـّفتحّ أوتومـّاتكيّا بـّعد أن تـّعرفت على
مـّلامحّ نايتّ ليكملّا سيـّرهما وسطّ تلكّ الأشجـّار الطـّويلة و التي يتمّ الاعتنـّاء بهّا بشّكل ممتـّاز ،
دّار حـّول نـّافورة على شـكلّ وردّة جميـّلة تلتّف حـّولها فّرشـّات بالـّرغم من أنهماّ في فّصل الشتـّاء ،
حيـّن ركنهـّا و خـّرج حـّاملا معـطّفه على ظـّهره لتتـّبعه مـّاريّ .. تـّحدثّت بارتباك
ـ ناّيت هـّل جـدّك غـّير نظـّرته اتجاهي أمّ لا زالتّ نفسها ؟
تـّوقف ممـّا جـّعلها تـّرتطمّ به فـاستدار نـّاحيتها يـّرمقها بـّنظراتهّ الحـّادة ثمّ أمسكّ معّصمها و وضـّعه
بـذّراعهّ ليـّرسمّ ابتسـّامة بـّاردة على شـّفتيه مـّجيبا إيّاها
ـ و هل فـّعلت أنتّ شيئّا يستحقّ الثنـّاء ليّغير نـظرته ؟ علىّ أيّة حـّال دّعينـّا نمثّل بجدّية هـذّه المـّرة
صّمتت على مّضض ، لقدّ فـّعلت عدّة أشياء تستحـّق الثّناء فيّ حيـّاتها لكنّ الآن لا يتبـّادر إلى ذّهنها أيّ
شيءّفـزمتّ شّفتيها باستياء و سـّارت مـّعه ، دّخـّلا ليجـدّا أنفّسهما فيّ غـّرفة كبيّرة و واسـّعة مزينةّ
بـّنقـّوش ذّهبية فيّ جـدّرانها و يـّوجدّ أريكـّات منّ أجـّود الأنـّواع فيّ الـوسطّ مـعّ مـّائدة دّائرية و لمّ يكنّ
هنّاك أيّ أحدّ فـأكمـّلا طـّريقهماّ و فتـّح نـّايت بـّابّا ليجـدّ أنفسّهما فيّ غـّرفة الأكـّل حيّث يتـرأسّ الجـدّ
الطـّاولة التيّ وضـّع عليها أشّهى أنـّواع الطـّعام و بجـّانبه كـّايل المتـّململ بينمـّا خـّلفهما يوجدّ صـّف
من خـّادمات الـلواتي ينتـظرّن بّفارغ الصّبر أوامرّ من أسّيادهن فيّ حـّين أنّ رئيسّ الخـدّم يـّقف على
مبـعدة ثـّلاثة خـطّوات من السيدّ بيتر ،
عنـدّما فـّتح نـّايت البـّاب إتجـّهت جمـّيع الأنـظاّر نـّاحيته فانحنى الخـدّم احتـّراما لتنحنـّي مـّاري أيّضـّا
بّسرعة ، سـّار بـخـطّوات كـّسولة إلى مقـّعده و جـّلس
نـظرّت مـّاري من حّولها بـتوتر ثمّ وقفتّ بجـّانب نـّايت و عـّادت تنـّحني بّسرعة و هيّ تتـّحدثّ بـّطـّريقة
شديدّة الاحترام و التـهـذّيب
ـ مـّرحبـّا سيـديّ أرجـّوا أنّ لا تـّمانـّع انضمامي لكمّ
سـّحبها نـّايت من فـّستانهاّ فجـّلست بينمـّا قطـّب كايل مستنـكّرا فـّعل نـّايت ؟ مـّا الذّي يـّريده بجـّلبها إلى
هنا ؟ ما الذيّ يحـّاول إثبـّاته ؟ هـذاّ غـّريبّ و ليسّ من صـّفاتهرفـّعت مـّاري شـّوكة و الـّسكين بّعناية
متـّذّكرة طـّريقةّ ويّليام فيّ الشّرح ، يجبّ عليها أنّ لا تخـطأّ ثمّ غـّرزت سكينّ في شـّريحة اللـّحم ممـّا
جـّعل مـّرق يـّرشها قـّليلا على وجّهها ، فـّرمشّت قـّليلا و نـّظرت بـّنصّف عينهاّ إلى نايتّ لتجـدّه شّـاردّا
فابتسمت و عـّادت تنـظرّ بنفس الطـّريقة إلى الجـدّ و كـّايل لتجـدّ أنّهما يـّراقّبانها بـّبرودّ ، ضحكـّت و هي
تضـّع يدّها خـّلف رأسها قـّائلة
ـ إنّ الأكـّل لذّيذ جـداّ ها ها ،
قطـّب كـّايل مشـّمـّئزا، مـّلابسهـّا معـدّمة اللونّ من كـّثرة الاستعمال و لا تـّضع أّي مـّاكيـّاج على وجهها
كمـّا أنّ شـّعرها متشعث قـّليلا ، مـّا الذيّ رآهّ بهـّا ؟ بحقّ السمـّاء إنهاّ فّتاة أقّل من العـّادية ، فجـأة فـتحّ
البـّاب لتـّدخل إليـزابيثّ و بـّخـطّوات واثّقة جـلّست بجـّانب زوجـّها ثمّ تّحدثّت بـّلهجة لطـّيفة
ـ أعتـذّر على تـأخري جـديّ فـّجـّلسة التـّصوير قدّ استغـّرقت وقّتا أطـّول من المـّعتادّ
أومـأ الجـدّ بـأنهّ لا بـأس ليكـّمل الجميـّع أكـّلهم ، بـّعد فترة تـّوقفت مّاري عنّ محـّاولة تـّقليدّهم و لمّ تـّغب
عنها نـظرّات الاحتـّقار منّ قّبل أّسرة لبيّر فـّواضحّ جـدّا أنهّم لا يريدّونهـّا ، ارتشّفت العـّصير متمـّنية
وّجودّ ويليـّام فيّ هـذّه اللحـظّة ،أنّ تجـدّ شخصّا يـّواسيها
صحيحّ أن نـّايت هـّنا بجـاّنبها لكّنه لا يّبـّالي فعّلا ، أحيّانا تـّظنه لا يّهتم إنّ كانوا يّصدّقونهما أو لا ، لا
يّهتم بهـذّه المـّسرحية و لا بّها فجـأة تـّحدثت إليـزابيث ممّا جـّعلها تـّفيق من غـّيبوبتهـّا
ـ آوه أعـّذريني مـّاريانا لمّ أركّ ، كيّف حـّالك ؟
عـّلى من تـّكذب ؟ لقدّ رأتها و رمّقتها بـّحقدّ إذن لمـاذا هـذّه النبرة اللطـّيفة ؟ بينمـّا ردّ عليها نـّايت ببـرود
ـ مـّاري، اسمـها مـّاري
أّصدرت إليـزابيث صّوتا دلالة على استدّراكها خـطأهاّ لمّ يكن فـّعلا خـطأ بّقدر ماهو مـّتعمدّ ، لكنّ مـاري
ابتسمت بّمرح و ردّت
ـ أنـّا بخيرّ شكـّرا لّسؤالكّ ،
نـظر إليها كاّيل لثّواني قـّبل أن يـّقول بّسخرية
ـ أجـّلبتها لأنكّ خـّائف من زيّارة إليزابيث لها ؟ هـّل زوجتـّي بـّذلك الـّرعب ؟
كـّاد نايت أّن يـّرد عليه لّولا رّنين هـّاتفه ، رّفـعه و هو مقـطبّ الحـّاجبين ليّرى اسمّ فـرانسوا يـّعلوا
شـّاشته ، فـّوقفّ و انحنى بـّخفة لجـدّه ليّغـّادر مسـّرعا بينما ابتسمت ماري بـّسذاجـّة و بـّقيت فيّ مكانهاّ
، كانت تـّرغب فيّ الذهاب
خـّلفه لكنّ هـذا ليس بتصرف لائّق فـّأمسكّت بـطّرف الكـأسّ تـّلعب به حين تـّحدث سيد بيتر ببـّرود
ـ كمّ دّفع لك ؟
شحـّب وجـّه ماري منّ طـّلاقته فيّ الـسؤال و نـظرّت نـّاحيته غـّير مـّصدقة ، كّيف له أن يسّـأل هـكذا
بـّدون أيّ خـجلّ أي احتـرام و عينيه تـّوقدّان غـّضبا ، فـأجـّابت ماري متلعثمة
ـ أرجـوا المـّعذرة سيد بيتر ؟
أعـّاد سـّؤاله بـكلّ حـدّة و عـّصبية
ـ لقدّ قّلت و بـّوضوح كمّ دّفع لك نـّايت لـّتصبحي حّبيبته ؟ أنـّا أعلمّ ذوق حـفيدي جـيدا و منّ المـّستحيل
