••
العودة   منتدى وندر لاند > القصص والروايات > روايات الانمي_ روايات طويلة

روايات الانمي_ روايات طويلة لجميع أنواع الروايات " الحصرية، العالمية، المنقولة والمقتبسة"


الطريق نحو الحرية | السجين |

روايات الانمي_ روايات طويلة


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-20-2023, 08:00 PM   #96
آدِيت~Edith
https://www.anime-tooon.com/up/uploads/at165286508456371.png


الصورة الرمزية آدِيت~Edith
آدِيت~Edith غير متواجد حالياً








ظل يقلب الأمر مراراً محاولاً أن يقنع نفسه أنها مجرد أوهام ، ضغط على رأسه بيديه مستاءاً وهو يشتم ذاته و"ماذا لو " التي تكررت في أعماقه كثيراً تصيبه بالعجز .

" إن كان كلامها حقيقة .. إن كان مجرماً خطراً ماذا سأفعل ولست وحدي بهذه المعمعة ، عائلتي .. ماذا لو آذاهم ، كيف يمكنهم فهم الخطر المحدق بهم .. مجرد بسطاء ضعفاء بلا حول أو قوة ، ماذا عنك إيفان ؟ إنك تزمجر وتصرخ بسطوة وتجبر ، لكن .. هل ستقدر على مواجهته ، إنك أضعف من ذلك أيها الغبي "

زفر عميقاً بضيق واستند إلى مقعده مفكراً ، ومالبث أن أحال طرفه نحو الجزء السري من المكتبة ، سار بتردد نحوها والفضول يسبقه لكنه توقف قبل أن تمتد يده لاستكشافه ، و تراجع مغيراً وجهته تاركاً مكتبه .

_ إلى أين سيد إيفان ؟.

نطقت الشقراء بغطرسة معهودة فأجابها وهو ينظرها بازدراء : ماشأنكِ؟ هل وكلتِ لمراقبتي فقط ؟ أخبري سيدكِ أني منحت نفسي إجازة لليوم ، ففي كل الأحوال إني أجلس خلف تلك الطاولة لتراقبني أعينكم وحسب ، لاجدوى من عمل لا عمل فيه صحيح ؟

خرج دون انتظار إجابتها بينما تجهمت وسارعت تكلم رئيسها شاكية : خرج إيفان ياسيدي وهو ...

_ أعلم .. أذني في كل مكان عزيزتي ، دعيه يفعل مايشاء لابد وأن الهواجس تخنقه الآن ، لنرى ماسيعيش من كوابيس غداً.

....................................

سار في الردهة شارداً حتى وقف أمام آلة بيع القهوة ،فأدخل البطاقة ووضع الكوب منتظراً أن تنهي عملها .

_ أنت هنا؟

التفت لصاحبة الصوت وكانت تقف خلفه تنظره بعتاب وضيق ، أجابها وهو يأخذ كوبه : إني هنا كل يوم تقريباً ، الغريب هو أن تجيئي بعد كل هذا الانقطاع .

صمتت ولاتزال عيونها تتأمل زرقاويه بكبرياء جريح غاضب ، تكلم بعدما ارتشف القليل من قهوته : ترغبين بواحدٍ أنتِ أيضاً ؟

أومأت بالنفي فأتبع : جيد أنكِ جئتِ ، لم نتحدث بشأن التفاصيل بالأمس .

سار نحو مكتبه فتبعته بصمت حتى دخلا مكتبه فأغلقت الباب من خلفها وجلست على الأريكة أمامه حيث جلس .

_ إذاً .. هل دبرتِ الأمر كريستينا ؟، يحب أن أدخل الغرفة أثناء انشغالهم بالحفل .

_ هل هذا هو مايهمك فقط ؟! ، إنك ترمي بمشاعري عرض الحائط ولاتكترث إلا بما تريد ، ألا ترى كم أنت أناني سي ؟

بابتسامة باردة أجابها : تحدثنا بالأمر ليلة أمس وأظننا اتفقنا على أن نفصل بين العمل والعاطفة ، ولكن إن كنتِ مصرة فيمكننا تجاهل الأمر ، ولتعتبري أني لم أطلب منك شيئاً ، أستطيع تدبر الأمر بمفردي .

زفرت بضجر وأجابته بحدة : إلى أي مدى تريد اختبار صبري ؟ لاتقلق سأساعدك بشأن ماتريد ، لكني أتسائل حقاً متى ستلتفت لي ، متى ستفهم أنك تسيء لي وتتصرف معي بوقاحة لاتغتفر .

رد وعيونه تنظرها بجدية : وإذاً لاتغفري ، لست مهتماً البتة ، ربما يمكنكِ حينها فهم أننا لم ولن نعود صديقين حتى ، استفيقي من هذا الوهم عزيزتي .

_ لقد خدعتني !

مستنكراً كان ينظرها بينما نطقت بنفاذ صبر : تعلم كم هو صعب أن أحب أحدهم وأثق به ، لكنك علقتني بك ووعدتني بأن تحبني دائماً وبكل بساطة الآن تشعرني أني لم أكن لك شيئاً ، تقبلت حتى أن نكون مجرد صديقين ثم أيضاً تركتني وجعلتني مجرد غريبة عنك لاقيمة لها .

_ تريثي كريس .. حبنا كان طفولياً بريئاً ، لم يكن جاداً البتة ، لنتفق على هذه الحقيقة أولاً ، لا أنكر كم كانت ذكريات جميلة وأياماً لاتتكرر ،كنتِ الأنثى الوحيدة المقربة مني بعد شقيقتي ، وكنت مجرد مراهق لايعي حتى ماهو الحب ، ولأنكِ كنتِ دائماً بقربي تعينينني وتسنديني والوحيدة بعد شقيقتي التي منحتني ما أنا بحاجة له من عاطفة ، حسبت أني أحبك ، وحالما كبرت قليلاً وأصبحت مجنداً وفهمت الحياة أكثر وصعوباتها صارحتكِ بأنني تسرعت بقراري وأن علينا أن نعيش صديقين فقط ، وقد قدرت صداقتنا وعاملتكِ باحترام واحتفظت بخاتم ارتباطنا احتراماً لتلك الذكرى حتى بدأتِ خيانتي ، مالذي انتظرته مني بعد هذا ؟ ماذا لو تفهمت موقفكِ وسامحتكِ وأعدتكِ لحياتي ؟ ، هل سيغير ذلك شيئاً ؟ هل سيعيد من رحلوا بسببكِ ؟ لقد شاركتِ بهلاكهم وسواء شئتِ أم أبيتِ عليكِ تقبل الحقيقة ، الكثير من العوائل تتألم بسببكِ ، مهما اعتذرتي فالأمر ليس بهذه البساطة ، لن تعود الأمور لما كانت عليه مطلقاً .

_ أنت وغد حقاً ، عابث ومتلاعب .

بابتسامة هادئة أجابها : أخطئتِ العنوان ، تقصدين نفسكِ حتماً ، لقد خاطبتكِ بكل احترام وانظري ماذا أجبتني!

استقامت بغضب جلي وهي تصرخ به : أعلم جيداً لم تفعل هذا وتحاول إيجاد سبب لتركي ، أن توهمني أن ماكان بيننا لم يكن حباً ، ألا ترى أنك تتلاعب بي وبمشاعري لأجل غريبة تعرفت عليها منذ أيام قليلة ؟! ..

صمتت مستدركة انفعالها وتنفست الصعداء محاولة أن لاتنطق بطيش : إني أحاول إصلاح الأمر بيننا رغم قسوتكِ ووقاحتك إن كنت تدرك ذلك ، لاتثر غضبي أكثر رجاءاً .

_ لذلك أخبرتكِ أن لانتحدث اليوم سوى عن العمل ، واضح وجلي أننا لن نتفق بشأن الأمور العاطفية .

جلست وتنفست الصعداء وبهدوء تكلمت : ستدخل الغرفة حوالي الساعة الخامسة ، سأتدبر أمر دخولك لكن عليك بالحذر فالحراسة هناك مشددة ، الكثير من أجهزة المراقبة تحيط بالغرفة خارجها وداخلها ومن الصعب تعطيلها أجمع ، من ناحيتي لا أجيد فعل ذلك ، وأيضاً .. أمامك ساعة واحدة وربما أقل ، لايمكنني تدبر أمرك لأكثر من هذا الوقت .

فكر قليلاً قبل أن يجيبها : لم تجعلي الأمر سهلاً كما ظننت ، لكنه سيغدو أكثر متعة هكذا ، شكراً على كل حال .

