••
العودة   منتدى وندر لاند > القصص والروايات > روايات الانمي_ روايات طويلة

روايات الانمي_ روايات طويلة لجميع أنواع الروايات " الحصرية، العالمية، المنقولة والمقتبسة"


السجين "2"

روايات الانمي_ روايات طويلة


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-07-2022, 12:22 AM   #11
آدِيت~Edith
https://www.anime-tooon.com/up/uploads/at165286508456371.png


الصورة الرمزية آدِيت~Edith
آدِيت~Edith غير متواجد حالياً














ذكريات


أمام القبر وقف وحيداً ، تشيعها روحه الموجعة ، ولهيب فؤاده أشعل كيانه حتى أحاله فتاتا، انهمرت دموعٌ قاومها طويلاً من أجلها ، كي لاتتألم لألمه وحزنه .

لم تعد أنفاسها تشاركه ذرات الهواء ذاتها ، مما جعل احتوائها صعباً ، لم تعد روحها تقاسمه متاعب الحياة فتجعلها أسهل ، لذا أصبح طريقه معتماً .

لم تعد هناك تسامره تحادثه ، لذا .. التزم الصمت الموحش ، وأصبحت الغربة موطنه .

لامست أصابعه ترابها البارد ، وباختناق نطق يعاتبها : أيتها العزيزة ، كيف هان عليكِ ابنكِ ، أخبرتكِ أني لن أسامح نفسي إن متِ بسببي ، طلبت منكِ مراراً أن أساعدكِ ، أمي .. لقد اعتدت دلالك ، و الآن أنا .. أواجه العواصف وحدي دون أن أعرف ماعلي فعله ،حين رحل أبي .. بقيت متجلداً لأجلكِ ، لقد كنتِ هنا لمواساتي ،الآن أشعر كأنما فقدت كليكما معاً بلحظة واحدة ..

مسح على قبرها ينظره بمحبة ودموعه غسلت خديه : لابد أنكما اجتمعتما أخيراً، وكم سأنتظر بلهفة موعد لقائي بكما ، لاتقلقا .. سأكون قوياً حتى ذلك الحين ، إني أتناول طعامي بانتظام حتى .. وإن لم أشعر بطعمه أبداً ، أحاول أن أنهض رغم أني لم أعد راغباً بفعل أي شيء ، أريد البقاء معكما فقط ، لأقرأ لكما الآيات فتطمئنا بها ، لأدعو لكما ، لأبث شكواي وألمي ..

نفض التراب من يديه، ونهض وهو يودعها تاركاً روحه بين ذراتٍ احتضنتها : وداعاً أمي .. لترقدي بهناء وراحة ، سآتيك بأحبتكٍ قريباً ، أدرك كم أحرقك الشوق لهم ، سينطفيء لهيبك قريباً لتنعمي بالسلام الأبدي .

.................................

عاد للمنزل المظلم الخاوي ، والذي أصبح بلا حياة ، قلب ناظريه في أرجائه يتذكر طيفها حانياً دافئاً ، هنا كانت تخيط وتحيك ، وهنا كانت تطهو له طعامها الشهي ، وهناك كانت تخلو بدعائها وصلواتها ، بردائها الأبيض .. لتكون ملاكاً نيراً يضيء عالمه .

فتح الحقيبة البنية العتيقة التي حوت الخيوط الملونة ، وماعملت عليه من قطع منها ما أتمته ومنها مالم تنهه بعد .

حمل من بينها سترة حمراء جميلة ، تأملها بتحسر وهو يتذكر كلماتها وابتسامتها الدافئة .

" لن أقوم ببيع هذه السترة ، أحببتها كثيراً ، ستكون هديتي لحفيدي الأول أو لحفيدتي هي تناسب كليهما .

_ هذا يعني أن هذه السترة ستبقى في الحقيبة لسنوات طويلة .

_ وإن يكن ، لن يرتديها أحد سوى حفيدي ، عدني بذلك .

ابتسم ضاحكاً وأجابها بمحبة : أعدكِ أيتها الملكة ، سيرتديها هو واخوته من بعده حتى ."

أغمض عينيه يشمها يملأ رئتيه بعطرها الشافي ، تأملها ملياً قبل أن يضعها في حقيبته الصغيرة ، وبدأ ينتقي من القطع ماله وإياه ذكرى خاصة ، ليضعه في حقيبته كي لايفقده .

أغلق الحقيبة وتوجه إلى حيث كانت تجلس تكتب رسائلها وذكرياتها ، ذلك الكنز الثمين الذي لايمكنه التفريط به ، تأمل خطها الجميل ، والذي بدا في آخر الصفحات متعباً مختلفاً .

جمع الرسائل في صندوق وضعه كذا في حقيبته ، وجلس يقرأ مذكراتها كما لو كان يعيش تلك اللحظات والمشاعر معها من جديد .

............................

مرت السويعات ولم يزل كما كان يعيش لحظاتها مع ذكرياتها الحبيبة مذ توفيت ، بحلوها ومرها ، وإذ بصوت سيارة قريبة توقفت قريباً من منزله .

اضطرب فؤاده وشعور اختلج صدره بأنهم قد عادوا بعد سفرهم الطويل والذي استغرق بضعة أشهر ، من كانوا بمثابة العائلة لهم ، ورغم كل شيء لم يكن سواهم يهتم به وبوالدته ، وكم هي موحشة تلك القرية دونهم .

نهض مسرعاً يفتح الباب ، يتأملهم بغصة وقد بدأوا بانزال أمتعتهم ، الأم تساعد زوجها وابنها كذلك ، والأب يوبخهم كعادته دون أن يكترثوا له ، بينما الفتاة بدت هادئة على غير عادتها .

تقدم نحوهم بتردد ورغم البركان الذي يحتجزه بداخله حاول أن يبدو هادئاً مبتسماً مرحباً: حمداً لله على سلامتكم .

التفتوا له أجمع بمشاعر مختلطة ، فالفتاة نكست رأسها متألمة ، بينما السيدة تأملته حائرة قلقة ، والرجل وابنه رحبا به بحرارة : شكراً بني كم تسعدني عودتنا أخيراً كيف حالك ؟

_ واضح أبي ،الفتى لم يأكل شيئاً مذ رحلنا على مايبدو ، مابك آدم تبدو كجثة حية .

حاول أن يبقي ابتسامته الذابلة دون أن يجد لكلماته سبيلاً ، بينما نطقت السيدة وجلة : دعك من مزاحه المبتذل ، إنك تقلقني مابحالك هذه بني ، كيف اصبحت أولجا؟

اختفت ابتسامته وارتعشت شفتاه ، ولم يعد يقدر أن يقاوم أكثر ،أخيراً هناك من يذكرها ، من يريد مواساته وسيشاركه عزائها، ورغم أن الكثير جائوا لتعزيته إلا أن هؤلاء كانوا بالنسبة له ولأمه العائلة التي حرما منها .

دون أن ينطق عيونه شرحت كل شيء ، ودموعه التي غسلت خديه حكت آلامه الدفينة ، اعتقنه الشاب مواسياً بينما شهقت السيدة فزعة وأسرعت نحو المنزل تتفقد السريرالخالي وأرجاءه المعتمة .

_ ياعزيزتي أولجا ،لم أستطع أن أودعك حتى ، كيف رحلتِ سريعاً هكذا وتركت هذا المسكين وحده .

اقترب الأب يعزيه بينما الشابة ظلت تتأمله ذاهلة موجعة ، وقد ازداد همها هماً ، ودون أن تنطق انضمت لوالدتها الباكية تهدئها وتخفف عنها .

............................

أيام مضت بهدوء ثقيل منهك ، رغم أن وجودهم بجانبه خفف الكثير مما يحمل بقلبه من ألم ، طرق الباب فنهض يفتحه على عجل : مرحباً فيليب ، تفضل .

_ إن وقت الغذاء قد حان ياأخي ، تعال وشاركنا .

_ حسنٌ إني قادم .

حمل معطفه بينما نطق الشاب وهو ينظر الحقائب بحيرة : هل تنوي السفر لمكانٍ ما آدم؟

أغلق معطفه وهو يجيبه بينما يخرج من المنزل : أجل .. سأترك المنزل قريباً.

..........................

_ مالذي تقوله بني كيف تفعل هذا ؟ أين ستذهب وحدك وكيف ستترك كل شيء خلفك ، إنك أمانة عندي لذا لن أتركك أبداً .

هكذا صرحت السيدة بعد أن شرح لها ابنها الوضع بينما يتناولون الطعام ، بينما أخفض الشاب رأسه يستمع باحترام ، وبتردد أجابها وفي أحشائه لهيب يحاول اخماده : لابد من ذلك ، أريد أن أنفذ وصية والدتي ، أرادت كثيراّ أن تعود لوالدتها وأسرتها ، لم يقدروا على توديعها ولقائها ، يجب أن يعرفوا ماجرى لها ، على الأقل ليستطيعوا زيارة قبرها .

بتألم أجابته بلا حيلة : إنك محق يابني ، كم هو صعب ما ينتظرك ، ورغم أني أحب بقائك معنا لكن عائلتك هي الأحق بذلك ، ليفرغوا اشتياقهم وليستعيضوا بك عن الراحلة ، فلابد أن ألمهم لايفوقه ألم .

مستدركاً نطق الرجل يشاركهم : على ذكر ذلك ، لقد أعطيتمونا عنوان منزلهم .

_ آه جيدٌ أنك ذكرتني ! لم أستطع إرسال الرسالة بني ، كان المنزل خالياً ، قيل أنهم تركوه منذ أحدعشر عاماً .

بدت معالم الخيبة على وجهه فأعقبت وهي تحاول إبهاجه : لدي فكرة مذهلة ، سنعود بعد أيامٍ قلائل إلى المدينة وسنصحبك معنا ، سنجد منزلهم حتماً وهكذا سأكون مطمئنة أكثر .

_ أحقاً؟! شكراً لكِ سيدتي أنا حقاً ممتن لكِ.

_ يسعدني أن نكون قادرين على المساعدة ولو قليلاً ، سنفرغ من التحضير للزفاف ونعود على الفور للمدينة معك .

أجاب بحيرة متسائلاً: الزفاف؟!