أن يـخـّتار إمـرأة مـّثلك كـزوجة له لذا أخبريني الآن ، هل تمـلكين ما تـّهددينه به أو هو من طـّلب منك
القـّيام بـّهذه التـمثيلية الـسخيفة ؟
وقفـّت مـاري بّصدمة ، ثمّ أجـّابته
ـ و لمـّا قدّ أهـدده ؟ مـّا صعـّب في تـّصديق بـأننيّ خـطيّبته ؟ يـّا سيدي أنتّ مخـطأ فعـّلاقتنا لّيس مّثل
مـّا تظـنه ..
ابتسمتّ إليـزابيثّ ببـرود و هي تـّشاهد تـوتر مـاّري و احمـّرار وجـّنتيها الـشديدّ ، لتـّدّخل مـّوضوع
النـّقاشّ بّنبرتها الهـادئة المثيرة
ـ جـديّ ، أرجوك لا تّخـاطبها بـهذه اللهـجةّ فـّربمـّا نحن لا نـّعلم ذوق نايت جيـدّا كمـّا أنني واثّقة أنّ لا
أحدّ قد يّقدر على إجبار نايت على فـّعل شيء ما
صمـّت جـدّ بـّغير رضى لّيس من أجلّ إليزابيثّ لكنّ لأنّ الـوقت غيّر مناسب لحديثّ مثل هـذا ، إنهّ
مستـغّرب كيف لم يّستطّع الحـّفاظ على ربـّاطة جـأشه لكنّ تّصرفّات نايت البـّاردة جـّعلت يّقوم بـّتصرف
مثّل هـذا ، إنه لا يـّريد أن يـّعيشّ كذبة من أجـّل إرضـّاء الغـّير إنهّ يـّريده أنّّ يّشعر بالسـّعادة ، إنهّ فقط
يّريد أن يكون حـفيده سّعيدا فـّهل هذه أمنية يّصعب تحقيقها ؟ بينماّ لم تّستطـّع مـّاريّ أن تـّتحمـّل أكثّر
فـّردّت عليه
ـ يـّا سيدّ بيتر أنـّا أعّلم أننّي لّست بالفّتاة المّثالية التيّ تـّرغب بهاّ كـّابنتك فيّ القـّانون لحـّفيدكّ لكنّ أنـّا
أحـّبه فـّعلا و منّ المستحـّيل أن أؤذي نـّايت إنّ كنت تـّريد أن تصّدق أو لا هـذا شّـأنكّ لكنّ أنّ تـّصف
عـّلاقتنا بـزيفّ و التـمثّيل فـهـذا مـّا لا أتحـّمله ،
قـطّب سيدّ بيتر و وقفّ يـنـظر إليها بـّحدة ، كـّيف تـّجـرأت أن تّرد عليه و هو رئيسّ هـذّه البّلاد بـأكملها ؟
ألا تـّعلم معّ من تتـحدث ؟ كـّاد أنّ يـّرد لولا أنهاّ قـاطعته بـّصدق
ـ أنـّا أعلمّ أنكمّ جـميعا لا تـّريدوننيّ لكن لو أنكّ تمنحني فـّرصة يـّا سيديّ فـأناّ أعـدّك أننيّ لن أخيبّ ظنكّ
، سّوف أفّعـل المسـتحيّل من أجـّل سـّعادته
صّمتت عنـدّما لمـحت نايتّ قـّادما فـّرمقت سيدّ بيتر بّحدة هي الآخرى ، لا تـّعلم لكنّ لأنه يشّكل تـّهديدا
.. لأنه يستطيّع أن يّبعد نايت عنها فـّهذا يجـّعلها ثّائرة بطّريقة لم يّسبقّ لها أنّ شّعرت بّها فـّأمسكـّت
بـّحقيبتها الصّغيرة بشدّة محـّاولة ان تستمد القليل من القوة ليّقول جـدّ ببـّرود
ـ حتى لو عنى ذلك تـّركه
إلا هـذاّ ، كلّ شيء إلا هـذا .. حينّ جلسّ نايت فيّ مقـّعده و قدّ لاحـظّ نـظرات مارّي المتوترة و مـّلامح
بيتر المحتقنة بّشتى أنواع الغـّضب ، أكلّ قطـّعة من فّاكهة المانجو و تحـدثّ
ـ هل هناك خطبّ ما ؟
أومـأّت ماري نـّفيا و على شّفتيها ابتسامة لـطّيفة محـّاربة دموعهـّا ، لما يّتم رفّضها منّ قّبل الكـّل ؟
والدّها و والدّتها أختهـّا و أصدّقائها ثمّ الآن عـّائلة خـطّيبها ، إنهّا ليسّت بّالفتاة السيئة فلمّا لا يمنحونهـّا
فّرصة ؟ لما لا ينـظرون إلى معـدّنها الحـّقيقي فـّخلف هـذّه الملابسّ فتاة تتـّوق للحصّول على عـّائلة و
الآن بـّعدما وجـدّت نايتّ يحـّاولون أخـذّه منهـّا ، إنهّ الـوحيدّ الذي وقفّ بجـّانبها و بالـرغم منّ بّروده
لكنـّه يبـقى الـوحيدّ و لنّ تـّبتعدّ عنه و لنّ تتـّركه إلا إذا طـّلب هو ذلكّ ، تحـدّث كـّايل بـّسخرية
ـ إلـيزابيثّ دعينـّا نـّرحل
وقفّت إليـزابيّث بـّكلّ ثّقة و احتضّت ذّراع زوجـّها ليّغـادرّا بينمـّا نـظرّات مـّاري تتـّبعهما ، تـّلك الثّقة
التي تتمتـّع بها إليزابيثّ تتمنى لو أنها تمـّتلكها لكـّانت حّياتها أسّهل الآن فهمسـّت
ـ يـّال تـّعـاسة ،
نـظرّ نـّايت بـّبرود إلى مقـّعد كايّل و إليزابيثّ الفـّارغين ، أحـّاولا أهانته تـّوا ؟ و ما الذي يّعنيه مغـّادرة
طـّاولة الطـّعام بينما يوجدّ ضيّف مهم بينهم ؟ فـاستـدار نـّاحية جـدّه الذيّ يّرتشف قهوته التركية بـّكل
آدابّ و قـّال بصّوت عّالي حـادّ جـّعل كـّايل و إليزابيثّ يـّقفان
ـ أفّهم من تـّصرفاتكمّ قـّليلة الـّلباقة و عديمة التـهذّيب هـذّه أن مـاري لمّ تنلّ إعجابكم، أليس كذلك ؟
رمقـته ماري بصدّمة في حـّين أكـّمل هو حـدّيثه بـّنبرة غـّاضبة جـّعلتهم يّدهشونّ فـّعلا فـّنادرا مـّا يّظهر
ملامح عدى البرود،
ـ لا بـأسّ فـالكـّل مـضطر لتحـّمل آخر و رأيكمّ لا يـّهمني تمـّاما كـّوجودكمّ و
استـدار إلى جـدّه و قد احتـدتّ عينيه بـّشكل خـطيّر ثمّ ابتسـمّ بسـّخرية، و اسّتقامّ ليّظهر طـّوله ليمسكّ
بـيدّ ماريّ و يـّقول بـّخبث
ـ إنّ كان الأمر لا يـّعجبكم فـّلما لا تـّحاولون مـّنعي ؟
يـّعلم تـّماما أنّهم لا يّستطيـّعان فعل شيءّ له لكنّ جـدّ بيتر يـّقدر ، فـّرد عـّليه كـّايل بـغّيض محـّاولا التكتمّ
عن مشـّاعره و إظهـّار صـّفات اللامبّالاة على وجـّهه
ـ و لمـّا قد نفـعل هـذا ؟ إنهـّا حيـّاتك أنتّ و لا دخـّل لناّ
رفـّع نايت حـّاجبه بسّخرية ، إنـّه يعلم تماماّ أن كايل يـّريده ان يكون لوحده في حـّرب النفوذّ هذه و
باتخاذه ماري خـطّيبة له فقدّ أفسدّ معـظم مخـططّاته و هو يـّظن أنه سّوف يكون دورّ ماري كـخطّيبته فقطّ
لا أكثّر و لا أقّل لكن ما لا يـّعلمه أنّ أفكـاّره أبّعد من هـذاّ و لمّ يجب كـّايل كعـّادته بّل سّحب مـّاري و
خـّرجا من غـّرفة الأكـّل وسطّ عدم رضى الكـّل مسـّرحيته أبّعد ممـّا يتـّوقع الجميـّع ، أبّعد منّ التـمثّيلية
و أبّعد من لـّعب أدوارّ سخـّيفة بالكـّاد تنطلي على أفّراد أسرته