وضعت البطاقة أمامه والتقفت ورقة دونت بها بعض الأرقام السرية .

_ هذه بطاقة الدخول للغرفة السرية الزجاجية ، والتي تقع أسفل نهاية غرفة الملفات الخاصة والقضايا السرية ، وهذه مفاتيح الحاسوب وأقفال الخزينة ، أكرر لك .. إني الآن وإياك نرتكب جريمة لاتغتفر ، إن قُبض علينا لن يكون مصيرنا السجن وحسب ، سندفع أرواحنا ثمناً لذلك!.

_ لاحاجة لتذكيري بهذا ، أفهم ذلك جيداً ، مالاأفهمه هو ماأرسلته لي ، أعني قرص الذاكرة ذاك .

_ شاهدته إذاً؟

أومأ إيجاباً فأتبعت بضيق : لقد كانت علاقتهما مزعجة بالنسبة لي كذلك ، ولم أعلم بها سوى مؤخراً .. حين قررت والدتك التخلي عن والدي وعدلت عن قرارها في مساعدته عندما أدركت مدى خطورة ماأقدما عليه ، قرر والدي حينها التخلص منها ، ولكن مرضها أوقعها قبل أن يفعل هو ، وبينما هي في المشفى أرسل فريقاً لتفتيش منزلها بحثاً عن الأدلة ووجد ماسجلته ، وقد أمر الرجال أن يتلفوه لكني استطعت انقاذه و أبقيته لأجلك .. كان في الصندوق أموراً أخرى ألم ترها؟

_ كلا .. لست من قام بفتحه ، لذلك لم أعلم سوى بأمر هذا .

صمتت تفكر بريبة : سأتأكد أولاً إن كان ذلك الشخص الذي أوكلته قد سرقها لنفسه أو أنه ظنها غير مهمة فتركها ، حينها سيتوجب عليك رؤيتها فحتماً ستغير الكثير ،هل أعرفه؟أعني الشخص الذي فتح الصندوق .. هل هو ديريك؟

_ لا .. شخص آخر لايمكنني توريطه والبوح باسمه .

_ اسمه سيجعلني أعرف هدفه من إخفاء الملفات عنك ، حذار أن تثق بأي كان سي ، كان يجب أن تفتحه بنفسك ففيه أسرار صادمة ستجعلك تدرك أن والدي ليس سوى جزء من وحل هذه البقعة ، هناك الكثير يعيثون فساداً ويتصنعون البراءة .

نظر إليها حائراً متسائلاً فنهضت قبل أن تبوح بالمزيد : كن حذراً ، موعدنا الساعة الخامسة .

خرجت بعدها وعيونه تتأمل البطاقة والأرقام مرتاباً وجلاً .

" إن كان ماتقوله كريستينا صحيح فهذا يعني أن الرئيس ربما .. لا ... لا يمكن !"

حالما اجتاحته الهواجس المرعبة نهض يقصد غرفة رئيسه، لكن أحدهم كان بانتظاره في الخارج مما جعله يؤجل ذلك اللقاء وقد نطق مستنكراً : ستيف! مالذي جاء بك .

بنبرته الهادئة أجابه : لدينا حديث لم نتمه بعد ..

..........................

في الغرفة الصغيرة كانا يقفان وأمامهما لاحت الأهداف المتحركة وشاشة تعلوها لتسجيل النقاط ، تكلم بتحدٍ وهو يسلمه السلاح الخاص بالتدريب وسماعات الأذنين : لطالما أردت منافستك واختبار قدرتك على التصويب ، مارأيك لو بدأت أنت إذاً .

ابتسم موافقاً وأخذ السلاح منه وسرعان ماضغط على زر البدء وصوب نحو الأهداف بتركيز ، أطلق الرصاصة الأولى وتبعها بأربع أخريات ليصيب أول الأهداف بدقة وبراعة ، لاح الإعجاب في عيون رفيقه وهو يرقبه مأخوذاً ببراعته ، وما إن أنهى جولته حتى صفر أزرق العينين بإعجاب : سمعت الكثير من والدك حين كان يمتدح مهارتك بالتصويب ، لكن بعد مشاهدتها .. إنك عبقري .

_ لاتبالغ ، لم تكن جولة صعبة .

أخذ السلاح منه وهو يجيبه : يارجل لاتكن متواضعاً ، إنك لم تحمل سلاحاً منذ سنوات طويلة ومع هذا أدائك الأول لامثيل له ، بت أخشى الخسارة الآن .

ضغط زر البدء ووجه السلاح بتركيز على الهدف بينما رفيقه يجيبه : لست أحفل بذلك ، إنها موهبة ولدت بها ولذلك لست أجاري من بذل جهده للحصول عليها ، برأيي أنت تتفوق علي في هذا .

لم يجبه وقد مرت الثواني الأولى دون أن يطلق أي رصاصة فالتفت رفيقه يتأمله بقلق وقد غدت ملامحه متعبة شاحبة والحيرة تخالطها .

_ سيكيم .. هل أنت بخير ؟

أومأ إيجاباً بتردد ونظر ليده المرتعشة يحركها بقلة حيلة : لابأس .. سأبدأ بجدية الآن .

عاد يحمل السلاح وقد ضغط زر البدء من جديد يحاول الإطلاق دون أن يقدر على ذلك ، يده المرتعشة ماكان يقوى على الضغط عليها ، والصورة أمامه باتت مشوشة متداخلة ، الطنين بأذنه غدا مزعجاً للحد الذي لايمكنه تحمله ، شعر بذراع رفيقه تسنده وقد أوشك أن يفقد وعيه : لاتجبر نفسك سيكيم ، أرح نفسك قليلاً .

أبعده بكبرياء رافضاً الاستسلام : ربما لأني لم أنم ليلة الأمس .. هذا كل شيء .

ترك السلاح وعاد يقبض يده ويبسطها وهو يجلس على الأريكة ويده الأخرى تمسد جبينه ، تبعه ستيفانز وجلس قبالته وهو يتأمله بضيق : أما آن الوقت لتستسلم للحقيقة التي تعيشها قبل أن تسوء الأمور أكثر ؟

_ أخبرتك أن هذا حدث لأني لم أنم وحسب ، لاعلاقة لذلك بمرضي ، كفاك تذكيراً لي بذلك في كل فرصة .

_ سي .. أنا لا أذكرك لأزعجك ، ولكن ..

_ رجاءاً ستيف .. لنتحدث عن أمر آخر ، قل لي مالذي أردت الحديث معي بشأنه ؟

زفر بضيق ومالبث أن تكلم بيأس: هذا بالفعل ما أردت التكلم به معك ، ألا ترى أن تصرفاتك باتت مزعجة ؟ لن أكذب أو أجاملك ولن أقول أني لست مستاءاً وأتفهمك ، أنا بالفعل غاضب منك ، لقولك لما يسيء لي ولسيدة محترمة مثل إيرينا وكان هذا هو الأسوأ ، لتصرفك الأناني وكأن حياتك ملك لك وحدك ، هل حقاً تظن أن تجاهل العلاج سهل لهذه الدرجة ؟ ، لازال ماتواجهه هو البداية ، يدك ستستمر بالارتعاش وستفقد شيئاً فشيئاً قوتك ويضعف جسدك ولربما لن تقدر على الإبصار بشكل جيد حتى وهناك من يواجه صعوبة في الكلام ! هل تدرك الآن خطورة وضعك أم لا ؟! هل تريد الموت لهذه الدرجة دون أن تكترث بمن حولك ؟!

صمت يستمع له بعجز أبى كبريائه أن يبديه ، وبتردد تكلم معتذراً : لقد تصرفت بوقاحة .. أدرك كم تكلمت بطريقة سيئة وأن الاعتذار لايكفي ، ستيف .. قبل أن أعلم ما أواجهه كنت أفضل حالاً ، ربما لذلك لم أرد أن أعرف ..دون أن أدرك وجدتني أغرق أكثر فأكثر وحالتي تسوء بسرعة مرعبة ، لذلك أحاول أن أنسى مرضي ، حتى الأمس أفسدت الكثير من علاقاتي لقد تهورت وتصرفت بحمق ولؤم مع الجميع ، صدقني أنا مستاء من نفسي للغاية .

بتفهم أجابه : النسيان لن يشفيك سي ، لذلك أخبرتك أن الجزء الأهم في علاجك هو النفسي ، لايجب أن تسوء حالك أكثر لذلك لاتفكر بالأمر بسوداوية ولاتستلم ، واجهه وتلقى العلاج بأسرع مايمكن ، قبل أن تفقد نفسك .