قبضت الفتاة على الملعقة بقوة وقد أخفضت رأسها متألمة ، وسرعان ماتركت المائدة لتعود لغرفتها بأسى باكية ، التفت ينظرها متعجباً فشرحت الأم بتردد : لم أستطع إخبارك بعد الخبر المؤلم ، لقد تمت خطبة زويا من أحد أقاربها ، العمة اختارتها له ولم نستطع الرفض ، إنها لاتزال صغيرة ، كما أنها كما تعلم ...

_ زوجتي ليس من اللائق التكلم بهذا بعد الآن ، لايمكننا رفض أوامر العمة ، حاولي إقناعها قبل ذهابنا لايجب أن تراها هكذا ، ستغضب حتماً وتكون النتائج سيئة .

سكتت محتجة غاضبة بينما تكلم آدم مبتسماً: مبارك لكم ، أرجو أن تعيش بسعادة .

_ أعلم أن هذا صعب ، ولكني أتمنى أن تحضر الزفاف قبل رحيلك ياعزيزي .

_ أمي ! ماهذا الطلب الغريب ، لا تزعجي الفتى رجاءاً.

_ لا فيليب ، هذا أقل مايمكنني فعله لشكركم ، سأكون حاضراّ بينكم بإذن الله ، لو كانت أمي لاتزال بيننا لسعدت لأجلها كثيراً وبذلت ماتستطيع لحضور زفافها ، إنها تحبها كثيراً.

_ ياابني العزيز شكراً لك من كل قلبي ، مهما باعدتنا المسافات فقلوبنا ستظل تذكرك بكل الخير .

أومأ ايجاباً بامتنان ومحبة : لن أنسكم مهما حييت ، شكراً لكم من أجل كل شيء .

...............................

حان اليوم الموعود ، وقد حُزمت الأمتعة ووضعت في السيارة تأهباً للسفر ، وقف يودع منزله الذي جمعه بأغلى الأحبة ، يستذكر السنون الخمس التي جمعتهما معاً يتقاسمان فيها قطعة الرغيف وكأس الشاي الساخن .

وراء الباب المفتوح أطلت سوداء الشعر بوجه غشاه الحزن ، مترددة نطقت وعيونها تتأمل ذهبيتيه تنظرانها بتفهم : أيمكنني الدخول .

أومأ لها بالإيجاب : ولكن دعي الباب مفتوحاً .

تقدمت منه خطوات حتى أصبحت قريبة منه وقد جمع ماتبقى من حاجياته في الحقيبة الصغيرة ، انتظرت حتى انتهى وقد تشابكت أصابعها تضمهم تارة وتبسطهم أخرى .

_ مباركٌ لكِ ، أرجو لكِ السعادة من كل قلبي .

نطق بذلك فجأة فانتفض قلبها واعتصر ، رفعت عينيها تنظره ونطقت بخيبة : إنه خبر مفرحٌ لك حتماً ، لقد تخلصت مني .

أومأ بالنفي وبابتسامته الهادئة أجابها : لست لئيماً لأفكر بهذه الطريقة ، كنت دائماً ولا أزال أراكِ أختاً لي ، ولن يتمنى الأخ سوى السعادة لعائلته .

_ لكني لم أنظر لك بهذه الطريقة أبداً ، أنا .. أحببتك من كل قلبي ، أحقاً لايعني هذا لك شيئاً ، هل حقاً لاقيمة لمشاعري ؟

تنهد بعمق وجلس على الكرسي قبالتها ، سكت قليلاً قبل أن يجيب : زويا .. أخبرتكِ مسبقاً ، لازلنا صغاراً ومشاعرنا لاتزال غضة ، ستتزوجي عما قريب ، وستجدي كم هو نقي وطاهر وعذب ذلك الحب ، حقيقي وصادق ، لابد وأنك التقيتِ خاطبكِ واجتمعت به ، إن لم يستطع قلبكِ تقبله فبإمكانك الرفض ، وإن شعرتِ بالارتياح فلا أظنه سيعارض أن تتمي تعليمكِ وأن تمضي نحو مستقبلك .

صمتت هنيهة مفكرة ثم أجابته وهي تنظر للبعيد : للحق .. إنه شخص مثقف ولطيف ، محب ويبدو لي راقياً ، اسمه لويس .. يعيش مع جدته وأخ له بعمري ، يكبرني بست سنوات ، قال أنه سيصحبني لموسكو حيث سيتم كلاً منا تعليمه بأفضل مايكون ، لكن .. هذا يعني أني سأبتعد عن قريتي ، صديقاتي .. عائلتي .. وأنت.

عادت تنظر له وقد اجتمعت الدموع بمقلتيها ، وبنبرة حانية لملم شتاتها بعد أن بعثرها : قد نجبر أحياناً على ترك أحبتنا والبعد عنهم لفترة ، لكننا حتماً سنجد طريقة لنجتمع بهم ، ولابد أن والديكِ لن يتركاكِ وحيدة ، أما أنا .. فلا أعلم حتى أين من الممكن أن أعيش ، أين سيكون مسكني الجديد ، لست أعلم شيئاً ، سوى أن إلهي حتماً سيختار الأفضل ، حتى وإن كان الأسوأ بالنسبة لي .

تأملت ذهبيتيه الساحرتين بتألم ، وإذ بصوت والدتها تناديهما فوقت الرحيل قد حان ، نهض يحمل حقيبته الخاصة وترك الأخرى على السرير وهو يخاطبها : لن أتمكن من حمل كل شيء ، لذا سأترك هذه هنا ، إن استطعتم ابقائها عندكم سأكون شاكراً ، وإن استطعتم بيع مافيها فسيكون ذلك أفضل .

أومأت له إيجاباً وهي تمسح دموعها : هل ستحضر الزفاف حقاً ؟

_ أجل ، سأفعل ، وسأمضي بعدها لأجد عائلتي .

_ سيكون وداعاً مؤلماً، سأشتاقك كثيراً .

ظل بصمته وهو يحمل حاجياته خارج المنزل ، وتبعته بعد حين ليقفل المنزل ويغادره دون عودة ينطق بألمٍ وغصة :

_ وداعاً أيتها الذكرى الحبيبة ، وداعاً أيها الدفء الذي لن يعود .






 
 توقيع : آدِيت~Edith

مواضيع : آدِيت~Edith


التعديل الأخير تم بواسطة شَمس. ; 09-14-2023 الساعة 11:31 AM

رد مع اقتباس
قديم 12-07-2022, 12:29 AM   #12
آدِيت~Edith
https://www.anime-tooon.com/up/uploads/at165286508456371.png


الصورة الرمزية آدِيت~Edith
آدِيت~Edith غير متواجد حالياً



كعادته استيقظ باكراً يحضر الإفطار وعقله سافر لذكريات الأمس بألمٍ وحُرقة ....


كلماتها المسمومة ترددت في أعماقه تنتزع قلبه من جوفه وهي تصرخ به : لست أهتم مهما كررتها لتكرهني قدر ماتشاء ، لست أتسول المحبة مثلك ، لست ضعيفة بقدرك .

قبض كفه على الصحن وقد توقف عن غسله وصوتها لايزال يقتحم أسماعه ينهكه : أوتحسبني لم أرك تنظرني بغيرة حين أكون وتيريزا معاً ، أدرك تماماً كم تتمنى أن تتبادلا الأدوار ، أن ألامس رأسك بكفي ، أعانقك .. أن أقول لك بقدر الدنيا أنا أحبك .. لكني آسفة لأن الحقيقة مختلفة أيها الولد المنبوذ ، لتعش ماعشته أنا .. فبالرغم من وجود أب محب لك يدلك ويهتم بك ، لم أكن أملكه أنا .. لقد نُبذت من كلا أبويي .

_ وكنتِ تستحقين هذا ، لقد نبذت لأنك سيئة ، لا ألومهم إن فعلوا لك ذلك .

بنصر أجابته مبتسمة كما لو أنها قد وصلت لمبتغاها : وإذاً لي الحق بذلك أيضاً ، فأنت ولد سيء نلت مايليق بك ، ولايحق لك لومي، فكما تعلم فاقد الشيء لايعطيه ، ولدت قسراً وعشت رغماً عن الجميع رغم كونك غير مرئي ، فتى يعيش في الظلال فقط.

هربت من عيونه دمعة محرقة مسحها بسرعة بذراعه واستتم عمله ولايزال يتذكر بوجع كلماتها : إنك تشبهني لحدٍ أكرهه ، ذات العيون الحاقدة الموجعة ، ألم تتسائل قط لم تشبهني تماماً بينما لاتملك من والدك أدنى سمة .

نظرها حائراً مستنكراً بينما أكملت تهمس له بخبث : ماذا لو لم تكن ابنه؟

اتسعت عيناه بذهول غير مصدق ، وبصعوبة أخرج كلماته الكارهة مشمئزاً: لأي حدٍ أنت مقرفة ، لا أستطيع وصف دنائتك حقاً .

ضحكت ساخرة وهي تقترب منه بينما كان يبتعد بكراهية : للأسف .. كانت مجرد مُزحة ، لتكن سعيداً فأنت ابن آرون الساذج الممل .

أغلق الماء وتنهد بعمق وهو يفكر كم سيستطيع العيش معها بعد ، بكل ذلك القدر من الكراهية ، بكل مايشعر نحوها من اشمئزاز ونفور .

توجه نحو غرفة شقيقته يوقظها بحنان ومحبة : عزيزتي تيريزا ، لقد حل الصباح .

فتحت عينيها الناعستين بكسل : أريد النوم أكثر بعد .

_ لقد تأخر الوقت وقد حضرت الإفطار تعالي لنتناوله قبل أن يبرد .

أومأت إيجاباً وهي تنهض مبتسمة : صباح الخير أخي العزيز .

قبلت خده ثم أسرعت تغسل وجهها وهو يتأملها بابتسامة ذابلة " لحسن الحظ أنها تهتم بكِ ، ولو كان بقدر ضئيل ، على الأقل لن تشعري بهذا القدر من الألم حين تشعري أن لاقيمة لك أبداً "

......................................



أمام المرآة وقفت تنظر صورته المنعكسة عليها وهو يسرح شعرها العسلي المموج ، رفعه للأعلى كذيل حصانٍ وربطه بعقدة زهرية طويلة الاطراف .

