••
العودة   منتدى وندر لاند > القصص والروايات > روايات الانمي_ روايات طويلة

روايات الانمي_ روايات طويلة لجميع أنواع الروايات " الحصرية، العالمية، المنقولة والمقتبسة"


الحارس الأعمى ~ Blind Guardian

روايات الانمي_ روايات طويلة


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-22-2022, 12:02 PM   #6
ساي
عضو جديد


الصورة الرمزية ساي
ساي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1308
 تاريخ التسجيل :  Jul 2020
 المشاركات : 2,291 [ + ]
 التقييم :  3532
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Silver
شكراً: 0
تم شكره 4 مرة في 4 مشاركة

مشاهدة أوسمتي



. الفصل الخامس
-----------------------------------
أين تبدأ الدائرة؟ وأين تنتهي؟
-----------------------------------



بعد إقتراح (نويل) بأن يقوموا بالتوجه للغرفة الواقعة بالطابق الثاني بما أن المفتاح كان بحوزتهم , مما يعني أنها المكان الوحيد الآمن لهم حالياً , ولكن قبل ذلك كان يجب أن يقوم بإحضار (آمورا). قام بالسير للممر الأيمن متقدماً المجموعة حتى وصلوا لباب مغلق قام (نويل) بطرقه أربع مرات متتابعة بهدوء. أتاهم صوت (أمورا) من الجانب الآخر وهي تتساءل عن الطارق. لم تتمالك (يوهانا) نفسها فهتفت بفرحة فور سماعها لصوت زميلتها:
" (أمورا) ! أنت بخير ! ". كانت ردة فعل (أمورا) هي فتحها للباب بسرعة لتلقي نظرةً ملأتها السعادة على الوجوه الأربعة التي وقفت أمامها.

أندفعت الفتاتان لتحتضنا بعضهما البعض بلهفة , وبدا أن التوتر بدأ يقل تدريجياً حتى أعاده (آرثر) بقوله: " أنا سعيد برؤيتك سالمةً يا (أمورا), هل (ساي) موجود هنا أيضاً؟".
خيم الصمت عليهم لوهلة قبل أن تقلب (أمورا) عينيها بينه وبين (نويل) بتعاسة.
كان صمتهم أبلغ من أي إجابة , لذا فقد قامت بفتح الباب ليتمكنوا من الدخول لما بدا أنه مطبخ فسيح , تقدمهم (نويل) وهو يقول: " لقد أخبرت (أمورا) بأن تنتظرني هنا , توجد غرفة أخرى في نهاية هذا الممر , ليس هناك الكثير ليقال عنها , ولكنها أحدى الغرف القليلة الغير موصدة في هذا المكان. حاولنا البحث عن (ساي) هناك ولكن دون جدوى.."

كان المكان نظيفاً ودافئاً , مما ساعد الجميع على الإسترخاء قليلاً بعد كل الجنون الذي مرَوا به قبل قليل.
بينما إنشغلت الفتاتان في محادثة خافتة كان (لورانس) يتجول في المطبخ ببطء وهو يتحدث: " على فكرة (نويل) , لم أكن أعلم أنك تملك مسدساً , يبدو أنك لست عديم الفائدة في المواقف الصعبة كما كنتُ أعتقد."

أجابه (نويل) وهو يهز كتفيه: " إنه ليس ملكاً لي , لحسن حظنا فقد وجدته بينما كنا نبحث عن (ساي). لا تلمس تلك السكين يا (لورانس) – إبتسم (نويل) بتهكم وهو يقولها , ناظراً لـ (لورانس) الذي كان يسحب سكيناً من أحد الأدراج – أنت أصغر عمراً من أن تعرف كيفية إستخدامها." غمغم (لورانس) برَد غاضب ما ولكن (آرثر) قام بقاطعته قائلاً: " في الحقيقة .. أظن أنه من الأفضل لنا أن نستخدم كل ما يمكننا إستخدامه كسلاح للدفاع عن النفس. لقد تمكننا من القضاء على ذلك الشيء بجهودنا الجماعية , ولكن ... – صمت للحظةٍ قبل أن يردف – لا نعلم مالذي قد يحصل لاحقاً , نحن في منزل غريب تجري فيه أمور غير طبيعية , و (ساي) ما زال مفقوداً."

تمتمت (يوهانا) لـ (أمورا) بقلق: " أتظنين بأنه بخير؟ أم ... " بالرغم من أنها قالتها بصوت خفيض , إلا أن الجميع سمعها , وعلى الفور , تبادرت إلى أذهانهم صورة القلادة الملطخة بالدماء.

عندما تذكر أنه لا يزال يحملها في جيبه , قام (آرثر) بإستخراج القلادة ورفعها أمام (نويل) - الذي اكفهر وجهه قليلاً - وكأنه يطلب تفسيراً لذلك. أشاح الأخير بوجهه وهو يقول: "ذلك الأحمق ... (ساي) الأحمق ... "

-----------------------------------

بعد فترة ليست بالقصيرة وشرحٌ مطول من قبل (نويل) لجميع ما حصل لهم منذ وصولهم, وأِخباره لهم عن مهاجمة الشيء لهم فور وصولهم , عن عدم قدرتهم على الخروج عن الطريق الباب أو النوافذ , عن إختفاء (ساي) المفاجيء من الغرفة بينما كانوا نياماً ومن ثَمََ عثوره على قلادته المغطاة بدماء طازجة في أحد الممرات القريبة من الغرفة قبل أن يقوم بحملها والعودة بها للغرفة حيث كانت تنتظره (أمورا).

يبدو أن (ساي) قام بكتابة رسالة على هاتفه المحمول أخبر صديقيه فيها بأنه سمع شخصاً يناديه وأنه خرج ليتفقد شيئاً ما, وذَيََلها بقوله: " سأحاول أن أعود لكما , ولكن إن لم أفعل ... "

كانت (يوهانا) تُصرُ بأن ما حدث – رغم غرابته – لا علاقة له بالأشباح والأرواح الشريرة , وهو رأي شاركها إياه الجميع بغض النظر عن عدم وصولهم لأي تفسير منطقي للأحداث. بناءاً على إقتراح (آرثر) السابق , قام الجميع – فيما عداه – بالبحث في المطبخ عن كل ما يصلح ليكون سلاحاً للدفاع عن النفس. كونه و (ساي) الوحيدين الذين يعرفان كيفية إستخدام الأسلحة النارية , فقد إحتفظ لنفسه بالمسدس الصغير , والذي كان يحتوي على بضع رصاصات باقية , لذا قام بتذكير نفسه بأنه من الحكمة إستخدامها بحذر, حتى وإن كان يحمل مسدسه الشخصي أيضاً. كانت "الأسلحة" الأخرى التي وجدها الآخرون أتعس حالاً بكثير من المسدس الصغير: مطرقة متوسطة الحجم , سكين فاكهة , سيخ يستخدم لتحريك الأخشاب في المدفأة , زجاجةٌ مكسورة. ولكنها أعطتهم القليل من الأمان, ولا تزال أفضل من لا شيء , خاصةً وأنهم لم يكونوا يعرفون مالذي يمكن توقعه في مكان كهذا.

" حسناً ... " , عقد (لورانس) ساعديه ثم أردف: " بما أننا الآن – أدار عينيه في محجريهما بتهكم واضح – "مسلحون" نوعاً ما , أعتقد بأنه قد حان الوقت للبحث عن (ساي) ومن ثم إيجاد طريقة للخروج من هنا."

أومأ (نويل) برأسه موافقاً ثم قال: " بالرغم من تَخَلُصنا من ذلك الكائن –" , قاطعه (لورانس) قائلاً: " (جوني) ", مما جعل (نويل) ينظر إليه كأنه طبيب يعاين مريضاً نفسياً قبل أن يكمل (لورانس) وهو يهز كتفيه بأريحية: " لا يمكننا أن نطلق عليه (الشيء) أو (الكائن) للأبد , لقد جَعَلتُ الأمر أكثر سهولةً لك."

غطََت (يوهانا) وجهها براحة يدها وهي تطلق زفرةً يائسة , بينما غمغم (نويل) بنبرة باردة: " لا أعلم عنكم يا رفاق , ولكنني لا أنوي البقاء هنا للأبد , خاصةً ونحن لا نعلم إن كان هناك غير هذا الـ .. (جوني). تباً لك يا (لورانس) , ما هذا الإسم السخيف ؟! أشعر بالحمق الفائق وأنا أنطقه ! ".

أطلق (آرثر) ضحكة هادئة أتبعها بوضع يده على كتف (نويل) قائلاً: " بغَضِ النظر عن رغبة (لورانس) في إطلاق الأسماء على الكائنات التي تحاول قتله , أعتقد أنه محقٌ بشأن البحث عن (ساي) سريعاً ثم الخروج من هنا."

بينما إنهمك الشبان الثلاثة بمحاولة وضع خطة لذلك , لم يلاحظ أيٌ منهم بأن (أمورا) لم تشاركهم الحديث على الإطلاق. كانت تضم حقيبتها إلى صدرها بقوة , وكأنما كانت تستمد منها بعض الأمان , بينما هي تسير ببطء قرب إحدى الدواليب العديدة بالمطبخ الواسع...

" هذه البهارات تبدو بحالة جيدة , والآن نحن نعلم على الأقل بأن هذا المنزل يحتوي على بعض الأطعمة الصالحة للإستهلاك."

كانت (أمورا) على وشك الصراخ لولا أن تمالكت نفسها في اللحظة الأخيرة بعد أن قطع صوت (يوهانا) حبل أفكارها. لم تشعر بتواجد (يوهانا) بجانبها إلى أن تحدثت الأخيرة. إلتفتت (أمورا) لها وابتسمت بإرتباك قائلة: " نعم , أليس هذا مطمئناً ؟", أطلقت ضحكة مصطنعة وهي تزيح خصلةً من الشعر عن عينها بتوتر ظاهر. بدت الفتاة على وشك الإغماء في أي لحظة.

قبل أن تتمكن (يوهانا) المندهشة من التعليق على تصرفاتها الغريبة , بدأ باب المطبخ يرتج بقوة مصدراً صوتاً عالياً بينما كان شيئاً ما يقوم بمحاولة كسره من الخارج.

-----------------------------------

لم يضيع كل من (نويل) و (آرثر) أياً من الوقت في تساؤلات عن هوية الشيء القادم , بل تبادلا نظرةً سريعةً قام (آرثر) بعدها بفحص مسدسه الصغير على عجل , بينما قام (نويل) بسحب (لورانس) من ذراعه قائلاً: " سنقوم أنا و (آرثر) بإبقاء هذا الكائن منشغلاً –", قاطعه (آرثر) متسائلاً بجدية: " سنفعل؟" , قام (نويل) بتجاهله وهو يكمل: "خذ الفتيات واصعد إلى الطابق الثاني , توجه إلى الغرفة التي تحمل (أمورا) مفتاحها, ثم إبقوا هناك !". غمغم (لورانس) وهو ينظر إليه بعين متسعة: " ولكن..." , قاطعه (نويل) بصرامة وهو يدفعه للجانب دفعاً: " ليس هذا بالوقت المناسب لكي تصبح إنساناً منطقياً أيها الأحمق! ثق بنا فقط!".

بدا وكأن (لورانس) سيجادل صديقه مرةً أخرى , ولكنه تراجع بصمت وهو يهز رأسه موافقاً , ثم أسرع ليمسك بيدي الفتاتين الخائفتين ويسحبهما إلى جانب الغرفة بعيداً عن الباب الذي بدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وقع الضربات المتتالية.

وبعد عدة لحظات , إنهار الباب الخشبي كلياً مرسلاً سيلاً من الشظايا الخشبية الصغيرة إلى داخل الغرفة , تبعها شيء بدا مألوفاً , بالرغم من كونه من المفترض أن يكون ميتاً.

تقدم الطفل الذي أطلق عليه (لورانس) إسم (جوني) إلى الداخل , وكانت في إستقباله مقلاة قام (آرثر) بإلقائها لتصطدم بمقدمة رأسه , مما جعله يندفع غاضباً مزمجراً بإتجاه الأخير.

كانت هذه هي الفرصة التي ينتظرها (لورانس) الذي إنطلق بسرعة وهو يمسك بيدي (أمورا) و (يوهانا) بقوة , تاركين وراءهم شابين مرهقين بمواجهة كائن لا يمكن قتله.

-----------------------------------

تقدم (لورانس) موقفاً (يوهانا) قبل أن تحاول الإندفاع عبر الباب الذي كان موارباً: " إنتظري! لا تندفعي للداخل هكذا , نحن لا نعلم مالذي يمكن أن نجده بالداخل. دعيني أدخل أولاً."

لم يكن (لورانس) بهذه الشجاعة والشهامة عادةً , مما جعلها ترفع أحد حاجبيها بدهشة , ولكنها لم تعترض.

وضع الشاب المتردد يده ببطء على مقبض الباب المعدني البارد , وبحذر شديد , قام بفتح الباب الخشبي بينما راقبه من الخلف زوجان من الأعين المتوجسة. يبدو أن ثلاثتهم كانوا على إستعداد للركض في حال وجود شيء لا يسر بالداخل.

ولكن الغرفة كانت صامتة صمت القبور , ما زالت كما تركتها (أمورا) آخر مرة.

دلف ثلاثتهم إلى الداخل دون أن ينبس أحدهم ببنت شفة, لم يكونوا بحاجة للكلام ليعرفوا بأنهم جميعاً يفكرون في ما يجري مع (نويل) و (آرثر) بالأسفل. "ليس هناك خيارٌ آخر", أقنع (لورانس) نفسه, "كل ما أستطيع فعله الآن هو الإنتظار."

إن (آرثر) رامٍ بارع وإن لم يظهر عليه ذلك. لم يصبح ضابطاً في هذه السن الصغيرة من فراغ, لذا فلا داعي لأن يشكك في قدرته على مواجهة طفل أصغر منه حجماً. ولكن لسببٍ ما, كان حجم الطفل يحمل في طياته أضعاف القوة التي يفترض أن يمتلكها جسم ضئيل كهذا.

محاولاً إلهاء نفسه بأي شيء يشغله عن التفكير, تقدم (لورانس) ليلقي نظرة على ساعة صغيرة إستقرت على إحدى الدواليب التي حملت عدداً من التحف الصغيرة. كانت عقاربها المتوقفةُ تشير إلى الساعة الواحدة ظهراً. بنظرة سريعة وجد أن ساعة يده تشير الى العاشرة مساءاً. لابد من أن الساعة الصغيرة تحتاج لإعادة معايرة , حملها بيده وأخذ يُقَلبها باحثاً عن طريقة لفعل ذلك.

" (أمورا) , (يوهانا) , كم الساعة الآن ؟ هذه الساعة العتيقة مصابة بالخرف الوقتي , وأريد أن أتأكد من الوقت الصحيح لإصلاحها".

" إنها تمام الثانية عشرةَ ظهراً".

" الساعة السابعة مساءاً وعشرون دقيقة".

نظرت الفتاتان لبعضهما بحركة سريعة , بينما توقف (لورانس) عما كان يفعله ورفع عينه لينظر إليهما بدهشة.

-----------------------------------

تردد صدى صوت الخطوات الثقيلة وهي تصعد السلم الرخامي للدور الثاني, كان (نويل) يسير ببطء بينما إستند على كتف (آرثر) ليحفظ توازنه. لم تكن معركتهم القصيرة مع الكائن بسوء سابقاتها حيث فقد عنصر المفاجأة خلال هجومه, ولكنه نجح في إصابة (نويل) في جانبه الأيسر. لم تكن إصابة بليغة ولكنه كان يتألم عندما يتحرك مما دفع (آرثر) للتوقف كل بضعة درجات ليسمح له بإلتقاط أنفاسه.

"هل تتوقع أنهم بخير؟", تمتم (نويل) بذلك وهو يعتصر خاصرته بألم.

"أعتقد ذلك, إلا إن كان حظنا خرافي السوء, وكان هناك أكثر من واحد من هذه الكائنات."

"مالذي يجري هنا يا (آرثر)؟ لا أستطيع التفكير بأي تفسير منطقي ولكنني أجد نفسي منشغلاً أكثر بالتفكير في طريقة تخرجنا من هنا.."

"لا أعتقد أن هذه هي المشكلة الوحيدة التي نواجهها حالياً, لا تنسى بأن (ساي) ما زال مفقوداً, وأنا لن أخرج من هنا قبل أن نجده.", قالها (آرثر) بحزم قبل أن يردف بخفوت: "لقد كان سعيداً عندما قدمنا إلى هنا, كان يغني ويلتهم الحلوى كطفل كبير, ولكن رأسي مليء بأفكار وصور سودواية عنه الآن..."

"لحظة..(آرثر)...؟", قاطعه (نويل) بحيرة.

"هممم؟ ماذا؟"

"كيف عرفت بأن (ساي) كان يغني ويلتهم الحلوى؟ لقد وصل إلى هنا معنا وليس معكم!"

-----------------------------------

"ما هذا الهراء؟!"

هتف (لورانس) بذلك في وجه الفتاتين المندهشتين ووجهه يحمل علامات الغضب والدهشة معاً.

"هذا ليس مضحكاً يا فتيات, من الواضح بأن إحداكن أتت إلى هنا مرتدية ساعةً بالية!"

وضعت (أمورا) يديها على خاصرتها وهي تقول بحنق: "هل تظنني بهذا الغباء؟!", بينما إكتفت (يوهانا) برفع ساعدها أمامه ليرى الساعة بنفسه.

"حسناً...شيء غريب آخر, يالسعادتي...-دفع (لورانس) شعره للخلف بعصبية قبل أن يردف-...لو كنا في وضع مختلف لقلت بأن هذه مجرد مصادفة, ولكن مع أخذ ما يجري حولنا في الإعتبار, لا أعتقد بأنها كذلك. كل ما أتمناه الآن هو أن لا يزداد وضعنا سوءاً."

تقدمت (أمورا) نحو (لورانس) وقامت بمواجهته وهي تقول بحزم: "لن أدع هذا يحصل!".

نظر إليها (لورانس) بعينه الزرقاء الواحدة ملياً ثم انفجر ضاحكاً.

"يا إلهي, منذ متى كانت (أمورا) بهذه الشجاعة؟ أعتقد بأن هذا يقع من ضمن الأشياء الغريبة التي تحدث فقط في هذا المنزل."

عقدت (يوهانا) ساعديها وهي تنظر إليه ببرود: "الفتاة المسكينة تحاول أن تخفف عنك كي لا تفقد عقلك الصغير جرَاء التفكير, وأنت تستهزئ بها!".