دلك رأسه بأصابعه وقد أسند مرفقيه لركبتيه ومالبث أن رفع رأسه متنهداً بتعب : بقي القليل فقط .. لن يطول الأمر ، على الأقل ليكن أهل القرية بأمان .

_ اهتم بنفسك رجاءاً ونم جيداً ، كي لاتسوء حالك من جديد .

أومأ له إيجاباً وعيونه تنظر للبعيد : أتعلم ماهو حلمي .. مذ أخذت على عاتقي الأخذ بثأر صديقي ، كنت دائماً أتخيل تلك النهاية السعيدة التي نستحقها .

رفع عيونه ينظر لصديقه بابتسامة هادئة : تخيل معي ستيف ، يقام حفل كبير أكبر من كل الاحتفالات العسكرية ، يحضره الحاكم بنفسه ، على المنصة الضخمة يقف الجنرال وينادي بفخر واعتزاز : ستيفانز ابن الكولونيل الراحل ميخائيل .

ابتسم الآخر تلقائياً وهو يرقب رفيقه يكمل بحماس : تصعد أنت على المنصة فتُعطى شارة والدك ووسام النبل والشرف وتستعيد مكانة والدك وشرفه الذي خسره بسبب تلك التهمة الحقيرة ، من بعدك ينادون باسم والدي الكولونيل الثاني ويعاد له شرفه ومكانته أيضاً ، ويعتذرون منكما أمام الجميع لكل الظلم الذي لحق بكما ، وأخيراً ...

لاح حزن طفيف على محياه رغم ابتسامته وهو يكمل : نواه .. سيصعد على المنصة بتحية كبيرة وسينحني الجنرال بنفسه ليلبسه الشارة التي لطالما حلم والده بامتلاكها ، سيذكر اسم آدم أخيراً ، وسيعلم الجميع ببطولاته التي لم تظهر للعلن ، حتى وإن لم يكن حاضراً ليشهد تجنيده ، وتقدير الجميع له .. فنواه سيشهد ذلك وسيفخر كثيراً بوالده ، إيرينا أيضاً وجوزيف الصغير .. والسيد رونالد ، سيعيشون بكرامة وسيمنحون الحياة التي استحقوها وحرموا منها منذ أمد بسبب الطغاة الذين سلبو آدم حياته وحلمه ، حينها فقط.. أعدك أن أتراجع وأترك الساحة ، سأعيش لنفسي وأتدارك مافاتني ولن يكون هناك ألم بعدها مطلقاً.

_ وربما يكون الأوان حينها قد فات لذلك .

ربت على كف رفيقه وهو يتبع : حلم جميل أحب أن أشاركك فيه بكل تفاصيله ، لكن تذكر .. حتى ذلك الحين سيكون الوقت قد تأخر كثيراً سيكيم ، ولربما لن تجد فرصة للحياة من جديد ، هل أنت مستعد لدفع هذا الثمن الباهظ .

أومأ إيجاباً بلا تردد : إنه يستحق .. أليس كذلك .

ابتسم باستنكار : أنت مجنون .

بادله بابتسامة ضاحكة: أعلم ذلك ياصديقي .

.....................................


داعب النسيم شعراتها المموجة وقد وقفت على التل تجاورها الصهباء صاهلة ، مسحت بكفها عليها لتهدئتها وقد احتارت لفزعها حتى انتبهت للسيارة القريبة ووجهتها منزلها الخشبي الصغير .

لملمت شتات قلبها الحائر الوجل وامتطت فرسها تسابق الريح، حتى وصلت فنزلت عن ظهرها وسارت نحو الفتاة الواقفة أمام الباب تطرقه، من خلفها خادم يحمل صندوقاً فاخراً وباقة من الزهور .

_ مالذي أردت يا آنسة ؟ لابد وأنكِ أخطئتِ العنوان !

التفتت لها مبتسمة وحيتها بلباقة : لابد وأنك الآنسة فيكتوريا صحيح ؟

ضيقت عينيها مرتابة فأتبعت الشابة وهي تشير للخادم : جئنا لإرسال هذه الهدية بشكل خاص حسب توصية السيد آندريه ، إنه ينتظركِ عصر هذا اليوم لمشاهدة السباق ، ويأمل بشدة أن لاترفضي دعوته .

قبل أن تجد فرصة للرفض كان الخادم قد أعطاها الهدية وباحترام استأذنها والشابة ليغادرا .

خرج نيكولاس متسائلاً وهو يرتب معطفه : آسف لتأخري .. هذه أنت فيكي ؟

التفتت له وقد انعقد لسانها دون أن تدري ماتقول بينما تكلم بتعجب : ماهذا ؟!

أشارت بأنها لاتعلم فساعدها ليحمل الصندوق، تاركاً الباقة بين يديها تداعب وجهها ورائحتها الزكية تسللت لأنفها .

تحلقت العائلة حول الطاولة يتأملون الهدية الغريبة دون أن يعلق أياً منهم ، فالزمرديتان كانتا تبحران في البعيد مجهولتا الشعور .

_ إذا فيكي .. ألن تفتحي الصندوق ؟

سألت ليديا ببراءة وحماسة قطعتها شقيقتها بنظرتها الجادة الصلبة ، نهضت بعدها تحمل العلبة للغرفة مقفلة الباب من خلفها ، فتحتها بروية وإذ بها فستان بلون النجيع ناهز طوله ركبتيها ، مع حذاء فاخر بياقة عالية أبيض اللون تناسب والمعطف الأنيق ، وصندوق حوى بعض الحلي مع حقيبة صغيرة فضية .

أغلقته وقلبها ينتفض غضباً شاتمة في أعماقها من يحاول جرح كبريائها ، خرجت والعيون ترقبها متنظرة جوابها مدركة أن صمتها سيخلف عاصفة لاترحم ، تكلمت باعتزاز وأُنفة : سأخرج للتسوق أمي ، من يريد منكم شيئاً ليدونه بسرعة .

نطقت الأم بابتسامة رغم حيرتها : خذي هذا المال علكِ تكونين بحاجته .

_ لا أمي .. مامعي يكفيني ، شكراً لكِ .

خرجت وسط حيرتهم وقد تسائلت الصغرى : مابها ؟ يجب أن تكون سعيدة لأن هناك من يهتم بها .

أجابها روسيل بقلق : أرى أنها محقة باستيائها ، لم يكن تصرفه لائقاً أبداً .

_ على العكس! ، لاتنس أنه عاش في المدينة فحتماً قوانينهم مختلفة عنا .

_ لاشأن لذلك بالقوانين بل بالمنطق .

تكلم نيكولاي موبخاً يقطع جدالهما : كفى ! بغض النظر عن موقفه وخطأه أو صوابه ، يجب أن نحترم قرار فيكتوريا فهي الأكبر بيننا والأكثر حكمة ، حتماً لن تفعل مايسيء لها أو لنا .

_ أنت محق .. أتمنى أن تكون سعيدة فقط ، لتنتهي الأوقات العصيبة ولنبدأ أياما نستحقها .

_ أرجو ذلك عزيزتي ليديا .

.....................


أعلنت مراسم الاحتفال العسكري الضخمة مبتدئة بمسيرة عسكرية اجتمع حولها الحشود بإعجاب ولهفة ، وأخيراً توقف العسكر في ساحة المبنى الضخمة تحيطهم الزينة والموسيقى العسكرية وهم يرددون أغنية الوطن ، على المدرجات جلس كبار الشخصيات العسكرية بأبهة واعتزاز ، بينما في المقدمة اصطف الرؤساء الأقل مكانة لاستقبالهم من بينهم كان سيكيم وهو يتأملهم بشرود مفكراً بكلمات حمراء الشعر وعيونه ترقب سيمونز بين الحين والآخر ، كان الآخر يبتسم وعلى وجهه السمح بدت السعادة جلية .

" هل يعقل أن يخفي خلف هذه الملامح الطيبة شيطاناً خبيثاً لم ألحظه ، ماذا لو كان ذلك صحيحاً "

تنهد بضيق متعباً ودلك جبينه مغمض العينين " فقط لو يتوقف هذا الصداع قليلاً " .

بدأ الحفل بتكريم الطاقم العسكري وترقية بعض الشخصيات ، وما إن نطق الجنرال باسم الأخير حتى اتسعت العيون الزرقاء ذاهلة وقد بدأت الشكوك تتسلل لقلبه أكثر: القائد سيمونز باتريكس ليحل بمكان الرائد ليونيد كومينز والذي سيكون اللواء المبجل! .