_ هاقد انتهينا ، إنك جميلة بحق ياعزيزتي الصغيرة .

ابتسمت بامتنان وهي تتأمل شعرها : شكراً أخي العزيز .

_ على الرحب ، خذي حقيبتكِ .

حملتها وسارت معه نحو الخارج بيد أن المرأة بصوتها المبحوح استوقفتهما : انتظرا أيها الولدان ، أين افطاري؟

زفر بضيق وهمس لشقيقته التي نطقت بعد برهة : إنه في المطبخ على الطاولة .

_ جيد لقد تعلم درسه جيداً وفهمه على مايبدو .

قبض يده محاولاً التزام الصمت وإمساك نفسه عن الرد الذي قد يقحمه في المتاعب ، بينما الفتاة تنظره قلقة .

اقتربت منهما وأمسكت بيد الصغيرة بخبث : أخبريني عزيزتي تيريزا ، كم من المال أعطاكِ والدكِ؟

ازدرت ريقها بذعر، وسرعان ما أخرجت محفظتها، وقبل أن تخرج مالها كان الفتى قد أمسك يدها مشيراً لها بالرفض ، بينما أخرج محفظته وأفرغها بيد والدته : إن كان ذلك يرضيكِ ويكفيكِ فابتعدي ، لقد تأخرنا .

أخذت تعدها بلامبالاة : ليست كثيرة ولكن لابأس ،إنها أفضل من لاشيء .

مدت له ستون روبل ( مايعادل دولار واحد) بابتسامة ساخرة : خذ هذه لتشتري لك بها بعض الطعام .

رمقها بنظراته الحادة الكارهة ، ودون ان يجيب أمسك بيد شقيقته ،وخرج وإياها من المنزل تشيعهما ضحكاتها المستفزة .

.........................
يومٌ صباحيٌ امتزجت فيه زقزقة العصافير مع أصوات التلاميذ وصخبهم المحبب ، كان عسلي الشعر أمام خزانته يرتب حاجياته حين قفزت خلفه الفتاة بمرح : صباح الزهور والسرور .

بابتسامة لطيفة أجابها وهو يغلق الخزانة : صباح الخير كريستي ، أراكِ مبكرة .

_ المنزل مضجر ، أردت الخلاص منه سريعاً.

مستنكراً بسخرية : اوه أهناك من يضجر من منزله؟

_ أنا وأنت بالطبع .

ضحك كليهما معاً وقد أشار لها أنها إجابة موفقة ، وإذ بأحدهم يضرب ظهريهما براحة يده ثم يتوسطهما وذراعيه تحيط كلاً منهما : صباح الخير يارفاق .

_ اوه ديريك وأخيراً! مضى زمن لم أرك فيه تزين ممرات المدرسة .

_ لقد عدت ياعزيزي بإمكانك التنفس بارتياح الآن .

أبعدته الفتاة مستاءة : إنك تخنقني أيها البغيض .

رد وهو يدفعها ممازحاً : لئيمة أنتِ يافتاة .

صوت ناداه باسمه من خلفه أجبره على الالتفات ينظر الرجل الواقف بغضب متوعداً: وأخيراً أنرتنا سيد ديريك ، تفضل لمكتبي في الحال .

التفت لسيكيم هامساً : لقد وقعنا في الفخ ، الوداع ياصديقي .

وبدرامية تركهما يتبع معلمه والفتاة ترتب هندامها بلا اكتراث: يستحق .. ذلك الفظ .
_ سيتلقى التوبيخ حتماً ، كم أرثي لحاله.

................

_ إذاً ديريك ، لمن ندين من أجل حضورك السامي للمدرسة بعد غياب اسبوعين متتاليين ؟

_ معلمي العزيز ، كما تعلم جدتي ضعيفة ولا أحد برفقتها فالسيدة التي تعنى بها مريضة ولايمكنها الاهتمام بها .

_ ياله من عذر ، دائماً تحتج بجدتك المسكينة صحيح .

_ إنها الحقيقة معلمي ، إن لم تصدقني رافقني للمنزل لتراها بأم عينيك ، صدقني ستحبها كثيراً ، كما أنها تبحث عن عريس ، ولا أظنها ستجد أفضل منك .

صرخ به غاضباً : أيها الوقح عديم الاحترام ، سأوقع على رسوبك حتماً.

بابتسامته اللا مبالية أجاب بحماسة : سيكون ذلك عظيماً ، سأمضي المزيد من الوقت معك يامعلمي الحبيب ، كنت للتو أشعر بالأسى لأننا سنتركك قريباً .

صرخ به بكل غضبٍ متعباً : ستقتلني أيها الولد أقسم أني سأستقيل بسببك .

_ قبل أن تستقيل أحب أن أدعوك لحفل زفاف أخي لويس أنت تعرفه حتماً .

أخرج من حقيبته بطاقة دعوة وأعطاها له بينما نطق الآخر بيأس : ليتك كنت مثله ، لقد كان الفتى الأكثر هدوءاً واحتراماً على عكسك أيها الشقي .

أجابه وهو يهم بالخروج : أنت محق ، لامثيل للويس إنه المفضل عندي كذلك .

وضع الرجل على الطاولة ورقة محذراً : قبل أن تخرج خذ هذه معك وأعطها لوالديك ، أخبرهما أني أريد استضافتهما غداً.

_ لم هما ؟ لاتزعجهما أرجوك معلمي لن يجيئا حتماً لديهما الكثير من المسؤوليات ، ليأتي لويس مارأيك؟

بنظرة جادة غاضبة أجابه فاستسلم بلا حيلة : حاضر بأمرك .

وبهمس أكمل : معلم متوحش .

خرج وأغلق الباب من خلفه ونظر للورقة ملياً ، ومالبث أن مزقها وألقاها في حاوية النفايات ليكمل طريقه بلا مبالاة .

......................................

توالت الحصص روتينية اعتيادية ، فسيكيم يحاول جاهداً تجاهل الإهانات الواضحة التي كتبت على لوحة الصف ، فور وصوله ، تلتها الأوراق التي وزعت على التلاميذ من قبل خصمه الكاره ، بينما ديريك كان يحاول جاهداً تعويض مافاته وأفكاره تختطفه بين الحين والآخر رغماً عنه .

مددت الفتاة ذراعيها محاولة أن تستعيد نشاطها ماإن خرج المعلم من الصف ، نهضت بعدها تجلس على طاولة عسلي الشعر : وأخيراً بإمكاننا التنفس قليلاً .

كان يجمع الأوراق وهو يخاطبها بانشغال : محقة ،وبوسعنا أخيراً التخلص من القمامة .

نهض متوجهاً نحو مقعد روبن و بابتسامة هازئة وضع الأوراق على طاولته: عزيزي روبن .. أصبحنا في الخامسة عشر من عمرنا ، كبرنا ياعزيزي لم نعد أطفالاً ،أصبحت هذه الطرق قديمة للغاية ، بإمكانك تجربة أمور أكثر إثارة ومتعة .

أتبع وهو ينظر الجالس بجوار المعني: اعذرني لازعاجك ستيف ، لابد وأنك تشعر بالسوء لأنك مجبر على الجلوس بجوار طفل فوضوي مشاكس ،أرحب بك بأي وقت إن شئت تغيير مقعدك .

لم يجبه واكتفى بنظرة قلقة مدركاً أن المتاعب قد بدأت تواً .

بادله روبن الابتسامة الساخرة وهو ينهض ويشد ياقته : ما رأيك بقتالٍ يسوي الأمر إذاً ؟

أبعد يده باشمئزازٍ وأجابه وهو يرتب قميصه : مستعدٌ للغاية لهزيمتك ، إذاً موعدنا عند استراحة الغذاء ، في الساحة الخلفية ، لكن رجاءاً لاتبكِ كالأطفال بعدها ياعزيزي .

_سنرى من سيبكي وينتحب ياابن السكيرة اللعينة .

هم بالمغادرة ولكنه تراجع واستدار له بنظرة مستنكرة : حسناً أعترف أنها كذلك ، ولكن لايبدو أنها وحدها المعيبة والمذنبة ، ربما لو استطاعت والدتك الاهتمام بزوجها أكثر والإمساك به لما نظر لغيرها ،أولست محقاً؟

انعقد حاجبا الآخر بغضب جلي ،ودون تروٍّ أكمل الآخر مستفزاً: لربما لم تكن أنثى بما يكفي لأجله .

وجه له لكمة ساخطة تفاداها سيكيم سريعاً ونظرة النصر علت قسماته المنتقمة ،وقفت الفتاة بجانبه تناصره : مابك ؟ كان الأمر ممتعاً بالنسبة لك حين كنت تضايقه وتزعجه ، لأي سبب تغضب إذاً ،الأمر لايستحق .

عاد روبن يهاجمه وهو يتمتم بشتائم عدة، والآخر يبادله النزال كما لو أنه كان يترقب تلك الفرصة لإفراغ كل غضبه ، بينما التلاميذ يرقبونهم بين مؤيد ومعارض ، ديريك كان يتأملهم ببرود وقد أسند خده لكفه ، وكريستينا كانت تبتسم بحماس تشجعه ، بينما ستيف كان ينظرهما بضيقٍ مستاءاً.

قطع الشجار صوته المهيب وقد وقف أمام السبورة يضربها بعصاه ،مما جعل الفوضى تهدأ والنزال يتوقف وقد تدخلت الفتاة ممسكة ذراع صديقها .

رمقها سيكيم بنظرة مستاءة لم تفهمها وعاد بهدوء لمقعده بينما غريمه ينظره باحتقار وقد صرخ بهما المعلم: ماكل هذا الشجار ؟!أهذه مدرسة أم حلبة نزال ، سيكيم وروبن قفا حالاً وغادرا الصف ، ليحل المدير مشاكلكما التي لاتنتهي!

قبل أن يجيب أياً منهما كان صوت هاتف رملي الشعر قد تردد في أرجاء الصف مما جعل العيون أجمع تُنصب نحوه ، أجاب بسرعة وسط ذهول واستنكار المعلم ، وسرعان مانهض ديريك مذعوراً ما إن أتم مكالمته وهو يحمل حقيبته : المعذرة معلمي سأقاطع عقابك ولكني بحاجة لسيكيم ليساعدني فجدتي مفقودة .