لم تسنح الفرصة لـ(لورانس) كي يقوم بالرد, حيث تحرك باب الغرفة مصدراً صريراً خفيضاً ليظهر خلفه كل من (نويل) و (آرثر) وهما يدلفان بصمت وعلامات الإرهاق بادية عليهم.

إندفعت (أمورا) نحو (نويل) وهي تهتف بإسمه بذعر, بينما لم تضيع (يوهانا) وقتاً في السؤال عما حدث وأسرعت تساعد (آرثر) في وضع (نويل) المصاب على الأريكة. أما (لورانس) فقد أنطلق تجاه الباب وأحكم إغلاقه بالمفتاح الذي أخذه من (أمورا) تحسباً لأي مفاجأت غير سارة من الطفل الذي يبدو أنه لا يموت.

-----------------------------------

"...وهكذا, تمكنا من "قتل" الكائن مجدداً, ولكنه على الأغلب سيعود مرة أخرى. إنه لا يبقى ميتاً على ما يبدو..", أنهى (آرثر) كلامه بعد أن شرح لهم ما حصل في الأسفل, كان الجميع يستمعون إليه بصمت لم يقطعه سوى صوت طرقات حذاء (لورانس) العصبية على أرضية الغرفة الخشبية. يبدو أن أعصاب (لورانس) الملتهبة بطبيعتها لا تستطيع تحمل الأحداث التي تجري حولهم.

لحسن حظ (نويل) فإن إصابته –التي أصرت (أمورا) على تفحصها-لم تكن جرحاً ولكن كانت هناك كدمة قاتمة اللون فوق خصره. وحيث أنه كان نائماً على الأريكة كان البقية يتكلمون بصوت خفيض خشية إيقاظه.

"أوه يا (نويل), إبن عمي المسكين..."

"...ما يحصل لا يجعلني متفائلاً أبداً حول مصير (ساي).."

"مالذي سنفعله الآن؟ لا يمكن أن نبقى هنا للأبد.."

"هناك شيء غريب يحدث هنا.", قالها (آرثر) وكأنه يفكر بصوت مسموع.

"نعم, من الجيد أنك لاحظت ذلك! هذا المكان بأكمله غريب!", كانت الجملة الغاضبة الساخرة قادمة من (لورانس), بالطبع.

"ليس هذا ما أقصده... –إستدار (آرثر) ليواجه الجميع قبل أن يكمل-...قبل قدومنا إلى الغرفة كنت أُحدث (نويل) عن سعادة (ساي) عند وصولنا إلى المنزل, ولكن (نويل) يُصر بأن (ساي) لم يأت معنا إلى هنا بل جاء معه ومع (أمورا)..."

قالت (يوهانا) بحيرة: "ولكنني أتذكر..بأن (ساي) كان معنا. لقد كان يتسابق مع (لورانس) للوصول إلى أعلى التل, كان يبدو متحمساً جداً..."

"لحظة..!", لم يدعها (لورانس) تكمل جملتها, "أنا لا أتذكر ذلك! كل ما أتذكره هو قدومي معك ومع (آرثر)! لابد من أن أحدكم مصاب بالخرف أو أنكم تمزحون."

"يا إلهي يا (لورانس)! كيف لا تتذكر ذلك؟ إن ذاكرتك في حالة يرثى لها!"

تجاهل (آرثر) الجدل العقيم الدائر بين (لورانس) و (يوهانا) وتوجه نحو (أمورا) لسؤالها عن من قَدِمَ معها لولا أن لاحظ النظرة البائسة الخاوية التي ملأت عينيها وهي تنظر إلى (نويل) النائم, مما جعله يطبق فمه ويتراجع عن ذلك. لابد من أنها عانت الأَمَرين منذ وصولها إلى هنا, الفتاة المسكينة.

-----------------------------------

"أشعر بالجوع..."

غمغمت (يوهانا) بكئابة وهي تضم ساقيها إلى صدرها بينما انسدل شعرها الأحمر القصير على وجهها. كان هذا هو الوقت الذي يقوم فيه (لورانس) عادةً بالرد عليها واصفاً إياها بالدب القطبي السمين, ولكن الأصوات المنبعثة من بطنه أظهرت بأنه يشاركها هذا الشعور.

(نويل) الذي استيقظ منذ فترة كان يشعر بالجوع والعطش أيضاً, مما جعل (آرثر) -الذي يشعر بأنه مسؤول عن سلامة الجميع- يفكر في النزول للبهو وإحضار حقيبة (يوهانا) المليئة بالطعام والتي نسوها تماماً إلى هذه اللحظة. ولكن لابد له من إصطحاب شخص آخر معه.

"أنا! أنا سأذهب معك!".

قفزت (أمورا) متطوعةً للذهاب معه بلهفة بعد أن شرح لهم (آرثر) خطته, مما جعل الأخير ينظر لها بتساؤل.

"ولكن (أمورا)... هل أنت متأكدة؟ لا يمكن لي أن أضمن لك عدم مهاجمة ذلك الكائن لنا مرة أخرى."

"لا مشكلة, ذلك الكائن قد يهاجمني هنا أو هناك. أنا لا أتوقع أي ضمانات."





الـــســـاعـــة الـــرابـــعـــة -إنتهى-


مالذي يكمن خلف الأبواب المغلقة؟ هل نجد خلاصاً ينتظرنا أم هلاكاً يتربص بنا؟


 
 توقيع : ساي

دخول متقطع .


رد مع اقتباس
قديم 09-22-2022, 12:10 PM   #7
ساي
عضو جديد


الصورة الرمزية ساي
ساي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1308
 تاريخ التسجيل :  Jul 2020
 المشاركات : 2,291 [ + ]
 التقييم :  3532
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Silver
شكراً: 0
تم شكره 4 مرة في 4 مشاركة

مشاهدة أوسمتي



. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

طاب يومكم جميعاً أعزائي.

أريد أن أُشارككم إعترافاً صغيراً, وهو أنني...أشعرُ بالذنب.

شعرتُ بأني عقدتُ الأمور عليكم كثيراً في القصة, لذا حاولتُ جاهدةً وضع الجزء الجديد بأسرع وقت ممكن تجنباً لأن يقوم بعضكم بكراهيتي.

(( إحم...وكذلك لأنني أمتلك ذاكرةً لا تعيش لأكثر من خمس ثوانٍ, لذا أريد وضع كلماتي في مكان آمن قبل أن أنساها للأبد. ))

سأكون صريحةً جداً معكم, لم أتوقع أن أشعر بهكذا متعة عندما بدأت الكتابة, فقد كنتُ أخبر نفسي بأنني لن أُفلح قطعاً, ومازلتُ أعتقدُ بأنني لم أصل للمستوى الذي أطمح إليه بعد, ولكن التحدي بيني وبين نفسي يزيد إلتهاباً بعد قراءتي لردودكم الرائعة.

فشكراً لكم جميعاً, أنتم من ساعدني لأصِل إلى هنا, وأتمنى أن أتمكن من إكمال مشواري بصحبتكم.

حسناً, بعد أن قلتُ ما أريد قوله, إليكم الجزء الجديد (الطويل نسبياً) والذي أرجو أن يعجبكم.
الفصل السادس
-----------------------------------

لا تُطِلِ النظر في الجحيم, وإلا سينظر الجحيم إليك.

-----------------------------------


لم يلبث على خروج (آرثر) و (أمورا) سوى بعض دقائق حتى بدأ (لورانس) و (يوهانا) أحد جدالاتهما مجدداً, وكان الموضوع هذه المرة هو محتويات الحقيبة من الطعام.
"كيف لك بأن لا تحضري الصلصة الحارة في رحلة كهذه يا (هانا)؟ ألا تعلمين أنني لا أتناول شيئاً بدونها؟ ألا تفكرين في أصدقائك أيتها البليدة؟".

"أمن الحكمة أن تصفني بالبليدة والطعام طعامي؟ أعتقد أنني سأتركك تتضور جوعاً كالكلاب المشردة!".

"بليدة وقاسية!".

كانت أصواتهما المتعالية تدفع (نويل) للإبتسام. في وقت كهذا, حتى والخطر يحيط بهم من كل جانب, كانت بعض الأشياء لا تتغير. (لورانس) و (يوهانا) مازالا يتجادلان كطفلين في ساحة المدرسة, (آرثر) ما زال متماسكاً وهادئاً كالجبال, وهو مازال يفكر في أعماله التي تركها للقدوم إلى هنا. ولكن شيئاً واحداً تغير بشكل كبير منذ وصولهم إلى هذا المنزل المشؤوم.

(أمورا).

لسبب ما, بالرغم من أنها ما زالت تلك الفتاة الرقيقة الخائفة التي رافقها منذ الصغر, إلا أنه يشعر بشيء ما يختلف عن كل ما يعرفه عن (أمورا), شيءٌ يتحرك ببطء قاتل تحت مظهرها الكسير, وكأنه سمٌ ينتشر في أرجاء روحها تدريجياً. ولكن, أخبر (نويل) نفسه, مَن من الناس سيبقى طبيعياً بعد حدوث كل هذا لهم؟ إنهم حتى لا يملكون وسيلة للخروج من المأزق الذي وقعوا فيه.

"...(نويل)؟"

قاطعت (يوهانا) أفكاره المتشائمة فنظر نحوها راسماً إبتسامة سريعة على شفتيه: "أوه, عفواً (هانا), يبدو أنني لم أكن منتبهاً. هل قلت شيئاً؟"

"هل تشعر بتحسن الآن؟", نظراتها القلقة دفعته للإبتسام أكثر ليظهر لها بأنه لا داعي للقلق.

"نعم, بكل تأكيد. لقد كنت متعباً فقط, إنها إصابة طفيفة."

"في هذه الحالة, هل لك أن تخبرني عن قدومك إلى هنا؟ متى أتيتم؟ ومن كان معك؟".

أطلق (نويل) ضحكة قصيرة قبل أن يجيبها: "يا له من سؤال غريب. ولكن حسناً, فلنر...هممم...لقد إنطلقنا من المدينة في تمام الساعة الثامنة صباحاً ووصلنا في تمام الساعة الحادية عشرة صباحاً على ما أعتقد وأكملنا الباقي سيراً على الأقدام, أنا و (أمورا) و...من أيضاً؟...أكان (ساي) معنا؟ أم (آرثر)؟". صمت (نويل) لبرهة وهو يقلب خبايا ذاكرته بينما شَعَرَ بقبضة باردة تعتصر قلبه فجأة.

"...يا إلهي...لماذا لا أستطيع تذكر ذلك؟".

وضع يده على جبينه وبات يعتصره وكأن ذلك سيتسبب في خروج المعلومات التي كان يحاول جاهداً تذكرها. كانت محاولاته لإسترجاع الوجوه التي رافقته إلى هنا تشبه محاولة النظر إلى تلفاز يستمر في تغيير قنواته كل ثانية. العديد من الصور السريعة تمر في ذهنه, ولكن أياً منها لم يكن واضحاً.

(ساي)؟ (أمورا)؟ أم كلاهما؟ أم شخص آخر مختلف تماماً؟ إنه لم يعد يثق في ذاكرته على الإطلاق.

-----------------------------------

كان البهو هادئاً وخالياً.

المصابيح الكريستالية مازالت تتوهج بخفوت لتضفي بعض الإضاءة والدفء على المكان, بينما لم تترك معركتهم السابقة مع الطفل الشيطاني أثراً في المكان سوى بعض البقايا الخزفية المحطمة. لمح (آرثر) الحقيبة التي جاؤوا من أجلها وهي ترقد على الأرضية الرخامية, وبنظرة سريعة حوله تأكد بأن المكان خال فعلاً قبل أن يتقدم نحوها ويحملها بحركة رشيقة.

"حسناً, يبدو المكان آمناً...حتى الآن...", قالت (أمورا) وهي تتبعه عن قرب وعيناها تدوران في المكان.

" إننا لا نعلم إلى متى سنبقى محتجزين هنا. ولكن لحسن حظنا فإن الماء متوفر وكذلك الكهرباء. وبما أن الغرفة التي تركنا البقية فيها واسعة بما فيه الكفاية, فأعتقد بأننا سنتمكن من الصمود إلى أن نجد حلاً يخرجنا من هنا."

لم يكن (آرثر) على إستعدادٍ لإخبار (آمورا) بأنه ليس متفائلاً جداً حول فرص نجاتهم لو استمر الوضع على ما هو عليه, يبدو أن طبيعة الضابط المتأصلة فيه تمنعه من ذلك.
بالرغم من معرفتهما بالنتيجة مسبقاً, فقد توقفا أما الباب الرئيسي وحاولا فتحه دون جدوى. بعد زفرة يائسة تخلى (آرثر) عن المحاولة واستدار ليتجه صوب السلالم. لقد كان محقاً, لابد لهم من إيجاد طريقة أخرى فهذا الشيءُ لن يتحرك.

هل هو خياله أم أنه يسمع صوتاً ما قادماً من الممر الأيسر؟

كان إتساع عيني (آمورا) يدل على أنه لا يتخيل الصوت الذي بدا كصوت طرقات مكتومة في مكان بعيد. لم يستطع تمييز ماهيته, ولكن الصوت كان يتوقف ثم ينطلق مرة أخرى بعد وهلة. شعر (آرثر) بالرغبة في حمل مسدسه ليشعر ببعض الأمان, فقام بإخراجه من جيبه وأمسك به وهو يسير بحذر مترقب نحو الممر الذي امتد على يساره.

"...(آرثر)...فلنذهب بسرعة, أرجوك..."

أصبح من الواضح بأن الصوت قادم من خلف أحد الأبواب الخشبية المنتشرة في الممر. وبالرغم من نبرة (أمورا) المتوسلة, لم يتمكن (آرثر) من مقاومة رغبته في محاولة فتح الباب. وقف بتأهب أمام الباب المقصود ومد يده نحو المقبض.

كان الباب موصداً بإحكام.

"...أرجوك, ليس هناك أي داع لنبقى هنا...فلننطلق إلى الأعلى ونعد للآخرين."

بعد لحظة من الصمت هز (آرثر) رأسه موافقاً (أمورا) على كلامها, وانطلق كلاهما عائدين للطابق الثاني قبل أن يقعا فريسة لأي هجوم مفاجئ بينما كان الصوت يخفت تدريجياً وهما يبتعدان عن الباب.

-----------------------------------

إنشغلت (أمورا) بترتيب الغرفة بعد الفوضى العارمة التي اجتاحتها, فقبل عدة دقائق لم يكن ليخطر على بال أحدٍ بأنهم كانوا مهددين بالموت سابقاً. جلسوا جميعاً لتناول الأطعمة الخفيفة التي حملتها الحقيبة بينما بدأ التوتر يتبدد تدريجياً من الغرفة مع صوت ضحكات (لورانس) الرنانة وهو يتمتع بإغاظة (يوهانا) كالعادة, وما لبث الجميع إلا برهة حتى بدأوا مشاركتهما ضحكاتهما.

بعد أن قضت المجموعة فترةً لا بأس بها في الأكل والمزاح –وكأنهم كانوا يحاولون لاشعورياً تجنب الواقع الأسود الذي أحاط بهم- قام (نويل) بإخبارهم أنه من الأفضل لهم أخذ قسط من الراحة ما دام الوضع مستتباً.

تم الأتفاق على أن تقوم الفتاتان بالنوم على السرير بينما يقوم الشبان الثلاثة بتدبر أمرهم. إنتهى المطاف بـ (لورانس) على الأريكة و (نويل) على الأرض بجانب السرير واضعاً رأسه على ساعده, بينما جلس (آرثر) مسنداً ظهره ورأسه للجدار المقابل لهم. لم تكن الراحةُ ترفاً يمتلكونه الآن ولكن ما باليد حيلة.

خيَم الصمت على المكان لبرهةٍ والجميع مستلقون في أماكنهم قبل أن يشقهُ صوت (أمورا) وهي تقول بحزن خفيض: " هل سنخرج من هنا أحياءَ يا ترى...؟"

لم تتلق جواباً مباشراً على سؤالها الكئيب الذي عَلِقَ في الجو لفترة كغمامة سوداء قتلت مرحهم المؤقت, ولكن سرعان ما ابتسم (آرثر) ورفع رأسه لينظر للسقف قبل أن يقول بنبرةٍ هادئة مُطَمئنة: "سنخرج حتماً, وسنخرج معاً. سنجدُ (ساي) ونترك هذا كله خلفنا, وستصبح مجرد قصةً نحكيها لأحفادنا مستقبلاً."

ضحكت (يوهانا) بتوتر: "تبدو واثقاً جداً من ذلك (آرثر)".

"إنه عملي, أي ضابط يحترم نفسه سيكون واثقاً مما يقوله, حتى وإن كنت مؤمنا بأن أحداً لن يصدقنا."

"لطالما كنت كذلك حتى قبل أن تصبح ضابطاً, (آرثر)", هتف (لورانس) بذلك وهو يُطِلُ على صديقه من الأريكة.

"لسببٍ ما, أفشلُ في استيعاب أن (آرثر) قضى أكثر من خمسة عشرة سنة برفقتك يا (لورانس), إنني لا أستطيع تخيلك كَطفلٍ حتى.", قرر (نويل) مشاركتهم الحديث فيما يبدو.

أجاب (لورانس) بإبتسامة مغرورة: "لقد كنتُ طفلاً ظريفاً للغاية!".

"أشكُ في ذلك بكل صراحة.", همست (يوهانا) وهي تسدد له نظرةً مُزجت فيها السخرية بعدم التصديق.

تَبِعَ ذلك ضحكةٌ من (نويل) نجح في كتمها سريعاً, بينما حاول (لورانس) جاهداً إقناعهم بصحة كلامه.

كانت (أمورا) هي الوحيدة التي لم تنضم إليهم, فبالرغم من جو الألفة والمرح الذي أحاط بأصدقائها, بقيت هي صامتةً و مفضلةً النوم ووجهها يقابل الجدار بجانبها حتى لا يتمكن أحدٌ من رؤية عينيها الباكيتين.

-----------------------------------

أصواتٌ بعيدةٌ متداخلةٌ تطفلت على نومها الذي خلا من الأحلام.

".... هذا مستحيل!".
أهذا صوت (لورانس)؟

" لست أعلم أكثر مما تعلمه أنت...فالــ..."
تقطعت الأصوات وهي تحاول تصفية ذهنها من آثار النعاس.