تقدم كليهما لمنصة التكريم وسط استنكاره واستهجانه لما حدث ، كتم غيضه وانتظر حتى انتهت مراسم التكريم وبدأت الولائم والموائد الضخمة تعلن عن نفسها .

سار نحو الرئيس بنظراتٍ باردة اختزلت غضباً ونقمة وما إن وقف أمامه حتى نظر إليه الآخر بذعر خفي وتوتر ، سارع لإنهاء حديثه مع من يرافقه من الرجال واستأذنهم ليغادر مع الشاب مبتعداً وقد أحاطه بذراعه : كيف حالك اليوم بني ، لم أستطع رؤيتك قبل الحفل أردت سؤالك عن بعض الأمور .

_ عن ماذا مثلاً سيدي الرائد ، اوه العفو نسيت تهنئتك بمنصبك الجديد .

بتلعثم أجابه رغم محاولته التكلم بنبرته المعتادة : صدقني أردت حقاً أن تتم ترقيتك كما تستحق ، لكن اللواء عارض بشدة ذلك ، لم يكن بيدي فعل شيء رغم أنك تستحق أن تكون قائداً بجدارة .

أطلق ضحكة صغيرة ساخرة وهو ينظره بازدراء :اللواء؟!، من الجيد أن لاتتم ترقيتي في مثل هذا المكان الصدأ ، صدقني ماكان ذلك ليكون مشرفاً بقدر خزيه ، لكني تعجبت حقاً من كونه يمنحك مركزه وهو يسعى ويخطط لقتلك ؟!

بدا الارتباك جلياً عليه وهو يبرر : إنه يحاول إغلاق فمي وإسكاتي بهذا المنصب ، لكن هذا لايعني أن الخطر قد زال ، ثق بي إني لا أكذب أو أخدعك .

بريبة أجابه وهو ينظر بعينيه يحاول أن يستشف منهما الحقيقة : ماذا عن الخزينة ؟ قيل أنها كانت تحوي ملفات أخرى لكن شيئاً منها لم يصل لي ، هل كانت تفتضح حقيقتك إذاً ؟

صمت مذهولاً وبعد تفكير نطق بجدية : هل تشك بي الآن ؟ حذار أن يخدعك هؤلاء ، لقد ارتبكت مثلك حين تمت ترقيتي وخشيت أن تظن السوء بي ، لكن يبدو أنهم قد دبروا الأمر جيداً لتفقد ثقتك بي ، لاتفعل بني ، تعلم كم أحبك وأعتز بصداقتك أنت ووالدك .

لم يجب وظل يتأمله بضيق حائراً فأتبع وقد وضع كفه على كتف الشاب : لن أقوم بخيانتك مطلقاً ، إنك بمثابة الإبن لي ، إن خشيت أني أخدعك فلتترك كل شيء وكلتك به ، حتى تشعر أنك تفعل الصواب وتثق بصدقي ، بإمكانك الابتعاد قدر ماشئت وأخذ قسط من الراحة لتفكر جيداً ماالصواب وما الخطأ .

ظل بصمته لايعرف ماعليه تصديقه وسريعاً ابتعد دون أن ينبس ببنت شفة ، توقف حالما لحظ قبالته كيانه المقيت وقد تهندم بأبهى الحلل معتداً بنفسه كعادته ، صوب نحوه عيونه الكارهة الناقمة ، بينما الآخر كان ينظره بابتسامة خبيثة وخيلاء : ألن تهنئني أيها الولد الوقح .

_ مبارك لك منصب الجحيم ، أرجو أن يكون هذا طريقك للهاوية .

_ هه ياللسانك السليط ، أتعلم .. كنت لتصعد المنصة وترتدي شارة القائد لكنك لم تستحق ، تدرك لم أليس كذلك؟

اقترب يهمس له بمكر : لأنك وقح ووغد يستحق الموت ، أنت ووالدك قريباً ستدفنا في قبر واحد ، حيث تخبئه أيها الأحمق .

ابتسم ساخراً بفتور : يالك من ساذج ، يبدو أن والدي جعلك تموت غيظاً حين استطاع الهرب منك ، يحرقك كل يوم أنه لايزال يتنفس بينما أنت ترتعد خوفاً منه وتراه في منامك وكلما أغمضت عينيك .

همس له هو الآخر بدهاء : بقي القليل فقط لتقبر ياعزيزي ، الأب وابنه سيكونا لك ظلاماً لاينتهي .

ربت على كتفه ولايزال يبتسم بتوعد وسرعان ماتركه والآخر ينظره بحقد وكراهية ، أشار لابنته أن تتبعه ففعلت بتكدر وضيق مستسلمة ، دخلت مكتبه لتجده قد جلس على مقعده مسنداً رأسه لكفيه ومرفقيه على الطاولة ، فاقتربت منه قلقة تمسد ظهره : هل أنت على مايرام ؟

رفع رأسه يتأملها بضياع وحيرة : سأسألك لمرة واحدة كريس .

نظرته متسائلة وقد أكمل بتردد : هل سيمونز واحد منكم ؟

سكتت قليلاً تتأمل زرقاويه المترقبتين لجوابها وكل حواسه تنتظر منها أن تنكر ذلك ، لكنها خالفته الرأي وأومأت إيجاباً : إنه تحت سلطة والدي ، لكنه اختلف معه منذ فترة ويبدو أن والدي استطاع إرضائه.

بخيبة أطرق برأسه مفكراً يتمتم: عرفته لسنوات وعملت بين يديه ، كيف يمكن أن يخون المرأ مبادئه ومن حوله هكذا بكل بساطة ؟!.

_ إنه المال .. المال والمنصب قادران على تغيير كل شيء ، المباديء ..الضمير والإنسانية .

نظر لعينيها وهو يكمل مابدأته : وحتى القلب .. صحيح ؟!

_ لاتقارنني بهم ، أنا وأنت نعيش الظروف ذاتها سي ، لذا لاتظلمني أكثر .

_ لست مثلك .. بسببك لم أعد أعرف ماهي الحقيقة حتى ! ماذا لو أنك ووالدك اتفقتما لتشويه سمعته لدي ؟ ماذا لو أنكما أردتما بإصرار أن أمقته وأحاربه ؟! ، لم علي تصديقك ؟ .

بنفاذ صبر أجابته : إنك لاتعي ماتقول ، بدأت تهذي سي ، لاتستطيع تصديق أي منا لكنك حتماً لو فكرت قليلاً ستدرك الحقيقة ، ولن تحتاج لأن يخبرك بها أحد أو يوضحها لك .

عاد يدلك صدغيه بأصابعه وقد أنهكه الصداع، ومالبث أن أخرج من درج مكتبه قرص دواء ، التقم منه واحدة أتبعها بشرب القليل من الماء .

_ سيكيم .. هل أنت بخير ؟

رد بصوت أنهكه الألم : إنها الخامسة .. دعينا نبدأ الآن .

_ وأنت بهذه الحال ؟

نهض وهو ينظرها بحدة : كل ما أريده هو أن تراقبي الطريق ، سأتكفل بالبقية .

زفرت بضجر وردت بنبرة جافة : بأمرك أيها العنيد .

سارت أمامه فسلك طريقاً آخر متسللاً وهو يراقب المكان ، بينما هي اقتربت من الشاب الذي يحرس الغرفة بتململ وبابتسامة بادرت: مرحباً آرميس ، كيف أنت أيها الشاب ؟

_ وأخيراً تذكرتِ أن لديكِ صديقاً اسمه آرميس وعملاً عليكِ إنجازه ، بالطبع طالما والدكِ هو كبير هذا المقر فلن تحتاجي المجيء للعمل ، تأتين للتسلية وحسب .

_ يالك من لئيم ، ليس هذا هو السبب ، لقد اضطررت للابتعاد هذه الفترة ، كان لدي وضع خاص مزعج .

_ لابد وأنكِ كعادتكِ كنتِ تركضين خلف ذلك المتعجرف ، لا أعلم لم لازلت معه وهو يؤذيكِ باستمرار كريستينا .

_ لقد انفصلنا .. لم نعد أصدقاء حتى .

قالت ذلك بضيق وعيونها ترقب الباب الزجاجي خلف صاحبها، وقد لاح لها سيكيم بداخل الغرفة متمكناً من التسلل إليها .

_ ماذا لو دعوتني لشرب القهوة ؟

_ لمواساتك؟أم للاحتفال بهذا الخبر؟

_ لأجل الاثنين معاً .

