••
العودة   منتدى وندر لاند > القصص والروايات > روايات الانمي_ روايات طويلة

روايات الانمي_ روايات طويلة لجميع أنواع الروايات " الحصرية، العالمية، المنقولة والمقتبسة"


~ قدر مخطوط على صفحات الزمن

روايات الانمي_ روايات طويلة


موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-04-2020, 07:28 PM   #6
ورده المودة
في جوار ربها ، اللهم ارحمها واغفر لها وتجاوز عنها


الصورة الرمزية ورده المودة
ورده المودة غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 104
 تاريخ التسجيل :  Apr 2012
 المشاركات : 221 [ + ]
 التقييم :  277
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة


.

















.


4
وذاك الماضي .. حاضرنا

كان الأكل في محل الشومن ذاك تسلية لها عن التفكير في ما رأته عيناها قبل دقائق، تحاشت حتى النظر للشاب الذي بجانبها علها تنسى أين هي، و أي متاهة ذهنية تسيطر على عقلها الآن...
لكن...ليت ذلك يحصل..
وضعت يديها على رأسها و أنزلته على الطاولة أمامها: لا أستطيع..
تنهدت عدة مرات متوالية :...... أول لقاء لهما سرقة أمي، هاروكي... الأمر لا يدخل رأسي .
كان يأكل بهدوء دون أن يلتفت لها بعين...
اعتدلت بجلستها: أتسمعني؟
استمر بأكله مجيبا: ما الذي تريدين سماعه مني؟
قالت بضجر: هل كانت أمي سارقة؟
ترك طبقه فارغا: هذا ما يبدوا، و تستطيعين القول إنها سارقة.. لاتنسي أن هذا الماضي حاضرنا الآن.
ابتسمت بسخرية على نفسها: ما هذين الأبوين؟!... سيتزوجان بعد سرقة..زواج مبارك بالفعل..يا إلهي.. حياتهما لسيت طبيعية بتاتا..
مسح بيده على رأسها كالأطفال: ليس أمرا كبيرا.. و أليس من اللطيف مشاهدة قصة زواجهما؟.. دعينا نرى كيف ستنقلب الموازين..أصابني الفضول عزيزتي.
نهضت مضهرة مدى انزعاجها: هاروكي...
نهض هو الآخر ليدفع النقود و يخرج ، فتبعته إيريكا..
قال و هو يمشي بخطوات واثقة: الآن .. لنلتقي بأمك مرة أخرى.
باتت تحرك بؤبؤتيها اللامعتين من ضوء الغروب العاكس عليها: و ما الذي سوف نفعله حين نصل؟
رفع كتفيه ببلاهة: في الواقع لا أدري، لكننا لن نكسب شيئا من الوقوف هنا .
أسندت جسدها بالحائط الذي كان شمالا و أخذت نفسا يعيد لها كلماتها: أنا بالفعل خائفة.. أشعر و كأن هذه السرقة لحظة من هذا الماضي فقط، ماذا لو كان هناك المزيد؟
ترك يديه ممتدتين و توجه نحوها لينزل وجهه بمستواها: لذا قلت، دعينا نشاهد.. لا تنسي أن هذا الوضع كان قديما فكل هذه الأيام ستنقلب لما نعرفه بعد تسعة عشر عاما.
ابتسمت بحزن ظاهر: حقا.. لم أنا أفكر بما مضى بجدية؟
رفع هاروكي جسده برزانة و أكمل طريقه: لاتضيعي الوقت و دعينا نفكر بما سنقوله لها.
حاولت العودة للحالة الطبيعية: لا أتصور أننا نستطيع المبيت هناك على كل.
أغمض عينيه بقوة : ياه، شيئ آخر لنفكر فيه ..مكان للنوم.
تصنعت الغضب لإضافة جو من المرح: لذا أنت لا تفكر ياصبي.. تريد أن تحصل على كل شيء جاهزا.. رجل يعتمد عليه بالفعل..
لهجتها كانت واضحة في بغيتها لذا أجاب: بما أني لا أفكر يافتاة و لا يعتمد علي، سوف أدع لك حرية التصرف في ما سنفعل و أجازف بالإعتماد عليك.. لكن..
أكمل رافعا سبابته و كأنه يهددها: لا تجريني للتهلكة.
ابتسمت بخبث: اتبعني.
قال لها مستغربا: فكرة بهذه السرعة!
بدأا بالسؤال عن هذا العنوان أيضا ، إلى أن وصلا ....
بدأ هاروكي منبهرا نوعا ما: أ هذا العنوان صحيح؟
تجاهلت جملته و رفعت قدمها اليسرى لتضرب بها الجدار بقوة لتسقط و هي تتولول من الألم: آآآي.. قدمي هاروكي..إنها تؤلمني كثيرا... أه...
أسرع جالسا ينظر لها بفزع واضعا يده مكان تلك الضربة الموجعة بحق : أ جننت إيريكا؟
اعتلى صوتها أكثر: آخ... لم أعد أحتمل.. حقا مؤلم.
حاول أن يرفعها من على الأرض و هو يسمعها تشكي ألمها :.. هاروكي.. لا أستطيع أن أضع قدمي على الأرض..أه.. آي.
وضع يدها فوق رقبته ليرفعها: كفاك مهزلة .. تظربين نفسك و تصرخي بهذا الصوت العال!.. ما الذي دهاك؟
كانت تتجاهله و تستمر حتى خرج رجل في أواسط الأربعين من ذلك الباب: تقدم نحوهما ليفتح الباب المسور قائلا مع ظهور علامات تعجب على قسمات وجهه: هل هناك خطب ما؟
لم يعلم هاروكي مايقول، فعلى ما يبدوا إن خروج هذا الرجل هو مما أرادته إيريكا..
فاكتفى بالنظر لها: إيريكا..
كانت تضع يدها اليسرى فوق قدمها المصابة مظهرة تعابير الألم: لقد إصطدمت قدمي ..
اتخذت الأنين سكوتا عن تتمة جملتها ليقترب رافعا جسدها متوجها للداخل: حسنا، دعينا نرى مابك يا فتاة.
كان هاروكي يقف غير واع لما يجري، فهل اتخذت إيريكا جرح قدمها وسيلة الدخول لهذا المنزل؟!
تنفس الصعداء قبل أن يلحق بهما للداخل...



منزل كالقصر في مظهرة و فخامته..و كعش الغراب في سكونه و خلوته.. فراغه من حتى بساط يغطي ذاك البلاط كان حقيقته التي تخفى خلف أسوار فضية ..
جلس ذلك الرجل يضمد قدمها الذي أصابتها رضوض و احمرار: لم تضرري كثيرا.. لم كل ذلك الصراخ؟
كانت تمسك بالكرسي الخشبي الذي أجلست عليه بقوة لتخفف من وطأة الألم عليها: أنا التي أشعر بالألم هنا.
هاروكي: اسمحي لي أن أعلن غباءك هنا.
رمته بنظرة حادة تنهره عن قول الحقيقة...
ظهرت فتاة تنشف شعرها و هي تنزل من السلالم اللوبية هناك، فتاة تلبس ملابس خفيفة ذات لون بنفسجي، أنزلت المنشفة لتظهر ملامحها المختفية: مالذي يجري هنا أبي؟
بقي يعقم قدم إيريكا و هو يقول: لقد أصيبت قدم هذه الفتاة أمام منزلنا.
تقدمت نحوهم لتنظر للفتاة بنظرة ثابته، تلك الفتاة التي استشعرت أنفاس أمها بشكل غريب.. غريب للغاية، فهي ترى أمها ذات السبعة عشر عاما واقفة أمامها بجمود و عينين تظهر بعض العتاب: قدمك أصيبت لشرودك ..بلهاء.
أنزلت نفسها لتلقي نظرة : أه، رض بسيط إذا.
أخذت المعقمات من يد والدها و بدأت تتم التعقيم بنفسها لتعود إيريكا بذاكرتها إلى الوقت التي تعقم والدتها الجروح التي تصيبها قائلة: كوني أكثر حذرا.
قطعها الواقع بألم طفيف: أخ.
وضعت أمها ضمادة لتعلن النهاية: انتهيت.
وقفت قائلة: كوني أكثر حذرا ، أفهمتي؟
شردت لحظت لسماعها ذات الجملة ثم انتبهت: أجل.
وجهت وجهها لهاروكي الواقف جانبا: أنت رفيقها؟
اعتدل بوقفته مجيبا: أجل.
ابتسمت مستهزئة: يا لحظها العاثر، رجل يدع فتاة تسقط دون أن يلتفت و يردعها.
جملة سقطت كصخرة عليه ..
((هي..ما شأني بفعل ابنتك الموقرة؟..))
ازدادت تلك الحدة على ملامحهها لتقول لوالدها: ألم أقل لك أبي أن لا تفتح الباب.. لا تقل لي أنك تهوى المشاكل.
أجابها بلكنة لا تظهر الصرامة عكسها: كاورو، لا تكوني صارمة بهذا الشكل، لقد كانوا يحتاجون المساعدة..
صرخت: و ماذا لو كانوا أشخاص يستدرجونك للخارج؟..ألا تفهم عاقبة هذا التساهل أبي؟
بدأ يفرك شعره بحيرة: لا بأس بالتوقف عن هذه المبالغة كاورو.
تنهدت قائلة: لا فائدة منك.
اقترب هاروكي من إيريكا سائلا: هل تستطيعين الوقوف؟
رفعت بصرها نحوه بتعجب.. فكيف يخرجان دون شيء ؟!
أخذت أمها بيدها لتوقفها و تظهر بعض تعابير الألم: إنها تستطيع الوقوف.
تلك الحركة أدهشتهما، فعلى مايبدوا.. تلك الصورة اللطيفة التي رأياها لم تكن سوى لحظة من تظاهر!
أمسكها و بدأ خطواته: دعينا نرحل إيريكا.
انحنت إيريكا: شكرا على المساعدة.
خرجت خلفه من باب ذاك المنزل ، و دون أدنى فائدة من وصولهما....
اقتربت كاورو من والدها واضعة كفها ة فوق صدره: إفهم أبي.. أنت كل شيء بقي لي.. فلا تجازف بكل الشيء هذا.
أحاطها بذراعيه محتظنا: لا شيء سيحصل لي بنيتي.. مادمت أنت لدي، فهناك هدف لحياتي.
تمتمت و هي تغرس وجهها في حجر والدها المحتظن لها: إذا، عدني أنك لن تخاطر بنفسك.. عدني أبي.
ربت على ظهرها: أعدك...



"عادت الحيرة"
جملة قالتها إيريكا و هي تستند على تلك الشجرة الضخمة...
شجرة خضراء كثيفة الأغصان ملتفة حول بعضها من ناحية الجذور النابتة منها...
شجرة تمد بالقوة في منظهرها و تمد الصبر في وحدتها فوق ذلك التل المطل على البحيرة...
بحيرة ساكنة ، واضحة الزرقة صافية...حيث أن انعكاس تلك الشجرة واضح كتوأمة تسبح بين موجات المياه....
كان هاروكي جالسا جلسة القرفصاء واضعا يديه فوق رجليه : حالتهم المادية تبدوا صعبة.
وضعت رأسها فوق الشجرة: و هم بذلك البيت الفخم!
" إه، لاشيء و لا أثاث... أظن أنهم باعوا كل شيء، فلا شيء نستطيع المبيت عليه.. ولا نقود نستطيع أخذها"
" ألم يكن من الأفضل بيع المنزل و شراء أصغر منه؟"
"ربما"
"ماذا سنفعل غدا؟"
بدأ يحرك قدميه و يهزهما و هو يفكر: امممممم... سوف أبحث عن عمل و عن مكان لنبقى فيه هذه الفترة.
بدأ يسيطر الإنهاك على صوتها لينخفض : عمل.. و مكان.
تم الصمت لدقائق و هما يحدقان بتلك البحيرة الهادئة و بما تعكسه تحت موجاتها الخفيفة..
كسرت الصمت: هاروكي.
بدا جامدا و هو يرد على مناداتها له: ماذا؟
وجهت نظرتها له: جائعة.
أخرج ماتبقى من النقود في جيبه : لا أظنها تكفي للكثير.
جال بنظره لما يحيط بهما ليتوقف ناظرا لشيء معين: هناك كعك محلى جاهز.. سيكون كفيلا بحل مشكلة الليلة.
توجه لها قبل أن ينهض مغادرا: سوف آتيك الآن.
توجه نحو بائع الكعك مادا نقوده: كعكتان من فضلك.
أجابه الرجل : الآن.
خلال تلك الثواني القصيرة التفت لشخص مألوف له..
أجل ، شخص ذو شعر بني و عينان بلون العشب الأخضر.. ذاك كان أب إيريكا..
أخذ الكعك المحلى و توجه نحوه..
التفت ريو له فقال فورا: لماذا أتيت؟..قلت لك سنتحدث غدا.
عرف هاروكي فورا الإشتباه الذي حصل ففتح فاه ليقول: أنا لست..
صمت فورا قبل أن يتم ليبدلها: أقصد.. أنك اشتبهت بي، فأنا لم أرك من قبل.
الشبه الخلقي بينه و بين والده لا ينكر و لكن الخلق شيء بين لكل شخص، و لذا فقد انتبه ريو لخطأه و قال: أوه.. آسف حقا ...
مد ورقة ملصق له قائلا: حسنا، بما أنني أخطأت سوف أعطيك هذه.
أخذها من يده:،ما هذه؟
ابتسم قائلا: إعلان عن عمل في مطعم .
توسعت عينيه و هو ينظر للملصق: لا أصدق.
" يبدوا أنها تسرك؟"
رفع ناظريه عن الملصق: أكيد ، أنا أحتاج له بالفعل.
" إذا ، مساعدة مني.. تعال غدا في السادسة مساء.. وقت مجيء مدير المطعم"
جاء في ذهنه فكرة: ألا بأس بفتاة أيضا؟
عرضت ابتسامته: اوه، هذا المطلوب.. اكتمل العدد بذلك.
ضرب على كتفه بصبيانيه: أرحتني من توزيع الإعلان يازميل العمل الجديد.
وضع يده فوق الضربة: إذا.. أنت هناك أيضا؟
أخرج أسناناته بمرح: أجل، أنا و أصدقائي ندير ذلك المكان و بكما يكتمل العدد.
" و ماذا عن الخبرة؟"
بدأ يحرك رقبته المنهكة: غدا المقابلة و لا تخف، لن نستصعب الأمور.
كانت الفرحة جلية و واضحة فوق ملامحه: شكرا لك.
مد يده مصافحا: أنا ريو، و أنت.
مد يده هو الآخر: هاروكي..تستطيع مناداتي هاروكي.
بات ريو يدقق النظر: لولا ارتخاء ملامحك لقلت أنك هو.
"من؟"
" لا تكترث، صديق لي.. سوف تراه غدا، هو يعمل هناك"
ابتعد شاكرا ذاهبا لإيريكا المنتظرة له...
و ما أن اقترب قال بمرح: إيريكا.. أنظري ماذا جرى...
كان في حال الجلوس حين لاحظ رموشها المغلقة مطبقة على العينين...
أثر الإنهاك و التعب كان باديا على ملامحها مما شده على نزع معطفه ثانية ليغطي جسدها و يرسم بسمة خفيفة : أحلاما سعيدة .. إيريكا.
تمدد على العشب مغلقا عينيه تاركا الكعك كما كان....
لتكون تلك، أول ليلة يقضيانها في طيات لعبة القدر ...لعبة تسابق الأمنية....



فتحت عينيها بعد عدة رمشات ليقع نظرها على الأوراق التي بجانبها و المعطف الذي يغطيها و على هاروكي الممتد أمامها بجسده النحيل...لم تحرك ساكنا و هي تنظر لقسمات وجهه و شعره الأسود...
تمتممت بين شفتيها: نسخة أبيه.
مدت يدها نحوه لتوقضه من هذا السبات الذي ينسيه المعظلة التي أوقعته بها : هاروكي..هاروكي.
رفع قدميه و هو يتمتتم بشيء غير مفهوم...
كلما أعادت مناداته ازدادت حركاته الغريبة بالظهور ...جلوس ثم عودة للنوم.. معاتبة والده.. يوم عطلة... كلمات متقطعة كان ينطقها لها....
قررت إيريكا عدم حصول موقف محرج بسببه مرة أخرى .. لذا ، يجب الحزم في إيقاضه فبدأت بجر خصلات شعره واحدة واحدة لكنه فاجأها برفع يده محركا: دب.. ابتعد، ابتعد..أيها الدب..
اتجه ليمينه تغييرا لوضعية نومه ..
استمرت في فعلها حتى جلس صارخا: أبعد يدك .
انتبه لها فوضع يده فوق رأسه: هذه أنتي... كنت مزعجة .
" أنت قلت للدب أن يبتعد.. و بما أنك لم تخبرني أنا بذلك فأنا أكملت ما بدأته"
تأفف ناهضا: حقا.
توجه نحو البحيرة ليغسل و جهه منتعشا بذلك الماء البارد...
نهضت هي لفعل ذلك أيضا..
جلسا يأكلان تلك الكعكعتين البائتتين ، أي.. الشيء الوحيد القادر على سد جوعهما من الليلة الماضية..
لقول الحقيقة، تلك الكعكة لم تكن تغني أو تسمن من جوع..
لكن ، القناعة تسد رمق الجوع بلقمة...
انتهيا من إفطارهما في حدود خمس دقائق لتبدأ سلسلة التفكير و الحديث الجدي...
حيث هي بدأت بسؤال ابتدأت به ما لم تتوقعه: ألن نعيد الأوراق لليندا؟
دقق بكلمتها للحظة ليشدها ذلك فتبرر:..حسنا، أقصد والدتك...لقد اندمجت معها لدرجة أنني لا أستطيع إدراك ما نحن فيه.
أجابها بجدية واضحة: غدا سنذهب المدرسة و سنعيد أوراقها.. فانتبهي لها جيدا.
رفعت الأوراق: أشعر و كأنها أثقل أمانة حصلت عليها في حياتي.. فنحن لسنا بمكان ثابت.. و هل نحن مجبوران على الذهاب للمدرسة؟..لنعتبرها عطلة الموسم.
" هناك والدتينا و لإيصال الأمانة.. نحن مجبوران"
رفع سبابته قليلا و كأنه يود الإشارة لشيء خطر له: أه ، انتظري.
أخرج ورقة مطوية من جيبه ليفتحها و يمدها : سوف نذهب لمقابلة عمل اليوم.
عيناها بدت مستفسرة ليقول بما يزيد هذا الإستفسار: هذا بفضل والدك.
"أبي!"
" لقد كان يوزع ملصقات هذا العمل البارحة"
أخذت الملصق من يده مدققة: ما مناسبة هذا التصادف؟.. أن تبحث عن عمل و يدلك والدي عليه.
تربع و ألصق كفيه ببعضها البعض : صدفة غريبة.. لكنها تسعدني في الوقت الراهن.
رمت الملصق.بإنزعاج: من الأفضل أن لا نقترب من أصحاب هذا الماضي.. يبدوا أن هذا سيثير المتاعب لا غير.
" بل يجب الإقتراب أكثر.."
رمقته بنظرة حادة: هاروكي، لا أرغب بالإحتكاك بهما.
شاركهها الحدة بدوره: يبدوا أنك لا تفهمين أم أنك تتغابين... نحن أتينا هنا لأمنيتك أليس كذلك؟
استلزمت السكوت إجابة لها...
ضيق عينيه مثيرا فضولها لما ستستمع منه: أنتي أتيت لهذا الزمان كي تمنعيهما من الزواج، أتدركين ذلك؟
كانت جامدة تعيد على مسامعها مفهوم جملته: و ماذا لو غيرت رأيي؟
صدمة داخلتها حين قال: أخشى أن تحقيق ما تمنيته، هو بوابة عودتنا لزماننا.
تشتت سيطر عليها و حيرة طغت ملامحها لتقبض كفها أمام صدرها و هي ترتجف: و لو حققتها.. هل سيكون لنا وجود لنعود؟
"لا أعلم"
لم تكن تستقر بؤبؤتيها في محجريهما: إذا..
خط دموع لامع أوقف كلماتها ...
لمعت زرقة عينيه حزنا قبل أن يمسح دموع مقلتيها : إذا، يجب أن نجد حلا مناسبا.. و ذلك برؤية ما يمكننا فعله.
لم يتوقف انحدار تلك الدموع ، مما كان كفيلا بتقدمه و وضع جبينه فوق جبينها: إيريكا، هذه الدموع.. حارة على قلبي.. أوقفيها.
أغلقت عينيها محاولة إيقاف علامة الحزن : سوف أحاول..
أخفى عينيه بإغلاق الجفنين، لتظلم الدنيا لديه هروبا مما يرى: أوقفيها.. في عشر ثوان...واحد.. اثنان..
كان صوته كمخدر لها بذاك الأسلوب التدريجي لذا و بعد عشر ثوان فتح كليهما عينيهما...
رسمت بسمة خفيفة: هاروكي.. شكرا لوجودك بجانبي.
مسح الدموع المجتمعة في عينها: شكرا لتوقفك عن البكاء.
ابتعد عنها متحولا لشخص مرح صبياني: ألا تلاحظين أنك تحولت لفتاة بكاءة و مزعجة في الآونة الأخيرة؟
ضيقت عينها : سوف أبكي غدا أيضا، فاستعد ..
وضع يده فوق مقدمة خصلاته: أوي أوي.. لصبري حدود يا فتاة.



اقترن وقتهما بمتعة النظر للبضائع قديمة الطراز و الأصوات الكلاسيكية ، التي جمعت جمالا لا ينتقل سوى بالذكريات و ليس على بعض الصور المطبوعة...
اكتشف كلاهما شيئا..
«إن القدم ليس سوى كلمة تطلق على ما استلهم أرواحا بجمال لا يدركه من بعده»
دخلا الأسواق و المجمعات و جابوا الطرق و قارنوا كل النقاط المشتركة و المختلفة بين الزمانين...
استوقفت إيريكا بعض الحلي في أحد المتاجر ليقول لها هاروكي: مابك؟
كانت بؤبؤتيها تتحرك بشغف: حتىىهذا الزمن يحوي أشياء بديعة.
حاول فهم ما شدها ليرى عقدا على شكل ورود متشابكة تنسدل منه بعض الخيوط الفضية و
على جانبيها قرطين بشكل يشبههما : هذا ما شدك لجماله إذا
وضعت يديها متشابكتين و هي تنظر لها: ألا توافقني الرأي أنه أخاذ.
وضع سبابته تجاهه: تريدينه.
صمتت متجاهلة سؤاله ليقول بعد أن أخرج لسانه: لن أشتريه لك و لو أردت.
حدقت به مقطبة الجبين: أتود إيذائي؟
ابتسم ساخرا: هل تتوقعين مني التفاني و إظهار لطفي بشراء شيء ثمين كهذا؟..
بسط كفه على زجاجة العرض: و أنا.. لا نقود لدي بتاتا في جيبي.
أرخت جفنيها و ارتسمت ملامح طيبة: يكفيك رجلا يحمل عبء أخطائي..ذاك ثمن ثقتي.
ضرب جبينها: تتفلسفين؟..



تجاهلا الشعور بالجوع حتى يحين و قت مقابلة العمل ، و في هذه الأثناء تبادلوا الحديث عنه و هما جالسان فوق أحد مقاعد المتنزه...
كانت تجوب بعينيها نحو ما أمامها : حسنا، أخبرني عن العمل ذاك.
رفع قدمه اليمنى على المقعد: ما أعرفه أنه في مطعم... و يعمل هناك والدك و والدي..
اتجهت بفضول اعتراها: يعملان في مطعم، كيف ذلك؟
" دعينا نحلل الأمر.. كما نعرف، هما تربيا في ميتم.. ربما هما يحتاجان النقود لاستقلال حياتهما ."
"لا أفهم شيئا هاروكي..لم لم يخبرنا والدينها بحياتهما هذه.."
"كسرقة أمك..؟"
" أقصد كل شيء... حتى أني لم أر صورة لجدي من قبل، أو سمعتها تتحدث عنه بالصدفة.."
" بالتفكير في هذا، يبدوا أمرا محيرا نوعا ما .. "
" و هذا العمل نقطة مبهمة أخرى. "
"المهم أننا سنحصل على عمل ندير به حياتنا هنا.. و بذهابنا، ستنتفي نقطة الإبهام هذه"
" و المنزل... كيف سندبر أمره؟"
" دعيني أركز على موضوع العمل الآن، لأنتقل بعدها إلى البحث عن مكان للبقاء فيه"
وقف مادا يده لها: لنذهب لوجهتنا.
أعطته يدها لتنهض واقفة بجانبه: آمل أن يقبلنا مدير المطعم.