" ولكن من الذي فَعَلَ ذلك؟!".
لِمَ يبدو (نويل) غاضباً هكذا؟

"(أمورا)...؟ (أمورا)!"
صوتٌ أنثوي مرتبك ينطق بإسمها لينتزعها من براثن النوم نهائياً.

فتحت عينيها الجميلتين ليستقبلها وجه (يوهانا) القلق, يبدو أنها تحاول إيقاظها منذ مدة. لم تكن (أمورا) تتوقع بأنها ستنام بهذا العمق.
اعتدلت في السرير ببطء وهي تهز رأسها بخفة, وسرعان ما لاحظت بأن جميع الأعين في الغرفة موجةٌ إليها.
"ماذا...حدث؟", نظرت إليهم جميعاً بعدم فهمٍ منتظرة أن يقوم أحدهم بتفسير ما يجري.
ولكن بدلاً من ذلك, تقدم (آرثر) نحوها وهو يقدم لها شيئاً ما. مدت يدها النحيلة المرتجفة لتأخذه.

لقد كانت ورقةً مطويةً زاهية الألوان. تناولتها بحذر وهي ما زالت تتساءل عن ماهية ما يحدث, فتحتها لتجد بداخلها مفتاحاً برونزياً بسيطاً وبأن باطنها الأبيض قد خُطَت عليه عدة كلمات بخطٍ منمق.

" إتبعوا صوت الطرقات, الشخص الذي يتذكر سيخبركم بكل شيء."

قرأت الكلمات المبهمة بصوت متحشرج, ثم رفعت عينيها ببطء لتنظر إلى أصدقائها الذين بدت عليهم الحيرة والتوتر وقد شحب وجهها بشدةٍ ملحوظة.

كان (نويل) أول من يتحدث: "لقد وجدناها على الأرض, قام أحدهم بتمريرها أسفل الباب...ألا يبدو هذا مألوفاً؟".

"مالذي يفترض بنا فعلهُ الآن؟ لا نستطيع أن نصدق كلاماً مريباً كهذا ونحن حتى لا نعلم من قام بكتابته. مالذي يعنيه ذلك أصلاً؟", كان توتر (لورانس) ظاهراً بشدة في كلماته العصبية.

أجابته (يوهانا): "هل لدينا خيارٌ آخرٌ؟ ربما كان خلاصنا يكمن في تلبية هذا الطلب الغريب."

"وربما كان ذلك الطفل من الجحيم يحاول الإيقاع بنا!", هتف بها بحدة.

"بربك (لورانس), هل بدا عليه بأنه من النوع الذي سيلجأ لحيك المكائد؟ كل ما كان يفعله منذ وصولنا هو ملاحتقنا معتمداً على قوته الكاسحة!".

قبل أن يتصاعد جدلهما أكثر من ذلك, تنحنح (آرثر) وقال: "أعتقد بأنني أعرف المكان المقصود, لقد مررنا أنا و (أمورا) بباب تصدر من خلفه أصوات طرقات غريبة, ولكنه كان موصداً. لابد من أن هذا المفتاح سيتولى أمر فتحه."

"ولكن....", لم يبدُ على (نويل) الإقتناع وإن لم يكن يرغب أيضاً في الإعتراض فكلام (يوهانا) صحيح, ليس لديهم فعلاً خيارٌ آخر.

أتبع (آرثر) بحزم: " لن نخسر شيئاً من التجربة. أُفضِلُ قضاء نحبي وأنا أحاول عوضاً عن التقوقع هنا كحيوانٍ حبيس."

لم يكن هناك الكثير ليُقال بعدها.

-----------------------------------

لم يبدُ (آرثر) كضابط من قبل كما بدا عليه الآن, فقد كان يمشي في مقدمة المجموعة منتصباً وقد صُبِغت عيناه بالعزيمة التي طغت من روحه. كان يعاهد نفسه على أن يقوم بإخراج الجميع من هنا سالمين. إنها مسؤوليته, إنه واجبه تجاههم. ورغم أنه لا يستطيع توقع ما سيحدث عندما ينفتحُ هذا الباب الغامض, إلا أنه أولج المفتاح في فتحة القفل بكل ثبات, وقام بإدارته مرتين حتى سمع صوت تكة معدنية صغيرة.

لم يجرؤ أحدٌ على التفوه بشيء وقد حُبست أنفاسهم توتراً وترقباً لما سيجري, ولكن كل ما حدث هو دفعُ (آرثر) للباب لتظهر من خلفه مجموعةٌ من السلالم البسيطة المتجهة للأسفل.

" يبدو...أنه قبو..", قالت (يوهانا) وهي تُطِل من خلفه لتلقي نظرة.

لم يكن المكان مكتوماً بنفس الطريقة التي يمكن لقبو لم يفتح من سنوات أن يكون عليها, لابد من أن أحدهم كان هنا قريباً. إنتبه (آرثر) إلى أنه لم يسمع صوت الطرقات هذه المرة.

محاولاً الحفاظ على رباطة جأشه, تابع (آرثر) السير نحو السلالم ليهبط بيها إلى حيث تأخذه بينما تبعه الآخرون بتردد.

لقد كان فعلاً قبواً شبه مظلم.

لم تكن هنالك العديد من الأشياء في هذا المكان, فبإستثناء عدد من الصناديق الكبيرة التي غلفها الغبار, وبعض الأرفف الخشبية الثقيلة التي حملت أنواعاً متفرقةً من الأوعية والأدوات, لم يكن هناك شيءٌ غريب.

ربما بإستثناء الجسد الذي تكوم في أقصى الأركان وقد امتد حبلٌ سميك ليحكم إيثاق اليدين اللتان رُبطتا خلف ظهره بأحد الأرفف الخشبية. كان جسد الشخص يتحرك ببطء وهو يسحب أنفاسه بثِقَل ظاهر بينما كانت عيناه شبه المغلقتان تنظران بعدم تركيز إلى المجموعة التي بدأ يعتريها الجزع.

تقدم (آرثر) ببطء من الشخص الملقى وهو يشعر بدقات قلبه تتسارع, لم يكن يحتاج للإقتراب أكثر لكي يعرف من هو.

لقد كان (ساي).

-----------------------------------

صوت الأمواج التي ترمي بنفسها على أحضان الشاطئ الصخري مصدرةً سيمفونيةً رتيبة مُزِج برائحة الهواء الرطب الذي تشبع من ملوحة البحر وعبقه المميز ليُشكل خلفيةً رائقة لمنظر المحيط المتلألي تحت ضوء القمر الفضي, هي ليلةٌ جميلةٌ بحق.

(( "...لماذا؟..." ))

الحركة مؤلمة, أصابعه الصغيرة كانت ترتجف ببطء, يكاد الجفاف أن يفتك بحلقه لذا فقد فضل البقاء صامتاً رغم أن كل ما يريد فعله الآن هو البكاء بأعلى صوته.

(( "...لماذا فعلتَ هذا بي؟..." ))

قهقهةٌ عاليةٌ أتت من الغرفة المقابلة شقت بوقاحةٍ هدوء الليل بينما كان ذلك الشاب يقول لزميله شيئاً لا يدري هو عن كنهه.

(( "...أريد العودة..." ))

بقي جسده الضئيل متمدداً بلا حراك في ركن الغرفة التي صبغها الصدأ بلونٍ بنيٍ كئيب, كم هو بغيضٌ هذا المنظر. لقد اشتاق لغرفته النظيفة, لرائحة الكعك والزهور القادمة من المطبخ, لأصوات الطيور التي كانت تطربه كلما فتحَ النافذة صباحاً. ولكن هاهو الآن في هذا المكان العطن ذي اللون البني الكريه, وقد أصبح لا يدري إن كان سيعود لحياته السابقة مجدداً.

أغمض الطفل عينيه بقوة محاولاً سد الطريق أمام تيار الدموع الذي كاد يطفح من مقلتيه بينما ألقم نفسه طرف إبهامه ليعض عليه, لقد بكت عيناه بما فيه الكفاية, لدرجة أن الألم الحارق في عينيه بدأ ينافس أوجاع قلبه الصغير.

ولكن عذابه لم يدم طويلاً, حيث بدأ وعيه يخبت تدريجياً حتى إنطفأ تماماً, ولكن ليس قبل أن يسمع صوتاً بعيداً مكتوماً يناديه بإسمه تكراراً.
(ساي)؟...(ساي)!!".

رفرف جفناه ببطء لعدة مرات قبل أن يبدأ بالتفتح على مهل. نظرةٌ نَعِسةٌ ملأت العينين البنيتين الفاتحتين لوهلةٍ قبل أن يبدأ (ساي) في تجميع وعيه وأفكاره رويداً. هل حقاً يرى بحراً يتموج أمامه؟ بعد أن ضيق عينيه ليدقق فيما كان ينظر إليه بدأ نظره يصفو تدريجياً وإتضح له بأن ما كان يراه هو عينان واسعتان سبحتا في الدموع.

"....أمي؟".

"أنا لستُ أمك قطعاً ولكنني مسرورة جداً لأننا وجدناك سالماً...شكراً لله...", تبسمت (أمورا) الباكية وقد تلون وجهها بالإحمرار المصاحب للبكاء مع خطوط جافة شقتها الدموع على خديها.

وكأنما قام أحدهم بإلقاء الماء البارد عليه, إستعاد (ساي) صفاء ذهنه وذكرياته فجأة, وجاء معها شعورٌ بأن وجهه سيحترق من الخجل جراء ندائه لـ (أمورا) بأُمه, ولكنه أمسك بزمام شعوره هذا وأجبره على البقاء بعيداً عن ملامح وجهه.

"إذن لا تقتربي مني لهذه الدرجة! بربك (أمورا), ألم تسمعي بالمساحة الشخصية؟!".

بدأ يرفع جسمه ببطء عن السرير الذي حمله. هذا غريب, كيف وصل إلى هنا؟ آخر ما يتذكره هو وجوده في القبو مقيداً ومكمماً لمدة بدت كالدهر بعد أن قضى أغلبها في ركل الصناديق والأرفف الخشبية أملاً بأن يسمعه أحدهم. أعادت له هذه الأفكار مجموعةً من المشاعر المختلطة والتي نسيها لوهلة, ما زال يشعر وكأن رأسه يتمايل بخفة كبالون مملوء بالهواء.

تنقل نظره بسرعة عبر وجوه أصدقائه. (آرثر) الواقف في الخلف يبادله النظر بينما ارتسمت إبتسامةٌ مطمئنة على محياه الهادئ. كانت يدا (يوهانا) تعملان بنشاط لسحب الوسائد وترتيبها خلف ظهره حتى يتمكن من الجلوس, رغم أنه لم يكن بحاجة لذلك فعلياً. حتى (لورانس) الذي لم يتفق مع (ساي) يوماً كانت تبدو عليه أمارات الإرتياح. كانت سعادتهم شيئاً طبيعياً فقد توقعوا حدوث الأسوأ عندما وجدوه بتلك الحال المزرية في القبو.

وضع (نويل) يده بخفة على رأس صديقه ذو الشعر الطويل وهو يبتسم ببهجةٍ إبتسامته الصافية.
" مرحباً بعودتك يا فتى, سأجعلك تدفع ثمن القلق الذي سببته لي لاحقاً. ولكن أنا أسعدُ من أن أفكر في ذلك حالياً.", ها هو يعود إليهم سالماً بعد أن كاد اليأس أن يتمكن منهم. لقد كان (آرثر) محقاً فعلاً, فقد وجدوا (ساي) ولم يبق سوى إيجاد طريقة للخروج من هذا المكان.

"إبق كما أنت ولا تتحرك كثيراً, هذا كل ما تحتاجه حالياً. لقد قمت بغسل الجرح ولكنه لحسن الحظ ليس عميقاً, فلا تقلق.", قالت (يوهانا) بلهجة عمليةٍ وهي تقوم بتطبيق معطفه الذي لم ينتبه على أنه خُلع من فوقه سوى الآن.

" (ساي), مالذي حدث لك؟".
" لقد قلقنا عليك كثيراً...".
" من فعل بك هذا؟".

هز (ساي) رأسه ببطء وهو يرفع يده لتزيح بعض خصلات الشعر التي تناثرت على جبينه. كان هو نفسه يرغب بمعرفة أجوبة هذه الأسئلة.

" أنا...-رفع رأسه بتمهل شارد-...لا أعلم...", وقبل أن يعلق أحدهم على كلامه أردف قائلاً: " لقد تركت لكم رسالتي. أحدهم كان يناديني, لقد خرجتُ لأحاول معرفة مصدر الصوت, ولكن...", تحرك إبهامه إلى فمه ليقوم بعضِ طرفه في حركة يعرفها (نويل) جيداً, فقد كانت هذه إحدى الحركات التي يقوم بها (ساي) لاشعورياً في حالِ شعوره بالتوتر.

"...ولكن؟", حَثهُ (آرثر) على الإستمرار بينما بقي الآخرون ينصتون بإهتمام مترقب.

" أحدهم...شخصٌ ما هاجمني من الخلف حالما ابتعدتُ عن الغرفة. ذلك القذر السافل...لم تتسنى لي رؤيته ولكنه كان طويلاً وقوياً, لذا فلا يمكن أن يكون هو ذلك الطفل الشاحب الذي رأيناه مسبقاً. لقد قام بشل حركتي وضغط بأصابعه على عنقي بطريقةٍ ما, حاولت مقاومته ولكن...تباً...-تحركت يده لتمرر أصابعها على الجرح الممتد أسفل نحره وكأنه يحس به للتو بينما قبضت يده الأخرى على ملاءة السرير بحقد-...أكره الحقراء الذين يهاجمون الآخرين من الخلف!".

غمغم (آرثر) لنفسه بصوت لا يسمعه سواه: " حركة يمارسها أعضاء الجيش والشرطة لشل المجرمين العنيفين وإفقادهم وعيهم...", كانت عجلات دماغه تدور بأقصى سرعةٍ وهو يحاول تحليل هذه المعلومات التي تلقاها.

كاد (نويل) أن يتلفظ بشيء لتهدئة (ساي) الذي بدا عليه غضبٌ يتنافى مع طبيعته اللامبالية, ولكن (آرثر) لم يترك له الفرصة لفعل ذلك حيث ألقى لـ (ساي) بسؤاله التالي مباشرةً.

" (ساي), هل تتذكر مع من جئت إلى هنا؟".

"مالذي تقصده؟ أنا لستُ عجوزاً خَرِفاً بعد, بالطبع أتذكر! لقد أتيتُ إلى هنا برفقتك أنت و (نويل) و (أمورا), ألم تضطر (يوهانا) لإيقاظ اللوح (لورانس) وبالتالي تأخرا على موعد القطار واضطرا لأخذ القطار التالي؟".

"أدعوتني باللوح للتو يا وجه الفتاة؟! لم تصرون جميعاً على هذا المزاح الثقيل؟ ألا تلاحظون بأنكم تذكرون كلاماً مختلفاً في كلٌ مرة؟!".

"كلاماً مختلفاً في كل مرة؟", نظر (ساي) لمن حوله بحيرةً حقيقية, "هلا قام أحدكم بشرح ما حدث هنا عندما كنتٌ منشغلاً بكوني حبيساً؟".

"إن أياً من ذكرياتنا لا يتطابق, هذا يعني بأنه ليس هو "الشخص الذي يتذكر" على الأرجح.", زفرت (يوهانا) بيأس.

"..........أنا آسفة...."

كانت (آمورا) صامتةً طول هذا الوقت مما جعل الآخرين ينسون وجودها تماماً حتى تمتمت هي بهذه الكلمات. كانت تشهق بخفوت وجسدها يرتجف وكأنها على وشك البكاء مجدداً.

"....أنا آسفةٌ حقاً........لم أخبركم بذلك من قبل, ولكنني أنا التي أتذكر...أتذكر كل شيء...".

لم يتمكن أي منهم من سؤالها عما تقصد حيث فاضت دموعها التي تسابقت معها للإنهيار على الأرض.

-----------------------------------

الـــســـاعـــة الأولـــى

الرعب, الذنب, الألم, الحزن, الرغبة في النجاة.

كان إعصار المشاعر الذي يعصف بداخل (أمورا) يختلط مع ضربات قلبها التي تسارعت بجنون وهي تدفع باب الغرفة متجهةً للداخل هرباً من الكائن الشيطاني الذي سيأتي ليخطف حياتها لا محالة.

تحرك الباب بعنف إثر اندفاعها بينما إستقبلها صوت الساعة الخشبية الكبيرة التي وقفت بشموخ في الغرفة. صفقت الباب خلفها ثم أكملت إندفاعها نحو أحد المقاعد الثقيلة وسحبته بصعوبةٍ لتضعه خلف الباب على أمل أن ذلك سيمنع مطاردها من الوصول إليها. كانت تحادث نفسها بطريقة أشبه ما تكون بالهذيان.

"...يا إلهي...لا...هذا لا يحدث.....هذا لا يحدث...."

تباطأت خطواتها تدريجياً وهي تلهث وتشهق بعنف, ما حدث لم يكن ليفارق ذهنها ولو لثانية.

" لقد ذهبوا...............لقد ماتوا....جميعاً...ذهبوا وتركوني وحيدة....رباه لا تجعل هذا يكون حقيقياً...أين هذا المفتاح التعس؟...يا إلهي...فلينجح هذا, أرجوك...", تقطعت كلماتها وهي تبحث بيدٍ مضطربة في أرجاء حقيبتها بينما كانت تدعي في سرها بأن لا ينتهي أمرها هنا.

وكأنما كان ينتظر هذه اللحظة, إقترب صوت خطواتٍ من الغرفة زاد من جنونها وهي تدعي وتهذي, ولكنها وجدت ضالتها أخيراً فانطلقت نحو الساعة ويدها المرتجفة تحمل المفتاح الأسود النحيل المزخرف بنقوش بديعة, وبحركة سريعة أولجته في الفتحة التي توسطت قرص الساعة بينما تعالى صوت الضربات الغاضبة التي بدأت تنهال على الباب من الجانب الآخر.

أدارت المفتاح وهي تصرخ بكل ما أوتيت من قوةٍ: " يا إلهي لا تجعل هذه هي النهاية!!!".

-----------------------------------

الـــســـاعـــة الـــثــــانـــيــــة

"لم لا تصدقونني؟! (ساي)! توقف أيها الغبي الأحمق!".