_ لايمكنني ترك المكان دون حراسة مع الأسف ،لننتظر حتى ينتهي دوري .

_ هيا أيها الجبان، هناك الكثير من أجهزة المراقبة ، من ذا الأحمق الذي سيتمكن من الدخول دون أن يُفتضح أمره؟ كما أن المركز تحت الحماية المكثفة لأجل الحفل وجميع الطاقم هناك من قد يجيء إذاً ؟

تأفف بضجر وتبعها : حسناً ولكن دعينا لانتأخر .

ابتعدا معاً وماإن غابا عن عينيه حتى أسرع نحو جهاز التحكم الرئيسي الذي تصدر الغرفة وأسرع بتشغيله بحذر مدخلاً فيه قرصي ذاكرة صغيرين ، أحدهما كان لتعطيل نظام المراقبة والآخر لنقل كل المعلومات بداخله .

وضع إصبعيه على جهاز الارسال الصغير بأذنه وهو يتكلم بصوت منخفض : ديريك هل تسمعني ؟

أجابه الآخر وهو ينزوي بعيداً عن الآخرين : أسمعك .. قل ماتريد .

بلل شفتيه وقد صمت للحظة يحاول استجماع كبريائه : ذكرني .. الرقم التسلسلي الذي يجب أن أدخله .

هم بأن يسخر فتذكر ماقاله له عن مرضه ولزم الصمت مؤنباً نفسه : حسناً .. سألقنك الخطوات بسرعة فعندما تدخل الرقم سيكون عليك أن لاتخطأ بشيء قبل انتهاء الوقت حتى لا يُكشف أمرك .

_ أنا جاهز لهذا ، فلتبدأ إذاً .

أسرع يمليه وهو ينفذ بسرعة ودقة حتى ظهرت أمامه الشاشة الخضراء وقد سمع صوت إقفال أجهزة المراقبة .

_ جيد لقد تم الأمر ، بقي أن أقوم بحذف ماتم تسجيله وأجد ما أريد قبل أن تبدأ الأجهزة بالعمل من جديد .

_ هل تستطيع فعل ذلك ؟

سكت قليلاً وهو ينظر الشاشة كما لو أن ماتعلمه لسنواتٍ قد تلاشى ، تكلم مستسلماً : لا .. أحتاج مساعدتك .

_ حسناً إذاً .. لنكمل معاً ياصديقي .

_ شكراً لك ديريك ..

ما إن استتم عمله حتى أسرع يكلم والده وقد بدأ بتصوير الملفات له : بسرعة أبي ، أي واحد هو ما أردت ؟

_ ليس في هذه الناحية ، انظر للعمود الخامس ،على الرف الثاني حسبما أذكر .

أسرع لتلك الناحية وهو يرقب الباب بين الحين والآخر : أسرع أبي ليس أمامي الكثير من الوقت .

نظر لهاتفه محاولاً أن يجد ضالته دون جدوى : كلا .. إنه ليس هنا ، أين أخفاه هؤلاء ؟

نظر الشاب حوله وسرعان ماتذكر ماقالته حمراء الشعر : الغرفة الزجاجية .. ربما هناك .

أسرع يفتح البوابة بالبطاقة وينزل نحو الغرفة الزجاجية السرية ، كثير من الملفات والصناديق الفولاذية المغلقة اصطفت بعناية ، اقترب يبحث بينها وهو يصور لوالده : انظر جيداً أبي ، هذه كلها ملفات سرية قديمة .

_ انتظر سي عد ليسارك .

استدار فهتف والده بسرعة : أجل هذا ، الملف ذو اللون الأحمر .

فتحه بيد واحدة وإذ بالأوراق تتناثر على الأرض : تباً لقد سقطت ، حسناً أبي مضطر لتركك ، إن أردت أمراً آخر أخبرني .

_ كن حذراً بني .

أغلق هاتفه وأسرع يلملم الأوراق ويرتبها ، وإذ بصورة آدم من بينها مع مجموعة من الرجال تستوقفه ليتأملها بغصة ودهشة .

صوت قريب أجفله جعله يغلق الملف بسرعة ويضعه داخل حقيبته التي ارتداها سريعاً وهو ينظر حوله باحثاً عن مخبأ ، ومالبث أن أدخل جسده في الحجرة الفولاذية المتوسطة الحجم كحل يائس.

الأصوات باتت قريبة والعتمة تحيطه في تلك الغرفة الخانقة التي لم يعد قادراً على فتحها ، أرسل سريعاً لكريستينا لتتدارك الأمر فاتسعت عيونها بقلق وذعر .

_ مابكِ يافتاة ؟ هل حدث مكروه ؟

بتوتر أجابته وهي تفكر بحل تلك المعضلة : لا .. لاشيء ، آرميس .. هل لك أن تسدي لي خدمة ؟

ضيق عينيه متسائلاً فأتبعت بسرعة : سيارتي ! أوقفتها في مكان خاطيء وقد أرسلوا أني قد أتلقى مخالفة ، هل لك أن تأخذها لموقف السيارات الخاص رجاءاً؟

_ ولم لا تفعلي أنتِ؟ ثم كيف لكِ أن ترتكبي مثل هذه الحماقة ؟

_ أرجوك آرميس لم أطلب منك شيئاً منذ وقت طويل وهكذا ترفضني ؟

تنهد ضجراً وأخذ المفتاح منها : سيكون لذلك مقابل أيتها المتبجحة .

_ حتماً .. لك كل ماتريد ، ممتنة لمعروفك .

ذهب وهو ينظرها بريبة وما إن غاب عن عينيها حتى أسرعت نحو الغرفة تستخرج قرصي الذاكرة قبل أن يكتشف أحدهم وجودها ، خبئتها في جيبها وأسرعت نحو الغرفة الزجاجية قلقة ترقب المكان ، وقد كان والدها وثلاثة من رفاقه يتحدثون وهم يقفون أمام أحد الصناديق السرية.

التفت لها والدها بتعجب متسائلاً : مالذي جاء بك كريستينا ؟

نطقت محاولة إخفاء توترها : كنت أبحث عنك أبي ، بالكاد وجدتك .

_ لدي عمل الآن نتحدث لاحقاً .

_ أرجوك أبي .. هذا مهم للغاية!

زفر بضيق وهو ينظرها متوعداً وسرعان مااستدار نحو رفاقه : لنكمل لاحقاً إذاً ، رجاءاً تفحصها جيداً سيد آدريان ، سأكون ممتناً لو اجتمعنا مجدداً واتحدنا سوياً.

_ وأنا كذلك أيها اللواء ، سيكون لقائنا قريباً حتماً .

أشار لهم أن يتقدموه ففعلوا وتبعهم وهو ينظر إليها باستياء هامساً : انتظريني في مكتبي ، ولسوف توضحي لي سبب تصرفك السيء هذا .

أومأت إيجاباً وقد ازدردت ريقها ، وما إن خرج حتى أسرعت تنادي باسم صاحبها وجلة ، طرق على باب الحجرة الفولاذية فهرولت نحوها تفتحها ، وما إن فعلت حتى خرج سريعاً يحاول التقاط أنفاسه المكتومة وهي تسنده قلقة : هل أنت بخير ؟

أجابها بصعوبة : كيف أبدو .. برأيك ؟

أحاطته بذراعها وأسندته على الخزانة حيث جلس ليرتاح : مالذي أستطيع فعله لأجلك .

أخذ نفساً عميقاً مريحاً قبل أن يجيب : اتبعي والدكِ كي لايشك بشيء.

أومأت إيجاباً وأعطته قرصي الذاكرة وهي تنهض: سيعود آرميس بعد قليل ونظام المراقبة عاد للعمل ، أسرع بالمغادرة لأتمكن من حذفها قبل مجيئه .

نهض مستجيباً وسار نحو المخرج ومالبث أن توقف يخاطبها قبل أن يمضي : شكراً لكِ .. كريستينا .

أجابته بابتسامة بينما أسرع يغادراً وعيونها تشيعه بنظرة غامضة بعيدة .

....................

رماديتاه جالتا البقعة بحثاً عنها ولأول مرة لم يكن واثقاً ما إذا كان سيتحقق مايصبو إليه ، توقف ناظريه فجأة عند كيانها المقبل ، بثوبٍٍ بلون السماء وحذاءٍ فضي أنيق ، و قد جمعت شيئاً من شعرها بمشبك الفضة بينما انساب بقاياه كموجات الذهب .