مبنى متواضع متوسط المساحة ، اكتفت طاولته بالغطاء الأبيض و المقاعد العادية ببعض الزخرفة في أطرافها الخشبية...
باشرهما شبيه هاروكي، والده ذو الملامح الجافة قليلا...






ابتسم مسهزئا واضعا يده فوق خصره: أوه..من هنا، غريبة الأطوار.
رفع سبابته مشيرا لابنه: و هذا صديقك الأجمل الذي يشبهني.. حقا، حتى أنه لايقف مسقيم الظهر..كحية ملتوية..أجمل مني!
كان غروره باديا عليه ليتذكر هاروكي كلام إيريكا عنه..
(( متبجح..! ))
اصطنع الإبتسامة مادا يده: أنا هاروكي.. سعدت بمعرفتك.
لم يحرك ساكنا : و أنا هيجي..هيجي نوكامي.
كان شعور الغيظ المكتوم لديه طبيعيا لمد يده للاشيئ...
(( أيها المتعالي...))
كانت نظراتهما المتبادلة تفهم كل منهما بما يريدا النطق به ، لكن الواقع ضم صمتا مقيتا فقط...
ظهر من العدم الذي لم يلاحظاه ريو، ظهر رافعا يده من مسافة للترحيب بينهما: أه، مرحبا..
سكنت إيريكا للحظة و هي تنظر لوالدها.. ذاك الذي أشعرها بالإطمئنان و الإستقرار في وجوده..
باتت تحرك ناظرها نحو ريو و صديقه و هي تكرر في نفسها ..
(( هما عمودي الإستقامة و الأمان مهما كانا))
بدأت تأخذ نفسا عميقا و ذهنها يخاطب ذلك الشاب الصبياني..
((..أبي، ليتني أستطيع البوح لك بما أشعر به من ضياع..))
اقترب واقفا قربهما: يبدوا أنكما تعرفتما.
أجابه صديقه ببرود: هذا هو الفتى الذي قلت به إذا،يا للمصادفة..
رمش رمشة لريو: إنه لا يستقبل روح الرجل..يضهر إنزعاجه من أتفه الأمور.
بدأ يضفط على أسنانه قائلا بطرف فمه لإيريكا: هذا الفتى يثير أعصابي بالفعل.. متبجح مغرور.
وضعت يدها لتخفي فمها : لا تنسى أنه والدك.
التفت لهما هيجي: هل تبحثين في وجه التشابه بيني و بين هذا الأهوج.
اعتلى صوت هاروكي بردة فعل: طفح الكيل أيها الفتى المتعالي..
استمر بالإستفزاز: إنفعالي، سمة أحمق.
ازداد احمرار وجهه غضبا: ماذا قلت؟!
صدر صوت مختلف عن من في تلك القاعة: أوي هيجي.. ترحيبك بالفتى كان فضا على مايبدوا..
أدار وجهه لصاحب الصوت: هو قليل الصبر.
انتبه هاروكي و كاورو لصاحب الصوت الغريب عنهما....
فتى في أوائل العشرين أخضر الشعر عسلي العينين...






كان يتقدم لهم و هو يرفع نظارته ناضرا لهم ببعض البلاهة تحت غلاف نضجه..: آسف يافتى، هو ثقيل الدم و جدي للغاية
ابتعد هيجي جالسا ببعض التكبر: و أنت أيها المدير ؟.. هللا أخبرتني أين العاملون الجدد الذين وضفتهم؟
جلس هو الآخر بجانبه ماصرفا بطفولية: أتقصد الفتاتان؟.. طردتهما، عملهما ليس بالمستوى المطلوب.
أهبط ريو رأسه ليتجه نحوه بعدها: أتمزح؟.. لقد خرج من يدي حساب المطرودين يا أخي.. كف عن هذه النظرة الثاقبة و اقبلهم بقناعة...إنك هذا ليس عدلا ..
بدا يوري مندمجا في التفكير: حسنا، شخصيا ألا تعرفان فتاتان قد تفيداننا؟..
وجه خطابه لهيجي:.. ماذا عن صديقتك تلك؟.. التي كنت تتمشى معها قبل مدة.. قد تقبل بالعمل هنا..
اعتدل هيجي بجلسته: لا أعرف أي فتاة.. ابحث بنفسك.
جملته كانت مبينة لتغير مزاج واضح، و تدخل ريو أوضح الأمر: هي.. دعونا نفكر بهذان الإثنان الآن، لقد جعلناهما ينتظران كثيرا.
توتر أخذ مأخذه في عقل هاروكي و كاورو بعد سماعهما هذه المحادثة التي لا تبشر بخير...
نظر لهما الفتى يوري بخبث: هل أتيتما بخصوص العمل؟
بلعت إيريكا ريقها و قالت بتلعثم ..:....ح....ح..سن..ا، أظن.. أجل.
حاول هيجي الإستفزاز ثانية: تظنين أجل؟!
رد عليه هاروكي بحدة: أصمت أنت..
دمج بعض الحدة مع جفافه بصمت يدعوا بها هاروكي للمزيد من الإنفعال...
رفع يوري يده: لا تبدأا مرة أخرى.. لقد انتهت حفلة ترحيبه على كل حال.
انفعل هاروكي أكثر: ترحيبه لم يرق لي .
انقلبت الأجواء بتحول ملامح يوري لشخص جاد و صارم، فبات الصمت دخيلا بين نظراتهم: ألم تأتيا للمقابلة؟
جمد ناظرا لتلك العينين بشرود..
ها قد بدأت مرحلة تثبيت حياتهما بين يدي هذا المدعوا يوري....

يتبع..



.



.


 
 توقيع : ورده المودة

















إخوتي
إني أغضب لأجلكم و منكم
و أحزن لأجلكم و بسببكم
و أبتهج لأفراحكم و تفائلكم

فتحملوا أخوتي هذه
هي كل ما لدي لكم



التعديل الأخير تم بواسطة جلنار | Gulnar ; 03-04-2020 الساعة 10:01 PM

قديم 03-04-2020, 07:28 PM   #7
ورده المودة
في جوار ربها ، اللهم ارحمها واغفر لها وتجاوز عنها


الصورة الرمزية ورده المودة
ورده المودة غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 104
 تاريخ التسجيل :  Apr 2012
 المشاركات : 221 [ + ]
 التقييم :  277
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة


.

















.


6
هي البداية





وقوفهما أمام اللوح كان بدايتهما الحقيقية...
بداية كشف ماخلف هذا الزمان المبهم..
بداية التأقلم مع جيل الأسرار هذا..
بداية البحث عن مفتاح العودة...أقصد، مفتاح التقدم
نحو مستقبل لايعرف مغزى أحداثه سوى لهما...
و تقدمهما نحو المقاعد المشار لها من قبل المعلمة كانت علامة..
«هي البداية»



التموا على العشب قرب شجرة أوراق الكرز الزهرية، حيث كانت هبات الهواء تسقط أوراقها على رؤوسهم....
كانت كاورو مستندة على الشجرة تمسك بخصلاتها المتطايرة: هواء عليل..
أخذت ليندا نفسا بعمق: صدقت، يرد الروح.
منظر كاورو وملامحها التي كانت تعكس هدوءها جر إيريكا لإهباط رأسها فوق كتفها: الجو جميل بالفعل.
التفتت لها كاورو: مابك؟!..
أغمضت عينيها لحظات لتستعيد شعور الإستقرار: لاشيء..
أبعدت كاورو جسدها لتسقط إيريكا المندمجة بعالمها: تتصرفين بتودد يثير اشمئزازي...
وضعت إيريكا كفها مكان الألم...
((يا للحنان!))
لم يتمالك هاروكي ضحكته من هذا الموقف حيث أن هذه الأم لا تعي أمومتها بعد... و هي فتاة بطبع صبياني أيضا....و ابنتها هنا، تطلب حنانها الذي بنفسها لاتعرفه...
ثبتت ليندا نظرتها المعاتبة: و ما المضحك؟
حاول تمالك نفسه: لا تهتمي...
تركهم ناهضا ليتجول في المدرسة قليلا، تلك العادة التي يداولها دوما...
و عندما كان يمضي وقته بهدوء الوحدة الذي يحتاجه الشخص أحياناصادف صبي ذو طبع غريب، جالس بزاوية تحت النوافذ..ممسكا قلما بين أنامله و دفترا فوق رجله..
شعره البني الذي وصلت خصلاته لعينيه لم تخفي لون بؤبؤتيه المماثلة لشعره..




فتى هادئ اتخذ هذا المكان مركزا له للبعد عن الناس لسبب لم يعيه هاروكي حتى الآن..
اقترب منه بروية حتى أنه لم ينتبه لوجوده: أنت..
شده لينتبه لمناديه بصمت...
أعلن هاروكي عن استفساره: لم أنت منعزل هنا؟
"أنا أفكر.."
إجابة مبهمة تزيد التساؤلات: تفكر!
أومأ الفتى بالجلوس قائلا: يبدوا أنك جديد على هذه المدرسة...لا تبدوا مألوفا لي.
ابتسم هاروكي لسماعه هذا: بل أنت الجديد ظاهرا..
جملة هاروكي لم تكن من عبث فهو ما أن انتهت حصته حتى التم حوله الطلاب..منهم من يستهزأ به ذاكرا نومه في زاوية الساحة، و منهم من يظهر دهشته لكثرة شبهه بأبيه...
و قد يجد فتاة معجبة!..
و هذا الفتى لم يلمح لأي منهما، فبالكثير هو آت بداية هذا العام الدراسي...
أجابه الفتى بلكنة تظهر التزاون و الرزانة: أنت محق، أنا انتقلت هذا العام.
جلس بجانبه ينظر للشجيرات التي تقابله مع بعض البنايات: تفضل الوحدة.
" و عن أي وحدة تتحدث؟.. أنا لم أعزل نفسي كما تظن... لكن الإحتكاك بالناس ليس فني، بل جل حديثي منصب في داخلي فلا تفهمه ذوي الألسن كهذا الدفتر الذي في يدي أو كالأشجار التي تشاركني زفيرها و شهيقها..."
تنهد بملل: شاعري للغاية!
ابتسم ابتسامة لطيفة و أخرج كلماته دون تغيير لكنته: أرأيت؟...أنت لا تتقبل أسلوب كلامي أيضا.
تلبك و هو يحرك يديه نفيا محركا شفتيه بسرعة لإزالة سوء الفهم هذا: لا ....أنا لم أقصد.
أردف بأسلوب عادي بعد أن أنزل يديه : كل ماهناك ، أنها كلمات غريبة السياق.. خاصة لفتى.
ضحك الآخر ضحكة خفيفة: لا بأس ..لا بأس، لم أتضايق البته.
عدل هاروكي جلسته لينظر لما حوله بتمعن: في الواقع أنت محق، قد لايفهمك الناس أبدا..و قد تحتاج أن تشرك همومك مع ما ذكرت..أتصور أني في الوقت الحالي أفهمك.
طأطأ الطالب رأسه و كأنه تمنى عدم سماع هذا التأييد منه...
لم يلحظ هاروكي ذلك على ملامحه فمد يده للمصافحة مع ذاك الصبي: تشرفت بمعرفتك، أنا هاروكي نوكامي.
ترك الآخر قلمه الرمادي قبل أن يبادله تلامس اليدين: نيك مونديان.. فصل الثالث «ب».
شعر هاروكي بغرابة هذا التعريف، لكنه فضل مجاراته لألا يتحسس : فصل الثالث «أ».
" جيد، في عمري إذا"
" حقا، لكني أفضل دراسة"
اكتفى ببسمة خفيفة له و كأنه غير مكترث بينما كان هاروكي ينتظر رد فعل صبياني..
و هذا هو لقاء يجمع بين صديقين...
لقاء سينتهي بوقت و شكل يجهله كليهما، و المهم هو النفس التي تبتغي لحظات اللقاء لا الوداع...



تعارف الفتيات لايأخذ أكثر من خمس دقائق.. فخلالها، تسطيع معرفة ماتحبه من طعام و آخر الصيحات و اللون المفضل و الممثل المفضل و الشخصيات المميزة...تلك هي ميزة الفتيات التي تقرب الأرواح....لذا، حديث الفتيات لاينتهي..
و بطيات هذا الحديث تدبر إيريكا للأمور بألفاظ تجهل حقيقتها في أنها موجودة بالفعل هنا أم لا...
في تلك الأثناء اخترق ذاك السؤال أجواء جلستهما المرحة: و من أين أتيت إيريكا؟
صوت كاورو المستفسر لتجيبه إيريكا بسرد القصة مرة أخرى....
احتظنتها ليندا بعد سماعها لهذه القصة المهيجة لأحاسيسها: يا إلهي، قد عانيت الكثير هذه المدة...أتفهم وضعك.
أما كاورو خففت من ظاهرها المتصلب قليلا بوضعها يدها فوق يد إبنتها قائلة: نحن بجانبك منذ الآن.. و إن احتجت لأي شيء لاتخجلي من طلبه منا...
استأنست بوجودهما و أجابت بهمس: شكرا لكما...
رفعت صوتها لجوهر مسموع بوضوح: أظن أني حصلت على أفضل صديقات يمكن الحصول عليهن.
عرضت شفتي كاورو حتى بان سنها: في هذا محقة..لن تحصلي على أفضل منا .
بعد لحظات من تردد لطف هذه اللحظة توجهت ليندا لصديقتها: كاورو... ماذا حصل مع والدك و ديونه؟
تأففت و هي تضرب جبينها براحة يدها ضربتين متواليتين: أبي لا يدرك الوضع بتاتا... بإصرار أبقيه في المنزل.
أكملت بعد أن استقامت جلستها: و الآن بدأ يتاجر بأشياء بسيطة لمحلات تجارية ليجمع نقود دينه..أحد يوصل حقيبة للمنزل و أنا أستلمها ، ثم يخبرني والدي بالعنوان الذي يجب أن أبيع الحقيبة به.
أجابتها ليندا بقلب صادق: أتمنى خلاصكم من هذا المأزق ... بحق، لقد وقعتم بمخمصة صعبة.
وجهت نظرها لصديقتها: آمل أن تنتهي هذه المعاناة قريبا.. لقد أخذوا كل شيء، لم يبق لدينا شيء ليندا... لا طاقة لي بتحمل المزيد.
آذانها تلتقط المعلومات التي لم تسمع عنها طيلة حياتها لتحفزها على معرفة أسرار هذه الحياة بولع شديد...
فما سبب هذا الدين لرجل ذو منزل كالقصر بطلته؟!
و ما المأزق و المعاناة المقصودة...
اكتفت بإنتظار انكشاف الأمور بروية لألا تثير الشكوك..
صوت رنين قطع جلستهم ليعودوا أدراجهم معلنين نهاية وقت الإستراحة...



خطوات العودة للمنزل لم تتغير بطابع الضحك و المرح ، فهو ما يبعد أذهانهم عن مايمرون به مصاعب...
ومن هذه التسلية سخرية هاروكي ..: حقا، كدت أموت من الضحك...تستسقين الأمان من تلك الفتاة..!
ضربة من كوعها جعلته يرفع كفه لخصره المتألم: و من يتسمر كلما رأى فتاة الثانوية ذات الشعر الرمادي، لا أعلم هل شعرت بأمومتها المسقبلية أم أنك أغرمت بها أول نظرة...
ضيق عينيه قليلا: أو تظنين أنني لم ألحظ توترك و حركات أصابعك المثيرة للأعصاب عندما جلست بجانب والدك..
تنبه لما قال :..أقصد ريو.
علت ضحكاتها ليضحك تاليا....
استعاد بعض النشاط بمزحتهما هذه، فهي قد امتزجت بتلك الفكاهة اللتي اعتاد عليها منذ طفولته...
كلاهما لا يجهل سبب هذه التصرفات الغريبة و مغزاها، لذا أردف و هو رافع حقيبته السوداء قال: دعينا نتدرب على عدم الأخطاء الغريبة و التصرف كأصدقاء لهم.
تقدمت مجيبة: بداية بالأسماء.
بدأ يعد بأصابعه: كاورو..ليندا...يوري..هيجي..نيك..و ..ريو..
أثار عجبها اسم غريب: و من هو نيك؟!
التفت لعدم إخبارها بهذا الصديق الجديد...: آه...غريب الأطوار ذاك، هو فتى من الفصل «ب» تعرفت عليه اليوم.
وسعت حدقتيها قليلا: صديق من أول يوم..جيد.
تحول مناط الحديث بلسان هاروكي: لم لا نعرض عليهما العمل معنا.
توقفت عن المشي ضاربة ماتحتها بإمتعاض : مستحييييل.
أثيرت دهشته لهذه المعارضة الشديدة: لم لا ..؟!
بان الإعتراض في كلماتها: أنا أتيت للتفرقة بين والدي ، و أنت تقول لي بأن أكون الشخص الذي يجمع بينهما...هل أنت مغفل؟..ألا تريد العودة لعالمك؟!
رفع حاجبا ليظهر لها عدم قناعته: أنت تحاولين التفرقة..ها..ألم أخبرك أننا سندرس الوضع لنجد حل؟ ....فلو فرقت بينهما لن يكون لك وجود ، أي لو عدت بعد عشرين عاما..لن تكون هناك فتاة تسمى إيريكا...
تركته مع غضبها الذي لم تضمحل علاماته: إذا ، دعنا ننظر للتطورات دون تدخل.
تبعها بصمت و في داخله تأييد لهذا القرار .....





لم تطل وقفتهما أمام الباب ليظهر لهما ذاك الفتى بشعر مبعثر و بجامة نوم متوسطة الزرقة مع ملامح النعاس الكاشفة عن إستيقاضه توا.....
أخفى ملامح خموله بإبتسامة بينما أنامله تتخلخل تلك الخصلات و هو ينظر لهم: هذا أنتما..مرحبا...
قال هاروكي بنظرة استصغار له: قل مرحبا قبل كل شيء...
أنزل يده مبتعدا عن واجهة الشقة: أدخلا.
أجابته كاوروا: لا بأس ريو، كنا نريد فقط أن نعلم عن وقت العمل.
تثائب كعلامة لعدم انتهاء نعاسه: حسنا، إنه بالثالثة... لكن لا تأخذانه على محمل الجد بهذه الفترة... فنحن لم نرتب أموره بعد.
ابتعد هاروكي شاكرا لتتبعه إيريكا: أراك لاحقا.



صرخة إمرأة قطع طريق أولئك الأربعة المتحدون في المسير ....
ردة فعل هيجي التي لم يلحظوها بانت عندما رفع تلك المرأة الساقطة على الأرض: هل تأذيت؟
حركة النفي برأسها لم تكن كفيلة بتصديقه ، خاصة و هو يرى دموعا منسابة فوق وجنتيها.....
وقف أمام ذاك الشاب الذي ملأ عنقه بالسلاسل القصيرة و الطويلة مرتديا قميصا كحلي ذو ياقة عريضة و بنطال أبيض به بعض السلاسل الممتدة على جانبيها بشكل لولبي و شعره المصبوغ بتلك الألوان الغريبة البنفسجي و الأحمر ...
نظراته الصامته بغضب مشع جعلت صديقه يتمتم بين شفتيه: سيوسع ضربا..
أظهر هاروكي بعض ملامح الفخر: إن كان هذا المتبجح كما أعرف، فذاك الرجل حصل على أسوء لحظة في حياته.
أما هيجي فهو بحال لا تجعله يعي ما يجري من تجمع للناس و نظراتهم، فتقدم نحو المعني: لم تحصل على غير إمرأة ضعيفة لتبين مدى قوتك ؟
ضيق عينيه مع ابتسامة ساخرة: من الأفضل أن لا تتدخل فيما لا يعنيك .
حرك رأسه كأنه لم يعي ما سمع: أتدخل؟
خطى الرجل الشاب نحوه خطوتين مشيرا للمرأة المرتمية هناك: هذه زوجتي لذا لي الحق في التعامل معها كما أشاء... فاذهب و أكمل طريقك فقط.
تفل على الأرض تفلة ليوجه عينيه السوداوان لعيني الرجل مباشرة: سيكون لي الفخر بتخليصها من مهرج مثلك.
ضم شفتيه مخفيا إبتسامته : صن لسانك يافتى.
رسم بسمة تستفز كل من يقابلها و هو ضاما يديه في جيبيه: و ماذا ستفعل لو لم أفعل؟ ... ستستعرض بشعرك أم بزيك الغريب هذا....هنا ليس المكان المناسب...
أخرج يمناه مشيرا لما خلف المتحدث معه: أنظر.... بعد خمسون مترا تقريبا، لف على اليسار ثم أول زقاق على اليسار أيضا...
غلظ لهجته ليركز على هدفه: هناك سرك يستقبل خدماتك.
من الطبيعي أن ينفجر الرجل صافعا خد هيجي: وقح!...سوف ترى نتيجة إهانتك هذه.
عرضت شفتي هيجي ببرود غامض: وصلت لما أريد.
لحظة و ذاك الرجل يمسك معدته بكلتا يديه من شدة الألم العارض علبه: سحقا لك.
اعتدل بوقفته بعد ثوان ليبدأ العراك.......
" يستحق ما سيواجه"
جملة ختمت بها إيريكا هدوء الشارع.....



رجل في حدود أواسط الثلاثين واقف يجول في الغرفة حول المتعاركين بينما جلست إيريكا مع الإمرأة الشاحبة تهدئها....
نطق بصوته الجهوري الصارم و قد أشرك الغلظة في كلماته: و أنت... تضرب زوجتك في الشارع و تتوقع أن كل الناس حمير مثلك.
نظرته الحاقدة مبينة لما في خلده لكن لسانه لم يكن له الجرأة على معاتبة رئيس مركز الشرطة...
كان هيجي جريئا حين أكمل القصة بلسانه: و هو من اعتدى علي بالضرب عندما اعترضت فعلته ....
حول الشرطي بؤبؤتيه الرمادية نحوه: و كيف لي أن أصدق أنك لم تكن البادئ ؟
حرك اصبعه نحو الباب : شاهدان و هذه الفتاة التي هنا.
حصل كل شيء مخطط له و وقع الرجل على التعهدات بعدم الإعتداء على زوجته.. و مع ذلك، عوقب بالسجن لأسبوع كتأديب..
نظرات مهزوزة و يدين مرتعشة مع أن البسمة على شفتاها الوردية مرسومة غبطة بما وصل له الأمر...
أنزل الشرطي رأسه نحوها: لا تقلقي...كل شيء سيكون على مايرام، لن يستطيع إيذائك ثانية.
كلماتها التي تكاد تكون متقطعة بينت سبب هذه المشكلة: لق..د ... طردت .....من العمل، لذا...هو..غا...ضب...راتب...ي يريده....
عضت إيريكا على شفتيها: ياله من جشع....
أمسكت بيدي إيريكا منطلقة بلسانها: لديه سبب...ابننا سايكوا مريض، و يحتاج لعملية...راتب عمله لايكفي.
انقلبت الموازين النفسية بسماع ما لم يتوقع...
ذاك الرجل غاضب لمشاعره الأبوية...
نهض الشرطي متحنحنا: و مع هذا...ضرب زوجته و تصرفه الغير لائق يستدعي بعض التأديب.
أهبطت رأسها لتكون خصلاتها غطاء لملامحها: هو يغضب...يضرب... يهين أيضا، لكنه زوجي و لا أستطيع تغيير هذا ... هو عمود استقراري و أب طفلي و هذا يكفيني لتحمله...

سلبت نظرات استحسانهم مع الإعجاب لكونها إمرأة عرفت أسمى ما يمكن أن تملكه إمرأة... الصبر و التضحية... و في حياة كل أم لها بصمة......
ربت الظابط على كتف البطل هيجي: أجدت دورك هيجي... تطبيق جيد.
ضرب برجله على الأرض و يده ة بجانب رأسه: واجبي سيدي.
أبدى رضاه بتصرف هيجي: و تتمرن على الإنظباط أيضا.
أظهر بسمة لا تكاد ترى : نتيجة درسك سيد سايكوا.
اعترض الواقف قريبا منذ أن دخل لإبداء شهادته: أستاذ...قليلا من التقدير لي.
غمز له غمزة مرحة: غدا تطبيقك أنت.
كان شخصا مألوفا لإبني هذين الشرطيين، فهما يريانه منذ الطفولة...لكن أن يكون هو أستاذهما لهو شيء جديد...
خرجوا بصمت متحدثين عن طريقة تطفئ غضب يوري المؤكد من هذا التأخير...
تأخير من جميع العاملين...



حركة في ذلك المطبخ الصغير و رائحة طيبة تفوح واصلة حاسة شمهم: يبدوا أنها أتت مرة أخرى..
هذا ماقاله ريو قاطعا سلسلة استلطاف إيريكا لهذه الرائحة الزكية....
دخلوا لحيث المصدر ليروا شابة شديدة الجمال ، وضعت مريلة الطبخ البيضاء .... شعرها الأسود منسدل لنهاية ظهرها و بؤبؤتيها اللامعتان سوادا أكحلت عينها بجمال و الحنيه مع بعض المرح الظاهر في طبعها...
أدارت جسدها لتظهر ملامحها الأنثوية أمامهم....




