••
العودة   منتدى وندر لاند > القصص والروايات > نقاشات وأنشطة الروايات

نقاشات وأنشطة الروايات ناقش كاتبك المفضل والمتابعين حول الروايات، اكتب تقريرك


دافئ جدًا: مَعرض~

نقاشات وأنشطة الروايات


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-28-2022, 07:38 AM   #1
AM.
https://www.anime-tooon.com/up/uploads/at165286508456371.png


الصورة الرمزية AM.
AM. غير متواجد حالياً

cup دافئ جدًا: مَعرض~




;













~
بسم الله الرّحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أهلًا جميعًا! صباح الخير ياشُموس الكون الدافئة~
مَعرضٌ كتابيّ؟ هذا يناسبني تمامًا! أن أكتب دونَ أن أعبأ
لأن يكون ماخططتُه مُنمّقًا أو كاملًا، أن أكتب فقط لأنني
أريد أن أكتب! هذا يُشعل في جوفي الحماسة، لاسيَما
وأنني أحمل أفكارًا لاتهدأ! وأرجو أن يساعدني في
صقل "مرونتي الكتابية"-> إن كان يوجد شيءٌ كهذا في الحياة

حسنًا، ماذا قد تجِدون هنا؟
مثلًا مثلًا، أملكُ فصولًا غير مكتملة لرواياتٍ عدة
تجلسُ معي منذ أعوام، لذلك.. يُسعدني أن أطرحها عليكم!
عسى أن تغمرني الحماسة لإكمال واحدةٍ منهن على الأقل..
أو ربما سأترك بعضها كما هي.. مُحتفظةً بجمالها~
وكذلك، في الآونة الأخيرة أجد نفسي راغبةً في كتابةِ مشاهد
عشوائية دون ذكر أسماءٍ، أو أماكن، فقط العديد من المشاعر..


يسرّني افتتاح معرضي: "دافئ جدًا" في هذا اليوم:
الخميس، الموافق/27 رمضان؛ لِعام 1443هـ.
آملُ أن تتذّوقوا هنا شيئًا مختلفًا ولذيذًا
وإن حدث، فضلًا لاتبخلوْا عليّ بتقييماتكم الجميلة..
لأنها تعنِ لي الكثير!



-لُطفًا؛ لايُسمح بالرد هنا-
ملاحظة صغيرة: أفتتحه الآن لأنني أكاد أموت حماسًا ولا أُطيق صبرًا لانتظار طقمِ الموضوع أن يكتمل!








 
 توقيع : AM.


اللهم صلّ وسلم وبارك على مُحمد.
دافئ جدًا: مَعرضي~


التعديل الأخير تم بواسطة AM. ; 04-29-2022 الساعة 02:15 AM

رد مع اقتباس
قديم 04-28-2022, 08:09 PM   #2
AM.
https://www.anime-tooon.com/up/uploads/at165286508456371.png


الصورة الرمزية AM.
AM. غير متواجد حالياً




Scarlett
سُطورك تشبه اللون الأزرق بجوهره
وصفك عميق كأنه لوحة رسمت بها جميع التفاصيل
لغتك دافئة ، مُشعة وبراقة ، لك لذة خيال مُتميز
أحسنت أيتها النجمة البراقة





-



قَفزة.
إلى حيثُ يظهر للعيان لونٌ أزرقُ مائلٌ للإخضرار. وتتسّعُ العينان.
المشهد مُرعب، الماء يزداد عُتمةً وقربًا، بشفافيّته اللذيذة للناظرين وُجب أن يكون منعِشًا.. لكن أمرًا ما كانت تخشاه، تغلّب على شعور الإنتعاش وأودى بهِ. ليس بالضرورة الغرق، ربما الماء ذاته.
حقيقةً ماكانت قفزة، كان سقوطًا، من أين؟ الله وحدهُ يعلم، ربما كانت تقفُ على طرفِ هاويةٍ ما.. وزلَّت قدمها، وربما لفَظتها السّماء من الأعلى بغتة دونَ سوابق. والأخير أقربُ للحصول، ذلك أن تركيز بؤبؤيها السّوداوين كان منصبًّا على لونِ الماء الفيروزي ولو أنها وقعتَ عن جهلٍ لما فعلت.
أيًا كان فالنتيجة أنها تسقُط وقلبها يخفق ارتعاشًا، ضاغطًا على صدرها حتى صعب عليها استنشاق الهواء. وتوزّعت حولها عشوائيًا جبالٌ بيضاء بها مساحات سوداء مجوفّة تُرى حافّتها بالأعلى آبيةً التحالف مع أفقِ السماء.
تكفّل هدير الأمواج بتزيين البحر فأصبحَ يتبهرج بسكونه الجذّاب، حتى أحدثَ سقوط جسمها انفجارًا مائيًا، شكّل رغوة كثيفة بيضاء مصحوبةً بصوت عالٍ كسرَ هيبة السكون، وكأن البحر لم يرغب بغوصها في جوفه، وتلكَ ردّة فعلٍ لأنها أفسَدت جاذبيّته.. ذلك الكائن الغامض.
غرغرَ الماء العميق، وتبقبَق في آنٍ، وتزايدَ عدد الفقاعات ألفًا ألفًا، فقّاعات بيضاء صغيرة امتزجت بالرغوة والتفّت حول جذعها العلوي هابطةً معها للأسفل، وقدِ اندفعت خصلات شعرها للوراءِ بقوة، ورفرفَت للأعلى.
سرعانَ مارحّب بها البحر متناسيًا أنها من أفسَدت جماله الهادئ، ترحيبًا حارًّا تحوّل على إثره أقربُ للدفء منه للبرودة.
وكان للماء صوتٌ يبعث بالإسترخاء، وكأنه ضجيجُ الهدوء، لكنها واللهِ ما استرخَت، ولم تجرؤ حتى على فتحِ عينيها. اعتبرته زئيرًا بنَفَسٍ بطيءٍ خافت، وكأنّها إنِ التفّت أدركت صاحب الزئير وراءها.. له هيئة رماديّة يكشفُ عن ابتسامةٍ شيطانية تبثّ في الأنفسِ الهَلع.
لكن أطرافها كانت مقيّدة بحسْب ماقرّره عقلها، فلم تقوَ على الإلتفات، واكتفَت بالنظر أمامها قسرًا. لم تعد ترتعش، لكن الرهبة مافارقت فؤادها، ولم تقدّر ترحيب الماء، لأن درجة حرارته لم تكُن معضلتها.
حملقت بما اختبأ داخل النقي الصافي، بينما يرتفع جسدها وينخفض مع وتيرة تنفسها.
امتداد الجبال البيضاء بالأسفل صار مكلّلًا بالزرقة، وكل ما التقطته عيناها امتزجَ لونه الأصلي باللون الأزرق، لكن كلُّ احتفظ بأصله. تمايلَت أوراق النبات الخضراء أمامها مع تموّج صفحات الماء، بدت لها مغرورة فلم تحبُذ مراقبتها. الصخور البيضاء المتشكّلة بأشكالٍ عشوائية كحَال التجويفات السوداء الطفيفة بها، شعرَت أن لها روحًا..تُخاطبها، دونَ أن تفقه ماتقول، لكنها كانت متأكدة أنها تحملُ نبرةً جافّة قاسية، وإن كانت في مخيّلتها فقط.
النبرة ذاتها التي بعثت في جوفها الرعب كانت لمُثيلاتها من الصخور البنية متفاوتة الأحجام بالأسفل، خَشِنة الملمس، حيثُ نكست رأسها، ووجدت الطحالبَ تحاول إيجاد مخرجٍ لها عبر المساحة الضيقة مابين الصخور.
شعوب المَرجان ومثلُها من اللون الأبيض بدا أن لها روحًا هي الأخرى تحدّثها بشَرز، وإن لم تستمع بالفعلَ.. وأدركَت أنها باتت كارهة للون الأبيض رغم دلالته على السلام.