أمسك يد الشاب واقتاده خلفه وهو يهرول خارجاً ، مالبث أن هتف سيكيم بأسود الشعر مستنهضاً: هيا ستيف ماذا تنتظر علينا مساعدة ديريك بإيجادها !

أومأ بالنفي بتوتر واضح : لا .. لايمكن سأتابع دروسي .

أمسك ذراعه يجبره على النهوض : صدقني لن يرحمك القائد ميخائيل إن علم أنك لم تقدم المساعدة .

_ كلا اترك يدي !

التفت سيكيم لمعلمه معتذراً: آسف معلمي لابد وأنك تقدر أنه موقف إنساني ...

_ سيكيم أسرع هيا !

ناداه ديريك فتبعه دون إعطاء فرصة للمعلم بينما يقول وهو ينطلق خارجاً:

_ سأعود لاحقاً للتكفير عن فعلتنا .. وداعاً .

تبعاه والآخر مرغماً يسير من ورائه ممتعضاً ، نهضت كريستينا وهي تحمل حقيبتها وحقيبة صديقها تصرخ بهما: انتظراني إني قادمة معكما.

أتبعت بابتسامة مضطربة : المعذرة معلمي إنه أمر طاريء .

خرجت خلفهما والرجل لايزال مصدوماً يحاول استيعاب مايجري ، وماإن خرجوا حتى ترك الرجل القلم على الطاولة يتمتم بتعب :هذا القدر يكفي .. سأصاب بالجنون حتماً !.

.............................................

_ لا أصدق هذا لقد هربنا من المدرسة فعلاً.

قالتها الفتاة بحماس فأجابها أبنوسي الشعر مستاءاً: لاتبدو نهاية الأمر جيدة ، لقد ارتكبنا خطأً فادحاً.

رد سيكيم وهو يسير خلف رفيقه : أعتذر لاقحامك في الأمر ، لكن ديريك بحاجتنا الآن ولابد أن نكون يداً واحدة .

_ لاتكترث لأمره عزيزي سي ، لقد خرج من قوقعته لأول مرة في التاريخ لابد وأن يكون مستاءاً، شخص ممل مثله لن يفهم متعة المغامرة .

بلامبالاة رد ستيف : تركت المغامرة لأصحابها ، مشاهدتها كل يوم تكفي عن مواجهتها .

باستنكار سألته مغتاظة : مالذي تعنيه ياهذا .

ابتسم ببرود يجيبها : مافهمته آنسة كريستينا ، أجواء المدرسة مثيرة بما يكفي ، لاتهدأ أبداً بوجودك .

_ أيها ال....

قاطعها سيكيم مؤنباً بينما أغلق رملي الشعر هاتفه بعدما أخبر شقيقه بما حدث، والتفت لهم يخاطبهم قلقاً : هذا ماتوقعته ، إنها صعبة الاعتياد وبالكاد اعتادت على آنيا ، والآن ومع الفتاة الجديدة شعرت بالخوف حتماً ، قالت أنه قد مضى على خروجها أكثر من نصف ساعة ، أين من الممكن أن تكون .

أجابه سيكيم وقد وضع يده على كتفه : لاتقلق ديريك سنبحث حتى نجدها ، لا أظن أن أحداً سيهمل عجوزاً تتجول وحيدة .

بقلق أجابه وهو يعيد هاتفه لجيب معطفه: أرجو ذلك حقاً .

...............................

أوشكت الشمس على المغيب وقد استبد اليأس بقلوبهم ، بعد بحثٍ مضنٍ وسؤال ، وضع كفيه على ركبتيه منحنياً يلهث بتعب ، وسرعان مااستقام يرقب ماحوله بشتات .

_ أين يمكن أن تكون .. ماذا لو أن مكروهاً حدث لها .

كانت الألحان والأغنيات تصدح قريباً منهم في عرسٍ روسي تقليدي أمام الكنيسة حيث تم عقد القران تواً ، وقف الأربعة يتأملون الحفل وقد كانت العروس تهم برمي زهورها .

_ جدتي ..

تمتم ديريك وهو ينظرها تسير نحو العروس بقدمين حافيتين ووجه متعب .

أسرع نحوها ييعد كل من يقف في طريقه حتى وصل إليها وأمسكها برفق : جدتي .. حمداً لله لقد وجدتكِ أخيراً .

كانت لاتزال تتأمل العروس بتحسر وقد سقطت الزهور أمام قدميهما وسط أنظار الجميع ، حمل الباقة بتردد ثم رفع ناظريه نحو العريسين بابتسامة ممتنة وقد كانا يبتسمان بدورهما ابتسامة عطوفة .

_ جدتي انظري ، هذه الزهور لكِ ،يبدو أن علينا الاسراع بإيجاد عريس لسموك.

ظلت بصمتها المحير فخلع حذائه وألبسها إياه : إنه كبير بعض الشيء ولكنه سيحمي قدمك ريثما نعود للمنزل ، تعالي عزيزتي .

أمسك ذراعها يحاول اصطحابها لكنها بقيت واقفة بلا حراك لاتزال تتأمل العروس ،وأخيراً نطقت بصوتٍ ضعيف : اهتم بعروسك جيداً يابني ، أسعدها مااستطعت .

أومأ الرجل لها إيجاباً بابتسامة حائرة ، حركت العجوز ساقيها نحو الشابة وخلعت سوارها الذهبي لتلبسه إياها : لتكن هدية عرسك ياابنتي ، كوني سعيدة دائماً.

ابتسمت العروس وعانقتها بمحبة : شكراً لكِ ، لقد فعلتِ مالم تفعله عائلتي اليوم وقد تُركت عروساً وحيدة ، من كل قلبي أشكركِ ، لكن لايمكنني قبول هذا السوار الثمين .

أحاط ديريك العجوز بذراعه وهو يتأملها بعطف ثم أحال ناظريه نحو العروس : إن قبلته منها ستكون سعيدة للغاية ، لذا لاتخجليها رجاءاً .

أومأت إيجاباً ممتنة : بالمقابل أريد أن تشاركونا الحفل.

_ وددت ذلك حقاً ، لكنها متعبة حتماً لذا سأعيدها للمنزل لتخلد للراحة .

_ لاترفض الدعوة ماثيو ، لم أربك هكذا ، اذهب واحضر لي ملابساً تليق بأم العروس ، لن أخجل ابنتي العزيزة في يوم كهذا .

ابتسم ضاحكاً: كنت أتسائل تواً متى سيعود عقلك للعمل ، مذهل أصبحت الآن ماثيو .

أردف يجيبها وهو يعانقها: حتماً جدتي العزيزة لك ذلك .

التفت لرفاقه الذين كانوا يرقبونه من مكانهم : يارفاق إننا مدعوون للحفل جميعاً .

تمتم ستيفانز محتجاً بضيق: ليس لهذا الحد !

بينما حمراء الشعر نطقت بتهكم: بملابس المدرسة؟!هذا يسيء لسمعتي!

ابتسم سيكيم وهو يلتقف الهاتف من رفيقه الذي رماه نحوه تواً: حسناً سنطلب من لويس إحضار ملابس لنا بالإضافة لملابس الجدة ،مارأيكم؟

رسمت على شفتيها ابتسامة رضا: وبعض المساحيق من فضلك .

_ ابنة الخامسة عشر ليست بحاجة للمساحيق ، كوني عاقلة .

أَنَّبها بلطف وهو ييتعد لإجراء الإتصال في مكان أكثر هدوئاً ، ولم يمضِ وقت طويل حتى أصبحت السيارة أمام مدخل الحديقة المزينة حيث حفل الزفاف ، خرج منها الأربعة وسط دهشتهم .

_ أبي! تيريزا !

أسرع نحوهما مبتهجاً بينما نطق الأب بابتسامة حانية : كنا نبحث عن الأربعة الهاربين من المدرسة ، لقد هاتفنا المدير وكان غاضباً بحق ، لكن لاتقلقوا تدبرنا أمره جيداً.

_ لحسن الحظ أنك أبي ،كنت قلقاً بشأن تيريزا جيد أنك جئت بها

عانقها بحنان ثم ألقى التحية للرجل الآخر ولشقيق صديقه ، بينما أبنوسي الشعر نكس رأسه خجلاً وقلقاً وعيون والده ترقبه بحزم : ستيف .. توقعت ذلك من الجميع ، إلا أنت .

اضطرب وهو يعتذر بأسف وندم: أبي أعتذر حقاً ، كنت مجبراً ،أعدك أن هذا لن يتكرر مجدداً.

صوت ضحكات الرجل أجبر الفتى على رفع رأسه ينظره بدهشة ، اقترب منه بعدها ووضع كفه على رأسه وهو يتأمله بفخر : سعيدٌ لأنك كنت عوناً لرفاقك ، هذا هو ابني الذي أحب .

_ لست .. غاضباً .

أومأ بالنفي مبتسماً وهو يتأمله بحنان : لم أغضب ، المدرسة مهمة بحق ، لكن مافائدتها إن لم تكن بلا خلق ، يجب أن تملك إيماناً ومحبة وصداقة عظيمة .

همس له سيكيم بغرور: أخبرتك أنه سيحب مساعدتك لنا ، يبدو أني أفهم القائد ميخائيل أكثر منك .

نظره بطرف عينيه ببرود دون أن يجيب ، بينما سأل لويس وهو يدير طرفه في المكان : لكن .. أين ديريك وجدتي؟

أشارت الفتاة للقاعة المتصلة بالحديقة : هناك ، كما تعلم أصبحا من أقارب العروس فجأة ، إن الجدة ترتاح هناك مع حفيدها .

_ ياللغرابة .. إذاً لم تحدث جدتي الفوضى في الحفل ؟! ولم تهلع؟

أومأ له سيكيم بالنفي وهو يجيبه : كانت هادئة جداً وقد أصرت على البقاء كثيراً.

ابتسم الشاب بأمل وقد وضع آرون كفه على كتف الشاب : انظر ماخفت منه يبدو أنه لن يكون ، أتمنى أن تحظى بزفاف سعيد كما تستحق لويس .

_ أرجو ذلك حقاً ، هذا كل ما أتمناه الآن .

_ هيا سيحل المساء قريباً أريد ارتداء فستاني .

نطقت بذاك حمراء الشعر محتجة فأسرع الشاب يعطيها الكيس مستدركاً: اشتريته على عجل أرجو أن يعجبكِ .

