بين أحضان مدينة عرفت شتاء لا يرحم ارتجفت أضلاعها لسماع صيحات الموت تعزف موسيقى مدوية في أرجاءها، موسيقى أفزعت كل البشر في المدينة ينامون في هدوء الليل في دفء منازلهم، ليستيقظوا على لوحة حمراء لطخت جمال البياض الناصع للشتاء فاجعة تلو الأخرى تتراقص مع موسيقى الموت في الوقت ذاته، و بالتزامن أيضا كل عامين في التاسع من كانون الثاني حين تشتد بهم العواصف الثلجية شخص ما يستغل عوامل الطبيعة، ليكتب علاماته الموسيقية المختلة بدماء الآخرين و اليوم أيضا ليس استثناء في غرفة إحدى الفنادق الفاخرة في المدينة ملئت برجال الشرطة، ينظرون للجثة المعلقة من يديها بحبل متين مربوط بالمروحة البيضاء امتلأت جسدها بالثقوب في كل الأنحاء، العينان اقتلعتا من محجرهما و استبدلتا بزهرتي أوركيد بيضاء اختفى صوت تلك التنهيدة بين أصوات الجمهور المتقزز من المنظر صدرت من رجل بدا عليه الانزعاج، قطب حاجبيه الغليظين ليقول بصوت منخفض: سأفصل بالتأكيد إن لم تحل هذه القضية
فرك يديه المتجمدتين ببعضهما عله يدفئهما قليلا تقدم خطوتين نحو الباب ليسأله الرجل الذي كان يقف بالقرب منه قائلا: ماذا سنفعل إذا؟ هل سنترك القضية؟
أنزل كتفيه باستسلام ورفع ياقة معطفه البني قائلا: أجل سنتركها لشخص آخر فقد يئست تماما
قال الرجل الثاني: ومن سيكون؟
نظر الأول إلى الأخير بانزعاج ليكشر عن أنيابه قائلا: تلك المتحولة
علت تعابير الصدمة وجهه لذكره لها تابع الأول طريقه مغادرا الغرفة وتاركا كل ما يتعلق بتلك القضية خلف ظهره وفي مهب رياح الشتاء.
أمام أحد المنازل الصغيرة القديمة في ضاحية المدينة وقف شاب بارتجاف تحت كتل الثلوج التي غطته بالكامل، لتجعل منه تمثالا جليديا مد ذراعه نحو جرس الباب ليضغطه من جديد بلا أي فائدة شفتاه المرتعشتان من البرد لم تقدر على النطق بما فكر فيه في تلك اللحظة، أزاح قدمه من موضعه ملتفتا إلى الخلف فور سماعه لصوت مكتوم يقول له: لابد أنك السيد موريس
وقعت عيونه الزرقاء كالسماء على صاحب الصوت الذي كسى نفسه بمعطف أسود مبطن تراكمت على كتفيه بعض ندف الثلج، وقبعة صوفية سوداء غطت معظم رأسه ونظارة كبيرة لتحمي عينيه من الثلج وأخيرا حذاء ذو رقبة طويلة حدق بذلك الشخص لبعض الوقت ثم قال: هل أنت كريس لايو؟
أجاب بابتسام: أجل، لنؤجل التعارف الجو بارد هنا
أومأ رأسه بالإيجاب ليتقدمه ذلك الشخص ويقف أمام الباب بحث عن مفتاح المنزل في جيبه ليخرجه ويفتح الباب أشار إلى السيد موريس بالدخول ليفعل على الفور، أرشده نحو غرفة الجلوس طلب منه الجلوس على الكرسي الخشبي الأقرب إلى المدفئة ليفعل بهدوء أشعل الحطب بعود ثقاب أثناء قوله: أتفضل الشاي أم القهوة سيد موريس؟
قال السيد موريس: القهوة من فضلك