الأجواء مُرعبة وضجيج الماء لا يهدأ..

لم يصل من أشعة الشمس إلا قلّةٌ قليلة، أو هذا ماظّنته حين تمكّن منها الدوار وجذَبها للأسفل ببطء، متسببًّا في إبعادها عن السطح.
تساءَلت، كيف تمكّنت من الحفاظ على وعيها كل هذه المدة رغم الخوف الذي يعشعش في أعماقها؟ ليس من فقدانِ مصدرِ الحياة، بل مما أبصرته داخل سرّها. ماكانَ فيه أحدٌ تشكوه، ولاتذكُر أن عيناها التقطت بشريًا في الخارج.. في الثوينات التي أعقَبها السقوط.
انفلتت فقاعاتُ استغاثة من فمِها، لكن أين المُغيث؟
هل سيستقرّ رأسها فوق أحد الصخور؟ هذا آخر مارجَته، تخالُه سيطوّقها ثم يبتلعها داخل عتمته البنية.. وينفجرُ ضاحكًا ملء شدقيه عليها. كان مذهلًا أن تقدِر على استعمال عقلها حتى هذا الحين، وهي التي زاحمَت في جسدها جزيئاتُ الماء الأُكسجين، حتى صارت أقربُ للإغماء منها للصّحوة.

انسدلَ ذراعيها وتخدّرت أعصابهما وارتخَت. ولمحت طيفًا أبيضَ منيرًا.. يقتربُ من السطح، فترقرَق الماء حتى لم تعد تميّز هيئته، لكنه كان مثلَ ملاكٍ مُنقذ. كنورٍ وسط العتمة اندفعت يده البيضاء تجاهها، وكُسِرت توقعاتها..
من ذلك البعد استطاعت أن تُدرك، أربع أصابعَ صغيرة، في طرف كلّ واحدٍ منها بقعة وردية ممتلئة، مغلفّة بفراءٍ كثيف سرعان ما ابتل! كانت ممتدّة نحوها مائلة إلى الجنب الأيمن، وأسفل خيط شعاع الشمس لمعَ باطنها الوردي البارزِ بلُطف. هل هي يدُ قطٍّ فعلًا أم أنها صارَت تُهلوس؟
لم يكُن لديها الوقت لتموتَ من اللطافة، لأنها كادت تموتُ لأمرٍ آخر..
"أيها القط، أنقذني!"
ابتسَمت بتعَب، على الجنون الذي نطقته في سرّها. لم يُبدِ جسدها نوعًا من المقاومة، بل ثَقُل واسترخى تمامًا.. وحطّ الجفنان على بعضهما، فَسُلبت منهما الرؤية، وتسلّل إلى أُذنيها.. قبل أن تلتهمها الظلمة، صوت مواءٍ ناعم.
،
،
يُتبع..

-
أحبّ أن أفتتح معرضي بهذا الفصل.. الفصل الأول من إحدى رواياتي المُحببّة،
أدعو الله أن ياتي اليوم الذي سأكملها فيه'):


 
 توقيع : AM.