/

لمّ يكن يّتوقع هـذّه التـّصرفات الخـّرقاءّ من ابنيه الذّي قدّ حـّاول تـّربيتهمّا على النـحوّ الصـّحيح ، حـّاول
أنّ لا يـجعّل المـّال يـّعمي قـّلوبهمّ و أنّ يجـّعلهم يتصـّفون بالخـّلق الحسّن و الأفكار العـظّيمة ، تلكّ
الأفكـّار التي تـّوصلهمّ إلى القـمةّ أولاّ و إلى محبّة النـّاس لهمّ ثـّانيـّا و إلى فـخّره هو ثـّالثّا لكنّ الآن و
هـاهي ابنته تـّجـّلس أمـّامه تـّمسك بين يدّيها هـّاتفها النـّقال الجـديدّ فيّ الأسـّواق تـّحدثّ حبيّبها بكـّل
لطـّف ،
إنهّا عـّكس مـّا تمنى فّابنه زيـّر نسّاء لا يـكفّيه زواجه من إمـرأة روسية و لا حـتى لـّعبه مـّع رفّيقاته
الـمتـزوجـّات بينمـّا أبنته قد أعماها شّهرة شّركتهم فـتـّرى صّفات الغـّرور تـّكسوها من أعلى رأسها
إلى أخمص قدّميها ، كمّ هو مـّخزي ، و الآن ما الذي قدّ يفـّعله ليصّلحهم ؟ فحـّاول الحـدّيث مـّع كلّير
ـ عـزيزتي ضـّعي الهـاّتف جـانبـّا أريدّ التـحدثّ معك فيّ مـوضوع مـّهم
أشـّارت له أن يـمنحـّها بـّضعة دّقائقّ فتنهـدّ بـأسى ، بالـّرغم من أن نايت رجـّل قـّاسيّ يّصفونه
بالشيـطّان لكنّ يعـتمدّ عليه ليسّ كـإبنه آرثر فإنّ أراد البحثّ عنه الآن لوجدّه في إحدى النـوادي اللـّيلة
مـّخمورا ، أنتظر و انتظر حتـّى تـّكمل كـّلامها لكنّها لم تـّفعل قـطّ فـّوقف بـّبرود و أمسكّ هـّاتفها لـّيرميه
فيّ حـّوض الأسمـّاك وسطّ دّهشتها ،
عـّاد يـجّلس مـكانه وضّعا قـّدما على الآخرى و بين يـّديه كوبّ شـّاي سـّاخن يـّدفيه فّي هـذاّ الجـو
المـمـطّر ، رمقّهـّا بـّغـّضب عـّارم و قد نسى جميـعّ خـططه فيّ جعلها تـّعترف بما فـّعلته بـنفسهـّا و قـّال
بـّعصبية
ـ أخبريني الآن ما لمـاذا هـّاجمت مـّاري ابنة سيد جـوناثان بتلكّ الـطّريقة و فـّورا ؟ ألا لا أريدّ أعـذارا
واهـيةّ بل أسبابا مقـنعة أفهمت ؟
صـمّتت كلير للحـّظات فيّ وضـعيتها و قدّ شـحبّ وجهها كمـّا لو كـان الدمّ بـأكمله قدّ سحب من جسمهـّا
لكنّ تـذّكرت مـّا قـّام بّه سيدّ جوناثان روبـّرت عـّندما أخرجّ أخيها الـوحيد من منـزله فقطّ لأنه لمّ يـّرد أن
يتزوجّ ابنته العـّاقة تـّلك لـّيغزوالـحقدّ وجههـّا فقـّالت بـّحدة
ـ ماذا فـّعلت ؟ لقدّ أعطّيتها مـّا تّستحقه تـلكّ الحـّقيرة فـّبسببهـّا قدّ طّرد آرثر منّ المنـزلّ ،
قـطبّ سيدّ روي محـّاولا الحـّفاظ على أعـّصابه ، بينمـّا أتتّ سيدّة ليكسي مـّسرعة و بين يدّيها منـّشفة
عنـدماّ سمعـّت أصواتهما العـّالية فقـّالت بـّتوتر خائفة
ـ ماذا ؟ ما الذي يجـّري الآن ؟ ما الذي حـدّث ؟
تـّجاهلها الـّسيد رويّ و هـو يـّرمق ابنته بـّغير رضى، و ردّ عـلى كلاماتها الوقحة في نـظره بـّعصبية و
صّوته يـّعلوا شيئا فشيئا
ـ كيفّ تّقولين أنها السّبب فيّ طـّرد آرثر ؟ أهيّ من طـّلبت منه مصّاحبة النـّساء أمّ أجبّرته على الزواجّ
من فـّلور ؟ أهيّ من كانتّ تدّفع بّالمشروب فيّ فمه كلّ ليلة ليعـّود مخـمورا ؟ أمّ هي من أقّنعته بـّتركّ
الشـّركة و التـّسول خـاّرجا رّفقة زمرة من الفـّاشلين ؟ بـأي حق تتهمينها ؟ إنهّ رجـّل فـّاسد نال ما
يستحقه
قطـّبت كلير و قد ثار غّضبها ، كيف له أن يـحتقر ابنه لهاته الدرجة ؟ فـّردت بّصوت غاضب أكثر من
والدها
ـ حقـّا ؟ إنك تـّعلم بـأنه شـّاب مستهتر قـّبلا فـلما لم تـّطرده مسبّقا قبل أن يـأتي ذلكّ السّافل إلى بيتنا ؟
احمر وجه سيد روي و احتقن بـّعصبية فلم يسهل عليه التنفسّ و أصّبحت ضّربات قلبه تـتبـاطأ لخرج من
دّرج دواءه و يّأكل حّبة ثم يـّرتاحّ قـليلا ، تنهـدّ بـأسى و أجاّبها
ـ لأننيّ تـأملت و بزواجه من فلور سوف يستقيم ، أنه سوف يصّبح رجـّلا يعتمد عليه لكنني أهمـّلت
مستقبل فلور و خنت ثقة صديقي الذي ائتمني على ابنته فـأقل شيء أفعله له هو جعل ذلك الفتى يّعلم
بّسوء تّصرفاته وقفت كلير بـّغيض و مرت من أمامه لتسّرع إلى غّرفتها في حين جلست سيدة ليكسي
بجانبه تـهدئه بـحنان كي لا يتطور الأمر و يّصاب بنوبة قـّلبية




 

رد مع اقتباس
قديم 03-09-2020, 11:01 PM   #4
JAN
مِرأة وٓاحدة … إنعِكاسات شٓتى !

الصورة الرمزية JAN
JAN غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 115
 تاريخ التسجيل :  Mar 2020
 العمر : 23
 المشاركات : 9,849 [ + ]
 التقييم :  23316
لوني المفضل : Black
شكراً: 0
تم شكره 6 مرة في 6 مشاركة

مشاهدة أوسمتي





/

تـّوقفت تـّلك الشـّابة ذات الشـّعر الأصّهب المنـسدّل على ظهّرها أمـّام تـّلك الـشّقة الصـّغيرة ذات الـّرقم
406 ، تـّرن الجـرّس مـّرارا و تـّكرارا دونّ أن يـّرد عليهـّا أحـدّ و عنـدّما شّعرت باليـأسّ يتسـلّل إلى
قـّلبهـّا جـّلست على الأرضّ مستنـدّة على الجـدّار الذي خـّلفها و تـّضع قـدّما على الأخرى بـكلّ راحـّة ،
أمسكـّت بـّهاتفها النـّقال و نـظرّت إلى كمّ تـّشير السـّاعة ،
لقدّ أتّت منـذّ حـّوالي سـّاعة إلاّ ربـّع و لمّ تـفتحّ ماري مهمـّا طـّرقت أو رنتّ الجـّرس ، أظنّ أنه الـوقتّ
المنـّاسب لاستسـّلامها لكنهّا لم تـّستـطّع الـرحيل و هي لم تـّرها حـّتى يبـدوا أنّ و بّسببّ عدم تـّقبل
والدها لّزيّارة مـاري ذلكّ يـجّعلها لا تـّجدها في كل مـّرة تـّحاول أن تـّزورها، حسـّنا هي لنّ تـّرحل سـوف
تـّبقى و تنتـظـّرها حتى تـّحصل على استفسـّار منها،
كيـّف لها أن تتـزوج بـنايت آل لبيرّ و من أينّ قـدّ جـّلبت الـ 500 مـّليون دّولار و كيـّف أصّبحت خـطّيبته
و أينّ بالضبطّ قدّ تـعّرفت على ويليـّام و نايت فتصـدّيق أنهّ حبيبها صّعب خصوصـاّ و أن ماري فـتاة غير
اجتمـّاعية منـذّ أن كانت رّضيعة
أغلقت عينيها ثمّ فتحتهمـّا لتجدّ ويليـّام يّقف على مبـّعدة متـّر منها ينـظرّ إليها باستغـّراب و بينّ يديّه
مفتـّاحه قـّالت له فلور بّسخرية
ـ يـّا رجـّل هل تتـّعقبني أم مـاذا ؟
صـمتّ ويليام مفـكّرا للحـظات في كـّلامها ثمّ أومـأ نـّفيا و على شفتيه ابتسامته المشـهورةّ التي
يستعملها مع النـّساءّ ثمّ قـّال بمرحّ
ـ لمّ أركّ منذ مـدّة طّويلة آنسة روبرت ، كيـّف حـّالك ؟
وقفّت فلور و نـّفضت الغـّبار عن مـّلابسها بينما ملامح البرود تعلوا وجهها ، كمّ تـكرهه لقدّ خـدّعهما
هي و والدها و الآن يّرسم هذه الابتسامة البلهاء على شفتيه كما لو كـأنه بـّريء لمّ يّفعل شيئـّا لذاّ
ردّت بـّغيض
ـ كنت أفّضل حالا عنـدّما لمّ أركّ لكن الآن أشّعر بالغّثيان ، على كلّ حـّال ما الذي تـّفعله هنا ؟ أتريدّ
أن تـّملئ رأسّ أختي بالمـّزيد من ألاعـّيبك السخيفة ؟
رفّع حـّاجبه بـاستنكـّار من كلامهـّا ثمّ وضـّع المفتاح أمام أنـظارها و هو يـّقول بـّغيض
ـ أنـّا أعيشّ هنا و تلك هي شّقتي التي تـجّلسين بجـّانبها كمـّا أنني لا أظن أنّ الشّخص الذي يـحاول
ملء عقّل ماري بالألاعيب هو أنـّا ،
تـأففتّ فـلور و مرتّ بجـّانبه لتـّدفعه متـّعمدة بينما رمقها ويليام باستغراب ثمّ هز رأسه و تنهـدّ بكل قلة
حيلة ليتجه إلى شقته ، حيـنّ رن هـّاتف فلور فجـأة و يّعلوا الشـّاشة اسمّ والدّها ، ارتبكت لفترة عندما
انتابها شعور أنه يّعلم أين هي الآن لكنّها نفت هـذه الفكرة سـّريعا و ردّت عليه بـّهدوء
ـ أهـّلا والدّي، ما الأمـّر ؟
فيّ الطـّرف الآخر كـّان سيدّ جوناثانّ يكحّ باستمـّرار و قدّ أهلكه التـّعب بينما قدّ ازداد وجهه شـّحوبـّا
و هـّالات حول عينيه سّوادا و قدّ قـّال بـّنبرة خافتة متعبة
ـ فلورا أحضري لي رويّ فـّورا
ثمّ أغلّق السـماعة حينّ أهلكه التعبّ ، رّفعت فلور حاجبها مستنكرة فعلته هذه ثمّ تذمرّت بـّكره و هي
تغير وجهتها منّ البّقاء أمام شقة ماري حتى عودّتها إلى منـزلّ السيدّ غلوري رويّ الـرجّل البـّائسّ

/

بـّعد مرورّ أسبـّوع على زيـّارة مـّاريّ لقّصر لبيّر ، عـّادت الأوضـاعّ إلى طـّبيعتها كـّما لو كـأنّ زيـّارتها
لمّ تحـدّث قطّ حيثّ أنّ إليـزابيثّ لم تـهتمّ فعـّلا بـوجودّ هـذّه الدّخيلة و لا كـّايلّ مـّا دمـّت مجـردّ إمرأة مـّارة
فيّ حيـّاة نايتّ لنّّ تـّوجدّ أيّ مشـاكلّ