ابتسم له ذلك الشخص أثناء مغادرته الغرفة ليبدأ السيد موريس تقليب ناظريه في المكان غرفة متوسطة الحجم الأثاث بها أقل من القليل ليقول: منزل عادي
أتاه صوت من خلفه يقول: أعتذر إن كان منزلي عاديا جدا
تفاجأ من الصوت الأنثوي القادم من عند الباب لينهض على الفور لينظر لصاحبته التي تقدمت نحو الطاولة القريبة من كرسيه، شعرها البرتقالي لم يغطي عنقها النحيلة المكشوفة فقد كان قصيرا جدا عينيها الواسعتين التي ماثلتا أعشاب الربيع القريب الخضراء كانتا تحدقان بتقاسيم وجهه لتقهقه قليلا ثم تقول: لم أتوقع أن يرسلوا لي محققا وسيما مثلك سيد موريس
احمرت وجنتيه قليلا على كلماتها التي حطت في قلبه ليعيد خصلات شعره البنية إلى الوراء بحركة من يده مع تخللها أبعد عينيه عنها ليقول: وأنا أيضا لم أتوقع أنك فتاة من الأساس
قالت الفتاة: اسمي هو كريستين لايو لكنني أفضل اسم كريس سررت
بمعرفتك سيد أندي موريس
مدت يدها للمصافحة ليمسك بيدها الصغيرة بحذر قائلا: سعدت بلقائك أيضا كريس ناديني أندي فقط
قربت كرسيا آخر من المدفئة لتجلس عليها وتدع الطاولة تتوسطهما رشف كل منهم من كوب القهوة الخاص به ليضعاه على الطاولة تسلل الدفء رويدا رويدا إليهما، أخذت كريس نفسا عميقا قبل نظرها للحقيبة الخضراء الداكنة بالقرب من قدمه ليفهم أندي الأمر ويفرغ محتويات حقيبته على الطاولة ليقول: لابد أنك سمعت عن قضية السفاح العازف من قبل أليس كذلك؟
هزت رأسها بالإيجاب لتقول: حتى اليوم هناك ستة جرائم ضحاياه كلهم من البشر الذين لهم علاقة بعائلة السيد فيرو
قال أندي: هذه الأدلة الموجودة في مسرح الجريمة مع صور للجثث ومعلومات كل منها وأيضا صورا لمسرح الجريمة
نظرت للطاولة التي احتوت على ملف الصور الشفاف وحقيبة صغيرة شفافة بها مجموعة أشرطة صوتية نهضت من مكانها لتقول: سأذهب لأحضر المسجلة
غادرت الغرفة في عجل لتعود إليها سريعا مع المسجلة الرمادية متوسطة الحجم شبكت القابس بمنفذ الكهرباء لتبدأ الاستماع للأشرطة مع فحص الصور، ترددت أنغام الموسيقى في الغرفة شابها تلك الصرخات المستنجدة أو الأنين الخافت أغمضت عينيها قليلا ثم قالت: لن تكفيني هذه الأدلة فقط عليّ الذهاب لموقع الجريمة
قال أندي: لا أظن أنهم سيسمحون لك بالدخول دون إذن تفتيش
قالت كريس أثناء نهوضها بابتسامة: ألم يخبروك من حيث أتيت بأي شيء عني أندي؟
أمسك بذقنه مفكرا بأي شيء ليردد بصوت مسموع ما ورد في ذهنه قائلا: لا تدع تلك المتحولة الصغيرة تتفوق عليك
قالت كريس: ألا تعرف أي شيء عني أبدا؟
هز رأسه بالنفي مرارا لتتنهد بقلة حيلة وتقول: حسنا ستتعرف عليّ لاحقا لنذهب الآن
غادرت الغرفة لترتدي معطفها وعدة الشتاء الخاصة بها وضع أندي الأدلة في الحقيبة ليرتدي معطفه ويلحق بها لخارج الغرفة ثم لخارج المنزل.