هتفت (أمورا) بـ (ساي) الذي تخطاها بإتجاه باب المنزل القديم الضخم غير مبالٍ بصراخها, هز كتفيه وهو يقول بمرح: " صدقاً (أمورا), إن كنت لا تريدين المجيء فلا تفعلي. ليس هناك من داعِ لأن تخترعي قصة كهذه, لقد كنتُ أظنُ بأن لديك خيالاً أوسع من ذلك."

"(نويل)...أرجوك...أنت تصدقني, أليس كذلك؟", نظرت لإبن عمها بكلِ ما ملأ قلبها من رجاءٍ ليصدق قولها ويستمع لكلامها.

ولكن الشاب اكتفى بالإبتسام بلطف وهو يجيبها: " أنا أوافق (ساي), لا داعي لأن تجبري نفسكِ على الدخول من أجلي, سأحاول أن أنهي الأمر بسرعةٍ وبإمكانك إنتظارنا خارجاً إن أردتِ."

وضع (آرثر) يده على كتفها ليطمئنها: " فعلاً ليس لأحد أن يجبرك على الدخول, ولكن أليس من الخسارة بقاؤك في العراء بعد أن قطعتِ كل هذه المسافة؟".

"المشكلة ليست في وجودي داخلاً أو خارجاً أيها المغفلون!", صرخت بعصبية وهي تدق الأرض بعنف بقدمها وكأنما تحاول إخراج بعض حنقها منهم فيها, بينما تقدم الشبان الثلاثة نحو الباب الخشبي بخطى حثيثة متجاهلين تحذيرات صديقتهم الغاضبة.

-----------------------------------

الـــســـاعـــة الـــثــــالـــثــــة

"مالأمر يا (أمورا)؟ تبدين شاحبةً جداً. هل تعانين من شيءٍ ما؟".

"لا...لا, أبداً...هل تعلم إن وصل الآخرون؟", كانت الكلمات تخرج من فاهها برتابةٍ وهي تنظر أمامها بعينين خاملتين كأنها إنسانٌ آليٌ مبرمج.

نظر (نويل) إليها بتساؤل قبل أن يجيب: " لقد انطلقوا من المدينة قبلنا لذا أتوقع بأنهم قد سبقونا للمنزل, أتوقع أيضاً بأن (ساي) و (لورانس) يقومون بالتناحر لدرجة تجلب الصداع, إنني أشفق على (آرثر) و (يوهانا) لإضطرارهم لتحمل ذلك."

توقع منها رداً حماسياً موافقاً كما هي العادة, ولكنها اكتفت بهز رأسها بالإيجاب ببطء وكأنها لم تعي أصلاً ما قاله.

لم يصدقها أحدٌ المرة السابقة, رغم توسلاتها وبكائها وصراخها لم يصدقها أحد, وساروا جميعاً لحتفهم تماماً كالمرة الأولى. مالذي يفترض بها أن تفعله؟ أنها تعود في كل مرة أما باب المنزل الشؤوم التعيس, بدون أي خيار للتراجع أو إصلاح الأمور. كل ما بإمكانها فعله هو التقدم مع بقية أصدقائها رغم معرفتها بما ينتظرهم في الداخل. كانت تظن أنها ستتمكن من تجنب ما سيحدث بما أنها عاشتهُ مرتين سابقاً, كل ما عليها فعله هو جعلهم يتبعون مساراً مختلفاً من الأحداث هذه المرة, ربما....ربما كانت هذه هي الطريقة الصحيحة لمواجهة هذا الجنون.

-----------------------------------

الـــســـاعـــة الـــرابـــعـــة

لم تنجح محاولتها في المرة السابقة أيضاً.

بالرغم من تغير الأشخاص الذين تجدهم معها أمام المنزل في كل مرة, إلا أن النهاية بقيت كما هي, جميعهم يذهبون ويتركونها. فكرت لوهلةٍ أنه بإمكانها الهرب لوحدها على الأرجح هذه المرة أيضاً...ليس هناك شيء تستطيع فعله...تكرارها لنفس السلسلة من الأحداث لم ينقذ أحداً. ولكن جميع أفكارها بالهرب وحيدة تم قتلها في المهد من قِبل ضميرها الذي لم يسمح لها بتقبل فكرة ترك أصدقائها يلقون حتفهم هكذا, هنا في هذا المكان الداني, وبهذه الطريقة البشعة. إنها ليست أذكاهم ولا أشجهعم, والسبب الوحيد لنجاتها في المرة الأولى هو حظها في كونها التي وجدت الكتاب ومفتاح الساعة بالإضافة إلى كونها أسرعهم هرباً.

كان المنزل البغيض يلوح لها في الأفق بينما تبعها (ساي) و (نويل) بتمهل.

أغمضت عينيها وأخذت نفساً عميقاً من نسيم الربيع العليل وهي تتمتم لنفسها: "كوني قويةً يا (أمورا)....من أجلهم كوني (قوية). تصرفي بطبيعتك, لا تجعليهم يشعرون بشيء...بإمكانك تدبر هذا الأمر وحدك, قومي بتجنب الأخطاء التي وقعتِ فيها سابقاً, لابد من أن شيئاً ما سيتغير...."




الـــســـاعـــة الـــرابـــعـــة -إنتهى-


خطوةٌ أخرى نحو الطريق المؤدي إلى الحقيقة, ولكن هل تجعلك الحقيقةُ شخصاً أسعد؟
]


 
 توقيع : ساي

دخول متقطع .


رد مع اقتباس
قديم 09-22-2022, 12:30 PM   #8
ساي
عضو جديد


الصورة الرمزية ساي
ساي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1308
 تاريخ التسجيل :  Jul 2020
 المشاركات : 2,291 [ + ]
 التقييم :  3532
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Silver
شكراً: 0
تم شكره 4 مرة في 4 مشاركة

مشاهدة أوسمتي



. مساء الخير والهناء والرضى لكم جميعاً..... أو مساء الإجتهاد والمذاكرة إن كنتم من الأشخاص الذين مازالوا يعانون من الإمتحانات.
(( إن كنتم كذلك, مالذي تفعلونه هنا؟! عودوا بسرعة للإستذكار! ))

حان الوقت لوضع جزءٍ جديد سيكون خاتمة هذه المرحلة من القصة, ولكن لن أُطيل عليكم بالتفاصيل وسأترك لكم التعليق بعد قراءته.

يجبُ علي إخباركم مسبقاً بأن هذا الجزء يحتوي على القلييييييل من الدماء, وعلى ذلك وجب التنويه.

الصورة المستعجلة التي قمتُ برسمها ليست جيدةً بما يكفي, ولكن ما باليد حيلة.

(( ملاحظةٌ صغيرة لذاتي: توقفي عن الكتابة تحت تأثير الشوكولاتة. ))

حسناً, يكفي ثرثرةً الآن, فلندخل إلى المنزل مرةً أخرى فاليل مازال في بدايته, وأمامنا الكثير لنراه هناك

الفصل السابع
-----------------------------------

ماهي النهاية؟ أوليست فقط نقطة البداية لشيء آخر؟

-----------------------------------



ساد الصمت المهيب على المكان والموقف.

لم يتحرك أحد, لم يتكلم أحد. ولكن وجوههم جميعاً حملت الكثير والكثير من الدهشة والخوف وحتى الإستنكار, فالقصة التي سمعوها للتو من (أمورا) بدت أقرب للمزاح منها للواقع. وبالرغم من أنها أخرجت كتاباً قديماً ومفتاحاً أسود اللون من حقيبتها ووضعتهما على الطاولة, إلا أن ذلك لم يجعل الأمر أسهل تصديقاً, وحتى (نويل) المساند لها دائماً وأبداً كان يلقي بنظرات متشككة نحو قريبته.

كانت (يوهانا) أول من يصدر صوتاً فقد تنحنحت بنعومة بعد أن شعرت بكمية الحرج والإنكسار الذي كاد يقطر من (أمورا) بينما الكلُ يفحصها بنظره ويشكك بسلامة عقلها, ثم أتبعت ذلك بإلتقاطها للمفتاح ورفعته للتأمله ملياً.

لم يبدُ كالمفاتيح العادية ولا كالتي رأوها سابقاً في هذا المنزل, بل كان هذا المفتاح خفيفاً رفيعاً نسبياً تزين طرفه الآخر بدائرة ملأتها النقوش الصغيرة. وبغض النظر عن لونه الأسود اللامع فلم يكن هناك شيءٌ آخر يستدعي الإنتباه فيه.

"مفتاحٌ غريبٌ فعلاً. أين وجدته يا (أمورا)؟".

رفعت (أمورا) عينيها وقد عاد إليها بصيص الأمل بوجود من يصدقها فأسرعت بالإجابة: "في الغرفة التي توجد بها الساعة بالطابق السفلي. وجدتُ الكتاب وكان المفتاح بداخله."

"ومالذي يحتويه هذا الكتاب؟", كان السائلُ هذه المرة هو (آرثر).

"أنها مذكرات أحد الأشخاص الذين سكنوا هذا المكان سابقاً. لم أتمكن من قراءته كاملاً ولكنني عرفتُ بأمر مفتاح الساعة منه."

تقدم (نويل) ببطء نحو الفتاة المضطربة وأمسك يدها بلطفٍ جعلها تنظر إليه بدهشة سرعان ما تحولت إلى الإمتنان. ها هو كالعادة يقفُ بجانبها ليحتوي لحظات ضعفها, تماماً كما كان يفعلُ منذ سنوات طفولتهما. حتى وإن لم يكن يصدق روايتها المجنونة فهذا اللطف يكفيها حالياً.

"حسناً...كانت هذه القصةُ مشوقةً فعلاً, ولكن هل توقعتِ منا تصديقها حقاً؟", قال (لورانس) وهو يحاول جاهداً أن لا يصرخ بوجهها.

"في الواقع –رفع (ساي) رأسه قليلاً وهو يفكر- قصتها لا تبدو مستحيلة التصديق بالنسبة لي."

"نعم, نعم...لا أحد يتوقع منك غير ذلك فأنت الذي تملأ رأسها بهذه الترهات عادةً!", رد عليه (لورانس) بحنق, كيف لهم بأن يصدقوا قصةً كهذه؟!

"إن كنتَ قد كلفت على نفسك بالتفكير لثانيةٍ واحدة للاحظت بأننا في منزل يوجد به صبي لا يموت!", نطق (ساي) الكلمات الثلاث الأخيرة بحدة متصاعدة شاركتها نظرة ثاقبة ثم أردف: "إننا لا نستطيع الخروج, الزمن مضطرب تماماً, ذكرياتنا متخبطة, يوجد كائن ما يلاحقنا, والعديد من الأشياء التي لا تفسير لها تجري هنا. هلا وجدت لي تفسيراً مقنعاً لكل هذا يا صاحب المنطق؟!".

إشتعلت عين (لورانس) بغضب متفجر بعد سماعه لكلمات (ساي) الحارقة وتحرك لا شعورياً بإتجاه الأخير وهو يضم قبضته بشدة, ولكنه سرعان ما وجد (يوهانا) تقف حائلاً بينه وبين (ساي) وهي تقول بحزم: "توقف يا (لورانس)! أنا أيضاً أصدق (أمورا). لا مصلحة لها في الكذب علينا وإختلاق قصةٍ كهذه أبداً. كما أن (ساي) على حق, كلٌ ما يحدثُ هنا غير طبيعي من الأساس."

هدأت نبرتها قليلاً وهي تتابع بعد أن رأت نيران غضبه تخمد ببطء: "ليس هذا بالوقت الذي نقوم فيه بمناقشة من المحق ومن المخطئ, كل ما علينا إيجاده هو طريقةٌ تخرجنا من هنا سالمين, أليس كذلك؟".

هز (آرثر) رأسه موافقاً كلمات الفتاة المتزنة ثم ساندها بقوله: "بإعتبار أن ما تقوله (أمورا) صحيح, إذن فما زال هناك أملٌ لنجاتنا. ومهما كانت (أمورا) محظوظةً فهي لن تستطيع إنجاز الكثير وحدها. من الأفضل أن نعمل سوياً دون الإعتماد على مفتاح الساعة هذا كثيراً, فنحن لا نعلم عن القواعد التي يسير عليها هذا المنزل, لا يبدو أن للمنطق مكاناً هنا."

تهدج صوت (أمورا) وهي تنقل بصرها بينهم متنفسةً الصعداء وكأن جبلاً من الهم إنزاح من فوقها: "شكراً....شكراً لكم جميعاً...إنني حقاً سعيدةٌ لأنكم صدقتموني أخيراً.."

"هذا لا يفسر الشخص الذي هاجمني وقام بحبسي, ولكن ما يهمني حالياً هو ما يجب علينا فعله الآن."

"هل نستخدم هذا المفتاح مجدداً لنعود إلى البداية؟", تساءل (لورانس) الذي يبدو أنه توقف عن محاولة إنكار صحة القصة بعد أن وجدهم جميعاً يدعمون (آمورا) بثقتهم في روايتها. يبدو أنه الوحيد الذي يجد الموضوع بأكمله مستحيل التصديق, ولكنه قرر بأنه لن يجادلهم أكثر, من الأفضل أن يحتفظ برأيه لنفسه.

هز (آرثر) رأسه نافياً: " لا, يبدو أن الشخص الذي يستعمل المفتاح هو فقط الذي يحتفظ بذاكرته, وإن فعلنا ذلك سنعود إلى مربع الصفر مجدداً."

وافقته (آمورا) قائلة: "هذه هي المرة الوحيدة التي تمكن الجميع فيها من البقاء أحياء لهذه المدة, في السابق كان...كنتم...-انخفض صوتها وهي تهمس بألم-...كنتم جميعاً تقتلون بعد فترةٍ وجيزة.", كانت عيناها المسبلتان تخفيان خلفهما الأهوال التي رأتها الفتاة الرقيقة الناعمة منذ أن وطئت قدمها هذا المنزل لأول مرة.

"ولكن هذا شيءٌ جيد, أليس كذلك؟", قال (ساي) بإبتسامةٍ واسعة وهو يتحرك ليفارق السرير وينهض على قدميه بخفة بعد أن نال أكثر من كفايته من الراحة وبدأ يخطو بإتجاه الحمام الملتحق بالغرفة.

"مالجيد في الموضوع بالضبط؟", تساءل (نويل) بحيرة.

"ألا يعني ذلك أننا نسير في الطريق الصحيح هذه المرة؟", أدار صديقه رأسه للخلف بينما وقف عند باب الحمام وأجابه بإبتسامة أكثر إتساعاً.

"والآن إسمحوا لي...أكاد أن أقتل نفسي إن بقيت رائحة ذلك القبو ملتصقة بي هكذا."

-----------------------------------

تحرك (ساي) بتمهل في الغرفة الصغيرة التي أغلق بابها خلفه, وقام برفع قميصه الأبيض بخفة ليخلعه عن جسده قبل أن يقوم بهز رأسه عدة مرات لينسكب بعدها شعره حول عنقه وكتفيه. الإبتسامة التي حملها وجهه تبخرت فور دخوله للغرفة المنعزلة.

تجاهل حوض الإستحمام تماماً واتجه نحو المغسلة الفاخرة عوضاً عن ذلك, فليس هذا بالوقت ولا المكان الذي يسمح له بأخذ حمام طويل. لقد كان صادقاً في رغبته بالإغتسال, ولكنه كان فعلياً يحتاج إلى بعض الوقت وحيداً ليقوم بإعادة ترتيب أفكاره ومشاعره. كان الكثير يحدث حولهم وهم لا يملكون من الأمر شيئاً سوى مجاراة الأحداث ومحاولة البقاء على قيد الحياة. إنه يكره هذا الشعور. الشعور بالعجز بينما العالم يخرج عن السيطرة حوله. ولكنه ما كان ليسمح لنفسه بإظهار عُقَده النفسية هذه أمام أي شخصٍ مهما كان. يبدو أنه مازال يحمل بداخله ذلك الطفل الذي لا يسمح لنفسه بالبكاء إلا إن كان وحيداً وبعيداً عن الأنظار.

ولكنه لن يبكي الآن قطعاً.

كانت أصابعه تعمل على خلع السلاسل الملتفة حول عنقه واحدةً تلو الأخرى, كانت أصوات أصدقائه تصلٌ إليه مكتومةً من خلف الباب السميك إلى أن قام بتحريك المقبض الذي اعتلى الصنبور لتبدأ قطرات الماء في الإندفاع مصدرةً خريراً ملأ أذنيه, وبدأ بغسل وجهه وشعره المنسدل رويداً قبل أن ينتقل إلى عنقه والجرح الذي امتد أسفله, إنه حتى لم يشعر به وقت مهاجمة المجهول له, فقد كان عقله مملوءاً بالرغبة في الخلاص من الذراعين اللتين أحاطتا به بقوةٍ لم يكن يملك ما يعادلها.

نفس الشعور مرةً أخرى... هذا لا يساعده أبداً.... تحسس الجرح ببطء بأطراف أصابعه قبل أن يطلق زفرةً قصيرةً يضع رأسه تحت الصنبور ليغطس في الماء والأفكار.

-----------------------------------

لم يمضِ على دخول (ساي) إلى الحمام وإغلاق الباب خلفه سوى عدةُ دقائق, وكأنما كانت هذه إشارةً ليقوم شيءٌ ما بالحدوث, سمعت المجموعةُ صوت خطوات متمهلة في الخارج تبعتها طرقتان خفيفتان على الباب الغرفة التي تجمع فيها الأصدقاء الخمسة.

تجمد كلٌ منهم في مكانه وقد أجفلتهم هذه المفاجأة الغير متوقعة, ولكن مفاجأةً أكبر كانت تنتظرهم بعدها.

"يجب أن يعيش ساي."
كان الصوت القادم من وراء الباب رخيماً وهادئاً, مألوفاً لهم وغريباً عليهم في نفس الوقت.

"من...من هناك؟!", تحرك (آرثر) الذي كان أول من تمالك نفسه بإتجاه الباب وهو ينتوي فتحه ليرى هوية محدثهم المجهول.

"إياك أن تفتح الباب يا (آرثر), إبق مكانك واستمع إلي إن كنتم تريدون النجاة.", تحدث الصوت مرةً أخرى وكأنه كان يرى ما يحدث في الجانب الآخر.

"كيف تعرف إسمي؟! من أنت؟!", رد عليه (آرثر) بدهشةٍ غلفتها الصرامة بعد أن توقف خلف الباب مباشرةً ويده تكاد تلمس المقبض.