اقترب ريو منها لينزع عنها المريلة: لم أنت هنا ميواكو؟!....ألم يخبرك الطبيب بالراحة...
ظهر صوتها الهادئ و هي تجيبه: دعوني أتحرك قليلا، مللت الجلوس في المنزل دون حركة.
قال بلكنة احتجاج: تنوين إيقاعنا مع يوري في المشاكل.
استفسر هاروكي عنها: من هذه ؟..ظننت أننا الوحيدون هنا.
أجاب هيجي مشيرا لها: ميواكوا، زوجة يوري... إنها كأخت لي و ليوري.
أرادت إيريكا التوضيح لماتبادر لها: أتقصد إنهما....
صمتت قبل أن تتم جملتها ، و فهم هاروكي مغزى مسكها لسانها ..
(( تسائلت عن أساميهما المألوفة في نفسي...إذا، هما عمي و زوجته اللذان يعيشان بأمركا ...))
نظرت إيريكا لمن كان ريو يتحدث عنها كثيرا....
تلك التي عاشت معهما في الميتم منذ نعومة أظفارهما...
كما وصف والدها، هادئة و حنونة و مرحة و يبدوا عليها النضج و التفهم...
هذه هي المفاجآت التي تتوالى بإسعادهم و بإثارة مزيد من التساؤلات لهذه المجهولات التي لا يعلموا منها شيئا....
لاحظت ميواكوا الواقفين هناك فغطت فمها بأناملها البيضاء الضعيفة لتسمعهم ضحكة خيفية: هل وجدت أخاك التوأم هيجي؟
ظهر الإنزعاج فورا عليهما ليجيبها: توقفي ميواكوا.. يكفي ما خططه زوجك الأحمق ذاك....
اقتربت منه و ضربت جبينه بخفة: ألا ترى أنك تتحدث عن من أكبر منك بفضاضة؟
أجابها بغيظ انتابه: ميواكوا، أنا لست الطفل الذي ترعينه.
لوحت بيدها نحو إيريكا و هاروكي: أهلا بكما...
أحنت رأسها نحوهما: وافدين أم مطرودين؟
ظهر صوت الوافد ذو الشعر الأخضر: غدا لو حصل تأخير ساعة و نصف سيكونون مطرودين جميعا.
اقترب ريو واضعا كوعه الأيسر فوق كتف يوري و محركا يده الأخرى بحركات توضيح مرحة: لا تعلم يوري ماصادفنا و نحن بطريقنا....رجل يضرب زوجته حتى رماها أرضا وسط الشارع...
رفع يوري يده : و ظهرت بطولتكم بإنقاذها...
وجه نظرة جدية لهم: يجب أن تتركوا روح الإنسانية هذا وقت عملي... لا أن تأتيا لي آخر وقت العمل بعد أن تنقذا إمرأة أو أن تقبضا على لص و قاتل... أتركا هذا للشرطة.
أجاب هيجي جالسا بكرسي حديدي رمادي هناك: على كل لا عمل مهم غير أن نبحث بترتيبات هذين الجديدين اليوم.
نظر تجاهه ليلتفت لزوجته : أنتي؟...ألا تستسلمين .
أخرجت لسانها بطفولية: و لن أفعل حبيبي.
تنهد بيأس منها: و ما هذه الحبيبي هنا؟! ... إنها تغضبني فقط .. تستخدمينها لكي أتوقف عن المعاتبة..
أخذت تقترب منه بإمتعاض: صدقني يجب أن تجرب عدم الحركة لأسبوع كي أفهم ما أعني.. أشعر بالخمول و التعب من كثرة الجلوس.
أشار لوجهها: بل هي أعراض الحمل عزيزتي... و عليه، يجب أن تتوقفي عن العمل بتاتا.
أيده هيجي: أصغ لزوجك و عودي للمنزل... سوف أزورك الليلة لقضاء بعض الوقت.
أظهرت المعارضة بملامحها لحظات ثم نزعت تلك المريلة : حسنا حسنا، فهمت...أنتظركما الليلة..
اقتربت من تلك الواقفة للمجريات: و أنت و رفيقك أيضا.
أجابت ببعض التلعثم:... لا.. لن أزعجكم في هذا الإجتماع العائلي.
رفع ريو وجهه ناحيتها: لا تهتمي..هي دعتك بنفسهت، فلا تردي دعوتها.
أيد هاروكي: لا بأس، أنا سوف آتي .
"لأنك قطعة صمغ"
جملة معروف صاحبها ليغيظ هاروكي: قطعة الصمغ هذه ستلوث ملابسك..من الأفضل أن تبتعد عنها.
" تطردني من منزل أختي..."
و استمر الشجار بينهما بينما اقترب ريو من إيريكا : دعيني أعلمك قواعد الطبخ الأساسية حالما ينتهيان.
إهانة لا شعورية صعقتها : ريو..
جر يدها ذاهبا لمقصده أمام الطاولة : لا أعذار..يكفيك أنك ستتعلمين الطبخ من ريو العبقري.
جرت يدها: أنا سأتعلم الطبخ بنفسي.
ضرب جبينها: صمتا...استمعي لما سأقول...
قاطعته بإحتجاج: لم أنت مصر ، قلت لا أريدك أن تعلمني.
أظهر أسناناته اللامعة : هل تظنين أنك ستقعين بحبي؟...لا بأس لدي، فأنا لا أملك فتاة حتى الآن...
قرب وجهه منها: و لايمكنني أن أعترض على فتاة جميلة مثلك....
كان هاروكي قد توقف عن مشاداته مع هيجي ناظرا نحو إيريكا و أبيها....: هل هذا الفتى معجب بإيريكا؟!
دفعته إيريكا ساخرة: و من البلهاء التي ستقع بحبك؟..يا إلهي...
اعتلت ضحكاته و غمز غمزة مرحة لهاروكي: أمزح يافتى...تقبل المزاح السليم.
أقبض كفه:قلتها للسلامة.
باتت تحرك عينيها بضجر: أنتم حقا تحبون الإزعاج.
أجابها هاروكي: لا يجب أن يغيب البطل في الفلم الدرامي... أليس كذلك؟
وضع يوري يده فوق كتف هاروكي: فلم درامي !... تكذب جيدا.
مد سبابته نحو ريو: لست كتلميذ لهذا الواقف أمامك.



جنى الليل الدامس الذي تنيره أضواء نجوم يتوسطها ذاك الهلال الساطع ....
كانت سماء صافية لا تشوبها أية غيوم ، و تلك الليلة كانت تنتظر معاني السعادة بجمعة بسيطة لبعض الأصدقاء اللذين قرروا الإجتماع تحت سقف مدير عملهم يوري...
مشاعر قرابة التفت حول قلب الجميع دون أن يدرك مايعني هذا الشعور...
و بين جدران غرفة متواضعة كانت تلك الفتاة ذات الشعر الأشعر الذي يصل لما تحت كتفيها و العينان الأرجوانتيان ممتدة فوق سريرها تفكر بالمجريات...
أخذتها غشوة راحة أوقفت تحركها....



جلست لتنهض من غرفتها متجهة لتلك الغرفة التي ضمت أسوء ذكرياتها...
أسوء لحظة بصفعة والدها فوق وجنة أمها...صرخات أمها المتوالية و كأنها تمقت زوجها....
عدم راحتها... عدم استقرارها....
توقفت لدى الباب تستمع لصوت أمها المتحدثة عبر هاتفها المحمول: أعلم....هي نائمة منذ أتت... سأخبرها غدا...
وضعت يدها نحو بطنها ة:..أتظن أنها ستفرح بالخبر...
أهبطت رأسها متمة:... أن يدخل لعائلتنا عضو جديد....
ركزت فترة سمعها على من يحدثها لتجيب:.... عن ذلك، لا تهتم...فأنا أحاول تفهم الوضع بعد إظهار ذاك الملمح البطولي الغبي....
ضحكت ضحكة خفيفة لتعود ملامح تفهم عليها: يجب أن تخبرني عن هذه المهمة التي تهلك الأعصاب بعدما تنتهي.... حسنا، انتبه لنفسك ريو.
أرادت الإقتراب لكنها رأت نفسها قد فتحت جفنيها على السرير الذي ضم حيرتها...
وضعت يدها فوق رأسها قبل أن تجلس: ما ذلك الذي ترائى لي توا؟!...
تفكيرها ذهب يجول نحو هذا الشيء..
(( هل ما رأيته كان في زمننا؟...هل هو حلم فقط؟.... هل تلك علامة عودتي ؟...))
نهضت لتترك الأفكار خلفها مؤقتا و تأخذ حماما ساخنا ترتدي بعده قميصها الأرجواني مع البنطال الأسود تهيئا لأول دعوة تتلاقاها و اتجهت نحو المكان الذي علا به ضجيج الفتيان الثلاثة...



ترفع قدما و تضع أخرى بمرح التم بخطواتها... تستدير و تري هاروكي مالفتها أو شد انتباهها من ملابس أو أحذية أو مجمعات تجارية ضخمة...
و تحت ظل الأجواء التي رسمت ملامح الراحة على وجهها، ظهر آخر شيء تتمناه.....
هاقد انتبه ريو لتلك الفتاة ذات الشعر الأشقر المنسدل لتضيق عينيه بجدية: هيجي... تلك هي التي سرقت محفظتي...
علا صوتها منادية لها: ريو... تعال و انظر، بهذا القميص أجمل لون تستطيع اختياره.
لكن آذانه لم تكن صاغية و أفكاره لم تكن واعية، خطواته هي القائدة التي توجهه نحو ما يعلم سر أقداره، و تظن إيريكا أنها تعلم دون أن تفكر بتلك النقاط المجهولة التي واجهتها....
أدار جسدها و قال بجوهرية: أنت... كيف لك أن تسرقي محفظتي؟
أجابته بعينين باردتين: أنا...!





سظ،- ما الذي تتاجر به كاورو؟
سظ¢- هل هناك سبب لجلوس نيك لوحده أم أنها رغبة شخصية؟
سظ£- هل ما رأته إيريكا حلم أم لحظة من زمنها؟
سظ¤- هل ستسطيع كاوروا الإفلات من هاروكي للوقت الراهن؟
سظ¥- أجمل مقطع؟
سظ¦- إنتقادات؟..

قراءة مُمتعة ،،



.



.


 
 توقيع : ورده المودة

















إخوتي
إني أغضب لأجلكم و منكم
و أحزن لأجلكم و بسببكم
و أبتهج لأفراحكم و تفائلكم

فتحملوا أخوتي هذه
هي كل ما لدي لكم



التعديل الأخير تم بواسطة جلنار | Gulnar ; 03-04-2020 الساعة 10:04 PM

قديم 03-04-2020, 07:29 PM   #8
ورده المودة
في جوار ربها ، اللهم ارحمها واغفر لها وتجاوز عنها


الصورة الرمزية ورده المودة
ورده المودة غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 104
 تاريخ التسجيل :  Apr 2012
 المشاركات : 221 [ + ]
 التقييم :  277
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة


.

















.



- 7 -
لعبة القدر أم متاهة القدر؟!

هاقد انتبه ريو لتلك الفتاة ذات الشعر الأشقر المنسدل لتضيق عينيه بجدية: هيجي... تلك هي التي سرقت محفظتي...
علا صوتها منادية لها: ريو... تعال و انظر، بهذا القميص أجمل لون تستطيع اختياره.
لكن آذانه لم تكن صاغية و أفكاره لم تكن واعية، خطواته هي القائدة التي توجهه نحو ما يعلم سر أقداره، و تظن إيريكا أنها تعلم دون أن تفكر بتلك النقاط المجهولة التي واجهتها....
أدار جسدها و قال بجوهرية: أنت... كيف لك أن تسرقي محفظتي؟
أجابته بعينين باردتين: أنا...!
هزها بإنفعال مع ردها البارد الذي تلقاه: و من أعني إذا؟!
أحنت حاجباها قليلا: هل من المألوف أن تبحث عن سارق محفظتك في الشوارع؟!...أم أنك لاتدل مركز الشرطة؟
أحكم قبضته عليها ليبدأ بجرها: أظن أنك تحتاجين بعض الأدب...سأوصلك للمخفر بنفسي..
حاولت إيريكا التدخل: ريو.. هذا ليس وقته، تنتظرنا ميواكو...
بدأ ريو بالتحرك بينما تخفق تلك الفتاة في إبعاد نفسها عنه: اسبقوني..فلدي عمل مع هذه الوقحة هنا.
أغاظ كاوروا ماسمعت: من تقصد بالوقحة ياهذا!... ألا ترى أنك من ألصقت تهمة السرقة بي ، تطلب مني عدم الدفاع عن نفسي!..
تحاشى هيجي ما يرى و ذهب مكملا مسيره: أراك بعد قليل.
تبعه هاروكي تاركا الساحة للاعبيها .....
نظرات كاوروا بدت تحدق بإيريكا بغضب و استغراب، لم هي صامتة... لم تتركها في هذا الموقف مع هذا الفتى التي لاتذكره... قد يكون صادقا لكن لم لا تدافع عنها التي ادعت الصداقة في صباح هذا اليوم...!!
اضطربت في داخلها ... فبؤبؤتين تحدقان بها مذ أمسكت كفها بقوة من قبل ذاك الفتى و كأنها تعلن تكهرب الوضع الذي شعرت بحلاوته توا ...و ماض و زمن آخر يتوقفان على قرارتها المترددة...
أخذتها ذاكرتها لقرار اتخذته مع صديقها...
قرار عدم التدخل لتعي سبب ذهاب هاروكي مع هيجي...
أخذت نفسا طويلا قبل أن تتدارك الأمر و تتقدم نحو ريو: ريو.. أنت خاطئ بلا شك، هي صديقتي.
توقف بذهول ظهر عليه: صديقة.
ابتسمت كاوروا لتجر يدها التي آلمتهت و ابتسمت بإنتصار: لسوء حظك.. أن تعرفني مرافقتك.
حدق بها دون مبالاة: صديقتك منذ اليوم.. حقا، لقد تمت سرقتي منذ ثلاثة أيام مضت.
شعرت كاوروا أن أملها من الخلاص من هذا الفتى الذي حلل كل شيئ قد اضمحل، و أن فرارها أمام صديقتها فضيحة تهرب منها طبعا...إذا، ما المفر؟.... و ما الخيار المنقذ لها حاليا؟...
لم تطل التفكير.... ففكرة الخلاص من المأزق كانت سهلة، حيث مدت يدها نحو الحقيبة البرتقالية التي التفت حول رقبتها حتى وصلت للخصر، و أخرجت بعض النقود من جيبها الجانبي: خذ، هذا عوض ما تدعي سرقتي له.
ملامح ريو البريئة في غضبها بدت تطغى عليها ملامح جدية و صرامة ألفتها إيريكا فورا... تلك الصرامة و الجدية الممتزجة قبل كل خروج لمهمة، و عند رؤية كل ظلامة...
كانت ملامح نفاذ الصبر....من فتاة أظهرت الجرأة دون الإعتذار... و اختارت سبيل خلاصها دون الخجل أو الفرار....
أخذ النقود و رماها فوق رأسها متناثرة تحت قدميها لتكون هي و من بجانبها في صدمة: هذه الأوراق مهمة لك و ليس لي، لكن فكري بمن تسرقي قوته قبل أن تقدمي على ذلك، فليس كل شخص يستطيع التخلي عنها..
ضيق عينيه لشدها لسماعه: ..مثلك تماما، أناس لهم أعذارهم.
كانت متيبسة..لتلك الكلمات، و تلك النظرات، و تلك اللحظات التي أرتها الذل فجأة...
أحكمت قبضة يدها و فتحت فمها لترد بجرأة لألا تخسر....
لكن و قبل ذلك، قد باشرها بإشارة من سبابته لإيريكا: دعينا نذهب.
تحركت متجهة نحوة مودعة صديقتها، تلك الأم التي بدت تظهر مكنونات حياتها : أراك غدا.
لم تتلق ردا ، فكل ما استطاعت فعله تلك الفتاة...الجلوس مكانها و جمع تلك النقود التي ارتسمت بكل ورقة منها طعنة في القلب الآن...
خطوات لتبدأ محادثة غريبة بين أب و ابنته، صديق و صديقته، جار و جارته، أم احساس يقرب الأخوة لقوته...
كان يمشي بخطوات ثابتة حيث مبتغى سبيله إلا أنه أخرج ما يشغل تفكيره: هل كنت فظا؟
ارتخت عينيها بعالم من الفرح المخبوء: بل كنت عادلا.
هذا ما كانت تعيده في ذاكرتها و تستقرأه في ذهنها..
(( إذا، أول سمة رأتها أمي هي عدالة ريو...أقصد، أبي..أجل، أبي الذي أفخر به..))
حاولت التدقيق بملامحه التي لاتعبر عن شيء سوى الصبيانية البريئة...
(( لكن إن كان الأفضل أن لا يتزوجا... فلا أعلم من سيكون..))



فتح يوري الباب ليدخل ريو بشرود و تتبعه إيريكا: مرحبا.
أجابها بلسانه و عيناه تتبع ريو المتوجه نحو المطبخ بصمت: مرحبا.
وجه سؤاله لها: مابه؟!
أغلقت الباب خلفها: ألم يخبرك هيجي و هاروكي؟
" بم ؟... "
" لقد أمسك فتاة يقول بأنها سرقت محفظته... يشعر و كأنه كان فضا معها...هذا كل شيء"
" هكذا إذا..."
تبعت يوري بخطواته الواثقة، دون أي تصور عن المكان الذي ستجلس به معهم....
رؤيتها لتلك الألوان البنفسجية و الفيروزية ، شرحت نفسها المكبوتة و رسمت على ملامحها استرخاء راحة...
ألوان من النادر أن تدمج لديكور منزل.....
واضح أن لا مشاكل مادية لدى يوري، فهذا المنزل الضخم و مطعم يكاد يفتتح دليلان على غنى صاحبهما...
اقتربت جالسة بجانب هاروكي بعد ترحيب حار من قبل ميواكوا التي أخجلتها لأريحيتها معها، تلك الأريحية التي ترسم تصور أمومتها في أذهانهم جميعا....
حساء لحم و كريات أرز بينتوا مع أطباق السلطة الموزعة متوسطة بطبق الدجاج المقلي قد زينت السفرة...
كلها أطباق من صنع يد ريو ، و لعدم المبالغة بمهارته... للمسات ميواكوا المتدخلة أثر جوهري في تلك المائدة...
اتجه الجميع نحو تلك الطاولة بعد مناداة ريو و اتخذ كل منهم مقعده...
ريو توسط هيجي و هاروكي و ميواكوا جاورت زوجها يوري و بيسراها إيريكا...
اندمجوا في الأكل و الثناء على صاحب الموهبة الذي جمعهم حتى توقفت ميواكوا فجأة لتشد أنظارهم...
ترك يوري الملعقة التي بيده و أمسكها: مابك ميواكوا؟... هل تتألمين؟
حاولت تدارك نفسها برسم بسمة تنزع منه حالة الهلع: لا تخف... فاجأني تحركه فقط.
بدأ هيجي يتم طبقه بعدما اطمأن: حرك كوالده.
ريو ساخرا: و سخيف يقطع مائدتنا...يحتاج لتأديب منذ الآن.
رمقته ميواكو بنظرة: ابني سيؤدب ابنك.
نظر هيجي لصديقه: و هل لنسل هذا الرجل أدب؟
قالت إيريكا مقاطعه: أفضل من نسلك على كل حال.
ضيق هاروكي عينيه : ماذا قلت؟
أخرجت لسانها نحوه: هل ستدافع عنه؟
بلع ريقه و بدأ يأكل: و ما شأني بهذا الممقوت؟
اعتلت ضحكات ميواكو و يوري لهذه المحادثة الغريبة ليعلوا صوت مجاراة الباقين....
كانت تلك أول جلسة اجتماع عائلية لمت هذه الضحكات المريحة للنفس...
بعد دقائق حين سكت الجميع، وجهت إيريكا سؤالا لمن بجانبها: ميواكو، كم بقي على ولادتك؟
بسطت يدها فوق بطنها و هي تنظر له بحالمية: أنا في الشهر الخامس الآن.
بدأ ريو يشير لميواكوا و زوجها: مازلت أفكر أنني في حلم عند النظر لكما، لم أتخيل أن يوري الطفولي سينجح بإقناع عائلته بهذا الزواج...
أبدى هيجي بعض الإنزعاج في كلماته الباردة: هل تستمتع بالتحدث عن الأسرار العائلية ..
قال يوري بمرح: لا ضير... من الجيد أن يعرف الناس معاناتي للحصول عليها... كاد يشيب رأسي.
وضع ريو يده تحت ذقنه: كدت تجن و أنت تتحدث مع ميواكوا في النوم ...
بدأ يمثل على يوري بحركات متصنعة: ميواكو...لن أتركك.
تكتف يوري مجيبا: و ما أدراك عن صنيع القلب... لم أكن أستطيع تجاهل غاليتي.
شعرت ميواكوا ببعض الإحراج و هذا ما بينته حمرة وجنتيها: توقف يوري..أنت تحرجني.
نهضت من مكانها : سأذهب لترتيب المطبخ.
نهضت إيريكا تابعة لها: سأساعدك.
عندها تبسم يوري ابتسامة غامضة: لنبدأ اللعب إذا..
نطق هيجي بجملته مبتسما: يا للسخف.
تبعت هذه الجملتان ترقب هاروكي لما يقصدونه، كأن ما حدث كان لطرد الفتاتان المتجهتان نحو عمل المطبخ. ....
بدأا بتجميع الأطباق و الظروف الوسخة ثم وقفا بتواز لبدء الغسيل...
فرشاة الغسيل بيد ميواكوا و أنبوب المياه بيد إيريكا...
" يبدوا يوري مغرما بك.. "
"أعرف، معاناته لهذا الزواج كفيلة بإفهامي.... وقف أمام عائلته العريقة ليأخذ فتاة تربت بميتم... أنا أخشى أن لا أكون مستحقة لما فعله"
" و هل أحببته منذ البداية؟"
تلونت وجنتيها..
" لا أعرف... ما أعرفه أنه كان مميزا... و الآن على غفلة، دارت الأيام ليكون زوجي...و ماذا عنك؟.."
"ماذا؟... "
" من هاروكي لك؟..."
حركت يدها اليمنى نفيا: ليس كما تتوقعين... إننا تربينا مع بعض منذ الطفولة... و كونه معنا أغلب الوقت جعله جزئا من عائلتنا.
حدقت بإيريكا مبتسمة: حقا؟... يبدوا و كأنه يميزك أيضا...
أنزلت عينيها لتختفي خلف خصلاتها: كل ما هناك، أنني أشعر بالأمان بجانبه... هو سند لي في أوقات الشدة التي أواجهها.
أسعتها ضخكة خفيفة تحاول إخفاءها: آسفة..لم أقصد السخرية.. لكن...
قالت بفضول: لكن ماذا؟
أوقفت ضحكتها: هذه كانت نظرتي ليوري...سند.
و صرخة مرح وصلت لمسمعهما: ربحت..
أدارت إيريكا جسدها نحو الباب: ما بهم؟!
فهمت ميواكوا ما يجري فورا فبلت يديها خارجة: بدأوا بالفوضى مرة أخرى... كل مرة يجتمعون لدي هذه المعاناة...
"معاناة!"
غمزت لها غمزة قبل خروجها لهم: بليستيشن... هوايتهم المفضلة... الرجال دوما أطفال يحتاجون رعاية...