داخل غرفة الفندق وقفت كريس أمام الجثة التي لا تزال معلقة حامت حولها لبضع دقائق مفكرة في شيء ما تقدمت نحو الطاولة في منتصف الغرفة، لتنظر للكأس الزجاجي النصف ممتلئ بسائل بني فاتح رفعته لتقربه من أنفها قليلا لتقول: يبدو أن سفاحنا ليس عازفا وحسب لديه معرفة بطب الأعشاب أيضا
رفعت الكأس لتقول للشرطي الواقف بالقرب من الباب: هلا أخذتها للتحليل رجاء؟
نظر إليها مطولا دون حراك تعجب أندي تصرفه لتتنهد بهدوء دخل أحد الرجال الغرفة وعلامات الغضب في كل ركن من وجهه ليقول بصوت مرتفع: من سمح لك بالدخول إلى هنا أيتها المتحولة؟
قالت كريس: لديّ حق بمعاينة المكان فقد أصحبت قضيتنا
نظر الرجل إلى أندي الواقف بالقرب من الكرسي بشيء من انزعاج لم يفهمه أندي ليقول الرجل: وإن كان الأمر كذلك عليك إحضار إذن تفتيش معك
قالت كريس وهي تعيد الكأس لمكانها: أنت تعرف أن إذني معي دائما لأن لا أحد سيعطيني إياه أليس كذلك؟
عض شفتيه بغضب أكبر ليستند إلى الحائط ويقول بابتسامة ساخرة: لا أثق بأنك ستجدين القاتل أبدا
أكمل بصوت منخفض: أتمنى أن تكوني التالية
قالت كريس: أندي ماذا نعرف عن الضحايا؟
قال أندي: الضحية الأولى إيلينا كانتون مخطوبة الابن الأكبر لعائلة فيرو وجدت في فندق السيد فيرو في أطراف المدينة، الضحية الثانية آرثر كلارك معلم الموسيقى الخاص لعائلة فيرو وجد في فندق ماسي فيرو، الضحية الثالثة ديفيد ساميون موظف لدى السيد فيرو وجد في فندق السيد فيرو القريب من شركته، الضحية الرابعة جولييت هايلي ممثلة مشهورة ومقربة من زوجة السيد فيرو وجدت في فندق ملك لعائلة فيرو، الضحية الخامسة كارلوس ميلر قيل إنه صديق الابن الأكبر وعازف كمان جهير وجد في فندق تمتلكه السيدة فيرو....
توقف ينظر لكريس التي عادت لتحوم حول الضحية السادسة وتكمل عنه قائلة: ماريا كامي صاحبة شركة كامي للعطور شريكة للابن الأكبر لعائلة فيرو في شركته الخاصة، وزوجة مستقبلية محتملة للابن الأصغر مقتولة في غرفة في فندق يمتلكه الابن الأكبر أليس كذلك سيدي المحقق؟
نظرت إليه أثناء لبسها للقفازات البلاستيكية البيضاء أغمض عينيه متجاهلا سؤالها اقتربت من أندي المستغرب لتصرفاتهم العدائية نحوها، انتبه لقربها الشديد منه فور تلاقي أعينهم ليقول: ماذا هناك؟
قالت كريس: هل طولك هو 173 سنتيمترا؟
قال أندي: لا، بل 174,6 سنتيمترا لم السؤال؟
ابتسمت كريس لتقول: حقا إنه الطول الذي تتمناه الفتيات، هل أنت أعزب أندي؟
أجابها وهو يعيد خصلات شعره للخلف: لا، سأتزوج بعد أيام
تلفتت حولها قليلا لتوقف عينيها على مسندة الرجلين القريبة من الكرسي حركته من مكانها ليقول المحقق: أنت لا يجوز لك تغير موقع الجريمة كيفما تشائين
لم تهتم له كريس وضعت المسندة بالقرب من أندي لتبتسم ثم تقول: من المؤسف حقا فتاتك محظوظة جدا