"صدقني, ليس لدي ولا لديكم الوقت الكافي لهذا الحديث, لقد أتيتُ إلى هنا لأدلكم على طريقةٍ تخرجكم من هذه الحلقة المفرغة أحياء, فاسمعني إن كنتَ تريد أن لا تقضوا نحبكم جميعاً هنا. قم بإعطاء الكتاب والمفتاح لـ (ساي), يجب أن يعيش وأن يكون هو الشخص الذي يقوم بإستخدام مفتاح الساعة. أنا آسف ولكنكم لن تستطيعوا النجاة بدون ذلك. مهما كلف الأمر, أبقوه على قيد الحياة, ولا تخبروه إطلاقاً بما سمعتموه مني للتو."

تبادل الأربعة نظرات الحيرة والخوف بينما رد (آرثر) على الصوت المجهول بذات الصرامة: "أعطني سبباً واحداً يجعلني أقوم بتصديقك!".

صمت الصوت لبرهةٍ قبل أن يجيب: "ألم تجدوا (ساي) في المكان الذي تركتُ لكم مفتاحه؟ مالذي سيجعلني أكذب عليكم الآن؟".

بُهت الجميع بعد تلقيهم لهذه الكلمات, فمع تسارع الأحداث التي كانت تجري حولهم نسوا تماماً التفكير في هوية الشخص الذي ترك لهم الملاحظة التي قادتهم لـ (ساي), كما أنه كان يعلم بأمر (أمورا) أيضاً. من هذا الذي يقف خلف الباب؟ ولماذا لا يظهر نفسه لهم؟

أغمض (آرثر) عينيه وأخذ نفساً عميقاً.
".....أخبرنا مالذي يجب علينا فعله."

-----------------------------------

خرج (ساي) من الحمام وهو يبدو كشخص مختلف عن ذاك الذي دخله, فقد كان منتعشاً ويدندن لحناً ما لنفسه بينما انشغلت يداه بتجفيف شعره الطويل مستخدماً منشفةً وجدها بالداخل. ولكن حالما قام برفع عينيه توقف مكانه وهو يرمش بتساؤل, فقد كان الكلُ ينظرون بإتجاهه بصمت وكأنهم كانوا ينتظرونه وقد حملت وجوههم تعبيراً لم يتمكن من قراءته.

"إحم...هل إزددتُ وسامة خلال الدقائق العشرة التي قضيتُها بالداخل؟ مابالكم تحدقون بي هكذا؟".

"ألم تفكر في إحتمال كونك إزددت قُبحاً؟", لم يستطع (لورانس) الواقف عاقداً ذراعيه تضييع فرصةٍ يقوم فيها بالسخرية من (ساي).

"لا أريد سماع ذلك من مراهق ذو شعر ملون مثلك.", لم ينظر (ساي) لمحدثه – أو بالأحرى, الساخر منه-وهو يستمر في المسح على خصلات شعره التي تدلت بعفوية على كتفه.

"هل إنتهيتم؟ (ساي), هلا احتفظت بالمفتاح والكتاب بدلاً من (أمورا)؟ سأشعر بالإطمئنان أكثر إن كانوا معك.", تحدث (آرثر) وهو يحدج الشاب الحائر بنفس النظرة الغريبة التي لم يستوعب مغزاها.

لم يفهم (ساي) سبب هذا الطلب المفاجئ, ولكنه لم يجد أيضاً سبباً يدفعه للرفض, لذا فقد اكتفى بهز كتفيه وتقدم ليحمل الكتاب والمفتاح الأسود ومن ثم جلس القرفصاء على الأرض أمام المدفأة بينما توجه ظهره نحوهم.

"لا أتوقع بأنكم وجدتم شيئاً يمكننا فعله للخروج من هنا؟", تسائل وهو يقوم بتأمل أول صفحة من الكتاب.

"....ليس تماماً.", أجاب (نويل) بإقتضاب.

"توقعتُ ذلك. (نويل), هلا ناولتني هاتفي؟ لست أحبذ إضاعة الوقت بلا فائدة, أحتاج لبعض الموسيقى ليصفو مزاجي.", لم يستدر الشاب وهو يحدثُ صديقه بل اكتفى بفرد يده اليسرى وكأنما يتوقع من (نويل) وضع هاتفه هناك, وهو تماماً ما حدث. حالما استقر الجهاز في يديه, قام (ساي) بالتنقيب في جيب بنطاله ليخرج سماعاته ويوصلها بالجهاز ثم بأذنيه.

ثم بدأ في القراءة.

-----------------------------------

السابع عشر من مارس, 1884م:
أهدتني والدتي كتاب المذكرات هذا في عيد ميلادي الحادي عشر والذي كان الأسبوع الماضي, قالت بأنها طلبته خصيصاً لي وأن كتابتي لمذكراتي ستساعدني بعد إنتقالنا لمنزلنا الجديد على التأقلم مع حياتنا هنا. سأفتقدُ أصدقائي في المدينة كثيراً ولكن هذا المكان جميلٌ فعلاً. الحديقةُ واسعةٌ والمنزل كبير, كما توجد غابةٌ صغيرةٌ بقربه!
يجب علي أن آخذ (إيفانجيلين) وأذهب لإستكشاف القرية المجاورة يوماً ما.
أتساءل إن كانت معلمتنا الجديدة بنفس صرامة السيدة (لوري) التي كانت تدرسنا سابقاً.

الحادي والعشرون من مارس, 1884م:
الحياةُ هنا مختلفةٌ فعلاً, فوالدي يبدو أكثر ارتياحاً هنا من المدينة, ووالدتي تستمع جداً بزيارات نساء القرية وإطراءهن لمنزلنا.
ليس هناك الكثير من الزوار بأعمارنا أنا و (إيفانجيلين), ولكن لا بأس بذلك فنحن دائماً لدينا بعضنا البعض. بإمكاننا أن نستغل الوقت الذي تنشغل فيه أمي لإستكشاف أرجاء المنزل الجديد فهناك العديد من الغرف التي لم ندخلها بعد.
مُدرسَتنا الجديدة, السيدة (إليزابيث), لطيفةٌ جداً ولا تعطينا الكثير من الفروض, لذا فأنا سعيد جداً.

السابع والعشرون من مارس, 1884م:
لقد حدث شيءٌ غريب جداً اليوم...
عندما أتت ضيفات والدتي لتناول الشاي في المنزل, قمنا بتحيتهن كما علمتنا أمي ثم تركناهن وذهبنا نستكشف كالعادة. دخلنا إلى غرفة المعيشة الصغيرة التي تقع قرب المطبخ والتي قلما يزورها أحد. كانت هناك ساعةٌ كبيرةٌ يوجد في منتصفها مفتاح أسود. أنا لم أرَ ساعةً تحمل مفتاحاً من قبل. (إيفانجيلين) قالت بأن المفتاح قد يكون لمعايرة وقت الساعة, ولكن عندما حاولتُ إدارته لم تتحرك عقارب الساعة سوى مرة واحدةً فقط. ولكن ليس هذا هو الشيء الغريب...
لستُ أعلم كيف حدث ذلك, ولكنني وجدتُ نفسي و(إيفانجيلين) أمام والدتي وضيفاتها مرةً أخرى. كُنَ يتحدثن بنفس الأحاديث, ويستعملن نفس الكلمات التي سمعتهاً المرةً الأولى. نفسها تماماً! حتى إسقاط الآنسة (ماري) لكأس الشاي الخاص بها تكرر بحذافيره.
(إيفانجيلين) تُنكر تماماً معرفتها بموضوع الساعة, إنها تقول بأنني أكذب.
يبدو أنها لا تتذكر.

الثامن والعشرون من مارس, 1884م:
يظهر أن والدتي سمعت بموضوع الساعة من (إيفانجيلين), وأنا الآن معاقب لأنها مؤمنةٌ بأنني اختلقتُ القصة لأُخيف بها أختي الصغيرة....
لستُ مهتماً بالساعة البلهاء فقد تعرضتُ للتوبيخ بسببها, سأقوم برمي المفتاح في صندوقي ولن أذكُر الأمر لأحدٍ مرةً أخرى.

الخامس عشر من إبريل, 1884م:
(إيفانجيلين) ليست على ما يرام....
يبدو أنها أُصيبت بمرض ما, وأنا الآن لا أستطيع اللعب معها خارجاً أو حتى بداخل المنزل. إنها تتألم أغلب الوقت, وسعالها يزداد حدةً كل يوم. طبيب القرية يحاول جاهداً طمأنة والدتي ولكنها بدأت تُصاب باليأس فحالة أختي لا تبدي أياً من بوادر التحسن. بالأمس سمعتها تبكي بعد أن تمكنت (إيفانجيلين) من النوم أخيراً. حالةُ أختي سيئةٌ لدرجة أننا اضطررنا لنقل غرفتها لتصبح بجانب غرفة والدتي في الطابق الثاني حيث أنها تحتاج لرعايتها على الدوام. لقد إخترنا لها الغرفة الأبعد عن السلالم لكي لا يزعجها صوت الخدم والزوار.
إنني وحيد جداً, وحزين جداً. حتى دروس السيدة (إليزابيث) أصبحت كئيبةً عندما بدأت أتلقاها لوحدي.
أتمنى أن تُشفى (إيفانجيلين) قريباً.

الثامن والعشرون من إبريل, 1884م:
لم يتمكن أحدنا من النوم الليلة الماضية, فـ (إيفانجيلين) لم تتوقف عن البكاء والسعال طول الليل, وقد ارتفعت درجة حرارتها فجأة. والدتي تمنعني من الدخول عليها خوفاً من إصابتي بالعدوى, ولكنني أريد رؤيتها بشدة...
لم نلعب أو نتحدث مع بعضنا كما كنا نفعل سابقاً منذ أسبوعين, وأنا قلق عليها للغاية.
لقد طلبتُ من والدي أن يقوم بأخذها إلى مستشفى المدينة ولكنه يرفض بحجة أن السفر سيرهق صحتها أكثر, سأحاول إقناعه ثانيةً غداً.
يبدو أنها نائمةٌ بعمقٍ فالسكون يخيم على غرفتها منذ مدة.

-----------------------------------
اليد التي لمست كتفه خرجت به من عالم المذكرات والموسيقى الذي غطس فيه بعمق, وأعادته للواقع الذي تركه خلفه لوهلة.

رفع (ساي) رأسه الذي غطى الشعر الطويل جانبه وأزاح السماعات من أذنيه والتفت برأسه متسائلاً ليرى (نويل) وقفاً خلفه بوجوم لم يجد له مبرراً.

"(ساي), لقد كنا نتحدث فيما بيننا, وأعتقد أنه يجب علينا الذهاب للغرفة التي توجد بها الساعة."

"ولم عسانا نفعل ذلك؟ ألم يقل (آرثر) بأن لا فائدة ترجى من إستعمال المفتاح؟".

"نعم, ولكن...أليس من الأفضل أن نكون بقربها في حال وقع أمرٌ ما؟", أجاب (نويل) بتردد وكأنه لم يكن هو نفسه متأكداً من السبب.

ما هذه النبرة الغريبة التي يحملها صوت (نويل)؟

لم يعلق (ساي) على كلام صديقه بل اكتفى بإغلاق الكتاب وقام بإدخال المفتاح الأسود في جيبه ثم نهض من موضعه بتمهل واتجه صوب الباب وبصره يجول بين وجوه أصدقائه الخمسة. كان أغلبهم يحاول تجنب نظراته.

"....حسناً إذن, فلنذهب إن كان هذا ما تريدونه, ولكنني لا أرى الجدوى من ذلك."

لم يرد أي منهم عليه, مما أجج شعوره بوجود سرٍ ما. أحياناً يستطيع الإنسان أن يحس بالجو المكهرب حتى وإن كان كل شيءٍ يبدو طبيعياً في الظاهر. ما هذا الإحساس الكاسح الذي ينتابه بوجود شيءٍ خاطيء؟

لم يتسنى له الإستغراق في تحليلاته حول سبب غرابة أطوار الأشخاص الذين وقفوا خلفه في الغرفة وكأنهم لا ينوون الذهاب معه, فقد فوجئ بيدٍ قوية تمسك معصمه بصلابة, مما جعل رأسه يدور بسرعةٍ لينظر بدهشةٍ إلى (نويل) الذي كان واقفاً بجانبه وهو يعتصر يده.

"(ساي), إبق بالقرب مني طوال الوقت.", قالها الشاب ذو الملامح الهادئة دون أن ينظر بإتجاه صديقه الذي وجِهَت له هذه الكلمات, فقد كانت عيناه الخضراوان مركزتان بثبات على باب الغرفة.

هتف (ساي) بالشاب الأطول منه مستنكراً: " اترك يدي يا (نويل)! مالذي دهاك؟!", حاول سحب معصمه من القبضة التي أحاطت بها ولكن هيهات, فـ (نويل) كان يشد عليها بكل ما أوتي من قوة.

قبل أن يبدأ (ساي) بالتفكير جدياً في إيساع (نويل) ضرباً ليتمكن من تحرير يده, قام الأخير بسحبه فجأةً إلى الجانب وأحاطت ذراعاه به ليحمي جسد الشاب الأصغر منه حجماً بينما أطاح شيءٌ أشبه بالإنفجار بالباب الذي كان (ساي) يقف أمامه منذ ثوانٍ.

-----------------------------------

إتسعت العينان البنيتان لأقصى درجة ممكنة وهو يحدق في المكان الذي كاد أن يلقى حتفه فيه لولا تدخل (نويل) بينما همست شفتاه بذهول: "هذا مستحيل...منذ متى كان هذا الشيءُ قادراً على نسف الأبواب هكذا؟!".

ترنح (نويل) وهو يستعيد توازنه ولكنه لم يفلت معصم صديقه ولو للحظة. لمح الشاب القصير (أمورا) المذعورة بطرف عينه وهي تقوم برفع المسدس الصغير الذي وجده (نويل) سابقاً بيدين مرتجفتين نحو الصبي الشاحب وهي تصرخ به: "إبتعد عنه...إبتعد عن (ساي) وإلا...!".

هتف المذكور بها: "مالذي تفعلينه يا حمقاء؟! أنت لا تستطيعين إستخدام الأسلحة النارية, من المغفل الذي أعطاها هذا الشيء؟!".

ولكن الفتاة لم تستمع له, فقد أتبعت تهديدها بالفعل وقامت بالضغط على الزناد رغم عدم توازن يديها لتخرج رصاصةٌ طائشةٌ وتنطلق نحو عنق الطفل الذي كان ينظر نحوها بعينيه الميتتين. رغم أن المسدس يبدو صغيراً إلا أن قوة الطلقة دفعت بها إلى الخلف وهي تطلقُ صرخة جزعة تبعها صوت عواء الكائن الذي كان عنقه يحمل فتحةً صغيرة الآن. وكما هو متوقع, لم تخرج من مكان الطلقة أي دماء.

ولكن وإن كان هذا الشيء لا ينزف, إلا أنه بالتأكيد يتألم ويغضبُ بشدة في حال إصابته. فقد كان هدفه فور أن استعاد توازنه هو (أمورا), وكأنه يسعى للإنتقام الفوري مما فعلته به.

كان (ساي) يحاول بجنون أن يفلت من قبضة (نويل) وهو يشاهد ما يجري, ولكن يبدو أن الأخير كانت لديه مخططات أخرى غير إنقاذ (أمورا), فقد قام بسحب الشاب القصير سحباً إلى خارج الغرفة بينما دوى صوت طلقةٍ أخرى خرجت هذه المرة من مسدس (آرثر) الذي يحمله دوماً.

صرخت (يوهانا) بـ (نويل): "أسرع بأخذه بعيداً عن هذا المكان!".

"هل جننتَ يا (نويل)؟! مالذي تفعله؟! إنه يقتلهم...إنه يقتلهم!!!", كانت صرخات (ساي) المعترضة تملأ الممر بينما إنضم (لورانس) لـ (نويل) وأمسك بقميص الأول ليمنعه من الإفلات.

"فلتخرس أنت فكل ما نفعله نحن الآن هو لمصلحتك ومصلحتنا!", صرخ (لورانس) بوجهه بقسوة.

لم يعد بمقدور (ساي) رؤية ما يحصل في الغرفة وهو يُسحب كحيوان هائج نحو السلالم وإن كانت أصوات صراخ (أمورا) و طلقات (آرثر) تخترق أذنيه وروحه كسهام ثاقبة. لم يكن يفهم شيئاً مما يجري, ولكنه لا يهتم بالفهم الآن, تصاعُدُ غليان الغضب بداخله جعل كل ما يريده هو العودة وتلقين الطفل الحقير درساً لا ينساه مدى حياته الأبدية. ولكن الشابين استمرا في جرجرته بينما تبعتهما (يوهانا) الباكية وهي تلتفت للخلف بين الفينة والأخرى وكأنها تخشى العودة لمقابلة مصير الشخصين الذين تركوهم خلفهم, وفي نفس الوقت بدت وكأنها لا تستطيع إجبار نفسها على الهرب وتجاهل ما يحدث.

"إسمعني جيداً يا (ساي)...!", نظر المذكور لمحدثه بحقد شديد فهو مازال يسحبه من معصمه بعيداً رغم أن إبنة عمه تموت بالداخل. أي جنون هذا الذي أصابهم؟! ولكن....ما هذا التعبير المتألم الذي يرتديه وجهه؟ تعبير يُظهرُ عذاباً لا تستطيع بساطة الكلمات وصفه. كاد (ساي) يقسم لنفسه بأن (نويل) يبكي, فقد تلألأ شيءٌ ما في عينيه التي لم يوجههما مباشرةً تجاه صديقه.

"يجب عليك إستعمال المفتاح, وإلا فإن كل ما نفعله الآن سيذهب سدى. لا تنظر إلي هكذا, إسمعني فقط! يعلم الله بأنني لا أريد تركها هكذا, ولكن إن لم نفعل شيئاً فسنبقى جميعاً هنا لنموت مرةً تلو الأُخرى!".

"مالذي تهذي به أيها المعتوه؟! هل تعي ما تقوله؟! أتطلب مني الهرب كالأطفال وترككم جميعاً؟! أتريدني أن أقف متفرجاً بينما هذا الكائن السافل يقوم بقتل (أمورا)؟! إنها إبنةُ عمك أيها الجبان!! لقد ظننتُ أنك تهتم لأمرها أكثر من أي شخص آخر!!".

"وهذا ما أحاول فعله!!!", تزامنت صرخة (نويل) مع سحبه بقوةٍ لمعصم (ساي) ليقترب وجهه منه للغاية وهو يتابع صارخاً: " إنني أفعل هذا من أجلها!! لا أريدها أن تبقى عالقةً هنا لتواجه مصيراً أسوء من الموت, لقد عانت الفتاة بما فيه الكفاية!!".