صباح يوم حار آخر...
حين التقت كفي هاروكي و نيك ة في الهواء: صباح الخير.
أجابه : صباح الخير...
انتبه نيك لتلك الفتاة المجاورة لهاروكي: صديقتك؟
نظر لها موضحا: أجل، منذ الطفولة ... والدينا كالأخوة.
" لابد أنك نيك"
صوتها الذي ورد على مسامعه ليجيب: نعم... هل أخبرك هاروكي عني؟
أهم.. أنا إيريكا.""
يد التفت فوق رقبتها بصوت طفولي لطيف: مرحبا إيريكا..
أغمضت عينيها قبل أن تدير جسدها بسرعة و مرح: أهلا ليندا...
نظرت ليندا للشابين مسلمة: مرحبا نيك، مرحبا هاروكي... يبدوا أنكما تعرفتما على بعضكما.
نيك و هو يشير لهاروكي: بالأمس تحادثنا قليلا.
ابتسم هاروكي : الأمس كان أول يوم لي في المدرسة.
نيك: حقا!
جرت ليندا يدها مبتعدة عن الشبان هناك: سآخذ صديقتي.
تبعهما هاروكي بنظراته التي أخفت بين طياتها بعض الضيق.... ضيق لعدم نظر ليندا له، و تصرفها الذي يبدوا فرارا منه أكثر من أي شيء...
دخلا الفصل و اتجها نحو مقعد ليندا لتجلس و تأخذ نفسا براحة و كأنها كتمت أنفاسها في صدرها لتختنق فترة...
نظرة إيريكا التي غيبت بعض الأمور انتبهت لها: هل من خطب ؟
حركت رأسها نفيا بعدما ارتسمت الإبتسامة: لا شيئ.. لا تكترثي.
بسطت كفها فوق كتفها مع ابتسامة لطيفة: تستطيعين الحديث مع لو شئت.
اكتفت بنظرة الإمتنان بصمت.......
كانت تتجه نحو مقعدها حين سمعت ذلك الإرتطام لتوجه جسدها نحوه بصدمة......
نظرت ليندا بملل : كاورو ...
نهضت متجهة نحو ليندا جالسة بمقعدها المجاور لها: جيد، قبل أن يدخل المعلم.
نظرات إيريكا كانت ثابتة عليها.... على العينان الحمراوان و الهالات السوداء حولها....واضح أنها لم تنم البارحة....
((يبدوا أنها شعرت بتأنيب الضمير بسماع ريو...))
أما كاورو فقد شعرت بنظرات تراقبها و علمت مصدر هذا الشعور ، لكنها لم تأبه...و حتى لو أرادت التحدث معها لما كان ممكنا... فذي الطلاب اجمعت و الجرس قد دق لدخول المعلم.......



فتحت صناديق الغدا لترسم إيريكا الإعجاب في ردة فعلها: رائع...
مدت ليندا صندوقها: خذي ما يعجبك.
سألت بحماس: هل أنت من طبخت هذا؟
بدأت تأكل: بالنسبة لي، لا أمي من طبخته.... لكن بالنسبة لكاورو...
نظرت لصندوق كاورو الذي بدا و كأنه يشع أمامها: وااااو..
كانت كاورو تأكل بهدوء ملاحظة ولع إيريكا لكنها استمرت بتجاهلها لتلاحظها و تقول: هل أنت غاضبة مني؟
برود كلماتها تكفلت ببيان الجواب: و ماذا تضنين؟
حاولت تبرير موقفها: لكني وضحت له أنه مخطأ.
أشاحت بعينيها غير مكترثة لما سمعت: بعدما لاحظت نظراتي الغاضبة..... أنسيتي أنك كنت تودين إبعاده فقط؟...حتى أنك لم تدافعي عني قبل أن تري نفسك مضطرة ، لقد بانت حقيقتك بالنسبة لي.... لا أتشرف بصداقتك.
نقاش تنظر له ليندا و أسئلة عديدة تتداولها بترتب و مع سماع كل جملة : لحظة...لحظة، ما الذي يجري هنا؟.... لم كل هذا الغضب كاورو.
أشارت بسبابتها لإيريكا : بالبارحة أمسكني صديق لهذه الفتاة متهما إياي بالسرقة، و هي فقط حاولت إبعاده دون أن تنفي تهمته عني...
كانت تحاول أن تكتم مدى انزعاجها فكل مافعلته ترك أفكارها تنساب في ذهنها...
(( ماذا دهى هذه الفتاة...و كأنها صدقت براءتها بنفسها..؟!..... بودي لو أعاركها الآن...و الأدهى و أمر شعوره بالذنب تجاهها...أف......))
أما ليندا حاولت أن تفهم مايدور حولها علها تصلح أول مشكلة حلت في صداقتهم.....




كان يمشي و يركل ما تصل إليه قدماه.....
حركة أفهمت مجاريه في السير بأنه مشتت الذهن: هل تفكر بتلك الفتاة؟
توقف متنهدا: أظن أني قسوت عليها البارحة...هي حاولت إعادة نقودي لكني...
لم يتم كلماته بل أفهم صديقه بأن بالباقي سبب تأنيب ضميره له...
هيجي و هو يكتب بعض السطور في مفكرته الصغيرة: حسنا، على هذا المنوال... لا بحث اليوم.
وضع يديه في جيبي بنطاله: و كأننا نحصل على شيء بهذا التحقيق البدائي.
أغلق هيجي مفكرته: لا فائدة منك بهذه الأعصاب التالفة... مادمت لا تستطيع تحمل ما تقول... لا تخرجه من لسانك... لا تناسب أن تكون بطلا.
نظر لصديقه نظرة سخرية مما به: و من السخيف أن تلك الفتاة صادقتها إيريكا صباح الأمس.
رفع هيجي سواد بؤبؤتيه: حسنا، ريو.. ما رأيك لو...؟!



أما نيك و من بدأ بمعاشرته فقد جلسا بالمكان الذي جمعهما بالأمس....
و بدأ هاروكي محادثة اليوم: تعرف ليندا؟
" معرفة سطحية، أصبحوا جيراننا في الآونة الأخيرة..."
" أها... "
أخرج نيك قلمه و بدأ بالتحديق ...
توجه هاروكي له ببعض من الغيظ: هل من اللطيف ترك محادثتي لتكتب بدفترك؟!
أغمض عينيه بلطف: هذا الدفتر يحوي كل ما لا أستطيع قوله.
استند على الحائط خلفه: يبدوا أنني سآخذ دفترا لنفسي بهذا الوضع الذي أنا به.
" و ما الوضع الذي تقصده؟...."
سؤال جعل شعره يقشعر لحظة لتوتر: ألم تقل أننا نكتب ما لا نستطيع قوله ؟!
رفع كفه ليفرك شعره: آسف ، جرني الفضول للسؤال.
رفع بصره نحو الشجرة التي أمامه: لا بأس.. أستطيع القول لك أنني كشجرة دون جذور.
أغلق دفتره واضعا إياه بجانبه: دون جذور... و هل هناك شجرة كهذه؟... تبدوا كشجرة سحرية .
ضربة أخرى شعر بها بهذا التقريب : هذا ما أشعر به لا غير.
وضع يده فوق كتف مجاوره لينهض: قد لا ترى الجذور، لكن الأشجار ذات أغصان متفرعة كثيرة ظاهرة.
" تفكر في المستقبل البعيد يارجل... مذا عنك، ألا تستطيع تقريب ما تكتب..."
ابتسامة و بريق حزن صامت جراه لقول كلماته المبهمة: أنا شجرة خريفية... تتساقط أوراقها فقط .
" لم أفهم.. لا يهم، أوراق الأشجار تعاود النمو..."




تمت حصة الفيزياء التي تميزها ليندا بعكس من حولها ...
فقد كانت تلك الساعة أطول مافي اليوم من دقائق...
خرجت الفتيات مع هاروكي في الجانب متحدثا لصديقته: هيا إيريكا.
أومأت بالإيجاب و رفعت يدها نحو صديقتيها: أراكما غدا.
خطوات أعلنت إبتعادهما....
أظهر كل منهما التعابير التي كانا يخفيانها طيلة الصباح...
هاروكي مظهر عدم تقبله لوضع ليندا معه: مابها تلك الفتاة؟...أنا أسيطر على نفسي بقوة لألا أخرج المكبوت في صدري تجاهها و هي تتجاهل حتى النظر ناحيتي.
إيريكا بغضب مما واجهته: حقا، تعاتبني على خطأ اقترفته أيضا... أوف، يا لهذا الوضع المتعب.
وضع يده فوق جبينه بضيق واضح: هذه الإبهامات و المجهولات تشعرني بالنرفزة....
"أنت محق..."
بوابة المدرسة التي كانت تختلي من الطلاب كهاروكي و ايريكا اللذان ابتعدا منذ لحظات ،استقبلت مجيئ طالبيها القديمين....
توقف هيجي على بعد أمتار : اذهب و حادثها، أنا أنتظرك هنا.
تعجب تصرفه: هي، ألن تأتي معي؟!
نظرته الجافة دلت على اعتراضه فتقد ريو مبتعدا عن صديقه: حسنا..حسنا، فهمت.
اقترب من البوابة ينظر للعابرين أمامه، ليقف شاب سائلا: أوه، هذا أنت ريو....هل تنتظر أحدا؟
أجابه بعد مصافحة: مرحبا نيك، أجل... لا أعرف ...أنتظرها منذ مدة لكني لم أرها.
علته ابتسامة تود الإستهزاء: هيييي... من هي؟
لم يعي: من؟
لف ذراعه فوق رقبته: العزيزة التي تنتظرها.
أجابه بعين مغتاظة: عزيزة من...قال عزيزة!... أتيت للتحدث مع فتاة أثارت أعصابي ، قد تكون رأيتها...فتاة ذات أشقر طويل و عينين جريئتين...
بدا يفكر قبل أن يقول: قد تقصد صديقة ليندا...كاوروا ، أجل..كاوروا ميشيل...لقد رأيتهم يخرجون منذ فترة .
أدار عينيه بامتعاض: ماينقصني أن تكون صديقة ليندا أيضا، يا للحظ.
وجه حديثه لمنحنى آخر: هل حالتك الصحية أفضل نيك؟
"أجل، شكرا على السؤال...أفضل حالا"
نطق بجمل بسيطة اعتاد نيك سماعها منه: المهم أن لا ترهق نفسك.
ابتسم نيك بصمت و أشار بيده مودعا قبل أن يرحل، ليعود ريو لصديقه الواقف جانبا: دعنا نذهب هيجي، لقد ذهبت.
استفسر هيجي منه: ألم يكن ذلك نيك؟
"أهم..هو"
"انتقل إذا...كيف حاله؟"
يدعي كونه بخير... لا أعرف" "
حياته المتعبة تزعجني..." "
طبيعي... أن يفقد عائلته، و ينتظر خلاص نفسه في كل يوم.. " "
لا نستطيع فعل شيئ له..." "
ابتسم ناظرا له: بل نستطيع.
بادله النظر ليسمع تتمة مايرمي له: أن نكون أصدقاءه، و نحقق حلمه بإيجاد من تسبب بهذا الظلم له.



فمها المفتوح بوسع جعلها مضحكة، ما الذي أتى بها لهذا المكان؟!.... أهي مزحة القدر أم ابتسامة متاهة ؟!..... ألم يكن هناك مكان آخر للبحث عن عمل....
تخيلت نفسها تمسك بياقة تلك الفتاة محركة جسدها بكل ماتملك لتخرج عتابها...
تقدمت و مدت ملصق الإعلان لمن توسط دائرة الجلسة: لقد رأيت إعلانكم منذ فترة، أرغب بوظيفة هنا.
أطلقت صرخة تعجب: ماذاااااا؟!
ضحك ريو الجالس بصوت جهوري قبل أن يقول: تفضلي، منذ الصباح و أنا أتعب نفسي للعثور عليك..و النهاية أن تأتي بنفسك لحيث أردت جلبك.
نظر هاروكي لهما: و كأن الدنيا دارت لتوصلهما لبعضهما...بدأت أعتقد أن لا فائدة من تفريقهما .
نظرت له بغضب: سترى أنني سأنجح بتغيير كل شيء.
أما الحديث الدارج بينهم أثيرت جلبته بقول هيجي: بقيت واحدة.
رفعت رأسها نحوه: هل تنقصكم فتاة؟
أجابها يوري: و تعرفين من قد تساعدنا؟
أطلقت لسانها: صديقتي، هي تحاول الخروج من عملها لعمل آخر.
أشار لها يوري: ماذا عن مهاراتك أنت يافتاة؟... ماهرة بالطبخ، بالإستقبال، بالإستضافة...؟
أخذتها نوبة حماس: الطبخ مئة بالمئة، الإستقبال و الضيافة و التنضيف...
ابتسم يوري لها ابتسامة رضا و نصر: هل تستطيعين المجيء و مساعدة زوجتي في المنزل، فهي حامل و الحركة صعبة عليها.
ضيقت عينيها و هي تشد قبضتيها: هل أتيت لعرض عمل خادمة أم عاملة مطعم؟
رفع كفيه تين: أمزح معك، روح الدعابة....روح الدعابة قليلا.
نهضت إيريكا مقتربة منها: إهدئي كاوروا، هو طفولي بطبعه...
يوري: ماتقولينه طفولية، هو طعم الحياة.
تنهدت عند رؤيتها: لا أعرف كيف سأجتمع معكم في عمل و وضيفة... بين متهم للسرقة ، و صديقة مثلك و هذا الغريب الأطوار...
وجه هيجي نظرته الجدية لها: و عن صديقتك تلك...
كان الجميع على علم بمن تكون تلك الصديقة ، لكن فضلوا الصمت... خاصة صديقه الذي لا يعلم سببا لهذا الفراق بعد تلك المودة... لقائهما سيكون جيدا لهذا الطابع الجاف لديه بعد فراقها.....
مساعدة بصمت....و ترقب....
نهض ريو مارا منها: و ذريعة السرقة تلك، ارتفعت...
أجابته فورا دون أن ينتبه أحد لما يدور بينهما: أعلم، الشكر لإهانتك التي لا أتخيل الحصول عليها مرة أخرى.
فهمها و فهمته و هذا المبتغى...أن تكون السرقة ملغاة في سجل أفعالها اليومية....




جلسا يعيدان النظر للأوراق و نتائجها الظاهرة.....
" هيجي، هل تظهر أعراض الإدمان على الفور ، أم أنها تأخذ فترة؟"
رفع ورقة مما توزع على الأرض: أنظر هنا، مكتوب ماتريده.... أعراضه تظهر تدريجيا ، و كلما ازداد الإستخدام ازدادت الأعراض حدة و أصبح تركه أصعب.... و استخدام جرعات زائدة قد يؤدي للوفاة.. خاصة إن كانت المخدرات من الأصناف القوية.... ألم تحفظ هذه المعلومات بعد؟... يجب أن تكون معلومات بديهية كاسمك.
أخذ الورقة منه: أعرف، لكني أنساها..ليس بيدي.
" أراك هدأت بعدما تعينت وضيفتها.."
توسعت عيناه عند سماعه ذلك: أه..ارتحت فعلا.
اعتدل بجلسة القرفصاء و هو يستفسر من صديقه: قل لي هيجي..
"ماذا؟"
" لم لم تقترب من بوابة المدرسة؟"
" لم يكن هناك داع لذلك"
"حتى أنك لم تقترب لتسلم على نيك"
" قلت لم يكن هناك داع..."
فاجأته مقاطعة ريو حيث قال: أليس لأنك لا تريد مواجهة ليندا؟
" و ماشأن تلك الفتاة بوسط حديثك؟"
ضاقت عيناه ليكون جديا أكثر: تلك الفتاة!.... أصبحت ليندا لديك _تلك الفتا_!.... ما الذي جرى هيجي؟... ما الذي غير مجريات حياتكم؟
نهض ذاهبا للغرفة: لا تتدخل ريو، و اتركك هذا الموضوع عنك... انتهى كل شيء و لا يهم كيف.
(( لا يهم، سوف تراها قريبا على كل حال))




احتضنت صديقتها بحرارة: مبروك عزيزتي، أتمنى أن يكون بابا للخلاص من المشاكل.
عرضت ابتسامة شفتيها: و لقد تكلمت معهم عنك.
جمدت و أشارت لنفسها: أنا!!
دخلت كاوروا في المحادثة: نعم، فهي قالت ليوري عنك و عن رغبتك بتغيير عملك.
قالت باحتجاج مصطنع خلفه فرح و فخر بصديقتها التي لم تنسها في أجمل لحظاتها: كاوروا...
أحكمت يدها بيدي ليندا: سوف نجتمع نحن الثلاثة في عمل، أليس جميلا؟
غمزت ليندا لإيريكا بمرح: فرصة سعيدة صديقتي.
بادلتها الإبتسامة: حقا، عجيب أن نجتمع في عمل...
ضربت كاوروا جبينها بضفر سبابتها: لا تفكري بدقة في كل شيئ، الأيام جميلة كما هي..
بدت تحرك إصبعيها مكان الضربة محدثة نفسها...
(( جميلة مؤقتا.. ))
رفعت صوتها: يجب أن تكونا هناك في الساعة الثالثة...و دون تأخير لأول يوم.
اشتركت الإثنتان في الإجابة: لن نتأخر.
أما هاروكي فقد أمضى وقته بعيدا عن صاحب الطبع الغريب، ليس لأنه ممل و مزعج نوعا ما...
بل لغيابه هذا اليوم...
كان هاروكي يمشي في الساحة مفكرا بجواب ذلك الشاب الذي سأله عن نيك في فصله...
" نيك، غائب اليوم... هو دائم الغياب لمرضه، لا تهتم... احفظها كمعلومة بديهية..."
لم يستطع تجاهل تلك الكلمات التي لاتبشر بخير، خاصة حين يعيد وصفه لنفسه كشجرة تتساقط أوراقها....
اوقف قدميه ناظرا لتلك الغيوم المطلة عليه من وسط زرقة السماء التي تعلوه: أي شيئ يعزلك عن حياتك نيك؟




أخذت حماما مع ترنيمات لسانها ، و خرجت لتجهز نفسها مرتدية قميصها البني مع البنطال السكري....
رفعت شعرها كذيل حصان بعد مرور مدة طويلة من فعل ذلك، و خرجت نحو الشقة المجاورة طارقة الباب...
لم تتعطل سوى لثوان فهو فتح الباب و جعلها تدخل ، ريثما يجهز نفسه: تبدين في أحسن حالاتك.
انحنت بمرح قبل أن تجلس فوق الأريكة الخضراء: أهم..أشعر و كأني في حلم، سوف يبدأ عملي رسميا.
ربت فوق رأسها: لا تفرحي كثيرا، فقد يتسمم أحدهم و نطرد.
قطبت حاجباها: هاروكي.
ذهب للغرفة ليبدل ملابسه: أمزح معك، لكن لا تنسي أن هذا العمل سيجمع بين والديك.
صمتت بعد ذهابه و تركت لعقلها النقاش في خطط الفصل بين هذين الإثنين....
خرج لها مرتديا قميصا أبيض و بنطال أسود و كل منهما مطعج بشدة مما جعلها تنهض لترتب قميصه قليلا: هل ستجلب الزبائن حقا؟... ما هذا الوضع؟...كن أكثر تنظيما رجاء.
أخذته بسمة خفيفة و هو ينظر لها ترتب ياقته، و كأنه يمني نفسه بتكرار هذه اللحظات في أيام أخرى...
(( أستطيع تخيل نفسي واقفا أمامك بعد عشرة أعوام.... ترتبين ياقة قميص عملي...أظنني واسع الخيال....ههههه...))
خرجا للقيا جيرانهم و شركاء مسيرهم...
انتبه ريو لمرحها فبدأ بالمشي بجانبها: تبدين سعيدة.
تمايلت في مشيتها مع قفزات قصيرة: أستقبل يومي الجيد.
تقدم هيجي بلا مبالاة: سيكون جيدا إن لم تحشري نفسك في الطبخ.
توقفت واضعة يدها على الحائط في الجانب الأيسر و هي تنظر لضحكاتهم الساخرة عليها: الأب و الإبن طينة واحدة...تبا لكما.
لحقتهم قبل الإبتعاد مشاركة حديثهم المتبادل لحين الوصول..
كان الوارد الأول ريو الذي صمت بعد دخوله بشكل مريب....
لحقه صديقه متحدثا: هل هي ميواكو ثانية؟... كطفلة في الخامسة ، يجب أن تعي وضعيتها الآن.
توسعت عيناه و شحب لونه .....
لم يستطع النطق بأي شيئ و هو ينظر لامتثالها واقفة أمامه...
حلم..حقيقة...خيال...وهم...واقع.... أهي واقفة أمامه ، أ هي من توجه بؤبؤتيها الزرقاوان نحوه... أهي من تيبست أطرافها صدمة ؟......
حاول كبت الفوضى المتأججة في داخله حين جلس على إحدى الكراسي الجانبية دون ترحيب...
ظهر تعجب كاوروا بتصرفه: ما بك يا فتى؟.... بعض اللباقة لا تقتل.
بدأت ليندا تآخذ أنفاسها بوضوح لتقترب إيريكا ممسكة بها: ماذا جرى لك ليندا؟!... أ أنت بخير؟!


يتبع.....




سظ،- ماهو مرض نيك ، و هل هو خطير؟

سظ¢- كيف لنيك أن يكون على معرفة بريو و هيجي؟
سظ£- ماعلاقة ليندا بهيجي حتى الآن ؟
سظ¤- هل سيكون لوجود هاروكي و إيريكا أثر في تغيير مجريات الزمن؟
سظ¥- هل ستبدأ إيريكا بفهم مايفكر به هاروكي؟
سظ¦- هل ستعمل ليندا معهم؟
سظ§-أجمل مقطع؟
سظ¨-توقعاتكم؟
سظ©- رأيكم بالبارت؟
سظ،ظ*- انتقادات؟
.



.


 
 توقيع : ورده المودة

















إخوتي
إني أغضب لأجلكم و منكم
و أحزن لأجلكم و بسببكم
و أبتهج لأفراحكم و تفائلكم

فتحملوا أخوتي هذه
هي كل ما لدي لكم



التعديل الأخير تم بواسطة جلنار | Gulnar ; 03-04-2020 الساعة 10:23 PM

قديم 03-04-2020, 07:29 PM   #9
ورده المودة
في جوار ربها ، اللهم ارحمها واغفر لها وتجاوز عنها


الصورة الرمزية ورده المودة
ورده المودة غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 104
 تاريخ التسجيل :  Apr 2012
 المشاركات : 221 [ + ]
 التقييم :  277
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة


.

















.





- 8 -
حقائق...ثم صدمة..!

توسعت عيناه و شحب لونه .....
لم يستطع النطق بأي شيئ و هو ينظر لامتثالها واقفة أمامه...
حلم..حقيقة...خيال...وهم...واقع.... أهي واقفة أمامه ، أ هي من توجه بؤبؤتيها الزرقاوان نحوه... أهي من تيبست أطرافها صدمة ؟......
حاول كبت الفوضى المتأججة في داخله حين جلس على إحدى الكراسي الجانبية دون ترحيب...
ظهر تعجب كاوروا بتصرفه: ما بك يا فتى؟.... بعض اللباقة لا تقتل.
بدأت ليندا تآخذ أنفاسها بوضوح لتقترب إيريكا ممسكة بها: ماذا جرى لك ليندا؟!... أ أنت بخير؟!
وضعت حقغŒبتها الخضراء فوق کتفها و توجهت نحو المخرج مبعدة إيريكا عنها: دعينا نخرج كاوروا.
لم تستجب بل ظلت واقفة مكانها: ليندا مابك، للتو حصلت على عمل لائق...أتفهمين مايعني خروجي الآن، و قبل أن أجرب شيئا...
استدركت ليندا أمر صديقتها : حسنا، آسفة... لكني لا أستطيع العمل هنا، اعفني... أنا مكتفية بعملي في التدريس.
تأوهت و أمسكت بيدها: ما الذي يمنعك؟
صمتت و حاولت الخروج بأقصى برود تستطيع إظهاره ليوقفها شخص آخر: ليندا... هل تستطيعين التفسير لي؟... ذاك الفتى الذي يدعي الصداقة لا يشرح شيئا و لا يجيب أي سؤال، إذا أجيبي أنت...
استقرت عيني كاوروا على الجالس مركزا ناظريه على مجلة: أنا أرغب بتفسير أيضا..أنت تعرفينهم؟!
استشعرت إيريكا المأزق الذي أحيطت به ليندا فأرتأت أن تنهي هذه الفوضى : لا بأس كاوروا لا تضغطي عليها.
تدخل بسيط لكنه أشعل شرارة غضب لدى هاروكي مما جعلها تعود لسكوتها و الإكتفاء بالنظر . ....
قطع هيجي قرائته التي كان يدعيها و نهض مقتربا من الفتاة التي كانت تزداد ارتعاشا بإقتراب خطواته: دعوها و شأنها، هي ترغب بالذهاب و لا تفضل العمل هنا.
وضعت كاوروا يدا فوق خصرها بوقفة جريئة تظهر طابعها:،و يبدوا أنك السبب للغز لا أعرفه.
ردها بنظرة حادة : مادمت لا تعرفين فهذا يعني أنها لم تشأ أن تتدخلي.
تأفف ريو ثم قال: تجاهلكما المتبادل يجرني للجنون.
نظرا له و نطقت ألسنهم بوقت واحد: لا شأن لك ريو.
بدأ هيجي بتوجيه كلماته لها بتثاقل: آسف حقا، لم أشأ أن تصادفي المشاكل.
أحكمت قبضتها على حقيبتها و هي تخرج كلماتها القليلة للإجابة: ليس مهما، لا دخل لك بما جرى.
توجهت للمخرج مكملة ما كانت تنويه و هو الخروج بينما دخل يوري بآن خروجها...
لم تخفى عليه تشنج الأوضاع : هل مر القط ليأكل ألسنتكم؟
أجابه هاروكي: سيكون جيدا لو التزمت الصمت.
أشار يوري لحيث رأى الفتاة تتجه: ألم تكن تلك الفتاة صديقتكما هيجي؟
شعر بضغط يد فوق كتفه و كأنها تنوي إسكاته: أخبرتك أن تلتزم الصمت.
توجه هيجي لغرفة جانبية مبتعدا عن هذه الأجواء: لم تشأ العمل هنا.
جلست كاوروا مكان ما استوقفتها حركاتها: أشعر و كأني أعرفها توا.