أبعد ناظريه عنها وهو يقول بإحراج: ما الذي تقولينه في وقت كهذا؟
قهقهت كريس على ردة فعله التي وجدتها ظريفة بطريقة ما أمسكت رأسه بين يديها ليصدمه قربها الشديد، فتحت فمها لتظهر تلك الأنياب الحادة قريبا من عنقه ليقول بقليل من الخوف: ماذا تفعلين كريس؟
لم تجبه حتى نزلت من المسندة لتقول: حسنا القاتل ذكر طوله 180 سنتيمترا أو أقل تقريبا مصاص دماء بالتأكيد
قال أندي: وكيف وصلت لهذه المعلومات؟
وقفت كريس أمام المعزوفة الدموية المكتوبة على الجدار تحدق بعلاماتها محاولة تفسيرها لتجيب على السؤال قائلة: في اعتبار أن طول السيدة كامي هو 169 سنتيمترا، إضافة إلى طول كعب الحذاء 5 سنتيمترات يصبح المجموع 174 سنتيمترا ومع زاوية ثقوب الأنياب من الجهتين، ذلك الشخص أطول منها ببضعة سنتيمترات وكونه ذكرا لأن ثقوب الأنياب أكبر حجما من أن تكون لأنثى
قال المحقق: دائما ما تتهمين مصاصي الدماء أولا والقاتل بالتأكيد ليس واحدا لأننا لم نجدا دليلا على ذلك
قالت كريس: هل قمتم بفحص الدماء الموجودة على الجدار؟
قال المحقق: نعرف عملنا جيدا أيتها المتحولة، والدماء تعود للضحية
نظر إليها بانزعاج من صمتها المفاجئ جلست على الأرض بالقرب من المدفأة الكهربائية تفرك يديها فوقها، زاد ذلك من غضب المحقق الذي يتوعدها بألوان العذاب داخل قلبه وقف أندي بالقرب منها ثم قال: معها حق سيدي إن لم يكن القاتل مصاص دماء كيف استطاع جمع كمية كبيرة من الدماء وكتب على الجدار دون ترك أثر واحد؟
نظر المحقق له بغضب للانحياز إليها ثم أخذ يفكر في الأمر بجدية أثناء مراجعته للأدلة في عقله ليتنهد بانزعاج ثم يقول في نفسه: هذه الفتاة مزعجة جدا
أفاق المحقق من شروده على صوت أندي القائل: بما أن الغرفة مرتبة ولا تحمل آثار أي شجار فاحتمال أن الضحايا يعرفون القاتل كبير جدا وربما هو من كان يقوم بدعوتهم لهنا
قالت كريس: هذا صحيح والدليل موجود هنا
التفت كلاهما على صوت كريس القادم من أعلى الكرسيين اللذين وضعتهما فوق بعضهما البعض، اقترب أندي على الفور ليمسك بهما وهو يقول: ماذا تعتقدين أنك فاعلة؟
قالت كريس: أبحث عن دليل في كل مكان
أخرجت ورقة نصف محترقة من بين بلورات الثريا الصغيرة المعلقة في السقف مد أندي يده إليها لتمسك بها ويساعدها على النزول من ذلك العلو، قرأت المكتوب على الجزء الظاهر من الورقة بصوت مرتفع: عرض مميز لك وحدك سأعزف
قال المحقق: أواثقة بأنك لم تضعي هذا الشيء هناك؟
قالت كريس: ربما لم يفتش رجالك جيدا
نظراتها المستفزة المصوبة نحوه قد فعلت فعلها لتقهقه كريس دون مبالاة به ليهمس أندي لها قائلا: ألا تظنين أنك تبالغين في تصرفاتك؟
قالت كريس: أستمتع بالقيام بذلك هذا كل ما في الأمر