لم يتذكر (ساي) بأنه رأى (نويل) بهذه الحالةِ يوماً, لذا فقد بُهت من إرتفاع صوته والكلمات المتفجرة التي خرجت من فمه, والتي لم تتطابق مع تعابير وجهه الذي ملأته الحسرة والألم. كانت عيناهما المتقاربتان تنطقان بالكثير من الأمور التي لم تنطقها شفاههما. مالذي كان يفكر فيه هذا الشاب وهو يقوم بإدارة ظهره لها؟ ماهو شعوره وهو يسمع صرخاتها؟ بدأ (ساي) يستشعر هول الموقف الذي كان (نويل) يواجهه, والذي زاده كلام (ساي) المندفع سوءاً بلا شك.

ولكن هذا لم يكن بسوء ما حدث بعدها.

فما أن بدأوا بالنزول عبر السلالم حتى خرج الكائن من الغرفة ببطء وقد تلونت بشرته الشاحبة وشعره المتناثر وملابسه التي كانت فخمة في يومٍ ما بلون أحمر لا يجهل أحد مصدره.

صرخة (يوهانا) الملتاعة نبهت (ساي) إلى أنه لم يعد يسمع صوت (أمورا) أو طلقات (آرثر), وبسرعةٍ شديدةٍ أخذ يقلبه يخفق بينما انتشر البرد في أطرافه وهو يستوعب معنى ذلك.

-----------------------------------

لم تعش (يوهانا) طويلاً بعد إطلاقها لصرختها تلك.

كونها الوحيدة التي لم تصل إلى السلالم بعد, فلم يكن من الصعب على الصبي القاتل الوصول إليها في غضون ثوانً., وبإندفاعةٍ سريعةٍ قام الصبي بالإطاحة بالفتاة التي وجدت نفسها تحلق من الدور الثاني لتهوي نحو الأرضية الرخامية لبهو الدور الأرضي في مشهد جعل الشبان الثلاثة يتجمدون في أماكنهم.

الصدمة كانت كفيلة بجعلها تكتفي بالتحديق في مهاجمها بعينين جاحظتين وهي تدرك في أعماقها إقتراب نهايتها, الوجه الصغير الذي تلون بالعروق الظاهرة بادلها النظر بجمودٍ جليدي.

لم يصدر منها أي صوت, لم تصرخ أو تتحرك بعد إرتطامها بالأرض التي استقبلتها بقسوة, بقي جسدها هامداً بينما بدأ لون الأرضية تحتها يتغير تدريجياً.

"....(هانا)............؟"

أكان هذا الصوت المخطوف الأنفاس والمتشبع بغصة الدموع فعلاً صوت (لورانس)؟ لم يسمع رداً من صاحبة الإسم التي بقيت مكانها وقد استلقت نظاراتها المحطمة بجانبها. هز الشاب المفجوع ذو العين الواحدة رأسه نافياً ببطءٍ وكأن عقله يأبى تصديق ما حدث أمامه.

لم يكد (ساي) و (نويل) يبدأون في إستيعاب ما حصل للتو حتى رأوا ظهر (لورانس) أمامهم وهو يهجم بجنون على الشيء الذي كان يخطو على آخر درجات السلم الرخامي متوجها نحو المجموعة الصغيرة وقد اخترقت جسده الصغير عدةُ طلقات في أماكن متفرقة, مما قد يفسر سبب سيره المتباطئ وكأنه ليس على عجلةٍ من أمره للقضاء عليهم.

"(لورانس)!!".
" توقف!!!!".

صرخ الشابان محذرين المذكور في نفس الوقت, ولكن التصرفات المنطقية لم تكن ما يحتل تفكير (لورانس) الآن. كلُ غضبه, كلُ حزنه, كلُ ألمه اجتمع ليجعل منه شخصاً لا يبالي بوجه الموت الذي كان يحدق فيه مباشرةً. صورة (يوهانا) وصوتها ترددا في رأسه فهي تارةً تضحك, وتارةً تؤنبه على عصبيته, وأخرى تغيظه بذكاءٍ مازح.
"لقد قتلتها!! أيها القذر الحقير!! كيف تجرؤ على فعل هذا بـ (هانا)؟! مالذي فَعَلتهُ لتستحق ذلك؟!", كانت حمم مشاعره الملتهبة تخرج متدفقة من فمه وعينه التي قابلتها نظرةٌ متجمدةٌ من عينين غُمستا في السواد الحالك.

كل ما حدث ومازال يحدث جعل (نويل) يقف كالصنم وقد تبلد عقله تماماً, لذا فقد تمكن (ساي) أخيراً من تحرير معصمه الذي كان حبيس قبضة الأول بسحبةٍ قويةٍ مفاجئة. لم يضيع ثانيةً واحدة بل إندفع خلف الشاب الذي سبقهٌ محاولاً الوصول إليه قبل أن يتسبب بغضبه الأعمى في قتل نفسه.

ولكن يد الصبي كانت أسرع منه بالرغم من أنه وصل على بعد خطوات من (لورانس) فقط.

شَعَرَ (ساي) بسائل دافئ يرتطم بوجهه ليغمر أنفه برائحة نفاذة جعلت ساقيه تتوقفان عن الحركة تماماً.

(لورانس) الذي كان يثرثر أكثر من أي شخص آخر, (لورانس) الذي كان صوت ضحكاته يصل لعنان السماء, (لورانس) العصبي المشاكس الذي كان يملأُ الحياة حوله ضجيجاً وصخباً....

(لورانس)....لن يضحك أو يصرخ أو يسخر من أي شخصٍ مرةً أخرى.

-----------------------------------

"....هذا لا يحدث....لا يمكن بأن هذا يحدثُ فعلاً...".

وصل (ساي) لمرحلةٍ الهلوسة وهو ينقل عينيه بين جسد الفتاة المحطم الذي توسط البهو وبين الشاب الذي لم تمض أكثر من ثانيتين على إغلاقه لعينه الزرقاء الصافية لآخر مرة في حياته.

بالرغم من أنه لم يجد صعوبةً في تصديق قصة (آمورا) سابقاً, إلا أنا ما يشاهده الآن كثير جداً. كيف تمكنت تلك الفتاة الهشة من تحمل هذا العذاب قبلاً؟ إنه يفضل الموت قطعاً على رؤية أصدقائه القلائل في هذا العالم يقتلون هكذا. ربما كان بإمكانه أخذ هذا الشيء الجحيمي معه قبل أن يَقضى عليه هو الآخر.

نعم.... سيفعل ذلك.

إمتدت يده إلى جيبه بسرعة ليخرج شيئاً ما.

مازالت السكين معه, السكين التي لم تفارقه يوماً منذ سنوات. سيستعملها كما إستعملها سابقاً, للقضاء على أولئك الذين يحاولون إيذاء من يحب. سيقتله هذا الكائن السفاح حتماً, ولكنه لن يسمح لنفسه بالموت قبل أن يرد له ما فعله بأصدقائه أضعافاً مضاعفة.

نظر إلى خصمه الصغير بعينين حملتا منتهى الغضب والتوحش ثم حرك السكين بخفة لينفرد النصل الفضي اللامع بينما تبخر أي خوف كان يحمله في أعماقه من إنتهاء حياته, إنه لا يبالي حقاً الآن.

-----------------------------------

"لن أسمح لك!".

(نويل) يقبض على معصمه مرةً أخرى!

تحركت العينان المتسعتان اللتان أعمتهما الشراسة لتنظرا إلى الشاب الذي تغلب عليه جنون من نوعٍ آخر.

جنون الخوف.

لماذا يُصرُ (نويل) على إيقافه؟ لماذا كان على البقية أن يموتوا هكذا؟ لماذا عليه هو أن ينجو؟ لم يكن يريد الآن سوى أن يذيق هذا القاتل العقاب الذي يستحقه. لن يكتفي بتعذيب الطفل المقيت مرةً واحدة, سيقتله مراراً وتكراراً, سيظل يقتله للأبد إن كان فعلاً لا يموت.

اللكمة التي تلقاها في معدته أوقفت أفكاره الدموية وأجبرته على السقوط على ركبتيه ليشعر بنفسه بعدها يُحمل حملاً على كتف (نويل) الذي انطلق نحو الغرفة التي تحوي الساعة, بينما رأت عيناه اللتان بدأتا تفقدان تركيزهما هدفه يتبعهما بإصرار بطيء.

لم يحس بالوقت الذي استغرقه وصولهما للغرفة ووعيه يتأرجح بين اليقظة والإغماء, ولكن سرعان ما سمع صوت باب خشبي يُركل وتبع ذلك إنزال (نويل) للجسد الذي حمله بأقصى درجات العناية التي تسمح بها الظروف. هكذا هو (نويل) فعلاً, يظل هذا الشاب مهتماً بصديقه المتهور حتى النهاية. حتى والخوف يمزق ما تبقى من عقله.

محاولات (ساي) للنهوض لم تكلل بالنجاح, فقد كان يجد نفسه يترنح ويعود للأرض مجدداً, وهو ما كان يريده (نويل) تماماً, فهو لا يرغب في أن يجد (ساي) يندفع بجنونه المعهود نحو حتفه. ليس الآن.

لقد تحملت (أمورا) عبء هذا العذاب وحدها سابقاً, ومستقبلهم المجهول سيقع على عاتق صديقه المتهور القصير, وهو يعلم مسبقاً نوع الألم الذي سيتوجب على (ساي) تحمله.

ولكن الآن, من أجلهم جميعاً, عليه أن يسير هو إلى حتفه.

إنحنى الشاب الطويل ليسحب السكين التي استقرت في راحة صديقه برفق, وقد تقابلت نظراتهما لثانيةٍ واحدة قبل أن يعتدل وهو يبذل أقصى جهده في لملمة شتات أعصابه قبل أن يستدير ليقف عند باب الغرفة أمام عيني (ساي) المشدوهتين.

-----------------------------------

لم يكن الممر الضيق الطويل الذي يسير فيه الطفل بتمهل هو المكان الذي يرغب (نويل) بالتواجد فيه حالياً, ولكن ما باليد حيلة. لا مجال للتراجع الآن, عليه أن يمضي قُدُماً فيما يتوجب عليه فعله. تسارعت أنفاسه وضربات قلبه منتظراً وصول النهاية القادمة لا محالة.

"(ساي)...علي الإعتذار إليك بينما أنا أمتلك الفرصة لذلك, أعلم أنك لا تفهم ما يجري, وربما كرهتني لما فَعَلتهُ بك, ولكنني أريد لك أن تعيش لتنقذ (أمورا), لتنقذنا جميعاً."
صوت الخطوات بدأ يصبح أكثر وضوحاً, مما يعني أن الكائن يقترب منهم حثيثاً.

"....إنني خائف لأصدقك القول....إنني خائف يا (ساي)....ولكن إن كان لابد لي من الموت فأريد أن أكون مفيداً على الأقل..."

ما بال (نويل) الأحمق يثرثر عوضاً عن الهرب؟! أراد (ساي) أن يصرخ بذلك ولكن صوته لم يسعفه فلم يسمع سوى صدى أفكاره يملأ رأسه.

" لذلك...أرجو أن تعيش يا (ساي)...يجب أن تعيش, من أجلنا جميعاً."

بالرغم من عدم وضوح الرؤية إلا أنه لاحظ شحوب وجه (نويل) المفاجئ.

لقد وصل الطفل.

"(نويل)!!!".

لم يعبأ المذكور بالصرخة المتألمة التي خرجت بصعوبةٍ حاملةً إسمه بينما كان هو يندفع فجأة ليدفن السكين القصيرة في منتصف جبهة الصبي الذي فتك ببقية أصدقائه, وهاهو دوره يحين الآن.

الصرخة الشيطانية التي أطلقها الصبي الشاحب لم توقف (نويل) الذي انتزع السكين من مكانها ليهوي بها مرةً أخرى على عنق الكائن الذي توالت صرخاته النائحة بلا إنقطاع.
تحرك (ساي) الذي تمكن لتوه من النهوض وهو يترنح ويعب الهواء عباً آملاً في أن يتمكن من إنقاذ (نويل) من موت محقق, يجب عليه أن يفعل ذلك ولو كلفه ذلك روحه, لن يترك صديقه يموت كالبقية. واحد فقط...يريد إنقاذ شخص واحد فقط على الأقل.

ولكن في نفس اللحظة, إخترقت يدٌ صغيرةٌ منتصف بطن الشاب بعنف مرسلةً رسالةً حمراء صاحبتها شهقةٌ متألمة أعلنت لـ (ساي) بكل وضوح عن فشله الذريع في تنفيذ ما عقد العزم عليه.

ثانيةٌ واحدة, ضربةٌ واحدةٌ سلبته أقرب وأعز صديق حصل عليه في حياته...أمام عينيه....وهو لم يستطع فعل شيء لمنع ذلك...

تراخى جسد (نويل) كدمية إنقطعت خيوطها ليسقط على ركبتيه وقد بدأ يشعر بالتنفس يصعب عليه بينما انحدر خطٌ قرمزي من ركن فمه الذي طالما حمل الإبتسامة للجميع.

كان (نويل) يبتسم الآن أيضاً. يبتسم برضى وهو ينظر نحو إنجازه حيث بدأ الكائن الصارخ ينكمش ويذوب مرةً أخرى.

إلتفت وجهه الذي تحول من البياض إلى الشحوب في غضون ثوانٍ ليواجه (ساي) بنفس الإبتسامة, منظرٌ جعل الأخير يغص بمشاعرٍ لم يكن يدري أنه يحملها. هذا القهر الساحق الذي اندفع عبر كل عرق في جسده كصاعقةٍ دمرت آخر معاقل التحمل لديه يوشك على يقتله, إنه يكاد يسمع صوت شيء ما يتكسر بداخله مثل جدار من زجاج يتهاوى تحت ضربات القدر.

أهو قلبه؟ عقله؟ روحه؟

"(ساي)....هل تبكي؟...لا تفعل...ستراني مجدداً...هناك (نويل) آخر...يحتاج ذهابك لإنقاذه...لإنقاذ الجميع...".

لم يكن (ساي) يشعر حتى بالقطرات التي انحدرت من ركني عينيه الجاحظتين لتصل إلى شفتيه المرتجفتين. إنه يريد أن يصرخ بأعلى صوته عله يفرغ بعض هذا الألم الذي يعتصره من الداخل, إذن لماذا تأبى حنجرته أن تطيعه؟ وجد نفسه يندفع رغم عدم توازن ساقيه ليترك جسده يتهاوى كيفما اتفق بجانب الشاب المحتضر وذراعاه تمتدان لتحتويا الجسد الدامي أمامه بقوةٍ حملت كل ما يتأجج بداخله من أحاسيس.

سعل (نويل) مرةً وهو يجاهد ليبقي الهواء في رئتيه, ترك جسده المنهك يسترخي بين ذراعي (ساي), الشخص الوحيد الذي كان (نويل) يعلم يقيناً بأنه على إستعداد للموت من أجله لولا أن اتخذ هو احتياطاته لمنع ذلك.

كان الشاب الوسيم يتألم جسدياً ونفسياً كما لم يتألم من قبل في حياته, ولكن حياته كانت الآن تتسرب بسرعةٍ جعلت الألم يُستَبدلُ بخَدَرٍ بدأ ينتشر في أطرافه. جفناه يصبحان أكثر ثقلاً بمرور الثواني لينسدلا ببطء على العينين الخضراوين اللتين بدأتا تفقدان بريقهما الهادئ تدريجياً.

"الوداع.........إلى وقتٍ قريبٍ....كما أتمنى...."

-----------------------------------
كان هو وحده الذي يعلم السبب.

لقد ضحوا جميعاً بأرواحهم مقابل منحه هو فرصةً للنجاة. فرصةٌ لا يريدها إن كانت تعني الحياة وهو يحمل ألم فقدانهم في قلبه. ولكن إن ألقى بهذه الفرصة الآن فسيخسر أكثر من سلامة عقله: سيخسرهم للأبد. أصدقاؤه الذين لم يفكر يوماً بأنه سيفقدهم هكذا, لقد كانوا هناك فقط, لم يضع في إعتباره أبداً بأنه سيصل إلى زمنٍ لا يكونون فيه هناك كما عَهِد. لم يريدوا أكثر من إجازة يقضونها سوياً. كيف تحول الأمر إلى مجزرة سلبت حياتهم ومستقبلهم وأحلامهم؟.

لم يكن من السهل عليه حمل الجسد النازف الذي فقد دفء الحياة إلى داخل الغرفة, لذا فقد كان يسحبه من ذراعه مخلفاً وراءه خطاً عريضاً أحمر اللون بينما انتكس رأسه ليغطي الشعر الثائر عينيه الدامعتين. شهقاته القصيرة اختلطت بصوت حفيف الملابس وهي تتحرك على الأرضية الخشبية.

لا فائدة مما يفعله الآن فالموتى لا يشعرون بشيء ولا يبالون بما يحل بأجسادهم, ولكنه رغم ذلك لم يكن ليترك جسد الشاب -الذي قُتل بلا ذنب سوى أنه أراد حمايته-متكوماً في الممر الدامي. برفق شديد, وكأنه يعامل طفلاً حديث الولادة, قام بتسجية الجسد على ظهره, ثم تحرك ليضع اليدين المتراخيتين واحدةً فوق الأخرى على صدره الذي اصطبغ بالدماء التي لم تتوقف عن الخروج بعد.

"....أنت لا تستحق هذه النهاية....لا أحد منكم يستحقها...لماذا جعلتموني أعيش؟...لماذا فعلتهم هذا بي؟....كل ما أريده الآن هو العودة لكم حيثما كنتم...".

امتدت يده الدامية نحو نحره لتسحب القلادة التي تدلت من طرفها الوردة السوداء اللامعة وتقطع السلسلة التي جمعتها بعنقه.

" سامحني فهذا كل ما أملك الآن...", ما باله يتكلم وكأن صديقه سيرد عليه؟

قام بوضع الوردة بين أصابع الشاب الذي ازداد جلده برودة, ثم اعتدل متباطئاً وكأنما كانت أكتافه تعتليها صخرة لا قِبل له بحملها.

واقفاً في الغرفة التي توسطها جسد آخِر أصدقائه وقد فارقته الحياة, كان ينظر بعينين خاملتين إلى وجه الفتى الملقى على الأرض , كأنه نائم لا غير. لم يكن يعرف أين ينتهى الشَعر وتبدأ الدماء , لقد كان كل ما يحيط برأسه هو هالة داكنة جعلت لون بشرته الأبيض يبدو أكثر شحوباً .