اللهم صلّ وسلم وبارك على مُحمد.
دافئ جدًا: مَعرضي~


التعديل الأخير تم بواسطة Lavender ; 04-29-2022 الساعة 03:12 PM

رد مع اقتباس
قديم 04-30-2022, 03:09 AM   #3
AM.
https://www.anime-tooon.com/up/uploads/at165286508456371.png


الصورة الرمزية AM.
AM. غير متواجد حالياً

الماسي




CR
-



هيَ| أُكسجين المعدة وجروٌ صغير.

حدَث ذلك في صيفِ أحد الأيام، يومٌ مشمس أزرق وسعيد. كانَ يوم سعدِ الشمس حينَ قررت السماء احتضانها وحدها دونَ الغيوم، طفلةٌ أنانيّة سُرّت وتورّد خديها، وانتشرت ضحكاتها ليسمعها الجميع في مناطق عدة متفرّقة. شاركت السماءُ طفلتها الضحك بخفوت، فاتسّع صدرها وصار أشدّ زرقة، وانبساطًا.

فوق كرسّي عريض من خشبِ الواوا، يستقرّ صندوق كرتوني فارغٌ إلا من ورق زبدة ملطّخ ببقايا السكر والشوكولا. تتموّج الرياح بين حينٍ وآخر لتأخذ معها بعضًا من أوراق شجرٍ شديدة الخضرة، صاحبتها للضخامةِ أقرب، تقفُ على يمينِ الكرسي. منظرها وحده كافٍ للشعور بالأكسجين يتجدّد في الرئتين.

تلك حديقة، الجميعُ سعيدٌ بالفعل إلا من انزوت وحدها على جانب الطريق. تُحاصر بين يديها الأكسجين الخاصّ بالمعدة.. قطعة دونات كبيرة دافئة، مرشوشة بسُكّر يميلُ للخشونة، تُحكمُ القبض عليها وتلتهمها بشراهَة، تلك كانت آخر قطعة من أصلِ ستّ.. شهيّة المرأى وحلوةُ الطعمِ إلى مالا نهاية، رغم ذلك بِينا لم تكن سعيدة.

لحسنِ الحظّ أن متاجرَ صغيرةً تبيع أطعمة متنوعة اصطّفت على مَقربة. لذا سرعانَ ما ابتاعت ثلاث شطائر لحم ممتلئة، منظرها لا يُقاوم.. تفرّ أطراف الخس الأمريكي الأخضر من بين الخبزتين، وتسيلُ الجبنة دافئة من أسفلِ الشطيرة وصولًا إلى قاع الكيس الورقيّ، حتى تمرّغ ببقعِ الزيت. ذلك أنّ الدونات وحده كان ضئيلًا نسبةً إلى غضبها-وليس جوعها- فلم يُسكته، وبينما كانت تضغطُ عليها بكاملِ كفّيها وتقضمُ أجزاءَ كبيرة، عيونها كانت تدمَعُ..

لو كانت في وضعٍ آخر لقلتُ أن لذّة ماتأكل هي السبب، لكنّ ذاكرتها تجاهلت معنى اللّذة، وأولَت اهتمامها لشعورٍ أكثر بشاعة، خالجها أثناء موقفٍ حصلَ قبل سويعات، مُذ بدأت بتناول كلّ مالذّ وطابَ، إذ توقنُ أن الطّعام بطلًا.. لا يُصارع ألم العاطفة فحَسب بل ينتصر عليها!

ليسَ لأنه ضعيف القوى.. لكنها آمنت دائمًا أنّ لتخفيف ضغوط الحياة عدّة وسائل، من بينها الطعام.. فأكثر أخلّاء القلب قربًا وصدقًا.. المعدة، وبينهما حبلٌ متين يربطهما، فمتى ماهدأت هدأَ القلب برفقتها، ومتى ماباتَت سعيدة أصابت العدوى خليلتها.

غير أن ايمانها اهتزّ شيئًا قبل لحظات..

أما الهدايا فقد كانت وسيلةً أخرى لتهوين متاعِب اليوم، تحديدًا الورد، يربّت على القلوب بلطفٍ وإن كان غير قادرٍ على محوِ همّها بالكامل.. لكنه يترك لمسةً حنونة.
إلا أنها ليست أيّ قلوب، إنما قلّةٌ معينة، مَن يشابه فكرها وتبهجه أبسط الأمور، يدققّ في الجمال حوله ويستشعر كلّ الصغائر.
طيلةَ الأشهر التي ابتاعت له من محلّ فؤادها -الذي أزهرَ مُذ صار قربها-، ظنّت أنه يحمل واحدًا من تلك المقصودة.
الوصول لهذه النقطة جعل دموعها إلى الهطولِ أقرب، على وجنةٍ قمحيّة مائلة للسّمار كادت تنزلِق، فباتَت رؤياها مشوّشة حتى لم تعد تجدُ أصابعَ قدميها الملونّة بطلاءٍ زهريّ.. عشْرًا كَما المألوف.

تلك كانت حمراء مُخمليّة، ببراءتها الدائمة -التي تصل للسذاجة أحيانًا- مدّتها إليه، تُراجع في ذاكرتها ابتسامته وسعادته، وتطمع في رؤيتها كرّةً أخرى..

وماظنت يومًا أنها مزيفة!

صُدمت لما انتشلها ورمى بها بعيدًا بقسوة وكأنها قطعة خُردة، وتُركَت يداها عاريتانِ في الهواء، تتراخى أطرافهما ببطء.
لم يكتفِ برميها فحسب، كما لم تستقبل الصدمة يداها فقط، أذناها أيضًا فعلت.. حين زمجرَ عليها غاضبًا ناعتًا إيّاها بِ"آكلة الدونات"! ومؤكّدًا.. أنها طالما تهديه الورد فسيظلّ منزعجًا على الدّوام، ولا سواها مصدرُ ذاك الإزعاج!
غير تصريحه بأنه كانَ أحمقًا حتى يقبله في كلّ مرة..