نظر نحوها باستغراب مما قالته له بقيا في الغرفة لبعض الوقت يفتشان هنا وهناك بحثا عن حقائق ودلائل جديدة قد تنزل الستار على هذه القضية للأبد، أخيرا وقفت كريس من مكانها القريب من النافذة لتقول: لقد تأخر الوقت وعليّ العودة للمنزل
نظر الرجلين إليها بتعجب مما قالت لتكمل قائلة: ماذا؟ هل توقعتما أن أعرف القاتل مباشرة؟
قال المحقق وهو يرتدي معطفه: حقا لا أعرف فيما يفكر رؤوسنا بإرسال طفلة مزعجة إلى هنا
غادر الغرفة بعد همسه بشيء ما لأحد رجال الشرطة الواقفين بالقرب من الباب منذ ساعات ليقول أندي: دعيني أوصلك إلى المنزل
قالت كريس: لا تقلق وعد للمنزل واسترخ جيدا
ابتسمت له قبل أن تسرع في مغادرة الغرفة تعجب أندي ذلك ليتنهد ويعود لمنزله الواقع في وسط المدينة، بالرغم من البرد الذي يحيط بأرجاء المدينة إلا أن الشوارع مزدحمة بالناس المستمتعين بمناظر الشتاء الليلية، منتظرين قدوم الربيع القريب منهم وقف أمام الباب الرمادي الداكن ليطرقه ثم يدخل قائلا: لقد عدت إلى المنزل
ارتسمت ابتسامة لطيفة على شفتيه فور سماعه لأصوات الأقدام الصغيرة المتجهة نحوه من الغرفة القريبة منه، ظهر صاحبيها بعد ثوان قصيرة بابتسامات كبيرة على وجههما قائلين بمرح: أهلا بعودتك خالي
حملهما بين ذراعيه ليتمسكا به بقوة تدافعت أحاديثهما عن يومهما إلى أذنيه المستمتعة بها، دخل غرفة المعيشة ليجد والدتهما تجلس هناك مواجهة للتلفاز تطرز شيئا ما على قطعة قماش زرقاء، ابتسم لها وقال: تعملين بجد كعادتك أختي لوري
رفعت رأسها لتظهر عينيها المماثلتين لعينيه والابتسامة تزين شفتيها فتحت شفتيها لتقول: أهلا بعودتك أندي لقد عدت باكرا جدا
قال أندي: لقد أنهيت عملي لليوم أين هي أمي؟
قالت لوري: مع أبي في الحديقة الخلفية
أنزل الطفلين ليقول: سأعود إليكما بعد قليل
قالت الفتاة بابتسامة واسعة: عندما تعود سأخبرك ما فعلته في المدرسة
قال أندي: متحمس لمعرفة ذلك
ترك الغرفة ليتوجه نحو الحديقة الخلفية وجد والديه هناك يتحدثان بسعادة مع بعضهما تحت أضواء القمر، اقترب منهما بهدوء ثم قال: مساء الخير أمي وأبي
التفتت السيدة الكبيرة في السن نحوه بابتسامة قائلة: أهلا بعودتك
قبل جبينهما ثم جلس بجوارهما تحدثا معه في بضع أمور ليأخذ الوالد نفسا عميقا ثم يقول: لا أصدق أنك ستتزوج بعد أيام قليلة لقد كبرت سريعا أندي
ضحك أندي على كلمات والده الغير جديدة على أذنيه منذ معرفته بأمر زواجه منذ أشهر أضافت الوالدة قائلة: حقا سأشتاق إليك كثيرا
قال أندي: تتحدثان كما لو أنكما لن ترياني مجددا
قالت الوالدة: لن تكون متفرغا لنا أبدا بعد زواجك
قال الوالد: هذا صحيح
قال أندي: لن يحدث ذلك فنحن سنعيش معكما هنا