_ أرجو ذلك حقاً فكما تعلم إرضائي صعب .

نطق ستيف ببروده المعتاد : يكفي أن يعجب سي ليصبح جميلاً .

بلا مقاومة ضحك الرجلان وهي تنظرهم مستنكرة : ستيف الأحمق ، حتماً سأقتلك .


 
 توقيع : آدِيت~Edith

مواضيع : آدِيت~Edith


التعديل الأخير تم بواسطة شَمس. ; 09-14-2023 الساعة 11:33 AM

رد مع اقتباس
قديم 12-07-2022, 12:33 AM   #13
آدِيت~Edith
https://www.anime-tooon.com/up/uploads/at165286508456371.png


الصورة الرمزية آدِيت~Edith
آدِيت~Edith غير متواجد حالياً



على الفراش جلس يتأمل الراقدة بوجهها المجعد السمح ، دثرها جيداً وقبل جبينها ليتركها بعدها مغلقاً الباب من خلفه بحذر .

صوتٌ من خلفه خاطبه بهدوء وصاحبه على الأريكة جالس والكتاب بين يديه : هل نامت جدتي؟

أومأ له إيجاباً وألقى بنفسه على الأريكة بتعب : كان يوماً منهكاً .

أغلق الكتاب ووضعه على الطاولة أمامهما وهو يجيب مبتسماً: لقد كان حافلاً وممتعاً .

أتبع وهو يتأمل شقيقه أسِفاً : أعتذر لأنك أجبرت على ترك المدرسة مجدداً بسببي ، لو أني استطعت ترك منزل عمتي في وقت باكر لما حدث ماحدث .

_ ليس الذنب ذنبك عزيزي لويس ، إنك أيضاً تواجه أياماً مزدحمة ، فأمامك الكثير من المهام لتنجزها قبل الزفاف ، الذنب ذنب ابنها في المقام الأول .

سكت كليهما وقد أطرق رملي الشعر برأسه ينظر كفيه المتشابكتان مفكراً : لا أحد يهتم بها سوانا ، مؤلم أن تعاني هكذا فقط لأنها أصبحت عجوزاً لاتذكر كيف كانت ، لقد عانت الكثير حقاً حتى هذا اليوم ، لكن أحداً من أبنائها لم يشفق عليها .

ظل الأكبر بصمته يستمع متألماً وديريك يكمل بحرقة : حتى عندما تركت المنزل اليوم .. لم يأتي أحد للاطمئنان عليها ولم يقلقا بشأنها ، الغرباء عنها أسرعوا لتقديم المساعدة لكن ابنها وزوجته لم يفعلا .

اغرورقت عيناه بالدموع التي احتجزها بتجلد وهو يتمتم محتجاً بقهر : هذا ليس عدلاً ، لم تستحق هذا أبداً.

اقترب شقيقه منه مربتاً على كفيه وسرعان مااحتضنه بدفء وعطف : ولأنها استحقت المحبة سخر الله لها حفيداً عطوفاً ومحباً مثلك ، وأصدقاء أوفياء كرفاقك ، أنت تملك قلباً رائعاً أخي .

ابتعد ديريك عنه وهو يمسح دموعه بخجل : يالي من مغفل ، لا أحب أن تراني أحمق هكذا .

ربت على رأسه وهو يبتسم بحنان : خلافك إني أحب كثيراً حقيقتك هذه ، بعيداً عن السخرية والضحكات الزائفة ، إنه أنت ، الجانب الحقيقي منك فقط .

بادله الأصغر الابتسام رغم عيونه المحمرة : هذا الجانب الذي لن يظهر لسواك مطلقاً.

أجابه ببسمة عذبة محبة ويده تمسح ظهر أخيه : هيا اذهب وارتح الآن ، لن تترك مدرستك مجدداً ، لقد أهملتها بما يكفي ، ستجيء غداً زويا وسنهتم بالجدة معاً لذا لاتقلق بشأنها .

تنهد بارتياح : وأخيراً ستعود أميرتك الجميلة لتريحنا منك .

ابتسم ضاحكاً يلوح له مودعاً : هيا ارحل قبل أن أغير رأيي .

أشار له أنه قد أغلق فمه وغادر لغرفته ضاحكاً ،وماإن أغلق باب غرفته حتى زفر لويس بعمق وقد استند للأريكة يفكر بوجل .

..................................

توقف القطار عند المحطة الأخيرة ، فنزلوا جميعاً بأمتعتهم والرجل ينظر ساعته بين الحين والآخر .

_ ياابنتي .. هل سيتأخر زوجك ؟

احمر خديها خجلاً وهي تجيب بتهكم: لم نتزوج بعد أبي ، لقد وصلنا باكراً لننتظر قليلاً بعد.

_ اتصلي به يافتاة قبل أن يغضب والدكِ.

تأففت وهي تخرج هاتفها وفيليب يتأمله بفضول : هل تجيدين استخدامه زويا ؟ ماذا لو طلبت من زوجك شراء واحد لي ؟

زجرته باستياء وهي تعيد محذرة : قلت أنه ليس زوجي بعد هل هذا واضح؟ ثم بالطبع لن أطلب منه احضار شيء لك، لتشتري واحداً حينما تبدأ بالعمل في المدينة فلن تحتاجه في القرية حسبما أظن .

وضع يديه في جيبي بنطاله متظاهراً بالاستياء: كم أنتِ أخت متكبرة .

وضع آدم الحقيبة الأخيرة قريباً منهم فشكرته السيدة بلباقة ومحبة : لاترهق نفسك بني ، اجلس رجاءاً .

أتبعت تخاطب الآخر بحزم : فيليب اذهب واشتر شيئاً لنشربه بدلاً من مضايقة أختك .

_ حاضر أمي ، مارأيك بمرافقتي آدم؟

_ بكل تأكيد سأفعل .

غادر الاثنان نحو البائع فانتقى فيليب لأفراد عائلته وله القهوة كما يحب كل واحد منهم أن يشربها ، التفت لرفيقه يسأله بابتسامة لطيفة : ماذا تحب أن تشرب ياصديقي؟

سكت قليلاً قبل أن يسأل: لا أعلم مايقدمونه هنا .

_ انظر لهذه اللائحة ، هناك الكثير من الأنواع اللذيذة .

أخذ يقرأها بحيرة : لا أعلم حقاً لم أتذوقها مسبقاً لذا لايمكنني الاختيار .

_ أتثق بذوقي؟

أومأ له إيجاباً فتكلم مخاطباً البائع : اسبريسو من فضلك .

فتح الشاب محفظته فأنبه رفيقه مستاءاً: ماذا تفعل آدم ؟ أبي تكفل بثمنها جميعاً لذا لاتتصرف بفظاظة .

وضع البائع الأكواب الخمسة أمامهم فحملها الاثنين وهما يعودا أدراجهما إلى حيث البقية وقد تخيروا طاولة بستة مقاعد .

بدأ كل واحدٍ يحتسي قهوته باستمتاع ونسمات الربيع الأولى قد هبت مصحوبة ببرد خفيف من بقايا الشتاء ، قرب الكوب من فمه يرتشف القليل ، وسريعاً تسلل لفمه طعم القهوة المُرَّة الثقيلة ، والذي لم يعتده أبداً ، حاول أن لايبدي استيائه منها فأبعدها بهدوء دون أن يتحدث وهو يستمع لأحاديثهم اللطيفة التي اعتادها وأحبها .

بعد حينٍ هتفت المرأة لزوجها : لقد جاء أخيراً ، انظر إنه هناك .

التفت إلى حيث كان يقف الشاب قلقاً ،فناداه بصوتٍ عالٍ جعل الفتاة تحمر خجلاً : إننا هنا ياابن أخي .

اقترب منهم بابتسامته اللطيفة معتذراً: آسف لتأخري الازدحام لايطاق ، أعتذر حقاً لابقائكم منتظرين لوقتٍ طويل .

_ لابأس بني .. كنا نستمتع بالقهوة لذا لم يكن الانتظار سيئاً .

صافح الرجل باحترام ولباقة : سعيد لقدومكم حقاً عمي العزيز .

رحب بالسيدة وابنها بحرارة : اشتقت لكما حقاً أمي .. فيليب .

صافح بعدها الفتاة بابتسامة سعيدة محبة بينما أطرقت برأسها خجلة ، التفت لآدم متسائلاً ينظره تارة والفتاة تارة أخرى فأجابته الأم دون أن ينطق: إنه آدم.. ابن صديقتي العزيزة الراحلة أولجا ، آدم .. هذا هو خاطب ابنتي وابن عمها " لويس ".

صافحه بحرارة مبتسماً : يسرني لقائك عزيزي آدم .

_ وأنا كذلك .

قالها وهو يبادله بابتسامة صادقة ، وبسرور أشار الشاب للبوابة : السيارة بالانتظار في الخارج ، تفضلوا رجاءاً .

نهضوا جميعاً وقد أخذ السائق الحقائب نحو السيارة ، بينما همس لويس لزويا بحب : اشتقت كثيراً لكِ .

احمر وجهها وهي تنظر آدم الذي كان يقف على مقربة منهم دون أن يلتفت لهم ، وبخيبة أطرقت رأسها مدركة أن كل مشاعرها لم تعد ذات قيمة .

أحاطها لويس بذراعه وسار بمحاذاتها نحو السيارة الفاخرة ، فتح الباب يشير لها بالدخول ففعلت ولاتزال بصمتها تنظر ذهبي العينين بين الفَيْنَة والأخرى .

_ إلى منزل العائلة من فضلك .

انطلق السائق من فوره بعد سماعه ماقال سيده بينما همس آدم لفيليب : لابأس لو أنزلتموني في أي مكان كان ، لاأظن أن من اللباقة ذهابي معكم لمنزل العائلة .

_ لم لا ؟ إنك واحد منا يا صديقي لايمكننا تركك في الشارع بمدينة لم تزرها قط .

_ لكن .. هذا لايبدو لي لائقاً.

أتاه صوت لويس بنبرة مريحة وابتسامة عذبة : أرجوك لاتفكر برفض الدعوة أبداً ، إنك شخص مهم لعائلتي ، لذا أنت كذلك بالنسبة لي أيضاً ، لاتخجلني رجاءاً .