كان يتأملها مأخوذاً بسحر تلكما العينين اللامعتين بصلابة وكبرياء لامحدود ، اقتربت منه فمد يده مصافحاً بابتسامة غامضة : سعيد حقاً لتلبيتكِ دعوتي، بالفعل لاوصف لبهجتي آنسة فيكتوريا .

أضاف متسائلاً بريبة : لكن .. ألم تصلك الهدية ؟

بعزة أجابته : بلا .. لكن تلك الهدية أحزنتني وأغضبتني ، هل كنت تحسب أني لا أملك ثوباً جميلاً لألبسه؟ أم أنك دعوتني وأنت تخجل من أن آتيك بملابس قروية لاتليق بمقامك ؟

برر سريعاً: ليس هذا مقصدي ، ورغم ذلك أعترف أني أخطئت بحقك ، آسف إذ تصرفت بطريقة تجرحكِ وتؤذي مشاعركِ دون قصد مني ، أردت من ذلك فقط أن تكون هديتي مكتملة ، والواقع أن ذوقكِ أفضل مني بكثير ، إنكِ وبكل التفاصيل مميزة .

لم تلن أو تنخدع بكلماته المنمقة ، بل نطقت بحدة دون اهتمام : لقد أغضبتني وبشدة ، فكرت أن أتجاهل الأمر وأعيد هداياك لك ، لكن ذلك لم يكن ليطفأ غضبي مطلقاً ، لذلك قررت المجيء لا لأجلك ، ولا لأجل السباق حتى .

صمتت وعيونها تحرقه بلهيبِ كبرياءٍ جريح ، ودون أن يدرك كيف ومتى! أحس بأثر تلك الصفعة المنتقمة ، العيون صوبت نحوهما ذاهلة ، بينما هي استدارت مغادرة وسط دهشته وقد قبض كفه بقوة متسللاً بأعماقه شعورٌ غريبٌ لم يألفه من قبل ، ارتسمت على شفتيه ابتسامة جنونية مرعبة وقد تمتم مستمتعاً : أيتها الفتاة أنتِ لي بلا شك ، إنكِ محظوظة لتنالي إعجاب الشيطان ، سأذيقكِ طعم الذل بقدر كبريائكِ الملعون هذا ، قريباً وللغاية .

......................................

وقف أمام الطاولة يلف له شطيرة على عجل مخاطباً رفيقه : دعنا نذهب للمشفى للاطمئنان على الفريق .

_ قلت أنك تتضور جوعاً ، لم لا نبق قليلاً لتناول الطعام إذاً .

أشار لشيطرته وهو يسير نحو الخارج : هذه تكفيني ، لاوقت لذلك كما تعلم .

ركب كليهما السيارة وقد جلس ديريك خلف المقود بينما سيكيم بجواره يتناول شطيرته ، سارت السيارة نحو وجهتهما بصمت قصير قطعه رملي الشعر بتردد : سيكيم .. كيف تشعر الآن؟

رد وهو يمسح فمه : لم تسأل؟

_ منذ قليل .. أنت .. لاتفهمني بشكل خاطيء ولكن .. هل نسيت حقاً كل ذلك؟

أجابه وهو يتأمل الطريق بشرود : ليكن .. ماذا عساي أن أفعل ، لا أريد التفكير بالأمر أكثر ، ذلك سيصيبني بالجنون مجدداً وسأغدو أحمق كما كنت بالأمس ، لذلك من الأفضل أن أتجاهل مايزعجني ، الكثير من الأحداث توالت هذا اليوم ، التفكير بها يقودني للجنون الحتمي ، عندما أجن لا أكون أنا ، سأرتكب الكثير من الحماقات لذلك من الأفضل أن لا أفكر طويلاً بها .

أومأ له بالإيجاب بضيق : أنت محق .. أرجو من كل قلبي أن لايكون ماتفكر به صحيحاً ، فإن انضم لهم الرئيس سيمونز حتى فبمن سنثق؟

تنهد الآخر بثقل وعادا لصمتهما حتى وصلا للمشفى ، سارا نحو غرف الجرحى ليطمئنا عليهم واحداً تلو الآخر حتى وصلا لغرفة آنديرسون والذي كان نائماً بعمق ومخطوبته من خلف الزجاج تتأمله بألم وغصة .

وقفا بجانبها وقد ابتدر عسلي الشعر يخفف عنها : آسف لما جرى جوانا ، كيف حاله الآن ؟

أومأت بالنفي متعبة ودموعها قد احتجزتها مقلتيها : ستجرى له عملية أخرى بعد غدٍ ، قال الطبيب أن حاله باتت مستقرة ، لكنه استيقظ مرة واحدة فقط وسائت حاله سريعاً بعدها .

انهمرت دموعها وهي تكمل بحرقة : لايزال رغم كل شيء خائفاً على الفريق ، أمسك يدي بقوة وظل يردد ..لاري لاري ، حاولت تهدئته أخبرته أنه بخير وكذلك الجميع ، لكنه استمر بتكرار اسمه حتى جاء الطبيب وأعاده لرقدته .

_ ولم لاري؟

أومأت بأن لاتعلم وأضافت وهي تمسح دموعها : كانا معاً عندما ابتدأ المجرمون هجومهم الشرس ، لايزال خائفاً من أنه قد قُتل ربما .

عادت تجهش بالبكاء فاقترب منها ديريك يخفف عنها بينما كانت الوساوس تهاجم الآخر وهو يتأمل رفيقه الممد على الفراش بسكون .

عاد رملي الشعر له بعد أن ترك الفتاة مع صديقتها وصمت صديقه أثار فضوله : مالذي تفكر به سي ؟

أجابه الآخر وهو يسير معه مبتعداً كي لاتسمعهما الفتاتين : تراودني ظنون مرعبة ديريك .

قطب رملي الشعر حاجبيه متسائلاً فأكمل الآخر وجلاً : ماذا لو أن لاري تعمد إيذاء آنديرسون ، فكر جيداً .. كيف سيقع رجل مثله في فخ كهذا بكل بساطة ، وكيف سيصاب إصابات بليغة كهذه رغم أن الفريق بأكمله معه والخطة كانت محكمة.

رد مستنكراً وهو يومأ بالنفي : ماهذا السيناريو المجنون سيكيم ، لقد فقدت صوابك حتماً وبدأت تتخيل الجميع خونة .

بجدية واصرار أكمل أزرق العينين : لاري غضب كثيراً عندما حل آنديرسون مكانه ، أراد الانتقام مني وإظهاري على خطأ وأني المتسبب بكل ماحصل ليثبت فشلي للجميع ، وفي الوقت ذاته حقق انتقامه من آندي الذي حل مكانه .

صمت ديريك وهو يفكر باحتمال كون مايقوله صائباً ومدى كون الأمر كارثياً مرعباً : سيكيم .. إن كان ماتقوله حقيقة ..

_ فالأمر لن ينتهي عند هذا الحد ، سيكون بيننا مافريكي جديد ، وسيكبر العفن بذلك المكان أكثر وأكثر ، وسأكون السبب بالفعل لما حل بآنديرسون ، لو لم أغضب ذلك الأحمق واستمر باستفزازه لما حدث ماحدث .

_ لا سيكيم .. إن كان ماتظنه صحيحاً فهذا يعني أن ذلك الفاسد يجب أن ينال جزاءه بأسرع مايمكن ، لايمكن لأحدهم أن يغتال فريقه فقط لأنه غاضب من آخر استفزه وأزعجه ، من يخون مرة فسيكررها ألف مرة ، قلتها بنفسك .. قد يكون بيننا مافريكي آخر ، ولا أخالك نسيت مافعل ذلك الحقير فيما مضى وماسلب منا .

زفر عميقاً بتعبٍ وضيق : ياله من عالم معتم مخيف ، الشياطين تختبأ بيننا وتغتالنا بوحشية ، كيف يجدر بنا مواجهتهم أجمع ، لم يجب أن يكون الشر قوياً لهذا الحد؟!

_ إنها قوانين هذه الحياة التعسة مع الأسف.

_ على كل حال حري بنا أن نتأكد من حقيقة الأمر أولاً ، وكخطوة أولى ستشدد الحراسة على آنديرسون تحديداً وسننتظر حتى يستفيق ، إن كان لاري من فعل به هذا حقاً فسيعود لإكمال مهمته كي لايفتضح أمره .