لم تستطع حتى بلعَ غصّتها..

كيف تكونُ وردتها عبئًا عليه وهي مَن تراها بمكانة الدواء لبؤس المرء -وإن كانَ مؤقتًا-؟
هي كذلك، جميلة المَنظر، رقيقة، ناعمة الملمس، وعَطِرة الرائحة، غير أنّ من أُهديَت له لم يعرف ولم يقدّر قيمة ما أُهدى إليه.
ليس وكأنّ الهدايا بقيمتها الماديّة أو بمظهرها أصلًا! وإنما هي بمكانة مَن أهدى وعمقه في الفؤاد..
لكنّ الورود في نظر بِينا مُستثناة، مهما كان مُهدِيها فإنها لَتُسرّ به أشدّ السرور.
"هل لم تكن عميقةً في فؤاده أصلًا؟"

حينَ أشار بسبابته نحو المسكينة المُلقاة أرضًا في عجْز، وبضعة بتلات منها متناثرةً حولها..
لم ترَه بينا، قلبها فغَر فاهَه، تلاشَت جميع الحسابات في رأسها ومحاولات تفسير الموقف في آنٍ، تاركين الصداع يتولّى زمام الأمور.

قال: لا أحدَ قادرٌ على الاستمرار مع شخصٍ يؤذيه..

أذى؟ ماذا عَن أسلوبه الفظّ وجرحهِ لها؟
بسيطةٌ كما ذكرنا، تمضي بعفويّتها مُذ كانت طفلة، ليست مدللة، لكن أمرًا كهذا كان قوي الوقع على قلبها..
فجُلّ ما أرداته أن تُسعد القلب الذي تُحب.. فمابالُ الأمور آلت إلى هذا المآل؟

ثم انصرف..

حدّقت بِينا حيث كان يقف بأعينٍ زرقاء فاتحة، متوسّعة.. كما السماء، إلا في كونها من كلّ المشاعرِ اتّسعت ماخَلا السرور.
انشغلت بتداركِ أدمُعها حينَ رحل، والحفاظ على صلابة قلبها من الهَزل. أحنت رأسها، يحملُها كعبٌ أبيض أنيق، ويغطي جسدها فستانٌ صيفي بذات اللون بسيط التصميم، والرياح راقصَت بتأنٍّ تموّجات شعرها الطويل، الذي بدا لوهلة وكأنه مَصنوع من خلاصة الكراميل.

باتَ صدرها مختلجًا، ولم تقوَ حتى على السؤال..
"مالخطأ الذي ارتكبته؟"
لأنها مدركة بأنها لن تلقى الإجابة.

كادت تُنهي شطيرتها الأخيرة دونَ أن تشعر، بعينين غمرهما الدمع، لكلا السببين معًا. وحتى هذهِ اللحظة لم تحمل كُرهًا أو ضغينة ضدّه، سوى حينَ أفسَد عليها متعة طعامها، وكذلك هذا الأخير لم يخُنها يومًا مثلما فعل الآن.
المثلّجات كانت القرار التالي الأمثَل، أصدره القلب والمعدة معًا، فمن سواها قادرٌ على مدّهما بِطاقةٍ باردة وسعيدةٍ في آنٍ؟

سلبَ انتباهها صوتُ نباح، نباحُ جروٍ صغير.. يعلو تدريجيًا، التفتت يمينًا فبدَا لها من فصيلة المالطي، أبيضُ صافٍ، يحيطه شعرٌ كثيف ناعم وقصير، كأنه دميةٌ تسير، يهرول باتجاهها.
"ياه! زغبيٌّ جدًا! يبدو ككُتلة من حلوى القطن، أو ربما الخطميّ.. لو أنه فقط كان ورديّ".
وسطَ غَمرة أفكارها السيئة، فرضَت هذه العبارة نفسها، مثل نورٍ ما بدّد العُتمة.. فابتسَمت.
"هل اشتَمّ رائحة اللحم من شطيرتي؟"
تساءلت، ولو كان بشرًا لما قررت مشاركتُه وجبتها أبدًا.
أخرجت قطعة اللحم التي صارت أكثر من الربعِ بقليل، ومدّتها قربَ فمِ الجرو الصغير. استجابَ سريعًا وفغر فاهه، لكنها رفعتها لأعلى، فراحَ يقفز ويمدّ يديه القصيرتين يودّ لو يدركها..
ضحكت على مظهره باستمتاع، وبدت وكأنّ الضيق لم يطرق بابها منذ قليل.
التقط الجرو اللحم من يدها أخيرًا، ومَضى يمضغه بين أسنانه في لذّة، فكّرت بسَذاجة في الشبه بينهما حين غرقت قبل مجيئه في تناول الكثير من الأطعمة الشهيّة..
أطبقَت رموشها السوداء بعضها فوق بعضٍ للحظة، وأصدرت ابتسامتها صوتًا، ثمّ أسندت ذقنها على كفها وراحت تحدق به.
ما إن أنهاها حتى صارَ مقابلها، يهزّ ذيله وينبح طلبًا في المزيد. استشعرت نعومة كفّيه الشديدة على ركبتيها بينما ينسدل حاجبيها بحزنٍ مُخاطبة:
"لو أنك بكّرت في قدومك لنِلتَ أكثر مما نلت، أيها الصغير الزغبي"

هزّت سبابّتها وعقبّت:
"أنا لا أنتظر أحدًا عندما آكل لذا إن كنتَ آتٍ فلتُعجّل، حتى تبقى حصتك و لا تؤكل".
للتوّ أبصرت أمرًا، الطعام أشغلها عن رؤيته، طوق بنيّ يتلف حولَ عنقه، متصلًّا بحبل طويلٍ في آخره عقدة مفرّغة.
داعَبت خدّيه برفق فانتفخت وجنتاه ونبحَ بسعادة، أمالت رأسها شيئًا ثم سألت:
-"هل أنتَ ضائع؟"
-"أنتِ!"