أومأ له إيجاباً بتردد وقلق ، وبعد مضي بعضٍ من الوقت كانت السيارة قد توقفت أمام قصر كبير فاخر،ذا حديقة واسعة بدت فيها أوائل الربيع واضحة المعالم ، الأشجار كانت تعزف موسيقاها الخاصة ، والسماء صافية الزرقة بهية إطلالتها ، وصوت النسيم مع صوت الطيور العائدة أضاف لمشاعره المتعبة حياة جديدة مريحة دافئة .

فتحت البوابة وقد استقبلهم الخادم باحترام مرحباً ، فدخل لويس تعانق كفه كف عروسه الصغيرة ، ودخل الزوجان معاً والمرأة مستاءة مكفهرة الملامح تهمس لزوجها بما استطاع هو وابنهما سماعه : لقد وصلنا تواً ولم نستطع أن نخلد للراحة حتى ، دون أن يسألنا جاء بنا للعجوز مباشرة ، يالها من فظاظة .

_ اشش لاتتحدثي عن عمتي بهذا الشكل ، إنها سيدة العائلة ولابد من تقديم التحية قبل أن تتنفسي هواء المدينة حتى .

تمتمت محتجة دونما رضا بينما همس فيليب لآدم : هناك مسجد في هذه المدينة ، بحثت عنه لأجلك ، فور خروجنا سأصحبك إليه .

تهلل وجهه فرحاً وبإمتنان أجابه : لا أصدق ! أتعرف كم أردت هذا منذ قدومي لروسيا ، شكراً جزيلاً لك فيليب أنا حقاً عاجز عن شكرك .

_ على الرحب ياصاحبي ، وأخيراً ها أنت تبتسم بصدق ، سعيد لأني تمكنت من إسعادك .

_ تفضلوا رجاءاً ، عمتي أفدوتيا هنا بانتظاركم .

.............................

شرفة واسعة فتحت أبوابها لتتسلل منها النسمات الباردة تحرك الستار شيئاً يسيراً، وصوت حفيف الأشجار المتراقصة امتزج مع نشيج الماء المتدفق من النافورة بإطلالة جميلة ساحرة .

مقعد فاخر توسط الغرفة كانت تجلس عليه السبعينية بأبهة كما لو أن السنين لم تزد من عمرها شيئاً ، بشعر رمادي مرتب بعناية ، وفستان طويل يعلوه رداء بنقوش نباتية أنيقة والكثير من الحلي الثمينة .

كانت تنظرهم بخيلاء تمد كفها أمامهم وقد تقدم الرجل مسرعاً يقبل كفها تتبعه زوجته تحييها بخضوع وتفعل مافعل ، تقدم العريسان منها فانحت الصبية تقبل كفها هي الأخرى : نهارك سعيد عمتي العزيزة ، أرجو أنك بأتم الصحة والعافية .

نطقت وهي تتأمل الفتاة مبتسمة بفخر : مرحباً بكِ عزيزتي زويا ، هل أنتِ سعيدة برفقة زوجكِ.

تأملها الشاب بترقبٍ وقد صمتت لبرهة بخجل ، ومالبثت أن اومأت إيجاباً فاتسعت ابتسامته برضاً وأسرع يقدم تحيته : نهارك سعيد عمتي الحبيبة .

_ لو لم أقم بتزويجك ماكنت لتحبني بهذا القدر، وتهتم بي كما الآن أليس كذلك؟

بتلعثم أجاب خجلاً: بالطبع أحبك عمتي ،أعني كنت دائماً ولا أزال أحبكِ ، فضلك علي لن أنساه ماحييت .

ابتسمت ساخرة وأدارت طرفها لفيليب الذي فهم الإشارة فوراً وأسرع يقبل كفها : مرحباً عمتي أرجو أنكِ بأتم الصحة والعافية .

_ مرحباً بك بني ، يجب أن نجد لك عروساً تهتم بك أنت الآخر فلايبدو أن والدتك تفعل، أصبحت نحيفاً جداً .

نظر لوالدته الغاضبة بتوتر وأجاب متردداً : كلا عمتي إني أتناول الكثير حقاً ، طعام والدتي لايقاوم ، لكن بنيتي هكذا ماعساي أفعل ، ثم إني لا أفكر بالزواج أبداً الآن ، لست في عجلة من أمري .

_ جميع رجال هذه العائلة تزوجو في مثل عمرك ، يجب أن نجد لك عروساً حتماً ، مالفرق بينك وبين لويس سوى عام واحد .

أجاب بسرعة : عام ونصف عمتي .

نظرته أمه مؤنبة وقد لاح الاستياء على وجه العجوز ، وسرعان ماأحالت ناظريها متسائلة نحو الضيف الغريب .

أشار له لويس بأن يقترب وما إن فعل حتى عرَّف به وهو يضع يده على ظهره: عمتي .. إنه صديق مقرب للعائلة واسمه آدم ، جاء من القرية ليحضر الزفاف .

تأملته من رأسه حتى أخمص قدميه بنظرة متفحصة ، بدت غير راضية وهي تنظر بازدراء ملابسه البسيطة ، بينما نطق بابتسامة هادئة جميلة : سررت بلقائك سيدتي ، شرف عظيم معرفتكِ .

لم تجب وظلت تتأمله بصمت مما زاد حيرته وارتباكه ، بعد حين التفتت للويس تخاطبه ببرود خالطه استياء: ولم لم تحضر شقيقك معك ؟

_ لايزال في مدرسته عمتي ، بمجرد أن يعود منها سيأتي في الحال .

_ عدم رؤيته أفضل بالنسبة لي ، على كل لابد أنكم قد تعبتم أثناء الرحلة ، اخلدوا للراحة حتى المساء ، فلدينا حفلٌ على شرف عروسنا الجميلة .

عادت تنظر آدم بخيلاء وهي تكمل : أكرموا الضيف كما يليق به واهتموا بمظهره جيداً ، مرحباً بك بيننا ، أرجو أن تسعد بإقامتك .

فهم ماكانت ترمي إليه ورغم استيائه نطق باحترام: شكراً لك سيدتي ، لطف بالغ منك

أشارت لهم آذنة بالخروج ففعلوا وقد كانت الزوجة وبمجرد خروجها تتمتم محتجة بشتائم عدة والزوج ينظرها متعباً ، بينما رافق لويس زويا ووالديها نحو غرفهم في الطابق العلوي .

_ هل ستبقون في هذا المنزل ؟

سأل آدم فأجابه رفيقه وهو يسير بمحاذاته نحو غرفتهما : سنبقى ياعزيزي ، حتى الزفاف ستبقى معنا وأتمنى أن تغير رأيك لاحقاً فتبقى لفترة أطول .

أومأ نفياً بابتسامة هادئة : كنت أتمنى ذلك ، لكن هذا صعب .. الحياة بهذا المكان مختلفة تماماً عما عشته ، سيكون من المستحيل بالنسبة لي السُكنى هنا .

دخلا الغرفة ومن فوره استلقى فيليب على أحد السريرين بارتياح ، والآخر أخذ يتأمل الغرفة الأنيقة الواسعة ، بستائر طويلة وسقف عالٍ ، وشرفة مطلة على الحديقة الخلفية .

تأمل اللوحة الجدارية بإعجاب : يالها من لوحة مذهلة ، أحببتها كثيراً.

_ لدى عمتي الكثير من اللوحات الثمينة ، إنها مهتمة للغاية بالفنون .

جلس على فراشه وخلع حذائه وجواربه ، ثم بدأ يدلك قدمه المتعبة بينما رفيقه يسأله: لابد وأن ماقالته العمة قد أحزنك ،أليس كذلك؟

نظر إليه لايعرف بم يجيب فاتبع الآخر ضاحكاً : لاتهتم بهذا ياصديقي ، إنها هكذا على الدوام ، لو رأيت كيف تعامل ديريك لما اهتممت أبداً بما قالته ، ورغم ذلك هو لايكترث أبداً ، إنه جيد باغاظتها بكل برود ودون اكتراث .

_ من يكون ديريك ؟

_ إنه شقيق لويس الأصغر ، أي أنه ابن عمي ، أظنه في مثل عمرك الآن ، ستراه حتماً في الحفل .

_ لا أعلم .. لا أشعر برغبة في حضوره ، هل يجب علي ذلك؟

_ للأسف إنك مجبر فقد تمت دعوتك رسمياً .

تنهد بضيق واستياء: لقد أردت حضور الزفاف وحسب ، لم أعتقد أن هذا سيحدث ، يجب أن أبدأ البحث قريباً عن عائلتي.

_ عزيزي لقد وصلنا تواً ، لازلت تملك الكثير من الوقت لتفعل ماتشاء ، ارتح اليوم وأعدك أني سأرافقك لمساعدتك .

أومأ إيجاباً بامتنان ثم استلقى على الفراش بتعب يحاول الرقود رغم كل الهواجس التي تجتاحه .

..................

خرج الأربعة من المدرسة يستقبلهم آرون أمام سيارته ، أشار لهم بالتحية فتوجهوا نحوه .

_ مساء الخير أبي ، هل اصطحبت تيريزا .

_ أجل .. إنها بانتظارك في الداخل ، هيا سأوصلكم .

_ عم آرون .. ماذا لو خرجنا للمطعم هذا المساء وتناولنا العشاء معاً؟

قالها ديريك برجاءٍ فأجابه بحزم : لن تتهرب من الدعوة بهذه الطريقة عزيزي ،فلقد دعانا والدك أيضاً .

تأفف ضجراً وباحتجاج نطق: لاأحب الاحتفالات الصاخبة .

_ عن اذنكم جميعاً سأذهب لمنزلي .

_ بل سترافقنا عزيزي ستيف ، والدك طلب مني ذلك .

نظرت له كريستينا بطرف عينها مستاءة : لم يجب أن يرافقنا هذا البغيض؟

أجابها آرون ببرود: من قال أنك سترافقينا ؟ لابد وأن والدكِ بانتظارك صغيرتي ، لاأريد أن يتهمني باختطاف ابنته .

مستنكرة أجابت : حتماً لن يفعل ! انتظر لتكلمه بنفسك وتتأكد من هذا .