الساعة الكئيبة تصدر صوتاً رتيباً في خلفية المشهد الصامت .

في غُرفٍ أخرى متفرقة , كان باقي أصدقائه يرقدون وقد واجهوا نفس المصير. وفي كلِ مرةٍ كان يفقد فيها جزءاً من عقله. ولكن ها هو ذا , لقد وصل إلى النهاية. لربما كان هو الوحيد الباقي على قيد الحياة , ولكن شيئاً ما تحطم للأبد بداخله.

قطرات من سائلٍ قاتمٍ تنساب من بين أصابعه لتتساقط على الأرض برتابة , وما زال الشاب صامتاً.

لماذا ؟ ربما كان السبب معروفاً لديه , ولكن ذلك لا يساعده بأي حالٍ من الأحوال في منع الإنفجار العاطفي الذي يشعر بإقترابه حثيثاً. إنه لم يعد قادراً على تحديد شعوره في هذه اللحظة. ولوهلةً ما , أقنع نفسه بأنه فعلاً لا يحس بشيء.

ولكن هذه القناعة الزائفة لم تدم لأكثر من ثانيتين , وهي المدة اللتي إستغرقها لتذكر آخر كلمات قالها له صديقه مقترنةً بإبتسامة ناعمة. وعلى الفور, تماماً كما ينهار سدٌ من ورقٍ أمام طوفان جارف , سقط الشاب على ركبتيه وهو يحتوي وجهه بكفيه.

لقد أتى الإنفجار, وهو أسوأ أنواع الإنفجارات على الإطلاق...
إنه ذلك الإنفجارُ الذي لا يسمعه أحد...

-----------------------------------

VJdo0


نـــهـــايـــة الـــســـاعـــة الـــرابـــعـــة -إنتهى-


لا يمكن لنا إصلاح الزجاج المكسور, ولكن يمكننا إستخدامه لشق مستقبل جديد في نسيج الزمن.


 
 توقيع : ساي

دخول متقطع .


رد مع اقتباس
قديم 09-22-2022, 12:34 PM   #9
ساي
عضو جديد


الصورة الرمزية ساي
ساي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1308
 تاريخ التسجيل :  Jul 2020
 المشاركات : 2,291 [ + ]
 التقييم :  3532
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Silver
شكراً: 0
تم شكره 4 مرة في 4 مشاركة

مشاهدة أوسمتي



. مساء الخير والنور والرضى والسرور لكل من يقرأ كلماتي هذه.

كيف كانت إمتحاناتكم؟ هل أبليتم جيداً؟ أغلب ظني هو أن الجميع إنتهى الآن, لذا سأبارك لكم قدوم الإجازة الصيفية والتي أرجو أن تقضوها فيما يسعدكم ويفيدكم ويمتعكم.

لقد أطلتُ الغياب بما فيه الكفاية, لذا أعود اليوم من جديد بجزءٍ قصيرٍ نوعاً ما عله يشفع لي تقاعسي في الفترة الأخيرة.

(( سأكون كاذبة إن قلتُ بأنني لم أشتق للكتابة خلال هذه الفترة. ))

هاقد عدنا إلى المنزل من جديد, فمالذي سيحدث بداخله هذه المرة؟

الفصل الثامن
-----------------------------------

جميع الأشخاص طيبون في الأساس حتى تدفعهم الظروف ليصبحوا غير ذلك.

-----------------------------------


الربيع هو فصل البدايات الجديدة. فصل السعادة والجمال. فصل الدفء الذي يمحو ما قبله من برد وفتور. كلٌ شيء يرتدي حلةً جديدةً زاهية, وكأنها فرصةٌ للعودةٍ إلى رونق الحياة بعد وقتٍ طويل إنقضى على مضض في السكون.

ليس من المستغرب إذاً أن تبرق الشمس وكأنها تزهو بطلتها البهية وتتلون الأرض بالأعشاب الخضراء التي تمايلت بتبختر مع نسمات الهواء الناعمة في هذا اليوم الربيعي. كل ما بالجوار يستمتع بهذه الأجواء, وذلك يتضمن الشخصين الضاحكين الذين كانا يسيران متقاربين بينما كان ثالثهما يقف على مسافةٍ قريبةٍ منهما وهو يرمش ببطء وقد راقص النسيم خصلات شعره الذي يميل للطول.

لم يكن (ساي) متأكداً مما حدث للتو, فقد كان يتذكر بوضوح تواجده منذ عدة ثوانٍ بداخل المنزل الذي كان يلوح في الأفق أمامه الآن وهو يتفجر غضباً وحزناً قبل أن يقوم بتنفيذ وصية (نويل) له بإستخدام المفتاح في الساعة. وهو ما فعله تماماً بعد أن قام بعمل شيء آخر خطر على باله حينها. ما أن أغلق عينيه وفتحهما حتى وجد نفسه هنا.

تحركت يده التي أحاط بمعصمها سوارٌ جلدي لتلمس خده برفق.
لا شيء. لا دموع. لا دماء. كل ما شعر به هو الدفء الذي أسبغته أشعة الشمس على جلده.
إنتقلت أصابعه بسرعة لتتحسس المنطقة التي توسطت المسافة بين أسفل رقبته وأعلى صدره.
لا شيء أيضاً, لا أثر للجرح الذي كان هنا سابقاً.

صوت ضحكات أنثوية مرحة قطع حبل أفكاره جاعلاً إياه يرفع عينيه الواسعتين بحركةٍ سريعة ليسقط بصره على الشخصين الذين سبقاه بمسافة قصيرة. الفتاة ذات الشعر الأشقر المنسدل على ظهرها والشاب الطويل ذو الشعر البني الناعم يستمتعان بوقتهما سوياً على ما يبدو.

"...(أمورا)...(نويل)...", همس بذلك نفسه وسط أنفاسه.
هل هو في حلمٍ الآن؟ أم أن ما حدث قبلاً, ما يتذكره من أهوال, هو الحلم؟ جميع المشاعر التي غرقت مؤقتاً بداخله بدأت تطفو من جديد بينما شريط الذكريات يعيد نفسه أمام ناظريه. مالذي يفترض عليه أن يحس به الآن؟ هل يبتهج لوجودهم سالمين هنا؟ هل يبكي أصدقاءه الذين يرقدون بلا أرواح للأبد في مكان ما, في زمن ما؟ هل يكره نفسه, كونه الذي شاء القدر أن يجعله الناجي الوحيد؟ هل الشخصان الذان يراهما أمامه الآن هما (أمورا) و (نويل) "الحقيقيان"؟ أم أن الحقيقين هما أولئك الذان تركهما خلفه؟ لم يستطع تحمل كم الأفكار والكلمات التي ضج بها عقله المضطرب.

...لم يكن هناك خيار آخر...الكثير من الصراخ والدماء...(نويل) يبتسم...عينان سوداوان...صوت الساعة الرتيب...رائحةٌ صدئة...دموع لم يكن يقصد ذرفها ولكنها أبت إلا أن تغسل وجنتيه...مفتاح أسود منقوش...

نفض الشاب رأسه بعنف تطايرت على أثره خصلات شعره لتـنـتـثر حول وجهه وكأنه بذلك يفرغ رأسه مما ملأه, ولكن الأمر لم يكن لينتهي بهذه السهولة. ليست هذه هي المرة الأولى التي يرى فيها الموت عن قرب هكذا, ليست المرة الأولى التي يشاهد فيها هذا الكم من الدماء. إذن لماذا هو ضائع هكذا؟

"...(ســاي)؟", صوت أنثوي آخر ينطق إسمه بتساؤل.
لحسن حظه فقد تمزق حبل الأفكار مرةً أخرى قبل أن يؤدي به إلى الجنون.
" هل ستظل واقفاً هنا حتى نهاية اليوم أم ماذا؟ مالذي حدث للشخص الذي كان يتشدق بأنه يستطيع أن يسبق (لورانس) إلى المنزل في غضون دقيقتين؟", رافقت هذه الكلمات المازحة يدٌ وضِعت بخفة على كتفه بينما تجاوزه صاحبها الأطول منه ذو الشعر الأشقر والملامح الهادئة.

"هذا القصير ليس قادراً حتى على المشي كالبشر الطبيعيين على ما يبدو.", هذه النبرة الساخرة التي طالما أزعجته بدت كأروع شيء يمكن لـ (ساي) أن يسمعه الآن.
"صدقاً يا (لورانس), عليك أنت و (ساي) أن تجدا هوايةً أخرى غير السخرية من بعضكما البعض. يالكما من طفلين كبيرين!", كلمات (يوهانا) الضاحكة رسمت إبتسامةً صغيرةً على ثغره زادها منظر (آرثر) وهو يسير بثباته المعهود إتساعاً.

جميعهم هنا, جميعهم أحياء. إنتعش الأمل في روحه وهو يتمتم بذلك. لا أحد منهم يتذكر ما حصل في السابق على الأغلب, ولكن هذا أفضل لهم, هذا سيكون سره الصغير في الوقت الحالي. سيضطر لإخبارهم بالقصة كاملةً لاحقاً بلا شك, ولكن ليس الآن. إن كانت تجربة (أمورا) قد أخبرته بشيء فهو أن لا يتسرع حتى لا يجازف بأن يبدو كشخص معتل عقلياً يروي قصةً من وحي الخيال فذلك لن يساعده أبداً, بل قد يجعل محاولته في حل هذه المعضلة أكثر صعوبة. إن إنطباع الناس عنه كشخص غريب الأطوار لم يضايقه يوماً, ولكنه في هذه اللحظة تمنى أن يكون شخصاً يثق الآخرون فيه كـ (نويل) أو (آرثر).

"تباً لهذا الوضع...أنا لست غريب الأطوار! كل ما في الأمر هو أنني...مختلف عنكم قليلاً!", همهم لنفسه بحنق وهو يزفر يائساً فالتمني لن يحل مشكلته هذه. كانت المحادثة بين (يوهانا) و (لورانس) ما تزال مستمرة.

"أنتِ تتصرفين وكأنني أقوم بجرح مشاعره أو شيء من هذا القبيل. دعيني أخبرك بأن هذا الكائن لا مشاعر لديه من الأساس. بما أننا لسنا قططاً أو حيوانات, لن يرف له جفن حتى وإن كنا نُقتل أما عينيـ-", لم يكن (لورانس) يتوقع الركلة التي حصلت عليها ساقه جزاءً لكلماته التي أشعلت غضب (ساي) لسبب لا يعلمه – أو يتذكره – الأول.
"أوتش!!...(ساي)! أيها الحقير! لم فعلتَ ذلك؟!", هتف الشاب ذو العين الواحدة متألماً وهو يتحسس مكان الركلة بـِغِل.

"ربما يساعدك ذلك على تحسين حس الدعابة الرديء الذي تمتلكه يا عزيزي.", رد عليه (ساي) ببرود وهو يسير واضعاً يديه في جيبي معطفه الأماميين غير مبالٍ بزمجرة (لورانس) الغاضبة خلفه.

الأحمق لا يعي بأن كلماته سببت قشعريرة باردة غزت جسد (ساي). تلك الكلمات جعلته يعي حجم العبء الساحق الذي يحمله. لم يكن يخشى كثيراً على حياته هو, لقد راوغ الموت سابقاً وخرج حياً, ولكن أي تصرف خاطيء قد يكلفه حياة البقية, وهو شيء لن يسامح نفسه عليه إن حدث فعلاً.

بدأ (ساي) يفكر جدياً في طريقةٍ تجعله قادراً على إيقاف هذه الحلقة المفرغة دون أن يعرض أصدقاءه للخطر, وأخذت المعطيات تتوارد في ذهنه تباعاً وهو يجاهد لوضعها في الترتيب الصحيح.

إنه الوحيد الذي يتذكر ما حدث في المرة السابقة. تطلب الأمر من (أمورا) أربع محاولات حتى تصل إلى ما وصلت إليه, رغم أن النهاية ظلت كما هي تقريباً. لماذا؟ ربما تمكنوا من الصمود لفترة أطول من السابق كما قالت, ولكن شيئاً ما ظل ناقصاً...شيءٌ ما يجب عليهم فعله, أم يجب عليهم عدم فعله؟ أين الحل؟ كيف يستطيع إيجاده وهو لا يعلم أين العقدة أصلاً؟

كل الخيوط تؤدي إلى الساعة والقاطن الوحيد بالمنزل, الصبي الشاحب.

لم يكن من الصعب على (ساي) التوصل إلى خطة مبدئية حيال ذلك الصبي, ولكن يبقى السؤال فيما إذا كان الأمر سيسير كما يرجو أم لا. من الصعب جداً التنبؤ بعاقبة ما يفكر في فعله.

بينما كان الشاب مستغرقاً في التفكير لمح صديقته ذات الشعر الأشقر الطويل تلوح له من بعيد وقد شارفت على الوصول إلى مدخل المنزل مع إبن عمها الباسم, لذا رفع يده بشرود ليرد لها الحركة وهو يحث الخطى نحوهما. كان النظر إلى (نويل) يتسبب في إنقباض قلب (ساي) الذي لا يفتأ يتذكر نفس هذه الإبتسامة وهي تستقر في وجهه قبل أن يفقد الحياة, ولكن إن كان (ساي) يجيد أي شيء لدرجة الإحتراف فهو عدم جعل ما يشعر به يتراءى لغيره, لذا فقد ألبس وجهه قناع شخص لا هم له في الدنيا بينما كان يقترب رويداً من المنزل الذي قد يتسبب في قتلهم جميعاً...مرةً أخرى.

-----------------------------------

" حسناً ... لم أكن أتوقع هذا, بكل صراحة. إنه .. أممم .. كيف أقولها ؟ إنه مميز نوعاً ما , بدون شك , و – ".
" يا له من منزل مرتب وأنيق, سيكون (نويل) محظوظاً إذا تمكن من شرائه! ".
يبدو أن عجلات القدر بدأت تدور من جديد فها هو شريط الأحداث يكرر نفسه مجدداً, وهاهم بداخل المنزل يتبادلون التعليقات حول المنظر الداخلي الغير متوقع للمكان.

"(آرثر), هل لي برؤية مسدسك قليلاً؟".
نظر المذكور بحيرة إلى محدثه الذي إبتسم بحلاوة وبسط يده ليؤكد طلبه الغريب, مالذي يريده (ساي) بمسدسه فجأة؟ ولكن بالرغم من كونه متهوراً في أغلب الأحيان, إلا أن (آرثر) يعلم بأن (ساي) أكثر حرصاً من أن يعبث بسلاح ناري لمجرد اللهو, لذا فقد أذعن لهذا الطلب المفاجئ ومد يده بداخل جيب معطفه الطويل لتخرج حاملة المسدس الصغير وتُناوله للشاب القصير بحذر.

"لستُ أمانع أعطاءك إياه ولكن هل لي أن أعرف لم تريده؟".
أجابه (ساي) دون أن يرفع عينيه عن السلاح الصغير الذي استقر في راحته: "أوه...صدقني, سنحتاجه قريباً. قريباً جداً". كان هذا الجواب الغامض كفيلاً بجعل (آرثر) يعقد حاجبيه بشك وهو يحاول إيجاد المعنى الخفي خلف تصرفات (ساي) العجيبة.

لم يكن (ساي) منتبهاً لنصف الأشياء التي كان الآخرون يقولونها وهم يتمازحون غير مدركين لما هو قادم لهم, فقد كان أكثر إنشغالاً بتقليب المسدس بين يديه بإستعجال قبل أن يقوم بسحب زر الإمان جاعلاً السلاح في وضع الإطلاق أما عيني (آرثر) المبهوتتين.

"(ساي), مالذي تفعله؟! مالـ-", قبل أن يتمكن (آرثر) من إكمال جملته, إلتفت (ساي) بوجهه نحوه وقد انتصبت سبابته أمام شفتيه المزمومتين حاثاً صديقه على السكوت. لا وقت للكلام الآن, عليه أن يتحرك أولاً ويشرح آخِراً. سيعود لاحقاً للغرفة التي توجد بها الساعة فهو يعلم – من خبرة (أمورا) السابقة – بأن المفتاح والكتاب هناك, ولكن هناك شيءٌ أكثر أهميةً يجب عليه فعله حالياً.

وكأنما قرأ منزل الشؤم أفكاره, فقد بهتت الإضاءة التي غمرت البهو الواسع لعدة ثوانٍ قبل أن تعود لسابق عهدها. كان (ساي) يعلم ما يعنيه ذلك, لذا فقد تحرك بسرعةٍ أكبر نحو منتصف المكان وهو يتجاوز البقية الذين خفتت أصواتهم تدريجياً وقد بدأوا يلاحظون ما يحمله في يده.

"(ساي), مالذي يجري؟! لم تحمل هذا الشيء؟", هتف (نويل) بدهشة عندما مر الشاب الأقصر منه بجانبه ولكنه لم يتلق جواباً على تساؤلاته.
"اسمعوني جميعاً, توجهوا للطابق الثاني, الباب الثالث على اليمين, لا تحاولوا تضييع الوقت في محاولة الدخول للغرف الأخرى فأغلبها موصدة. مفهوم؟", هتف (ساي) بالبقية وعيناه تجولان في المكان بترقب.

"....ماذا؟! مالذي تهذي به أيها المختل؟", عقد (لورانس) حاجبيه وهو عاجز عن إستيعاب ما يحدث فرغم أن (ساي) كان يقول كلاماً غير مفهوم أبداً إلا أنه لم يبدُ مازحاً على الإطلاق.
"نعم, نعم...أعلم أنكم لا تفهمون ما يجري, ولكنني سأشرح لكم كل شيء بعد خمس ثوانٍ.", أغلب الظن أنه سيأتي من الجانب الأيسر فهذا ما حدث في المرة السابقة, لذا فقد ركز نظره على تلك المنطقة وقد وضع سبابته اليمنى بخفة على الزناد المعدني البارد.
"خمسة...هاه؟! ما هذا المزاح الثقيل يا (ساي)؟", وضعت (أمورا) يديها على خصرها بإحتجاج وكأنها أم توبخ طفلها بعد أن قام للمرة الألف بعمل شيءٍ لا يفترض به فعله.
وقبل أن تنقضي الثواني الخمسة التي وعد بها (ساي), ظهر الطفل.