فَزعت وشهقت بلطفٍ في آنِ، واستدارت بنصف جسدها تلقائيًا نحو مصدر الصوت، الذي ظهرَ من خلفِها بغتة. ورأت هناك.. شعرٌ طويل يصلُ للكتف وجزءٌ منه مربوطٌ في الأعلى على شكل كعكة، يميلُ للأشقر، عينان ناعستان عسليّتان، ونظرةٌ دافئة..
وبدَت تلك الملامح..
مألوفة لديها.




~
هذا الفصل نِتاج تحدٍّ من صديقتي: أن نكتب قصة أو نصًّا يبدأ من حَدَث: "شخصٌ يُلقي بوردة حمراء في وجهِ آخر"
وعزمتُ على جعلها رواية قصيرة مكوّنة من ثلاث فصول، "هي، هو، هما" ندعو الله أن يمدّنا بالوقت والصحة والإلهام لفعل ذلك'):


 
 توقيع : AM.


اللهم صلّ وسلم وبارك على مُحمد.
دافئ جدًا: مَعرضي~


التعديل الأخير تم بواسطة آرمين ; 07-05-2022 الساعة 12:52 AM

رد مع اقتباس
قديم 07-02-2022, 07:12 AM   #4
AM.
https://www.anime-tooon.com/up/uploads/at165286508456371.png


الصورة الرمزية AM.
AM. غير متواجد حالياً

الماسي




CR

(1)
حتى ذلك المساء، كلّ شيء كان يسير على حاله. السماء رمادية راكدة، البرد يلتصق بالسطوح وأعمدة الإشارات، وبكل مَعدنٍ يصادفه، القطط تموءُ أو تتشاجر بالجوار، وكذلك هوَ، يدلفُ إلى متجر البقالة، بعد أن دفعَ بابها الزجاجي عبر المقبض، في الساعة الحادية عشرَة من مساء يوم الخميس، كما يجب أن يفعل تمامًا.

لفحتهُ برودة الثلاجات، حين اقترب ليأخذ عدّة علب من الكولا بشكلٍ عشوائي، يُلقي بها فتصطدم بقناني الماء داخل الكيس، ثمّ علب اللحم المفروم الطازج -الأهمّ- وخمس حبّات طماطم، ومثلها حبات الفلفل البارد، كيس طحين ومواد غذائية أخرى، يتساقطون واحدًا تلوَ الأخر. يثقل الكيس حتى تظن أنه يكاد يتمزّق لكنه يأبى أن يجلبَ غيره، ولحسنِ حظه أنّ لا أحد من العاملين بالجوار، وإلا لألحّ عليه مثل ذبابةٍ مزعجة تطنّ باستمرار، أن يوزّع الثقل -لراحته- على كيسين.

يضع الكيس على رفّ المحاسبة، ينتظرُ بنفاذ صبر المُحاسب اليافع ليوقف المُكالمة ويبدِ اهتمامًا أكبر لوجوده "ويرى شُغله". تتتابع ضحكاته فيتحامل على نفسه محاولًا كتم غيظه، لئلا ينفجر سيلُ الشتائم والتوبيخات الراكنة على طرفِ فمه. ليس وكأنها المرة الأولى له، فقد احترفَ الصمت من مدة. دفعَ ماعليه وتراجع في نفسه عن رفع شكوى ضدّه ثم خرَج.

تستقبله قطةٌ ضالّة حالَ خروجه، تموءُ وتداعبُ ساقه بسعادة، يميل فمه ببسمةٍ مرغمًا، ينحني حتى يلاطفها، ولما اقتربت لتشمّ رائحة اللحم.. أبعد الكيس بسرعةٍ ناحية الجهة الأخرى، ونهرها: "هيه..هيه، هذا عشائي، بالكاد يكفيني!" ورغم أنه قال ماقاله.. ففي ذات الليلة وعند رجوعه لمنزله ستكون القطة على مقربة من المدخل تلتهم بعضًا منه بنهم.

أما الآخر فربما قد تفنّن في تحويله إلى "لحم بعجين" (وجبة تركيّة)، فغيرَ أنه كان مُحاضرًا في جامعة مرموقة، كان كذلك يحملُ شيئًا من هذه المهارات، وفي حين تمرّ هذه الأيام عصيبةً عليه، كان الطعام وحدهُ القادر على انتشاله من هذا السوء، لاسيما إن تشاركَت معه قطةٌ من الخارج.
وعلى ذكرِ السوء، تدلّى إشعار رسالة واتس بينما كان جالسًا يتناول طعامه ويتصفّح الهاتف، -الذي وبالمناسبة لم يتوقّف عن الاهتزاز داخل جيْبه منذ خروجه من الجامعة حتى اللحظة-، ورغم أنه كان واحدًا من مئات الرسائل التي يمتلئ بها هاتفه، إلا أنها الوحيدة التي جعلته يتنهّد ملء صدره.

حينَ أراد تجاهل الرسالة ودفْعها للأعلى، وصلتُه أخرى من ذات المرسل وغدره إصبعه ووجد نفسه بداخل المحادثة. احتقن وجهه وضغط على جفنيه بسبابّته وإبهامه، ثم نظر إلى فَحواها، وقد كان يتوقعه تمامًا.