أشار لهم بالدخول لسيارته ريثما تتصل بوالدها وما إن فعلوا حتى هتف وهو يقود سيارته مبتعداً : آسف ياصغيرة لدي موعد عاجل لايمكنني الانتظار .. وداعاً!

أسرعت خلفه ثم توقفت بيأس مستاءة : تباً لم تفعل هذا بي عم آرون !

زفرت بقهر ووضعت يديها على خصرها مفكرة بضجر ، بينما نطق عسلي الشعر بتعاطف: لم فعلت هذا أبي ، كنت لئيماً بحق ، لاتقارن هذه المسكينة بوالدها ، إن كان مذنباً فهي ليست كذلك .

_ هه كلاهما سيان ، أستطيع فهم ذلك من عيونها ، وتصرفاتها بالطبع تشرح كل شيء .

أيده ديريك بنبرة ساخرة : من الطبيعي أن لايدرك ابنك هذا ،فهو الوحيد الذي تعامله معاملة جيدة ، بل أكثر من جيدة ، أما نحن فهي تعاملنا بلؤم وشيطنة ، أليس كذلك ستيف؟

بلا اكتراث أجابه وقد أسند رأسه للنافذة يتأمل الخارج بهدوء : ربما .. ما أعرفه أنها تملك هالة غير مريحة ، لكني لا أريد الإسائة لأي كان ، لا أحد يمكنه فهم البشر بنظرة واحدة أو حتى حسب تصرفاته الظاهرية ، كثير من يخفي بداخله حقيقة لايستطيع إظهارها .

ابتسم آرون وهو ينظره بإعجاب من مرآة السيارة : يالك من ولد ، تجرأت على أن تصارحني بمخالفتك لرأيي ، بل وترى أنه خاطيء؟

استدرك الشاب ماقاله فأسرع يحاول مداراة ما أوقع نفسه فيه: المعذرة سيدي القائد ، لم يكن ذا مقصدي ، لقد قلت رأيي بالأمر وحسب !

ابتسم ضاحكاً يجيبه: لست مستاءاً ، بل على العكس تعجبني صراحتك ، لكل منا رأيه ومن الجميل أن نطرحه بشجاعة دون تردد ، وأن نحترم الطرف الآخر حتماً.

زفر سيكيم بضيق يقاطعهم : هذا الموضوع لايعجبني لنغلقه رجاءاً .

توقفت السيارة فجأة وقد نطق الأب بحماسة : وصلنا ، هيا يا أولاد البطاقة بين أيديكم ، لتشتروا ما أردتم .

هتفت الفتاة بسعادة : حقاً أبي! شكراً لك .

أخذتها بسرعة ونزلت من السيارة يتبعها البقية وقد استقبلهم ميخائيل أمام البوابة : تأخرتم يارفاق .

ضرب كفه بكف صديقه كتحية بينهما : مرحباً بك مجدداً آرون .

_ أهلاً بك ياصديقي العزيز ، هيا لننه رحلة التسوق هذه سريعاً فالفتاة تحتاج وقتاً للتزين كما تعلم .

ابتسم ضاحكاً وهو يتأمل سعادتها بينما تمسك كف شقيقها تقوده نحو مايعجبها من فساتين جميلة .

أخذ كل واحد ينتقي مع والده مايعجبه عدا ديريك الذي وقف يتأملهم بصمت أخفى الكثير وهو يضع يديه في جيبي بنطاله ، تأمله آرون بابتسامة هادئة ثم التقف بدلة زيتونية اللون : مارأيك بهذه ديريك ، إنها بلون عينيك .

بدهشة تأملها لبعض الوقت حتى نطق أخيراً مستدركاً : آه .. كلا .. أعني .. لدي الكثير في المنزل ، لابد أن عمتي تخيرت لي ماسأرتديه مسبقاً ، شكراً لك .

أعادها الرجل متظاهراً بالاستياء : كما تشاء يبدو أن ذوقي لايعجبك .

_ هل يعقل ذلك !

ابتسم ضاحكاً وهو يجيبه : كنت أمازحك ، لكن مظهرك الهاديء لايعجبني ، تبدو كشخص آخر .

_ كل مافي الأمر أني مللت التسوق ، وأفكر كثيراً بجدتي وبلويس ، لابد أنه يواجه المتاعب وقد اصطحبها لمنزل العمة ، إنها لاتحتملها ودائمة الغضب منها .

_ وماذا في ذلك ، إنها زوجة أخيها الوحيد ، لتكن عادلة قليلاً وتحسن إليها .

_ إنها قصص قديمة عالقة ، رغم كل شيء لا أحد يستطيع التخلص من الماضي بسهولة ، حتى موت جدي لم يغير شيئاً بقلبها .

اقترب منهما ميخائيل متسائلاً: عم تتحدثان بسرية .

أجابه آرون بتنهيدة مثقلة : نتشارك بعض الهموم ، حسناً ديريك .. لن أرغمك على البقاء وذهنك مشغول بما ينتظرك ، دعني أوصلك للمنزل ثم سأكمل التسوق معهم .

_ كلا عم آرون ، أستطيع تدبر أمري جيداً لذا لاترهق نفسك البتة .

_ لكن ..

أشار بكفه مودعاً وهو يغادر : ألقاكم مساءاً .

استدار للحظة يخاطب الصغيرة بمرح : برأيي الفستان الزهري هو الأجمل ، سيليق بكِ حتماً .. تشاو ٓ.

خرج وقد توقفت الفتاة تتأمله يرحل خجلة ، وماإن سألها شقيقها عن اختيارها الأخير حتى نطقت بثقة : الزهري .. هو الأجمل .

_ وأخيراً ،لحسن الحظ أن أحدنا استطاع اقناعكِ .

ابتسمت بسعادة وهي تتأمل الفستان بتفاصيله الأنيقة المتناسية وسنيها العشر ، بينما وجد الشاب أخيراً الفرصة ليبحث عما يريد .

....................


 
 توقيع : آدِيت~Edith

مواضيع : آدِيت~Edith


التعديل الأخير تم بواسطة شَمس. ; 09-14-2023 الساعة 11:35 AM

رد مع اقتباس
قديم 12-07-2022, 12:35 AM   #14
آدِيت~Edith
https://www.anime-tooon.com/up/uploads/at165286508456371.png


الصورة الرمزية آدِيت~Edith
آدِيت~Edith غير متواجد حالياً



حل المساء وبدأ الحفل وصوت الموسيقى الكلاسيكية الهادئة تزيين الأجواء الربيعية الباردة، بمساء زينته النجوم تحف البدر الذي توسط السماء بهيمنة آسرة .

دخل الخادم يعلق بدلة جديدة فاخرة وحذاء : سيد آدم .. هذه هدية السيدة لك لترتديها في الحفل .

حائراً سأله بلا ارتياح: لكن .. لدي ملابس بالفعل ، لست بحاجة لأخرى .

وكزه فيليب مؤنباً : إنها أوامر العمة لايمكن أن ترفضها .

_ لكني لم أعتد ارتداء شيء فاخر كهذا ، لن أكون أنا إن كان همي الوحيد إرضاء البشر ، لن أغير من حقيقتي لأجل أحد البتة .

_ لاتكن صعباً يافتى ، جربها لن تخسر شيئاً.

التفت له بحزم مجيباً: سأخسر هويتي .

تأفف فيليب بضجر : رجاءاً لاتثر المتاعب ، إنها مجرد قطعة قماش أخيطت لترتديها في مناسبات كهذه ، لم المبالغة لست أفهم .

جلس على الفراش بضيق معتذراً: لا أريد وضعك بموقف صعب فيليب ، لذا سأبقى هنا ريثما ينته الحفل .

_ كم أنت عنيد ، العمة لن تغفر هذا حتماً .

_ لم لاتفهمني فيليب إني أرجوك لا أشعر بالارتياح لهذا الأمر.

تنفس الآخر الصعداء وجلس بجوار رفيقه يخاطبه بهدوء وصبر : حسناً .. سأحكي لك قصة ولتفكر بعدها وتقرر ، وأعدك أني لن أحاول مجدداً اقناعك.

_ كلي آذان صاغية .

_ إنها قصة خاصة وسرية ، ليس الكثير يعرفها ،كما يحظر تناقلها ، لكني سأخبرك بها لأني أدرك أنك أهل للثقة ، ولن تخبر أحداً مطلقاً.

أومأ إيجاباً بامتنان : شكراً لثقتك فيليب ، أقدر هذا حقاً.

ربت على كفه مبتسماً وابتدر الحديث بهدوء: جدي الأكبر كان سيد هذه العائلة ، توفيت زوجته باكراً ولحق بها وهو في الستين من عمره ، كان له ابناً وابنة فقط .. الفتاة هي عمتي ، ولقد تزوجت من رجل ثريٌّ للغاية لم تعش معه طويلاً ، أما جدي فتزوج فتاة ريفية بسيطة ، كان ثرياً ولكن ليس كما هي الحال مع عمتي ، اقتسم كليهما الإرث بعدل ، لكن خلافاً حدث بينهما لازلت أجهل سببه وسمعت أن عمتي بعد ذلك الخلاف تركت المنزل مع زوجها وأصيبا بحادث سير ، توفي زوجها وهي أسقطت جنينها الذي لم تكن تعلم بوجوده وقيل أنها لم تعد قادرة على الإنجاب مجدداً ، ولذلك حل الخصام بين الأخوين وهي تحمله إثم ماجرى دون حق .

ارتشف بعض الماء قبل أن يكمل : كان لدى جدي ولدين وابنة ، هما أبي وعمي والد لويس والراحلة عمتي ديانا ، وكما تعرف أبي أيضاً تزوج امرأة ريفية وعاش معها في القرية بعيداً عن الضوضاء والمشاكل وأنجبني وزويا وحسب ، بينما عمي والد لويس عاش في المدينة ورزق بلويس وديريك ، كانت المشاكل بينه وبين زوجته كثيرة بالرغم من أنها امرأة لطيفة ، وعمي كذلك أيضاً لكن الخلافات وجدت طريقها لهما بسبب أو لآخر ، لقد انفصلا حينما كان لويس بعمر الحادية عشرة ، تزوج كل واحد بعدها من شريك آخر ، ورزقا بأطفال كثر ، حتى أنا لاأعرف عددهم صدقني ، بينما عمتي ديانا تزوجت قسراً برجلٍ لاتُحبه ، فهربت من العُرس رافضة أن تكون له وقلبها ملك لرجل آخر ، لم أكن حاضراً يومها لكني سمعت الكثير بشأن هذه الحادثة ، البعض قال أن زوجها لحق بها وأحرق المنزل محتجزاً إياها فيه ، والبعض قال أنه كان حادثاً فقط ، ولكنها رحلت في النهاية عروساً وسط اللهب ، مما جعل أمها تجن منذ ذلك الحين ، وقد فقدت صوابها تماماً .