-----------------------------------

إنحبست جميع الأنفاس في الصدور فور أن إجتاح المكان ذلك الشعور الخانق الذي لا يمكن أن يعني شيئاً جيداً, وبالتأكيد لم يكن ما تراه عيونهم المتسعة أمامهم الآن بالشيء الجيد.

بشرةٌ شاحبةٌ جداً تكاد تميل للون الرمادي الباهت أظهرت أسفلها العديد من العروق البارزة المتقاطعة, عينان حملتا السواد الكالح فقط وكأنهما قطعتان من غياهب الجحيم, الشعر الناعم المتناثر حول وجهٍ فتيٍ حمل ملامح إحتفظت ببعض وسامتها السابقة وإن كان ذلك لا ينقص الكثير من القشعريرة التي تسببها للناظرين إليها.

إن هول المفاجأة كان كفيلاً بمنع الصرخة المحتبسة في حنجرة (أمورا) التي كانت أقرب الموجودين إلى حيث يقف هذا الطفل الشاحب.

كسر صوت (ساي) تعويذة الصمت التي ألقاها ظهور الفتى المفاجئ على الخمسة الآخرين.

"لا تقفي هكذا يا بلهاء!!", رافق ذلك قيامه بسحبها من ياقة فستانها للخلف بحركة عنيفة أخرجت الصرخة التي كانت حبيسة حلقها بينما تحرك (نويل) المتحجر خوفاً أخيراً ليقوم بتلقفها قبل أن تسقط على الأرض. ربما كانت الضرورات تبيح المحظورات ولكن (ساي) استوعب متأخراً بأنه القاها للخلف بقوة أكثر من المحتاج, لو كانوا في ظروف أخرى لقامت الفتاة بالصراخ عليه لساعات, ولكنه في مأمن من هذا الآن.

"(أمورا)! هل أنتٍ بخير؟!".
"من هذا....ما هذا؟!...".
"يا إلهي..!!".

العديد من الهتافات الشاهقة والتساؤلات الخائفة, بينما كان الطفل يلتزم الصمت التام كما هي عادته وهو يرمق الشاب الذي وقف بمواجهته مصوباً مسدساً إليه. كانت يد (ساي) اليمنى تحمل السلاح بينما أسندتها يده اليسرى من الأسفل. وقبل أن يتمكن الطفل من التحرك, دوى صوت هادر بين جدران المنزل الواسع وخرجت الطلقة النارية لتخترق الكتف الأيمن للصبي الذي دفعته الرصاصة للخلف وهو يعوي. نفخ (ساي) الفخور بإنجازه على فوهة المسدس وهو يبتسم برضىً عن نفسه, لقد توقع أن تطيش رصاصته الأولى فهو لم يحمل مسدساً منذ سنوات, ولكنه أصاب المكان الذي كان يصبو إليه تماماً.

"(أمورا), للعلم فقط, لا أحد يطلق المسدس بينما تمسك كلتا اليدان بالمقبض, هذا لا يعمل سوى في الأفلام. عليكِ إسناد يدكِ بالإخرى وإلا تسبب إرتجاع المسدس في تحطيم ساعدك. لا تنسي هذا فربما تحتاجين لإطلاق النار في يوم من الأيام."

لم يفهم أي منهم مالداعي لهذا الدرس القصير عن إطلاق المسدسات بينما يوجد كائنٌ مرعب المنظر يتلوى أمامهم, ولكن ليس بإمكانهم حقاً التنبؤ بالوقت الذي يروق لـ (ساي) فيه التحول إلى شخصه العشوائي غريب الأطوار. وقبل أن يتمكن أي منهم من التعليق على ذلك, تبدلت ملامح (ساي) لتحمل تعبيراً جدياً من النادر أن يروه: "إلى الطابق الثاني! الآن!! هذا إن كنتم تفضلون عدم التسبب في قتل أنفسكم هنا.".

"مالذي تقوله؟! مالذي يجري هنا أصلاً؟ وماذا ستفعل أنت؟!", كاد شحوب وجه (نويل) يعادل شحوب الصبي وهو مازال ممسكاً بالفتاة الشقراء وعيناه تحدقان بالصبي الذي استعاد توازنه مجدداً.

همست (يوهانا) بذهول: " لا دماء...لقد أصابته رصاصةٌ ولكن ليست هناك دماء....".

" آه, نعم. إنه لا يموت أيضاً. كلُ ما أقوم بفعله الآن....", أوقف (ساي) كلماته بينما رفع يديه مرةً أخرى وأغمض إحدى عينيه مستهدفاً الساق اليسرى بطلقةٍ ثانيةٍ نجحت في جعل الصبي يترنح ويسقط على ركبته مطلقاً المزيد من الصرخات قبل أن يلتفت ليواجه باقي أصدقائه, "....هو أنني أقوم بكسب بعض الوقت حتى تقرروا الإستماع لما أطلب منكم فعله منذ فترة! تباً يا (آرثر), هل لا جعلت نفسك مفيداً وقمت بأخذهم إلى الأعلى؟ هذا الشيء ليس بالضعف الذي يبدو عليه, إنه يزداد قوةً في كل مرة. سألحق بكم فور أن أنتهي من تولي أمر هذا الطفل اللطيف. لا تبدأ بسرد المواعظ علي فهو ليس إنساناً طبيعياً أصلاً لذا فإطلاق النار عليه مقبول تماماً, إتفقنا؟".

لم يكن موقف (آرثر) يسيراً فهو لم يستوعب بعد ما يجرى في هذا المكان العجيب, ولكنه في نفس الوقت يرى بوضوح أن (ساي) يبدو عليماً بما يجب فعله لسببٍ ما. رغم عدم منطقية الأمر, إلا أنه قرر تنفيذ ما يقوله المتهور القصير في الوقت الراهن, سيكون هناك وقتٌ آخر للأسئلة حتماً.

أومأ الشاب الأشقر ببطء حازم قابلتهُ إبتسامة شاكرة من (ساي) الي بدا مستمتعاً بما يجري أكثر مما يجب. كيف لا وقد سنحت له الفرصة ليرد جزءاً من العذاب الذي ناله أصدقاؤه لمن فعل ذلك بهم؟ لربما كان بارعاً في إخفاء مشاعره عن غيره, ولكنه صادق مع نفسه لدرجة أنه لا يشعر بأدنى درجات الذنب لإستمتاعه بما يفعله.

ببضعة كلمات نجح (آرثر) في جعل البقية يتبعونه عبر السلالم تجاه الطابق الثاني, راقب (ساي) تحركاتهم المضطربة حتى إطمأن بأنهم ابتعدوا عن الخطر, للآن على الأقل. ما أن تأكد بأنه الوحيد الذي بقي مع الصبي المترنح حتى أنزل يده الحاملة للمسدس ببطء وهو يزيح خصلات شعره التي تناثرت بتمرد أمام عينه.

" حسناً, ليس هناك أحد سوانا الآن, لذا بإمكاننا أن نتحدث براحتنا.... أليس كذلك يا (فرانسيس)؟".

-----------------------------------




بـــدايـــة الـــســـاعـــة الــخـــامــــســـة -إنتهى-


فقط عندما نواجه الخوف وجهاً لوجه, حينها نعلم قوانا الحقيقية.


 
 توقيع : ساي

دخول متقطع .


رد مع اقتباس
قديم 09-22-2022, 12:37 PM   #10
ساي
عضو جديد


الصورة الرمزية ساي
ساي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1308
 تاريخ التسجيل :  Jul 2020
 المشاركات : 2,291 [ + ]
 التقييم :  3532
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Silver
شكراً: 0
تم شكره 4 مرة في 4 مشاركة

مشاهدة أوسمتي



. مساءٌ عَطِرٌ لكم جميعاً.

يا إلهي...أدرك جيداً بأنني تأخرتُ كثيراً, ولكن قدومي اليوم بمثابة زيارة قصيرة للسطح قبل أن أعود للغطس في بحر الألعاب وأعمال الرسم المتراكمة علي.

((الحقيقة أنني أستمتع بوقتي جداً, ولكنني في نفس الوقت اشتقت لكم ولكلماتكم.))

حسناً, أعلم أن هذا قد لا يشفع لي تأخيري, ولكنني أتيتكم اليوم بجزء قصير يمكنكم إعتباره "وجبة خفيفة" قبل أن تبدأ أحداث النهاية.

.فلنبدأ إذاً.
الفصل التاسع
-----------------------------------

الجدران التي نبنيها حول أنفسنا لتمنع الحزن إنما هي تحرمنا السعادة أيضاً.

-----------------------------------



خيم صمت مهيب على البهو الواسع لعدة لحظات ٍ مضت ببطء الدهور, أو على الأقل, هذا ما كان (ساي) يشعر به وهو يقف هناك مُثبتاً عينيه على الصبي الذي وقف مكانه بثبات رغم الرصاصتين اللتين استقرتا في جسده. إن كان الفتى قد سمع كلمات (ساي) وفهمها, فملامحه الميتة لم تكن تدل على ذلك. ولكنه لم يتحرك بإتجاه (ساي), لم يحاول الهجوم أو حتى الهرب, مما أعطى الشاب حافزاً للإستمرار في حديثه وهو يضع يديه في جيبيه بإستراخاء وكأنه يتبادل أطراف الحديث حول الطقس مع أحد زملائه.

" (فرانسيس كينزي), إسم ظريف جداً لو لم تكن مجرد كائن لا يمت للبشري الذي كانه بصلة. أنت تدرك ما أنت عليه الآن, أليس كذلك؟ يبدو أن ما حصل لـ (إيفانجيلين) كان أكثر مما يمكنك تحمله.", كان يراقب وجه الصبي الصامت وهو يتكلم إنتظاراً لأي ردة فعل تثبت بأنه يستمع إليه فعلاً, وقد حصل (ساي) على مبتغاه فور أن نطق بإسم (إيفانجيلين) فقد إلتوت شفتا (فرانسيس) بحركة بسيطة لا تكادُ تُلاحظُ لولا أن ملامحه كانت تحمل سابقاً تعبيراً جامداً لا يتغير.

تقدم (ساي) خطوةً للأمام وهو يكمل : "بما أنك لست من هواة الثرثرة, أو المحادثة عموماً, فدعني أحزر ما حدث... (إيفانجيلين) لم تستيقظ في ذلك اليوم, لقد فاضت روحها بينما كنت أنت تعد نفسك بمحاولةٍ ثانيةٍ لإقناع والدك بأخذها إلى المشفى. لستُ أشكُ بأن حجم الصدمة أعماك عن عدم جدوى إستخدام المفتاح. من كان سيصدق صبياً يروي لهم بأنه عاد من مستقبل ماتت فيه أخته بواسطة ساعة ما؟ لم تتمكن من تغيير شيء وانتهى الأمر بتكرار الأحداث نفسها. أستطيع تخيل ردة فعل والديك حيال ذلك. هل إتهماك بالجنون؟ هل عاقباك على ما ظنَا بأنه كذبةٌ قاسية؟ هذا ما حدث, أليس كذلك؟ ولكنك لم تتوقف....".

حتى بالنسبة لشخص لا مبالٍ كـ (ساي), فقد كان تخيل هذا الموقف كفيلاً بجعله يُحِسُ بشيءٍ من الشفقة الخفية تجاه (فرانسيس), إنه يفهم هذا الشعور جيداً, ويعلم عواقب الغرق فيه. ولكن هذا الشعور هو نفسه الذي يجعله يجازف بخوض هذه المواجهة الخطرة.

إنخفض صوت (ساي) لا إرادياً وهو يكمل محادثته ذات الطرف الواحد: "من الغريب علي قول ذلك بعد كل ما سبَبتَهُ لأصدقائي من رعب وآلام, ولكنني لا ألومك على ما فعلته فأنا كنت سأفعل الشيء نفسه...لا...أنا فعلتُ الشيء نفسه تقريباً. اليأس, الحزن, الخوف من مستقبلٍ لا يوجد فيه من تُحب. كلها أمور تدفع بالشخص نحو هاوية مظلمة يفقد فيها بصيرته. كم مرة قمتَ بإستعمال المفتاح؟ كم من الوقت مضى وأنت تحاول؟".

لم يكن (ساي) بحاجة للإجابة فالقليل من التفكير كفيل بحَلِ ذلك.

من الواضح بأن مرور الوقت يختلف داخل المنزل عن خارجه, كون الزمن يسير بشكل طبيعي في الخارج. من البديهي إذاً أن يكون الرابط بين المنزل وإختلال الزمن فيه هو ما حصل بسبب الساعة التي قام (فرانسيس) بإستعمالها مراراً وتكراراً.

مئتي عام ونيف...

ما من بشر سيظل بشراً بعد العبث بالزمن بهذه الطريقة, ولكن من ذا الذي يستطيع توبيخ صبي في الثانية عشرة كان يحاول ملتاعاً إنقاذ شقيقته دو التفكير في العواقب؟
العينان السوداوان تنظران إليه بثبات بينما بدا صاحبهما وكأنه تجمد في مكانه كما تجمد في الزمن, ولكن لم يَفُت على (ساي) ملاحظة يدي الصبي اللتان انقبضتا بصلابة إلى جانبه وكأنه يعوض بذلك عدم قدرته على الرد. ولكن هل هوغير قادر على الكلام حقاً؟

أكمل (ساي) مسيرته نحو (فرانسيس) وقد اصطبغت ملامح وجهه بشيء من الأسى, إنه حقاً يتعاطف مع الفتى أكثر مما كان يتوقع. وفي تلك اللحظة عَلِم (ساي) بأنه لا يريد إنقاذ نفسه وأصدقائه من براثن هذا المنزل فقط, لقد أصبح يريد أيضاً إعطاء هذا الصبي التعس فرصة للخلاص من الجحيم الذي أوقع نفسه به.

"أعتقد بأنني أستطيع مساعدتك, أو على الأقل, أستطيع المحاولة. ولكن لن أتمكن من فعل ذلك ما لم تساعدني أنت أولاً. هذا الإتفاق ليس سيئاً إن فكرت فيه, كلانا سيحصل على ما يريد إن سارت الأمور كما يجب. بست أتوقع بأنك تحبذ الإستمرار في العيش و أنت...هكذا.", كانت الكلمة الأخيرة هي كل ما إستطاع (ساي) قوله لوصف حالة (فرانسيس) المزرية دون أن يقوم بالمجازفة بقول شيءٍ يثير حنقه, عليه أن يكون حذراً جداً إن أراد أن يكون مُقنعاً.

فوجئ (ساي) برؤية (فرانسيس) يفتح فمه ببطء وكأنه ينتوي الرد عليه, ولكن اللحظات مرت دون أن يخرج أي صوت من بين شفتيه الشاحبتين.

كان يقف الآن أمامه تماماً, لا يفصل بينهما سوى مسافة بسيطة قد تعني حياة (ساي) إن قرر (فراسيس) مهاجمته الآن, ولكن الأول لم يكن يفكر في ذلك, كل ما كان يراه أمامه الآن هو طفل كسير مثير للشفقة. لم يتردد (ساي) في الركوع على ركبة واحدة أمام الصبي وهو يمد يديه ببطء حذر لتلمس الخدين الذين تجردا من تورد الحياة, ياله من جسد بارد, ولكنه لم يكن يتوقع غير ذلك. سرت القشعريرة في جسده لعدة أسباب كان أحدها بالتأكيد هو إقترابه من العينين السوداوين لهذه الدرجة, كانتا لا تحملان من المشاعر شيئاً ولكن هذا بحد ذاته يثير قلقه, إنه لا يحب كونه لا يعلم مالذي يفكر فيه هذا الصبي.

ولكن رغم قلقه وتوتره إلا أنه نظر إليهما مباشرةً وهو يقول بخفوت: "أخبرني...كيف أستطيع مساعدتك؟".

-----------------------------------

"يجب علينا أن نساعده!".

"...ولكن...مالذي يمكننا أن نفعله؟...أنا لا أفهم مالذي يجري هنا أصلاً...!".

"هذا لا يعني أن نترك (ساي) لوحده بمواجهة ذلك الشيء يا (لورانس)!".

"لقد كان محقاً...", أخبر (آرثر) نفسه وهو يجول ببصره في الغرفة التي قال (ساي) بأنهم سيجدونها مفتوحة, وهذا ما حصل فعلاً قبل أن يقوم هو بإغلاق الباب خلفهم بالمفتاح الذي وجده عليه. إن كان هذا يعني شيئاً فهو بأن الأخير لم يكن يكذب عندما قال بأنه يعلم ما يجب فعله. ولكن هذا لا يشرح لـ (آرثر) كيف تمكن (ساي) من معرفة ذلك, فهو على حد علمه لم يأتِ إلى هذا المكان قبلاً.

أم أنه فعل...؟

الأصوات المختلطة خلفه منعته من التفكير في الأمر مطولاً, فبين شهقات (أمورا) المذعورة ونزاع كلٍ من (يوهانا) و (لورانس), تذكر بأن (ساي) مازال وحيداً بالأسفل. (يوهانا) على حق, يجب عليه أن يعود لنجدته, ولكنه طمأن نفسه مردداً أنه لا يتوقع من شخص كـ (ساي) أن يتسبب بقتل نفسه بهذه السهولة.

تقدمت (آمورا) بإتجاهه والدموع محتبسة بمقلتيها الجميلتين يتبعها (نويل) الذي إكتسب وجهه لون الورق, لم يكن من الصعب عليه معرفة مالذي يريدون قوله.

"(آرثر)...أرجوك...لا تترك (ساي) وحيداً...أرجوك أعده سالماً ولنخرج من هنا حالاً...".

في موقف كهذا لم يكن بوسع (آرثر) سوى إفتعال إبتسامة لتهدئتها وهو يقول: "لا تقلقي يا (آمورا), لقد كنت على وشك الذهاب للتو, ولكن لن يحدث شيءٌ سيءٌ على الأرجح, هذا (ساي) الذي نتحدث عنـ-...".

لم يغادر الحرف الأخير شفتيه قبل أن يدوي صوت صرخة طويلة مفاجئة قدمت من الأسفل وحملت الكثير من الألم, كما حملت صوت الشخص الذي كانوا يتحدثون عنه للتو.
شيءٌ سيءٌ ما حدث لـ (ساي).

-----------------------------------



الـــســـاعـــة الــخـــامــــســـة -إنتهى-


لا تستطيع معرفة ما يوجد في نهاية الطريق إلا إذا سلكته. ولكن ماذا سيحدث إن سلكت الطريق الخطأ؟


 
 توقيع : ساي

دخول متقطع .


رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:34 AM