تجمع الأفراد بأمر يوري بعد دقائق بسيطة ليستمعوا حديثه المنتظر، خاصة بعد خروج ليندا المتوقع إتمامها للطاقم ....
عدستيه العسليتان تدور بينهم بسكوت يقتل إيريكا تدريجيا حتى كسرت لحظات صبرها: ألن تقول شيئا؟
رفع أكياسا من ورق مزين على الطاولة: هذا زي العمل.
فتح ريو الأكياس فضولا: حددت زي إذا... و متى العمل؟
" في اليوم الأبيض..."
عينيه كانت تشبع فضوله دون أي يبين شيئا: تقصد الثلاثاء القادم؟
تلقى الجواب: ليس هذا ، بل الذي يليه؟
كاوروا بإمتعاض: أليس بعيدا؟... أن أنتظر أكثر لدفع الراتب يضايقني.
ابتسمت إيريكا مجاملة: كوني صبورة قليلا عزيزتي.
أما يوري فقد حل المشكلة بقوله: و من أخبركم أنكم لن تعملوا؟...عملكم باد منذ اليوم، يجب أن تستكملوا تحضيرات الإفتتاح ...لدي خطط كثيرة .
بسط هاروكي يسراه فوق الطاولة: دعني أغير لك هذا الديكور التقليدي، سيكون مقدمة جيدة لجلب الزبائن.
أيدته إيريكا: صدقت، هذا المكان بحاجة لبعض التعديلات...
دندنت بشكل غير مفهوم قبل أن تقول: ... و بعض الأقمشة .
بات يفكر قليلا لهذا الإقتراح ثم قال: ارسما لي ما تخططان له، مع التلوين طبعا...ثم سأبلغكم قراري.
وجه هاروكي كلماته لشريكة رأيه: مهمتك إيريكا...أنت بارعة في الرسم.
اندفعت قائلة: أليس من الأسهل ، أن أصنع تصميما كمبيوتريا ؟
سمعت ما بين استغرابهم من يوري: تصميم كمبيوتري؟!
"،تقصد رسمة ثلاثية الأبعاد..."
جرت خصلتين من شعره الأسود: و ما علاقة الرسم الثلاثي الأبعاد هنا؟...
" ألا تستطيعين ترك الأمر لي؟!"
" أتعرف، كلانا زاد الطين بلة.."
صفق يوري للفت الإنتباه ثم أعلن: سوف يكون كل شيء منذ اليوم تمهيدا للإفتتاح، كاوروا و إيريكا اذهبا لشراء بعض الأقمشة و الزينة... و التوأمان، يجب أن تتدربا على ما أخبرتكما به من قبل... هذا كل شيء لليوم.
هيجي بتثاقل مما سمع: أنت لا تقصد خطة الإستقبال الغبية تلك.
هاروكي: ظننتك عدلت عنها بعد معارضتنا.
أجابه هيجي: لا فائدة، رأسه يابس و قراره غير قابل للتبديل.
مد يوري الزي الذي أمامه:،هذا، ابدأا التمرين.
وجه عينيه نحو،الفتاتان: و أنتما، لم لازلتما واقفين؟
أمسكت إيريكا بيد كاوروا خارجة معها من المكان: حسنا، انتظروا المفاجأة.
اقترب يوري منهما: انتظرا.
أوقف خطواته بجانبهما: خذا ، هذه بعض النقود و إن نقصت أخبراني.
مدت كاوروا يدها لتأخذ الممتد نحوها و شعورها بمراقبة ريو صاحب ذلك، و ذلك ما شدها لتوجيه نظرة اعتراض بإتجاهه...



تلألؤ بؤبؤبتيهما أبدى مدى شغفهما بما ينظران له...
كل منهما ترفع قطعة تستفسر الأخرى عن مدى جمالها، و هل هي مناسبة لتكون ة فوق طاولات مطعم.....
صرخة كاوروا المرحة شدت إيريكا للنظر لها: كاوروا.. دعي اختيار القماش علي .
(( اختيارها تقليدي كزمنها...))
رفعت قطعة قماش زهري غامق مزينة بورود و أغصانها باللون الأزرق السماوي: ما رأيك بهذا؟
أخذت القماش و بدت تقلبه بروية: جيد، لكن...
رفعت قماشا فضي ذات نفس النقوش للذي اختارت، و شريكه في اللون أيضا: هذا أفضل في نظري.
باتت تبرق عينيها الخضراوان: ياه، سيكون المكان رائعا به..
أخذت نفس راحة: أخيرا اقتنعت بشيء...أنت صعبة الإرضاء.
جرت القماش و بدت تمسحه بوجنتها لتشعر بنعومته : آسفة لكوني كذلك، لكن انظري لما وصلنا إليه ... سيكون المكان مزدهرا و مشعا..صدقيني.
"أعلم، لأني اخترته..."
جمعت شفتيها بطفولية: لا تتكبري الآن...دعينا نكمل تسوقنا.
تقدمت و هي تميل شعرها يمنة و يسرة: و ما أجمل التسوق... أشعر و كأني في الجنة حين أستطيع إختيار أي شيئ دون تفكير في سعره...
رفعت ما وقع الإختيار عليه: فرصة نادرة ...دعينا نتجه للأقمشه ذات اللون الواحد..لاننسى الكراسي.
تحولت خطواتهم يمينا نحو المطلوب و بدأا بتحويل سباباتهم للأقمشة التي يرتؤوها مناسبة اللون...
استقرت كف إيريكا فوق قماش فضي به بعض اللمعة: هذا جيد.
أيدتها و بدأت بمقارنة القماش الذي اختارانه قبل دقائق و لاحظت شدة التناسق: أشعر أننا نبلي حسنا...
اتخذت الصمت و هي تلاحظ ما اشتاقت له، تسوق مع أمها....
تضارب المشاعر و تمالك النفس لعدم احتضانها و البكاء في حجرها الدافئ لم يكن هينا على فتاة تشعر في الضياع...
و توقها لاستقرار حياتها و العودة لطبيعة زمنها و استشعار حنان أمها هي الأمور التي تزلزل قرارها... ذاك القرار الذي قد يكون محوها من الوجود، أو تغيير المستقبل و الماضي جذريا....
علا صوتها لتخرجها من شرودها: هيا إيريكا، أنهيت المحاسبة.
ابتسمت و توجهت نحوها رامية بتلك الأفكار خلفعا، فهي الآن في حال الإستمتاع بالتسوق مع صديقتها...



إستمتاع الفتاتان لم يسر مفعوله للصبيان اللذان بدأا بكره نفسهما قبل غيرهما...
زي أسود بقميص أبيض و ياقة فيونكا كحلية اللون قد أعطيا طابع النادل اللطيف لهما.... لكن كان سيكون طابعهما ألطف لو أزالا تشنج الملامح من على وجهيهما...
أظهر يوري استحسانه لهما: جميل..جميل، و الآن لنبدأ بتدريبكما...سأكون أنا الزبون.
كان ريو ينظر لهم بملل : لم لا أكون أنا الزبون يوري.
جلس على احدى الكراسي: إذا، لك المهمة... أخرج و افتح الباب داخلا، و هما سيستقبلانك.
فعل ذلك فهو قد خرج و أمسك بيد الباب لتنحني و تعلن دخوله....
شعر بنوع من الفخامة و طبقة راقية عند رؤية انحناء نادلين توأمين (في نظر من لايعرفهم )...
أسمعه الأول جملته: أهلا بك سيدي.
و الآخر يتبعه الترحيب بلغة أخرى :
Welcome master......

كان ذلك ما يشعر بالبهجة و الرضا لعين زبون ، فربت بكلتا يديه فوق كتفيها : عمل رائع صديقي.
لكن ورد اعتراض من ذاك المدير الشاب: جاف للغاية، و ممل..
تنهد هيجي: ما رأيك بالوقوف مكاننا؟
سحب الآخر نفسا تفاديا من إظهار غضبه: و هل أنت جدي بجعلنا نقف هنا طيلة الوقت؟
توجه نحوهما و هو يقول بين خطواته: و على ماذا سأهدر نقودي عليكما إذا؟
توقف و بدأ بجر خدودهما واحدا تلو الآخر: بعض البشاشة...إبتسامة... الناس تأتي لنسيان همومها لا أن تستعيد جميع ذكرياتها السيئة.
أخذ يد هاروكي ليجعلها ة بجانب خصره: انحني الآن بإستقامة، و لا تنسى الإبتسامة...
تخلخلت خصلاته بأنامله: لا أصدق أني سأفعل هذا الغباء...إلهي.
و هذا جل ما تكرر طيلة فترة الدوام...
فترة تحطيم الأعصاب....



مرت أيام صامتة...أقصد تخللها الصمت عن كل شيء...
فرغم كثرة التساؤلات إلا أن الجميع لم تكن له الشجاعة بالسؤال...
هاروكي أبقى معرفته لمرض نيك مكتوما داخله، و أخفى رغبته الملحة لمعرفة كل شيء من لسان صاحب المشكلة...
كاوروا و إيريكا تجاهلا موقف ليندا مع هيجي، و أبديا عدم الإهتمام رغم أن فكرة غرابة الموقف لم تترك أذهانهم لحظة... لأنه لن يبقى شيئ على حاله، فما دام هناك خيط فلابد من إيجاد رأسه فتنفك الألغاز و ينكشف الغموض...
و وصل اليوم الذي لا أحد يعلم عن ما خبأه من مفاجآت...
حيث انتبه هاروكي لتقدم شبيهه نحو البوابة ليحدث مجاوره مع تجاهل كامل له: مرحبا نيك... هل تستطيع إعطائي القليل من وقتك؟
أشار نيك بكفه لهاروكي بالوداع: للغد ...
بادله هاروكي تلك العلامة برفع اليد ، ثم انصرف كليهما لوجهته...
دقائق و قد جمدت قسمات وجهه: تمزح معي...
" و ما الذي يستدعي المزاح؟... لقد أخبرنا الأستاذ أنهم قبضوا على من تسبب بالحادث .. و هم قيد التحقيق؟"
" و هل توصلوا لنتيجة؟.."
" يبدوا أن لها رابطة بتجارة المخدرات..."
" مخدرات... و ما شأن والدي؟!"
" بالظاهر أن والدك اكتشف أن رئيس عمله مرتبط بعمليات تجارية للمخدرات.. و هدده بإبلاغ الشرطة، فأرادوا إسكاته.."
" هل أستطيع رؤيتهم؟.."
" لا تنسى أنهم لدى الشرطة... لا تفكر بإنتقام أو تهور كهذا..."
" و من سيجرأ و هم مقبوض عليهم..أود إفراغ غضبي فقط"
" هي... أنت لست بحال تسمح لك بالإنفعال.."
" ماذا كنت ستفعل لو كنت مكاني..."
"لا أعرف...كل ماهناك أن الضابط أخبرني أن تذهب لتحادثه بهذا الشأن.."
"حسنا..."
عض على شفتيه متجاهلا نظرات الواقفين ينظرون لهما بفضول، بالخاصة أن بينهم من يتحاشى لقياها: نيك، هل أنت معتاد على المتطفلين؟
انتبه نيك لهم: لا تهتم لهم.
حاول أن لا يهتم إلا أنه تصلب حين لاحظ دموع ليندا المجتمعة في محجر العينان السوداوان...
كان يعلم ماتفكر به، فهي تذكر ما حصل في عطلة الصيف المشومة و تعرف كل تفاصيل حياة جارها الجديد... ذلك الجار الذي شهدت بنفسها مقتل والديه... ياله من موقف لا يمكن تناسيه... و من المؤكد رابطة هذا اللقاء بما تعرف..ذلك مجزوم به...
لكن لايمكن أن تتحاشى الألم الذي يعتصر جنانها برؤية وقفته... هذا اللذي تحاشى نفسه لإنقاذها... و تحاشى حياته و ألمه لراحتها و استقرار يأمل أن يدوم بحياتها...
استدركت نفسها حين لاحظت بؤبؤتين مثبتتان تجاهها و قالت: حسنا، أنا ذاهبة.
أوقفتها يد كاوروا: مابك ليندا؟... لم يقترب ذاك الفتى و تكادين تبكين...ما الذي يجري معك؟!
ارتفع صوتها خارجا عن نمطه اللطيف المعتاد: لا تدخليه في هذا الأمر، و أنا لا أبكي.
أراد هاروكي استدراج بعض الكلمات التي يود سماعها من والدته: لشدة كرهك لهذا الفتى لا تستطيعين حتى التعامل معي بشكل طبيعي، ما الذي فعله معك لتكون رؤيته كالكابوس لك؟
رمقته بعين غاضبة و أجابته بلهجة صارمة: قلت لا دخل له، ألم تسمع؟
إيريكا: نحن نود المساعدة ليندا.
تقدم هيجي بعد سماعه لصوت ليندا المجادل لهم و تبعه نيك بعد خطوات: مابكم مرة أخرى... تستدرجونها لقول ما لاتريد قوله... لم تتدخلون فيما لا يعنيكم؟..حقا.
وجه حديثه نحوها : لا تستطيعين حتى تدبر أمر كهذا... أدخلي دورة لتعليمك كيفية التصرف.
راوغت بعينيها لتبعد ناظريها عنه: و من سبب هذا الموقف السخيف برأيك؟
ضيق عينيه ثم قال:،أليس تذكرك لما حصل هو السبب؟
رسمت بسمة حزن باهتة: أها، أنت تفهم .. إنه شعور صعب.
كان يتقطع من الداخل و هو يحاول أن يتجاهل حقيقة مايحصل بينهما: أستطيع تفسير الأمر لهم إن أذن نيك.
كان نيك حاضرا على كل حال فنطق : لم لا نذهب لمكان أفضل للحديث.
قالت ليندا فورا بإنفعال: نيك...
قاطعها: لا بأس لدي..هو ليس شيئا يخفى.



كانت الجدية ترتسم على ملامح نيك حين بدأ حديثه بجانب تلك البحيرة : حقيقة حزن ليندا كانت أنا، و ليس هيجي... في الأساس هي لا تستطيع رسم الحزن برؤيته...
قاطعه هيجي قبل أن يتم: تحدث عن نفسك فقط..
بدا ساخرا نوعا ما: و بهذا ستزيد تساؤلاتهم...لكن لا بأس، لن أتكلم...
عاد لجديته باديا بجواب بعض الأسئلة: في هذه العطلة الصيفية السابقة، قتل والداي بحادث سيارة.. و كان هناك شاهدين كادا يصدما بتلك السيارتين المتقابلين في الحادث...
قال هاروكي: هيجي و ليندا ،أليس كذلك؟
نيك: كيف عرفت؟
أجابه بثقة: واضح... حزنها بسبب تذكر ذلك.
نيك: أقصد كيف توصلت أن هيجي كان الشاهد الآخر؟
قال فورا: لأنها تتهرب من النظر له.
كانت إجابة جيدة لكن غير محكمة حيث قال نيك: أليس من المعقول أن تراه شريك ألمها في هذه الحالة؟
باغتته ضربة قبضة هيجي: أنت حقا أحمق...
بدى جديا و هو يكمل: اليوم أخبرنا السيد سايكوا أنهم عثروا على سائق السيارة المتسببة بالحادث.
انفعلت ليندا و بدأت بمحادثته بإنفعال: حقا، و كيف؟
كان صعبا أن يبعد ناضريه بين هذا الجمع المترقب لأي خطأ ، لذا تحامل على نفسه شعوره بدقات قلبه التي يكاد يقبع من مكانه: لا داعي لهجومك الإندفاعي، كانوا يتمون صفقة مخدرات على الحدود البحرية.
كاوروا: صفقة ماذا...؟!
أما ليندا فقد ضمت نفسها خجلة بصمت بعد ذاك الإندفاع اللاشعوي...
نيك: و مجيئ هيجي و حزن ليندا مرتبطان بهذا الأمر.
تكتفت إيريكا بذراعيها: هكذا إذا، لكن هناك مسألة...ما رابطة هيجي و ليندا التي جعلتهما يكونان معا وقت الحادث؟
تأفف هيجي بضجر: أتركانا و شأننا، تطفلكم بدأ يغيضني.
وقفت ليندا متقدمة للبحيرة و تاركة لهم خلفها ليعرفون مدى تأثرها بهذا الحديث و المحاورة...
تبعها هيجي بحركات لم تخرج عن إطار بروده الظاهر: تبا لكم.
كانت متوارية عن أنظارهم و كأنهم فوق تلة لا يبان أسفلها و ذلك تحقق للزاوية التي اتخذوها مجلسا لهم...لكنها ظهرت لهيجي الذي نزل منحنيا يسارها واضعا يده في البحيرة مثلما فعلت: لم أكن أظنك بهذا الضعف.
غبنتها سيطرت عليها و باتت واضحة بعد كل الوقت التي حاولت إخفاؤها: صحيح..لأول مرة أشعر بأن قواي منهدة... لأول مرة أشعر بهذا الإختناق... أود العودة لحياتي، لتبادل الحديث و الإبتسامات معك و مع ريو و يوري و ليندا، مع من شاركتهم حياتي منذ الطفولة...
قطعت كلماتها المحترة سيل دموع فاجأه..أقصد أنه بين مدى حزنها ، فالدموع طبيعية في حالتها...
يده ارتفعت بعدما كانت في حرب مع عقله، لكن القلب و ما يبغيه أقوى من همزات العقل، فأوصل كفه لتربت فوق رأسها: آسف، ليس بيدي إعادة تلك الأوقات ليندا..
شعرت بنبضها لحظة لسماع إسمها بين شفتيه مرة أخرى و كل لسانها عن النطق فبقيت تستمع لتتمة كلامه الذي يستهدف إزاحة الهم عنها:... لو لم أتحدث مع والدك لكنا نمضي وقتا ممتعا حتى الآن، لقد حطمت سعادتنا بنفسي... أنا أيضا أتوق لضحكاتك بجانبي ، و مرحك.. و لذهابنا للميتم للتبرع ... في هذه الفترة شعرت بأن أنفاسي تتمنى أن تنقطع...
أمسكت كم قميصه بكلتا يديها التي استشعر منها القلق جديا: لا تقلها... لا تنطق بهذا الحديث المشؤوم أمامي.
ضرب جبينها بسبابته ساخرا: قلت أمنية، مازلت أتنفس ...
تغيرت لكنته ليقول: تمنعيني من الحديث و تريني ما يفطر قلبي... مازلت هيجي الذي تعرفين؟
احمر وجهها بالكامل عند سماعهها مقولته و أخفت وجهها خلف خصلاتها الرمادية بخجل: هيجي...لازلت لئيما.
ضحك،ضحكة خفيفة كادت أن تنسى: هذه هي أنت، الفتاة التي سلبت فكري.
خالط خجلها الشديد حزن و أسى لم تستطع البوح به مع كلماتها المحبوسة...
لم يخفى عليه ما سببه لها من حالة كئيبة: لم أقصد إحزانك.
رفعت يدها مقبوضة بجانب صدرها: لم تأسف؟..لقد حطمت نفسك قبل كل شيئ.
نهض واقفا بإستقامة تزيده رزانة: يجب أن تعرفي أن والدك على حق، نظرته المنطقية للأمور هي ما ستسعدك مستقبلا .
باتت تتأمل الماء الصافي أمامها: رغم أنه لا يسعدني لكنه لم يغضبني، على عكسك أنت... تجاهلتني فورا دون كلمة تفسير أو حتى كلمة وداع... لم تفهم أنني كنت أنتظر إعلانا للنهاية التي وضعتها.
جاراها في النظر أماما في ظل تلك المحاورة: كنت أطمح لبداية و أنت تعرفين.
أجابته بصمت غامض ...
فسألها ما اقشعر له شعرها: أنصفيني... هل كنت تتصورين أني سأتخلى عنك و أسلمك لأخطر شخص رأيته بحياتي؟
نهضت من فورها و كأنها مصعوقة بسلك كهربائي: هيجي، أرجوك توقف...أنا لم أكن أستطيع حتى تصور شيئ لدهشتي فيما تفكران به.
ابتسم و هو يرى نوبة خجلها : و هل كنت الأهم أم هو؟
باتت تتقلب ألوانها و هي تحاول إخراج نفسها من هذه اللحظات المحرجة: أنا...لم..أفكر بأي شيئ.
تحرك عائدا لأدراجه: دعينا نعود، فأنا لن أستطيع البعد عنك لو بقيت لحظات أخرى...حينها سأشعل الحرب.
شعرت بذوبانها خجلا من كلماته التي أغاضتها أيضا..
(( كم أصبح صريحا...ألا يعي أني أخجل..))
أدار وجهه قليلا لتظهر نصف ملامحه لها قائلا جملة تبدوا إجابة لما خطر لها: استمتعت برؤية وجهك المحمر.



كادت تقتل كاوروا بيد فضولها الذي ينهش ذهنها بكل لحظة: ما الشي الذي يجمعهما ياترى؟
نيك: أمر يودان إخفاءه.
كلمات تغيظ فعلا جعلتها تصرخ بوجهه: و أنت تعرف؟!
همست إيريكا لهاروكي بإبتسامة تهدف السخرية: يبدوا أن قصة والديك رومانسية.
أجابها بجدية ناظرا لنيك: بل حزينة.
لم تفهم إيريكا مغزى هذه الكلمات ، و كل ما لاحظته تلألؤ عينيه التي بدت مائلة للزرقة رغم سوادها و هي محدقة بنيك...
انتصب نيك و نظر لمن شده تحديقه: ماذا هناك؟
لم يستطع هاروكي إخفاء جدية ملامحه لكنه قال بشكل يوقف السؤال : لا شيئ.
استغربت إيريكا هذا التصرف المريب، لكنها لم تشأ إخراج كلمات تندم عليها ...فهذا الوجه و هذي اللهجة لا يبشران بخير....
ظهر الإثنان و كل منهما يبدي ملامح غامضة لا تقرأ ، و بينهما صمت لا يفهم...
هاقد استطاعا بعد فترة من المعاناة أن يخرجا المكبوت في قلبيهما لتسقر النفوس و تبدأ بصفحة بيضاء تستحمل الجديد في الحياة...فذا قلبيهما قد فرغ ليتسع صبره للتحمل مرة أخرى...

توجهت كاوروا نحو صديقتها: ليندا..
ابتسمت نحوها بمرح و بلاهة كعادتها: مابال ردة الفعل هذه؟... لم أذهب للمريخ .
قطبت حاجبيها و وجهت كلماتها المتسمة بحدة الأسلوب: بل ذهبت مجالسة هذا الشاب، ليندا لا تقولي لي أن ليس هناك شيئ بينكما .
ضربت سبابته عرض جبينها: للتصحيح، أنا من تبعتها و ليس هي، و لا تتدخلي.
حاولت أن تهدأ إلا أن ملامح الحزن بادلت الغضب بعد مقاومة بداخلها: أنا أتحدث مع صديقتي...
نظرت لصديقتها بثبات بؤبؤتيها :... تلك التي تدعي أننا لبعض في أوقات الشدة و الفرح، لو لم تظهر أنت أيها المعتوه... لما عرفت أن قيمة صداقتي معها هي أن تخبئك في الماضي دون أن تبوح لي بمكنوناتها.... أنتما لا تعرفان أن هذا جرحني حقا... وددت ككل الصديقات التي أراهن أن أواسيك على لحظاتك العصيبة و أشجعك على نسيانها، أو أن أحل مشكلتك كما تفعلين معي...
احتضنتها ليندا بعد أن ترقرقت الدموع في عينيها: كاوروا...
كلمة خرجت بلحن إمتنان لهذه الأحاسيس الصادقة...
لكن هيجي أومأ لها و رمقها نظرة اللامبالاة : و هل الصداقة بإشباع الفضول؟!

رأيه سديد، فالصداقة ليست بنبش الماضي كما قال لكن هناك نقطة....