بأسفٍ تكلم متألماً : يالها من قصة مرعبة ومحزنة .

_ أجل هي كذلك ، ما أريد قوله .. أنه وبعد وفاة جدي أصبحنا لعمتي كما الأبناء الذين حرمت منهم ، وكلاً منا يسعى لإرضائها ، لاتنس أنها كبرت وأصبحت بحاجة للاهتمام والحب ،ولعائلة تحيطها ، لذا هي حازمة وصارمة وتلتزم بعاداتٍ وتقاليد مزعجة ، لكنها طيبة القلب في أعماقها ، عاشت حياة قاسية جعلتها تغدو هكذا ، أنا أفهم ماتشعر به فقد مررت به في الماضي ، عندما دخلت أسوار القصر للمرة الأولى ، كان صعباً الاعتياد وإجبار نفسي على فعل مالا قناعة لي به ، لكني احترمت رغبات امرأة مسنة حُرمت من كل جميل في حياتها ، أتمنى من كل قلبي أن لاتكسر كبريائها وترفض دعوتها ، واثق أنها ستقدر ذلك كثيراً .

صمت ذهبي العينين يفكر عميقاً بينما نهض رفيقه يهم بالمغادرة حين ناداه بغتة : فيليب .. انتظرني ، سأرافقك للحفل .

بسرور هتف ممتناً: أنت الأفضل آدم ، سعيد حقاً لأن لم تردني خائباً، هيا انهض سأساعدك .

ابتسم بهدوء ينهض مستجيباً له ، وكله أمل أنهم لم يتخذ القرار الخاطيء.

............................

_ مساء الخير ديريك ، ماهذا يارجل تبدو أنيقاً للغاية ، ماذا تركت ليوم الزفاف .

بضيق أجابه متذمراً : أشعر بالاختناق بداخل هذه البدلة المزعجة ، ولكن مالعمل إنها الأوامر على كل حال .

التفت بإعجاب للفتاة التي بدت كاللعبة بفستانها الزهري المنتفخ المتناسق وشريط رأسها الجميل وقد أسدلت خصلاتها الذهبية المموجة الجميلة .

_ مساء الخير أيتها الصغيرة الحلوة ، كم تبدين رائعة ، أحببت إطلالتك البريئة .

ابتسمت وقد احمر خديها خجلاً ، بينما أيده شقيقها بمحبة : وهل يمكن أن أجد فتاة أجمل منها في هذا الكون .

_ انظر خلفك قد تراها .

التفت متسائلاً وإذ بها كريستينا بفستانها الأسود اللامع الطويل ، وقد جمعت شعرها للخلف بتسريحة راقية .

تنهد مستاءاً وهي تقترب منه بخيلاء : مساء الخير سي ، مارأيك ..كيف أبدو .

_ أكبر من عمرك .

رد دون مجاملة مما جعلها تقطب حاجبيها بضجر : لاشيء يرضيك سي ، لقد كبرت لن أستمر بارتداء ذات الملابس الطفولية التي تشتريها لشقيقتك .

_ لازلت صغيرة كريس ، لا أفهم لم أنت في عجلة من أمرك .

أجاب ستيف وهو يقترب منهم : ربما لتحظى بالزوج الذي تحب سريعاً .

التفتت له كارهة وقد نطق رملي الشعر بما زادها غضباً: ليست بحاجة للعجلة إذاً ، هاهي زويا قد تزوجت بعمرها .

_ ليست كل النساء سواسية .

_ يالوقاحتكما ! لاتقارنني بقروية بسيطة جاهلة ، كل ماتطمح له هو الزواج وحسب .

_ ليست كذلك ، إنها قروية لكنها ذكية وراقية وأنيقة .

_ لابد وأن تبذل ماتستطيع للدفاع عن زوجة أخيك الطفلة ، لا أعلم كيف تقبل لويس هذا الوضع ، بالرغم من أنه مثقف ووسيم ويمتلك سمات الرجل المثالي الذي تحلم به كل النساء ، إلا أنه خضع لعاداتٍ جاهلة وغبية .

نظر سيكيم إليها بطرف عينيه دون أن ينبس ببنت شفة بينما نطق ستيف ببروده المعتاد : على العكس أراه سعيداً للغاية ، وأظن أنه وكما يقال من كان منزله من الزجاج فلا يرمي الناس بالحجارة .
_ يالك من وغد ، لقد تحملتك بما يكفي ، مالذي تريده مني ها .
قاطعها سيكيم وهو ينظر للوافد الجديد متسائلاً: من هذا ديريك؟ ولم هو مع ابن عمك؟

التفت البقية ينظرونه بتساؤل وحيرة ، وقد ارتدى بدلة خمرية أنيقة ، وشعره الكستنائي قد رتبه للخلف مما منح مظهره مهابة وفخامة امتزجت مع هالته المريحة النيرة.

_ لا أعرفه ، ربما هو الضيف الذي جاء برفقة زويا وعائلتها ، لقد استضافته عمتي في منزلها حسبما سمعت .

تلاقت السماء بعينيه بذهبيتا الشاب الدافئتين ، وشعور غريب قد تسلل لأعماقه لم يفهمه ، توجه ذهبي العينين إلى حيث تجلس العائلة والعيون الزرقاء لازالت تراقبه حائرة ، بينما زويا ظلت تتأمله بألمٍ تحتجز مشاعرها في أعماقها ، تذيبها شيئاً فشيئاً .

_همست المرأة لزوجها قلقة : حال الفتاة لايعجبني عزيزي ، ماذا لو ارتكبت حماقة ما قبل الزفاف؟

مؤنباً أجابها : أولست السبب بذلك ؟ أنت من أدخل الصبي برأسها دون أن تحسبي للعواقب أي حساب .

_ أأنا المذنبة الآن ؟ أم أنها عمتك الظالمة ، تُسيِّر الأمور لصالحها دون اكتراث لمشاعر الآخرين .

_ لاتتحدثي عنها بسوء ، إنها تعرف ماهو الأفضل لابنتنا ، لو أنها تزوجت ممن اخترته لعاشت مشردة طوال عمرها.

_ من يعلم ؟! رأيت كيف أن منزل عائلتهم كان فاخراً وكبيراً ، لو أنه عاد لأسرته لعاشت سعيدة معه حتماً .

تأفف بضجر وهو يعلم أن حديثها ذاك لن ينته فآثر الصمت يداري غضبه ، بينما استأذنهم آدم ليذهب للمغاسل ، وما إن دخلها حتى أبعد ربطة العنق بضيق وفتح زرين من قميصه يحاول التنفس بارتياح .

تأمل انعكاس صورته في المرآة بضيق وطيف والدته من خلفه تمسح على ظهره بحنان : كم تبدو مذهلاً.. ابني الوسيم الحبيب.

_ أمي .. هذا ليس أنا .. ليس من أردت أن أكون .

_ عزيزي .. قد نجبر على أمور لانحبها ، وعلى مسايرة البشر في بعض الأمور ، لكن هذا لايعني أننا قد غدونا أشخاصاً آخرين ، طالما أننا لانخطيء ولانذنب ، فلابأس ..ستبقى حقيقتنا بأعماقنا ساكنة .

_ أمي .. أشتاقك كثيراً ، أحن لمنزلنا الهاديء ببساطته ، بعيداً عن ضجيج الحياة المُنهِكة .

_ إني معك ياعزيزي ، إلى الأبد ، ساكنة بقلبك ولن أزول ..

اختفى طيفها ليتركه وحيداً من جديد بائساً قد اسودت الدنيا في عينيه ، غسل يده وبلل عنقه عله يستعيد شيئاً من نشاطه ، وإذ بصورة الفتاة تنعكس على المرآة باكية تعيسة .

التفت لها بسرعة قلقاً: زويا ! مالذي تفعلينه هنا ؟

أغلقت الباب من خلفها ونطقت بصوت مرتعش : أرجوك أنقذني ، لاأريد الزواج به .

_ لا تفعلي زويا .. إنه رجل رائع ، امنحيه الفرصة لتحبيه .

أومأت بالنفي ودموعها غسلت خديها : لايمكنني ذلك ، عندما تركتك كنت قد بدأت أعتاد الأمر ، لكن بمجرد أن التقيتك مجدداً ، لا أستطيع التفكير به مطلقاً .. أنت وحدك من أحب هل تفهمني .

مسح جبينه بكفه بضيق وعاد يتأملها بتعب : زويا عودي لصوابك ، لاتأثمي وارجعي لزوجكِ .

ابتسمت بيأس وقد أخرجت سكيناً صغيرة من حقيبتها ووضعتها على عنقها وسط ذهوله : أنت تخليت عني ، وأنا لايمكنني خيانة قلبي ، سأريحك وأريح قلبي معاً ..هذا هو الحل الأمثل ... أحبك آدم !


يتبع ....
.................................................. ........


 
 توقيع : آدِيت~Edith

مواضيع : آدِيت~Edith


التعديل الأخير تم بواسطة شَمس. ; 09-14-2023 الساعة 11:35 AM

رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كوّن كلمة "صابون" و زحلق العضو اللي تريده 🧼 سيـرَان. تسالي و ألعاب 479 يوم أمس 05:04 AM
𝐌𝐈𝐒𝐓 | " طريقة إبراز لون واحد فقط من الصورة ". Lavender دروس وملحقات الفوتوشوب - Adobe Photoshop 6 11-03-2022 11:54 PM
ألماسـي | صيدليه العلاج بالثوم | The Garlic. " قاموس متجدد". MiMi صحة وصيدلة 17 08-06-2022 09:57 AM
𝐁𝐋𝐎𝐆𝐒 | " قسم المدونات ". MELODY مدونات الأعضاء 2 02-24-2021 09:03 PM

شرح حديث

علف


الساعة الآن 05:29 PM