ابتسمت الوالدة له ليبادلها الابتسامة انتهوا من ذلك الحديث ليدخلوا للمنزل فور مناداة لوري لهم للعشاء، انقضت أيام الأسبوع سريعا واحتفل أندي بزفافه برفقة عائلته وقليل من أصدقائه بعد ثلاثة أسابيع بالتحديد مع رحيل آخر علامات الشتاء، طرق ضيف غير متوقع باب منزل عائلة موريس فتحت لوري الباب لتنظر لذلك الضيف باستغراب ظهر على معالم وجهها انحنى الضيف وقال: آسفة إن أتيت في وقت غير مناسب سيدة ميراك
قالت لوري: لم يناديني أحد بهذا اللقب منذ وفاة زوجي هل لي بمعرفة من تكون؟
ابتسم الضيف بلطف ثم قال: أتيت لمقابلة السيد أندي موريس هلا أخبرته بأنني في انتظاره؟
قالت لوري: هل لي باسمك إذا؟
أجاب بعد تنهيدة قصيرة: كريس لايو
أشارت لها بالدخول للمنزل ثم لغرفة الجلوس نظر الطفلين إليها بتفحص بأعينهم الصغيرة، ابتسمت لهما دون قول أي شيء أثناء جلوسها على إحدى الكراسي الأرجواني القريبة من الباب، في الطابق العلوي حيث وقفت لوري أمام باب غرفة حديثي الزواج التي غادرها أندي قائلا: ماذا هناك أختي؟
قالت لوري: هناك شاب يدعى كريس لايو يريد لقائك
بحث أندي في مكتبة الأسماء المخزنة في عقله عن صاحب هذا الاسم فور تذكره أسرع بالنزول، فتح باب الغرفة لينظر إلى وجه الطفلين مخطوف التعابير متجمد النظرات على كريس المبتسمة بشفاه صبغت بالدماء فور وقوع عينيها عليه لتقول: مساء الخير أندي
التفت الطفلين إليه ليحدقا به لبعض الوقت لتصدم الدموع المتدافعة في مقلتيهما والدتهما الواقفة خلف أندي المدهوش من ذلك، احتضنت الوالدة طفليها وهي تنظر بغضب اتجاه السبب قائلة: ماذا فعلت لهما؟
قالت كريس: فقط أخبرتهما بأنك سترحلين وتتركينهما كوالدهما تماما وسيتحولان لوحش يعيش على الدماء
قالت لوري: لماذا تقولين شيئا كهذا لهما؟ إنهما مجرد طفلين
قالت كريس ببرود: لم أكذب عليهما فيما قلت
أخذتهما خارج الغرفة بينما مسحت كريس الدماء الملطخة لشفتيها الورديتين زين البرود وجهها لبعض الوقت حتى قال أندي: لماذا فعلت شيئا كهذا كريس؟
ارتفعت أطراف شفتيها لتكون ابتسامة صغيرة لتقول: أزعجني رؤية وجههما الغير مبالي بأي شيء في الحياة
نهضت من مقعدها لتقترب منه بخطوات هادئة بينما تسارعت نبضات قلب أندي، الراغب في الهرب من العاصفة المختبئة خلف هذا القناع البارد وقفت أمامه لتقول: هل استمتعت بإجازتك أم أنك تريد تمديدها؟
عينيه لم تفارق العيون الخضراء التي تسحبه لدوامة من الشك في كيانها، أمالت كريس رأسها لتقطع تلك الصلة بينهما في انتظار رده بعد إعادة السؤال ليجيب قائلا: لا بأس بها لم أنت هنا؟
أخرجت بطاقة زرقاء داكنة زينت بنقوش لأزهار النرجس البيضاء نظر إليها مطولا باستفهام كبير فوق رأسه، لتتسع ابتسامة كريس وتقول: إنها دعوة لحفلة مساء هذا اليوم أي بعد ساعة ونصف احضر أنت وزوجتك حتى لا نثير الريبة
كبر ذلك الاستفهام فوق رأسه نظر إليها في أمل تفسير السبب وراء هذه الدعوة الغريبة ابتسمت له دون قول شيء غادرت المنزل مثلما دخلته.