بلع ريقه بعد أن تصور ريو أمامه، ذاك اللذي لايعلم شيئا و حرم صديقته و شريكة لحظات عمره دون سبب واضح... و ذلك للحظات مجهولة من ماضيه هو ...
فهل من الظلم أن لا يعلم....تلك هي الفكرة التي أوردتها كاوروا في عقله...
ابتعدت ليندا بعد دقائق جارة يد صديقتها متوجهتين نحو إيريكا الجالسة: تعالي معي.
تبعهما هيجي ليجلس متوسطا هاروكي و نيك : يا للفضاوة... ليس لديهن سوى الحديث.
نيك بسخرية: أهلا هيجي، هل واسيتها جيدا؟
تجاهل كلماته المستفزة إلا أن هاروكي تبعه بإستفزاز هو الآخر: يبدوا أنه محرج يا صاح، لو كنت أعلم أنك وصلت للدرجات العلا مع هذه الفتاة لمهدت لك الوضع للإلتقاء بها بسرعة....

رفع يده و هو يظهر غيضة ليمسك بآذانهما بقوة و هما يتألمان: أصمتا و إلا سأقطع آذانكما.

أرخى نيك عينيه و وضع كفه فوق مكان الألم قائلا ما جره للجدية: هل تقبلت الأمر؟
تركهما قائلا جوابا بإختصار: هي لا تفكر سوى بما خسرته من ماض و أصدقاء.
استلقى هاروكي متدخلا: و لا ننسى أنك أنت سبب معاناتها و خسارة استقرارها.
رمقه هيجي بنظرة حقد: و ما أدراك أنت؟
لم يظهر عليه أي اهتمام بردة فعل والده : واضح من ردة فعلها معي...هي لا تستطيع حتى النظر نحوي.
نيك: أها.
هيجي: أتظنني أبله، قل لي من أين أتيت بهذا الإستنتاج؟
تغيرت ملامحه لذاك الناضج الذي يظهر عندما يستلزم الأمر: للصدق... أنا لا أعرف الكثير، إلا أن لحاقك بها الآن يبين تأنيب ضميرك و كذا أهميتها لك..هل أنا مخطئ؟
" لا..."
أما الفتيات ففاجأتهما ليندا بقولها: سأخبركما بكل شيء لاحقا.
غمزت إيريكا و أحاطت ليندا بذراعيها: و متى هذه اللاحقا؟
جارت كاوروا ابنتها و هي تبعثر خصلات ليندا المندرجة على مقدمة وجهها : غدا على الحد الأكثر.
أبعدتها بضجر اصطنعته: صدق هيجي بقوله أنكم فضوليون...و للعلم غدا عطلة.
ربتت إيريكا فوق ظهر ليندا: أنا متحمسة لسماع ما يجري بينكما.
تنفست الصعداء ثم نظرت لساعة يدها: يجب علي العودة الآن، تأخرت بما فيه الكفاية.
تمددت يدي كاوروا اللتان تطلبان الراحة بعد تصلب خفيف: و أنا أيضا.
ودعتهما إيريكا و التفتت لهاروكي و جليسيه: دعهم يمضون وقتهم، لا بأس بالإنتظار قليلا بعد.



عاد وقت العمل و التنظيمات التي بدأت تظهر آثارها....
فقد اشتغلت الفتاتان مع ميواكوا بجلسة خياطة للأقمشة التي اختارانها، و الفتيان توزعوا بمن انتصب على كرسي يعلق الزينة الزرقاء السماوية لدى الباب و من اتخذا وظيفة التنظيف بخرقتيهما و من جلس غير مبال يشاهد التلفاز...
ميواكوا تضع إبرتها تحت القماش بين يديها: سيظهر المكان بهذه الحلة رائعا.
أومأت إيريكا موافقة و كاوروا بقيت تخيط شاردة الذهن...
جمعت إيريكا شفتيها بجانب بإمتعاض: ما بك؟... منذ أتيت و أنت صامتة، بدأت تجلبين لي الضجر.
مصت كاوروا إصبعها الذي اخترقته إبرتها بعدما انتبهت لإيريكا المتحدثة: حسنا،أنا أفكر بليندا ...
رفعت عينيها و ضربت جبينها بخفة قبل أن تقول: كفى كاوروا، حقا بدأنا نصبح مزعجين... لا يهمني ما يحصل بين هذين الإثنين و تلك من خصوصياتهما.
قربت وجهها منها: ألا يمتلكك الفضول لمعرفة مغزى تصرفاتها.
رفعت سبابتها لتحك وجنتها: حسنا، مهما يكن ليس مثلك فأنا أعرف ما...
توقفت مستدركة حديثها ثم أتمت: فأنا لا أراه مهما...
ابتسمت كاوروا ابتسامة نصر: ماذا..تعرفين؟
ابتلعت ريقها :... لاشيئ.
كاوروا: لن تفلتي بكذبة..قولي الحقيقة.
حاولت المراوغة و هي تحدث نفسها...
(( و ماذا أقول لك؟..أني أعرف أنهما سيتزوجان....أه، هذا إن لم يتغير كل شيء طبعا...))
قطع هدوء المكان تعثر هيجي و سقوطه من الكرسي الذي يعلوه لتظهر عليه علامات الألم جلية ، خاصة و يده فوق رأسه....

تحركت ميواكوا بسرعة و علامات الذهول تعلوا ملامحها الهادئة ، و كأن قطعة من قلبها زاحت عن مكانها: هيجي...!
أسرعت له لترفعه و تتفحص وجهه و رأسه: هل حصل لك مكروه؟...
توسعت حدقتيها و هي تنتبه لتلك الحمرة: هيجي... أنت تنزف.
أبعد يدها متمالكا نفسه: رجاء ميواكوا...أوقفي هذه السخافة، لست طفلا.
حاولت وضع بعض المناديل لمنع الدم من الخروج: لو لم تكن طفلا لما سقطت .
اقترب هاروكي منهم رافعا المنديل الأبيض الذي يغطي فمه: أنظر لمدلل أخته، آخر ما تصورت رؤيته.
شعرت إيريكا بلطافة الموقف و أخذتها ضحكة خفيفة ، فحقا من الصعب تخيل ذاك الضابط الثقيل ممتثلا أمام فتاة تعامله كطفل....
بقي ريو مكانه و قال مستفسرا: أين تلك المتبجحة؟
وضعت إيريكا يدا بجانب الخصر: من المتبجحة؟...
أشاح بوجهه: أقصد صديقتك.
أظهرت تأنيبا واضحا في جملتها: أنت قلتها، صديقتي... لذا ليس لديك الحق بإهانتها أمامي.
حاول أن يبدي اللامبالاة : فهمت..فهمت.
توجه خارجا من المكان ليتركهم مستغربين من تصرفه...
و بقي ذاك المدير مكانه دون حراك ، و كأنه غير موجود إلا أن عقله كان واعيا لكل شيء ....



يد نحيلة امتدت نحو الطبق الذي امتد نحوه و لسان لا تسعه الفرحة نطق بالشكر من أعماق قلبه: شكرا لك .
رسمت بسمة خفيفة و مدت ورقتين من النقود: و هذا أيضا.
أثارها دموعه التي اتخذت وجنتيه الصغيرتين المتسختين مسلكا لها: لم تبكي، ألست فرحا؟!
أجابها من بين شهقاته التي تعكس عليها طابع المسكنة و العطف : أنت... ألطف بكثير..من والدي اللذان تركاني... هما لا يأبهان بجوعي أو مكان نومي و لا بمدى الأسى الذي أعيشه دونهما.

انحدرت دموعها لتمسحها بسرعة و تنحني لمستواه محتظنة له بين ذراعيها: لا تقل هذا...هما يحبانك كثيرا، و يحترقان شوقا لرؤيتك.... صدقني.

أكمل بكاءه بصمت في حجرها الأموي بالنسبة له لمدة ليست ببسيطة، ثم مد لها الطبق راسما ابتسامة برئية على شفتيه الباهتتان: أشكرك أخيتي على هذا الطعام.
أخذته و بسطت كفها مودعة له و هو يبتعد بخطواته: لا تنسى الغد.
تأوهت لتنهض بعدها: ياله من طفل مسكين.
بهتت، دهشت، و صدمت برؤية ذاك الشاب الذي ضم ذراعيه ببعضهما مستندا على جدار ذلك الزقاق و ينظر للسماء ببرود: حقا، ياله من طفل سيئ الحظ.
ارتمى الطبق الصيني من يدها من تلك المفاجأة الغير منتظرة، أن ترى و تكون مراقبة...!
و من من، هذا الفتى الذي حاولت بكل جهدها إظهار قوتها و صلابتها، أن يرى دون غيره سمة الرحمة و الشفقة لديها... شعرت أنها في موقف ضعف لا يمكن الفرار منه... مهما يكن، فلا تريد أن تخسر نفسها الطبيعية التي تتصرف برحمة لنفسها لا لأعين غيرها..تلك الأعين التي تستحسن لسانا و تبعدها عن مسير مبتغاها، و هو الوحدة؟
ليس كل منا يرغب بالوحدة و الإختباء، إلا أنها كانت تعشق هذه الساعة التي كونتها لنفسها...راحة ضميرها و ضعف داخلها...
خطى الشاب واضعا يديه في جيبيه: ستنتهي نقودك بتوزيعك اليومي هذا، الكرم الزائد يضر.
ضربت الأرض الة تحتها بغضب: حتى هنا تحت مراقبة عينيك..!
أجابها و خطواته كانت تعلن اقترابه منها: و مابها عيناي، أليست جميلتان؟
أدارت جسدها لتقابله بظهرها: قلقك لاداعي له، فأنا لا أخطط للسرقة ثانية.
صوت توقفه و اقتراب أنفاسه جعلاها تفهم أنه خلفها، و ما خاب ظنها فها هو يمسح على شعرها الأشقر الطويل قائلا: أحسنت، بدأت أتوق لرؤية البهجة التي ترسمينها على وجهه.
شعرت بحمرة الإحراج لهذا الثناء لكنها ضربت يده بكفها مبتعدة عنه: كف عن مراقبتي.
نظر نظرة لطيفة نحوها جعلتها تتجمد لثوان و هو يقول: ممتن لك، لأنك أفهمتني معنى الإنسانية.
رفعت حاجبا مبينة تعجبها ليتم موضحا مقصده: رغم طفولتي التي قضيتها في الميتم، لم أرى شخصا مثلك...يهب الراحة أكثر من الوالدين، أنا أستطيع استشعار ما يشعر به ذاك الطفل من فرح بما تفعلينه معه.

حاولت استجماع شجاعتها للصراخ و العراك كالمعتاد إلا أنها حين تصورت أنه كان مكان هذا الطفل استوقفت فمهما قبل أن ينطق، ثم قالت: و ماذا؟... هل يزعجك كوني طيبة أم أنه غريب علي؟
أمسك كفها : أنا أقدس هذه اليد الآن، هذا كل شيئ.

نطقت بشيئ واحد منفعلة: هييييه!
قال مدعيا التعجب: مابك؟
أبعدت يدها منه ثم أشارت لرأسه: و هذا ما كان ينقصني، مجنون يقدس يدي!... تقدس يدا تجلي و تطبخ و تنظف ، لطيف...لم أكن أعلم أنك مختل العقل و ها قد علمت.
رفع وجهه ساخرا: و بقولك هذا، سوف تجعليني أفكر بالزواج منكي، فتاة تجلي و تطبخ و تنظف... و ما أفضل من هذا.
شدد لهجته:....كاوروا.
أتم كلماته و اعتلى صوته بالضحك مما جعلها تغمض عينيها و تعض على أسنانها لألا تتهور ، لكنها استسلمت لرفع يدها ففتحت عينيها قبل الهجوم نحوه....: تبا لك ريو.
إلا أنه كان مختفيا...!



لحظات تكتم ليندا بها أنفاسها، فتلك النظرات المترقبة كانت تزيد من التوتر الذي يخالجها، و تجعل كلماتها تطاير دون أن تستطيع جمعها....

ضربتها كاوروا بكوعها بخفة و ابتسامة نصر تعلوا وجهها الطفولي: و الآن قولي...
أغمضت جفنيها لحظات لتستجمع شجاعتها ثم فتحتها ببطء: هو و ريو صديقاي منذ الطفولة و كذلك ميواكو .
لم تكن بمعلومة جديدة على إيريكا لكن هذا لم يمنعها من تصنع الدهشة: حقا!
أومأت بحركة إيجاب: أجل ، فأنا و والدي كنا نذهب للتبرع بالميتم الذي هم كانوا به ، و بعدها بدأت الذهاب لهم كلما سنحت لي الفرصة.

كانت عيني كاوروا تتوسع لتظهر لمعان بؤبؤتيها البنيتان لإنعكاس الشمس التي تعلوهم: و ما ميزة هيجي.
بلعت ريقها و أنزلت رأسها حياء: قد تقدم لخطبتي في العطلة...
ما كادت أن تتم جملتها حتى احتضنتها كاوروا فورا: وااااااو ، ليندا و لم أعرف عن شيء كهذا إلا الآن...
كانت تلك صدمة لإيريكا أيضا، أن يكون متقدما لليندا و هما على هذه العلاقة الجامدة، إذا كيف سيتم زواجهما...؟!
لذا بدأت بمقدمة استفساراتها: و لم توافقي؟!
انفعلت بقولها: أنا كنت مصدومة فقط، فلم أكن أظن أنه سيفعل ذلك... و كل ذلك لأنه علم أن ابن عمي الذي يعيش في سويسرا يود خطبتي...
تنهدت و اعتدلت بجلستها:... حتى ابن عمي فاجأني.
كاوروا: أفضلت ابن عمك؟
ازدادت تساؤلات إيريكا و تعجبها من هذا الماضي الذي ابتعدت أحداثه عن أسباب النتائج التي سيظهرها الزمن: و ما الذي جرى؟
باتت تحلق للسماء و كأنها فتاة حالمة و هي تشد على العشب تحتها : خسرت فرحة الماضي لا غير.
ارتخت ملامح كاوروا بملاحظتها أن ما حدث ليس قصة حب عادية أو شيء يدعوا للضحك: خسرت الماضي!...ماذا يعني هذا؟!

ابتسمت مخفية بعض الحزن: حسنا، والدي رفض هيجي فورا... و هيجي أثبت لوالدي أن ابن عمي كاموي لم يشفى من مرضه النفسي الذي كان يتعالج منه... و منها والدي قال أن لا ألتقي بهيجي أو أصدقاءه...لذا، خسرت أجمل اللحظات التي كنت أقضيها مع أصدقائي.

كاوروا بعتاب: لم؟...ألم ينقذك من ذاك المريض النفسي؟!
أسندت رأسها على شجرة الكرز خلفها: لكن هيجي، كان لم يدخل الجامعة و لم يكن مقررا لأي شيئ و لامال و لا سكن لديه، و والدي الذي يخشى على ابنته المدلله الوحيدة لن يعطيني إياه طبعا.

فهمت إيريكا كل شيئ ، فإن مقدمات المستقبل الواعد قد بانت... فهو يدرس بالكلية العسكرية و لديه عمل... و السكن مهيأ تقريبا... لذا قررت إبداء مرح على حساب ليندا: أخبريني ليندا، لو كنت تحت الخيار...من كنت ستختارين؟...
ابتسمت ابتسامة سخيفة تثير خجلها:... هيجي، أم ابن عمك؟
باتت تتغير ألوانها...أخضر...أزرق...أحمر.. و شعورها بحرارتها التي باتت ترتفع و كأنها تستهدف الأربعين: لا أعلم... فأنا لم أفكر بالأمر.
بدت كاوروا غير مستكفية بالجواب الذي دخل مسامعها فهزت صديقتها قائلة: هيا هيا...فكري بذلك الآن.
فتحت زر قميصها لتبعد حالة الإختناق عنها: قلت لا أعلم.
تكتفت إيريكا مغمضة عينيها : هي...أليس هروبك منه هروبا من أحاسيسك بالأولى.
اعتلت ضحكات كاوروا: لا تقوليها...
صرخت ليندا بوجههما: ليس كما تتوقعان... لا تفسرا كل شيئ كما تريدان.
اعتلت ضحكاتهما لتستدرج ضحكتها الأنثوية هي الأخرى.... لحظات لن تمحى من الذاكرة...
و من الجميل جمع ذكريات تزهوا بها الحياة و تنسى بها الهموم....
عل الأيام تخون لكن الذكرى تبقى بدرس أو ببسمة تجتاز الوجه كلما مرت بالذهن....
و للذكرى رموز و عبر.....
و ذكرى الفتيات صداقة مؤنسة على ما يبدوا...



توقف دون مقدمات و قال بصوت جوهري غامض: ما رأيك بالدخول و التحدث؟
وجهه و ملامحه التي بدت مجهولة كانت تعني شيئا واحدا له _ لدي شيئ لقوله _ ، لذا فهو تقدم مجيبا : حسنا، لنأخذ نقاهة.
دخلا بالمقهى الذي بدا متواضعا أكثر أي شيئ باللون الخشبي الطاغي عليه و اتخذا مقعدين متقابلين....


تشابكت يديه تحت ذقنه بادئا: إذا، ما الأمر مع صديقي هذا اليوم؟...لن أصدقك إن قلت أنك أتيت لقليل من الراحة.

نظر نظرة استحقار لما سمع: هل تظن أني سأقول شيئا سخيفا كهذا؟... أتيت لأبلغك مايجري حولك.

بات جديا بشدة : مايجري حولي!...هل هناك خطب؟!
شابك أنامله فوق الطاولة بإمتداد قليل: أقصد ليندا.
حدد نظرته نحوه: هيجي ، ما بال هذا الوضع الغير طبيعي بينكما؟
رفع حاجبا بإستهزاء بارد: للتو قلت أني سأحادثك بالموضوع.
عاد للخلف مستندا على مقعده: أسمع.

كان باديا لحديثه لكن ورد مقاطع ود لو يوسعه ضربا ، ذاك الذي انحنى ببزة رسمية قائلا: ماذا تطلبان سادتي؟
ضرب الطاولة مجيبا عاضا شفتيه: أن تغرب عن وجهي.
فتح حدقة عينيه لآخرها للذي سمع: ماذا؟
أشار له ريو قائلا: لا تهتم له، فمزاجه سيئ هذه الفترة...فقط أغرب عن وجهه حتى يطلبك.
اغتاظ النادل حقا من أسلوبهما اللائق حقا معه!
قد تكون هذه أول إهانة يتلاقاها دون سبب... لكن عمله يجبره على الإنحناء احتراما و الإبتعاد دون افتعال مشاكل....
أشار ريو للمبتعد : ما كان يجب أن تكون فظا معه، لاتنسى أنك بعد أيام ستكون مكانه.
ازداد ضجر هيجي بتذكره موقعه السخيف بذاك المطعم: إن استمررت سأخرج دون التحدث بشيئ.
تل خصلة من شعره الأسود ليؤلمه قيد أنمله: هل الكلام حولها صعب عليك لهذه الدرجة؟
أجابه بإسترسال: بالطبع و أنا على شرفة إخبارك بتقدمي ل...
أوقف كلماته بعدما استدركها ليقول معدلا جلسته واضعا رجلا فوق أخرى: تبا.
ذهوله كان واضحا بشدة...كيف لا وهو يعرف للتو أن صديقيه كانا على أهبة الزواج دون أن يعلم شيئ...و من، شريكه في غرفة نومه..و صديقه كالأخ !
ما لبث أن حرك وجهه بسرعة نفيا لما لم يستوعبه: هي...هي...هي، لا تقل لي أنك فعلتها؟!....تمزح...لم استعجلت و أنت لم تكن تملك شيئ... أجزم أن السيد جاك خيب آمالك برفض لامثيل له، كيف له أن يزوج ابنته التي يسميها جوهرة بشاب عطال بطال لا يكاد يملك قوت يومه.

ارتسمت على وجهه تقاسيم الغضب: كل هذا بسبب ابن عمها المجنون ذاك... لقد تجرأ و طلب يدها من السيد جاك مما أغضبني و جعلني أطلب يدها أنا الآخر.
بدأ يأخذ أنفاسه بصوت مسموع و ريو يتحدث: أتقصد كاموي الذي كان يكذب بشأن علاجه... هل ذاك الهستيري تقدم لها حقا؟...واو... و ماذا حدث.
رفع هيجي كتفيه و قال بغير مبالاة أظهرها: كما قلت تماما.

بدا ريو مقيدا بتفكير حين نظر لصديقه بأمل: لكنك الآن تملك عملا و راتب، و يوري لن يبخل بمساعدة، تستطيع الحديث معه ثانية...
زفر ثم نطق بكلمات يائسة: و هل تظنه سيتقبل كلامي؟... منذ ذلك الوقت و هو قد منعني حتى من الإحتكاك مع ليندا، هو لا يريد أن يحصل بيننا لقاء البته..
" و رأيها هي؟.."
"ما أدراني...لم تتح الفرصة لأي شيئ.."

ابتسم ريو مسخفا به: هل استسلمت لشيئ كهذا؟

و بثبات عيني هيجي فهم المعنى، و بعدها استمرت تداول الجمل بهذا النقاش لفترة... فترة وعي بها هيجي خطأه تجاه هذا الصديق الذي لن يحصل على مثيل له أبدا.... فبعد معرفته لسبب تفرق الشمل.... واضعا نفسه للمساعدة.....
هذا هو ....
صديق يرد الروح....



انتشرت صدى تلك المسيقى الهادئة من مسجل خلف الستار ، و اشتعل المكان بريقا للمعان الزينة الموزعة في الأرجاء....
و طاولات و مقاعد كستها الألون الفضية المزخرفة....


أجل، فها هو وقت الإفتتاح قد حان، و توافد الناس بدأ بالتزايد تحت أثر العروضات المغرية اللتي تكفل بها ريو....

مسابقات، تحديات، جوائز و أطباق مجانية....

و الأرنب الزهري الذي ارتداه يوري جذب الكثير من الأطفال مع أهاليهم...
لا يستغرب من أب المستقبل سوى هذه الطفولية...!

وقوف هيجي و هاروكي بات شعلة الإنتصار بإنحناءهما المظهر للتواضع، و مازاد المنظر بهاء اصطحابهما للزبون لمقعده المخصص له...

و النادلتان اللتان باتا شمعة الحدث بجمالهما الخلاب و ضيافتهما المميزة، حيث كانا يرتديان زيا بنفسجي داكن اللون مشرشر الأطراف و الأكمام باللون الأبيض...
كل شيء كان رائعا و منظما...و لو شئت تحت حالة من الإنبهار سميه _مهرجان صغير_ و ليس حفل افتتاح...

لأول يوم، كان العمل شاقا و مهلكا للجميع دون استثناء.... حقا شيئ مزعج، لكن الوجوه المبتسمة و الضحكات المتعالية و التفاعلات المبهجة... تجعل بهذا الإفتتاح راحة غريبة تشدهم للعمل....

مرت الساعات و حان وقت الإغلاق...
بل وقت التنظيف و الإنهاك مجددا..

حينها لاحظ ريو اختفاءها، واضح المقصود... اختفاء كاوروا الذي شق ابتسامة لطيفة لكونه علم سر عدم وجودها..

توجه نحو مكانها و لاحظ ترقبها انتهاء الفتى من أكله، و يبدوا أنها جلبت كعك الحفلة أيضا...
ترك ناظريه تحدق بالصغير و لقلبه استشعار فرحته، هذه حالته منذ الطفولة... يبحث بين ثنايا جنانه عن حزن و فرح أمثاله...لأنه يعرف حق اليقين...
_
أن لا أحد يعرف الألم سوى ذائقه

نطق كاسرا صمته: أنت تستحقين الإعجاب كاوروا.
انتبهت لمصدر الصوت: و أنت مثير للإشمئزاز.

تجاهل كلماتها و تقدم للفتى مبتسما: مرحبا يارجل...كيف حالك؟

نفض يده المتسخة و مدها نحوه: أهلا.

بادله ريو المصافحة: حقا تبدوا كرجل صغير، مسرور لرؤيتك.

رسم بسمة بريئة: أنا نيكولاس.
اصطنع الدهشة: واو...اسم أجنبي...جميل.
أوجه نظرتيه للواقفة بجانب ريو: هذا ما أسمتني به الخالة كاوروا، فأنا لم أكن أملك إسما.

حاول إخفاء مشاعره المتناقضة و المتيقضة داخله: حقا.

قلوب كالحجر تترك ابنا كالملاك الطاهر في طرق تجلب له اسما كالمتشرد و قلب يحنوا و يسميه دون رتبطة دم، أعجب الدهر هذا!
تركهما نيكولانس ذاهبا بعد وداع...
و هما هزا يديهما استجابة له....
" تعرفين..؟"
"ماذا؟"
" لا تلوثي هذه اليد التي تسعد هذا الطفل..."
" إن كنت ترمز للسرقة فأنا كففت عن ذلك...لتطمئن"
" قصدت كل شيئ...لم أقصد الإهانة "
"فهمت"
" هذا الطفل يقدس يدك أكثر مني..."
بانت نبرة الإنزعاج: كف عن قول هذا ريو.
تقدم عائدا لأدراجه: لنكمل عملنا.
تبعته برد الإبتسامة التي واجهتها و كأنها مجبرة على ذلك: أجل.