سار بمحاذات رفيقه في الممر الطويل نحو غرفة المراقبة وماإن دخلاها حتى أخرج سيكيم شارته مما جعلهم يهدأون على الفور ويقفون باحترام ، اقترب من أحدهم مشيراً على حاسوبه وهو يخاطبه بحزم : ستراقب هذه الغرفة دون أن تغفل ولو للحظة ، ولن يدخلها سوى بعض الأسماء التي ستُعطى لكم ، سيقع على عاتقكم حماية من فيها بكل سرية مهما جرى وحدث ، لن يصاب بأي مكروه .

_ عُلم سيدي .

هم بالخروج لكنه تراجع مستدركاً أمراً لايزال عالقاً بذهنه : مااسمك أيها الشاب؟

_ جيوفان سيدي .

_ استمع لي جيداً جيوفان ، هناك أمر خاص أريد أن تبحث عنه لأجلي ، ويجب أن لايطلع عليه أحد مطلقاً .

_ بأمرك سيدي .. إني في الخدمة .

أمر الآخرين ليخرجوا عدا ديريك الذي كان ينظره بحيرة متسائلاً: مالخطب سي؟

_ سإبحث عن قاتل أمي !

بدت عليه الدهشة بينما عاد سيكيم يخاطب الشاب بجدية : أريدك أن تستعيد السجلات الخاصة باليوم التاسع عشر من هذا الشهر .

بدأ الشاب عمله سريعاً وبعد قليل من الوقت استدار له متأسفاً : لم يتم تسجيل أي شيء بذلك اليوم سيدي ، أو لربما تم محوها ببراعة حيث لاتترك أي أثر .

أخذ يفكر بضيق وصاحبه يحاول التخفيف عنه : سيكيم .. لانشغل ذهنك أكثر ، أنت تعرف من القاتل بالفعل وتعرف أنه لن يترك ورائه أي دليل يوقعه لذلك ..

_ حاول استعادتها بكل ماتستطيع .

تنهد ديريك مستسلماً بينما أجابه الشاب وقد بدأ بالعمل : سيستغرق بعض الوقت سيدي .

_ لابأس .. لست في عجلة من أمري .

..............................................

أمام الجسد النحيل المتعب وقفت تسرح شعرها الأبنوسي الجميل ، ما إن انتهت حتى غطتها بوشاحٍ أحمر دافيء وتأملتها مبتسمة : أمي العزيزة .. هل تشعرين بتحسن اليوم؟

أومأت السيدة لها إيجاباً وعيونها لاتزال ذابلة حزينة ، مسحت الشابة الكفين اللتان احتضنتهما كفيها وهي تبث ألمها باختناق: سنترك القرية قريباً أمي ، سنودع الذكريات الدافئة التي جمعتنا بمن نحب ، لكننا أينما ذهبنا سنحملهم في قلوبنا .

أدارت طرفها لصورة صبي في الخامسة عشر من عمره بشعر بني ذو خصلات ذهبية داكنة ، وبشرة قمحية وملامح شقية ، ابتسمت بذبول وهي تكمل : لقد فقدتِ ابنكِ ، وأنا فقدت زوجي .. كلانا فقدنا روحاً سكنتنا واحتجزتنا بذكراها ، لكنني لا زلت قوية أمي ، أعلم كم كان مؤلماً ماعشتِ ، لكن هذا القدر من المعاناة يكفي ، عودي لنا من جديد كما كنتِ ، قوية وصلبة تملكين أجمل بسمة وقلب ، انهضي أمي وحرري روح فقيدك ، كم يتألم لرؤيتك تعانين هكذا .

دمعت عيون الأم دون أن تقدر على الحراك تتمنى لو كان بمقدورها العودة لأحبتها دون قيود ، احتضنتها ابنتها بحنان تحتوي ألمها مواسية : لابأس أمي .. اخلدي للراحة ياعزيزتي .

دخل الصبي وهو يحمل شقيقه واقترب منهما بابتسامة جميلة : جدتي انظري .. جاء جوزيف الصغير لزيارتكِ .

أجبرت نفسها على رسم ابتسامة للصغيرين بينما ابتعدت إيرينا لتفسح المجال لهما لمعانقتها ، وهي تأمل أن تستعيد والدتها كيانها وقوتها وماارتحل منها مع رحيل وليدها .

..................................

بدت علائم اليأس ترتسم على رملي الشعر لينطق متهكماً: بالله عليك سي دعنا نذهب ، صدقني لن تجد أي شيء ، انظر الفتى يحاول بجد لكن لاشيء .

كان الآخر لايزال بصمته يتأمل الشاشة بترقب وسرعان مابدت علائم الاستبشار على وجهه وقد ظهر على الشاشة كل ما سجلته كاميرات المراقبة .

_ أحسنت جيوفان ابدأ بتشغيلها على الفور .

فعل فبدأ الثلاثة يشاهدون الفيديو والأحداث كانت رتيبة حتى تلك اللحظة التي ولج فيها لغرفتها فتحدثا لبعض الوقت ليخرج بعدها غاضباً ، الاتصال الغامض وعودته للمشفى مذعوراً ، كل ذلك كان يجعل الصداع برأسه يزداد أكثر فأكثر .

في غرفتها كان رجل وحيد استطاع الدخول والخروج والبقاء بجوارها ، بزيه الطبي وشخصه المألوف حيث لم يكن مثيراً للريبة .

_ أوقفه قليلاً .

استجاب الشاب له فأخذ يتأمل صورته مستذكراً كلماته .. نظراته الهادئة المهيبة ، عدد المرات التي كان فيها إلى جانبه وجانب والده .

استدار ديريك نحوه يتأمله قلقاً وقد بدأ جبينه يتصبب عرقاً وشحوبه في ازدياد كما أنفاسه المكتومة بقهر .

_ هذا القدر يكفي ياصديق ، شكراً لك .. قم بتحميلها أجمع وسآتي لأخذها بعد قليل .

_ على الرحب هذا واجبي .

أسند رفيقه وخرج معه والآخر كان لايزال يغوص في دوامته حائراً منهكاً ، أجلسه على الكرسي وسريعاً فتح له قنينة الماء ومدها له : مالذي يحدث معك سبكيم ، يبدو الأمر أسوأ مما أخبرتني .

أومأ له بالنفي وقد شرب بعض الماء : لاتقلق .. أنا بخير ، أعدني لمركز الشرطة لآخذ دراجتي ، سأذهب للقرية فأبي بانتظاري .

_ هل ستكون بخير ؟ أستطيع أن أوصلك إن شئت .

_ صدقني إني بخير ، سأخلد للنوم وأكون بحال أفضل ، دعنا نخرج من هنا فالجو بات خانقاً ولايطاق .

أومأ له إيجاباً بقلق وساعده لينهض وسرعان ماتركا المكان والعيون الزرقاء تشيع ذلك المبنى الأبيض بقهر ونقمة ، وكل الأقنعة قد سقطت في ذلك المساء .

.....................


بعيداً ارتحلت وقد حان وقت زوالها ، ليحل مكانها مساء غائم بارد ، ترجل من دراجته منهكاً لايدري كيف استطاع الوصول دون أن ينهار في الطريق .

سار قليلاً وإذ بالرجال قد اجتمعوا كعادتهم أمام النار التي أشعلوها ليتدفئوا بها وهم يحتسون الشاي الساخن ، التفت له أحدهم بابتسامة مرحباً : مساء الخير أيها الشاب ، تعال وانضم لنا .

اقترب منهم وجلس بينهم وهو يجوب البقعة بعينيه : هذا غريب ، القرية تبدو هادئة في وقت باكر ، أين الجميع ؟

أجابه أحدهم مهموماً : كلهم يحزم أمتعته التي يحتاجها ، لقد جاء الأوغاد عصر هذا اليوم ، رحلوا منذ سويعات قليلة فقط .

_ ماذا ! مالذي جاء بهم ؟ وماذا فعل والدي هل رأوه؟

_ كلا .. لقد عاد لمخبئه وظل هناك حتى هذه اللحظة تحسباً لأي طاريء ، من الجيد أن الرجال كانوا يراقبون الطريق فأخبرونا قبل وصولهم لذلك أمكننا أخذ احتياطاتنا .

تنهد بارتياح بينما أكمل الآخر : لقد جائوا هذه المرة بخريطة جديدة للقرية ، ستهدم كل هذه المنازل التي بنيناها بأيدينا ، وستُبنى أخرى ، لا أعلم مالدور المتبقي لنا بهذه القرية .. أسنكون عبيداً لهم ، أم سنُقتل كي لا نكون عقبة تزعجهم ، إن رحلنا أو بقينا .. لن تعود هذه القرية مسكننا الآمن بعد الآن .