-"عزيزي،
هل أنت متفرّغ؟
مارأيك أن نتناول العشاء معًا؟"

ثلاث رسائل كل واحدة على حِدى، تكررت أمثالها على مدارِ ثلاثة أشهر، إنها صبورةٌ كفاية حتى تتحمّل تجاهله كل هذه المدة. إنما.. ماذنبُ هذه المسكينة؟ إنها إحدى طالباته، على وشك التخرج هذا العام، وهو الأستاذ الوسيم الذي وقعت في محبّته كثيرات، وتأتيه رسائلُ عديدة منهنّ كل يوم، فكيف لاتكون إيف.. الشقراء ذات الأعين الزرقاء، والبشرة الحليبيّة المتوردة، ولاننسى التفصيل الأهم، ابنةُ مدير الجامعة، واحدةً منهنّ؟ قصة اعتيادية مُبتذلة سمعناها مرارًا صحيح؟ وبالطبعِ لأنها لطيفة التعامل -وربما لايكون تفصيلًا مهمًّا حقيقةً مادامت ابنة مدير الجامعة- فقد كانت خطيبة مثاليّة!
لكن ليست بالنسبة له، فلنقُل أنّ القصة قد كُتبت من وراءِ الستار دون أن يحضر البطل..ربما مثلَ العديد من الأشياء في حياته. لم يكن ذو الأصل المعروف، ولم تشتهر عائلته بالثراء، لكنهم -الأم والجدة- حلموا بمستوى معيشيّ أفضل، ولما كان الحفيد الوحيد في تلك العائلة، تعلقّت آمالهم على عنقه، ولأنه أجادَ الصمت، وتحلّى بالشجاعة -كما كان يراها وقتها- عزم على تحقيقها لهم، اجتهد ودرسَ تخصصًّا صعبًا، ثم بحث عن وظيفة لمدة خمس سنوات، حتى قُبِل في السنة السادسة، وصار من أهم المحاضرين في تلك الجامعة، وحتى هذه اللحظة، لم يعيَ أنّ كل ما فعله لم يكن من أجله، بل سعيًا في تحقيق مطالب الآخرين، ولم يكن الأمر سيئًا حقيقةً، بل كان شيءٌ من الزهو يعتمر قلبه، حينَ يرى السعادة تزين ملامحهما، ذلك لحينَ علم بأمرِ خطوبته الغيابيّ.

هنا، وفي هذه اللحظة، قرّر أنه سيقرر. لن يسمح لجدّته أن تتحكم في حياته لهذا الحد، فضّل أن يفكر بأن للفتاةِ خُلقًا دَمِثًا ومظهرًا حسنًا، وهذا ما أصرت لأجله جدته على تزويجه، على أن يعلّل ذلك الإصرار بأنه طمعٌ في أموال أبيها.

-"آسف،
تناولت العشاء لتوّي، ربما في وقتٍ لاحق، أنا مرهقٌ الآن"

تبدو كلمات قليلة بالنسبة إليه، لكنها كانت جافّة، ورغم قلّتها قاسية، كان جزءٌ في داخله يعلم هذا، حتى أنه لما أرسلها شعر بشيءٍ من الضيق يعتلي صدره، ولطالما ردّد في نفسه أن إيف لاتستحق، لكن ماعساهُ يفعل؟
هذا السؤال الذي تردد مرارًا في عقله، ومؤخرًا بالذات.

ورغم أنهما خطيبانٍ رسميّان، والجامعة كلها على دراية، إلا أن إيف كانت، ولحسنِ حظه، خلوقةً كفاية حتى لا تُداهم منزله آخر اليوم، أو حتى أولّه، لتقوم بالدور الذي تقوم بهِ جميع البنات مثلها، توقظه نهارًا وتطهو له وتغسِلُ ثيابه، وربما تدندنُ له أغاني الحب قبل أن ينام.
لكنها كانت تحبه حقًا، عَلِم ذلك، درّسها لمدة أربع سنوات، وتلك مدة كافية حتى يعلم. لم تكن مثلهنّ، كان بها شيئًا مختلفًا، وبعيدًا عن السبب الرئيسي، الذي يعلمه الجميع ولا يتحدث عنه -المال-، فقد حاولت بحقّ أن يحبها، من قبل حتى أن تتمّ الخطوبة، ولم تكُن غثيثة في محاولاتها.
لكنه فقط، لم يقدر، ومؤخرًا، صار يشعر أنّ شيئًا مابقلبه فارغ، وأنه مجوّف من الداخل، إحساسٌ وكأن هناك شيءٌ يفتقده ولا يدري ماهوَ.

~
للحق، هذا ليسَ دافئًا!
كُتِب هذا الجزء من أجل مسابقة، لكنني لم أستطع أن أستوفي الشروط، ولذلك انسحبت..
لكن على كلٍّ، ممتنة لإعطائي هذا الإلهام..
متشوّقة لباقي الأحداث أتمنى لو يستطيع أحدٌ إكمالها عني*_*




 
 توقيع : AM.


اللهم صلّ وسلم وبارك على مُحمد.
دافئ جدًا: مَعرضي~


التعديل الأخير تم بواسطة آرمين ; 07-05-2022 الساعة 12:52 AM

رد مع اقتباس
قديم 12-21-2022, 06:36 PM   #5
AM.
https://www.anime-tooon.com/up/uploads/at165286508456371.png


الصورة الرمزية AM.
AM. غير متواجد حالياً






حنينُ الخريف
~

(1)

رفرَفت أشفارُ الشمس عن خيوط بيضاءَ رقراقة، اخترقت
السطوح المُختلفة، وتسلّلت سَلِسةً عَبر أوراق الأشجار اليانعة، ورغم هوَانها إلا أنها احتفظت بدِفئها، بينما أنوأت السّماء بجوٍّ ضبابيّ بارد. وذرَّت رياح الخريف الوريقات اليابسة، البُرتقالية، الصفراء، والحمراء، ذرًّا بينما تهبُّ ناعمةً مثلَ ضحكة طفل.