في منزل السيد فيرو الكبير الأشبه بقصور الحكايات اجتمع الكثير من الأشخاص للاحتفال بنجاح أولى شركات الابن الأكبر، سار أندي مع زوجته وسط الحشد الغير مألوف لهما أحاطت بهما وجوه أناس اعتادا على رؤيتهما في التلفاز فقط همست زوجته في أذنه قائلة: ماذا نفعل في مكان مثل هذا؟
أجابها بالمثل قائلا: صدقيني أنا أيضا لا أعرف
نظرت إليه باستغراب ملء جسدها الذي توقف عن السير فور إمساك شخص ما بيدها، التفتت لصاحب اليد الصغيرة الممسكة به لتنظر للشخص الجديد عليها المبتسم في وجهها الذي قال: لقد كنت أبحث عنك في كل مكان خالتي كاثرين
نظرت كاثرين إلى الفتاة ذات الفستان الوردي الفاتح المنفوش قليلا والحزام الأبيض المزين بنقوش أزهار وردية داكنة، شعرها البرتقالي الفريد وعيونها الخضراء العشبية المحدقة بها زادت حيرتها أكثر نظر أندي إليها ثم قال: كريس ماذا تعنين بكلامك هذا؟
قالت كريس: قوما بمجاراتي وحسب
لم يفهم أي من الزوجين ما يحدث معهما فقط تبعاها إلى القاعة الكبيرة حيث يجتمع كل القادمين للحفل، كان الزوجين منبهرين بجمال المكان وفخامته حتى الوجبات الفاخرة الممتدة على الطاولة المستطيلة الطويلة المغطاة بغطاء أزرق داكن أذهلتهما، لم تبالي كريس كثيرا بمدى انبهارهما وتصرفهما الخارج عن عادات أصحاب النظرات المتعجبة حولهما حركت عينيها بسرعة بين وجوه المدعوين، باحثة عن سبب قدومها لهذا المكان توقفت عينيها على الرجل الواقف في الزاوية بعيدا عن الحضور شعره الرمادي الطويل غطى إحدى عينيه واتخذ كتفيه موقفا له اتسعت ابتسامة كبيرة على شفتيها، سارت في اتجاهه بخطى صغيرة تاركة الزوجين خلفها سبقتها سيدة ترتدي تنورة واسعة وردية مع قميص أبيض بأكمام طويلة إليه اصطدمت بها لتسقط أرضا، التفت السيدة إليها لتقول: يا إلهي آسفة لم أرك
اقترب الرجل منها ليمد لها يد المساعدة نظرت إلى عينيه الأرجوانيتين المختبئتين خلف شعره قال لها بصوته الخافت: أأنت بخير يا آنسة؟
أمسكت بيده ثم قالت بابتسامة: أنا بخير شكرا لك
رسم ابتسامة صغيرة على شفتيه ثم قال: أأنت هنا وحدك؟
هزت رأسها بالنفي وأشارت إلى حيث يقف الزوجان نظر إليهما الرجل ثم قال: دعيني أخذك إليهما
ابتسمت له بمرح ثم قالت: سيدي أتعمل في محل للزهور؟
استغرب سؤالها نظر إليها في محاولة معرفة سبب هذا السؤال اقتربت السيدة منه لتطوق ذراعه بكلتا يديها وتقول بمرح: هذا صحيح لكن كيف عرفت ذلك؟
قالت كريس: رائحة الزهور عالقة بملابسك، هناك نتوءات صغيرة في يدك من أشواك الأزهار كما أن هناك بعض البتلات عالقة في شعرك من الخلف
وضع يده حيث أشارت لتساعده السيدة في نزعها أثناء قولها: أنت شديدة الملاحظة لقد أتينا منذ فترة طويلة ولم أنتبه لذلك