بالـّرغم منّ أننـّا أشخّـاص مخـّتلفون نـّعّيش بـطّرق مخـّتلفة و لنـّا شخصّيات متـّنوعة لكّن سيجدّ الحـّزن
طـٍّريقـّا نحو حيـّاتنـّا ، لتـجدّ أن مـعّظم البشـّر يتخبـطّون في مشـّاكل لا حًّصر لهـّا ، مشـّاكل بالنسبة لنـّا
نحنّ قدّ تكونّ بسيطة و لا تستـحّق
الاهتمـّام و للبعضّ إنهـّا كل شيء و بّسبب هذه المشكّلة لنّ يستـطّيع التقدّم أو حـتّى المضي قدّما فّي
حيّاته فكـّان ذلكّ الشـّاب ذو الشعـّر البني المـّصفف بشكل رائـّع ، و تلكّ السترة الجلدّية الجّميلة معّ
سـّروال الجيـّنز و حـذّاء تصميمه مشـّابه لسترة فكـّان رمـّزا للأنـّاقة و الجـّاذبية الخّاصة ، إنهّ ذّلك
الـبيسبـّول الشهيـّر سيدّ كـّايل آل لبيـّر الذّي قـّاد فـٍّريقه للنّصر
يجـّلس فّي مكـّتب فخمّ جـدّا ، و خـّلف هـذّا المـكّتب يـوجدّ ذلكّ الرجّل ذو شـّعر الأسودّ الحـّالك فابتسـّامتهّ
السـّاخرة فنـّظرته المليئة بالكبـّريـّاء و عينيهّ الزرقاوتينّ شديدتا الدّكنة ، يرتـدّي قميصـّا رمـادّي اللونّ
خـطّى بقلمه مسـّرعا على الـّورقة ليتشكّل إمـّضائه المميـّز، ثمّ سحّب الملّف الأخر ليّعطيه نـّظرة
تفحصيه بينمـّا لا يبـّدوا عليه الاهتمـّام بتغّير ملّامح كـّايلّ إلى السخطّ و الغـّضب، فقـّال الأخير بحدة
ـ يـا إبن العمة ، متى تعيرني القليل من وقتك ؟
ـ حينمـّا تستـأذّن لدّخول
رفع كايل حاجبه دلالة على استنكاره فوضع يده فوق مكتب نايت الزجاجي و طٍّرق بواسطة أصابعه
عليه فـتوقف نايت عن الكتابة بقلة صبر و عقد ذراعيه منتظرا ، فابتسم كايل واضعا قدما على الأخرى
بغرور
ـ كما ترى فنحن لم نتبادل الكلام منذ فترة و قد قادني اشتياقي الرهيب نحوك دون دراية لذا ، أخبرني يا
ابن العمة ، كيف حالك ؟
تنهد نايت ببرود ثم نزع نظارتيه و وضعهما جانبـّا ، يفضل استماع الى كلام ماري الفارغ بدل
استفزازات كايل ، فتجاهله كعادته حيث ان نظره لا يزال مركزا عليه ليكمل كايل حديثه
ـ إليزابيث ترسل تحياتها لكّ ،
رنّ هاتف نايت فـّامتدت يدّ كايل و التقطه قبلّ أن يقوم نايت برفع إصبعه حتى ، ابتسمّ كـايل مستفزا إياه
ثمّ نـظر إلى اسـمّ المتصـّل كان صديقه ويليـامّ و صـورته تعلو الشاشة ، رّفع السمـاعة ببرود و نظراته
تلاحق نايت ثمّ ردّ بابتسامة
ـ أهلاّ ويليـّام ،
قطّب ويـليام باستغراب ثم نـظر إلى شـاشة هاتفه متـأكدا أنه اتصل بنايت لا أحد غـّيره ، تنهد بخفوت و
تخلخلت أصابعه شعره الأشقر الذهبي ليقـول بـتعاسة
ـ أهلا كـّايل ، هل تقوم بإزعاجّ نايت مجددا ؟ كم مرة أخبرتكّ ان تتـركه و شـأنه ؟
ـ و لا مرة ، اسمـّع أنّا ضجّر لدّرجة الموتّ و أريدّ الذهاب إلى الحانة بـّرفقتكمـّا و لأنكـما لمّ تقيما لّي
حفّلة وداع العـزوبية فلا تستطيعان الرفّض
أجـّابه نايت بّسخرية لاذّعة و هو يـأخذّ الهاتف من بين يدّيه ،
ـ لا داعيّ ، جميـعنا نـّعلمّ انكّ فـعلت بدون حاجة لمساعدتنـّا ،
ضحكّ ويـليام في الطّرف الآخر و كـادّ أن يـّرد لولا أن نايت قطّع الاتصـّال و أطفـأ هاتفه ليـرميه جانبـّا
ثمّ يـأخذّ ملفـّا أخرا ليدّرسه ، قطّب كايّل بانزعاج و وقفّا مـغادّرا قـّائلا بـّصوت عالي
ـ أنا أنتـظرّك ، لا تتـأخر

/

شـّهر أكتوبرّ ، حّيث تهبّ ريـّاح لندّن فيّ كل الأرجـّاء فيهـطّل المـطّر بدّون توّقف و تتسـاقطّ حبـّات الثلجّ
الصـّغيرة تلكّ فيّ الأرضّ ، و لهـذّا كـّان يـّرتدّي معطّفه و يضـّع الوشـّاح حـّول رقّبته مـّانعـّا أيّ منفذّ
للهـواء بالمـّرور ، أنفه محمرّ و خدّيه كذّلك رّن الجـّرس عدّة مـّرات حتىّ فتحّت سيدّة فرانسيسّ بـّابهـّا
أخيـّرا و نـظّرت مطـّولا إلى ويـّليـام ، يرتجّف فيّ مكانه من شدّة البـّرودة فقـّالت باستغراب
ـ ويـّل ما الأمر ؟
ـ سيدّة فرانسيس التدّفئة لا تـّعمل و الشبكـّة كذّلك أيضـّا ، لذّا هلّ يمكنكّ مناداة سيد بول لكّي يّصلحها ؟
قطّبت سيدة فرانسيس ثمّ أومـأت بالنفيّ و هي تقـّول بلهجة جمعّ فيها كلّ الأسى و الشـّفقة ، كّيف لا و
الموضوع يّخص جـّارها الوسيمّّ ؟
ـ للأسف زوجي ليّس هنا و أنـّا ذاهبة إلى إجتمـّاع سيدّات الحيّ الآن كمـّا أن إصـّلاح التدفئة يستغـّرق
أيـّاما خصوصـّا لأن الأنابيبّ قديمة
طـأطأ رأسه بخذّلان فتحّسرت فرانسيسّ ثمّ أمسكّت مفتاح شّقتها و قدّمت إليهّ لتضع بين يديه البـّاردتين
و اللّتين تكادّ أن تتجمدّا ، قـّالت بابتسامة
ـ إبقى في شقتّي ريثّما يقومّ بول بإصلاحّ التدفئة ،
أبتسم ويليـام ، ابتسامته الجذابة المشهورة بين النـّساء و التيّ أطاحّت بالعدّيد ثمّ عـّانقها بـّخفة و هو
يّشكرها صـّادقّا بينمّا خّجلت سيدة فرانّسيس و ضّربته بحّقيبتها طّالبة منه الابتعـّاد ضـّاحكة
فدّخل إلى الشـّقة و جّلس على الأريكة ثمّ لفّ نفسه بذّلك الغطـّاء الموجودّ هناك ، من الجميل ان يمتلكّ
الإنسان جيران يـّراعونه و يسعون لراحتّه ، فجـأة أعطّـته سيدة فرانسيس كوبّ من القهوة الساخنة و
قاّلت مبتسمة
ـ ستـساعدّ على إعادة توازنّ حرارتكّ و إنّ لم تتحسن اتصل بي أو بماري فبالرغم من إنها بلهاء لكنها
ممرضة جيدة ،
ـ حسنا سيدة فرانسيس إنني ممتنّ لكّ و لا أريدّ أن أتعبك أكثر من هذا
ـ عـزيزي أنتّ بمثابة ابن لّي لذا لا تقل مثل هذه الامور مرة أخرى و الا سـأغّضب
ابتسم ويليام و لم يقّل شيئـا فـّربتت فرانسيس على شعره الأشّقر المتموجّ و رحـّلت مسرعة إلى
الاجتمـّاع ، بينمـّا استلقى ويليام و هو يضّع يده على عينيه بكل تعب مفـكّرا فـّيما حـدّث سّابقا زيـّارة
إليـزابيثّ تـّقلقه و ثـّورانّ فـلورا أيضّا فـّتنهـدّ بـّأسى ، لمـّا هو محـّاط بـّنسـّاء مخيفـّات مّثلهن ؟ يجـّب
عليه التـّصرف فـّورا قـّبل أنّ تتـطورّ الأمـّور إلى مـّا لايحمـدّ عـّقباه

/

فيّ تلك الطـّريق الطـّويلة التـّي عـّبرتهـّا بـّاحثة ، لمّ تـّكن تعلّم أنهـّا و خّلال تـّلك الفـّترة التـّي أمضتهـّا
مـّلبية طّلب والدّها بجّلب روبرتّ له ، لمّ تكّن تـّعلم أنّ مـا أحتاجه فعـّلا هو وجودّ ابنتيه بجـّانبه يّخففان
منّ ثقـّل المـّوت ، و من هـجّرانّ روحـّه
لجسدّه مـدّ يدّه إلى هـّاتفه محـّاولا الوصوّل إلى رقّم احدّيهما ، لكّن كّيف ؟ كيـّف و هـّاتين العينينّ قدّ
غشاهماّ الـظّلامّ و هـّاتين الشّفتينّ اللتـّان اعتـاّدتا على تلفتّ بوبرّ من الشتـّائمّ طـّوال الـّوقت همـّا الآنّ
تنـّاجّيان للفّظّ كلمة واحدّة فـقطّ ، واحدة فقطّ لا غـّير هـذّا الجـسدّ الذّي كـّان معه طوال رحّلته بّهذه الدّنيـّا
هوّ الآن على وشكّ تـّركه ، فصـعدّ إلى السـّريرّ بصـّعوبة و قدّ أهلكته المقـّاومة لا فـّائدة الآن ـ لا فـّائدة
فـّلا مجـّال للـهرب منّ المـّوت .
ابتسـمّ بـألمّ موجـّع ، ثـمّ و تـّدريجّيا تـّوقف عنّ المقـّاومة و تـّوقف عن انتـظاّر فّسكّنت أصـّابعه بالقـّرب
من قـّلبه و تسّربت البـرودّة إلى عـٍّروقه فانكسر ذّلك الأمل الذّي حـّمله للحظة مـّوته فيّ أنّ تّفهمه ابنتيه
، تتفهـّما سّبب قـّسوته و جفـّاءه بدّون أن يّضطر للكـّلام ـ تلكّ اللحـظة لمّ تـأتي أبدّا

آنتهـى ـ حـّروف منّ نـدمّ ـ حـّروف لمّ تـّقّل أبـداّ




 

رد مع اقتباس
قديم 03-09-2020, 11:02 PM   #5
JAN
مِرأة وٓاحدة … إنعِكاسات شٓتى !