أسيرُ عمدًا بحذائي البنيّ، قرب تكوّمات الورق التي تركت موطنها ففقدت حيويتها وتفاقمت هشاشتها، أدوسُها فتهيجُ متعةً في صدري بخشخشتها. بينما تستريح أشعة الشمس الحَنون بِرفقٍ فوق بشرتي البيضاء المتورّدة، والمزهوّة بالنمش الطفيف. تنكمشُ جفوني لوهلة فأرفعُ كفي قاصدةً أن أصدّ عن عينيّ شيئًا من نور، فلما تجافى عنهما الضياء وحطّ ظلُّ الكف عليهما، برزَ لونهما العسلي القاتم، وبدأتُ أُميّز تفاصيل هذه الغابة الوديعة.

أرهفتُ السمع لصوت خرير ماءٍ قريب، يتمازجُ مع زقزقةِ الطيور، في أعزوفةٍ بديعة تجلَّى فيها سِحر الطبيعة. فهدأَتْ نفسي مُطيعةً قدماي إلى حيث تسيران.. حتى استوقفتها لوحةٌ ربّانية آخذةٌ بالجمال!
زهورٌ ملوّنة، ولمّاعة، وكأنها مُغطّاة بطبقةِ رقيقة من غبار الجنيات، متعددة الأنواع والأشكال، تغرسُ أغصانها جوارِ بعضها البعض، تتفاوتُ بين اللون الأبيض والأصفر والوردي، والوردي الباهِت، تُحرِّك بَتلاتها النسمات غدوًا ورواحًا، وتتوسطّها بركةُ ماءٍ، رَسمت شفافيّتها السماء وأوراق الأشجار الملوّنة.
وكأنما هذه البقعة الفتّانة لم تتأثر شيئًا من لمساتِ الخريف!

ولما غُرتُ في النظر، التقطتُّ نقطةً برتقالية اللون، دنوتُ فكَبُرَت.. وإذ صرتُ عند حافةِ حُقيل الورد، غمرَ أنفي عبيرها الطّيب. حررتُ قدمي عن حذائي، خشيةً أن يفسد غَوْره الخشن رقتها. ثم خطَوْت بين الأزهار، فصارت النقطة جسدًا، حتى تشكّلت لي هيئةٌ واضحة.

كانَ وحيدًا، ضئيل الحجم، ذو فراءٍ كثيف ناعم، تعاظَم في ذيله الفاتح، وتمازجَت معه قلّةُ من شعرٍ أسود، أما اللون البرتقالي الشبيه بحفنةِ أوراق الخريف المتساقطة خارج حُدود الأزهار بعشوائية، قد أخذَ الحيّز الأكبر من جسده. يلتفُّ حولَ نفسه بشكلٍ دائري ودافئ المنظَر، ويُريح رأسه على إحدى ذراعيه القاتمتين النحيلتين، مصرًّا على التحديق أسفلَها في تيهان.

التقطَت أُذناه الدقيقة تحرّكاتي، فاشرأبَّ إليَّ، والتقت أعيننا، ورقّ فؤادي لنظرته.. ولما كان شعورًا طرقَ بابي في حين، بل كل حين! أدركتُه فيها. فكانت عيناه الدّعجاوين يجتاحهما حنينٌ عظيم، يترقرقُ فيهما بتجلٍّ لا يمكن إنكاره، وكأنما فقدَ للتو أغلى مايملك، ولا سبيلَ للوصولِ إليه.

فتحَ فمهُ شيئًا يسيرًا يُحادثني بشيء، وكأنه يدعوني للجلوس معه، فكادَ يسرقُ قلبي! وكان له ذلك. وطوّقني فستاني المخملي الأخضر القاتم مثلَ بتلات زهرةٍ تضمّ نفسها، وقد زُمَّ قماشه عند صدري وخصري، ثم انفلَت في باقيه. وعندها، لم أكبَح نفسي عن مُداعبة رأسه، ورحتُ أمسّد فراءهُ بلطف بينما يسترخي هوَ متدلّلًا بلمستي الحانية، فتبسّمت لمنظره.

كان الشيء الوحيد الشبيه بالخريف، من بين تلك الأزهار الآتية من أوجِ الربيع، وخطَرَ لي أمرًا، ماذا لو جعلته جزءًا من الربيع؟ هذا اللطيف الذي يضيقُ على وجهه حزنًا يعبث به دون هوَادة. وشرعتُ بقطفِ الأزهار واحدة تلوَ الأخرى، وهو يرمقني بفضول، ثم ربطتُّها ببعض في شكلٍ دائري، فجعلتُ منها طوقًا هزيلًا، ثم مددتُّ يدي برفقٍ نحوه وألبستُه إياه، فلم أكَد ألتقطُ أنفاسي دهشةً بالجمال الذي أراه، إلا وقد أزاحه عنه بانزعاج!