صمت البقية بأسى فربت الشاب على كتف الرجل مواسياً: لاتقلق .. ليحفلوا بذلك فترة من الزمن ، الفائز في النهاية هو من سيضحك أخيراً ، ستستعيدون ماهو حقكم حتماً يوماً ما .

شرب الشاي خاصته ونهض مستئذناً نحو والده ، لكنه توقف قليلاً يتأمل المشفى وطيف ذات العيون الغائمة من خلف النافذة قد لاح له ، بتردد سار نحوها وفتح الباب ليدخل مغلقاً إياه من خلفه .

استدارت تنظره بذعر وقد تركت ماكانت تفعل ، نطق بنبرة هادئة رصينة : هل نتحدث قليلاً بعد إذنك ؟

مستنكرة بازدراء أجابته : ماذا تفعل؟! اخرج حالاً فلست أطيق رؤيتك .

_ أعلم .. ولكِ الحق بذلك ، لكني آمل أن تستمعي لي قليلاً لأوضح لكِ مأربي .

_ لازلت تتكلم بوقاحة لا أريد الاستماع لأي شيء ، ابتعد حالاً لأخرج إن لم تفعل أنت .

صمت قليلاً يفكر بما عليه البدء به ومالبث أن نطق بجدية : ستُهدم القرية عاجلاً أم آجلاً ، ولن نستطيع أخذ كل أمتعتكم معنا ، أعلم كم يحوي هذا المكان ذكرياتٍ لاتعوض ولن تتكرر ، لذلك أردت الاحتفاظ بها في مكان آمن ليس ببعيد .

_ لم يطلب منك أحد التدخل بما لايعنيك ، كل مايخصني وعائلتي لاشأن لك به هل فهمت .

زجرته ساخطة فأتبع بهدوء : تصرفت بوقاحة ليلة الأمس ، لا أستطيع تبرير ذلك ولايسعني سوى الاعتذار الذي لن يجدي شيئاً ، أما بالنسبة لطلبي الارتباط بكِ .. إني جاد بذلك ولدي أسبابي اللا شخصية ، ثقي بذلك .

تجلى الغضب على محياها وهي تجيب بحزم : هو ذنبي أن استمعت لك ، اغرب عن وجهي .

_ أرجوكِ استمعي لي ، اسمحي لي أن أكمل..

صمتت مقطبة مستسلمة فأتبع بتروٍّ : قلتِ أن لارغبة لكِ بالرحيل والابتعاد ، بكل حال من الأحوال من الخطر البقاء هنا ، لكن أن تظلي قريبة من ذكرياتكِ أفضل من لاشيء ، السيد رونالد لن يكون قادراً على البقاء معكِ فهو رئيس القرية ولابد وأن يكون مطلبهم ، ولذلك أيضاً لن يقبل بقائك هنا بمفردك أنتِ والصغار كي لاتتعرضي للأذى ، ولهذا وجدت أن هذا الحل هو الأ فضل .

أجابته متهكمة : ياله من نبل ، إذاً قرارك هذا من أجلي لا لأجل نفسك ؟ هل أنا غبية جاهلة برأيك ؟

_ بالطبع لستِ كذلك ، لكنها الحقيقة ،إنه زواج زائف كي يأمن والدكِ تركك معي وكي لايشعر أياً منا بالذنب ببقائه قريباً من الآخر ، لدي منزل في المنطقة المجاورة هو ذاك الذي ترعرعت فيه ، كبير وبه حجرات كثيرة ، سيخصص لكِ منه الجزء الأكبر ، وأنا تكفيني غرفة بعيدة لتتمكني من العيش براحة دون أن يقلقك أو يزعجكِ وجودي .

صمتت تفكر بكلامه بينما أتبع بتردد : لا أريد أن أكذب بشأن شيء .. لي مطلب شخصي واحد ببقائكِ قريبة أنتِ والصغار .

نظرت إليه متسائلة قلقة فتكلم بصدق : أريد أن لا أنسى آدم أبداً ، وأن لا أنسى ما أعيش الآن لأجله ، إيرينا .. كوني ذاكرتي .

لم تفهم مقصده فظلت بصمتها تنظره بريبة حائرة بينما استتم كلماته : وأنا أقسم لكِ بدم آدم .. أني لن أؤذيكِ ولن أقربك أو أسيء لكِ مطلقاً .

لم تنبس ببنت شفة فابتعد خارجاً مما جعلها تطلق أنفاسها التي احتجزتها مع كلماتها ،وقد جلست على الكرسي تفكر حائرة وجلة .

....................................

في الممر المعتم سار حتى وصل لتلك الغرفة المنزوية الوحيدة ، فتح بابها ودخل لتلتقي عيونه بالعيون البندقية الدافئة ، طالعه بابتسامة مستبشراً : عدت بخير ، لوهلة خلت أن مكروهاً أصابك ، هل جرى الأمر بشكل جيد ؟

سار نحوه ووضع الحقيبة على الأريكة العتيقة، وسرعان ماارتمى على الفراش بجوار والده ملقٍ بثقل رأسه على فخده : لم يكن يوماً سهلاً أبي .

وضع كفه على رأس الشاب يمسحه بحنان رغم نبرته الساخرة : ماهذا ؟! هل عدت طفلاً سي ؟

أغمض عينيه بارتياح لتلك اللمسات الحانية وتمتم بصوتٍ ناعس : إنه شعور لايوصف .

ابتسم ضاحكاً وهو يتأمله وقد أغمض عينيه : لم تخبرني أي شيء وتريد النوم ! هذا ليس عدلاً .

_ ماذا تريد أن تعرف ؟ ماطلبته في حقيبتي .

_ كيف كان الحفل ؟ كنت أتوق لحضوره و العودة إلى حيث أنتمي .

فتح عينيه بذبول ناعس وبضيق أجابه : إنك بحال أفضل هنا صدقني ، لقد غدا ذلك المكان مقراً للضباع وحسب .

_ لم ؟! ماذا جرى ؟!

عاد يغمض عينيه بتعب وهو يتكلم بصوت ضعيف غالبه النعاس : ليو أصبح اللواء .. تخيل ! ، وسيمونز .. آه لو أني أعرف الحقيقة .. سأصاب بالجنون ، من الكاذب بينهم .. لا أحد يعلم .

سكت بعدها ووالده يتأمله حائراً دون أن يفهم أي شيء : هي سي هل غفوت ؟ .. لقد نام حقاً !

فُتح الباب تطل منه تيريزا وقبل أن تتكلم أشار لها والدها بأن تبقى هادئة ، صوبت ناظريها نحو شقيقها بدهشة وهمست : مابه؟

أشار لها بأنه لايعلم ، وسرعان ماأراح رأس ابنه على الوسادة ودثره جيداً : يبدو أني سأنام على الأريكة هذه الليلة .

ابتسمت ضاحكة وهي تقترب منه : بدأت أشعر بالغيرة .

_ تعالي عصفورتي الجميلة بإمكاني مساعدتكِ في النوم أيضاً .

ارتمت في حضنه بسعادة ، و مالبث أن بدا حزن طفيف على محياها وهي تخاطبه برجاء: كن بخير أبي .. أرجوك لاتتركنا مجدداً .

قبل رأسها وعاد يمسحه بعطف : لاتخافي ياابنتي ، سأكون معكِ وأحميكِ مااستطعت ، ثقي بذلك .

أغمضت عينيها والشعور بالأمان بين أحضانه لااكتفاء منه ، تباعدت الغيوم وتفرقت أخيراً لينشر القمر ضيائه وسط العتمة ، من خلف النافذة تعلقت العيون الغائمة بالسماء حائرة لاتزال ، والمستقبل القريب يقودها نحو متاهات لاتنتهي ، آملة أن يمسك الحبيب كفها فيقودها نحو النور يرشدها .

......




 
 توقيع : آدِيت~Edith

مواضيع : آدِيت~Edith


التعديل الأخير تم بواسطة آدِيت~Edith ; 03-23-2023 الساعة 12:41 AM

رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
بين الحرية والمعارضة DoLoR حوارات و نقاشات جاده 20 06-25-2022 08:29 PM
الطريق طويل لاتهتم | Sugar's Galaxy سكر مدونات الأعضاء 22 05-27-2022 01:26 AM
اتبعني إن كُنت لا تعرف الطريق، دعنا نضيع معًا ! ELIOT مدونات الأعضاء 44 06-19-2020 05:19 AM

شرح حديث

علف


الساعة الآن 11:41 PM