الصورة الرمزية JAN
JAN غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 115
 تاريخ التسجيل :  Mar 2020
 العمر : 23
 المشاركات : 9,849 [ + ]
 التقييم :  23316
لوني المفضل : Black
شكراً: 0
تم شكره 6 مرة في 6 مشاركة

مشاهدة أوسمتي




هـّجران الـروح لمـّولاها



كـّان يومّا ممطـّرا من أيـّام أكـّتوبر الجميـّلة ، فزّينت الأرّصفة بحّبات من ثـّلج نقـّية ببيـّاضهـّا و بجـّانبهّ ورّيقات ذّبلتّ لتنمـّوا
بمكـّانهـّا ورودّ أجمـّل و أشدّ عبقا ،تّقفّ فـّلور الابنة الكبـّرى أمـّام منـّزل السيدّ رويّ و تـّرن الجـّرس منذّ ثـّواني قّليلة حتى
تفتحه كلير غلوري التي ما إن رأتّ فلور أمامهّا حتى كّشرت بّغضّب و كـّادت أن تـّغلق البـّاب لولاّ يدّ الأخيرة التي منعتهـّا ،
قـّالت بلهجة محذرة و بـّاردة
ـ هلّ عمي روي موجود ؟
قطّبت كلير و رفّضت أن تخبرها بـأي شيء ، فقدّم سيدّ روي من الخّلف لينظر ناحية فلور باستغراب ؟
ألّيس جوناثان الآن يّرفضّ أنّ يكلمه ؟ مـّا سبب وجودّ ابنته هنا إذّن ؟ و لمّ تطّل فلور من تساؤلاته بلّ قـّالت بتهذيب
ـ عمي روي لقدّ أرسّل والدّي فيّ طّلبكّ لرؤيته وجها لوجهّ،
ـ مـاذا ؟ إذّن لمـّا لم يّرسل بذّلك عـبّر الهـّاتف ؟
ـ لا أعلمّ لمـّا لا تـسـأله بنفسكّ حين تّصل ؟
فكـّر معـّمقا فيّ السبّب الذّي قدّ يجـّعل السيدّ جوناثان يتـّحدث معه مـجددا ؟ فـّجون ذوّ كبـّرياء عـّالي و إنّ أراد سوف
يّرمي بّصداقتهم المتينـّة أدّراج الـّرياحّ من أجلّ كـّرامته و لنّ يكون السببّ جيـدّا لكنهّ دّخل لكيّ يـّحضّر أشيـّاءه وسطّ نـظرّات كلير
المعـتّرضة ، قـّالت بـحدة تـّكلم فّيها فـّلور اللامبّالية
ـ لمـاذاّ لا تتـّركوننّا و شـأننـّا ؟ أنتـمّ كّكلابّ بالـّرغم منّ أنّ أصّحابها يّطردونها إلا أنها تـّعود بذلّ لتـّلعب بأذّيالهم من
حـّولهم
رفـّعت فلورا نـظرّها إلى كلير ببّرود و قدّ بدا أنها تـّمسك أعّصابها كيّ لا تتـّهور لكنّ فيّ النهاية لم تسّتطعّ أن تـّبقى محافظة على
هدوءها لتمدّ يدّها ناحية رّقبة كلير و تـّدفعها إلى الجـدّار الذّي خلّفها بكل قـّوة ، اقتربت منها بغضبّ و النيّران مسـّعرة تـّجول بـّكل
قّطرة في دمّها لتـّتحدثّ بنبرة مخيّفة
ـ جرّبيّ أن تـّقولي هـذاّ مجدداّ لأريكّ ما الذي يّمكن للكـّلاب أن تـّفعل إنّ أرادت أن تـّنقلب على أّصحابها
ثمّ دّفعتها لتـّسقطّ أرضّا بإحتـّقار و كره حيّن أتى العـمّ روي مسّرعا و لمّ يلحـظ تـّلك المعـّركة التي حـدّثت تـّوا منّ أفكـّاره العـّميقة
اتجـّاه صـّديقه ، تـّبعته فـّلور ببـّرود و هي تـّرمق كليرّ بّسخرية شديدّة ، كـأنهّا تـّقول أينّ قّوتك التيكنتّ تتّسلحين بها ؟

/


قـّصر آل لبيّر ، الذّي شيدّه الـزمن جمـّالا تلفه الورودّ من جميـّع الأنحـّاء و تعـّلوه أشجـّار ذّات نسيّم عليـلّ ، فّي أحدّى غـّرفه الكثيـّرة بالطـّابع الثـّانيّ
، كـّانت ذّات ديكور يـّختلف عن القّصًر اختلافـّا تامـّا و جـّو ، فالرياح عاتية تهب مزمجرة فتلطم نوافذّها فـّاتحة إياها و أبوابهـّا مغلقة إيـاها مصـّدرة
صوتاً مخفياً ترتعد له الفرائص ، بدء المطر ينهمر بغزارة ؛ و الأنواء تنطّفئ و تعـّود للانـّارة كمـّا لو كـأنها لـّعبة الغمضة ، برد قارص يزلزل الإقدام
ذّلك الـّجناحّ ذو الجـدّران الـسّوداء الـداّكنة و الفـّارغ الموحّش ، ذات السقف الخشبي الرائع والمرسوم باليد والذي يعطي بعدا أعمق ورقي محددا مقياس
هذه الغرفة وكذلك إحتوائها أنتيكات فرنسية وقطع أثاث مطبوعة بنقوش حيوانية و سـّرير واسـّع صّنع بواسطة خشب الماهوغني يشد الانتباه ،
السجاد التابستري جميـّل ينمي عن ذّوق رفيـّع ، مستلقـّيا على الـسّرير و فيّ حـّضنه حـّاسوبه المحـّمول بينمـّا يده التيّ زّينها بّساعة كبيـّرة من
المـّاركة المشهورة رولكّس تخـطّوا على لوحة التـّحكم بـّكل سهولة ، قطّب ثمّ تنهدّ و هو يـّفركّ رقّبته من التعبّ ، فجـأةّ فتحّ بابّ الجنـّاح
ليدّخل جـدّه فقـال نايت ببرود
ـ ما الأمر ؟
تقدّم الجدّ بيتر منه ثمّ جلّس على الـّسريرّ بجـّانب نايتّ اللامـّبالي و قال مباشرة محدُّثـا إيـاهّ و نبرة الصـّرامة تعـّلو كلاماته
ـ ماهي خـطّتكّ هذه المرة نـاّيت ؟ ما الذّي تريدّه بحق السماء ؟
احتدّت نـظراتهّ الموجهة نحو جدهّ بشـكّل مخيّف و ارتفـّع حـّاجباه دّلالة على النكـّران بينمـّا تـّقوسّت شفتيه بـّعبوس ، ليكمل بيتر حديثه
ـ أريدّ أن أعلمّ ما إنّ كنت استعملت تلك الفتاة كتمويه لكّي لا تـّلبي لي طّلبي ؟
تنهدّ نايت بغّيض عندّما علمّ الموضوعّ و أكمـّل الكـّتابة مجيـّبا جده
ـ و لماذا انت حانّق هكذا ؟ ألست أنت من تـريدّ زواجي بـأي طّريقة كـّانت ؟ لقدّ أخبرتني و بّكل وضوحّ سـّابقـّا و أنا أقّتبس منكّ
' أريدّ منكّ أن تتـّزوجّ مهما كـاّنت الفتاة أريدّك أن تـّعيشّ حيـّاتكّ '
هـزّ الجدّ بيتر رأسه بـّعدم رضي ثمّ أشـار على نايتّ بحنقّ و هو يقـّول يـائسـا
ـ لكن لا أراكّ متغـّيرا، عندما أردّت منك الـزواجّ ذّلك بـّقصدّ أن تتـغير و تصبّح إنسـّانا أن تشـّعر أكّثر و تحّب و تـّثق بالنـّاس
لا أن تبقى منغـّلقا على نفسكّ
لمّ يتحدّث نايتّ فـرمقه جده بـّاستنكـّار ثمّ وضـّع يدّه على كتفه و قـّال بتسـاؤل
ـ الا تـّحبهـا ؟ مـاري ؟
ابتسمّ بسخرية شديدّة ، يحّبها ؟ فتاة مثـّلها ؟ بلهـّاء و غـّبية ؟ حمقـاء لدّرجة الجـّنون ؟ تّصّف نفسها بالمتـّرصدة
و تعيشّ في عـّالم الأحلام ؟ تـّبحث عن فـّارسّ أحلامهـّا و تـّغّضب عندّ تـّقبيلها ؟ أي إمرأة هذه ؟ أجـّابه
ـ أجـّل ، أنـّا غـّارقّ فيّ حبّها تمـّاما و أريدّ الـزواجّ منهـّا
ـ أنـّا أنتـظّر إذّن ، و متى قدّ حددّت موعدّ الزفـّاف إذن ؟
ـ قـّريبـّا جداّ ، أقّرب مما تتصـّوره
صمتّ الجـدّ على مضضّ ، لا يـدّري لما لكـّن دائمـّا إذا كان موضوع الحـديّث نايتّ فإنهّ يّحّاول فّهم المـّعنى خلف كل كلمة يّتفوه بها
إلا أنّ محاولاته دائما ما تبوء بالفّشل بينما قـّال نايت ببّرود غير مهتم لشّرود بيتر
ـ لديّ رحـّلة عـملّ بـعدّ سـّاعة لذا أستـأذنكّ
وقف الجدّ بهدوء و خـّرج ، لقدّ طرده بـّطريقة مبّاشرة متى .. متى سيذوب هذا الجليدّ ؟ هز رأسه بـّأسى و هو
يهمس لنفسه
ـ أخـّاف أن يستمر للأبدّ