-"لماذا فعلتَ هذا! كنتَ تبدو جميلًا!"تذمّرتُ من فعلته. ثم أعدتُّ الطوق مجددًا، وعندها سكَن في مكانه، وثبّت بصره أمامه، ولم يرفّ جفنه، بدا وكأنه فهمَ ماقُلته، فلم يشأ أن يُحرّك رأسه لألّا يقع، مثل طفلٍ صغيرٍ تُراقبه أمه فخشيَ أن يقترفَ خطأً، فضحكتُ. طَرفَني ثم انقضّ علي بقائمتيه الأماميّتين، فهويَتُ على ظهري ضاحكةً ملء شِدقَيْ.. وحَوَيتهُ بكلتا ذراعيّ ثم قلبتُ الأدوار وجعلتُ أدغدغه في بطنه، وياللعجب! راح يضحكُ مثل طفلٍ حقيقي وعيناه تذرفان الدمع. كانت لحظاتٌ مُغدَقة بالسعادة، وابتهجتُ لظَفري ببهجته.

رحتُ أصنع طوقًا آخر لي، ولما وضعتهُ على رأسي، اقتربَ الثعلب مني متلصّصًا، وجعلَ يحدّق بي وكأنه يُقيم مظهري.
-"أهوَ جميلٌ عليّ؟" أملتُ رأسي وخاطبته في مَرح.
ربما أدركَ الآن كم بدا رائعًا عليه! فوثبَ قابضًا على طوقي بين فكّيه، ونأى عني مسرعًا، وكأنه يودُّ أن يحتكر هذا الجمال لنفسه، إذًا هو لصٌّ فعلًا كما يُشاع عنه!

توقَّف بعدَ مسافة لم أعد أميّز نظراته منها، لكنني خمنتُ أنه يريد أن ألعبَ معه! فاستفزّ روح الطفلة بداخلي، ونهضتُّ أرتدي حذائي على عجَل وأنا أصيح:
-"انتظر لحظة أنا قادمةٌ إليك!"

وما إن شرعتُ بلحاقه، وخُصلات شعري الصهباء المموّجة، تسابقُ الريح من خلفي، حتى أعادَ بصره أمامه يدقُّ الأرض بخطواتٍ متواثبة، ليس لصًا فحسب بل سريعٌ أيضًا! وإذْ سُقيَت روحي سُلوانًا، طفقتُ أضحكُ مزهوّة والهواء يصافحُ وجهي بلمساتٍ رقيقة.
وشيئًا فشيئًا، اختلفت معالم الطريق، فصار واسعًا تُحيطه الأشجار والأوراق من جانبيه فقط عوضًا عن تناثرها في جميع الأرجاء. وخَفتت حركةُ الثعلب، تليها حركتي، وقُبِض قلبي، فاقتربتُ إلى حيثُ توقَّف.. لعلِّي أستفهمُ الأمر.

ولم يكن يرغبُ باللعب كما حَسِبتُه، بل كان يريدني أن أرى شيئًا.
للأرضِ نكَّس رأسه، حيثُ استلقى جسدٌ لثعلبٍ آخر، لا حركَة فيه ولانفَس، يُغمض عينيه بإحكامٍ.. إلى الأبد.

تهادى الثعلب في تركِ طوق الورد الذي سَلبُه مني برويّة على رأسها الذي يميلُ إلى أحد الجانبين، وبقيَ للحظات يحدق فيها، وكأنه بانتظار أن تنهض ليُخبرها كم تبدو جميلةً به.
ووجَبَ قلبي.

للموتِ شكلٌ واحد، ولا سبيلَ للاعتياد عليه مهما تعدّدت الطرق، وللذاكرة خناجرُ حادة تجرحُ أحيانًا.
وحانت مني لفتةٌ من الماضي، ذكرَى لا تزال طريّة وناتئة لم تُشفَ بعد، ولن تُشفى أبدًا.. ذكرى وفاة أمي. كانت أمي مريضةً على الدوام، وُلدَت بقلبٍ واهن، لكنّ وهنه لم يتغلب على رَحابته وبياضه النَّقي. لما ازداد حالها سوءًا، ارتأَت أن تُودِعني إلى خالتي، مكان تأتمِنُني فيه. قالت أن عليّ أن أعتاد العيشَ بدونها، وأنه لاجدوى من العيش مع أمٍ مريضة و"أنّ ذلك أفضل" كانت تلك عبارة تردِّدُها كلما رغبت بانهاء حديثٍ دونَ أن تُظهر اعتراضها لما أقول. كانت مُفعَمة بالحياة رغم شحُوب بشرتها، ونحول بدنها، ورغمَ يقيني باضمحلال عافيتها تدريجيًا، إلا أنني لم أعتقد أنها ستموت قريبًا جدًا.. فلا أحد يُمكنه أن يتوقع الموت أو يعتاده. وفي كلّ مرةٍ استيقظتُّ فيها، بعُطبٍ أصاب غريزة النسيان، باحثةً عنها، أُدركُ أنني فقدتُّها من جديد.
استلقَت لآخر مرة، على الفراش الوفير الذي رافَق صراعها مع الوجع، وكانت تبدو مثل ملاكٍ حزينٍ نائمٍ. وإذ لم أتمكَّن من ذرفِ دمعةٍ واحدة، لأن الدموع تجمَّدت عند طرف عيني آبيةً أن تنهمر فتصفعني بحقيقةِ رحيلها، اختنقت السماء بأدمعي فغصَّت ثم راحت تنتحب.

ولم أنتبه إلا وقد جثوتُ بجانب ثعلبي أعانقهُ و أشاركه حُزنه الصَّامت.

~
نوڤمبر،2022

ربما أكمله في وقتٍ لاحق..





 
 توقيع : AM.


اللهم صلّ وسلم وبارك على مُحمد.
دافئ جدًا: مَعرضي~


التعديل الأخير تم بواسطة AM. ; 12-21-2022 الساعة 06:38 PM

رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

شرح حديث

علف


الساعة الآن 06:03 PM