خرجوا جميعا بعد عمل مريع فعلا متجهين للراحة في مساكنهم... و يوري أقفل الباب: انتهينا.
أدار جسده نحوهم و قال لهاروكي و هيجي:عملكما جيد .
هيجي: أعرف.
هاروكي: شكرا لمدحك الذي لم أنتظره.
أدار حدقتيه نحو الخمسة أمامه: جميعكم في طريق واحد عدا هذه الفتاة...
أتم مكملا:... فليتطوع أحدكم لتوصيلها فالوقت متأخر.

رفعت حقيبة الظهر الكحلية بتثاقل: لاداعي لذلك، فأنا سوف أوصل هذه الحقيبة أولا.
أنزل نظارته بسبابته : و هذا أسوء آنستي.
اكتفى هيجي بالإبتعاد عنهم تاركا الموضوع: آسف، أنا متعب.

و أمسك هاروكي برقبته متصنعا شد عضلاتها بتمرير كفه عليها: و أنا أحتاج للراحة ، اعذروني.
أشار يوري لريو بعينه: وقعت القرعة عليك ريو ...اهتم بها.
قال بإمتعاض و إحتجاج: لم أنا، فالتوصلها أنت .
ابتعد عنهما معلنا لهذا النقاش نهاية: ليس من الصالح ترك أختك وحدها أكثر.
حينها ابتعدت كاوروا بغيظ: سلعة تبادل...أستطيع تدبر أمري.
لحقها يوري ملاحظا استياءها: لا تغضبي...
لحظات هادئة تخللها التمعن بالأطراف ، حتى قالت ساخرة: ريو، ألا تظن أنك نسيت شيئا؟

لم يتح لعينيه النظر لها فهو مركز على مسير خطاه أمامه: ماذا مثلا؟

" عن وجهتي..."
" أمشي معك لوجهتك... لا حاجة للسؤال ...إلا إذا..."
ابتسامتها البلهاء أوصلته لمفهوم واحد:...لا تدلين وجهتك و ترغبين بمن يدلك.
شبكت يديها خلفها و أمالت رأسها : أهم..فهمتها ياذكي.
ضرب ظهرها بخفة: و ها أتلقى كلمة مديح منك... الدنيا تريك العجب.

تقدمت و أعطته ظهرها: كانت سخرية ياغبي.
تقدم و ضغط على كتفها الأيمن بيسراه: تنقلب الموجات بسرعة.

مدت له ورقة مطوية ليفتحها ناظرا للسطور : أها...عنوان بسيط، و قريب أيضا.
أعاد ورقتها و نزع الحقيبة عنها: ثقيلة، كيف تحملينها؟

توجها نحو الوجهة المطلوبة و هو يستفسر واضعا حقيبتها فوق كتفه الأيسر : لم ستذهبين لهذا المتجر؟
" لبيع الحقيبة.."
قطب حاجبيه قليلا بتعجب لم يدم ...
" أنا أبيع بعض السلع لأصحاب المتاجر الإلكترونية... لدفع ديونه.."
نظر لها بنصف عين نظرة عجب و رضا : أنت مثيرة للإهتمام .

أبعدت وجهها بتوتر من عينيه التي باشرتاها و أخفت هذا التوتر خلف كلماتها: كلماتك مثيرة للريبة .

تنحنح قائلا بجدية مفاجأة: الحركات المثيرة للريبة يرد عليها بكلمات مثيرة للريبة.
تصلبت مكانها دون أن تعرف سببا لجملته الغريبة، ليباغتها بقول: أمزح .
ودت لو تنقض عليه كالأسد الهائج لكنها تركته و مشت قدما: دعنا نسرع فقط.

فترة و هما أمام بوابة زجاجية مائلة للون البرتقالي المنعكس بأنوار المكان الداخلية....
تقدما و ما أن رأيا صاحب المتجر الواضع عصابة فوق الرأس ليصبح شعره الأصفر الفاقع واقفا كأعواد كبريت مصطفة انقبض قلبيهما...


نهض من مقعده الأسود متجها نحوهما: تفضلا.

نظراته التي لاتبشر بخير جعلتها تفكر بالخروج تاركة أمر الصفقة، لكن وجود أحد بجانبها شجعها: أنا ابنة السيد ميشيل.

ابتسم بشر : أوه، مرحبا بك... لم أتصور أن السيد ميشيل يمتلك فتاة بجمالك.
كلمات كافية لتجعل أي فتاة يقشعر شعر جسمها ، فمدت يدها نحو الحقيبة التي انتزعها الآخر كتسهيل لها...

وضعتها فوق الطاولة الرمادية قائلة بغنج: و هذا ماتريد؟ ... ائت بالنقود .
قال بإستخفاف : أوه، تبدين صارمة.
فتح الحقيبة ليتأكد من بضاعته: جيد.
تركها ملقاة و توجه لغرفة جانبية: انتظرا.

كان ريو يهز قدمه بسرعة، و كأنه وضع في فرن للطبخ...
جرت ياقة قميصه بإنزعاج: هللا كففت عن تحطيم أعصابي بهذه الحركة المزعجة.
أبعد يديها : آسف، هذا الرجل يغيضني بشدة .
التفت عينيه نحو المكان لتتوقف نحو البياض الظاهر من رأس الحقيبة: كاوروا.
" ها.."
اقترب مخرجا كيسا شفافا بداخله طحين أبيض: ما هذا؟
أجابته بإستغراب: و ما أدراني..اتركها قبل أن يأتي صاحب المتجر و تصبح بمشكلة.
فتح الكيس دون اهتمام بما قالته: إن لم يخب ظني فنحن بمشكلة.
تذوق قليلا منه ليقول: هروين!
لم تستوعب ماقاله بتاتا: قلت...هروين!
أمسك بيدها و هم بالخروج و بدأ يدخل بأزقة و يخرج من أخرى دون هدف، حتى رماها على حائط زقاق مغلق رمية تسقطها مع صرخة ألم بادية: أيتها المجنونة، كيف لكي أن تتاجري بمخدرات؟!

بدت هذه الكلمة بمثابة صاعقة فوق رأسها و لم تستطع فهم شيئ حولها بعد سماع هذا الخبر المهول...: أنا..لم...

لكن صدمتها لم تكن تهدئ ثورته الحامية: ..لم ماذا؟ ...ها، لم تكوني تعلمين... سخافة، و أنا السخيف المتأثر بطيبتك المزعومة... يدك ملوثة بمخدرات، أتعلمين كم تحطمين من حياة بشر... هل أنت إنسانة ؟.....

أراد إخراج المزيد و المزيد مما يحرقه لكنه بهت بها....
اقترب و انحنى لها ، فذي الدموع تشق طريقها بصمت و جسدها يرتعش دون توقف.... و لسانها يكرر شيئ واحد بشكل لا يكاد يفهم: أنا... أتاجر مخدرات....
يتبع....





الأسئلة:
سظ،: ماذا سيحدث بين هيجي و ليندا، هل سيجتمعان قريبا..أم ستظهر عقبات جديدة؟

سظ¢: لم قال هاروكي أن قصة هذا الماضي حزينة؟

سظ£: ماقصة المخدرات التي اكتشفها هاروكي بحقيبة كاوروا؟

سظ¤: هل كاوروا بالفعل لاتعلم؟ و هل لوالدها علاقة؟

سظ¥:ماذا ستكون ردة فعل ريو؟

سظ¦:هل هناك نقطة مشتركة بين تجارة كاوروا و مقتل والدي نيك؟

سظ§: هل أعجبكم البارت، أجمل مقطع؟

سظ¨:انتقادات؟
.



.


 
 توقيع : ورده المودة

















إخوتي
إني أغضب لأجلكم و منكم
و أحزن لأجلكم و بسببكم
و أبتهج لأفراحكم و تفائلكم

فتحملوا أخوتي هذه
هي كل ما لدي لكم



التعديل الأخير تم بواسطة جلنار | Gulnar ; 03-04-2020 الساعة 10:23 PM

قديم 03-04-2020, 07:30 PM   #10
ورده المودة
في جوار ربها ، اللهم ارحمها واغفر لها وتجاوز عنها


الصورة الرمزية ورده المودة
ورده المودة غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 104
 تاريخ التسجيل :  Apr 2012
 المشاركات : 221 [ + ]
 التقييم :  277
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة


.

















.






- 9 -

....أمنية العودة....


بدت هذه الكلمة بمثابة صاعقة فوق رأسها و لم تستطع فهم شيئ حولها بعد سماع هذا الخبر المهول...: أنا..لم...

لكن صدمتها لم تكن تهدئ ثورته الحامية: ..لم ماذا؟ ...ها، لم تكوني تعلمين... سخافة، و أنا السخيف المتأثر بطيبتك المزعومة... يدك ملوثة بمخدرات، أتعلمين كم تحطمين من حياة بشر... هل أنت إنسانة ؟.....

أراد إخراج المزيد و المزيد مما يحرقه لكنه بهت بها....
اقترب و انحنى لها ، فذي الدموع تشق طريقها بصمت و جسدها يرتعش دون توقف.... و لسانها يكرر شيئ واحد بشكل لا يكاد يفهم: أنا... أتاجر مخدرات....
جرد نفسه من غضبه و أمسك كتفيها بيديه ليهزها بهلع: كاوروا...كاوروا...هل أنت بخير؟!...اهدئي...قلت اهدئي..

لكن لم يكن هنالك وقع لكلماته بفتاة سحقت توا، و من من..... ؟! على الأظهر أقرب أهل الدنيا لها... ذو اليدين الدافعة و الهمهمات المهدئة....
سيل من الدموع و شهقات لم تمتلكها مكتومة داخلها ظهرت و صرخات تلوها اعتلت...
منظر يصعب القول بأنه تمثيل و تمسكن...ليته يفهم...ليته يعي، أنها للتو انتزعت مفاهيم الإنسانية و للتو عرفت أن لا أساس لها...

رفع يديه نحو رأسها ليثبته أمامه جاعلا نظرها موجه لوجهه: انظري، أنت لم تكوني تعلمين...لا بأس..أصدقك، أقسم أني أصدقك...فقط اهدئي.
ازدادت حدة في البكاء بالنظر لبؤبؤتيه و كأنها تذكرت كلمات ودت لو تصبح كالحلق في أذنها..." أرجوك..لا تلوثي هذه اليد..."....
استمرت في إطلاق شهقاتها و حاولت أن تنطق بما يحتكر ذهنها:.... ريو...ريو...أنا.... لقد....أنا...
كانت بالكاد تخرج كلماتها العشوائية و هو يحاول بدوره التخفيف عنها ، لكن...بعد دقائق جسدها استلسم للصدمة راميا نفسه فوق من بجانبه ليبدأ بهزها بعنف : هي...كاوروا، كاوروا....




لم تفتأ دموعها عن النزول، لكن صرخاتها توقفت و شهقاتها هدأت.... و داخلها حرب مع أفكار داخلتها...

فتح الباب الرمادي الخفيف معلنا دخول جالبها لهذا المكان، كان بيده علبة عصير قد جلبها لاستعادة بعض الطاقة....

وقعت عينيه عليها ليقترب جالسا على الكرسي بجانب سريرها: استيقضتي؟...بت قلقا.
كانت توجه وجهها نحو النافذة التي تعلوها يسارا، و تمعن النظر في ما يقابلها خارج تلك النافذة دون أن تعيره أدنى اهتمام...

فكل ما أرته ريو دموع و تأوه يحرقانه دون أن يستطيع فعل شيء... بدأ بكلماته المبينة لتأنيب الضمير: كاوروا، أنا آسف... انفعلت فجأة دون حتى سؤالك ...حكمت عليك بسرعة، لا أتصور أنك ستسامحيني بيوم أو يومين بعد كتلة الإهانات الموجهة تلك.

أنهى جمله منتظرا ردة فعل...صراخ، بكاء، كلماتها الغاضبة، أو على الأقل دفاع عن نفسها...
لكن الجواب لم يكن سوى الصمت و التجاهل دون حركة منها.....
وضع العصير على طاولة جانبية صغيرة ثم مدها نحو يدها الممتدة مع بعض الإرتعاش و أمسكها بخفة علها تستشعر منه بعض المواساة و التخفيف عنها: أعتذر حقا لقسوتي...
أتم بكلمات خالطها الحنان ... تلك السمة المهدئة لأوساط الجنان: كاوروا من الطبيعي أنك منصدمة، ما أن تفاجأت بالخبر الذي نزل كالصاعقة حتى أخذتك و أطلقت عليك بوابل من الكلمات القاسية، لكن الآن أنا أقول و بصدق أنك إنسانة بمعنى الكلمة، الفتاة التي تعرفت عليها مؤخرا إنسانة لاتطيق رؤية جوع فتى... أتعرفينها، تلك الفتاة التي تخبئ حنانها...طيبتها... و تظهر جرأتها... صرامتها... قوتها... كاوروا، لا تظهري ضعفك لبضع كلمات مستهترة، كوني ثابتة كما عهدتك.

و بالرغم من كلماته النابعة بصدق إلا أنها ظلت كما هي...
" هل تودين مني الخروج"
صمت.....
ترك يدها و نهض: حسنا، سأخرج الآن...خذي قسطا من الراحة، إن،احتجت أي شيئ قومي بمناداتي...سأكون لدى الباب.

التف بجسده متوجها لحيث قال لكن صوتها المغبون أوقفه: ريو...أبي....
أسرع بالتوجه لها ليراها ترمقه بنظرة تائهة: هي، كاوروا مابه أبيك؟
شدت قبضتها على ذاك الغطاء الأبيض: هل أبي كان يتاجر المخدرات بواسطتي؟...هل كنت سلعة لأنظار الحقارى منهم كوسيلة تجارة قذرة؟...قل لي ريو، هل أبي وضعني في التهلكة عوضا عنه؟!

توسعت عيناه لتظهر خضرة بؤبؤتيها بوضوح... لقد فهم توا ما مخافتها و سبب صدمتها.... هي تشعر بالضياع، و الحيرة لما هو مجهول تجاه والدها... جلس ثانية قائلا: تمزحين كاوروا؟!.... أنا واثق أنه لا يعلم أيضا، أي أب سيرسل فلذة كبده و فتاة أيضا لتجارة قذرة كهذه....
مسح دموعها متما: لا تدخلي هذه الأفكار التي لا أساس لها في عقلك، حسنا.
وجهت سؤالا جعله في موقف صعب: أصدقني القول، هل من الممكن أن يكون والدي يعلم و يتخذني وسيلته؟

اقترب جالسا على حافة السرير الممتدة عليه: ماذا تريدين سماعه مني؟
رفعت يديها صارخة: آاااااااه، ما بال وجع الرأس هذا؟...
قاطعها ريو بمد ذراعها ثانية لتتألم قليلا : ما الذي فعلته؟!....كدت تكسرين الإبرة في يدك... ألا تعين أنك على سرير المشفى موصولة بالمغدي...أنظري مافعلت.
دققت بذراعها التي بدأ الدم بالسيلان منها: هل أنا بمشفى؟!
بدأ بلف خرقة بيضاء كانت متواجدة على الطاولة: غبية، الدم يسيل على يدك...بعد أن أغمي عليك أين سأذهب بك؟

رسمت بسمة خفيفة وسط ذاك الحزن: لقد أتعبتك معي.
بادلها الإبتسامة: جميل أن أرى بسمتك الآن، هذا ما أريده...أن تكوني قوية.

أرخت ملامحها: أشعر أني حوصرت في الظلام، لا أستطيع رؤية شيئ و لا أفهم ما يدور حولي....أه، ليتني...ليتني أختفي من ذلك الظلام...ليتني أختفي...

وقف ريو خاطيا خطوات نحو النافذة الطالة على ظلام السماء العالية: أنظري كاوروا...
أجابته بعينيها قبل لسانها: ماذا هناك؟
رفع سبابته مشيرا: وسط ظلمة هذه السماء الواسعة ، قد زينها الباري بنجوم أواسطها...تلك رسالة، أن لكل شدة و عسر يسر يتلوها....هذه النجوم هي الأمل...

لفته شيئ آخر ، شيئ يشع في كبد السماء منيرا تلك العتمة: واااو، لحظك أن البدر مكتمل أيضا.... ذاك هو الأمل بذاته، أظنه أنا الآن...ما رأيك؟
اصطنعت الإنزعاج بسماعها جنلته الأخيرة: أنت مغرور ريو...
أعقبت بعد أن أصبحت جدية:...لكنك محق، في هذه الأثناء أنت من خفف عني و أشعرني بالراحة...لذا قد تكون محقا، أنت البدر المتلألئ وسط ظلمتي.
ابتسم ابتسامة عريضة مقتربا منها: أوه، أنا بدرك إذا... لا بأس، سأنير لك حياتك مادمت ترغبين بذلك.... محظوظة بي أميرتي.
اشتعلت غضبا قبل الخجل و رفعت يسراها المتحررة علها تصل له: أخبرني فقط، كيف حرفت مقصدي...ها؟... من أميرتك يا أبله؟... سوف أريك...
بسط يده فوق يدها ليعيدها مكانها و قال بأسلوب مستفز: مابال الغضب هذا ؟!... لا يجب أن تخفي جمال ملامحك خلف غضب لاطائل له.
عضت على شفتيها بقوة نسبيا: كف عن ترهاتك و إلا قتلتك بيدي.
اعتلت ضحكاته لتزداد غيضا لكنه قال: ها قد عادت كاوروا.
فهمت ما يرمي إليه فاكتفت بالشكر ممتنة: ريو، شكرا لك.




"أسمع دقات قلبك...لا داعي لكل هذا التوتر"

شدت على يده التي احتضنتها خوفا...
" ماذا لو علم بمعرفتنا للموضوع و غضب؟... سنكون بوضع لا يحسد عليه. ."
" لذا أوصلتك بنفسي، سأحادثه"
"هيييييه...تمزح، يجب أن لا يراك و إلا..."
قاطعها...
"..و إلا، إن كان بعصابة أو ما شابه...فسأوقع نفسي بالتهلكة، لا تخافي علي...أنا في طريقي لأصبح شرطيا، و لدي بحث عن المخدرات أيضا...لذا، سأعد دخولي هذا المنزل إتماما لبحثي.."

دفعته بعيدا متحولة لغضب ، و بدأت تحرك يدها نحوه بنوع من الهمجية: و أنا القلقة هنا، كانت هذه فرصة فرارك ياهذا...لكن بما أنك أهوج، اتبعني.

تبعها مظهرا وجها بريئا لطفل لايعي ماحوله: للتو كنت لطيفة...على كل حال ، تظاهري بالفزع أمام والدك..و دعي الباقي علي.

اكتفت برمقه نظرات حاقدة قبل أن تخرج مفتاحها و تفتح البوابة ....
دهشته لم تكن أقل من سابقيه برؤيته مساحة فارغة سوى من طاولة أحاطتها بضع كراس خشبية...
و يبدوا أن هذه الطاولة هي مشتراة للتو...

أخبرته بالجلوس و توجهت لحيث المعني والدها و طرقت باب غرفته: أبي...أبي...
فتح الباب ذاك الرجل ذو الملامح الأربعينيه و هو يفرك عينيه النعسة : ماذا هناك كاوروا؟
كانت تلهث و الدموع قد ترقرقت في عينيها: أبي...
كانت علامات التعجب بادية و قد اختلطت مع قلق ظاهر: ابنتي، ما الذي جرى؟!... أقلقتني بتأخرك و الآن تظهرين بهذا التوتر.
أسقطت جسدها على والدها مستسلمة للدموع أمامه، لم تكن تمثيلا مطلوبا بل هو اخراج لمايختلجها بحظن دام دفئه بعد فقد والدتها ....
رفع يديه لمواساتها فيد تحتظنها و الأخرى تمسح على شعرها: حقا، ما الذي جر ماستي الصغيرة على ذرف الدموع؟
أبعدت نفسها عنه مكفكفة دموعها: أبي، هناك شخص يود محادثك في الأسفل؟
قطب حاجبيه بصمت ثم قال: من..أحد أصحاب الديون؟
حركت وجهها نفيا ثم جرت كمه ليتحرك خلفها: لا بالطبع، أنا لن أسمح لأحد ألئك الحمقى أن يعرفوا بوجودك هنا.

التقيا بذاك الشاب الجالس جلسة وقار واضعا رجل فوق أخرى و يديه تحت ذقنه، ملامحه البريئة قد وجهت ...في الحقيقة، للامكان!
و ما أن تنحنحت كاوروا حتى وقف وقفة تواضع بإنحناء ناطقا ببعض الرسميات اللبقة: مرحبا سيد ميشيل، تشرفت بلقائك.

تقدم و التعجب لم يفارقه منذ رؤية ابنته: أهلا بك.
وجه كلامه لإبنته التي اتخذت مقعدها قرب ضيفهم الغير مألوف له: لم تخبريني عن صديقك هذا بنيتي .
أجابه الشاب قاطعا طريق الإجابة عنها: أنا ريو...زميل الآنسة كاوروا في العمل، لذا فنحن التقينا في الآونة الأخيرة.
لاحظ لكنة التكبر لدى ذاك الفتى الذي بدا يستقبل موضوعا جديا فحول مناط حديثه قائلا بلحن غريب: آه، فهمت..

أردف بجدية: و الآن، هل لي أن أعرف ما الخطب؟...لا تقل أنك أتيت لخطأ اقترفته ابنتي، لأني لن أكون أحمق و أصدق.

بسط ريو يسراه على الطاولة: سيد ميشيل، ابنتك وقعت في ورطة بل مصيبة.

دقق على ملامح الرجل الذي يقابله ليرى أنها ملامح خاوية من شيئ سوى حنو أبوة ظهر بتحديقه صوبها ليتم: سيدي، إن الحقيبة التي أوصلتها كاوروا اليوم كانت تحوي على الأقل على خمس أكياس مملوءة بالهيروين.

اتسعت و جحظت عينيه العسليتان بعد لحظات: ماذا قلت للتو؟!

جملة جعلت كاوروا في راحة بعد التشتت، و جعلت ريو في شكوك بعد اطمئنان...
فبالنسبة لصاحب حدس مثالي مثله ردة فعل تكتفي بهذه الجملة الباردة بعد سماع خبر صاعق كهذا شيئ مثير للريبة...

"أجل يا سيد، لذا هي في حالة ذعر..."

اكتفى بمسك يدي ابنته الممتدتان أمامه: لم أكن أعلم، يبدوا أني أدخلتك في قضية يصعب الخروج منها.

ابتسمت لوالدها و بادلت يديه بالشد عليها: أبي، أنت لم تكن تعلم و كذا أنك لم تجبرني على العمل، أنا وافقت من طوعي..لا تنس هذا.
نظر لهما نظرة مملة : هللا توقفتما عن هذه اللحظات الدرامية و أعطيتما الموضوع جدية.
نظر له السيد ميشيل نظرة برود عكس ابنته التي عضت شفتها بأسنانها و قالت بغيظ: يبدوا أنك شبعت من عمرك هذه الليلة.

لم يعرها أي من الرجلين اهتمام بل تحدثت نظراتهما المتلاقية بما لم تفهمه هي....
اخترق الصمت الأجواء حتى نطقت هي: ريو، أليس من الجيد التحدث مع الشرطة؟
وجه وجهه نحوها بحركة خاطفة: بالطبع لا..
"لم؟"
أجابها والدها: إنه محق... مادمتما رأيتما ما بالحقيبة فهما يترقبان هذه الحركة؟... حينها، متاجر كهذا سيمحوا كل دليل و سبيل يدل عليه لينجوا و ستكونين أنت المدانة لا غير...لذا لابد من التريث و التفكير بروية...

قبضت يديها بجانب جنبيها و نظرت لمن بقربها نظرة طفولية بنصف عين: إذا هروبنا بسببك هو السبب... لو تصرفت بحكمة و تظاهرت بعدم رؤية شيئ لكنا بخير.

فرك شعره مبعثرا لخصلاته: آسف، نوعا ما أنا السبب.

جرته من ياقة قميصه بعصبية: هي، نوعا ما ... لقد أقحمتني و أقحمت أبي في هذا المأزق.