/

ظـّهرّت الشمـّس من خـّلف تـّلك الغـّيومّ ببطـّء كـأنهـّا خجّلة من تـأخّرهـّا و غيـّابهـّا الطـّويل فرّفعـّت هـّاتفهـّا و التقطت صـّورة
لهـذّا اليـّوم الغـّير عـّادي ثمّ نـظّرت إليهـّا ،وضـّعت يدّها على قـّلبهـّا الذّي يستمـّر بالخفقـّان ، متـألمّـّا و متـّنبـئـّا بمصيـّبة قـّادمة ،
فقـّادّهـّا قـّلبهـّا إلى حّيثمـّا يـّريدّ ، أو إلى أينمـّا هي تـّريدّ لكّن عقـّلهـّا يـأبى تـّركهـّا و كبـّريـّائهـّا المـّجروحّ يـّرفضّ إفـّلاتهـّا ،
قدّميها تسيران بخطى مضطربة و لا تّعلم لمـّا ، يدّيها ترتجّفان بشدّة غّير قادّرة على إمساكّ قلم و لا تّعلم لمـّا ، قّلبها يّنبض بّسرعة
كـأنهّ شهدّ الموتّ بينّ هاتينّ العينينّ و لا تّعلم لما فّوسط تّلك الضّجة فيّ هـذا الدّرس الذي تّعتمد عليه معظم علاماتها قدّ وقفتّ بإضّطراب
لا تدّرك ما الذي يجّب عليها فّعله ، أنفاسها تخنقهاّ و أفكاّرها ترعبها حينّ تقدمتّ منها كليّر مكتفة ذراعيها و ملامحهاّ يغزوها الاحتقار متـذّكرة
ما الذي فّعلته أختها فلور صّباحا بهاّ لتّقول بـسخريةّ و حقدّ
ـ ألمّ تسمـعّي الأخبار مـّاري ؟
رمقتها ماري باستنكار و رفّضت التحدث معها بـعدّ آخر موقفّ لها معهاّ لكنّ كليرّ آبت إلا الانتقام عندما لمحتّ ماري تخـّرج كتّابها لكيّ
تذاكر لهذا الامتحان المهمّ و قدّ خطـّرت فيّ بآلها فـكرّة قدّ تكونّ كذبة تفوهت بهاّ لحظة غّضب لكنهاّ حقيقّة،
ـ أنتّ تجلّسين هناّ لا مبّالية بينماّ والدّيك يّرافقّ الموتّ ،
تّوقفت ماري عن المـذاّكرة و قدّ شحبّ وجههاّ بشدّة ، كيّف لا و الموضوعّ يخصّ والدّها فـّعادتّ تّقف و هي الآن تّعلم
ما سّبب إضـّطرابّها و قـّالت بتوتر
ـ مـّا الذّي تـّقولينه أنت الآن ؟ والديّ ما بـه ؟
ابتسمتّ كلير بّخفوت و هي تتـذّكر مجيء فلور و طلّب سيدّ جوناثان لرؤية والدها ثمّ رفّعت كّتفيها بلا مبّالاة
ـ لقدّ آتت آختك و آخبرتنا أنه يّحتضر
نـظرّت إليها غّير مصدّقة فكّيف لوالدهاّ رجلّ القاسيّ أن يّصبح مّريضا بينّ ليلة و ضحـّاها ؟ لكنهاّ قدّ قالتّ أنه يحتـّضر ؟
ماذا إذاّ كـّانت صّادقة ؟ لكنّ الامتحـّان يترتبّ عليهّ نصّف عـّلامة هـذا الفّصل لا تّستطيّع المغـّادرة و من جـّهة آخرى ماذا
إذا كان حـّقا يّحتضر ؟ قد لا يتسنى لها رؤيته مجددا ؟
-