قهقهت بمرح على ذلك بينما نظرات الرجل معلقة بكريس المبتسمة لهما بلطف ثم قال: لابد أن والديك قلقان عليك
أنزلت رأسها ليخيم الحزن عليها تعجب كلاهما الهالة الحزينة التي أحاطت بها فور قول ذلك فتحت شفتيها لتقول بصوت منخفض: إنهما ليسا والداي فقد توفيا عندما كنت صغيرة
ربتت السيدة على كتفها قائلة بابتسامة مشفقة على حالها: لابد أن الأمر صعب عليك لكن لا تحزني سيكون هناك الكثير من السعادة في انتظارك
تلفت الرجل حوله باحثا عن شيء ما ليتجه نحو إحدى الطاولات القريبة منه المزينة بأنية مليئة بأزهار زنبق الوادي البيضاء، أخذ مجموعة صغيرة منها ليقدمها لكريس المحبطة تفاجأت لرؤيتها بين يديه ليقول: هذه هدية صغيرة لك
قالت السيدة: وماذا تعني هذه عزيزي هنري؟
أخذ واحدة منها ليقدمها للسيدة أثناء قوله: السعادة ستعود إليك يوما ما
ابتسمت السيدة بلطف أثناء أخذها للزهرة كذلك فعلت كريس لتقول: شكرا لك سيدي أنت لطيف جدا
قالت السيدة: أنت محقة هنري لطيف جدا
قال هنري: لست ألطف منك مادي
قهقهت بمرح على مقولته تبادلا الأحاديث بعد انسحاب كريس من المكان وبينما كانت تسير شاردة الذهن اصطدمت برجل واقف قرب طاولة الطعام، رفعت رأسها لتنظر إليه بهدوء مقابلة لعيونه البنية الداكنة الغاضبة لتصرفها التفتت إليه ثم انحنت وقالت: آسفة سيد شورداي لم أكن منتبهة
تعجب الرجل معرفتها لهويته لمحت ذلك الاستفهام في نظراته لتقول: الجميع يعرف السيد كاين شورداي صاحب معرض أزهار الربيع وكتاب طبيبتي الأعشاب والأزهار
قال كاين بفخر: لم أعرف أن الأطفال في سنك يقرأون مثل هذه الكتب، أأعجبك الكتاب آنستي الصغيرة؟
أومأت بالإيجاب مرات عديدة ليزداد فخره بنفسه ابتسمت له لتقول: عندما أكبر أريد أن أصبح تلميذة لديك هل أستطيع ذلك؟
ربت على شعرها بمرح وقال: اكبري أولا ثم سنتفاهم
اتسعت ابتسامتها على وجهها أثناء مغادرتها له تركته يتباهى بكتابه بين المحيطين به وقفت بالقرب من أندي الذي انتبه للتو على رحيلها وعودتها أيضا ليقول: أخبريني ماذا نفعل هنا كريس؟
وضعت سبابتها أمام شفتيها لينتبه إلى تفكيرها العميق تتبع نظراتها المتقلبة بين الرجلين، ليهمس في أذنها قائلا: هل تشكين في أحدهما؟
التفت إليه بعيونها المتوسعة بذهول أزعجته تلك النظرات ليقول: لم عيناك تقولان إنك لم تتوقعي مني معرفة هذا؟
ارتسمت ابتسامة على طرف شفتيها مع تكتيف ذراعيها لتقول: يبدو أنك لست وجه جميل كما اعتقدت
انزعج من كلماتها تلك لتقهقه بمرح على علامات الغضب المستقرة في أطراف حاجبيه، تدخلت زوجته لتبعد حديثه الغاضب عن الطفلة المسكينة بنظرها انتهت الحفلة على خير ما يرام وعاد الجميع إلى منازلهم.