كاد أن يختنق لولا ضحكة والدها الخفيفة و جملته المباغته: يبدوا أن ابنتي حصلت على فارسها...
رمته على الأرض و وقفت تلتقط أنفاسها بحرج : أبي...
أما المرمي بدأ يأخذ أنفاسه و هو يقول: نفس...نفس، يالك من عنيفة.
دلك صدره ليهدأ و ينهض مرتبا قميصه و شعره مستغلا الفرصة ...للإنتقام: دعني أخبرك سيد ميشيل، أني تشرفت بسماع أني بدر حياتها اليوم.
نظر لإبنته بتصديق لما سمع: حقا، كاوروا أخيرا ها قد وقعتي في...
قاطعته بغتة بوضع يدها على فمه: مستحيل، لاتكمل هذه الجملة الغبية...الأمر لم يكن كما يصف .

أطلق ضحكة جهورية لرؤية مدى خجلها و حمرة وجهها: صدقا، انتقامي كان مناسبا .

ضحك الآخر بعدما استوعب ما يجري: فتى مشاغب، لكنك أعجبتني...
انحنى بلباقة : يسرني سماع هذا .

عندها أنهت كاوروا جل المحادثة: اسمح لي سيد ريو أن أقول لك أني متعبة لمجريات هذا اليوم و يتوجب علي أخذ قسط من الراحة ، لذا أخرج و دع حديثك المهم للغد...
أخرجت لسانها الذي يدعي الإنتصار و توجهت لمستقر راحتها...
رفع كتفيه بلا مبالاة: انظر سيدي لإبنتك..طردتني.
نظر بحنية لحيث ذهبت: حسنا، هي منهكة كما تقول..دعها تتناسى ما يحصل حولها، تكفيها الهموم التي تكدست عليها.

((هموم تكدست عليها...!))

عاد للواقع بتربيت الرجل على كتفه:... لكن يبدوا لي أنك مميز و مهم لها لتعاملك بهذه العفوية، هي لا تتصرف هكذا مع أي شخص.

همس قبل خروجه بشكل لا يكاد يسمع: أظن، أنا أيضا ... أبادلها الشعور.




لم تكن تلك الليلة المقمرة محتكرة لإثنين بين الخلق بل كانت تطل على جميع الأزقة... الشوارع ...و تخترق بضوء ظئيل قصور مشيدة..منازل قائمة... و غرف مقفلة...

و في بينها كانت غرفة شاب قد تساقطت خصلاته على وجهه بعشوائية و قد انسدل الغطاء على جسده الممتد ناويا تدفئته ...

لا يعرف كيف، لكن....
ها هو والده يعود بهذا الوقت المتأخر كعادته ... متجها لحيث يقوده ضميره أي غرفته....
خطواته كانت بطيئة و هادئة، خشية من تعكير هذا النوم كيومه...
فاجئه امتداد جسد والده بجانبه واضعا كفه فوق رأسه ناطقا بما اهتز له قلبه: آسف بني، أعرف بأني أسوء أب قد تجصل عليه... ليت الدهر يعطيني فرصة الأبوة كغيري... و ليت الساعات تهبني السعادة التي ننشدها معا...

لم يستطع التحرك و لا الرد...لا يعلم كيف ، و لم...لكن، يبدوا أنه يرى نفسه بعالم النوم...
أجل، هذا هو التفسير الوحيد... هييي، لكنه يشعر بيد أبيه...كيف يعقل ذلك...؟!
رفع يده لوجنته الملامسة ليد والده: أبي، أنت تبكي؟!

تلك ملاحظته...تلك لحظة لم يتخيل رؤيتها...أن يبكي أب على فراش ابنه ثم يحتظنه...
فهل ذلك هو الشرطي الذي عهده، صارم و حازم ... لاتهزه العواصف و لاتحركه سيول الصعاب ....

مشى مبتعدا عن تلك الزاوية ليجلس على حافة سريره مادا يده لتصل لرأس أبيه هامسا : أبي...

نزلت قطرات ماء من عينيه ليحاول مسحها ثم....
يرى نفسه على سرير متواضع أبيض، قد عاد للضياع بعدما كان بين يدي أبيه....
جلس واضعا كفه أمام وجهه لينتبه لدموعه المنحدرة: هل ذلك حلم؟!... أبي، قلت لك لا تعتذر....
مرر يده لوجنته مرة أخرى : سأتكلم مع إيريكا في هذا الموضوع غدا...
انتبه لضوء يعكس حرارته على لحافه:...أو ربما اليوم.
رفع الساعة اليدوية الموضوعة بجانب وسادته...
ليكون بثانية واقعا على الأرض بحركة سريعة غير متوازنة: يا إلهي ...
نهض ليجهز نفسه و يخرج طارقا الباب المجاور، لاجواب..
((هل يعقل أنها مازلت نائمة..؟!))
زاد طرقاته حدة و لم يتوقف عن هذا الإزعاج إلا بعد سماع صوت سقطة ليعلم منها استيقاضها: إيريكا، سأنتظرك في الأسفل...لقد تأخرنا .
نزل و استند على حائط المبنى مغمضا عينيه بهدوء ليسترخي مما رآه في تلك الرؤيا...أم هي الحقيقة بالمعنى الأصح؟!

قطعت لحظاته صوت مألوف استهدف إزعاجه: إيه، أيها الفزاعة...
فتح عينيه ناويا الرد لكن عوضا عن ذلك ... جمد... فهذا هو والده... هذا هو من يرغب بالسقوط بين ذراعيه كما حصل البارحة...

اقترب منه ساخرا ببرود يستفزه: هيه، هل وسامتي بدأت تجذب الفتيان ؟
(( لافائدة ترجى منه...))
نطق بعد أن جمع كلمات رده: بل كنت أنظر لأول غراب اقترب من هذه الفزاعة؟
تجمع هالة غضب فوق رأسه كان ملموسا: ماذا؟...
اقترب شبح مترنح محييا: صباح الخير.
نظر الإثنان لصاحب الهالات السوداء تحت العينين و الوجه الشاحب: بل قل صباح الشر.
استغرب هاروكي وضعيته الغير مألوفة، فهذا الشاب دائم البشاشة و المرح... بالدرجة القصوى ...: مابك ريو؟
رسم هيجي ابتسامة استهزاء: هذا الفتى الذي كان يدعي الإنزعاج من إيصال تلك الفتاة، نسي نفسه معها و لم يعد إلا بالثانية.
أمسك ريو بعمود حديدي كان بجانبه حذر السقود لشدة ترنحه: أوصلت معها الحقيبة و ثم استقبلني والدها ، لذا لم أعد باكرا. ..
كانت فرصة الشقاوة الصبيانية التي استغلها هاروكي: أشك يا حبيب أحدهم...
هيجي: كن على قدر الثقة و أخبرنا...نعدك سيبقى الأمر سرا...

تنهد ممسكا بياقتيهما: كفا عن إزعاجي فمزاجي متعكر للغاية، و بما أني قدر الثقة فأنا لن أخبركم بشيئ.

صدى خطواتها المسرعة و المتعثرة بين كل حين وجهت نظراتهم لها: صباح الخير.
رفع هاروكي حقيبته متقدما: إيريكا، أظن أن علي تجميع بعض الحصى.
ضحكت بخفة لتجيب: إزعاج طرق الباب يكفي.
لحقته بعد وداعهما لتترك جملة غير مفهومة استفسر عنها ريو: و لم يجمع الحصى؟!
رسم هيجي بسمة نادرة تحبو محياه: لرميه على نافذتها.
فهم ريو سبب ابتسامته فأحاط عنقه بيده: كما كنت تفعل مع ليندا...هذا الفتى يشبهك حقا صديقي.

رفع يده ماشيا عنه: لا تقارني بهذا الأهوج.



ضحكة...مزحة.... حديث جدي، هذا طريقهما المعتاد يسلكانه بإخبار بعضهما البعض عن الحوادث و المواقف التي لايستطيعان مشاركتها مع أحد...
بلع ريقه قبل أن يقول...
" إيريكا، هناك شيئ غريب حصل لي"
"شيئ غريب!"
" لقد رأيت حلما...أو عدت لزمني . لا أعلم...حين كنت نائما ، عاد والدي للمنزل و أتى لغرفتي و تحدث معي معتذرا عن اليوم... لكن لمسة يده، قد شعرت بها فعلا..لم يكن حلما.."
أطرقت بالأرض بتفكير: أنت أيضا؟
" ماذا تقصدين؟...هل واجهت هذا الأمر إيريكا؟"
رفعت رأسها: أجل هاروكي، كانت أمي تحدث والدي عن أمر ستخبرني به بعد أن أستيقظ.

صمتا فترة وجيزة متحيرين من هذا الحدث، حتى قالت إيريكا: هل نحن في حلم الآن؟
"لا أظن.."
"ماذا إذا...أزمننا تحول لحلم؟!"
"ليس هذا أيضا...أظن أننا رأينا الواقع الذي ابتعدنا عنه ، و نحن الآن في الواقع الذي تمنيته"
" أي أننا متواجدون في كلا الزمانين!...مستحيل"
" و هل ظننت أن مجرد مجيئنا سيقلب زماننا رأسا على عقب، على الأقل آبائنا ليسوا بحالة قلق لإختفاء أبنائهم"
" قد تكون محقا ... لكن ، كيف مازلنا في تلك اللية هناك؟"
" لم تسأليني عن كل التفاصيل؟... أنا مثلك لا أعلم، هذه مجرد تخمينات"
بدأت تغلق أزرار سترها الحمراء التي لم تغلقها من العجل: حسنا حسنا، لا تنزعج"
وصلا بعد دقائق ليواجههما تجمع غير متوقع و منظر يثير التوتر و القلق....
أبعدهم هاروكي مفسحا مجالا لعبور رفيقته ليهيلهما منظر....نيك..!
ممسكا برأسه بكلتا يديه و يشد بقوة ...متأوها بألم جم قد تركز لديه، يرتعش كالسعفة أو أشد...
كان المعلم يرفعه مطالبا أحد الطلاب بإبلاغ الإسعاف فهرع هاروكي مساندا في رفعه متجهون لغرفة الفحص الطبي....
لم يكن وضعا يسمح للكلمات بالإستفسار أو التحدث، بل هي لحظات تستوجب الحركة و العمل...لإنقاذ حياته!




تهز قدمها و هي واقفة تستند على الحائط و يديها خلفها....تعد اللحظات حتى يخرج من يقول كيف هو....
خرجت الممرضة مطمئنة لعدد مجتمع من الطلاب: لا بأس الآن، تحسنت حالته... و دقائق سينقل للمشفى فلا داعي للقلق...توجهوا لحصصكم .
حاولت استراق النظر لتلاحظ نيك النائم و هاروكي الذي انتبه لها بدوره مشيرا لها بالذهاب...
توجهت للفصل لترى كاوروا الذي يبدوا عليها الإنهاك و ليندا التي تستفسر منها السبب....
اقتربت منهما : صباح الخير فتيات، يبدوا أنكما لم تعلما ما يحصل...لقد استائت صحة نيك .
نهضت ليندا من فورها: نيك، هل عادت له نوبة التشنج؟!
"عادت!"
أبعدت كاوروا الغموض و هي تمسك،رأسها الذي انتابه الصداع: إنه مريض و هذه الحالة ليست بالجديدة.
كان هذا تفسيرا جيدا لتفرق الطلاب عنه فورا ، لكنه لم يكن جوابا شافيا: هو أفضل الآن، لكن ما مرضه؟!

عادت ليندا للجلوس و وجهها الشاحب لم يهدأ بعد: إنه...



تحركت رموشه لتعتلي أصوات من حوله...
" ها قد استيقظ"
" نيك، هل أنت بخير؟"
خطوات تقترب حتى توضع يد فوق جبينه: نيك، افتح عينيك نيك.
هذا هو الصوت الصادق الذي ود رؤية صاحبه... و من هو غير هاروكي؟
حاول الجلوس تاركا آثار مرضه إلا أن أيدي الطبيب سارعت بإعادته للإستلقاء: استرح الآن.
تمتم بكل ما يستطيع قوله: آسف على إزعاجكم مرة أخرى.
ابتسم المعلم و هو يضغط على ذراعه: لا تقل هذه الكلمات المزعجة بني، حاول أن لا تضغط على نفسك حتى تتماثل للشفاء.
جاراه بإبتسامة تخفي خلفها الكثير ...أهمها المجاملة...

" معلمي، تستطيع العودة...أنا سأبقى بجانبه"
نهض من مكانه مواجها المتحدث: حسنا، أتركه بين يديك...سأعذر لك غيابك.
"شكرا لك"
انحنى مودعا معلمه ، ثم جلس بالقرب من صديقه: و طيلة هذه المدة ...أخفيت موضوع مرضك..لم؟ ...ألم تقل أني مختلف عن البقية... و الكل يعلم سواي...
جواب يؤذيه أو يفرحه... يعتبره عشرة أو فراق... ففي الجواب حيرة: لا تلمني هاروكي... أنا قد تقبلت أمر مرضي و نهايته التي لن تكون سوى الموت، لكني لا أرغب حقا أن ينظر لي كل من حولي بألم لأنه يعرف أني سأموت... بالخاصة أنت، لا أريدك أن تحسب الأيام لحين مفارقتك...ذلك سيكون مؤلما فقط.

ما هذا الزمن؟... إنه مليئ بالمتاعب عكس ما اعتاد عليه... شعور بالمسؤولية و الألم و التضحية.... ما مفهوم السعادة و الراحة هنا...

كان يعلم... فوالده كان له يومان في السنة للذهاب للمقبرة...يوم لليندا و آخر لايعلم سوى أنه صديق عزيز عليه... صديق جارت عليه الدنيا بأخذ والديه بقتل بحادث وسرقة شبابه بمرض خطير...
لكن سبب النهاية يتوضح الآن، مجهولات باتت تنكشف و يلف الغموض شيئ أساسي...لم هذا الزمن بات أسرارا خافية.. ؟!

ها هو يكبر شفتيه على طيف الإبتسام ذاك ليقول بعد صمت لسماعه كلام المستلقي أمامه: على رسلك يافتى... لم يبق سوى أن تقدم لي الوصية... ما الخطب معك؟... و هذا اليأس من الحياة لا يناسب شخصا مثلك...

قاطعه ببرود: أنا أملك غدة سرطانية في الرأس.
(( ماذا يقول هذا الفتى؟!.... غدة سرطانية... لو لم أكن أعلم أنه سيقبع في المقبرة لما دخلت الفكرة... ماهذا الشاب؟... تجمعت به مآسي الدنيا...))
لم يعرف سبب تشوشه و دليل هذه الحيرة و الحزن القابع بقلبه.. مادام يعرف...مادام يترقب شيئا من الماضي... لم الشعور بكل هذا الألم... آهو الأمل بالتغيير؟... أهناك سبيل لحياته بعد مجيئهم.. ؟ ...أهناك مكان له لو أخذه معه لزمنه...
لأول لحظة يشعر هاروكي أنه يود تغيير هذا الموقف التعيس... يود أن يعيش عمرا مع صديق رائع كنيك... صديق يترقب الراحة بقربه لاغير....باتت سعادة يومين هي طموحه... و ابتسامة عزيز هي أقصى أمله... و انتقام قبل الرحيل هو هدفه ..

حاول تمالك أعصابه ثم قال،مدعيا الهدوء: و ماذا هناك؟... ليست هذه نهاية كل شيئ، أنا شخصيا أعرف طرقا عديدة لعلاجه ..نظريا طبعا.
أطلقت ضحكة هادئة تظهر مدى يأسه ثم اكتفى ببسمة: شكرا لطمأنتك على كل حال ، رغم أني لا أترقبها الآن.

قطب حاجبيه مقررا الإبتعاد عن جو البؤس هذا: يبدوا أن حالتك النفسية مستعصية، سأتركك وحدك حتى تعود لصوابك.
خرج و لم يدع له الفرصة ليرد ...كان على عجلة ... كان يهرب من تلك الغرفة التي كادت تخنقه ... قادته قدماه للساحة المتشحة بالخضرة ليطلق معها نفسا طويلا ليخرج المكبوت داخله....

لم يكن سوى فقدان صديق...بل مشاعر متضاربة ، و أفكار تائهة لا تود الإجتماع... ماض هو حاضر ، حاضر هو ماضي..
هل له أن ينقذه، هل له أن يهبه وقتا أطول للحياة...و هل يستطيع نقله لزمنه بأمل الشفاء بتلك الأساليب المتطورة؟



عاد بعد أن أعاد صديقه المنهك و ارتمى على السرير واضعا ذراعيه تحت رأسه متعمقا بالتفكير ....
فترة لم يحصيها مضت حتى سمع صوت طرق... لم يطرق أحد غيرها هذا الباب ، لذا نهض فاتحا الباب و رأى صحة توقعه...
لكن لحظة...
منظرها لم يكن مطمئنا: ما الذي يبكيك؟
لم تكن تبكي، لكن حمرة العينين البالغة كانت رسالة دموع سابقة...
أدخلها بعد أن رأى عدم الجواب لتجلس على الأريكة واضعة حقيبتها بإهمال حتى تساقطت الكتب: هاروكي... هل صحيح أن نيك مريض؟
إذا عرف السبب بطل العجب لذا جلس بجانبها واعيا لما يقابله من استمرار يوم سيئ بالنسبة له...و في الحقيقة هو يوم سيئ للجميع...
لم يكن له سوى قول الحقيقة بعد أو وجه نظراته الجدية علها تتفهم: إيريكا... هو حقا لديه مرض يفتك به، في زمننا أبي مستمر الزيارة على قبره أيضا.
سارعت بوضع يدها فوق فمها لتمنع شهقة من الخروج ليتم هو: و ليس بيدنا سوى أن نعيش معه كما يريد، بإبتسامة تخلوا من الحزن و العطف.

أمسكت كفيها بذراعه و كأنها تتوسل أو تستنجد: أخبرني، لم كان يجب علينا رؤيته أساسا؟

نظرته الجامدة و الباردة جعلتها تخشاه نوعا ما قبل أن تسمع ما خشيت سماعه منذ مدة: لأنك أردت المجيئ.

تركته و ضمت نفسها و كأن مأمنها الوحيد قد رحل و انتفى... كلمة هدت ركنها و سورها... هل هي السبب حقا؟...

لكن كلماته لم تكن لتنتهي، بل وقف فاتحا باب التهوية ليتنفس الصعداء : لقد كنت مكتف بالشعور بالشوق لزمني و لأبي و عمي و خالتي، لكن الآن فأنا بدأت أشعر بالضيق حقا... مشاكل والدينا العجيبة و قضية نيك و الآن مرضه...أحاول أن أضبط أعصابي لأننا في الماضي و نعرف النهاية...لكن ذلك يستحيل علي ... أنا أريد العودة لحياتي اليوم قبل الغد...
صمت ثم تتمة:...ألا تودين العودة؟

كلمة فجرت مشاعرها...شوق لوالديها...رغبة استقرارها... ثبات حياتها.... و ليت العودة تمحي ذكرى نيك من رأسها...
اكتفت بالصمت متماسكة لألا تبكي، لأنها تعلم بأنها مذنبة...و الذنب هو...أمنية!!!



أنهت طبقها و رتبته على الطاولة كعادتها اليومية...
هي قبل غيرها لا تعلم سر مهارتها، أهي لعبة فرضها اليتم؟...أم أنها هواية أعجبتها... و لايهم، فالنتيجة واحدة....
ذهبت لتوقظ والدها ففوجئت بأن الباب مفتوح، اقتحمته بخطة مدت ابتسامتها.... فرصة الشقاء الممتع لا تأتي كل يوم...

خطت على أصابعها بخفة حذار إيقاضه.. لكن لفتها ورقة بجانب مكتبه، ورقة شدتها دون سبب لخلو المكان مما سواها....
اتجهت نحوها بفضول طفولي و تمسكها....
ارتعشت بعد قرائتها و معرفة فحواها... تركتها مكانها و نزلت لحيث كانت....
عادت و قد بدأ حقد يستولي عليها، إذا فهو يعلم...
كانت تريد أن تكذب ما رأته... لكن ألا يعتبر ذلك حمقا؟!
حاولت أن تأكل لكنها لم تستطع مضغ أكثر من لقيمات فرفعت نفسها متجهة للحصول على قلم و ورقة ...
_ غدائك جاهز في الفرن، أيقضتك و لم تستيقظ... لذا تركتك لتستريح_
ألصقتها على الحائط بجانب المطبخ و خرجت...
لم يحن موعد عملها بعد، لكن البقاء بين جدران ذلك المنزل ... غير مقدور لها في الوقت الحالي...
تجولت ببطء حتى رأته، كان يضحك مع صديقه على أمر ما... بدى مرتاح البال لايعرف جليل ماصنعه معها...
لكنه لم يفعل سوى الصواب...هي من كانت تحمل حقائب مجهولة لحيث يوجهها والدها مدعي الحنية...
أجل، فما دام يعلم فهو يدعي أهميتها لديه لاغير...
سمعت صوتا قطع شرودها لتلفت لمصدره: إنها ما زالت تحدق بك ريو.
كان السبب واضحا له لكن ريو طبيعة مرحة تستلزم معها أشياء تمقتها ، و منها همسه في أذنها: هل تذكرتي بدرك؟
لم تمض لحظة حتى دفعته مشتعلة كعادتها: ألن تتوقف؟...صدقني سوف أضرب رأسك لتفقد الذاكرة.
خلل يده في خصلاتها الشقراء ضاحكا: يا للحقد عزيزتي.
داست قدمه ليتولول ألما: و من الحمقاء عزيزتك؟

أشار ريو لهيجي بالذهاب: لدي حديث معها، تقدم أنت و سأوصلها معي؟
ابتسم ريو قبل أن يدير جسده: استمتعا بوقتكما.
أجابه ريو: كلا م جميل، لكن ليس هناك شيئ مما تفكر به..

"حقا!"
كلمة ساخرة خرجت قبل ابتعاده...
" لدي شيئ أقوله"
هذا ما قاله الإثنان بوقت واحد مع انقلاب ملامحهم للجدية التامة ....
لو كان الوضع في وقت آخر قد تكون ضحكات اعتلت ، لكن الآن...
"أنتي أولا"
"أنت قل ما لديك و لسنا في فلم لنتعارك على المتحدث، و ليس لي مزاج..."
"حسنا، أنا أشك بوالدك كاوروا...ردة فعله الجامدة، و كذا معرفته بأني كنت معك عندما اكتشفنا الهروين رغم أننا لم نخبره.... ذلك يعني شيئا واحدا، أنه على اتصال مع الرجل الذي التقيناه ... هذا مجرد اعتقاد دون دليل...ما أريد قوله أن تكوني حذرة معه.."
قالت فورا : أنا لدي الدليل .
وقف ينتظر ما ترمي إليه...
" اليوم فقط رأيت ورقة على مكتبه مكتوب عليها مواعيد الصفقات و تواريخها و أماكنها...و أيضا أنواع المخدرات التي ستباع...أفيون...هروين. .. حشيش...بإختصار كل ما تشتهي.

" هي، لما تملكون ديونا مع بيع هذه الكمية...؟"
" هل هذا ما فكرت به؟!..."
" أتريدين سماع ؟...أنا أرثي لحالك"
"لم أقصد هذا..."
"بالمناسبة.."
"ماذا؟..."
" هل تشعرين بهذه الذبابة التي تحوم حولنا؟.."
" أشعر بها منذ الصباح.. "
" إذا ما رأيك ببعض الرياضة؟.."
لم ينتظر جوابها بل أمسك بكفها راكضا بأقصى سرعة لديه...
كانت تتبعه دون وعي منها ، رغم عدم إمساكه لها بقوة إلا أنها كانت تعرف حق المعرفة أن هذا هو الصواب.... و بعد رؤيتها لفتى ينتشلها من أخطار والدها، فهو الأمان......




يتبع.....



سظ،- هل ستتغير نهاية نيك؟
سظ¢- ماذا سيفعل ريو لينقذ كاوروا مما هي فيه؟
سظ£- هل سيعرف الباقون بقصتها؟
سظ¤- هل والد كاوروا بذلك السوء؟
سظ¥- أجمل مقطع؟.





.



.


 
 توقيع : ورده المودة

















إخوتي
إني أغضب لأجلكم و منكم
و أحزن لأجلكم و بسببكم
و أبتهج لأفراحكم و تفائلكم

فتحملوا أخوتي هذه
هي كل ما لدي لكم



التعديل الأخير تم بواسطة جلنار | Gulnar ; 03-04-2020 الساعة 10:26 PM

موضوع مغلق


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
في كتاب الدهر حفرت صفحات عمري RoRo Uchiha مدونات الأعضاء 34 02-27-2023 07:42 PM
♥♫يتوقف الزمن..ولا يتوقف حبي لك♪♥ ♥♫Tiara.Flower♪♥ روايات الانمي_ روايات طويلة 5 12-31-2020 02:39 AM
متى ستظهر الحقيقة كاملة؟ [شظايا لعنة بعثرها الزمن] Inas Fallata روايات مكتملة. 21 03-24-2020 03:07 AM

شرح حديث

علف


الساعة الآن 05:01 PM