وضـّعت يدّها على قـّلبهـّا الذّي يستمـّر بالخفقـّان ، متـألمّـّا و متـّنبـئـّا بمصيـّبة قـّادمة ، فقـّادّهـّا قـّلبهـّا إلى حّيثمـّا يـّريدّ ،
أو إلى أينمـّا هي تـّريدّ لكّن عقـّلهـّا يـأبى تـّركهـّا و كبـّريـّائهـّا المـّجروحّ يـّرفضّ إفـّلاتهـّا ، فـو بغضون سـّاعة من الركض لمّ تـّدركـّها
، وجـدّت نفسهـّا تـّقف أمـّام ذلّك المنـّزل الذّي وعـّدت بـّعدم المجيء إليه ثـّانية ، تـّرددّت كثيـّرا قـّبل أن تـّقبل على تـّقدم خـطّوة واحدة
للأمـّام لولا سـّماعهـّا فجـأة لصّراخّ أختهـّا المتـألمّ لحدّ الوجـّع ، و بالـّرغم من سـّماعهـّا لصوتّ بـكـّاء فـّلور المـّرير و العـّالي إلاّ
أنّ قدّميهـّا لا زاّلتـّا تـّرفضـّان الدّخول ،هـذّا غـّريبّ فـّعلا ، فهبّت نسـّمة ريـّاحّ من خـّلفهـّا كـأنهـّا تحّثهـّا على الاستمـّرار لتعقدّ العـّزم
و شدّت بّقبضتها على فستـّانهـّا المتـّراقًّص مـّع نغمّات الّرياح لتخطوا خـطّوة فخطّوتين فـّثلاثّ لتجدّ نفسهـّا تفتحّ بــّاب منـّزلهـّا قدّيمـّا
مـدتّ يدّها المـّرتجّفة بّترددّ لكنهاّ أنـزلتها سّريعـّا مديّرة رأسها ، لا تّستطيّع سوف يّرفضونها مجـدداّ هي لن تـّقدر على تحملّ رّفض
الكّل لها حينّ انتقل إلى مسامعها صّوت صّرخة فلور المستغـّيثة و المتـّوجعة فـفتحتّ عينيها على وسعهماّ قّلقا و دفّعت كبرياءها جـّانبا ،
ذلك الكبّرياء الذّي لا طالّما حـذّرها نايت من رميه و الذيّ لطالما أنبهاّ لأجلّه قدّ رمته
فصـّعدت الـّسلم ركضـّا إلى حيّث استغاّثة أختها المـّتألمة، إلىّ حيثّ يـأمرهاّ قّلبها بالذّهاب ، إلى حيّث نـّادتها روحّ والدّها المـوجوعّة نـّظرت
من خـّلال عينيهـّا البنيتينّ الواسـّعتين إلى جّسم فـّلور المـّرتمي على جّثة والدّها و التّي تهـّزه باستمرار رافـّضة تـّركه بالـّرغم من محـّاولة
روي المستميتة لدّفعهـّا جـّانبـّا ،تقدّمت بـهدّوء إلى دّاخلّ غـّرفة والدّها ، التّي لمّ تدّخلهـّا منذّ سنينّ ، و كمّ انتابتها من مشـّاعـّر حّينهـّا
، مشـّاعرّ نسّتهـّا .. الدّفء ، الحـّنينّ ، الأبوّة ، العـّائلة
وقّفت أمـّام جسـدّ والدّها الممـّدد بـّلا حـّراكّ و شّفتيه قدّ انقّلبتا للـونّ الأّزرقّ ، ثمّ وضـّعت يدّها على كّتف السيدّ روي و قـّالت بـّعدم استدّراك
ـ ما الذّي يحدّث ؟
و بينّ سـّؤالهـّا البريء و الجـّانبي تسمـّع صـّوت فـّلور المبـّحوحّ الحـّزينّ و هي لا تـّزال تهـّز ذّراع والدّها بقـّوة واهية
ـ لقدّ أحضـّرت عمي روّي ، أرجوكّ أفق ، أبّي أعدّك أننّي لنّ أضـّع كـّوب القـّهوة على الطـّاولة و هو سـّاخن ، أعدّك أننيّ
سـّوف أتوقفّ عن إعـّادة كّلامكّ بسـّخرية من خـّلفكّ و أعدّك أنني سـأعيدّ مـّاري إلى المنـّزل و أعدّك أنني سـأبقى بجـّانبكّ
و لن أترككّ أبدّا ، لذّا فقطّ افتحّ عينيكّ هـّاتين من أجـّلي ، أرجوكّ لا تـّرحـّل
سـقطّت مـّاري على ركّبتيها و قدّ خّذلتها قدّميها بّذهول و صـدّمة قدّ ألجـّمت لّسانها ، ما الذيّ تقصدّه
فلور بّلا تّرحل ؟ أفعلا هو قّد ذهب ؟ لكنّ إلى أينّ ؟ ما الذّي تتفوه أختهاّ من تّفاهة ؟ إنهّ هنا أمامهمّا
فّلما تّصرخ هـكذاّ كما لو كـأنّ الحّياة قدّ انتهت ؟ بينماّ احتّضنها عمّ روي بّخفة و هو يّهمس بّنبرة خاّفتة
ـ لقدّ تّوفي
الذّهول قدّ سـّيطـّر على ذّهنهـّا ، فّي هذه اللحـّظة بالذّات أدركـّت أنّهـّا فقدّت فـّردّا أخـّر من عـّائلتهـّا دون أنّ يتسنى لهـّا وداعه
، دّون أن يتسنى لهـّا طّلب الغـّفران منه ، دّون أن يتسنى لهـاّ أنّ تـّشرحّ لهّ ، لقدّ تـّوفيّ هكـذّا ببسـّاطة ،
، لقدّ فقدّت فردّا من عـّائلتهـّا ، أمسكـّت بيدّيه و قـّبلتهـّا كـّانت تعّلم لوّ قدّمت مـّرارا لطّلب الغّفران لماّ
استطّاع رفّضها و لنّ يخّيب ظّنها بّه لكن لمّ تكنّ لدّيها تلكّ الشجـّاعة و هو يـّعلم ، إنهاّ لم تستطـّع أن
تواجّهه فـّلما رحّل هـكذا دونّ أن يّدّعها تجّلس في حّضنه و لو لمـّرة واحدّة ؟ أنّ تنـادّيه بـأبيّ و هو
يبتسمّ بكلّ لطّف ، أهـذّه أمنيّة كبّيرة ؟ أهيّ مستحيّلة ؟ أن تكونّ وسطّ عـّائلتها و أن تبتسمّ بكل سـّعادة أهي مستحـّيلة فّعلا ؟
حـّاولت فـّلور إسناده على الوسـّادة التّي خّلفه كيّ توقظه فتـّقدمّ عمّ رويّ و صـّفعهـّا بـأقصى قـّوة
يمتـّلكهـّا ، فنـّظرت إليهّ فـّلور لّوهلة بسيـّطة من الـّزمنّ ثمّ عـّادت تنـّظر إلى جسّدّ والدّها الممـدّد بـّلا
حـّركة ثمّ إلى أختهـّا التيّ قـّادها القدّر
مسحـّت دّموعهـّا بهـدّوء ظـّاهري و تمّتمّت بـّكلمات شـّكر بسيطّة لعمهـّا تـّشكـّره لإيقـّاظها من
غـّفوتهـّا ، أو منّ جـّنون الذّي أصـّابهـّا ، بـّعدهـّا تـّقدمـّت إلى أختهـّا الـّصغرى مـّاري و وضـّعت يدّيها
على كّتفيهـّا
إلتفتت إليهـّا مـّاري المـّنصدمةّ و بعينيها الكثير من التساؤلات ، لتجّتنب النـّظر إليهـّا فليسّ كمـّا لو أنها
تمتلكّ الإجـّابات بنفّسها ، فـّلم تستـطّع مـّاري التـّفوه بشيء ، كمـّا لو كـأن الدّموع قدّ جفـّت و قّلبها
قدّ تّوقف عن العـّمل ، كمـّا لو كـأن الكّلمات تلاّشت و العبّارات إختفت
إنهّ والدها من تـّوفى الآن ـ و هيّ لا تـزاّل على خّصام مّعه، هلّ من شيء يّستحّق الثـّراء أكّثر من هذا ؟ كيـّف لها ان
تـّطلب منه السمـّاح الآن ؟ إنهـّا النهـّاية
بعـدّ مرور يـّوم واحـدّ ،
تـّكلفّ العـمّ روي بكـّل شيء يخّص صدّيقه الوحيدّ و العـّزيز ، منّ جـّنازتهّ البسيطـّة المقّتصرة على أفردّ
العـّائلة فقطّ المكـّونة من ابنتيهّ و زوجـّته السـّابقة سيـّليـّا التّي و بعدّ اختفـّاء دّام أعوّاما عـّادت لظّهر
فّي فترة الظهيرة
مـّرتدّية فستـّانا أسودّ طويّل و قفـّازينّ مع قّبعة بنفسّ اللونّ أيضـّا ، تـّقف على مبعدة من الحضـّور و
مكـّتفية فقطّ بإلقـاء نظرة أخيـّرة على زوجها السـّابق من بـّعيد .
لمّ تحتمّل ماّري منـّظر والدّها و التـّراب يـّرمى عليهّ ، التـّراب الذّي خّلق منه هاهو الآن يـّعاد إلى أصـّله
فأغلقت عينيهـّا بشدّة
أمـّا فـّلور ، كـّانت تّقف على مقـّربة من والدّها تّرفع ذّلك التـّراب و تـّرميه عليهّ بدّون أّن يـّرف لهـّا جّفن
، أجـّل قـّلبهـّا لا يحتـّمل فقدّان فردّ أخر من عـّائلة روبرتّ ، أجّل قّلبها لم يعدّ يتحمل كل هذا البعدّ و
هذه اللعنة التي قيدّتهم فلم يصّبح شخص الا و اسم عائلته روبرت يبتعد أقصى مسافة عن إخوته آو
والديه ،
جـّلست مـّاري على الأرّض بـعدّ انتهاء كل لمـّراسمّ و مغـّادرة الجميـّع لتـجّلس فـلور بجـّانبها و هي
تحمـّل ذّلك الدّفتر الأخضّر الصـّغير بينّ يدّيهـّا ، وسطّ هذا الهـدّوء الذّي عـّم المقـّبرة تحدّثت ماري بنبـّرة
لطّيفة محـّاولة تـّخفيف عن أختهـّا التي أخذت كل شيء على عاتقها
ـ مضّى وقت طّويل منـذّ أنّ جلّسنا إلى جـّانب بّعضنا هـكذّا، لقدّ اشتـّقت إلى تـّلك الأيّام
أومـأت فلور بـّهدوء و التفتّ ماري ناحية أختها بّشرود، لمّ تطّلب منه أن يّسامحها بـّعد و هو لا يـّزال
غـّاضباّ منها ، ابتسمت و أشـّارت على الدّفتر لتقـّول بنـّبرة مبحـّوحة حزينة
ـ أتـّعلمين ما هــذّا يـا ماري ؟
أومـأت ماّري بالنفّي مسّتغربة فـأكملّت فـّلور كـّلامهـّا ،
ـ إنهّ سببّ الذّي دّفعــّني للابتعـّاد عنكّ ،
رمّشت مـّاري بّعينيهـّا البنّيتينّ اللتـّان و على وّسعهـّمـّا أّصبحتـّا غـّير قـّادرتين على الانفتـّاح ، ثمّ مـدّت
أصـّابعهـّا الطـّويلة و أمسكـت بذّلك الدّفتر الأخـّضر ، الّسبب الذّي دّفع فـّلور بـّعيدا عنهـّا ثمّ فتحتهّ ،
الـّصفحة الأولى كـتب عـّليه بخطّ واضحّ دّفتر الدّيون ، قـّالت بتسـاؤل
ـ الدّيون ؟ أهـذّا الدّفتر يخّص والدّنـّا ؟
أومـأتّ فـّلور بالإيجاب ثمّ قـّلبت الصفحـّة الأخـّرى ، لمّ يكنّ دّفترا لدّيونّ بـّل دّفتـّرا كـّتب فيهّ جميـّع
مـّشـّاعره و رحـّلاتهّ ، جميـّع مـّا لمّ يستـطّع التـّفوه به يـّومـّا ، مـّا لم يسمحّ له كبـّريـّاءه بقـّوله ، نـّظرت
إلى اسمهـّا المّزينّ على اليسـّار
ـ عندّما أتتّ تلكّ الطـّفلة الصّغيرة إلى منـّزليّ ، كمّ شـّعرت بالفـّرحة العـاّرمة لـرؤيتهـّا فقطّ ، كّنت أريدّ
منهـّا العـّودة و أريدّ منهـّا أن تـطّلب منيّ الـعودة لكّن يـّا بؤس سـّعادّتي عندّما أخّبرتي أنهـّا أتتّ لأخذّ
فـّلذة كبّدي الأخرى منّي ،
أنـّا أريدّ مسـاّمحتهـّا ، و أربت على رأسهـّا لأخبّرها أنّها لمّ تـخطـأ أبدّا و مـّا حدّث في المـّاضي كـّان
مـّجردّ غـّفوة لكّن لا أستطيـّع بالـّرغم من أن هـذّا القّلب سـّامحها لكّن الكلمـّات تـأبى بالخـروج
مـّررت عدّة صّفحـّات و دّموعهـّا قدّ بدأت في التجـّمع ، أمـّا فـّلور فـّتنهدّت بـأسى و أخذّت الدّفتر عنهـّا
لتكمـّل بّصوت عـّاليّ ،
ـ اليـّوم لكّن يـّكون اليـّوم الذّي سـأرحـّل فيهّ بّل إنهـّا بدّاية لنهـّايتي، تـّلك النهـّاية التّي كّنت فّي
انتظارها لتـأتي و توقّظني من سّباتي العمّيق و هـجّرانيّ لكّن و عنـدّما أتتّ وجدّت نفّسي أنهّ ما كـّان
أبدّا يجّب علي انتظارها،
تلكّ اللحـّظة التيّ توقظني من طّغيانّي و الحقدّ الذّي طغّى على قّلبي مـّا كان يجّب عليّ انتظارها ،
بّل السـّعي خّلفهّا و المحـّاولة جـّاهدا أيضـّا
فالآنّ و بعدّ أن أدّركني المـّرضّ فـأصبحّت أصـّابعي هـذّه التّي تطـّاولت على الكـّثير من النـّاس عـّاجزة
عنّ كـّتابة كّلمة فـّما بّالكنّ بجّملة ؟ أو رسـّالة ؟
وأنـّا الآنّ أريدّ أنّ أعتـذّر إلى كّل مـّن أخطـأت فّي حقّه يـّوما مـّا و بالأخصّ إلى ابنتـّاي ، أكثّر من أوجّعتهمّ و ألمتهّم ،
إلـّى فـّلور ، تلكّ الطّفلة الصـغّيرة التيّ لطـّالمـّا حمتنيّ و بالـّرغم من أننّي كنت طّاغيّا و لا أنفكّ شتمها
أو ضّربهـاّ في بعضّ الأحيـّان إلا أنهـّا كـّانت تـّنظر إلّي بّشفقة و رحمـّة ، و بالـّرغم من أننيّ حـّاولت
كثيـّرا إبعـّادهـّا لكّنها كـالغـّراّء ، غـّراء جميـّل
أعـّلم أنكّ يـّا فـّلور ، مستـاءة من أمكّ لأنهـّا تـّركتنيّ و أعّلم أنكّ حـّزينة لأننّي ظّلمت مـّاري بّشتى
الطـّرق و أعـّلم أنكّ تـفهمينّ جيدّا لمـاذّا فـّعلت كل هـذّا ، أنـّا أسّف فـّعلا ، فقدّ حـّاولت تـّزويجكّ من
آرثّر باعتقادي أنه الرجّل الصـّالح الذّي سيحميكّ منيّ و من الجميـّع لكننّي كنتّ مخطأ
أنـا أسفّ
إلى مـّاري ، ابنتي الثـاّنية .. أنـّا أعلمّ أن لا ذّنب لكّ فيمـّا حدّث بالمـّاضي و أنـّا أعلمّ أنكّ ما كـّنت

تدّركين مـّا تفعلينهّ لأنكّ صـّغيرة ، و أنـّا أسّف أيضـّا لأننيّ طردّتك من المنـّزل الذّي لمّ تعّرفي بهّ حبـّا و
لا دفء ، أنـّا أحبكّ يـا طـّفلتي الصـّغيرة ، أحبكّ جدّا لدّرجة جّعلتني أبعدّك عنّي كّيّ لا أؤلمك أكثر
أمـّا عن قّصة الـ 500 مليـّون تـّلك فـّلا وجودّ لهـّا بـّل هيّ مجرّد كذّبة منيّ كيّ ترضى فـّلور بالـزواجّ من
آرثّر و كّلانـّا أنا و سيدّ جورجّ غلوري نعّلم بهـذّا ، لذّا لنّ تـضطّرا لأنّ تّقلقّا بشـأن الدّّيون من الآن فّصـاعدّا ،
لقدّ اخترعت قّصة الـ 500 مليـّون دّولار لأننيّ رأيت فّي آرثر الـّرجل المنـّاسب الذّي سّوف يـّنقذّكنّ و
سـّوف يّقف بجـّانب فـّلورا ،
أنـّا أسّف لذّا مـّاري ، أعّلم أنّه لّيس لدّي الحّق فّي طّلب أيّ شيء منـكّ ، لكـّن أرجوكّ أعدّلي عن
هـذّا الـزواجّ و أتـركّي رجّل أل لبير و شـأنهّ ، أعّلم أنه هو الذّي دّفع المـّال و أعّلم أن مـّا تكّنينه لهّ ليّس
حبّـا ، لذّا أرجـّوكّ عّيشي حّياتكّ و لاّ تـّقبلّي بـأنّ تـكونّ خـادّمة
أنـاّ أسّف يـا ابنتـّاي فـّكل مـّا قّـاسيتنهّ كـّان بّسبب رجـّل أحبّ امرأة ،
رجـّل أحبّ امرأة و امرأة أحبتّ ذّلك الرجّل بـالرّغم من عـّيوبه ، لكّن بخيّانتنـّا لمّ نتعـّادل
ذّلك الرجّل كـّان والدّكم و تلكّ المرأة هيّ أمكمّ سيليّا ،فلمّ أعلّم قيمتهّا إلا بـعدّ رحّيلهـّا و بعدّ رحّيلهـّا تـّركتني
محّطّما مشتتـّا ، لمّ أدّرك معنى أنّ تفقدّ شخصّا يحّبك من أعمـّاقه قّلبه و يهتمّ بكّ قّبل الاهتمام بنفّسه ، لذّلك لا
تـّلوموهـّا على ماّ فعلت ، لقدّ كانت مجّروحة من رفّضي لحّبها بعدّ كل تلكّ السنينّ
أنـّا أسفّ لأنكنّ لم تّختبرنّ شعـّور العـّائلة
أنـا أسفّ لأننيّ لم أكّن لكّن أبـّا تستنـدّن عليهّ ، و أنـّا أسفّ لأننيّ أقول هـذّا الكـّلام بـّعد فوات الأوان
و أنـّا أسـّف على كلّ شيء
شـّعرت الفّتاتين بّصدمة عـّميقة من مشـّاعره ، لمّ تـكن لتـّظنا و لو لّيوم فّي حّياتهما أنّ هـذه هيّ
أحاّسيسّ والدّهما الحـّقيقية ، فـبدأّت دّموع فـّلورا بالسـّقوط و قدّ تـّهاوت جـدّران قّوتها من حـّولها فـّلم
تـّجدّ أي منجى سّوى حـضن أختهـّا الّصغرى لّيلمها بّكل حـّنان ، كلّتاهما قدّ عـّانتّا و قدّ حـّان وقـّت
وضـّع النقـاطّ على الـحرّوف لقدّ حان وقـّت لمّ شّمل عـّائلة آل لبيّر من جـديدّ بـّعد فـرّاق دامّ سنينـّا ،
بينمـّا وضـّع مـّاري يدّيها حول ظّهر فـّلور تّطـّب عليها بكّل خّفة عنـدّما هـمسّت بّصوت خـّافتّ و بـّعيدّ
ـ لكّن فـّلور لما قدّ يكتّب كلمـّات مثّل هذّه ؟ كـأنه كّان يـّعلم بـأن أجّله قدّ اقترب
تـّوقفت فـّلور عن النـّحيب كمـّا لو كـانّ كلمـّات ماريّ الـّهامسةّ قدّ أيقظتها من نـّوبة انهيارها الـوشيكة
فاعتدلت في جّلستها و رفعتّ يديها عاليا إلى السمـاء لتقول بنبرة لطيفة و رقيقة
ـ لأنه كـّان يـّعلم فّعـّلا ، والدّنا أصيبّ بسـّرطان الدّم اللوكيمـّيا منذّ ثـّلاثّ سنينّ قبّل رحّيلكّ بـّعامّ واحدّ
و أنـّا اكتّشفت ذّلك لهـذّا أردّت الـّوقوف بجـّانبه ، لأنّ والدّنا العـّنيدّ يرّفضّ تـّركنا جّانبه و لأنه والدّنا
السيدّ جونـّاثان روبـّرت فكّان عنيدّا جّدا لإخّبارنـّا ،
تلعثمت مـّاريّ في أحّرفهـّا ثمّ نـّظرت إلى قّبر والدّها ، لتقول بأسى
ـ لمـّا لم تـّخبريني بذّلك ؟
ـ لمّ أعلمّ كيّف أخّبرك ، فـأنتّ كنت مخّتفية لمدّة عامينّ و لمّ نستـطّع أن نـّعرف مكـّانكّ ثمّ أنتّ ظّهرت
فجأة في الآونة الأخيرة و لمّ أعلمّ حينهـّا كيّف قدّ انقـّل لكّ هذه الأخبـّار خصوصّا لأنّ والدّي يّرفضّ أن
نتقـابل نحن الاثنين
تنهـدّت فـّلور ثمّ مدّت يدّها ناحية مارّي ، أمسكتها الأخيرة بإحكـّام لتقّف و تـّلقي نـظرة أخيرة على
المكـّان ، ابتسمـّت بهـدوء و شدّت على يدّ فـّلور لتبتسمّ هي أيضـّا ، فقــالت ماري بّنبـّرة حـّاولت قدّر
الإمكان جعلها مرحـّة
ـ لا تـّقلق والدّي لقدّ تمّ لمّ شمـّل عـّائلة روبّـرت ، و سّّوف لنّ نفتـّرق أبدّا مهمـّا كانت الأسّباب و مهمـّا
طـّال الـزمـّان ،
صـّرخت فـّلور بّصّخب و هي تـّرفع يدّيهمـّا عـّاليـّا في السمـّاء ،
ـ إلى الأبدّ ،
كـّانت نـّظرات تلكّ المـرأة الصّهباء تـّلاحّقهمـّا باستمـّتاعّ و تـّنظر إلى حّركاتهمـّا الواهية فّي رفّع
معنوياتّ بعضهما بّعضـّا ، صّوتّهما و بـّفعل الريـّاح ينتقـّل إلى مسـّامعهـّا ليطمئنّ قـّلبها أخيـّرا على
ابنتيهـّا ،
ابتسمـّت هي أيضـّا بهدوء و أنـّزلت القـّبعة على رأسهـّا أكثّر لتـّغدوا مـّلامحها غـّير واضحة للعيـّان ثمّ
رّفـّعت مطريتها و غـّادرت المـكـّان ، لّيس للأبدّ لكنّ لأنّ يحينّ الوقت المنـّاسب للغـّفران ،

/

بـّعد مـّرور أّسبوع على وّفاة سيدّ جوناّثان روبـّرت ، كـّانت كلّير تـّجلس فّي مقـّهى عـادي تـّمسك بينّ
يدّيها كوبّ قّهوة تـّركية سـّاخنة و تتأمل المارة بمـّلل منتـظرّة وصـّول آخيها الذي أصّبح في الآونة
الأخيرة من صّعب رؤيته ، حـّين تـّقدم ذلك الشّاب ذو الـّشعر الّبني منهـّا و جلّس بـضجرّ أمامهـّا قـّائلا
ـ ما الأمرّ الطـارئ ؟
نـظرّت إليه كليّر ببـّرود ، لقدّ اتصلت به قـّائلة أنّه يوجدّ شـيء طارئ يجب عليها التحدث معه و هـاهو
الآن يـأتي لّيسـألها ما الأمرّ بـعد مرور أربعة أيامّ ؟ لقد أصبحّ آرثر فعلا مهمـّلا لكنها لم تهتم فـعلا فهذه
هي شخصيته لذلك ردتّ بابتسامة
ـ لقدّ توفي جون روبـّرت
قطبّ آرثر و نـظف أذنها كأنه لم ّيسمع الخـّبر جيـدا ثمّ رمش بـعينيه عدّة مرّات ، هل ذلك الـرجل قدّ
توفي ؟ لكن لطالما رآه بّصحة جيـدةّ ، هـز كـّتفيه بمللّ و أجّابها بـعدم اهتمام
ـ إذنّ ، أتـردين منيّ أن أعزي أبنتيه أم ماذا ؟
هـزت كلير رأسها نّفيا بـّقرف و مجـردّ كرة مصّافحة عائلة روبرت تصّيبها بالغّثيان ثمّ همـّست بـّحدة
ـ أجننت ؟ لا طـّبعا لكنّ بما أنّ ذلك الـعجوز قـدّ توفي أخيرا فـهو عقبةّ قد أزيلت من طـّريقنا و الآن نستـطيع أنّ تعذّب
ابنتيه و نقتلهما و لن يّقول أحدّ شيئا
صمتّ آرثر قليلا متـعجّبا من كـّلير بالـّرغم من أنهّ هو منّ طـّرد من المنـّزل و هوّ منّ حرمّ من النقـودّ و
جميـّع أملاكـّه إلاّ أنه لّيس غـاّضبـّا مثـّلها ، ابتسـمّ بسخـّرية حسنـّا غّضبها يّكفيّ لشخصّين أوّ أكثّر ،
قـّال ببـّرود
ـ إذّن ؟
زمـّت كليّر شّفتيها باستياء منه ثمّ وقفـّت و أنهـّت قّهوتها بّرشفة واحـدةّ لتمسكّ بـحّقيبتها و هي
تـّقول بـّغيضّ
ـ لا تـّهتمّ ، عـندماّ أجدّ خـطّة سـوفّ أعلمكّ
و سـّارت مسـّرعة ، رّفع آرثر كـّتفيه متجـّاهلا إيّاها و نـظرّاته مـّركزة على تـّلك النـّادلة الجـّميلة التّي
تصّب لهّ العـّصير




 

رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

شرح حديث

علف


الساعة الآن 10:34 PM